هذه السورة مكّية وتدور حول محور الإخلاص لله تعالى في كل الأمور, وتبدأ بدعوة الرسول الكريم بإخلاص الدين له وتنزيهه عن مشابهة المخلوقين. كما ذكرت الآيات البراهين على وحدانية الله في إبداعه في الخلق. وشددت على أهمية الإخلاص لله حتى يوصلنا هذا الإخلاص للجنة مع زمرة المؤمنين. وهي سورة رقيقة تذكرنا بأهمية الإخلاص لله تعالى وترك الرياء. والإخلاص يكون في عدة أمور: إخلاص العبادة لله وإخلاص النيّة والإخلاص في كل أمور الدنيا والحرص على أن يكون كل ما نعمله في هذا الدنيا خالصاً لله رب العالمين حتى ننال خير الجزاء ونسعد بالجنة ونعيمها. وقد وردت كلمة الإخلاص ومشتقاتها في هذه السورة 4 مرّات للدلالة على أهميته.
تبدأ السورة (إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ * أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إلى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ) آية 2 و3 بالدعوة لإخلاص العبادة لله وأن الدين لله وحده. وكما جاء سابقاً في القرآن (وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبناً خالصاً سائغاً للشاربين) سورة النحل، آية 66، من بين الفرث والدم يخرج لنا اللبن الخالص من الشوائب النقي، كذلك العبادة لله يجب أن تكون خالصة لله مهما أحاطها من زيف الدنيا. و(قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ * وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ * قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَّهُ دِينِي ) الآيات من 11 إلى 14 كلها تدعو لإخلاص الدين لله .
ثم تنتقل الآيات لبيان من أولى بالإخلاص له: الله تعالى أم غيره؟ (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَّجُلًا فِيهِ شُرَكَاء مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) آية 29 فالحمد لله أنه إله واحد لا شريك له إياه نعبد مخلصين له الدين.
إخلاص العبادة: (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ) آية 9.
إخلاص التوبة: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ) آية 53 و54، استخدام كلمة (أنيبوا) للدلالة على سرعة العودة لله. وذكر الصحابة رضوان الله عليهم أن هذه الآية هي من أرجى آيات القرآن الكريم لما فيها من سعة رحمة الله ومغفرته لذنوب عباده ودعوتهم لحسن الظنّ به وبعفوه عنهم مهما تعاظمت ذنوبهم فهي لا شيء أمام سعة رحمة الله تعالى فله الحمد وله الشكر.
تحذير من الإشراك بالله: (قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ * وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنْ الشَّاكِرِينَ) 64 إلى 66.
عظمة الله في الخلق تدفعنا للإخلاص له (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) آية 67. وهذه أساس عدم الإخلاص لأنه لو علم العبد قدر الله تعالى لما أشرك معه أحدا من مخلوقاته.
وصف المخلصين في يوم القيامة ومقارنتهم بالكفار. الكلّ يساق زمراً الكفار يساقون إلى النّار: (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إلى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ) آية 71، والمخلصون يساقون إلى الجنة زمراً (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إلى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ) آية 73 لأن الله تعالى يأبى أن يدخل المؤمن وحيداً إلى الجنة وإنما يدخل قي صحبته الصالحة في الدنيا وكأن هذا الجمع والدخول الجماعي هو ثمرة الإخلاص في الدنيا فالصحبة الصالحة أساسية في الدنيا لأنها تعين على إخلاص العبادة لله وفي الآخرة تدخل أفرادها زمراً لجنة الخلد. فكلّ زمرة تحابوا في الله في الدنيا يدخلون الجنّة سوياً إن شاء الله.
وسميّت السورة بـ (الزمر) لأن الله تعالى ذكر فيها زمرة السعداء من أهل الجنة وزمرة الأشقياء من أهل النار وفي هذا دلالة على أهمية الصحبة في الدنيا فلنحسن صحبتنا في الدنيا عسى الله أن يحشرنا معهم زمراً إلى الجنة اللهم آمين.