سورة يوسف
آية (2):
*ما الفرق بين أنزلناه (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2) يوسف) وجعلناه (إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3) الزخرف)؟
د.أحمد الكبيسى:
(إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا ﴿2﴾ يوسف) وأخرى تقول (إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا ﴿3﴾ الزخرف).نتكلم عن جعلناه هذا الكلام كلام الله، القرآن كلام الله ليس هناك شك في هذا لكن هذا الكلام هو الذي خرج من الله بالضبط؟ لا طبعاً هذا لو هذا الكلام الذي نقرأه هو الذي خرج من الله بالضبط لما استطاع منا أحداً أن يقرأه إلا وصُعِق. لكن رب العالمين كلامه الذاتي الذي لا يمكن لنا أن نسمعه رب العالمين إكراماً لنا رحمةً بنا غيّر صيرورته ولغته وصار عربياً لماذا؟ العربي (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴿1﴾ الإخلاص) هذا بحاجة إلى لسان إلى شفتين إلى حلق ميم شفتان لام حاء حلق وهكذا رب العالمين ما عنده لا شفتين ولا حلق ولا لسان (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ﴿11﴾ الشورى). وحينئذٍ رب العالمين كلامه الصحيح جعله قرآناً عربياً هذا هو الفرق بين جعله ثم أنزله بهذا إلى اللوح المحفوظ. إذن رب العالمين عز وجل قال (جَعَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا) وبعد أن جعلناه قرآناً عربياً أنزلناه هكذا إلى اللوح المحفوظ حتى نقله جبريل من اللوح المحفوظ شيئاً فشيئاً بالتنزيل على حسب الوقائع وهذا جداً منطقي. ورب العالمين قال: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) قال هذا اللفظ؟ أولاً الله يعرف عربي الشيء الثاني لغته عربية؟ ألا يعرف لغة أخرى! ثم عنده قاف ولام وحنجرة هذا بشر والله قال: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ). هذا الفرق بين أنزلناه وجعلناه.
آية (2):
*ما الفرق بين أنزلناه (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2) يوسف) وجعلناه (إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3) الزخرف)؟
د.فاضل السامرائى:
في سورة يوسف ذكر ما يتعلق بالإنزال، قال:(نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَـذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ (3)) هذا إنزال، (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَـذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ) أنزل هذا الخبر، أنزل هذه القصة لأنها كانت مجهولة عند العرب أصلاً لذلك رب العالمين عقّب عليها (ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ (102) وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون) ما كان معلوماً وقد أُثير سؤال (لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ (7)) وكان سؤال اليهود: ما الذي أحلّ بني إسرائيل مصر؟ هذا سؤالهم للرسول (صلى الله عليه وسلم) وهذا اختبار وهم يعلمون أنه (صلى الله عليه وسلم) أميّ ليس عنده علم بالتوراة فسألوه وهو في مكة لكن بعثوا من يسأله من باب التحدي “ما الذي أحلّ بني إسرائيل مصر؟” فتنزل سورة كاملة للإجابة على التحدي فيبيّن لليهود أنه (صلى الله عليه وسلم) يعلم دقائق الأمور وفصّلها أوفى مما في التوراة. ليس هذا فقط وإنما اختار عبارات إعجازية ليست في التوراة وحتى لو كان مطلعاً على التوراة وحفظها لكان ما ذكره في القرآن أوفى. التوراة لم تذكر العزيز أبداً وإنما تذكر رئيس الشُرَط أو تذكر اسمه. القرآن سماه العزيز ثم عرفنا مؤخراً أن هذه أدق ترجمة لما كان يُطلق على صاحب هذا المنصب في ذلك الوقت. كان يسمى “عزيز الإله شمس” اسم صاحب هذا المنصب مؤخراً عرفناه، ربنا لم يقل “عزيز إله شمس” لأن هذا يكون إقراراً بأن الشمس إله. فأدق ترجمة بما يتناسب مع العقيدة الإسلامية (العزيز) التوراة ليس فيها العزيز. من أعلَم هذا الرجل الأميّ بهذه التسمية؟ التوراة تذكر دائماً موسى وفرعون والقرآن لم يذكر فرعون مع قصة يوسف وإنما يذكر الملك مع يوسف ثم عرفنا فيما بعد (من حجر رشيد) وعرفنا أن الملوك في مصر قسمان: قسم إذا كان من أصل مصري يسموه فرعون وإذا كان من الهكسوس يسموه ملك فهو ملك وليس فرعون والذي كان في زمن يوسف كان من الهكسوس فسمي ملك فهو الملك وليس فرعون. في زمن موسى (عليه السلام) كان الملك مصرياً فسمي فرعون. القرآن يذكر في كل مكان لا يذكر (سيدها) بمعنى الزوج إلا في قصة يوسف قال (وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ (25)) بمعنى زوجها. ليس في القرآن (سيدها) بمعنى زوجها وعرفنا فيما بعد أن (سيدها) كان يستعملها الأقباط للرجال والبعول وقرأت في الكتب أن كلمة (سيدها) ليست عربية وإنما هي قبطية، استعمالها للزوج لا تستعملها العرب وإنما هي من كلام الأقباط بمعنى بعل أو زوج. نحن عندنا ساد يسود، لكن (سيدها) بهذه الدلالة لا تستخدمها العرب وإنما تستخدم الزوج والبعل. قال تعالى في قصة يوسف (سيدها) ولم يقل في مكان آخر (سيدها). الله تعالى تحداهم بمعلومات لم تكتشف إلا فيما بعد، ذكر القصة بكل دقائقها ثم ذكر أموراً، هذه أنزلناه.
(جعلناه): لم يذكر أموراً تتعلق بالإنزال، قال تعالى: (إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3) وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ (4) الزخرف) (أُمّ الكتاب) أين؟ في السماء، (لدينا) أين؟ عند الله عز وجل، (لعلي حكيم) أين؟ في العلو، إذن هذا ليس إنزالاً. ما يتعلق بالإنزال لأنه يتكلم وهو في السماء، في العلوّ، في الارتفاع قبل النزول: (أمّ الكتاب) أي اللوح المحفوظ، (لدينا) أي عند الله، (لعلي حكيم) مرتفع فيه سمو، فكيف يقول إنزال؟. أما الآية الأخرى فإنزال (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَـذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ (3) يوسف) الوحي إنزال. (لدينا) ليست إنزالاً، أمّ الكتاب ليست إنزالاً فتحتاج لـ (جعلناه) وليس أنزلناه. نسأل: أيّ الأنسب أنه في مقام الإنزال يستعمل أنزلناه أو جعلناه؟ الأنسب أن يستعمل أنزلناه وفي مقام عدم الإنزال يستعمل (جعلناه). نضع الإنزال مع الوحي والإنزال (ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك ما كنت تعلمها أنت وقومك) يعني أنزلها إليك، هذه لا علاقة لها بأم الكتاب ولدينا وكلها إنزال.
هل العرب كانت تفهم وضع كلمة في مكانها هكذا وتعلم أن كل كلمة عاشقة لمكانها؟ البلغاء يعلمون ويعرفون في مظانّ الكلام ما لا نعرفه نحن إلا فيما يتعلق بالأمور العلمية التي استجدت فيما بعد هذه لا يعلمونها لكن فيما عدا ذلك يعلمون من مرامي الكلام ما لا نعلمه نحن ولذلك عندما تحداهم بسورة والسورة قد تكون قصيرة جداً لم يأتوا بشيء، لم يتحداهم بآية لأن الآية قد تكون كلمة (ألم) و(مدهامتان) آية، لكن تحداهم بسورة أو بما هو مقدار السورة. كل تعبير في القرآن بمقدار (إنا أعطيناك الكوثر) فهو معجز. أقصر سورة الكوثر هذه معجزة لأنه تحداهم بها أو الإخلاص. فأي كلام في القرآن بمقدار هذ فهو معجز.
*ما خصوصية استعمال القرآن لكلمة القرآن والفرقان (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2) يوسف) وفي الفرقان (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1) الفرقان)؟(د.فاضل السامرائى)
الفرقان هو الفارق بين الحق والباطل والتوراة يسمى فرقاناً والقرآن يسمى فرقاناً والكتب السماوية فرقان. والله تعالى يقول: (وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (53) البقرة) البعض يقول الفرقان هي المعجزات، الكتاب التوراة والفرقان المعجزات وإما قالوا الكتاب والفرقان يقصد التوراة نفسها. نقول هذا أبو حفص وعمر، (فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا (112) طه) الظلم هو الهضم. هذا الأصل وليس القاعدة المطلقة. يقولون الكتاب والفرقان الكتاب التوراة والفرقان المعجزات ويقولون الكتاب والفرقان هو نفس الكتاب التوراة وأضاف ذكر كلمة الفرقان كون هذا الكتاب فرقان، أضاف شيئاً آخر لكلمة الكتاب. (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1) الفرقان) القرآن، (يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً (29) الأنفال) هم مؤمنون يجعل لكم فرقاناً وعندها ستميز بين الحق والباطل وتعرف ما يصح وما لا يصح “دع ما يريبك إلى ما لا يريبك” البر ما سكنت إليه النفس واطمأن إليه القلب. القرآن هو الاسم العلم على الكتاب الذي أنزل على مجمد (صلى الله عليه وسلم) واسم الكتاب الذي أنزل على محمد القرآن وهذا القرآن فرق بين الحق والباطل إذن القرآن فرقان والإنجيل فرقان والتوراة فرقان والمعجزات فرقان تفرق بين الحق والباطل. (وقرآناً فرقناه) هذا يعني منجّماً.
*هل توجد في القرآن كلمات غير عربية؟ وإذا وجدت كلمات غير عربية فكيف نفسر قوله تعالى: (قرآناً عربياً)؟(د.فاضل السامرائى)
الكلمات التي وردت في القرآن دخلت العربية قبل نزول القرآن وصارت عربية في التعبير، العرب استعملوها. ولا شك أنه ليس كل شيء موجود في الجزيرة العربية، هل كل النباتات موجودة في الجزيرة العربية؟ كل الفواكه؟ كل الألبسة؟ قطعاً لا. وقطعاً لما يصير اتصال في التجارة تدخل مفردات وكلمات وتقارب اللغات يعني تقترب لغة من لغة هذه ليس عندها مثل هذه فتستعمل الكلمات وتدخل لغتها. إذا كان هناك حروف ليست من حروفها تحاول أن تجعل لها حروفاً من حروف اللغة وتدخلها في كلماتها. الكلمات التي في أصولها غير عربية دخلت العربية واستعملها العرب قبل الإسلام بزمن طويل ودخلت في لغاتهم وأعربوها وخضعت للقواعد وأصبحت عربية في الاستعمال ولا نعلم أصولها وقد تكون أصولها غير عربية لكنها الآن أصبحت عربية، قد تكون غير عربية وليست موجودة في الجزيرة العربية مثل سندس واستبرق، العرب لم يكن عندهم مصانع ليستخدموا سندس واستبرق وليس عندهم جميع الأطعمة والفواكه. جميع الكلمات في القرآن عربية الاستعمال قطعاً، القرآن لم يأت بكلمة أعجمية ابتداء وأدخلها في القرآن. لو أردنا أن نرجع للكلمات الدخيلة الذي يذكرها أهل علوم القرآن نجدها كثيرة لكنها كلها دخلت قبل الإسلام والعرب فهمت هذه الكلمات وكانت تستخدمها في لغتها وفي حياتها فأصبحت عربية الاستعمال. الكلمات الأعجمية أوزانها ليست كأوزان العرب أو تجتمع فيها حروف الدال والزاي مثلاً يضعون لها ضوابط للكلمات غير العربية الأصيلة مثلاً كلمة (مهندز) لا تجتمع الدال والزاي، يضعون بعض الضوابط: اجتماع حروف ليس من طبيعة اللغة أن تجتمع في كلامهم فيقولون ليست عربية أو أوزانها. جميع الكلمات الواردة في القرآن الكريم دخلت في لسان العرب قبل الإسلام ودخلت في كلامهم وأعربوها وأصبحت عربية في الاستعمال.
*لِمّ عبّر الله تعالى عن الإخوة في رؤيا يوسف بالكواكب دون النجوم (إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (4) يوسف)؟ ولِمَ قدّم الكواكب على الشمس والقمر مع أن المعهود أن يؤخرهما (وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالْنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ (12) النحل)؟(د.فاضل السامرائى)
الكواكب توابع للنجوم هي ليست كالنجوم. إخوة يوسف توابع لأبيهم إذن هو أنسب تسمية هي الكواكب لأنهم ليسوا مستقلين. قال:(إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ) الشمس والقمر أوبه وأمه. أيّ الأولى بتعظيم الابن الأب يسجد للابن أو الإخوة يسجدون؟ الإخوة فأخر الشمس والقمر لأن هؤلاء أولى بالسجود والتعظيم وليس الوالدين لذا لا يناسب تقديم الشمس والقمر أن يسجدوا لابنهم، في المعتاد أن الابن يعظّم الأب والذي حصل أنه قدم المستحق بالتعظيم وهي الكواكب وألحق بهم الأب والأم (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدًا (100)) لم يقل والديه لأن القرآن يستعمل الوالدين والأبوين. ربنا سبحانه وتعالى لم يستعمل البر والإحسان والدعاء إلا للوالدين (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا (23) الإسراء) (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ (28) نوح) استعمل البر والإحسان للفظ الوالدين وليس للفظ الأبوين. الوالدان للوالد والوالدة والأبوان للأب والأم. الوالدان هي تثنية الوالد والولادة الحقيقية للأم وليس للأب الأب ليس والداً لأنها هي التي تلد والأبوان تثنية الأب، من الأحق بحسن الصحبة الأب أو الأم؟ الأم، فقدّم الوالدين إشارة إلى الولادة ولذلك بالميراث يقول (وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ (11) النساء) لأن الأب له النصيب الأعلى في الميراث. لذلك لما قال:(وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ) لسببين أولاً إكراماً للأم ما قال والديه إكراماً للأم يجعلها تابعة لأن الوالدين يصير الوالدة هي التي تسجد بينما هي أكرم من الأب والأمر الآخر أن الأب أحق بالعرش فقُدِّم.
آية (4):
*لماذا عبّر عن إخوة يوسف بالكواكب في قوله تعالى:(إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّيرَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِيسَاجِدِينَ (4) يوسف)؟(د.حسام النعيمى)
موضوع الرؤى قد يطول الكلام فيه لكنه بصورة موجزة هو عالم آخر غير عالم الشهادة يدخل في عالم الغيب يمكن أن يكون بينه وبين عالم الشهادة نوع من الارتباط أو الصلة أحياناً كأن يكون الإنسان يفكر في شيء ثم يراه . لكن في كثير من الأحيان هو يرى أشياء قد لا تكون خطرت له على بال والرسول (صلى الله عليه وسلم) كان يسأل أصحابه بين حين وآخر: من رأى رؤيا فأعبّرها له؟ يعني أأوّلها أذكر تأويلها وتأويلات الرؤى هي لا شك نتيجة تراكم خبرات عند الناس أنه كلما يرى هذا المشهد أو هذه الصورة يتحقق عنده الشيء الفلاني فيكون هناك ربط ومن الناس من ألّف في هذا. قد تكون الرؤيا علامة تنبيه للشخص قد يكون بسبب استمرار تفكيره في قضية وعينة يعني هذه مسألة غير خاضعة للجانب المادي المحض. ونحن عندنا الرسول (صلى الله عليه وسلم) لما رأى كما في الحديث الذي ورد في مسلم وبعض كتب السُنّة أنه رأى أنه أُلبِس سوارين من ذهب فكرهتهما كيف ألبس الذهب؟ فقيل لي انفخهما فنفختهما فطارا. والسوار هو قيد فقيل: ما أوّلت هذا يا رسول الله؟ قال: أوّلتهما بهذين الكذابين (مسيلمة الكذاب والأسود العنسي) كانا مع الإسلام أشبه بطوق ثم نُفِخا. الرائي يوسف (عليه السلام) وهو صغير رأى شيئاً، هذا الشيء تمثّله أنه شمس وقمر وكواكب يعني كان نظره إلى السماء. الشمس والقمرأُوّلتا بالأب والأم فشيء طبيعي أنه لما يكون شمس وقمر أن يكون الإخوة كواكب. لكن كيف رآهم ساجدين؟ هل السجود هنا بمعنى الخضوع؟ يعني هل رأى صورة الشمس والقمر أسفل من جلسته هو كأن يكون جالساً في مكان عال ويكونون تحت مستوى رجليه؟ أو رآهم على شكل هيئة أناس لكن تمثّلهم بالكواكب والشمس والقمر؟ هذا في الحقيقة لم يتبيّن لنا وأي جزئية في كتاب الله عز وجل تتحدث عن قضية غيبية لم تُتبيّن الخوض فيها من كدّ الذهن في ما لا ثمرة من ورائه. وهذا أصل من أصول الفكر الإسلامي أن القضية الغيبية إذا حدّثنا عنها القرآن نتحدث فيها بالمقدار الذي حدّثنا عنه القرآن أكثر من ذلك يكون نوعاً من التوهيمات ونُدخل الناس في خلافات لا ثمرة من ورائها ولا طائل وراءها. فإذن هذا نوع من التصور: هو (يوسف (عليه السلام)) تصوّر ثم أُوّلت لأنه قال:(وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا) لأنه لما جاءوا خضعوا له وهو كان في موطن مسؤولية وجاء أبواه وإخوته فأعلنوا الخضوع (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا). هل كان في دينهم يجوز السجود للملك أو هل أُشير بالسجود إلى معنى الخضوع وإعلان الطاعة والتبعية؟ هذا كله ممكن.
تكرار (إذ) في الآيات هل تفيد أن الحديث بين يعقوب وبنيه كان طويلاً؟
(إذ) لما تأتي كأنه تكون هناك كلمة محذوفة يعني: أُذكر يا محمد. الخطاب لمحمد (صلى الله عليه وسلم).
آية (6):
*(إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَليمٌ (128) الأنعام) في سورة هود وفي يوسف (إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (6)) فما الفرق بينهما؟(د.فاضل السامرائى)
إذا كان السياق في العلم وما يقتضي العلم يقدم العلم وإلا يقدم الحكمة، إذا كان الأمر في التشريع أو في الجزاء يقدم الحكمة وإذا كان في العلم يقدم العلم. حتى تتوضح المسألة (قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) البقرة) السياق في العلم فقدّم العلم، (يُرِيدُ اللّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (26) النساء) هذا تبيين معناه هذا علم، (وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إبراهيم وَإسحاق إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (6) يوسف) فيها علم فقدم عليم.
نأتي للجزاء، الجزاء حكمة وحكم يعني من الذي يجازي ويعاقب؟ هو الحاكم، تقدير الجزاء حكمة (قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَليمٌ (128) الأنعام) هذا جزاء، هذا حاكم يحكم تقدير الجزاء والحكم قدم الحكمة، وليس بالضرورة أن يكون العالم حاكماً ليس كل عالم حاكم. (وَقَالُواْ مَا فِي بُطُونِ هَـذِهِ الأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِن يَكُن مَّيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاء سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حِكِيمٌ عَلِيمٌ (139) الأنعام) هذا تشريع والتشريع حاكم فمن الذي يشرع ويجازي؟ الله تعالى هو الذي يجازي وهو الذي يشرع .لما يكون السياق في العلم يقدّم العلم ولما لا يكون السياق في العلم يقدّم الحكمة.
*لماذا لا يُذكر سيدنا إسماعيل مع إبراهيم وإسحاق ويعقوب في القرآن؟(د.فاضل السامرائى)
أولاً توجد في القرآن مواطن ذُكر فيها إبراهيم وإسماعيل ولم يُذكر إسحاق وهناك 6 مواطن ذُكر فيها إبراهيم وإسماعيل وإسحاق وهي:(133)(136)(140) البقرة (84) آل عمران (39) إبراهيم (163) النساء
وكل موطن ذُكر فيه إسحاق ذُكر فيه إسماعيل بعده بقليل أو معه مثل قوله تعالى: (فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا (49) و(وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إسماعيل إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا (54)) مريم)إلا في موطن واحدفي سورة العنكبوت (27)).
وفي قصة يوسف (عليه السلام) لا يصح أن يُذكر فيها إسماعيل لأن يوسف من ذرية إسحاق وليس من ذرية إسماعيل(وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آَلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إبراهيم وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (6)) (وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آَبَائِي إبراهيم وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (38)) .
وقد ذُكر إسماعيل مرتين في القرآن بدون أن يُذكر إسحاق في سورة البقرة (125) (127) لأن إسحاق ليس له علاقة بهذه القصة أصلاً وهي رفع القواعد من البيت.
آية (10):
* ما معنى غيابة الجب (قَالَ قَآئِلٌ مَّنْهُمْ لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ (10) يوسف)؟ وهل هي من الغياب؟(د.فاضل السامرائى)
يقولون إما قعر الجُبّ أي نهايته ثم غيبته عن عين الناظر. قسم يقولون هو كهف في الجب ويسمى غيابة لأنه غائب عن عين الناظر. عندنا بئر وجُبّ وقليب. الجُبّ يعني البئر الذي فيه الماء كما توضح الآية (وَجَاءتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُواْ وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ (19) يوسف) تفيد أن الجب فيه ماء. ألقوه في مكان لا يراه أحد. البئر قد يكون فيها ماء وقد لا يكون كما قال تعالى (وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ (45) الحج).
آية (11):
* كيف تقرأ (قَالُواْ يَا أَبَانَا مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ (11) يوسف)؟ وهل عرفت القبائل هذه القراءة بهذه الطريقة؟(د.فاضل السامرائى)
الوارد فيها إما الإشمام أن تشم الحركة وهذه لا تتبين في النطق وإنما في النظر لا تُسمع وإنما هي ضم الشفتين لا تظهر بالنطق إشمام الكسرة ضمة أو الضمة كسرة . هذه قراءة وقراءة بالإدغام الكامل من دون إشمام أو مع تحريك الشفتين ضم الشفتين وانفراج ما بينهما وهذه لا تسمع وإنما تتبين من حركة الشَفَة وكلتاهما واردة لأن الذين قرأوا بهذه وهم من القُرّاء السبع.
جاءت من فعل أمِن يأمن. الأصل أن يقال لا تأمَنُنا، تأمن (النون مرفوعة) والنون في (نا) نون المتكلم مفعول به والفاعل أنت، هذا هو الأصل. وفي غير القرآن نقول تأمننا. القراءة التي وردت عندنا قراءتين: إدغام النون في النون فصارت تأمنّا، فيها قراءتان إما الإشمام وإما من دون إشمام إدغام والقراءة سُنة متبعة. والعرب قد تدغم الفعل وهذا سماعي لأنه عندنا إدغام واجب قياسي. هي وردت وقرئت بالإدغام، النون ليس فيها فتح وإنما ساكنة (تأمنْا) و(نا) مفتوحة مع الألف ونكتبها مع شدّة. النحاة يقولون قبل الألف هي فتحة دائمة وهذه قاعدة عند العرب وخاصة عند المتقدمين. أيّ ألف لا يمكن أن يكون قبلها من الحركات إلا فتحة وإن كان المحدثين يقولون هي واحدة وليس قبلها شيء لكن المتقدمين يقولون لا بد أن يكون قبلها فتحة قطعاً ولا يمكن أن يكون قبلها حركة. أي ألف في أي كلمة لا يمكن أن يكون ما قبلها إلا مفتوحاً إذن في (تأمنا) لا بد من الفتحة في النون قبل الألف.
آية (15):
*ما دلالة استخدام كلمة (يشعرون) في سورة يوسف؟(د.فاضل السامرائى)
قال تعالى في سورة يوسف:( فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُواْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَـذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ {15}) باستخدام كلمة يشعرون وليس يعلمون لأنه أحياناً يعتري الإنسان شعور بشيء لكن ليس له علم به. وبالنسبة لإخوة يوسف لم ينتابهم الشعور بالقرابة أو المعرفة لذا نفى الله تعالى عنهم الشعور لأن نفي العلم لا ينفي الشعور أما نفي الشعور فينفي العلم وهم لم ينتابهم شعور مطلقاً.
آية (16):
*ما الفرق بين أتى وجاء ؟(د.فاضل السامرائى)
القرآن الكريم يستعمل أتى لما هو أيسر من جاء، يعني المجيء فيه صعوبة بالنسبة لأتى ولذلك يكاد يكون هذا طابع عام في القرآن الكريم ولذلك لم يأت فعل جاء بالمضارع ولا فعل الأمر ولا اسم الفاعل. المجيء صعب. قال (فَإِذَا جَاءتِ الصَّاخَّةُ (33) عبس) شديدة، (إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) النصر) هذا أمر عظيم هذا نصر لا يأتي بسهولة وإنما حروب ومعارك، إذن الإتيان والمجيء بمعنى لكن الإتيان فيه سهولة ويسر أما المجيء ففيه صعوبة وشدة ويقولون السيل المار على وجهه يقال له أتيّ مرّ هكذا يأتي بدون حواجز لأنه سهل. (حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ (17) النمل) ليس هنا حرب، (وَجَاؤُواْ أَبَاهُمْ عِشَاء يَبْكُونَ (16) يوسف) هذه فيها قتل. إذن هنالك فروق دلالية بين جميع كلمات العربية سوءا علمناها أو لم نعلمها. رأي الكثيرين من اللغويين قالوا ليس هناك ترادف في القرآن إلا إذا كانت أكثر من لغة (مثل مدية وسكين) ولا بد أن يكون هناك فارق.
آية (17):
*(فأكله الذئب) لماذا لم يقل أفترسه؟(د.فاضل السامرائى)
لأن هذا عادة الذئب الافتراسوالافتراس يُفترض أن يمزّق ثيابه كلها وإخوة يوسف جاءوا على قميصه بدم كذب فدلّ ذلك على أن الذئب لم يفترسه لذا جاء فعل (فأكله).
*ما معنى (مؤمن لنا) ؟(د.فاضل السامرائى)
هذا سؤال نحوي: آمن له أي استجاب له وآمن له تستعمل للأشخاص. (آمنوا به) ليس للشخص وإنما لله تعالى. آمن له أي استجاب له والقرآن يستعملها في الأشخاص (وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ (17) يوسف) وفي الله والعقيدة يستعمل الباء (آمن به).
آية (18):
* تكررت كلمة قميص في قصة يوسف عليه السلام ثلاث مرات وكان للقميص دور بارز في القصة (وَجَآؤُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ (18)) (وَقَدَّتْقَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ (25)) (اذْهَبُواْ بِقَمِيصِي هَـذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي (93)) فما دلالة وجود القميص ثلاث مرات في القصة؟(د.فاضل السامرائى)
لم أتبين القصد من السؤال لكن في ذهني ملاحظات أقولها في هذه المسألة لعلها تكون جواباً عن السؤال أو جزءاً من الجواب الذي يبتغيه السائل. أولاً ثلاث مرات استعمل القميص بيّنة في ثلاثة مواضع: استُعمِل بيّنة مزوّرة في قوله (وَجَآؤُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ) هذه بينة مزورة وليست بيّنة صحيحة (بدم كذب) جاءوا يستدلون على قولهم أن الذئب أكله بالقميص الذي عليه دم كذب. هذه البيّنة مزوّرة، إذن استعمله أولاً بينة مزورة. واستعمله مرة أخرى بيّنة صحيحة للوصول إلى براءة يوسف (وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ) إذن الأولى كانت مزورة والثانية بيّنة صحيحة للاستدلال على البراءة. والبيّنة الثالثة استعمل بيّنة صحيحة للدلالة على أن يوسف لا يزال حياً (اذْهَبُواْ بِقَمِيصِي هَـذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا) كانت بشرى لوالده وسبب لردّ بصره. بينة صحيحة في قميص يوسف وفي الرائحة تستعمل الآن بيّنة الكلاب البوليسية تستعمل للاستدلال على الرائحة. ليس بالضرورة أنه القميص الأول لكن يعقوب (عليه السلام) يعرف رائحة ابنه. وردت قميص ثلاث مرات واستعمل في كل مرة بيّنة، ثلاث بينات: بينة مزورة وبينة صحيحة للوصول إلى الحكم وبينة صحيحة للاستدلال على أن يوسف لا يزال حياً.
الأمر الآخر أنه استُعمل بداية لحزن يعقوب (وَجَآؤُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ) ونهاية حزنه (اذْهَبُواْ بِقَمِيصِي هَـذَا). واستعمل ثلاث مرات في ثلاث مراحل من حياة يوسف (عليه السلام): وهو صغير (وَجَآؤُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ). إذن استعمل القميص بيّنة في ثلاث مواضع واستعمل لثلاث مراحل زمنية معاشية في حياة يوسف: المرحلة الأولى مرحلة رميه في الجب (وَجَآؤُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ) صيّرته مملوكاً وعاش غريباً مع غير أهله، المرحلة الوسطى سجنه بعد الحادثة مع امرأة العزيز دخل مرحلة أخرى وهو السجن وهذه المرحلة لما بلغ أشدّه وصارت معيشة أخرى غير النمط الأول، والمرحلة الثالثة جمع شمله بأهله وسعادتهم أجمعين. إذن ثلاث مراحل الأولى عندما أصبح مملوكاً وفراقه عن أهله والثانية عندما صار سجيناً والثالثة اجتماعه بأهله.
هناك مسألة لما فصلت العير قال أبوهم إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون، إذن رائحة يوسف في القميص وهذا أمر ثابت أن لكل إنسان له رائحة خاصة لكن لا يميزها كل الناس وإنما تميزها الكلاب البوليسية.ثم من الناس من إذا عصبت عينيه تعطيه قميصاً تسأله لمن؟ يقول لفلان ويعرفه من الرائحة. وأذكر أن أحجهم أخبرني أن زوجة أخيه يغسلون ملابس العائلة كلها في الغسالة ويعصبون عيونها ويقولون استخرجي ملابس زوجك تشتمها وتجمع ملابس زوجها بعد غسلها وقالوا هي أشد من الكلاب البوليسية. إذن إني لأجد ريح يوسف وهذه مسافة طويلة وهذا يحصل. التمساح يشم رائحة الفريسة من كيلومترات. فإذن هذا أمر إشارة إلى أن لكل إنسان رائحة تصح وتصلح للحكم والاستدلال ونحن نستعملها للاستدلال.
هناك أمر آخر الملاحظ الموافقات في قصة يوسف: القميص ذُكِر في ثلاث مواطن والرؤى ثلاثة: رؤيا يوسف وهو صغير (إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (4) يوسف)، رؤيا السجينين ورؤيا الملك. إذن القمصان ثلاثة والرؤى ثلاثة والرحلات إلى يوسف ثلاثة: الرحلة الأولى لما جاءوا يستميرون يوسف ليأخذوا الميرة (وَجَاء إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُواْ عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ (58)) والرحلة الثانية لما جاءوا بأخيهم واستبقاه عنده (وَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ (69)) والمرحلة الثالثة لما قالوا (فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَيْهِ قَالُواْ يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ (88)). إذن ثلاث رحلات. القمصان ثلاثة والرؤى ثلاثة والرحلات ثلاثة من حيث العدد، هذا من الموافقات. الرؤى متغيرة ليست نفسها لأن الرائي ليس واحداً وإنما هي رؤى مختلفة والقميص ليس واحداً وإنما متغير أيضاً قميص وهو صغير وقميص لما بلغ أشده وقميص أرسله إلى أبيه.
*ما دلالة الوصف في الآية (وَجَآؤُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ (18) يوسف)؟(د.فاضل السامرائى)
الوصف بالمصدر هذا يفيد المبالغة. عندما تصف بالمصدر كأنما تحول الشيء إلى مصدر تقول هذا رجل صِدقٌ ورجلٌ عدلٌ، (وَجَآؤُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ (18) يوسف) هذا أبلغ من كاذب.
*ما الفرق بين طوعت (فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (30) المائدة) وسولت(قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا (18) يوسف)؟(د.فاضل السامرائى)
سولت معناها زينت له، يقال سولت له نفسه أي زينت له الأمر، طوّعت أشد. نضرب مثلاً” الحديد يحتاج إلى تطويع أي يحتاج إلى جهد حتى تطوعه، تريد أن تطوع وحشاً من الوحوش تحتاج لوقت حتى تجعله يطيعك، فيها جهد ومبالغة في التطويع حتى تروضه وتذلله، المعادن تطويعها يحتاج إلى جهد وكذلك الوحوش والطيور تطويعها يحتاج إلى جهد وبذل.
التسويل لا يحتاج إلى مثل ذلك الجهد. إذن سولت أي زينت له نفسه، لذا ابني آدم قال: (فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ) كان يفكر هل يمكن أن يقدم على قتل أخيه فاحتاج وقتاً لترويض نفسه ليفعل هذا الفعل وهو ليس كأي تسويل أو تزيين بسهولة تفعل الشيء وأنت مرتاح. التطويع يحتاج إلى جهد حتى تروض نفسه وتهيء له الأمر. وفي القرآن قال تعالى: (وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي(96)طه) في قصة السامري هنا بسهولة وهذه أسهل من أن يقتل الواحد أخاه. لا يجوز في القرآن أن تأتي طوعت مكان سولت أو العكس وفي النتيجة العمل سيكون لكن واحد أيسر من واحد. سوّل وطوع بمعنى واحد لكن طوّع فيها شدّة.
*ما الفرق بين دلالة الجمع في معدودة ومعدودات؟(د.فاضل السامرائى)
القاعدة: جمع غير العاقل إن كان بالإفراد يكون أكثر من حيث العدد من الجمع السالم كأنهار جارية وأنهار جاريات، فالجارية أكثر من حيث العدد من الجاريات، وأشجار مثمرة أكثر من مثمرات وجبال شاهقة أكثر من حيث العدد من شاهقات فالعدد في الأولى أكثر، وجمع السالم قلة. فهذه من المواضع التي يكون فيها المفرد أكثر من الجمع.
معدودات جمع قلّة وهي تفيد القلّة (وهي أقل من 11) أما معدودة فهي تدل على أكثر من 11، وقد قال تعالى في سورة يوسف عليه السلام:(وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ (20)) أي أكثر من 11 درهما، ولو قال معدودات لكانت أقل.
آية (20):
*ما دلالة الثمن البخس في قوله تعالى: (وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ (20) يوسف)؟(د.حسام النعيمى)
الكلام على يوسف (عليه السلام) ، هؤلاء أهل القافلة (وشروه بثمن بخس) بمعنى باعوه.( بثمن بخس) أي دون قدره. ليس القليل لأنه قد يكون كثيراً لكن دون قيمته الحقيقية. البخس فيه نوع من الظلم أنت قد تشتري شيئاً يبيعه لك أحدهم بعشرة آلاف درهم ثم يقال هذا ثمن بخس لأنه يستحق مثلاً 15 ألف درهم فالعشرة آلاف ليست قليلة ولكن دون قدره. بخس أي دون قدره. يوسف (عليه السلام) له قيمة لكن هم باعوه بأقل من قيمته الحقيقية أياً كانت وكانوا فيه من الزاهدين: هم يقولون طفل صغير يأكل ويشرب ولا ينفعنا. وهناك لمسة في تقديم (فيه) على (من الزاهدين) لأنه لو قال (وكانوا منالزاهدين فيه) لكان وصفهم بالزهد أي عدم الطمع ولكن هم فيه زاهدون فقط.
البخس دون قدر الشيء والقلة هو القليل الذي هو نذر اليسير ثمن لا قيمة له قليل في ذاته. (بثمن بخس) أي دون قدره. دراهم معدودة يمكن أن تكون عشرة دراهم أو عشرين أو ثلاثين درهماً معدودة لكن قدره كان أعلى من ذلك. ولو قال بثمن قليل قد يكون هو قدره هكذا ثمنه قليل. أما بخس أي لا يناسب قدره.
في قوله تعالى:(وإذ نادى ربك موسى) يعني أُذكر إذ نادى ربك موسى.
آية (21):
*ما المقصود بمصر في الآية (اهْبِطُواْ مِصْراً فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ (61) البقرة) ؟(د.فاضلالسامرائى)
مصراً منونة يعني أي مدينة من المدن وليست مصر المعروفة لأن هذه الثانية تكون ممنوعة من الصرف (وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ (21) يوسف) (وَقَالَ ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللّهُ آمِنِينَ وَقَالَ ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللّهُ آمِنِينَ (99) يوسف)، إذا صرفت تكون أي مدينة، هذه مصر البلد. أما (مصراً) أي أي بلدة لأن ما طلبوه ليس هنا في الصحراء وإنما في أي مدينة.
آية (22):
*ما دلالة كلمة (حُكماً )في سورة يوسف؟(د.فاضل السامرائى)
قال تعالى في سورة يوسف:(وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ {22}) الحكم يأتي بمعنى الحكمة وبمعنى القضاء وليس بالضرورة لمن أُوتي العلم أن يكون حكيماً أو قاضياً وقد يكون العكس لكن الله تعالى جمع ليوسف (عليه السلام) الحكمة والعلم والقضاء.
*لماذا جاءت كلمة (واستوى) مع موسىعليه السلام في الآية(وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُوَاسْتَوَىآتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِيالْمُحْسِنِينَ (14) القصص)بينما لم ترد مع يوسفعليه السلام(وَلَمَّابَلَغَأَشُدَّهُآتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ(22) يوسف)؟(د.فاضل السامرائى)
استوى في اللغة معناها اكتمل شبابه واكتملت قوته، اكتمال الشباب والقوة. نلاحظ السياق الذي وردت فيه استوى واضح موطن القوة البدنية (وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا (15) القصص) هذا منتهى القوة، عندما ذهب إلى مدين (وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23) فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إلى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24)) الصخرة على البئر تحتاج لعشرة أشخاص رفعها موسى (عليه السلام) وحده وسقى لابنتي شعيب، بنت الرجل الصالح قالت: (قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26) القصص) هذا كله يناسب استوى أما مع يوسف (عليه السلام) لم يذكر شيء من هذا، لما كان هناك ما يتعلق بالقوة ذكر استوى. يوسف (عليه السلام) كان في السجن (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23) يوسف) ليس هناك داع لذكر استوى. بلغ أشده أي بلغ العمر المناسب قسم يقول ثلاثين وقسم يقول أربعين. مع يوسف (عليه السلام) لم يكن هناك داع لذكر موقف القوة ولا ندري إن كان قوياً أم لا. المناسب أن يذكر استوى في قصة موسى (عليه السلام) لأنها تدل على القوة. استوى مناسبة في الآية.
الفيصل في تحديد معنى الكلمة وهو السياق والمعجم يعطيك جملة معاني للمفردة الواحدة تضعها في سياقها وترى الأنسب منها للسياق.
*ما الفرق من الناحية البيانية بين (ولمّا) و(فلمّا) في سورة يوسف؟(د.فاضل السامرائى)
(ولمّا) و(فلمّا) وردت في السورة 19 مرة، 6 مرّات (ولمّا) والباقي (فلمّا) فكيف نفرق بينهم؟ هناك سبيلين للتمييز بين (لمّا) و(فلمّا) الطريقة الأولى إحصائية والثانية معنوية:
الطريقة الإحصائية للحفظ:يحفظ أمكنة (لمّا) الستة وهي (ولمّا بلغ أشدّه، ولمّا جهزهم بجهازهم، ولمّا فتحوا متاعهم، ولمّا فصلت العير، ولما دخلوا من حيث أمرهم أبوهم، ولمّا دخلوا على يوسف) والباقي يكون (فلمّا).
آية (23):
* ما القيمة التعبيرية في استعمال اسم الموصول (التي) في (وراودته التي هو في بيتها)؟ لم يقل امرأة العزيز مثلاً؟(د.حسام النعيمى)
هذا فيه نوع من الإبعاد. مثل بنى إسرائيل عندما يخاطبهم أو يبكّتهم أو يدعوهم أو يذكرهم في الأحكام الشرعية يقول: يا بني إسرائيل، لكن في موطن الأذى لا يستحقون الذِكر فقال: (لا تكونوا كالذين آذوا موسى) الإعراض عن ذكر اسمهم مقصود.قال في سورة يوسف (وراودته التي هو في بيتها) الاستعانة باسم الموصول لأداء هذا الغرض البلاغي.
*في سورة يوسف قال تعالى: (إنه ربي أحسن مثواي) وفي آل عمران: (ومأواكم النار وبئس مثوى الظالمين) ما هو المثوى؟.ولماذا لم ترد كلمة مثوى في حال أهل الجنة أبداً؟ ولا يوجد نص على أن الجنة مثوى المؤمنين ؟(د.حسام النعيمى)
في هذه الآية والآية التي تليها جملة أمور يوقف عندها لكن سنقف بقدر السؤال ثم نتحول إلى بعض الأمور التي ينبغي أو يوقف عندها. المثوى يقولون في اللغة المنزل أو المكان الذي يثوي فيه الإنسان. والثواء هو الانحسار في مكان ويكون عادة الإنسان فيه قليل الحركة مثل المسكن، المنزل، الحجرة التي يبيت فيها، المنزل الذي يبيت فيه حركته محدودة فيها بخلاف الفضاء أنت تستطيع أن تمشي أميالاً لذلك يقول الشاعر: رُبّ ثاوٍ يملّ منه الثواء، يعني يستقر في وضعه إلى أن يملّ موضعه منه ويقول أيضاً:
فما دون مصر للغنى متطلبقال بلى إن أسباب الغنى لكثير
فقلت لها إن الثواء هو التوى وإن بيوت العاجزين قبور
الثواء هو التوى يعني هذا الاستقرار في مكان واحد وإن كان فيه حركة فهو حركة ضيّقة، هو يريد أن ينطلق (إنه ربي أحسن مثواي) يعني هذا المكان الذي أنا فيه، أحسن منزلي. ويفرقون بين ثوى وأوى (أوى وآواه) لاحظ الفرق: الهمزة بدل الثاء، الهمزة فيها قوة وهي حرف شديد، أوى فيها نوع من الضم (آوى إليه أخاه) جعله يستقر لكن ضمّه إلى المأوى غير المثوى. والمأوى استعمل في النار وفي الجنة فالجنة تضم صاحبها والنار تضم صاحبها لكن شتان بين الضمتين، بين احتضان الجنة للإنسان واحتضان النار للإنسان.فالثواء فيه مقام محدود. إن الثواء هو التوى والتوى هو الموت والهلاك. فكلمة الثوى والثواء استعملت في حال الدنيا لأنه منزل يثوي إليه أو يأوي إليه لذلك نجدها في أكثر من سورة في حال الدنيا. في الآخرة استعمل اللفظة للنار لماذا؟
لأن الجنة ليست منطقة ضيقة محصورة إنا نتبوأ من الجنة حيث نشاء، فيها السعة والانطلاق. لاحظ مثلاً: (أكرمي مثواه) أي نُزُله في الدنيا. (وما كنت ثاوياً في أهل مدين)، (والله يعلم متقلبكم ومثواكم) الأماكن التي تتقلبون فيها، تنتقلون إليها والمكان الذي تستقرون فيه (وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاء فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ). هذا سؤال السائل لماذا لم تستعمل كلمة المثوى مع أهل الجنة؟
أما الآية (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23)) هذه من الأماكن التي وقف عندها. ما دلالة استعمال (التي هو في بيتها) ولم يقل امرأة العزيز أو لفظة أخرى؟
في الغالب لا يذكر القرآن الأسماء. العلماء يقولون فيه أمران: الأول هو سترٌ عليها وعدم فضيحة لأن يرتبط هذا باسمها. والأمر الثاني وهو الأرجح نوع من الترفّع عنها وبيان عظمة موقف يوسف (عليه السلام). الترفّع عدم ذكر اسمها (التي هو في بيتها) وبيان عظمة موقفه أنه هو تابع، هو في بيتها والمفروض عندما يكون في بيتها أن يسمع وأن يطيع فهي سيّدته والأمر من سيّدته وهو ينبغي أن يخاف منها فضلاً عن أن كونه في بيتها وهو شاب يتطلع إلى جمالها يمكن أن يدخل في نفسه شيء تجاهها لكن يخاف باعتبار أنه عبد مملوك يخاف أن يعرض لها وإنما هي عرضت له وهذه فرصة بالنسبة له. فكأنما يريد القرآن أن يبيّن لنا هذا الموقف النبيل العظيم من هذا الإنسان الذي نُبّيء، الذي صار نبيّاً فيما بعد وفي حال شبابه لم يكن نبياً، فهذا نوع من رفعة شأنه. ورفعة الشأن هذه تجعلنا نفسر الآية الثانية بما فسرها به كثير من العلماء المدققين المحققين (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24)) ولذلك هم يرجحون الوقف عند (همّت به) صحيح أنه في المجمع أن يصل الكلام إلى أن يقف عند (ربه) لكن الوقف عند (همت به) يوضح المعنى: ولقد همت به (وقف) وهمّ بها لولا أن رأى برهان ربه. (لولا) أداة شرط تأخذ فعل شرط وجواب شرط. لاحظ في قصة موسى (عليه السلام) (وإن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها) إذن الجواب تقدّم يعني: لولا أن ربطنا على قلبها لأبدت به أو لكادت أن تبدي به لكن هي ما أبدت به.
أصل التركيب خارج القرآن لم يرد أن يهتم بهذه المشاكلة. في غير القرآن كان يمكن القول ولولا أن ربطنا على قلبها كادت أن تبدي بولدها، أن تُظهِر نوعاً من الفرح أنه ولدها. وهنا أيضاً
البعض يقول أن الآية (ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه) تعني أنها همّت بهفعلاً وهمّ بها تركاً لكن نقول هذا تأويل لا تحتمله اللغة. فما الدليل على أنه همّ بها تركاً وهمّت به فعلاً؟ هو تركها فعلاً ولم يهمّ بها تركاً ولم يكن هناك همٌّ في نفسه وإنما نفّذ ذلك وتركها وانصرف عنها.
آية (24):
* ما هو البرهان في آية سورة يوسف (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ (24) يوسف) يقال أن الذي رآه يوسف عليه السلام يمكن أن يكون جبريل أو يعقوب أو العزيز فهل يمكن أن تكون هذه رؤية معنوية رؤيا الخوف والخشية من الله من عمل المعصية لأنه ذُكر أن يوسف عليه السلام هو من المحسنين والمخلَصين والمتقين؟(د.فاضل السامرائى)
السؤال الذي يدور كثيراً قديماً وحديثاً (ولقد همت به وهمّ بها لولا أن رأى برهان ربه) ثم ينسحب السؤال على البرهان وأثير سؤالاً في السابق كيف همّ بها؟ معنى الهمّ أنه أراد أن يفعل الفاحشة. لقد هممت أن أفعل كذا أي أردت وحاولت ودفعتني نفسي إلى أن أفعل كذا فالهمّ بداية الفعل. في هذه المسألة أنا أميل إلى رأي أهل اللغة في هذه الآية، لو رجعنا إلى اللغة هو لم يهمّ بها أصلاً (وهمّ بها لولا أن رأى برهان ربه) لا نقف عند (وهمّ بها) وإنما تقرأ الآية كاملة. (ولقد همت به/ وهمّ بها لولا أن رأى برهان ربه) لو قلت همت به وهمّ بها أين جواب وموقع (لولا أنرأى برهان ربه)؟ هذه من حيث اللغة لم يهمّ بها. (لولا) هنا حرف امتناع لوجود، (لولا) تأتي في موطنين للتحضيض لولا فعلت هذا يحضّه، (فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ (10) المنافقون) تدخل على الأفعال (لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ (12) النور) تحتاج لفعل ولا تحتاج إلى جواب نقول لولا فعلت هذا. إذن لولا حرف تحضيض أو امتناع لوجود. حرف امتناع لوجود لو قلت لولا أخوه لضربته تكون لم تضربه امتنع الضرب لوجود الأخ (حرف امتناع الجواب لوجود الفعل) (يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ (31) سبأ) امتنع الشيء لوجود أمر. وفي الشعر قيل: ولولا بنوها حولها لخرّبتها، تقدّم أو تأخر، يجوز أن يتقدم معنى الجواب كما في قوله تعالى: (قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ (77) الفرقان) أصلها لولا دعاؤكم لا يعبأ بكم ربي، (إِن كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلَا أَن صَبَرْنَا عَلَيْهَا (42) الفرقان) لولا أن صبرنا لكاد أن يضلنا، يجوز التقديم والتأخير، عموم أدوات الشرط أن يتقدم ما يدل على الجواب أو يتأخر، كنت ضربته لولا أخوه أو لولا أخوه لكنت ضربته. صاحب البحر المحيط يقول: قارفت الذنب لولا أن عصمك الله، تكون لم تقارف الذنب لوجود عصمة الله، همّ بها لولا أن رأى برهان ربه، هذا منطوق اللغة. لغة ما همّ بها طرفة عين هذا من حيث اللغة لم يهمّ بها أصلاً (وهم بها لولا أن رأى برهان ربه). هو لم يحاول لوجود (لولا) لولا العصمة لهمّ بها إذن لم يهمّ بها، لولا برهان ربه لهمّ بها لكنه ما همّ. البعض قال أنها همت به فعلاً وهمّ بها تركاً وهذا لا يصح لغوياً لأن الكلام سيكون ولقد همت به وهمّ بها ولا يعود لقوله (لولا أن رأى برهان ربه) لا يعود لها موقع ولا وجود وليس لها موقع في الكلام أصلاً. يقتضي أن نقول ولقد همت به وهم بها، و(لولا أن رأىبرهان ربه) لا يعود لها وجود ولا دلالة. قسم من كبار المفسرين مثل صاحب البحر المحيط قال لم يهمّ بها ونص كلامه ” لم يقع منه (عليه السلام) همٌّ البتة”. إذن من حيث اللغة لم يهمّ بها. المفروض أن نفهم هذه الآية على أنه امتنع الهمّ لوجود البرهان.
البرهان يقول أهل الحديث “لا حجة قاطعة في تعيين شيء” وكل ما يقوله الناس إما من الإسرائيليات أو من باب التخيلات ولا يوجد نص قاطع في هذه المسألة. والبرهان هو الدليل الذي يمنعه من هذا. قال ابن كثير أنه لا حجة قاطعة. المهم أنه رأى برهاناً صرفه عن هذا ومنطوق الآية من حيث اللغة أنه لم يهمّ بها البتّة.
أما من الناحية التعبيرية: فالفاء تدلّ على الترتيب والتعقيب أما الواو فهي لمطلق الجمع. يأتي بالفاء عندما يكون هناك تعقيب (قَالُواْ لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذاً لَّخَاسِرُونَ {14} فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُواْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَـذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ {15}) لا يوجد فاصل زمني بين الأمرين ، وكذلك في قصة يوسف مع امرأة العزيز في قوله تعالى:(وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ (27) فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28)) جاء بـ (فلمّا) لأن الآية في نفس المشهد والموقف ولا يحتمل التأخيروالأحداث تسلسلت وتعاقبت الأحداث تأتي الواحدة تلوالأخرىوليس بين الأحداث أي تراخي أو فترة زمنية فاصلة طويلة. أما في الآية التي جاء فيها (ولمّا) استغرق سنوات طويلة حتى بلغ أشدّه (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ {22}) وكذلك لما ذهب أخوة يوسف إليه في مصر استغرق الأمر زمناً حتى سافروا ووصلوا إلى يوسف بعد أن كلّمهم أبوهم (وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (68)).
*ما الفرق بين آتينا و وهبنا؟(د.فاضل السامرائى)
الإيتاء يشمل الهبة وزيادة في اللغة، الإيتاء يشمل الهبة وقد يكون في الأموال وهو يشمل الهبة وغيرها فهو أعم، (آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا (22) يوسف) (وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً (59) الإسراء) آتينا أعم من وهبنا.
*ما هو البرهان الذي أوقف يوسفعليه السلامفي قوله تعالى:(وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَالَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ)؟(د.حسام النعيمى)
هذه الآية فيها كلام تكلم فيها العلماء. الكلام الأول ليس عن البرهان وإنما عن الهمّ، هل حصل منه همّ أم لم يحدث؟ وما معنى الهمّ هنا؟ الذي نختاره في هذامن كلامهم رحمهم الله تعالى ولا نريد أن نناقش الآراء جميعها.أن هنا من حيث اللغة هناك تقديم وتأخير. أنت تقول: لقد سافرت إلى العين لولا أن أبي جاءنا أمس. تعني لم أسافر لأن أبي جاء، وصول أبي منعني من الذهاب. ففي قوله تعالى:(وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ) حدث منها هذا الميل النفسي الإرادة النفسية نحوه. (وَهَمَّ بِهَالَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ) لم يحدث منه همّ وفق اللغة. بناء اللغة يقول أنه ابتداء لم يحدث منه همّ. هم يقولون همّ بها ولكنه لم يفعل إشارة إلى بشريته وهذا ليس هكذا: هو ابتداء كان مترفعاً وهناك بشر عاديون يحصل معهم هذا فيترفعون عنه. برهان ربه هو الشريعة، هو الاحتكام إلى شرع الله سبحانه وتعالى. برهان ربه الذي رآه، هذا اللطف الذي أحاط به يوسف (عليه السلام) من أول أيامه من أُلقي به في الجب وأوحى إليه تعالى (وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (15)) هو في الجبّ مطمئن هذا هو برهان من ربه، جعله في بيت كريم يكرمه، عرف شرع الله تعالى من أبيه فبرهان ربه هو معرفته بشرع الله سبحانه وهذا نبيّ كيف تتخيل أنه بدأت الوساوس تدخل في نفسه؟! بعضهم يقولون جاءه يعقوب فدفعه في صدره! ما هذا الكلام!؟ لغة العرب تقول ما حدث منه همّ أصلاً وهذا من رفعة شأنه (عليه السلام) وهو نبي من أنبياء الله عز وجل.
النعيمى:{{والبعض يقول أن الهمّ من يوسف بمعنى الحزن. نقول أن الهمّ هو أن يكون شيء في النفس يحمله على فعل ما. همّ به أي صار في نفسه شيء يحمله على فعل شيء ما قد ينفّذه وقد لا ينفّذه. لأن عندنا حديث: من همّ بحسنة ففعلها كتبت له حسنة إلى عشر حسنات إلى سبعمئة ضعف ومن همّ بسيئة فلم يفعلها كتبت له حسنة (هذا من كرم الباري عز وجل) ومن همّ بسيئة ففعلها كتبت له سيئة. فالهمّ حديث النفس تحدّثه نفسه بشيء يريد أن يفعله.(لولا أن رأى برهان ربه) لأنه هو رأى براهين ربه أولاً من معرفته بشريعة أبيه يعقوب، هو على شريعة والشريعة هي البرهان (واتبعت ملة آبائي) هو على شريعة، هو كان متّبِعاً لملّة آبائه وكان ملتزماً بقيَم ومُثُل ومبادئ الشريعة فهذا هو البرهان وهو برهان عند جميع الناس.
(كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلَصين):ابتداء هذا الأمر ما حدث في نفسه وحاشا لهؤلاء أن يحدثوا أنفسهم بما لا يرضي الله سبحانه وتعالى.
المعنى الدلالي لكلمة (المخلَصين): أي الذي أخلصه الله سبحانه وتعالى لطاعته ولذلك إبليس عليه لعنة الله في الدنيا والآخرة قال: (إلا عبادك منهم المخلَصين) ونسأل الله سبحانه وتعالى دائماً أن يجعلنا من عباده المخلَصين.
المخلِص هو الفاعل أي هو الذي أخلص لله والمخلَص أخلصه الله سبحانه وتعالى لطاعته}}.
آية (25):
*انظر آية (18).
*لماذا جاءت كلمة سيّد في القرآن الكريم في سورة يوسف (وألفيا سيدها لدا الباب)؟ (د.فاضل السامرائى)
أهل مصر كانوا يسمون الزوج سيداً وقد وردت هذه الكلمة مرة واحدة في سورة يوسف وفي القرآن كله لأنها كانت معروفة في لغتهم آنذاك اللغة القبطية.
*ما المقصود بكلمة أهل ؟(د.فاضل السامرائى)
يستعمل القرآن الكريم كلمة أهل للأزواج مثل قوله تعالى: (رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت) في قصة إبراهيم(عليه السلام)، وفي قصة امرأة العزيز (قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءاً) وفي قصة موسى (عليه السلام) (وسار بأهله). إذن أهل هي الأزواج كما وصفها القرآن وفي اللغة أيضاً.
*ما الفرق بين وجدنا وألفينا في القرآنالكريم؟(د.فاضل السامرائى)
في القرآن الكريم لم يرد الفعل ألفى إلا فيما هو مشاهد محسوس ولذلك قال بعض النحاة أنه ليس من أفعال القلوب، قسم يدخلوه في أفعال القلوب وقسم يقولون لا ليس من أفعال القلوب وإنما في الأفعال المحسوسة المشاهدة. أفعال القلوب قلبية يستشعر بها. وهي فعلاً في القرآن لم ترد إلا مشاهدة. في هذه الآيات في القرآن (إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءهُمْ ضَالِّينَ (69) الصافات)(وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ (25) يوسف). (وجدنا) في القرآن وفي غير القرآن وردت قلبية وغير قلبية ومشاهدة وغير مشاهدة مثلاً (كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً (37) آل عمران) (وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِم مِّنْ عَهْدٍ (102) الأعراف) يعني وجدهم يخلفون الميعاد، (وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا (62) الأحزاب) (وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أو يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا (110) النساء) وجد هي أشمل وتستعمل للأمور القلبية وألفينا للأمور المحسوسة هذا في القرآن أما في غير القرآن ففيها كلام.
آية (26):
*(وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا (26) يوسف) ما هو اسم الشاهد الذي تكلم في المهد؟ (د.فاضل السامرائى)
لا نعرف اسمه. قيل ابن خالها وقيل كان طفلاً في المهد وقسم قال كان ابن عمها وكان رجلاً حكيماً لم يشهد الوقيعة أصلاً. إذن يدور بين أمرين هل هو الطفل الذي في المهد وقد أنطقه الله؟ أو هو رجل حكيم صاحب رأي؟ الله أعلم وليس لدي علم بسلاسل الأحاديث ولكن سياق السورة يوضح أنه رجل حكيم وليس طفلاً لأن الدليل أنه لما قال الملك ائتوني به أستخلصه لنفسي ولو كان طفلاً كان قال ما بال الطفل الرضيع وليس ما بال النسوة، الطفل الرضيع الذي شهد ببرائتي كان يستشهد بالرضيع ولماذا يستشهد بالنسوة (وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إلى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ (50) يوسف). لو كان طفلاً لقال يوسف ارجعواسأل الطفل ألم ينطق ببراءتي؟ هذا يكون أقوى، كونه يُلجئ الملك إلى سؤال النسوة مرة أخرى معناه أن الشاهد ليس طفلاً رضيعاً ولو كان طفلاً رضيعاً وتكلم كان أجاب المرأة، طفل رضيع يشهد ببراءة يوسف أمامها، لماذا قالت الآن حصحص ولو كان طفلاً رضيعاً لكان حصحص الحق في حينها. والرأي (إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ (26) يوسف) هذا رأي حكيم لا يخرج من طفل. البعض يذكر الذين تكلموا في المهد ومن ضمنهم شاهد يوسف لو كان هنالك نص حديث صحيح في أنه طفل يقطع بذلك لكن من حيث الآيات والسياق لو كان طفلاً يحتج وهو رضيع كان يُسكت المرأة فلماذا قال يوسف ما بال النسوة؟ الله أعلم.
آية (29):
* ما الفرق عطفالبيان و البدل؟وما إعراب (يوسفُ) في الآية(يوسفُ أعرض عن هذا)؟(د.فاضل السامرائى)
عطف البيان هو قريب من البدل نقول مثلاً: أقبل أخوك محمد، محمد يمكن أن تُعرب بدل أو عطف بيان. لكن هنالك مواطن ينفرد فيها عطف البيان عن البدل. وقسم من النحاة يذكرون الفروق بين عطف البيان والبدل ثم يقول أشهر النحاة بعد ذكر هذه الفروق:” لم يتبين لي فرق بين عطف البيان والبدل”.
عطف البيان على أي حال قريب من البدل ويصح أن يُعرب بدل إلا في مواطن:
• عطف البيان لا يمكن أن يكون فعل بينما البدل قد يكون فعلاً.
• عطف البيان لا يمكن أن يكون مضمراً أو تابعاً لمضمر (ضميراً أو تابع لضمير) بينما البدل يصح أن يكون .
• عطف البيان لا يمكن أن يكون جملة ولا تابع لجملة بينما البدل يمكن أن يكون كذلك.
وهناك مسألتين أساسيتين يركزون عليهما:
1. البدل على نيّة إحلاله محل الأول.
2. البدل على نية تكرار العامل أو على نية من جملة ثانية.
على سبيل المثال وحتى لا ندخل في النحو كثيراً نقول: يا غلام محمداً هذه جملة صحيحة الغلام اسمه محمد هذا لا يمكن أن يكون بدلاً لأنه لا يصح أن يحل محل الأول لأننا قلنا سابقاً أن البدل على نية إحلاله محل الأول ومحمد علم مفرد يكون مبني على الضمّ مثل (يا نوحُ) (يوسفُ أعرض عن هذا) ولا نقول يا محمداً.
وكذلك إذا قلنا: يا أيها الرجل غلام زيد. لا يمكن أن يكون بدل فلو حذفنا الرجل تصير الجملة يا أيها غلام زيد لا تصحّ.
مثال آخر: زيد أفضلالناس الرجال والنساء . إذا حذفنا الناس لا تصح الجملة ولا يمكن أن تكون الناس بدل لأنه لا يصح قول: زيد أفضل الرجال والنساء. وإنما تُعرب عطف بيان.
فليس دائماً يمكن أن يُعرب عطف البيان والبدل أحدهما مكان الآخر وإنما هناك مواطن يذكرها النحاة لكننا نقول أن عطف البيان موجود في اللغة.
ومع ذكر كل الفروق بين عطف البيان والبدل كما ذكرنا سابقاً يأتي أشهر النحاة فيقول أنه لم يتبين له الفرق بينهما وأنا في الحقيقة من هذا الرأي أيضاً.
آية (30):
*ما اللمسة البيانية في استخدام صيغة المذكر في قوله تعالى: (وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ )؟(د.فاضل السامرائى)
القاعدة النحوية هو أن الفعل يؤنّث ويذّكر فإذا كان الفعل مؤنثاً ووقع بين الفعل والفاعل فاصلاً.
في سورة يوسف (وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ {30}) الجمع الذي ليس له مفرد من نوعه يمكن معاملته معاملة المذكر والمؤنث. والتذكير يدلّ على القلة (قال نسوة)لأن النسوة كانوا قِلّة والتأنيث يدل على الكثرة (قالت الأعراب آمنا) وهكذا في القرآن كله كما في قوله تعالى: (جاءتهم رسلهم) المجتمعات أكثر من (جاءكم رسل منكم).
*هناك مؤنث مجازي ومؤنث حقيقي وكلمة نسوة مؤنث حقيقي فلماذا جاءت (وقال نسوة) في سورة يوسف على هذه الصيغة؟(د.حسام النعيمى)
جمع التكسير والجمع الذي ليس له واحد من لفظه هذا غير المجازي والحقيقي مثل كلمة رجال وجمع الجنس مثل كلمة عرب هذا يجوز في الفعل معه التأنيث والتذكير باعتبار التقدير: إذا قدّرنا جمع( قال جمع الرجال) نقول قال الرجال، وإذا قدرنا (قال جماعة الرجال) نقول قالت الرجال. فهنا (قال نسوة) كان يمكن أن يقول قالت نسوة، لما قال: (وقال نسوة) الفائدة حتى يكون شيء عام لغرض العموم..
آية (31):
* ما هو المكر في قوله تعالى(فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ)ولماذا سماه الله تعالى المكر؟(د.حسام النعيمى)
لأن المكر في اللغة معناه التدبير، أن يدبر الشيء يرتبه.(وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (54) آل عمران) هم دبروا والله عز وجل يدبّر وهو خير المدبرين. فهذا الكلام الذي قالته هؤلاء النسوة هو كان تدبيراً منهن للإساءة إليها فهو مكر إذن. ولو قال ( لما سمعت بكلامهن) لا يعطي هذه الصورة من صور الحقد واللؤم والتخطيط للإساءة إليها والنيل منها. لكن لما قال (بمكرههن) هي أيضاً دبرت تدبيراً آخر: مكر يقابل مكراً.
*يستخدم تعالى في القرآن بعض الأفعال التي ربما تتشابه حرفياً ولها نفس الدلالة مثل (أعدّ وأعتد) وقال تعالى: (وأعتدت لهم متكئاً) لماذا لم يقل وأعدت لهن؟(د.حسام النعيمى)
هذا يدخل في جانب التقارب الصوتي. الآية في سورة يوسف (فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآَتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ (31) يوسف) الحقيقة هنا سؤالان: لماذا أعتدت وليس أعدت ، ولماذا آتت وليس أعطت؟
الاثنان متقاربان لكن الاختلاف في الصوت. نلاحظ لما يقول (أعتد) هي فيها همزة التعدية التي هي (أفعل) يبقى (الفاء والعين واللام)فعل (عتد) حتى يكون الكلام قليلاً. و(أعدّ) فيها همزة التعدية بقي الأصل (عدد). ننظر عتد وعدد الفرق بينهما عين الفعل (تاء ودال). الدال هي تاء لكن ينضم إليها اهتزاز الوترين الصوتيين وهما غضروفان أشبه بشفتين حتى لا يتوهم المشاهد عندما نقول وترين: هما غضروفان متصلان من الأمام عند البروز الحنجري ولا نسميه كما تسميه التوراة (تفاحة آدم أكلها فغصّ بها وبقيت ظاهرة حتى تذكر الناس بمعصية أبيهم آدم) هذا الكلام ليس عندنا وإنما نحن نسميه بروز حنجري خلفه الوتران إذا اهتزا من 150 إلى 250 مرة في الثانية يكون الصوت مجهوراً. فالتاء إذا صحبها اهتزاز الوترين تكون دالاً. جرّب أن تلفظ تاء من غير أن تلفظها ضع لسانك بحيث أنه لا يتغير عن موضع نطقك للتاء تظهر دالاً. الفارق حدوث اهتزاز فإذن التاء مهموس والدال مجهور. وهذا أنصع وأقوى وأوضح من نظيره المهموس، فلما نقول اعتدت فيها نوع من الرقّة والخفوت يتناسب مع هذه المرأة الرقيقة التي جمعت هؤلاء النسوة وهيّأت لهن هذا المتكأ ولم يقل المجلس لأن متكأ فيه شيء من الاسترخاء فتناسب التاء.
(وأعتدت) : نحن كنا بدأنا الكلام حقيقة على هذه الآية في بداياتها وقلنا أن هناك جملة مسائل يتوقف عندها المسلم الذي يريد أن يتأمل كلام الله سبحانه وتعالى من أول هذه المسائل هي قوله (وأعتدت لهن متكأ) هو في البداية الآية الكريمة (فلما سمعت بمكرهن). القصة بإيجاز: ما كان بين امرأة العزيز ويوسف (عليه السلام) ومحاولتها لإغواء وإغراء يوسف (عليه السلام) واعتصامه بالله سبحانه وتعالى هذه القصة. لكن بدأ النسوة ولا سيما المقربات من امرأة العزيز يتحدثن بشأنها. هذا الكلام الذي كان يجري بينهن وصفه القرآن الكريم بأنه مكر (فلما سمعت بمكرهن) فالكلام على الآخرين حقيقة حتى إذا كان صحيحاً إذا كان يسيئهم فهو من المكر وإشاعة الفاحشة يعني امرأة أرادت أن تُخطيءلكن أن يلغط عليها الناس فيما فعلته فهذا المكر وهو نوع من الإيذاء ولعلها تركن الأمر ولعلّها تابت. هي لما سمعت بمكرهن هي تحركت حركة سريعة أرسلت إليهن ولم يقل أرسلت إليهن بماذا؟ بأية رسالة؟ دعوة للعشاء؟ دعوة للغذاء؟ دعوة للعصاري؟ المهم هي أرسلت إليهنلأن هذا الذي يعنينا من القصة. امرأة العزيز توجهت إليهن برسالة ليحضرن إليها ويبدو أنهن استجبن لذلك وأرادت أن تدخلهن في امتحان (فلما سمعت بمكرهن ) (وأعتدت لهن) لما تنظر في الفعل: أصل الفعل (عَتَدَ) يعني العين والتاء والدال والفعل الآخر (عَدَدَ) فلما تدخل همزة التعدية يصبح أعتد ويفترض أعدد. الأصل (أفعل) أعتد وأعدد ليسا فعلاً واحداً وحدث فيه تغيير ما عندنا دليل، قد يكون كل منهما أصلاً وقد يكون الذي بالتاء هو الأصل وقد يكون الذي بالدال هو الأصل لكن وجود الإدغام قد يرجّح – أقول قد- أن يكون الفعل بالتاء هو الأصل لأنه حينما يُسكّن التاء وبعده جال تُقلب التاء إلى دال. التاء والدال إذا التقيا يكون إدغام، عادة يُدغم الأول في الثاني. لو قلت (هطلت ديمة) تقلب التاء دالاً(هطلديمة) فيمكن أن تكون التاء أصل وانقلبت إلى دال، ويمكن أن يكونا أصلين مستقلين وبينهما تقارب وحيثما يوجد تقارب في الصورة يكون تقارب في المعنى. يقترب المعنى لما يأتي إلى (عتد) العين والدال مع (عدد) العين والدال واحدة الفارق في عين الفعل في الوسط هنا تاء وهنا دال. لما يستعمل عتد أو أعتد معنى ذلك أنه هناك شيء من الهمس لأن التاء مهموس ويكون هناك تنويع بين الجهر والهمس فلما يقول ربنا عز وجل (وأعتدت) غير (أعدت) هذا الإدغام كأنه يصور لنا شيئاً مجموعاً مضموماً إلى بعضه فيه قوة وشدة وجمع، أما أعتدت فيه تفريق لأولاً (التاء غير الدال) ثم فيه تنويع بين الهمس والجهر كأنه يشير إلى تنويع المجلس أنه لم يكن من فراش واحد، لم يكن جنساً واحداً ، لم يكن بساطاً. حينما كان تنويع في الفراش: الوثير، الصعب، القوي، الشديد، الهيّن، الليّن بما يناسب التاء وبما يناسب الدال. (أعتدت) في القرآن لما يقول (أعتدنا) القرآن لم يستعمل أعددنا أبداً، وردت أعتدنا 13 مرة ولم يستعمل أعددنا ليس في القرآن أعددنا، أعدّ موجودة. في سورة الكهف (إنا أعتدنا للظالمين ناراً) هنا النار فيها تنويع. لو قال في غير القرآن أعددنا يكون تكرار للحرف (د د) لكن أعتدنا (ت د)صار تنويعاً. حيثما وردت كلمة أعتدنا هناك تنويع في ثلاث عشرة آية لما يقرأها المسلم (أعتدنا لهم عذاباً أليما) (أعتدنا لهم ناراً) كل الآيات حيثما وردت في موضع أو موضعين يذكر (أعتدنا لهم سعيرا) سعيراً فقط لا يصفها. لما ننظر في كلمة سعير أولاً هم يقولون من أسماء النار ولكن هناك حذف ولكن هي نار سعير مسعّرة أو مسعورة. السعير يعني النار التي تُسعّر هي التي تهيّج وتُلهِب. السعير هي اسم من أسماء النار لكن من يقول سعير (فعيل) بمعنى مفعول مثل أسير بمعنى مأسور وقتيل بمعنى مقتول. سعير كأنه مسعور لما نقول مسعور يعني مسعّر يعني مهيّج وملهب فيه تهييج وإلهاب فيها تنويع دائماً. لو قال في غير القرآن (أعددنا) يكون قد فك الإدغام والعرب حريصة على الإدغام يعني لما يكون الحرف هو هو يكون قد فارق سنن العربية في كلامها بهذه الطريقة. لكن لو قال أعتدنا وافق سنن العرب أولاً في اختيار الفكّ وغيّر في الصوت: جعل هذا الصوت غير هذا الصوت حتى تشير إلى التنويع. لا نقول كلمة أعددنا في غير القرآن خطأ هذا كلام غير صحيح لكن لا تعطي فيها معنى التنويع لما نقول أعددت له كذا أو أعدّ له ليس فيها التنويع لا تحس التنويع وإنما تحسّ بالتكتل. التنويع مطلق أحياناً في العذاب نفسه ألوان العذاب وأنواعه منوّع. أنواع هذا الذي هيّأته من الفراش فقال (وأعتدت) كان يستطيع في غير القرآن أن يقول (أعدت لهن مجلساً) لاحظ كلمة مجلس يرتبط بالجلوس: مكان الجلوس مجرد مكان للجلوس، بينما المتكأ فيه هذه الاستراحة. عندما تتكئ على شيء فيه نوع من أنواع الاستراحة والتراخي متكأ فهو ليس مجرد مجلس وإنما مجلس فيه استرخاء وراحة حتى تكون كل واحدة مرتاحة في جلستها.
ثم قال:(وآتت كل واحدة منهن سكينا): لاحظ أصلها: أتى وأعطت أصلها عطو (عطى يعطو). نلاحظ الأحرف وهذه سمة في العربية، نحن نقول البيان القرآني وفي الحقيقة في الوقت بيان هذه اللغة التي يحاول بعض أبنائها أن ينسلخ منها للغة أخرى لم تتصل برواية منقطعة وقلنا أن الفرنسي لا يستطيع أن يقرأ ما كتبه أجداده قبل 400 عام والإنجليزي والصيني وكل الدنيا ونحن نقرأ ما كُتِب قبل ألف عام. هذه الميزة عندما تتشابه الحروف نلاحظ كلمة أتي (همزة، تاء، ياء) ما الذي يقابل الهمزة في عطو؟ يقابلها العين والعين أنصع وأقوى من الهمزة (أ – ع) ولذلك الخليل بدأ بالعين لم يبدأ بالهمزة مع أن الهمزة أعمق بلا خلاف. ننظر في (أتي) نجد الحروف متجانسة بينها وبين (عطو) لكن العين أقوى من الهمزة وأنصع. الحرف الثاني: الطاء والتاء والطاء أقوى (الطاء مطبقة) الطاء من مخرج التاء. والطاء علماؤنا يقولون أنه مجهور صحيح. الدرس الصوتي الحديث يقال أنه لا يهتز به الوتران يعني هو مهموس في تصنيف اهتزاز الوترين أما في مصطلح القدماء نحن نقول هناك اتفاق في المصطلح واختلاف في ماهية المصطلح وما يراد به. عند علمائنا القدماء وهذا يغيب عن أهل الاختصاص. علماؤنا عندما قالوا جهر وهمس كانوا يعنون بالمجهور: حرف قوي الاعتماد عليه من موضعه فلم يجر به النَفَس والمهموس ضعف عليه الاعتماد من موضعه فجرى به النَفَس. يعني الهمزة يمكن أن لا يجري بها النفس لأنها غلقٌ حنجري فلما لا يجري بها النفس صنفوها في المجهور. الطاء لا يجري به النفس صنفوه في المجهور بينما الآن نحن عندنا الضابط مختلف عندنا اهتزاز الوترين هم ما نظروا إلى الوترين فالذي يهتز به الوتران مجهور. الطاء لا يهتز به الوتران فهو بمصطلح اهتزاز الوترين مهموس فالذي لا يهتز به الوتران نقول مهموس ولذلك قالوا: (جثه شخص فسكت)يضاف إليه أكط، في المهموس علماؤنا قالوا الطاء والتاء تبقى في المجهور بناء على ضابطهم بمعنى الجهر إذن الطاء مجهور مطبق على قول علمائنا بينما التاء مهموس مستتر يعني أضعف.الحرف الأول أضعف من الحرف الأول والحرف الثاني أضعف من الحرف الثانيبقي الياء والواو, والواو أقوى من الياء وأثقل من الياء لأن قلنا فيها رفع اللسان من الأقصى واستدارة الشفتين بينما الياء رفع اللسان من الأمام. فالإعطاء والعطاء أقوى من الإيتاءمن حيث اللفظ الصوتي ومن حيث الدلالة إذا أراد أن يستعمل شيئاً قوياً فيه نوع من التمليك لما يقول (إنا أعطيناك الكوثر) (وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة) المال هو مال الله. (يؤتي الحكمة من يشاء) هذه الحكمة/ هذا الإيتاء حقيقة الحكمة فير إعطاء الكوثر. (ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم) هذا لا يقابل الكوثر يعني ذاك مادي (مِلْك) أعطيناك: شيء متملك وشيء مادي المهم أقوى وأميز من الإيتاء. الإيتاء فيه نوع من الرِقّة والهدوء. الإعطاء دائماً هناك ارتباط بين الصوت وبين المعنى الذي يراد وهذه قاعدة عامة.
(ولسوف يعطيك ربك فترضى) هذا عطاء في الدنيا والآخرة. لم تكن العرب تقول أعطى هذا نوع من التبذير. لغرض التحديد الدقيق ينبغي أن نستجمع كل ما استعملته العرب أولاً في القرآن كل ما ورد في القرآن من أتي ومشتقاتها وكلمة عطو ومشتقاتها وننظر فيها ثم نستخرج الفوارق لتكن مثلاً عشرة فروق. من خلال الآيات أعطيناك فيه شيء مادي فيه تملّك، وآتيناك شيء معنوي ويرجع وقد يُنسى. إيتاء وليس عطاء (يمكن يكون للتملك). و(آتت كل واحدة منهن سكينا) سترجع وليس عطاء، لو قال أعطت يمكن أن يكون تملك. عملية الإيتاء ليست نهائية لكنها ستُردّ.
حقيقة تحتاج لمراجعة كاملة وتحتاج لتفصيل وبيان دقائق الفروق. نحن بهذا القدر الموجود بين أيدينا نلمس هذا الفراق يعني لو قال أعطت أولاً الصوت يختلف، ثانياً العطاء يكون فيه عدم الاسترداد. ثم مع مناسبة الإيتاء أيضاً للمتكأ ولأعتدت هذا (حرف التاء والياء والهمزة التي هي أخف) ولعلها مناسبة لمجلس النسوة.
لا شك أن العرب كانت تفهم الفوارق بيت الأصوات لذا كان العربي يستعمل هذه الكلمة هنا وهذه الكلمة هنا ويدرك. لم يكن هذا الاستعمال السامي الرفيع الذي نجده في القرآن لكن نجده في الشعر لكن لم نجده بهذه الطريقة. هم يتحسسونها ما كانوا يقولونها بهذه الطريقة فلما يسمعها يحس بذلك ونحن عندنا وقفة لسؤال أحد الأخوة : هل يمكن أن يكون الإعجاز البياني يُقنِع غير المسلم بالدخول إلى الإسلام؟ سنأتي ونذكر نماذج من هذه الأمور بإذن الله لما يرد موعد السؤال.
*ما الفرق بين آتت وأعطت في (وآتت كل واحدة منهن سكينا) في سورة يوسف؟(د.حسام النعيمى)
في سورة يوسف ما قال أعطت. وقلنا أن الفرق بين آتى وأعطى: العين والألف والألف هو مجرد هواء يهتز معه الوتران فيكون ألفاً، العين حرف حلقي ومجهور يهتز معه الوتران وله مخرج معيّن فأقوى. فالعين أقوى من اللام ولذلك لما تكلم عن شيء قوي قال (إنا أعطيناك الكوثر) الكوثر شيء عظيم فاحتاج الحرف القوي لكن آتينا وآتنا فيها نوع من الرقة واللين.
آية (32):
*(وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ (32) يوسف) ما الفرق بين تشديد النون في ليسجنن وتخفيفها في ليكونا؟ (د.فاضل السامرائى)
هذه نون التوكيد الأولى ثقيلة والثانية خفيفة، (لَيُسْجَنَنَّ) هذه نون التوكيد الثقيلة و (وَلَيَكُونًا) هذه نون التوكيد الخفيفة والمعروف في اللغة أن نون التوكيد الثقيلة آكد من الخفيفة لأن تكرار النون بمثابة تكرار التوكيد. النون الثقيلة هي عبارة عن نونين ففي الفعل (لَيُسْجَنَنَّ) ثلاث نونات نون الفعل الأصلية المبنية على الفتح ونون التوكيد الثقيلة ونون التوكيد الثقيلة آكد من الخفيفة لأنهما نونان فتكرار النون بمثابة تكرار التوكيد. سبب الاختيار أنها هي أكدت على السجن فجاءت بالنون الثقيلة فسُجِن، هي لم ترده من الصاغرين وإنما تريد سجنه. الصغار يعني الإخانة وهي لا تريد إهانته وإنما سجنه ربما ينفذ ما تطلبه. إذن نون التوكيد الثقيلة توحي بتوكيد الفعل تدخل على الفعل المضارع بشروط معينة وعلى فعل الأمر. وفي سورة يوسف الآية (ليسجنن وليكوناً من الصاغرين) النون نون التوكيد التي تخلص الفعل للمستقبل واللام هي لام القسم وليست لام التوكيد هنا.
استطراد:(وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ (32) يوسف) خطر ببالي أن ليسجنن مؤكدة بالنون الثقيلة لأنهم أكيد سيسجنونه ولم يؤكد (وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ) لأنه لن يكون من الصاغرين فلذلك جاءت بما بتناسب مع مستقبل يوسف (عليه السلام) لم تقل ليكونن من الصغرين لأنها لن تقدر عليه وإنما تقدر على السجن كما أنها لن تكون حقيقة مستقبله وإنما سيصير عزيز مصر لن يكون من الصاغرين.
*ما دلالة استخدام اسم الإشارة (ذلك) في الآية (قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ (32) يوسف) بدل اسم الإشارة هذا؟(د.فاضل السامرائى)
اسم الإشارة نفس الاسم أحياناً يستعمل في التعظيم وأحياناً يستعمل في الذم والذي يبين الفرق بينهما هو السياق. كلمة (هذا) تستعمل في المدح والثناء “هذا الذي للمتقين إمام” ويستعمل في الذم (أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا (41) الفرقان) (كذلك) تستعمل في المدح “أولئك آبائي فجئني بمثلهم” أولئك جمع ذلك وهؤلاء جمع هذا، والذم. (ذلك) من أسماء الإشارة و(تلك) من أسماء الإشارة (قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ (32) يوسف) تعظيم، وأحياناً يكون في الذم تقول هذا البعيد لا تريد أن تذكره فهنا الذي يميز بين ذلك الاستعمال والسياق.
تلكما:هذه الكاف تسمى حرف خطاب فيه لغتان: الأولى تكون في المفرد المذكر أياً كان المخاطَب تقول تلك الشجرة سواء كان المخاطب واحد أو اثنين أو جمع، واللغة الثانية أن تجعل حرف الخطاب بحسب نقول تلكِ الشجرة مثلما قال
تلكِ : لو كانت المخاطَب امرأة (قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ (21) مريم).
ذَانِكَ :(فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ (32) القصص) برهانين اثنان (ذان) للبرهانين و(ك) للمخاطب.
ذَلِكُمَا :(ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي (37) يوسف) كان يمكن أن يقول ذلك لكنه يقصد الذي قاله.
ذَلِكُنَّ :(قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ (32) يوسف) (ذلك) إشارة ليوسف و(كُنّ) حرف خطاب للنسوة. إذن هذه الكاف هو حرف خطاب يمكن أن نجعله في حالة المذكر المفرد دائماً ويمكن أن يكون في حالة المخاطَبين .
آية (36):
*ما الفرق بين نبأ وأنبأ؟(د.حسام النعيمى)
إذا جاء الفعل بصيغتي فعّل وأفعل نفس الفعل فيكون أفعل إذا جاء لزمن أقصر من فعّل مثل علّم وأعلم ونبّا وأنبأ.في سورة الكهف (سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (78)).هذا ليس إنباءً وإنما تبيين من نبّأ لأن فيها كلام كثير (أما السفينة، أما الغلام، أما الجدار) فهي ليست مختصرة. (سَأُنَبِّئُكَ) جاءت بالتشديد مشددة ما قال سأنبئك. المضعّفة يعني فعّل من النبأ جاءت في ستة وأربعين موضعاً كما في سورة يوسف (نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (36)) لأن فيها شرح بالتفصيل عن الرؤيا ولم يقل أنبئنا مختصرة وهم يريدون شرحاً مفصّلاً للرؤيا.
آية (37):
*في سورة يوسف قال تعالى: (قَالَ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيكُمَا (37)) ما الفرق بين يأتِيكما ويأتيَكما؟(د.فاضلالسامرائى)
(لاَ يَأْتِيكُمَا) هذا فعل مضارع مرفوع، ولا نافية والضمة مقدّرة، (أَن يَأْتِيكُمَا) هذا منصوب بالفتحة لوجود (أن) الناصبة والأول مرفوع لوجود لا النافية.
*ما دلالة تكرار (هم) في الآية (وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (37) يوسف) بينما في سورة الأعراف لم يكرر (هم) (الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُم بِالآخِرَةِ كَافِرُونَ (45))؟(د.فاضل السامرائى)
نعرف الحكم النحوي لماذا التكرار؟ التكرار يفيد التوكيد. (هم كافرون) آكد من عدم ذِكر (هم). من أهم أغراض التكرار في اللغة التوكيد. إحدى الآيتين مؤكدة والأخرى ليست مؤكدة. نوضح المسألة أولاً في الأعراف (فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (44) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُم بِالآخِرَةِ كَافِرُونَ (45)) من دون تكرار. لعنة الله على الظالمين الذين يصدون عن سبيل الله. نأخذ آية شبيهة بها في سورة هود (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا أُوْلَـئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَـؤُلاء الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (18) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (19)) كرّر (هم). لو لاحظنا الآيتين: زاد على الأولى الافتراء على الله الكذب (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا) أما في الأولى فما قال وإنما قال (الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا). في سورة هود قال (الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) زاد على الأولى الافتراء على الله الكذب وكذبوا على ربهم. إذن زاد على الصد عن سبيل الله وبغيها عوجاً الكذب على الله هل له درجة واحدة؟ كلا. لو أردنا أن نضع (هم) نضعها في المكان الذي وضعت فيه لأن هؤلاء زادوا الافتراء والكذب على الله فاستحقوا التوكيد.
نأتي إلى سورة يوسف: (إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (37)) أيّ الأشد، الكافر أو الظالم؟ الكافر أشد لأن الظالم قد يكون مسلماً. هناك قال (الظالمين) وهنا قال (كافرون) أيهما الأولى بالتوكيد؟ الكافرون أولى فوضع (هم) مع الكافرين.
آية (40):
*ما الفرق بين(ما نزّلالله بها من سلطان) في سورة الأعراف و(ماأنزلالله بها من سلطان)فى سورة يوسف؟(د.فاضل السامرائى)
أنزل ونزّل قسم غير قليل يفرق بينهما أنه نزّل تفيد التدرج والتكرار وأنزل عامة.لكن الذي يبدو أن الفرق بين نزّل وأنزل أنه نزّل تفيد الاهتمام نظير وصى وأوصى وكرّم وأكرم ففي المواطن التي فيها توكيد واهتمام بالسياق يأتي بـ (نزّل) والتي دونها يأتي بـ (أنزل). نضرب أمثلة: قال تعالى في الأعراف (قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤكُم مَّا نَزَّلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ فَانتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ (71)) وقال في يوسف:(مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ (40)) وقال في النجم: (إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى (23)). ننظر السياق في الأعراف فيها محاورة شديدة ،فيها تهديد، كلام شديد من أولئك كيف تتركنا نترك آلهتنا ونعبد الله فقال (نزّل). في سورة يوسف لم يردّ عليه السجينان وليس فيها تهديد إذن الموقف يختلف عن آية سورة الأعراف فقال أنزل.إذن نزّل آكد وأقوى في موطن الاهتمام أشد من أنزل.
آية (42):
*ما دلالة كلمة (ظنّ) في قوله تعالى في سورة يوسف: (وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِّنْهُمَا اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ فَأَنسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ {42}) ؟(د.فاضل السامرائى)
الظنّ هو أعلى درجات العلم وهو الشعور في الذهن الذي يصل إلى أعلى درجات العلم وهذا الظنّ الذي يصل إلى درجة التوكيد كما قال تعالى في سورة الحاقّة: (إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيهْ {20}).
*ما الحكمة في الآية (فَأَنسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ (42) يوسف)؟ ما الحكمة في النسيان وبقاء يوسف في السجن سنوات؟(د.فاضل السامرائى)
الشيطان أراد أن يوقع بيوسف ويجعله في السجن لكن الشيطان كان قصير النظر فكان بقاء يوسف أولى وأصلح ليوسف لأنه لو خرج يوسف في حينها ثم رأى الملك الرؤيا إلى من سيرجع؟ فربنا حفظه في السجن فأبقاه مدة أطول لمهمة أكبر حتى يصبح عزيز مصر فأبقاه حتى يسهل الرجوع إليه وإلا أين يبحث عنه في مصر؟ أين يكون؟ فربنا سبحانه وتعالى أبقاه في مكانه لمهمة أكبر وهو نفع العباد ويكون عزيز مصر فلذلك الشيطان ما وّفق وحصل ما فيه مصلحة يوسف.
آية (43):
*متى يستعمل جمع القلة وجمع الكثرة في القرآن الكريم وما الفرق بين كلمتي (سنبلات) و(سنابل)؟
د.فاضل السامرائى:
القاعدة النحوية أن يكون جمع القلة للقلة وجمع الكثرة للكثرة. مثل (دراهم معدودة) جمع قلة و(دراهم معدودات) جمع كثرة، و(أربعة أشهر) جمع قلة و(عدة الشهور) جمع كثرة، (سبعة أبحر)جمع قلة و(وإذا البحار سُجّرت) جمع كثرة، (ثلاثة آلاف) جمع قلة و(ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت) أكثر من عشرة جمع كثرة.
ويجوز أن يستعمل القلة للكثرة والكثرة للقلة أما في القرآن قد يُعطى وزن القلة للكثرة والعكس لأمر بليغ. وقد جاء في سورة البقرة (مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ {261}) سبع جمع قلة استعملت مع جمع كثرة لأنها في مقام مضاعفة الأجور والتكثير. وفي سورة يوسف (وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ {43}) سبع استعملت مع جمع القلة (سنبلات) لأن الآية تتحدث عن حلم ولا مجال للتكثير فيه إنما هو مجرد حلم لذا استعملت بمعنى القلة.
وتستعمل للمقارنة بين معنيين مثل: قيام جمع كثرة وقائمون جمع قلة وكذلك أعين للبصر وعيون للماء، والأبرار جمع قلة وهي تستعمل للمؤمنين فقط (إن الأبرار لفي عليين) والبررة جمع كثرة وهي تستعمل للملائكة فقط لأنهم أكثر (كرام بررة).
وقوله تعالى:(دراهم معدودة) مناسبة مع كلمة (بخس) في قوله (وشروه بثمن بخس) في سورة يوسف (أكثر من عشرة فهي كثرة) لكن حتى لو دفعوا أكثر من عشرة دراهم يبقى ثمناً بخساً. وقوله (أياماً معدودات) في آية الصيام في سورة البقرة، قللّها فهي أيام معدودات ليس كثيرة وهنا تنزيل الكثير على القليل، وقد قلل أيام الصيام لكن أجرها كبير.
آية (43):
*متى يستعمل جمع القلة وجمع الكثرة في القرآن الكريم وما الفرق بين كلمتي (سنبلات) و(سنابل)؟
د.أحمدالكبيسى:
كما في قوله تعالى: (مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ (261) البقرة) و(وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ (43) يوسف) رأى الملك رؤيا سبع سنبلات وحدها في الصحراء في حديقة وحدها يعني هي واحدة اثنتانثلاثة أربعة خمسة ستة سبعة في حديقة في صحراء رآها وحدها، أما في قوله تعالى (سنابل) سبع سنابل في حقل من السنبل، سبع سنابل محددة معينة لها ميزة في حقل كبير من السنبل وهي ليست منفردة أو منقطعة وهذا الفرق بين واحد لا يعمل عملاً صالحاً إطلاقاً في حياته كلها عمل سبع عملات هذا سبع سنبلات وواحد من الصالحين يصوم ويصلي وهو ملتزم لذلك حسناته لا حصر لها لكن فيها سبعة في غايةالروعة والرسول (صلى الله عليه وسلم) يقول : ” سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله” معناها هؤلاء جزء من كل. حينئذ هذا الكتاب العزيز فيه عجائب وفيه إعجاز لا يمكن لك أن تتصورها إلا أن نبدأ بها واحدة واحدة كما انتهينا من الكلمة وأخواتها وبدأنا في هذا البرنامج ” وأُخر متشابهات” والله سبحانه وتعالى إذا مدّ في أعمارنا يكون لنا شأناً آخر.
آية (45):
* ما دلالة استعمال كلمة (مدّكر) و(ادكر) ولم يستعمل متذكر مثلاً من الذِكر كما يُفهم من المعنى؟(د.فاضل السامرائى)
هذا سؤال صرفي يُدرس في الصرف ويسمى الإبدال عندما نصيغ على صيغة (افتعل) وتقلباتها مفتَعل ومفتعِل، والمشهور أن افتعل تأتب بالتاء مثل اختبر واجتهد واشتهر لكن مع بعض الحروف لا تأتي التاء فتُبدل دالاً (مع الدال والذال) مثلاً اذتكر هي صيغة افتعل من ذَكَر والمفروض أن نقول (مذتكر) هذا هو القياس وكذلك ادّعى المفروض أن نقول (ادتعى) على وزن افتعل لكن العرب تستثقل هذا فتُقلب الذال والدال دالاً فيقولون (مدّكر) و(وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ (45) يوسف) بمعنى ذكر. وتبدل طاء مع الصاد والضاد مثل (اصطبر) والقياس (اصتبر) بالتاء يبدلون التاء طاء وكذلك اطّلع (اضتلع).
*(وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَاْ أُنَبِّئُكُم بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ (45) يوسف) فما دلالة استعمال ادّكر و أمّة هنا؟ (د.فاضل السامرائى)
إدّكر ليست بمعنى تذكّر وإنما هي من ذكر إذتكر على وزن افتعل وليست تفعّل، هي من ذكر وليست من تذكّر وإلا صارت يذّكّر. بعد الزاي والدال تقلب التاء دالاً وتُدغم تُبدل وتُدغم مثل ازتحم تصير ازدحم وازتكر تصير ادّكر وبعد الدال تقلب دالاً.
إدكر معناها تذكر أصلها إفتعل (إذتكر) وهذه تبدل التاء دالاً هنا وجوباً فأُبدلت التاء دالاً فصارت إدّكر. والأمة هي الحين وهو معنى من معاني الأمة ومعانيها كثيرة، الحين أي الزمن. والذين على لسان واحد أو دين واحد يسمون أمة. ادّكر بعد أمة أي بعد حين زمن ليس معروفاً بالضرورة (وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إلى أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ (8) هود) إلى أمة أي إلى حين، زمن.
آية (47):
*ما الفرق بين العام والسنة ؟(د.حسام النعيمى)
العام هو لما فيه خير والسنة لما فيه شر. العلماء يقولون الغالب وليست مسألة مطلقة. لكن في الاستعمال القرآني أحياناً يستعمل (تزرعون سبع سنين دأباً) (ثم يأتي عام فيه يغاث الناس) الزرع فيه جهد في هذه السنين. في قصة نوح (فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً) كأن الخمسين عاماً هي الخمسين الأولى عام الأولى من حياته التي كان مرتاحاً فيها وبقية السنين الـ 950 كان في مشقة معهم حتى بلغ أن يقول (ولا يلدوا إلا فاجراً كفّارا) هذه تجربة. هذا الغالب ومن أراد أن يلتزم الاستعمال القرآنييحرص على استعمال السنة في جدب وقحط والعام لما فيه خير لكن إذا وجد شاعر يستعمل نصاً عن السنة مختلف لا يستغرب.
آية (62):
*يميل القرآن الكريم إلى حذف ما هو معلوم أحياناً فما الحكمة من ذكر (فَلَمَّا رَجِعُوا إلى أَبِيهِمْ (63)) في سورة يوسف مع أن هذا الأمر واضح من السياق في قوله: (وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُواْ بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انقَلَبُواْ إلى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (62))؟(د.فاضل السامرائى)
هم لم يرجعوا بعد وإنما لا يزالون في مصر. لو قرأنا الآية (وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُواْ بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انقَلَبُواْ إلى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) أي لعلهم يعودون إلى مصر مرة أخرى مرة أخرى يأتون فيمتارون. إذن لعلهم يرجعون إلى مصر مرة أخرى وليس إلى أهلهم فهم لم يعودوا إلى أهلهم فبطبيعة الحال يقول (لعلهم يرجعون).
آية (63):
*(فَلَمَّا رَجِعُوا إلى أَبِيهِمْ قَالُواْ يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (63) يوسف) هل لفظ نكتل هنا فعل أو اسم؟(د.فاضل السامرائى)
هذا فعل نكتل أي نكتال مجزوم هو جواب الطلب، أصلها نكتال مثل نبتع نبتاع وجواب الطلب يكون مجزوماً فحذفت الألف لالتقاء الساكنين فصارت نكتل. ولو كان اسماً لنصبه وقال (نكتلَ).
آية (65):
*(قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا (64) الكهف) ، (قَالُواْ يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي هَـذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا (65) يوسف)ما الفرق؟(د.فاضل السامرائى)
الحدثان يختلفان. الذكر والحذف متعلق بالمقام الذي نتحدث عنه ولطول الحدث أو قلّته ولما كانت البغية لم تكتمل قال: (قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ) لأنه كان يبتغي لقاء الخضر، لأن ربنا تعالى أخبر أنه حيث نسيت الحوت هناك ستجده. أما في سورة يوسف هم جاءوا للامتلاء فأعطاهم الميرة وأرجع إليهم أموالهم فهذا أكثر مما يبغون أما الأولى لم تكتمل البغية لأنه لم ير الشخص الذي يبحث عنه بعد وإنما وصل للمكان فقال: (قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ) لما لم تكتمل البغية حذف منها ولما اكتملت لم يحذف وهذا من خصوصية القرآن الكريم.
*ما إعراب كلمة حافظاً في قوله تعالى: (فالله خيرٌ حافظاً وهو أرحم الراحمين)؟(د.فاضل السامرائى)
هذه الآية والآية (سلامٌ قولاً من رب رحيم) وكذلك (كبرت كلمةً تخرج من أفواههم) فيها وجهين إعرابيين: إما أن تكون تمييزاً أو تكون حالاً لأن القاعدة النحوية تنص على أن اسم التفضيل إذا كان ما بعده ليس من جنسه يُنصب مثال (أنت أكثرُ مالاً، هو أحسنُ شعراً) وإذا كان ما بعده من جنسه يُضاف. (يقال: أنت أفضلُ رجلٍ، أحسنُ دارٍ).
وفي الآية (فالله خيرٌ حافظاً) في سورة يوسف تعني أن حفظة الله تعالى خير منكم بدليل قوله تعالى (ونرسل عليكم حفظة) فكأنه تعالى قارن بينهم (بين إخوة يوسف) وبين حفظة الله (والتمييز أقوى من الحال) لسبب أن الحال قيد لعاملها كأنه خير فقط في هذه الحال من حالة الحفظ أما في التمييزفهي أقوى. ولو قال الله خيرُ حافظٍ فهي تدلّ على أن الله هو الحافظ.
آية (68):
* ما هي الحاجة التي في نفس يعقوب(مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍإِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا)؟(د.حسام النعيمى)
عندنا مبدأ عام في تعاملنا مع كتاب الله سبحانه وتعالى: أيما قضية لم يفصّل فيها القرآن ولم يرد فيها خبر صحيح عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الخوض فيها من التكلّف الذي لا يصل إلى نتيجة. فلما قال لنا القرآن الكريم (إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا) أنت ماذا تتخيل الحاجة تخيّلها. البحث فيها تهويمات ليست قاطعة: أنه خاف عليهم من الحسد، خاف عليهم أن الملك يخشى من جمعهم فيدبر لهم شيئاً أحد عشر أخ عصبة هؤلاء، أنهم إذا اجتمعوا يدبرون شيئاً، لا يهم. هذا كلام ليس عليه دليل ولذلكنقول لا ندري ما هي الحاجة. تتخيل ما شئت من هذا الأمر لكن كن واثقاً أن الله عز وجل ما أخبرك عن هذه الحاجة ما هي فتكتفي بهذا القدر. وهذا في أمور كثيرة وعندما يحدثنا علماؤنا عن الصفاتكان السلف يمرونها كانوا يمرونها هكذا لا يتحدثون عنها بالتفصيل.
آية (70):
* ما توجيه الآيتين في سورة يوسف (فَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ (70) يوسف) (قَالُواْ نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَن جَاء بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ (72) يوسف) وما الفرق بين السقاية والصواع؟(د.فاضل السامرائى)
لما قال صواع الملك أراد أن يبين السقاية لأن الممتارون الذي يكال لهم يعلمون أن هذا مكيال لكنهم لا يعلمون أنه صواع الملك. السقاية والصواع بمعنى وهو جعل السقاية مكيال فأراد أن يبين أن هذه السقاية ليس مجرد سقاية وإنما هذا صواع الملك لبيان أهميته. الصواع هو ما يكال به عموماً. السقاية في الأصل هو ما يُسقى به الملك يشرب به خمراً وكان يستعمل صواعاً للكيل. فهو ليس مجرد سقاية عادية ولو كان عادياً نأتي بغيره لكن هذا صواع الملك وكما يقولون كان يسقى بها الملك, والصواع والصاع يستعمل الآن للكيل الصواع والصاع فهي لها حالتان حالة سقاية وحالة مكيال، حالة سقاية لأنه يسقى بها وحالة صواع وهو ما يكال به.
آية (72):
*ما دلالة التذكير والتأنيث في كلمة (صواع) في سورة يوسف؟(د.فاضلالسامرائى)
قال تعالى في سورة يوسف:(قَالُواْ نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَن جَاء بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ {72}) و (فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاء أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِن وِعَاء أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مِّن نَّشَاء وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ {76}) فاستخدمت كلمة صواع مرة مذكرة ومرة مؤنثة. وبعض الكلمات تأتي مؤنثّة ومذكّرة فكلمة العاقبة مثلاً تُذكّر إذا استعملت للعذاب وتُؤنّث إذا استعملت للصيحة. في اللغة التأنيث هو للمجاز ويُسمى (مؤنث مجازي).
آية (73):
*ما دلالة القسم بحرف التاء في القرآن الكريم؟(د.فاضل السامرائى)
التاء حرف قسم مثل الواو لكن التاء تكون مختصّة بلفظ الجلالة (الله) وتستعمل للتعظيم وقد وردت في ثلاثمرات في سورة يوسف (قَالُواْ تَاللّهِ لَقَدْ عَلِمْتُم مَّا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ {73} {قَالُواْ تَالله تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أو تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ {85}{ قَالُواْ تَاللّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللّهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ {91}). أما الواو فهي عادة تستخدم مع غير لفظ الجلالة مثل الفجر والضحى والليل والشمس وغيرها مما يقسم الله تعالى به في القرآن الكريم. والتاء في أصلها اللغوي مُبدلةٌ من الواو.
*(قَالُواْ تَاللّهِ لَقَدْ عَلِمْتُم مَّا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ (73)) (قَالُواْ تَالله تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ (85)) (قَالُواْ تَاللّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللّهُ عَلَيْنَا (91)) (قَالُواْ تَاللّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلاَلِكَ الْقَدِيمِ (95)) عندما يُقسِم إخوة يوسف يستعملون تالله فما دلالة هذا القسم؟(د.فاضلالسامرائى)
القسم بـ (تالله) في القرآن الكريم ليس مختصاً بإخوة يوسف وأصلاً القسم بـ تالله كما يذكر أهل النحو واللغة يفيد التعجب والتفخيم والتعظيم (تالله) يُقسَم بها في الأمور العظام. تالله هي عبارة عن تاء القسم وهي مُبدَلة عن الواو وأصل حروف القسم الباء ثم الواو ثم التاء. كيف عرفنا أن القسم بالباء هو الأصل؟ لأنه يذكر معه فعل القسم (بالله) أو لا يذكر مرة تقول أقسم بالله ولا يضح أن تقول أقسم والله أو أقسم تالله إذن يصح ذكر فعل القسم وعدمه. أقسم بالله معناه أوسع يمكن أن تقول أقسم بالله أو بالله. وتدخل الباء على الضمير (أقسم بك يا رب) وتكون الباء في (بك) باء القسم أما الواو والتاء فلا تدخل على الضمير إذن الباء هي الأصل ثم الواو ثم التاء والتاء مُبدلة عن الواو كما يقولون لأن الواو يقسم بها في كل مقسوم ظاهر والله تعالى أقسم بالواو كما في : والضحى، والليل، والسماء. أما التاء فلم يرد في القرآن بالتاء إلا في الله (تالله) وقليل ورد في غير اللغة بالتاء فتكاد تكون التاء مختصة بالله. قد ترد قليلاً مع غير الله (تحياتك أي وحياتك، تربِّ الكعبة أي وربِّ الكعبة) هذه مفردات قليلة. إذن (تالله) قسم والتاء للقسم وهي من حروف الجر والله لفظ الجلالة مقسم به مجرور. أما السؤال نفسه فالتاء ليست مختصة بإخوة يوسف فقد قال تعالى على لسان إبراهيم: (وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (57) الأنبياء) وقال تعالى: (تَاللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (27) الشعراء) وأصحاب الجنة قالوا لقرنائهم (قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدتَّ لَتُرْدِينِ (56) الصافات) وقال تعالى: (تَاللّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَفْتَرُونَ (56) النحل) هذه عامة قال تعالى مخاطباً رسوله (تَاللّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إلى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ (63) النحل) إذن تالله هي ليست مختصة بإخوة يوسف. جاءت في سورة يوسف على لسان إخوته لأنها تفيد التعظيم.*هل من رابط بين القسم ولغتهم؟ لم يخص القسم بلغة معينة وإنما أطلقها من زمن إبراهيم إلى الرسول (صلى الله عليه وسلم).
آية (75):
*ما دلالة (فهو) في قوله تعالى في سورة يوسف: (من وجد في رحله فهو جزاؤه)؟(د.فاضل السامرائى)
الجزاء هو: سيؤخذ بالجريرة إذن هو هي الجزاء.
آية (80):
*ما دلالة الجمع في قوله تعالى (عسى الله أن يأتيني بهم جميعا) في سورة يوسف؟(د.فاضل السامرائى)
الاثنين تفسد الجمع حسب كلام العرب ولكنهم في قصة يوسف وإخوته كانوا ثلاثة هم يوسف وأخوه الذي آواه إليه يوسف (عليه السلام) وأخوهم الكبير الذي قال:(فَلَمَّا اسْتَيْأَسُواْ مِنْهُ خَلَصُواْ نَجِيّاً قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُواْ أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُم مَّوْثِقاً مِّنَ اللّهِ وَمِن قَبْلُ مَا فَرَّطتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ حَتَّىَ يَأْذَنَ لِي أَبِي أو يَحْكُمَ اللّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ {80}) فهم بالأصل ليسوا اثنين ولكن ثلاثة.
*(فَلَمَّا اسْتَيْأَسُواْ مِنْهُ خَلَصُواْ نَجِيًّا قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُواْ أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُم مَّوْثِقًا مِّنَ اللّهِ وَمِن قَبْلُ مَا فَرَّطتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ حَتَّىَ يَأْذَنَ لِي أَبِي أو يَحْكُمَ اللّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (80) يوسف) ما اللمسات البيانية في الآية؟(د.فاضل السامرائى)
استيأس مبالغة في اليأس يعني حاولوا جهدهم فلم يوافق سيدنا يوسف على أن يأخذ هؤلاء مكان أخيهم. خلصوا أي انفردوا من غيرهم وخلصوا من كل شيء غير هذا الأمر. فلما استيأسوا من سيدنا يوسف خلصوا أي انتهوا من كل شيء وانفردوا من غيرهم ولم يفكروا في أي مسألة إلا هذه المسألة. نجياً تحتمل عدة معانٍ، نجياً النجي هو السر (مصدر) وجماعة تأتي أيضاً نجيّ مثل الصديق يأتي مفرد ويأتي جمع والعدو يأتي مفرد ويأتي جمع والنجي يأتي مفرد ويأتي جمع. فإذن النجي تحتمل المصدر وتحتمل الجمع، نحن نفهم المعنى إما أنهم استيأسوا ثم انفردوا من كل شيء وخلصوا من ذواتهم وتحولوا إلى نجوى تحولوا إلى مصدر بقدر ما كان الأمر يهمهم تحولوا إلى نجوى لم يبق شيء من ذواتهم إلا هذه المسألة فكأنما تحولوا إلى حدث، هذا إذا كانت بمعنى المصدر مبالغة في هذا الأمر. وإما أن يكونوا هم جماعة والنجوى هي السر، جماعة خلصوا إلى هذه المسألة جماعة تحولوا إلى نجوى فيكون معنى الجمع ومعنى المبالغة لأنهم تحولوا إلى نجوى، مبالغة في استيأس ومبالغة في خلصوا ومبالغة في نجياً. نجياً من التناجي.
* ما هي الظروف المقطوعة؟(د.فاضل السامرائى)
النحاة يذكرون ثلاث حالات: إما مقطوع عن الإضافة لفظاً ومعنى (هذه نكرة) فساغ لي الشراب وكنت قبلاً أكاد أغص بالماء الزلال. (قبلاً) ظرف مقطوع عن الإضافة لفظاً ومعنى، نكرة. ونحن قتلنا الأسد أسد خفية فما شربوا بعداً على لذة خمراً. هذا مقطوع لفظاً ومعنى. وهناك ظروف مقطوعة لفظاً وهذا قليل عند النحاةهذا لا ينوّن ويعامل كأن المضاف إليه مذكور، يأخذ حكمه الإعرابي ويعامل كأنما سقط من الكلام مثل: ومن قبل نادى كل مولى قرابته فما عطفت مولى عليه العواطف (من قبل) كلمة ساقطة تبقى على حالها. رأيته قبل ذلك، هذا قليل ليس قياساً يجب أن يكون هنالك دليل يدل على الكلمة الساقطة هذا يسمى مقطوع عن الإضافة لفظاً. وهناك مقطوع عن الإضافة لفظاً ونُوي معناه يحذف المضاف إليه ويُبنى على الظن دائماً (لله الأمر من قبل ومن بعد) هنا المعنى مفهوم، (وَمِن قَبْلُ مَا فَرَّطتُمْ فِي يُوسُفَ (80) يوسف) هذا مقطوع لفظاً مفهوم معنى وهذا عند النحاة معرفة ويُعرب مبني على الضم. لما نقول سقط من فوقُ أي من فوق معلوم أما سقط من فوقٍ أي من مكان عال لا تعرف من أين. إذن (وَمِن قَبْلُ مَا فَرَّطتُمْ فِي يُوسُفَ) يقصد فترة زمنية محددة، (لله الأمر من قبل ومن بعد) فترة زمنية محددة، كجلمود صخر حطه السيل من علِ لا يعرف مكانه ولو قال من علُ يجب أن يكون المكان محدداً.هذا يشبه بالمنادى (يا رجلُ) يبني على الضم، رجل نكرة مقصودة. لما تقول يا رجلُ أي هناك رجل محدد تناديه. الظروف المقطوعة إذن ثلاثة: المقطوع لفظاً ومعنى، المقطوع لفظاً لا معنى والمقطوع لفظاً ونُوي المعنى.
السامرائى:في سورة يوسف:(فَلَمَّا اسْتَيْئَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أو يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (80) ارْجِعُوا إلى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ (81) وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (82) قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (83)) من هذه الآية نستنتج أن أخا يوسف قال لإخوته أن يقولوا هذا الكلام لأبيهم لكن جاء الرد مباشرة من يعقوب واختزلت الآيات الزمن؟ هذا كثير في القرآن. في القرآن يحذف المشاهد التي ليس فيها كثير فائدة ويركز فيها على الأشياء التي فيها فائدة .هذا اسمه اختزال، حذف المشاهد.
آية (81):
*( ارْجِعُواْ إلى أَبِيكُمْ (81) يوسف) (اذْهَبُواْ بِقَمِيصِي هَـذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي (93) يوسف) ما الفرق بين ارجعوا واذهبوا؟ وما دلالة استخدام صيغة الجمع مرة (يا أبانا) والمفرد مرة (أباكم)؟(د.فاضل السامرائى)
لو قال ارجعوا بقميصي كان معناه أن القميص كان معه، مثل (اذْهَب بِّكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ (28) النمل)، ارجع به يعني احتمال أن القميص كان معه، هم يرجعون لكن القميص لم يكن معهم قال اذهبوا بقميصي. (ارْجِعُواْ إلى أَبِيكُمْ فَقُولُواْ يَا أَبَانَا (81) يوسف) قال ارجعوا إلى أبيكم من حيث المعنى هو رجوع لكن قال اذهبوا بقميصي حتى لا يوهم أن القميص كان معهم قال (اذهبوا به) الذهاب به ليس معناه كان معهم أما ارجعوا به معناه كان معهم. (اذْهَبُواْ بِقَمِيصِي هَـذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي (93)) قميصي وأبي تعاطف بينهما حتى يعود بصيراً ولو لم تكن هذه العلاقة كيف يرجع بصيراً؟ علاقة التعاطف. لما قال ارجعوا قال أبيكم ولما قال بقميصي قال أبي، نفس الضمير، قميصي – أبي، ارجعوا – أبيكم، تناسب دقيق.
سؤال:هل هنالك قديماً مؤلفات بيانية بلاغية في هذا الموضوع؟
أولاً كتب التفسير التي تعني بهذه الأمور موجودة مثل الكشاف وقبله كتب كثيرة، كتب التفسير المتأخرة مثل الرازي والبحر المحيط والألوسي في كتب التفسير وكتب المتشابه مثل درة التنزيل وملاك التأويل والبرهان في متشابه القرآن للكرماني كشف المعاني وكتب الإعجاز مثل معترك الأقران للسيوطي يبحث في الأمثلة وكتب علوم القرآن مثل البرهان في علم القرآن للزركشي والإتقان للسيوطي نفسها فيها اختيارات من هذا الأمر كثير وكثير من كتب البلاغة تأخذ أمثلة كشواهد، كتب متفرقة متعددة وهذا العلم واسع.
هذا العلم واسع وليس في مقدور كل إنسان أن يبحر في هذا العلم؟
هي الآلة إذا سلك الآلة يصل إلى ما هو أفضل لأن القرآن لا تنقضي عجائبه والاستنباط قائم وقال تعالى: (لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ (83) النساء) فالذي يتخذ الوسيلة ربنا يفتح عليه ولا شك أن الإنسان إذا ازداد تدبراً وتأملاً في القرآن يفتح ربنا سبحانه وتعالى عليه أضعاف ما صرفه ويفتح عليه فتوحات.
سؤال: في زمن الرسول (صلى الله عليه وسلم) لم يكونوا بحاجة لهذا العلم ولكننا نحتاج إليه.
*في آية سورة يوسف (وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (82)) لماذا حذف أهل ؟(د.حسام النعيمى)
(واسأل القرية) إخوة يوسف كانوا متهمين بأنهم ليسوا صادقين لأن عند أبيهم تجربة سابقة معهم لما جاءوا وقالوا أكله الذئب يوسف وهو لم يأكله فالآن يقولون ابنك سرق وقد يكون كذباً كالذئب فقالوا: (واسأل القرية التي كنا فيها) صحيح هي أهل القرية لكن كأنهم يريدون أن يقولوا له أن صدقنا ثابت في القرية حتى بجدرانها ،حتى بحيوانها، اسأل القرية كاملة، القرية التي كنا فيها والبلدة كأنها جميعاً تشهد لنا ليس بناسها فقط وإنما حتى بجدرانها. وهذا ينسحب على العير أي القافلة (والعير التي أقبلنا فيها) العير ومن عليها ومن معها ومن فيها لأنهم كانوا يشكّون في أنفسهم. أما في آية سورة الذاريات (غير بيت) لو قال : غير أهل بيت تكثر. أهل البيت تصير كثير: القرية من بيوتفأراد أن يبيّن قلة الذين اتّبعوا لوطاً (عليه السلام). هناك أراد الحذف حتى يبيّن القِلّة وهنا(في سورة يوسف) حذف حتى يبيّن الكثرة. ولكل حذف مكان بحسب السياق والله أعلم.
آية (85):
*ما اللمسة البيانية في اختيار كلمة (تفتأ) في سورة يوسف (قَالُواْ تَالله تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أو تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ {85})؟(د.فاضل السامرائى)
في سورة يوسف قال تعالى على لسان إخوة يوسف مخاطبين أباهم يعقوب:(قَالُواْ تَالله تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أو تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ {85}). استخدمت كلمة (تفتأ) هنا بمعنى لا يزال وهي من أخوات كان (ما انفك، ما برح، ما زال، ما فتئ) ما زال تدل على الاستمرار والدوام (نقول ما زال المطر نازلاً) لكن يبقى السؤال لماذا اختار تعالى كلمة (تفتأ) دون غيرها من أخواتها التي قد تعطي نفس المعنى من الاستمرار والدوام؟ ونستعرض معنى كلمة فتئ في اللغة: من معانيها (سكّن) بمعنى مستمر لأنه عندما لا يسكن فهو مستمر، ومعناها أطفأ النار (يقال فتئ النار) ومن معانيها أيضاً نسي (فتئت الأمر أي نسيته). إذن كلمة (فتأ) لها ثلاثة معاني سكّن وأطفأ النار ونسي. وفاقد العزيز سكن بمجرد مرور الزمن فمن مات له ميت يسكن بعد فترة لكن الله تعالى أراد أن يعقوب لا ينسى ولا يكفّ بدليل قوله تعالى:(وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ {84})، وفاقد العزيز كأنما هناك ناراً تحرق جنبيه ويقال (حرق قلبي) والنار التي بين جنبي يعقوب (عليه السلام) لم تنطفئ مع مرور الأيام ولم تزل النار ملتهبة مستعرة في قلب يعقوب (عليه السلام)، وهو لم ينسى وفاقد العزيز ينسى بعد فترة ولذا يدعو له المعزّون بالصبر والسلوان. إذن تفتأ جمعت كل هذه المعاني المرادة هنا في الآية ولا يؤدي أي لفظ آخر هذه المعاني مجتمعة غير هذه الكلمة. والقرآن الكريم لم يستعمل هذه الكلمة إلا في هذا الموضع في سورة يوسف واستعمل (يزال ولا يزال) كثيراً في آيات عديدة (ولا تزال تطّلع على خائنة منهم).
واستخدام كلمة حرضاً في الآية تدل على الذي يمرض مرضاً شديداً ويهلك.
ومن الغريب أن القياس أن يُقال (لا تفتأ) لأن استعمالها نفي أو شبه نفي. وهذه من مواطن النفي ولم تحذف الـ(لا) في جواب القسم إلا في هذا الموطن في القرآن الكريم فهذه هي الآية الوحيدة التي وقعت في جواب القسم منفية ولم يذكر معها اللام ففي عموم القرآن عندما يكون القسم منفياً يأتي باللام (وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت) إذن من الناحية النحوية هناك خياران : إما ذكر اللام أو حذفها. فمن الناحية النحوية إذا كان جواب القسم فعل مضارع لا بد أن يكون باللام مع النون مثل (تالله لأكيدنّ أصنامكم) وإما مع اللام إذا اقتضى حف النون. لا بد في جواب القسم المثبت أن تذكر اللام سواء مع النون أو بدونها. وعندما لا تذكر اللام فهذا يدل على النفي ولا يكون مثبتاً إلا بذكر اللام مع الفعل المضارع . إذا لم تأتي بـ (لا) فهو نفي قطعاً كقول الشاعر:
رأيت الخمر صالحة وفيها مناقب تُفسد الرجل الكريما
فلا والله أشربها حياتيولا أشفي بها أبداً سقيما
(فلا والله أشربها حياتي) بمعنى لا أشربها قطعاً. وقولنا (والله أذهب) يعني لا أذهب. فقد ورد قوله تعالى: (فلا وربّك لا يؤمنون) لم تحذف الـ(لا) هنا ونسأل عن السبب؟ لماذا حذف الـ(لا) في الآية؟ لأن هذا القول قاله إخوة يوسف لكن هل هم أقسموا على أمر يعلمونه حق العلم ؟ كلا هم أقسموا على أمر يتصورونه فالأمر إذن ليس مؤكداً ولم يحصل أصلاً فالذكر آكد من الحذف ولذا لم تذكر (لا) في جواب القسم ولقد جاء في الآية ما يفهم المعنى بدون الحاجة لذكر (لا) ولأن الذكر آكد من الحذف ولأن الأمر ليس مؤكداً عند إخوة يوسف. وهذا ما يُعرف بالتوسّع في المعنى في القرآن الكريم.
*(قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أو تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ (85) يوسف) محذوف حرف النفي (لا) (تالله لا تفتأ) فلماذا؟(د.فاضل السامرائى)
القاعدة أنه إذا كان فعل مضارع مثبت لا بد من حرف اللام فإن لم تذكر اللام فهو منفي مثال: والله أفعل (معناها لا أفعل) و والله لأفعل (معناها أثبّت الفعل) فلماذا حذف إذن؟ هذا هو الموطن الوحيد في القرآن الذي حُذف فيه حرف النفي جواباً للقسم. وقد جاء في القرآن قوله تعالى: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65) النساء) (وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (38) النحل). إنما آية سورة يوسف هي الوحيدة التي تفيد النفي ولم يذكر فيها حرف النفي لماذا؟ الذين أقسموا هم إخوة يوسف ومن المقرر في النحو أن الذكر يفيد التوكيد والحذف أقل توكيداً. فعلى ماذا أقسموا؟ أقسموا أن أباهم لا يزال يذكر يوسف حتى يهلك فهل هم متأكدون من ذلك؟ أي هل هم متأكدون أن أباهم سيفعل ذلك حتى يهلك وهل حصل ذلك؟ كلا لم يحصل.
في حين في كل الأقسام الأخرى في القرآن الأمر فيها مؤكد. أما في هذه الآية لا يؤكد بالحذف لحرف النفي مع أنه أفاد النفي.
فتأ: من معانيها في اللغة نسي وسكّن وأطفأ النار يقال فتأت النار والإتيان بالفعل (فتأ) في هذه الآية وفي هذا الموطن جمع كل هذه المعاني. كيف؟ المفقود مع الأيام يُنسى ويُكفّ عن ذكره أو يُسكّن لوعة الفراق أو نار الفراق في فؤاد وفي نفس من فُقد له عزيز. ولواختار أي فعل من الأفعال الأخرى المرادفة لفعل فتأ لم تعطي كل هذه المعاني المختصة في فعل فتأ.
آية (88):
*ما الفرق بين كلمة (المصّدقين) و(المتصدقين)؟(د.فاضل السامرائى)
قال تعالى في سورة يوسف:(فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَيْهِ قَالُواْ يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ {88}).
الأصل في كلمة المصّدقين هي المتصدقين وأُبدلت التاء إلى صاد مثل تزمّل ومزّمل وتدثّر ومدّثّر يجوز إبدال التاء مع الدال والصاد. كلمة المصّدّقين فيها تضعيفان تضعيف في الصاد وتضعيف في الدال أما المتصدقين ففيها تضعيف واحد في الدال والتضعيف يفيد المبالغة والتكثير مثل كسر وكسّر. إذن المصّدّقين فيها للصدقة والتكثير فيه من حيث المعنى العام.
ونأتي للسؤال لماذا ذكر (المصّدّقين) في آية سورة الحديد بينما استخدم المتصدقين في سورتي الأحزاب ويوسف؟ في سورة يوسف جاء في الآية (فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ) فناسب ذكر المتصدقين لأن إخوة يوسف طلبوا التصدق فقط لم يطلبوا المبالغة في الصدقة وهذا من كريم خلقهم فطلبوا الشيء القليل اليسير هذا أمر والآمر الآخر أنه قال تعالى: (والله يجزي المتصدقين) فلو قال: (يجزي المصّدّقين) لكان الجزاء للمبالغ في الصدقة دون غير المبالغ وهذا غير مقصود في الآية أما عندما يقول (يجزي المتصدقين) فيدخل فيها المصّدّقين) وهذا ينطبق أيضاً على آية سورة الأحزاب. نأتي لماذا قال تعالى: (المصّدّقين) في آية سورة الحديد؟ لو لاحظنا سياق الآيات في سورة الحديد نجد أن الآيات فيها اشتملت على المضاعفة والأجر الكريم وهذا يتناسب مع المبالغة في التصدق ويتناسب مع الذي يبالغ في الصدقة. ثم إن سورة الحديد فيها خط تعبيري واضح في دفع الصدقة والحث على دفع الأموال في السورة كلها .
*ما اللمسة في ذكر (وهذا أخي) في الآية (قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَـذَا أَخِي (90) يوسف) مع أن إخوة يوسف يعرفون أخاهم بنيامين؟(د.فاضل السامرائى)
يعني هذا أخي عرفته كما عرفتكم وأنتم لم تعرفوني هم دخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون. عرفته لا لأنكم قلتم أنه أخوكم وأنتم لم تخدعوني كما حاولتم أن تخدعوا أباكم جئتم بقميص وقلتم أكله الذئب، نأتي بشخص لا يعرفه يوسف ونقول هذا أخوكم ولا يعرف يوسف لأن أباهم لا يتحمل أن يأخذ الآخر نأت له بشخص لا يعرفه يوسف فنقول له هذا أخوك فمن أين يعرفه هو كما فعلتم مع أبيكم وقلتم أكله الذئب وحاولا أن يخدعوه. لا تتصوروا أنك خدعتموني وأنا عرفته هو أخي فعلاً عرفته بنفسي أنا أعرفه كما عرفتكم أنتم قبل أن تعرفوني بأنفسكم أنا عرفتكم بنفسي. لو جاءوا بشخص آخر وقالوا أبانا لا يتحمل ويأتوا بحمل بعير كان ممكناً أن يفعلوا هذا لكنه لن ينطلي على يوسف لأنه يعرفه كما عرف إخوته. أنتم لن تخدعوني وجئتم بشخص آخر علماً أنه كان ممكناً أن يفعلوا ذلك وقد فعلوه قبل ذلك مع قميص يوسف.
آية (90):
*ما هي الحكمة من عدم إنزال العقاب بإخوة يوسف بعدمافعلوا به ما فعلوه؟(د.حسام النعيمى)
الله تعالى أرحم الراحمين. أولاً هم لم يرتكبوا جرماً يقتضي عقوبة لما رموه في الجب لم يكن قتلاً وإنما شروع في القتل عقوبته تعزير ليس الحدّ وهو رحم إخوته وهذا درس لنا أن نكون رحيمين بأرحامنا وبمن نعرف من إخواننا من المسلمين وحتى من جيراننا من غير المسلمين.
آية (92):
*ما الفرق بين استغفار يوسف لإخوته واستغفار يعقوب لأبنائه في سورة يوسف؟(د.فاضل السامرائى)
قال الله تعالى على لسان يوسف (عليه السلام)(قَالَ لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ {92}) وقال على لسان يعقوب (عليه السلام)(قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيَ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {98}) ولو نظرنا في سياق الآيات وموقف إخوة يوسف معه لوجدنا أنهم قالوا:(قَالُواْ تَاللّهِ لَقَدْ آثَرَكَاللّهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ {91}) هم لم يسألوه المغفرة وإنما هو الذي دعا لهم بالمغفرة دون أن يسألوه حتى أنهم لم يذكروا الخطيئة التي ارتكبوها بحق يوسف كما فعلوا مع أبيهم (وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ) وإنما جاءت (إن) مخففة. أما مع أبيهم قالوا:(قَالُواْ يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّاخَاطِئِينَ {97}) وجاءت (إنّا) مشددة الإقرار بالخطيئة آكد في توجيه الكلام مع أبيهم. ويعقوب (عليه السلام) لم يستغفر لهم ولكن وعدهم بالاستغفار لأن فعلتهم مع يوسف لم تكن عاقبتها على يوسف كما كانت على أبيهم فيوسف (عليه السلام) أصبح عزيز مصر وبيده الأمر والنهي أما تأثير فعلة إخوة يوسف على أبيهم فكان أعظم لأنه أُصيب بالعمى والأسى والحسرة على ولده ولا يزال قلب يعقوب (عليه السلام) فيه أسى وفي نفسه شيء كثير من الحزن والأسى لذا أجّل الاستغفار في قوله:(قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيَ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {98})سوف يعني للمستقبل، سوف أبعد من السين وآكد هذا يدل على عمق هذه الفعلة وشدتها في نفسه. طلبوا منه أن يستغفر لهم (يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا) فقال:(سوف) أما يوسف لم يطلبوا منه الاستغفار فقال:(يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ)كأنها هذه الفعلة جرّت على أخيهم خيراً فصار عزيز مصر لكن جرّت على أبيهم الحزن فلا شك أن أثرها على أبيهم أشد من أثرها على يوسف فتكلموا بالأثر الناتج عن الفعلة لأنه استفاد من فعلة إخوته معه.
*ما الفرق بين قول يوسف(عليه السلام) (قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُالْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (92))وقول يعقوب(عليه السلام) (قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُلَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (98))؟(د.حسام النعيمى)
بعض اللجان التي تشرف على طبع المصحف تجتهد في أماكن الوقف في قوله تعالى:(قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ/ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (92)) كان بودّنا أن يكون هنا وقف (اليوم) ولكن الإشارة الموجودة جواز الوقف والوصل والوصل أولى لكن وصل الآية كاملة ((قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (92))) تقرأ جميعاً لكن كما قلت بودّنا أن يكون الوقف على اليوميعني (لا بأس عليكم اليوم) ثم قال يغفر الله لكم يغفر الله لكم ليس خبراً عن المغفرة وإنما دعاء بأن يغفر الله تعالى لهم. يغفر الله بالفعل المضارع ليس وعداً بالمغفرة وإنما هو دعاء تعني أنا رحمتكم بأن تنازلت عن حقي ولكن الله عز وجل أرحم الراحمين فأسأله أن يغفر لكم. كما إذا توفي فلان يقال رحمه الله وهي دعاء وليس خبراً. يعقوب بعد ذلك لما جاءوا معه (قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ (97)) قال (قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (98)) يعقوب وعدهم بالاستغفار أما يوسف فدعا لهم ابتداء أن الله يغفر لهم.
*ما الفرق بين يأت ويرتد في سورة يوسف(اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِأَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ (93)) (فَلَمَّا أَنْجَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا قَالَ أَلَمْأَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (96))؟(د.حسام النعيمى)
هي وردت في مكانين (اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ (93)) (فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ) يأتي من أتى – يأتي هي في الأصل بمعنى جاء مع فارق بين المجيء والإتيان يتناسب مع الجيم. لاحظ هذه الجيم والألف والهمزة، أتى: الهمزة والتاء والألف الذي يقابل التاء والجيم. الجيم انفجاري، مجهور، قوي. التاء انفجاري، مهموس. فالإتيان أخف من المجيء، المجيء يحتاج إلى قوة، إلى جهد (اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي) والقميص قميص يوسف وليس قميصاً توارثه عن الأنبياء من قبله كما يقول بعض الناس فهو قميصه لأن عادة بعض الناس ملبسه يكون له رائحة معينة، رائحة جسمه فممكن أن تعرف من أولادك هذا القميص لفلان أو لفلان من رائحته، ( اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا) إذا ألقوه على وجهه سيكون بصيراً وسيأتي إلي في هيئة مبصرة سيأتي بشكل هادئ. يقوّي هذا المعنى أنه يراد به المجيء إليه بأنه يأتي وهو مبصر لأنه قال بعد ذلك (وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ) فعطف عليه أتوني وعناه أنه سيأتي إلي مبصراً.
(فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ) وجاء بكلمة جاء لأنه بذل جهداً في المسير فمجيء هذا البشير كان فيه جهد حتى يأتي إلى والد يوسف مسرعاً لأنه بذل جهداً في السرعة (فَلَمَّا أَنْ جَاءَ ) كأنه يدخل عليها الاستقبال فوصل وأدخلها على الماضي، (أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا) ارتد بمعنى رجع إلى حاله الأولى. ارتد هو يعقوب أي رجع مبصراً فالفاعل في الحالتين هو سيدنا يعقوب يأتي بصيرا أي يعقوب وفارتد بصيرا وليس نظره فيعقوب ارتد بصيرا أي رجع بصيرا فالردة هي العودة إلى الحال الأول ومنه المرتدون لأنهم رجعوا عن الإسلام إلى الكفر وإلى ما كانوا عليه. فارتد بصيرا أي رجع إلى ما كان عليه من الإبصار. هنا قد يقول قائل ما الداعي؟ كان من الممكن أن يدعو يوسف (عليه السلام) الله تعالى أن يعيد البصر إلى أبيه لأن القميص لا يؤدي شيئاً وليس فيه علاج لكن كأن القرآن الكريم يريد أن يعلمنا من تصرفات هؤلاء الأنبياء أن الأمور ينبغي أن تكون بأسبابها، ينبغي أن نقدم أسباباً، أن تكون هنالك مادة معينة كأنها علاج حتى لا يجلس الإنسان وهو مريض لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: “تداووا فإن الله سبحانه وتعالى ما جعل داء إلا جعل له دواءً إلا الهرم” حتى لا يتكل الإنسان ويقول أن الله تعالى هو الذي يشفيني. صحيح إبراهيم عليه السلام قال: (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ﴿80﴾ الشعراء) هو يشفيني بسببٍ من الأسباب كما أنه شفى يعقوب بسبب قميص يوسف ابنه فهنالك سبب صحيح أن القميص ليس ذلك العلاج الطبي فهو قماش سقط على وجهه فما علاقته بالإبصار؟.
مداخلة من المقدم: وبخصوص هذا الموضوع هنالك بحث ظهر مؤخراً بخصوص علاج بعض أمراض العين بالعرق, و الباحث الدكتور عبد الباسط من المركز القومي للبحوث قال هذا الكلام وكان مرجعه هذه الآية فأخذ العرق وحلله في مختبرات ومعامل وتوصل إلى مادة تعالج بعض أمراض العين.
تعليق الدكتور حسام: هذا كله كلام جيد نحن لا نعترض عليه لكن نقول هذا الدين يبنى على الحقائق اليقينية فهذا دين علم وليس دين تهويمات بحيث أنك إذا ذكرت أمراً تستدل به ينبغي ألا يكون هنالك مجال لنقضه لأنك تستدل بدين الله. نحن نقول هذا دين الله منهج حياة انظروا أي منهج في الدنيا يقيم حياتكم على الخير والسعادة في الدنيا والآخرة اءتونا به. إسلامنا يقيم حياتكم على الخير، ينظمها بنقاء ونظافة وسعادة في الدنيا والآخرة. وهذه أدلة لكن عندما يكون هنالك شيء فيه مجال علمي غير قابل للنقض. فهذا الكلام ممكن أي واحد وهو جالس في المقهى يقول لك يا أخي من مصر إلى سيناء هذا القميص يركض به هذا الرجل فمن أين يبقى عرق فيه؟ من أين تبقى قطرات فيه؟ ألم تجففه الشمس؟ فما دام هناك اعتراض أنا لا أحتج بهذا فديننا أسمى من هذا. في الحقيقة مع إجلالي وتقديري لكل المشتغلين بالإعجاز العلمي أنا أجلهم وأحترمهم لكن ينبغي أن نضع نصب أعيننا هذا أنه لا يكون ما نقدمه عرضة للاعتراض حتى في اللغة نحن عندما نقول هذا الحرف كذا وهذا الحرف كذا ليعترضوا علينا أنا عندما أقول هذا الصوت مجهور الدنيا كلها في كل لغات الدنيا هذا مجهور وليس مهموساً فعندما أقول مهموس يعني هذا مهموس والمجهور أميز من المهموس لأن المجهور يصحبه اهتزاز وترين. فعندما نقدم شيئاً نريد أن نقدم شيئاً لا مجال فيه للنقض وإلا نرجع إلى كونه منهج حياة هذا نظام اجتماعي ونظام أخلاقي ونظام سياسي ونظام اقتصادي ونظام ديني ونظام روحي. هذا إسلامنا هو هكذا وفيه هذه الأمور فنتجنب تجنباً كلياً حقيقة الأمور غير الحاسمة، غير القاطعة لأنه يأتي من يعترض. فهذا حقيقة أمر حاسم أنه ينبغي أن نتخذ أسباباً وإن كانت هذه الأسباب في ظاهرها يسيرة كما قلنا في مرة ماضية عندما يقول لمريم عليها السلام ( وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا ﴿25﴾ مريم) الرطب لا يأتي لوحده، هزي جذع النخلة وهل تستطيع أن تهز جذع نخلة هل تستطيع أن تهز غصناً وهي ولدت حديثاً؟ هي مجهدة متعبة وقد كان يأتيها رزقها وهي قوية من غير أسباب فالله سبحانه وتعالى يؤتي الرزق من غير سبب لكن الأصل الأسباب تضع يدها على النخلة، تدفع النخلة، تهتز النخلة لا بقوتها وإنما بأمر الله سبحانه وتعالى فتساقط الرطب عليها وتأكل. ويقول الله سبحانه وتعالى: (ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ ﴿42﴾ ص) وهذه نحن شرحناها حتى لا يظنون أنه يجري. و(اركض) هنا بمعنى ارفس أي ارفس الأرض والتراب برجلك حتى تخرج عين الماء. ففرج الله يأتي بأقل سبب يتبعه الإنسان فلا بد من سبب ومعه الدعاء والدعاء أيضاً سبب فالإنسان يدعو ويبذل ويتحرك وقد قلنا: (الطير تغدوا خماصاً وتعود بطاناً) فهي ما جلست في عشها بل تخرج وتسعى وتتخذ الأسباب.
واللافت للنظر في هذه الآية الكريمة (يَأْتِ بَصِيرًا) ( فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا) فلدينا أتى وجاء وارتد كلها ربما تدور في فلك دلالي واحد بمعنى الحضور أو الإتيان مع أن الفاعل واحد في حالتين وهو مع سيدنا يعقوب عليه السلام وجاء البشير فلماذا ثبت الفاعل وتغير الفعل؟
(يَأْتِ بَصِيرًا) لأنه فيه معنى المجيء الذي لم يشأ أن يجعل فيه قوة أو جهداً أو تعباً كأنه يريد منهم ألا يتعبوه أي يأتي بصيراً (وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ) أي تأتونا بهيئة الذي لا يجهد نفسه ويتعب. لأن قلنا أتى وجاء معناهما متقارب المجيء فيه جهد كالجهد المبذول في إخراج الجيم أكثر من الجهد المبذول في إخراج التاء لأن كلاهما شديد: الجيم والتاء والجيم فيه إضافة اهتزاز الوترين الصوتيين فمن هنا جاءت كلمة أتى ويأتي وقال (وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ) ما قال جيئوني بأهلكم لأنه لا يريد أن يثقل عليهم. فالمجيء فيه ثقل ولم يرتد بصيرا لأن ارتد فيه رجوع وهو يريد أن يأتي إليه. لو قال يرتد بصيراً أي في مكانه أين معنى المجيء؟ هو يريد معنى الإتيان إليه قال ألقوه على وجه أبي يأتي إلي وهو مبصر واءتوني ببقية أهلكم. هذا الإيتاء ولابد أن يقول ارتد بمعنى رجع إلى حاله الأول ولا تصلح كلمة أخرى ويقصد يعقوب وليس البصر فرجع يعقوب عليه السلام بصيراً، رجع ذا بصرٍ، كان غير ذي بصر، كان أعمى فرجع مبصراً فارتد يعقوب بصيراً ولا تستقيم غير كلمة ارتد هنا. فلو قال صار بصيراً كأنه لم يكن بصيراً من خِلقته ثم صار بصيراً. حتى كلمة أصبح تعطي نفس معنى صار فيه نوع من التحول بينما ارتد أي رجع إلى حاله..والذي يقول أن القرآن فيه تكرار وأن فيه أحرف متشابهة يصح أن يوضع بعضها مكان بعض هذا يدل على قلة معرفة بالعربية وقلة معرفة بتاريخ القرآن وتاريخ الإسلام فلو كان هذا الذي يقولونه صحيحاً كما قلت مرة لطار المشركون به وقالوا هذا الكلام ليس دقيقاً، ليس صحيحاً، هذا ممكن أن نعترض عليه لكن سكوت فصحاء العرب أمام القرآن ليس إسكاتاً من الله سبحانه وتعالى وإنما بسبب القرآن نفسه فالقرآن هو الذي ألجمهم وليس كُن فيكون لأن هذا الدين لم يتعامل معه رب العزة بكلمة كن فيكون حتى مع أشرف خلقه جعله يتحرك ويذهب ويصلي في الليل وتتفطر قدماه ويذهب على المكان الفلاني ويسقط في الحفرة في المعركة وتدخل في وجنته الشريفة الحديدة وتكسر رباعيته ولا يوجد كلمة كُن هنا. ففي هذا الدين التطبيق العملي فهذا الدين ليس دين كسالى ونائمين ينتظرون النصر من الله كأنه يشغل الله سبحانه وتعالى جندياً عنده- وتعالى الله عن ذلك علواً كبيراً- اللهم أغرق سفنهم احرق ديارهم، يتّم أولادهم…الخ ما هذا الكلام؟ أنت ينبغي أن تجتهد وأن تبني بلادك وعند ذلك تقف في وجه أعداء الإسلام فاعمل أنت، ابني كيانك بناءً سليماً علمياً صالحاً وعند ذلك تقف في وجه كل هؤلاء الطغاة وكل هذا الطغيان القادم من وراء البحار. وهذا التأمل في كتاب الله عز ومراجعة العلماء ومراجعة المصادر الموثقة في هذا كما قلنا مراجعة أهل العلم الموثقين يؤدي بنا إلى هذا الاطمئنان والاستقرار إلى ما في كلام الله سبحانه وتعالى،وفي آيات متتالية يأتي وجاء وأتوني فارتد وكلها تدور في فلك دلالي واحد ولكن كل واحدة في مكانها لا يصلح غيرها فكل كلمة عاشقة مكانها في القرآن.
* ما اللمسة البيانية في ذكر (أن)في آية سورة القصص وما دلالتها مع أنها لم ترد في قصة لوط آية سورة هود وكذلك في آية سورة يوسف؟(د.فاضل السامرائى)
(أن) هذه عند النُحاة زائدة إذا وقعت (أن) بعد لما فهي زائدة أي لا تؤثر على المعنى العام إذا حُذفت.
لكن الملاحظ هو قوله تعالى: (فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ (19)) فصل بين الفعل وبين (لمّا) (ومعنى لمّا أي في الوقت الذي قرر فيه وقسم يرى أنها حرف وقسم يرى أنها ظرف لكن هي زمنية وتُسمى حينية أي حينما) نلاحظ أنه فصل بين بين لمّا والفعل وهذه الظاهرة موجودة في القرآن وهي في الآية في سورة القصص تدل على أن موسى (عليه السلام) لم يكن مُندفعاً للبطش فجاءت (أن) للدلالة على أنه لم يكن مندفعاً وللدلالة على الفاصل في الزمن وهي ليست كالحالة الأولى (وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (15)) استخدم الفاء للدلالة على الترتيب والتعقيب أما في هذه الآية فدلّت على التمهل والتريث..
في قصة يوسف:
في سورة يوسف:(فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (96)) ذكر (أن) مناسب لقوله تعالى:(وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ (94)) الآن يعقوب (عليه السلام) في حالة ترقّب وانتظار ففصل بينهما مناسباً لحالة الشعور بالانتظار والترقب التي كان عليها يعقوب (عليه السلام) وهذه الحالة لاحظها القدماء فقالوا أن هذا الفصل لأنه كان ينتظر ويترقب ولا شك أن الشعور بالوقت يختلف من إنسان إلى إنسان بحسب الظروف التي هو فيها ويعقوب (عليه السلام) كان يستطيل الوقت ففصل بينهما. ففصل بين لمّا والبشير إشارة إلى طول المدة.
أن للإطالة ويقولون للتوكيد لكن التوكيد له مواطن عندهم والقياس أن تُزاد (أن) بعد (لمّا) إن شئت أن تأتي بها فلا حرج ويقولون إنها زائدة والزيادة للتوكيد في الغالب مع أنها ليست بالضرورة للتوكيد فالزيادة لها أغراض فقد تكون تزينية أو زيادة لازمة أو تكون لأمور أخرى منها التنصيص على معنى معين وهي كلها أمور نحوية.
آية (100):
*ما دلالة قوله تعالى (أبويه) وليس والديه؟(د.فاضل السامرائى)
ليس فيها مقام ذكر البر لذا قال:(وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ) في سورة يوسف لسببين أولاً إكراماً للأم ما قال والديه إكراماً للأم يجعلها تابعة لأن الوالدين يصير الوالدة هي التي تسجد بينما هي أكرم من الأب والأمر الآخر أن الأب أحق بالعرش فقُدِّم.
ما الفرق بين الوالد والأب؟ التي تلد هي الأم والوالد من الولادة والولادة تقوم بها الأم وهذه إشارة أن الأم أولى بالصحبة وأولى بالبر قبل الوالد. في الأموال يستعمل الأبوين وفي الدعاء الوالدين.
*ما الفرق بين النزغ والوسوسة في الآيات (مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي (100) يوسف) و (فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا (20) الأعراف)؟(د.فاضل السامرائى)
من حيث اللغة النزغ هو الإفساد بين الأصدقاء تحديداً، بين الإخوان، بين الناس (وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ (36) فصلت) النزغ هو أن يحمل بعضهم على بعض بإفساد بينهم، هذا هو النزغ في اللغة، أن يغري بعضهم ببعض ويفسد بينهم. الوسوسة شيء آخر وهي عامة، يزين له أمر، يفعل معصية، يزين له معصية، الوسوسة عامة والنزغ خاص بأن يحمل بعضهم على بعض وأن يفسد بينهما. قال تعالى:(مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي (100) يوسف)، لم يقل وسوس. مع آدم وحواء لم يكن هناك خصومة بينهما لكن مع إخوة يوسف كان هناك خصومة فقد حاولوا أن يقتلوا يوسف، أفسد بينهم، أغروا به حتى أفسدوا. الوسوسة عامة لأنه يدخل فيها النزغ. هنا (مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي (100) يوسف) (نزغ الشيطان) الحالة الخاصة للحالة الخاصة وهذه الحالة هي هكذا بين يوسف وإخوته، هذا هو المعنى اللغوي. يقولون أصل الوسوسة الصوت الخفي ويكون مسموعاً أحياناً وأحياناً يكون غير مسموع (الذي يوسوس في صدور الناس) أحياناً لا يُسمع وإنما يبقيه الشيطان في نفس الإنسان (من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس) والصدر هو الممر إلى القلب فإذا وسوس في الصدر الشيطان يريد أن يملأ الساحة بالألغام كما يفعل الأعداء في الحرب. وقد تكون الوسوسة بالكلام المسموع، همس أو كلام خفي بينك وبين أحد بدليل أنه لما وسوس إبليس لآدم كان كلاماً باللسان (فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى (120) طه) سماها القرآن وسوسة ثم قال (وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21) الأعراف) قاسمهما أي حلف لهما بالله ولذلك لما رب العالمين عاتب آدم قال آدم: يا رب ما كنت أظن أحداً يحلف بك كاذباً. الوسوسة إذن تكون في الصوت المسموع أحياناً وبالصوت غير المسموع أحياناً.
سؤال: كلمة وسوس فيها هدوء وخفية وفيها تكرار مقطع (وس/وس) فهل هي مرتبطة بكلام سيئ أو خبيث؟ هكذا يبدو من استعمالها لماذا لا يظهر هذا الكلام إلا إذا كان هناك ما يريد أن يخفيه عن الآخرين؟.
*ما الفرق بين الاجتهاد والتأويل والتفسير؟(د.فاضل السامرائى)
الاجتهاد هو بذل الجهد والوسع في الوصول إلى الحكم في طلب الأمر. اجتهد أي بذل جهده للوصول إلى الحكم. يقولون المراد بها رد القضية التي تعرض للحاكم الذي يفتي بالقضية ويصل بها إلى الحكم الصحيح ويردّها عن طريق القياس إلى الكتاب والسُنّة ولا يقول من رأيه ويقول أنا اجتهدت. هناك شروط للمجتهد، ماذا ورد في الكتاب والسُنّة يحاول القياس عليها ويستخلص الحكم. الاجتهاد إذن بذل الجهد للوصول إلى الحكم (الحكم الشرعي) في رد الأمر عن طريق القياس إلى الكتاب والسُنّة ولا يرده إلى رأيه مباشرة. يُسأل ما حكم هذه؟ فالاجتهاد بذل الوسع والجهد في طلب الأمر للوصول إلى الحكم الصحيح عن طريق القياس بردّه إلى الكتاب والسُنّة فينظر ماذا ورد في الكتاب والسُنّة في أمر مشابه للمسألة فمثلاً يقيس حكم المخدرات على حكم الخمر.
التأويل هو نقل ظاهر اللفظ إلى دلالة أخرى. ظاهر اللفظ شيء وأنت تنقله إلى شيء آخر لسبب من الأسباب. سورة النصر مثلاً تأويلها عند ابن عباس أنها نعي رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، هذا أمر غير مصرّح به في الآية وإنما ينقله إلى معنى آخر لسبب من الأسباب. قوله تعالى (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ (7) آل عمران) هذا للمتشابه ينقل ظاهر اللفظ إلى دلالة أخرى. يقال مثلاً لشخص: في بيتك فأر، لا يقصد به الفأر الحيوان وإنما في بيتك فاسق لأن الرسول (صلى الله عليه وسلم) سمّى الفأر بالفويسقات. وتقول لشخص: يلغ في إنائك كلب وهو ما عنده كلب أصلاً لكنك تقصد شخص يدخل على بيته فيفعل كذا. لا بد أن تكون لها قرينة تفهم منها. المتكلم يضبط ولا يتأول كما شاء وله شروط ولا يمكن لأي كان أن يأوّل كيف يشاء. تأويل الأحلام يسمى تأويلاً (هَـذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ (100) يوسف)أوّل الشمس والقمر إلى الأبوين والكواكب للإخوة، ينقل ظاهر الأمر إلى دلالة أخرى. هذا له ضوابط يعرفها أهل العلم.
التفسير كشف المراد عن اللفظ، كشف مفردات، ما معنى هذه الكلمة؟ تفسير عبارة غير واضحة لشخص تفسرها له، آية غير واضحة تشرحها وتفسرها. إذا كان المعنى العام لا يعرفه أو لا يعرف معنى مفردات نقول يفسر القرآن.
هل لهذه الكلمات مراتب؟ أهل الشأن يذكرون ضوابط خاصة لكل واحد منهم وليس لكل واحد أن يفسر هكذا. ومن أول الضوابط التبحّر في علم اللغة ويقولون ولا تُغني المعرفة اليسيرة، ثم يذكرون أموراً تتعلق بالحديث والسُنّة وأسباب النزول.
آية (102):
*ما الفرق بين قوله تعالى في سورة يوسف: (ذلك من أنباء الغيب) وفي سورة هود: (تلك من أنباء الغيب)؟(د.فاضل السامرائى)
كلمة القَصص مذكر مثل كلمة عدد وكلمة قَصص مذكر وهي ليست جمع قصة وإنما القَصص هنا بمعنى السرد أي بمعنى اسم المفعول أي المقصوص. وقد جاء في سورة يوسف قوله تعالى في أول السورة:(نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَـذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ {3}) وهي قصة واحدة هي قصة يوسف (عليه السلام) فجاءت الآية باستخدام (ذلك) (ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُواْ أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ {102})، أما في سورة هود فقد جاء فيها مجموعة من قَصص الأنبياء فاقتضى أن تأتي الآية باستخدام (تلك) (تِلْكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَـذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ {49}).
آية (104):
*( قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ (90) الأنعام) (وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ(104)يوسف) متى تأتي (من أجر) ومتى تأتي (أجراً)؟(د.فاضل السامرائى)
السؤال على آيتين إحداهما في الأنعام والثانية في سورة يوسف. نقرأ الآيتين: في الأنعام قال تعالى: (أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ (90)) تكلم عن الأنبياء السابقين (وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ (91))، آية يوسف (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (103) وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (104) وَكَأَيِّنْ مِنْ آَيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ (105) وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ (106) أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ أو تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (107) قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إلى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108)). من حيث اللغة (تسألهم عليه من أجر) آكد من (لا أسألكم عليه أجراً) لأنها دخلت (من) الاستغراقية على الأجر، دخلت على المفعول به تفيد استغراق النفي وهي مؤكدة. نظهر المفهوم النحوي أولاً ثم نضعها في موضعها، إذن من حيث التركيب اللغوي من دون وضعها في مكانها (من أجر) آكد من (لا أسألكم عليه أجراً) لوجود (من) الاستغراقية. يبقى لماذا وضعت كل واحدة في مكانها؟ إذن عندنا الحكم النحوي ثم لماذا وضعت؟ هذا سؤال بياني. آية الأنعام التي ليس فيها (من) آية واحدة ليس قبلها شيء في التبليغ ولا في الدعوة أما الآية الثانية فهي في سياق التبليغ (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (103) وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (104) وَكَأَيِّنْ مِنْ آَيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ (105) وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ (106) أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ أو تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (107) قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إلى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108)) يتكلم عن هؤلاء الكفرة والآية في سياق الدعوة. في سياق الدعوة والإنكار يستوجب التوكيد، هذا أمر، الأمر الآخر (قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ (90) الأنعام) ذكرى من التذكر (يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى (23) الفجر) (فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى (9) الأعلى) (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (55) الذاريات) هي نفسها تذكّر أو تدخل في التذكّر. الآية الثانية (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (104)) الذِكر هو الشرف والرفعة (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ (44) الزخرف) إذن الذكر شرف ورفعة والذكرى من التذكر. لما نقول سأرفعك وأعطيك منزلة ومكان أو تتذكر أيها التي تحتاج توكيد؟ الذي يرفع يحتاج لتوكيد، إذن (وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (104) يوسف) لأن هذا يحتاج إلى أجر، (وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ) آكد من حيث السياق.
آية (108):
*متى تثبت الياء ومتى تحذف كما في قوله (اتبعنى ،اتبعن)؟(د.فاضل السامرائى)
قال تعالى:(قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إلى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108) يوسف) بالياء (فَإنْ حَآجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُل لِّلَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (20) آل عمران) بدون ياء. ننظر أي الذي يحتاج إلى اتّباع أكثر؟ الذي يدعو إلى الله على بصيرة أو مجرد أن يكون مسلماً فقط؟ لا شك أن الداعية ينبغي أن يكون متّبعاً أكثر في سلوكه وعمله لأنه داعية إلى الله ينبغي أن يكون مثلاً في سلوكه ومعرفته هذا يحتاج للياء (فاتبعوني). المتبعين ليسوا كالدعاة الذين يحتاجون لاتّباع أكثر لذا قال:(ومن اتبعني) أما عموم المسلمين فلا يعرفون إلا القليل من الأحكام. إذن موطن الدعوة إلى الله على بصيرة تحتاج لمقدار اتّباع أكثر فقال (فاتبعوني) بالياء.
*النعيمى:(قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إلى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108) يوسف) كلنا نقول نحن من أتباع محمد (صلى الله عليه وسلم)فإذن دعوة الناس لطاعة الله سبحانه وتعالى واجب من واجباتنافالمؤمنين متّبعون الرسول، فهم دعاة إلى الله “بلّغوا عني ولو آية” “الساكت عن الحق شيطان أخرس” فالمسلم مفروض أن لا يسكت عن الحق وإنما يبلّغ ولكن بطريقة بحيث لا يؤدي ذلك إلى ما هو أسوأ من ما كان قد ارتكب. إزالة المنكر يكون بسبيل لا يؤدي إلى ما هو أسوأ منه.
آية (109):
*ما دلالة ذكر وحذف (من) في قوله تعالى: (وما أرسلنا من قبلك رجالاً) وقوله (وما أرسلنا قبلك إلا رجالاً)؟(د.فاضل السامرائى)
قال تعالى في سورة يوسف:(وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِم مِّنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ اتَّقَواْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ {109}) وذكر (من) تفيد الابتداء أي ابتداء الغاية وهو امتداد من الزمن الذي قبلك مباشرة أي من زمان الرسول (صلى الله عليه وسلم) إلى زمن آدم. وليس هناك فاصل كما جاء في قوله تعالى: (يُصبّ من فوق رؤوسهم الحميم) أي ليس هناك فاصل بين الرأس والصبّ حتى لا تضيع أية حرارةلأن العاقبة لهذا الصبّ أن يُصهر به ما في بطونهم.وكذلك قوله تعالى: (والملائكة حافّين من حول العرش) أي ليس بينهم وبين العرش فراغ. أما في سورة الأنبياء: (وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ {7}) وهي تحتمل البعيد والقريب وكذلك في قوله (ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ {48} ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ {49} الدخان) وهذا العذاب أخف من الأول (من فوق رؤوسهم).
وهذا الذكر أو الحذف يعتمد على سياق الآيات فإذا كان السياق ممتد يأتي بـ (من) وإذا كان السياق لفترة محددة لا يأتي بها.
*ما سبب الاختلاف بين الواو والفاء (أَوَ لَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ (21))غافر و(أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ (109))يوسف؟(د.فاضل السامرائى)
ينبغي أن نعلم الفرق بين الواو والفاء في التعبير حتى نحكم. الواو لمطلق الجمع، الجمع المطلق، قد يكون عطف جملة على جملة. الفاء تفيد السبب، هذا المشهور في معناها (درس فنجح) فإذا كان ما قبلها سبباً لما بعدها أي الذي قبل يفضي لما بعدها يأتي بالفاء ولا يأتي بالواو لأنه لمطلق الجمع. هذا حكم عام ثم إن الفاء يؤتى بها في التبكيت أي التهديد. لو عندنا عبارتين إحداهما فيها فاء والأخرى بغير فاء وهو من باب الجواز الذِكر وعدم الذِكر نضع الفاء مع الأشد توكيداً. (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْرًا لَّمْ يَكُنِ اللّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً (137) النساء) ليس فيها فاء. (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ (34) محمد) لأنهم لا تُرجى لهم توبة. وفي الأولى هم أحياء قد يتوبون. لما لم يذكر الموت لم يأت بالفاء ولما ذكر الموت جاء بالفاء. النُحاة يقولون قد تأتي الفاء للتوكيد.
هناك أمران: الأول أن الفاء تكون للسبب (سببية) ” درس فنجح” سواء كانت عاطفة “لا تأكل كثيراً فتمرض” يُنصب بعدها المضارع. ينبغي أن نعرف الحكم النحوي حتى نعرف أن نجيب. هذا المعنى اللغوي العام في القرآن (بلسان عربي). إذا كان ما قبلها يفضي لما بعدها يأتي بالفاء ونضرب أمثلة ومنها السؤال عن الفرق بين أولم يسيروا وأفلم يسيروا.
في سورة يوسف قال تعالى:(أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ اتَّقَواْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ (109)) بالفاء (فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ)ماذا قال قبلها؟ قال:(أَفَأَمِنُواْ أَن تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِّنْ عَذَابِ اللّهِ أو تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ (107)) ثم يقول:(أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ) ما قبلها يفضي لما بعدها (أَفَأَمِنُواْ أَن تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ) ما ساروا في الأرض؟
في سورة غافر: (أَوَ لَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُم مِّنَ اللَّهِ مِن وَاقٍ (21)) (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (19) غافر) ليس سبباً. لما يأتي بالفاء الفاء سبب، ما قبلها سبب يفضي لما بعدها أما الواو جملة إخبار. هذا خط عام وهذه اللغة والعرب كانت تفهم هذه المعاني.
سؤال:لماذا لا نفهم نحن القرآن الآن كما فهموه في السابق؟لأنهم كانوا يتكلمون اللغة على سجيتها ونحن نتعلم لا نعرف النحو ولا البلاغة. علم اللغة نفسها لا نأخذه إلى على الهامش ولا نُحسن الكلام أصلاً. علم النحو مفيد في فهم نص القرآن الكريم. والعلماء يضعون للذي يتكلم في القرآن ويفسره شروطاً أولها التبحر في علوم اللغة وليس المعرفة ولا تغني المعرفة اليسيرة في هذا الأمر. النحو والتصريف وعلوم البلاغة من التبحّر فيها يجعلك تفهم مقاصد الآية فإذا كنت لا تعرف معنى الواو والفاء ولا تعرف ما دلالة المرفوع والمنصوب لن تفهم آيات القرآن.
آية (110):
* ما دلالة كلمة (استيئس) في سورة يوسف(110)؟(د.فاضل السامرائى)
أحياناً الفعل استفعل يأتي بمعنى الثلاثي لكن يُراد فيه المبالغة مثل استيأس بمعنى يأس لكن فيه الشدة والمبالغة في الفعل كما في قوله تعالى:(حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (110) يوسف) أي بلغوا درجة أكثر من اليأس. استفعل لها عدة معانٍ من الطلب وأمور كثيرة ومنها أن يكون بمعنى الثلاثي لكن يُراد به المبالغة والشدة والكثرة.
*ما الفرق بين استعمال جاء وأتى في القرآن الكريم؟(د.فاضل السامرائى)
قال تعالى: (فَلَمَّا جَاء آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ {61 الحجر}) وقال تعالى: (يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً {43}مريم) وقال تعالى: (هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً {1} الإنسان).
إذا نظرنا في القرآن كله نجد أنه لم تستعمل صيغة المضارع للفعل جاء مطلقاً في القرآن كله ولا صيغة فعل أمر ولا اسم فاعل ولا اسم مفعول وإنما استعمل دائماً بصيغة الماضي. أما فعل أتى فقد استخدم بصيغة المضارع.
من الناحية اللغوية: جاء تستعمل لما فيه مشقة أما أتى فتستعمل للمجيء بسهولة ويسر ومنه الالمتياء وهي الطريق المسلوكة.
قال تعالى في سورة النحل: (أَتَى أَمْرُ اللّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ {1}) وقال تعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِذَا جَاء أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ (78)) هنا أشقّ لأن فيه قضاء وخسران وعقاب.
وكذلك في قوله تعالى:(حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاء وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (110))يوسف وقوله (وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ وَلَقدْ جَاءكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ (34)) تكذيب الرسل شيء معهود لكن الاستيئاس هذا شيء عظيم أن يصل الرسول إلى هذه الدرجة فهذا أمر شاق لذا وردت كلمة جاءهم في الآية الأولى أما في الثانية فالتكذيب هو أمر طبيعي أن يُكذّب الرسل لذا وردت أتاهم وليس جاءهم.
*(حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاء وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (110) يوسف) ما هو تفسير الآية؟ ممن كُذِبوا؟ (د.فاضل السامرائى)
قال سبحانه وتعالى:(حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا) طبعاً هنالك قراءة متواترة من السبعة من أكثر من قارئ (كُذِّبوا) ومن الأقوال المشهورة في تفسير هذه الآية استيأس الرسل من إيمان قومهم (استيأس مبالغة في اليأس) استيأسوا من إيمان قومهم وظنّ قومهم أن الرسل قد كذبوهم، ظن القوم أنهم قد كُبِوا فيما أخبر به الرسل، الرسل أخبروهم أنه إن لم تؤمنوا فسيحل بكم عقاب الله وعذابه وحذروهم وإذا آمنتم فهنالك نصر، هؤلاء لم يؤمنوا فاستيأس الرسل من إيمان قومهم، لم يحصل شيئاً بالنسبة للقوم إذن قالوا أنهم كُذِبوا يعني هؤلاء قد كذبوهم يعني استيأس الرسل من إيمان قومهم وقومهم ظنوا أنهم قد كُذبوا فيما أُخبروا به، الظنّ هنا للقوم وليس للرسل وهذا من أشهر ما قيل فيها أن استيأس للرسل والظن للقوم ويؤيد هذا الرأي أمران: قراءة (كُذّبوا) والأمر الآخر أن السياق الكلام عن عدم إيمان الأقوام، قال قبلها:(وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (103) (وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ (105) وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ (106)) (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِم مِّنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ (109)) السياق في عدم إيمان الأقوام. إذن هذا من مشاهير القول أن الرسل استيأسوا من إيمان قومهم ولم تنزل عقوبة بهم إذن ظن القوم أن الرسل قد كذبوهم، أنهم قد كُذِبوا، هذا من أشهر ما قيل، القوم كذبوا فيما أُخبروا يعني الرسل كذبوهم فيما أخبروهم، إذن (كُذِبوا) هنا تعود على القوم فيما وصل إليهم على لسان الأنبياء والرسل. وأيضاً هنالك رأي آخر أن الأتباع أي الرسل وعدوا أتباعهم المؤمنين بأن الله سينصرهم ويعذب الكافرين.
استطراد: هنا (كُذِبوا) تعود على أن ما وصل إلى أقوام الأنبياء على لسان رسلهم جاء كذباً وقراءة كُذِّبوا الرسل كُذِّبوا. والقراءتان متواتران فهي تجمع المعنيين.
سؤال: ألا يعتبر هذا تشتيت لفهم الدلالة داخل القرآن الكريم بتعدد القراءات ؟
تعدد القراءات إما أن يوضح أو يعطي معنى آخر زيادة للمعنى الأول. على سبيل المثال في الفاتحة عندنا قراءة مالك يوم الدين وملك يوم الدين وربنا ملك ومالك، ملك يوم الدين هو مالكهم، الملِك غير المالك، المالك يتصرف غير تصرف الملك، أنت لك أن تبيع وتشتري وتهب، المالك له التصرف في مُلكه أما الملك فليس له الحق أن يملك أموال الناس والرعية. ليس كل ملك مالك ليس بالضرورة قد يكون ملكاً وليس مالكاً فهناك فرق بين الملِك والمالك. كلٌ له تصرفه المالك له تصرف والملِك له تصرف. والله تعالى يريد أن يجمع الأمرين فلا بد من قراءتين كما في قوله تعالى: (مَالِكَ الْمُلْكِ (26) آل عمران) جمع الأمرين مالك من التملّك، والمُلك من الملِك ليس من التملك (أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ (51) الزخرف) صاحب المُلك ملِك والمالك هو صاحب المِلك. هناك فرق بين مُلك ومِلك، المُلك الحكم (أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ) هو يحكمها والمِلك هو ما يملكه، يبيعه ويشتريه أو جاءه عن طريق ما. فصاحب المِلك مالك وصاحب المُلك مَلِك وربنا قال (مالك المُلك) المُلك مِلْكُه فجمع الدلالتين بهذا وهاتان القرآتان جمعتا ملك ومالك. التدبر في القراءات يوضح المعاني وتجمع أكثر من معنى. إذن كُذبوا وكُذّبوا لكل منها دلالة صحيحة. فإذن هذه الدلالة الأولى أن الأقوام ظنوا أن رسلهم قد كذبتهم وأنهم كُذِبوا فيما أُخبروا به وقسم قال الأتباع أتباع الرسل المؤمنين بهم طال الأمر وهم يعذَّبون ويفتنون ولم يحصل إلى الآن ما أخبر به الرسل بأن الله سينتقم من الكافرين أو ينصركم أو ينجيكم فدخل في بعض الظن هل يعقل أن الرسل قد كذبونا فيما أخبروا؟ الأتباع ظنوا أنهم قد كذبوا إلى درجة أن الأتباع ظنوا أنهم قد كُذِبوا، فجاءهم نصرنا إلى أن بلغوا حالة، استيأس الرسل من إيمان أقوامهم وظنت الأقوام التي لم تؤمن بالرسل أنهم قد كُذِبوا وأن ما أخبرهم به الرسل كذب. (جاءهم نصرنا) جاءهم تعود على الرسل.
سؤال:(ظنوا أنهم كذبوا) ألا يعود الضمير في ظنوا على الرسل؟
فعلاً قسم من المفسرين قال هم بشر دخل في نفوسهم شيء من الظن طارئ ليس يقيناً لكن يبدو أن السياق والقراءة الأخرى ترجح ما ذكرناه أولاً. استيأس الرسل من إيمان قومهم لأنه ذكر قبلها الأقوام التي كذبت رسلهم وتتابع في ذكرها يعني لم ييأس الرسل من تبليغ رسالة الله ولكن استيأسوا من إيمان قومهم.
استطراد: لما يحذف ربما تكون هنالك قرينة سياقية تعين على تحديد دلالة معينة.
السياق واضح (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (103) (وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ (105) وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ (106)) (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِم مِّنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ (109)) السياق في هؤلاء الذين لم يؤمنوا أصلاً.