ما الفرق بين كلمة أفواههم في قوله تعالى في سورة آل عمران: (يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ (167)) وألسنتهم في سورة الفتح (سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ (11))؟(د.حسام النعيمى)
اللسان هو جزء من الفم والأصل في الكلام أن نقول: قال فلان كذا وإذا أردت التأكيد فتقول : قال بلسانه. والصورة الثانية لما يريد المخالفة لما في نيّة الإنسان فتقول: قال بلسانه غير ما يُبطن وغير ما يُخفي. عندنا صورتان للاستعمال: فهي إما للتأكيد أو للموازنة لما يبطنه. فقال بلسانه غير ما في قلبه (لما يكون مقابلة). لكن لماذا يستعمل اللسان مرة والفم مرة؟ والعلاقة بين اللسان والفم علاقة مكانية.
قاعدة عامة: لم يذكر القول باللسان أو بالفم إلا في موضع الذمّ في القرآن الكريم. واللسان جزء من الفم معنى ذلك أن الكلمة التي تخرج من اللسان أو باللسان كلمة طبيعية. لكن بفمه كأنه يملأ بها فمه فيها إشارة إلى نوع من الثرثرة والتعالي ونوع من التفخيم والتضخيم. وفيها دلالة على ثبوت هذه الصفة لهم ودوامها وتكرارها (قول غير ما يبطن) .
الآية التي ورد فيها (بأفواههم) كانت وصفاً للمنافقين في المدينة، هؤلاء كان فيهم شيخ المنافقين عبد الله بن أُبي بن سلول الذي كان قومه ينظمون له الخرز ليتوجونه ملكاً على المدينة قبل الإسلام، فصدره موغر ضد الإسلام و المسلمين. لكنه هو وجيه في قومه، كبير ولا يرتضي أن يُنسب إليه الخوف أو الجُبن في القتال والأوس والخزرج هم أبناء الحروب. ولهذا كأن القرآن يريد أن يبيّن أن هؤلاء المنافقون قالوا هذه الكلمة بنوع من الترفّع والتعالي (وليعلم الذين نافقوا) صار الكلام بعد انتهاء معركة أُحُد وأنها كانت تجربة أو كانت خبرة. (وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ (167)) يقيناً هذه العبارة قالوها بأفواههم كما يقال بالفم الملآن يعني لو نعلم أنكم ستقاتلون، سوف لا يكون هناك قتال نحن لا نخرج معكم وهم أضعفوا المسلمين بعدم خروجهم.
في الآية الثانية (بألسنتهم) الذين يقولون بألسنتهم هم من الأعراب مسلمين ليسوا من المنافقين لأن الرسول (صلى الله عليه وسلم) عندما ذهب للعمرة استنفر المسلمين واستنفر الأعراب أن يأتوا معه تحسّباً لحدوث قتال وساق الهديَ تحسباً. لو قال للمنافقين بألسنتهم يضعف الحال ولا يصور حالهم هم كانوا متكبرين فقال بأفواههم وليس بألسنتهم. وهؤلاء كانوا معتذرين فلا تتناسب بأفواههم. الصورة لا تتناسب فكل كلمة في القرآن في مكانها.

اترك تعليقاً