سورة الحجر
آية (1):
*ما الفرق بين دلالة كلمة الكتاب والقرآن؟ وما دلالة التقديم والتأخير في قوله تعالى: (الر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآَنٍ مُبِينٍ (1) الحجر) و(طس تِلْكَ آَيَاتُ الْقُرْآَنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ (1) النمل) وما وجه الاختلاف بينهما واللمسات البيانية فيهما؟(د.فاضل السامرائي )
كلمة قرآن هي في الأصل في اللغة مصدر الفعل قرأ مثل غفران وعدوان. (فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ {18} القيامة) ثم استعملت علماً للكتاب الذي أُنزل على الرسول (صلى الله عليه وسلم) (القرآن).
أما الكتاب فهي من الكتابة وأحياناً يسمى كتاباً لأن الكتاب متعلق بالخط، وأحياناً يطلق عليه الكتاب وإن لم يُخطّ (أنزل الكتاب) لم يُنزّل مكتوباً وإنما أُنزل مقروءاً ولكنه كان مكتوباً في اللوح المحفوظ قبل أن ينزّل على رسول الله (صلى الله عليه وسلم).
هذا من ناحية اللغة أما من ناحية الاستعمال فيلاحظ أنه يستعمل عندما يبدأ بالكتاب يكون يتردد في السورة ذكر الكتاب أكثر بكثير مما يتردد ذكر القرآن أو قد لا تذكر كلمة القرآن مطلقاً في السورة. أما عندما يبدأ بالقرآن يتردد في السورة ذكر كلمة القرآن أكثر الكتاب أو قد لا يرد ذكر الكتاب مطلقاً في السورة وإذا اجتمع القرآن والكتاب فيكونان يترددان في السورة بشكل متساو تقريباً بحيث لا يزيد أحدهما عن الآخر بأكثر من لفظة واحدة ونأخذ بعض الأمثلة:
في سورة البقرة بدأ بالكتاب: (ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ {2}) وذكر الكتاب في السورة 47 مرة والقرآن مرة واحدة في آية الصيام (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ).
في سورة آل عمران بدأ السورة بالكتاب (نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ {3}) وورد الكتاب 33 مرة في السورة ولم ترد كلمة القرآن ولا مرة في السورة كلها.
في سورة الحجر بدأ (الَرَ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُّبِينٍ {1}) ورد ذكر القرآن 3 مرات والكتاب مرتين.
في سورة النمل بدأ(طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُّبِينٍ {1}) ورد ذكر القرآن 3 مرات والكتاب أربع مرات.
وفي هاتين السورتين أي الحجر والنمل قدم الكتاب على القرآن في سورة الحجر وأخره في سورة النمل وذلك لأن تقديم الكتاب في سورة الحجر يأتي بعد الآية ذكر أهل الكتاب مباشرة (وَمَا أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَهَا كِتَابٌ مَّعْلُومٌ {4}) فهي مرتبة ترتيباً في غاية الدقة أما في سورة النمل فيأتي بعد الآية ذكر أهل القرآن (هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِن َ {2} الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ {3}).
آية (2):
*ما اللمسة البيانية في قوله تعالى:(ربَمَا يودّ الذين كفروا لو كانوا مسلمين) بتخفيف الباء في كلمة (ربما)؟وما دلالة استخدام ربما في هذا الموقف مع أنها للشك؟(د.فاضل السامرائى)
أولاً رُبّ ليست للشك وإنما هي للتقليل أو التكثير وهذا مقرر في علم النحو واللغة. النحاة يذكرون هذا الأمر ابتداء من سيبويه الذي يقول هي للتكثير وكثير من النحويين يقول هي للتكثير. هم اختلفوا بين التكثير والتقليل وليس في مسألة الشك لا أحد يقول هي للشك ولكن يقولون هي للتكثير أو التقليل وفي الحديث (رب كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة)، رب أخ لم تلده لأمك، قيل أنها للتقليل (ألا رب مولود وليس له أب) وقيل هي بحسب السياق وهو أرجح الأقوال السياق هو الذي يقضي بها مثل (قد) التي تدخل على المضارع قد تكون للتقليل (قد يصدق الكذوب) أو التكثير (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء (144) البقرة) للتكثير، (قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ (64) النور) تكثير. فإذن قسم قالوا (رُبّ) للتكثير وقسم قالوا للتقليل وقسم وقفوا وقالوا هي بحسب سياقها وقد ترد للتكثير وقد ترد للتقليل وهي ليست في الشك.(ربما) هي (رُبّ) حرف جر زائد و (ما) قد تكون زائدة.
يبقى أن فيها قراءتان متواترتان (ربَما) و(ربّما). المشددة آكد من المخففة التشديد آكد (ربّ) آكد من (رُبَ) مثل إنّ المخففة وإنّ الثقيلة,الثقيلة آكد من المخففة ومثل نون التوكيد الثقيلة والخفيفة (وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ (32) يوسف) لما أرادت السجن أكّدت على السجن وخففت في الثانية. ربّما آكد من ربَما فكيف نفهمها؟ قيل هذا في الدنيا عندما يرى الكفرة الغلبة للمسلمين والغنائم التي يحصلون عليها يتمنون أن لو كانوا مسلمين هذا بحسب رغبة الناس فيها، قسم رغبته فيها شديدة تأتي (ربّما) وقسم رغبته أقل (ربَما) فقراءتان تشمل كل الراغبين في الدنيا من له رغبة شديدة ومن له رغبة قليلة القراءتان تشملهم كلهم من له رغبة شديدة ومن رغبته دون ذلك. وقسم قال هي في الآخرة عندما يُعطى المسلمون الأجور العظيمة فيتمنى الكافرون لو كانوا مسلمين وهنا تأكيد على تمنيهم لأنهم رأوا أجر المسلمين. تكون (ربّما) ولكن القراءة المعتمدة عندنا (ربَما) مخففة ولا تعارض بين القراءتين. وهذان الاحتمالان التمني القليل والتمني الكثير لا يمكن أن يُعبّر عنهما إلا باستخدام القراءتين التين وردتا في الآية (ربّما المشددة) و(ربما المخففة) فشمل كل الاحتمالات في جميع المواقف في الدنيا وفي الآخرة.
آية (5):
*ما دلالة تقديم يستأخرون في آية سورة النحل وتأخيرها في آية سورة الحجر؟(د.فاضل السامرائى)
قال تعالى في سورة الحجر:(مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ (5)) وإذا استعرضنا الآيات في السورتين نجد أنه في سورة النحل قال تعالى: (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى) (61)) فناسب تأخير الأجل في هذه الآية تقديم يستأخرون في الآية موضع السؤال ثم إن الناس يرغبون بتأخير الأجل وبخاصة الظالم يرغب بتأخير أجله. أما في سورة الحجر فقد قال تعالى:(وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ (4) مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ (5)) وقال بعدها: (وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ (6) لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (7) مَا نُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَا كَانُوا إِذًا مُنْظَرِينَ (8)) فكأنهم عندما طلبوا إنزال الملائكة أرادوا استعجال أجلهم لأنه تعالى لو أنزل الملائكة لأهلكهم فاقتضى أن يُقدّم (ما تسبق) في آية سورة الحجر ليدلّ على أنهم استعجلوا الأجل كأنما أرادوا أن يسبقوا الأجل.
وإذا لاحظنا الآيات في القرآن نجد أن تقديم (ما تسبق من أمة أجلها) على (وما يستأخرون) لم تأت إلا في مقام الإهلاك والعقوبة.
آية (9):
*(إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ تَنْزِيلًا) في هذه الآية ذكر تعالى: (عليك) وفي آية سورة الحجر قال تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9))فما دلالة (عليك) في آية سورة الإنسان؟ (د.فاضل السامرائى)
لو نلاحظ ما جاء بعد هذه الآية لوجدنا أن الكلام موجه إلى الرسول (صلى الله عليه وسلم) بالأوامر والنواهي (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آَثِمًا أو كَفُورًا (24) وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (25) وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا (26)) وهناك أمور تتعلق بالرسول المخاطب لذا استخدم (عليك). أما في آية سورة الحجر فلم يرد في الآيات التي سبقت أو تلت ما يتعلق بالرسول (صلى الله عليه وسلم) لكن الكلام متعلق بالقرآن (كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (12)) وكل الكلام عن الذكر وليس عن الرسول.
*لماذا جاء ذكر كلمة (القرآن) في آية سورة الإنسان وكلمة (الذكر) في آية سورة الحجر؟ (د.فاضل السامرائى)
اسم الكتاب المنزّل على الرسول (صلى الله عليه وسلم) هو (القرآن) ولم يرد في سورة الإنسان له ذكر إلا في هذه الآية (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ تَنْزِيلًا)، أما في سورة الحجر فقد ورد ذكر القرآن والذكر والآية في سورة الحجر (وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ (6)) ثم قال تعالى:(إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)) فلمّا سماه كفار قريش ذكراً ردّ عليهم الله تعالى بكلمة (الذكر) ولهذا فهي أنسب للآية التي قبلها من استعمال كلمة القرآن رغم أنها وردت في سورة الحجر كثيراً.
* ما رد الدكتور فاضل على من يقول أن قوله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9) الحجر) أنها تدل على أن الله تعالى تعهد بحفظ القرآن ولم يتعهد بحفظاللغة العربية؟(د.فاضل السامرائى)
ربنا تعالى قال:(إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) السؤال هل تكفل بحفظ العربية؟. الصلاة، التسبيحات المسنونة، الأدعية المسنونة في الصلاة هي من اللغة العربية إذن اللغة العربية ستبقى، تفسير القرآن ما دام القرآن موجوداً يكون بمعرفة اللغة العربية فطالما هناك قرآن يقتضي تفسيره والقرآن باللغة العربية وهذا يقتضي معرفة اللغة العربية وبيان أحكام القرآن فالقرآن يحتاج إلى بيان أحكامه وهو باللغة العربية وهذا لا يكون إذا لم يعرف اللغة العربية. الرسول (صلى الله عليه وسلم) قال “لا تزال طائفة من أمتي ظاهرة على الحق لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك” كيف تكون الأمة ظاهرة على الحق وهي لا تعرف اللغة العربية والحق هو كتاب الله وسنة رسوله وهما باللغة العربية؟. ما دام تكفل الله بحفظ القرآن يقتضي هذا حفظ اللغة العربية. فحفظ اللغة العربية كحفظ القرآن، حفظ القرآن هيّأ له أسبابه وجعل له كتّاب وأيضاً اللغة العربية يكون حفظها بتهيئة أسبابها هنالك أسباب ينبغي أن تتهيأ لتحفظ اللغة العربية كما تهيأت أسباب لحفظ القرآن ولذلك ما دام ربنا سبحانه وتعالى تكفل بحفظ القرآن فاللغة العربية هي محفوظة أيضاً بحفظ الله سبحانه وتعالى.
آية (12):
*ما الفرق بين قوله تعالى (كذلك سلكناه) في سورة الشعراء و(كذلك نسلكه) في سورة الحجر؟(د.فاضل السامرائى)
قال تعالى في سورة الشعراء: (كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (200)) وقال في سورة الحجر:(كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (12)) ننظر في السياق الذي وردت فيه الآيتين في السورتين: في سورة الحجر السياق في استمرار الرسل وتعاقبهم من قوله تعالى:(وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ (10) وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (11) كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (12)) فجاء بالفعل الذي يدل على الاستمرار وهو الفعل المضارع. بينما في سورة الشعراء السياق في الكلام عن الرسول (صلى الله عليه وسلم) وحده من قوله تعالى: (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195) وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ (196) أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آَيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ (197) وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ (198) فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ (199) كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (200)) والسورة كلها أحداث ماضية والآية موضع السؤال تدل على حدث واحد معيّن ماضي فجاء بالفعل الماضي.
آية (14):
* ما اللمسة البيانية في قول “فتح الله لك” وليس “فتح الله عليك”؟(د.فاضل السامرائى)
يقال فتح لك وفتح عليك لكن فتح عليك يكون من فوق قد يكون في الخير والشر (وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا مِّنَ السَّمَاء فَظَلُّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ (14) الحجر)(حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (77) المؤمنون) (لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ (96) الأعراف) (قَالُواْ أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ اللّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَآجُّوكُم بِهِ عِندَ رَبِّكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ (76) البقرة) إذن فتح الله عليك تأتي في الخير والشر لكن تأتي من فوق.
*بالنسبة للشرط وجواب الشرط أحياناً نسمع الشرط فيه أداة (لو) وجواب الشرط فيها (ما) للنفي أو (اللام) للتأكيد مثل (وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ (14) فاطر) وأحياناً الجواب يكون (لما) هذه لم ترد في القرآن فأرجو أن تبينوا هذه الأداة (لما) في الحكم النحوي؟(د.فاضل السامرائى)
في اللغة العربية اللام تأتي حكماً في الغالب مع المُثبَت (لو كان كذا لكان) يعني مع غير المنفي، إذا كان الجواب منفياً (لو زارني لأكرمته) (وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا مِّنَ السَّمَاء فَظَلُّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ (14) لَقَالُواْ إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا (15) الحجر) مع المثبت يمكن أن نأتي باللام للتوكيد (لَوْ نَشَاء لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا (65) القارعة) (لَوْ نَشَاء جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا (70) القارعة). أما المنفي إما أن يكون بـ (ما) أو (لم) مثل لو فعل كذا ما أعطيته، لو فعل كذا لم أعطه، إذا كان الجواب بـ (ما) فالأكثر عدم اقترانه باللام مثل لو زارني ما أكرمته ، أو ما أكرمه ولا نقول لما أكرمته إلا ما ورد قليلاً. إذا كان الجواب (لم) لا تقترن به اللام مثل لو لم يخف الله لم يعصه، إذن اقتران اللام هو مع المثبت إذا كان الجواب مثبتاً يمكن أن تقترن باللام وممكن ألا تقترن حسب التوكيد، إذا كان الجواب منفياً بـ (ما) فالأكثر ألا يقترن الجواب باللام إلا ما ورد قليلاً وإذا كان الجواب بـ (لم) لم تقترن به اللام قولاً واحداً.
*من الإعجاز العلمي للآية:
قال تعالى:”وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ(14)لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ”.فالإنسان إذا خرج من جو الأرض انتقل إلى ظلام فلا يبصر، وبهذا تكون السموات جزءا من السماء ، لأن السماء كل ما علا وارتفع مما عدا الأرض، والسموات جزء منها بهذا المعنى الواسع الذي يشمل الفضاء والسقف والمطر والسحاب، فإن (السماء) تكون أوسع من (السموات) فهي تشملها وغيرهاوالعلم التجريبي يؤكد على أن هناك طبقة من النور حول الأرض هي طبقة لا تتعدى 200 كم، و هي في النصف المواجه للشمس ، وإن باقي الكون ظلام دامس ، و عندما يتخطى الإنسان هذه الطبقة فإنه يرى ظلام دامس .و لما تخطى أحد رواد الفضاء الأمريكيون هذه الطبقة لأول مرة قال عن شعوره في تلك اللحظة “I have almost lost my eye sight or something magic has come over me.” كأني فقدت بصري ، أو اعتراني شيء من السحر” .وهو تماماً تفسير للآية الكريمة.أما قوله تعالى ” و لو فتحنا عليهم باباً” و الباب لا يفتح في فراغ أبدا ، و القرآن يؤكد أن السماء بناء أي أن السماء بناء مؤلف من لبنات أي لا فراغ فيها .يقول علماء الفلك : إنه لحظة الانفجار العظيم امتلأ الكون بالمادة و الطاقة ، فخلقت المادة و الطاقة كما خلق المكن و الزمان ، أي لا يوجد زمان بغير مكان و مكان بغير زمان و لا يوجد زمان و مكان بغير مادة و طاقة ، فالطاقة تملأ هذا الكون . ” يعرجون ” أي السير بشكل متعرج ، و قد جاء العلم ليؤكد أنه لا يمكن الحركة في الكون في خط مستقيم أبداً ، وإنما في خط متعرج .
آية (19):
*ما دلالة الآية (ألقينا فيها رواسي) ألم تكن الجبال مخلوقة من قبل؟(د.فاضل السامرائى)
قال تعالى في سورة الحجر(وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ (19)) وفي سورةالنحل (وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (15)). هذا سؤال يجب أن يُوجّه إلى المعنيين بالإعجاز العلمي. لكن أقول والله أعلم أن الملاحظ أنه تعالى يقول أحياناً ألقينا وأحياناً يقول جعلنا في الكلام عن الجبال بمعنى أن التكوين ليس واحداً وقد درسنا أن بعض الجبال تُلقى إلقاء بالبراكين (جبال بركانية) والزلازل أو قد تأتي بها الأجرام المساوية على شكل كُتل. وهناك شكل آخر من التكوين كما قال تعالى في سورة النمل (أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (61)) وسورة المرسلات (وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا (27)) وسورة الرعد (وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (3))، وهذا يدل والله أعلم على أن هناك أكثر من وسيلة لتكوين الجبال. وكينونة الجبال تختلف عن كينونة الأرض فالجبال ليست نوعاً واحداً ولا تتكون بطريقة واحدة هذا والله أعلم.
*من الإعجاز العلمي للآية:
*كيف تكون الأرض ممدودة ؟ وما معنى ذلك ؟
معنى ذلك أننا مهما سرنا فيها فستبقى ممدودة أمامنا ، لن تنتهي فيها إلى حاجز يحول دون ما وراءه ، أو هوة أبدية نقف عندها عاجزين .فلنسر في أي اتجاه نريد، و لنسر العمر كله ، و سنبقى نسير و ستبقى ممدودة ، ولا يوجد شكل من الأشكال الهندسية تتحقق فيه هذه الحالة إلا الشكل الكروي ، فحيثما سرت عليه يبقى ممدداً أمامك، و أي شكل آخر لا يمكن أن يحقق معنى هذه الآية “.
و لقد أشار كثير من المفسرين و الفقهاء المسلمين إلى كروية الأرض مم فهموه من كتاب الله عز و جل من ذلك : أشار ابن قيم الجوزية في كتابه : التبيان في أقسام القرآن ” أن الأرض كروية .وأوضح كذلك الإمام الفخر الرازي في تفسير مفاتيح الغيب : إلى كروية الأرض قال : إن مد الأرض هو بسطها إلى ما لا يدرك منتهاه ، و قد جعل الله حجم الأرض عظيماً لا يقع البصر على منتهاه ، و الكرة إذا كانت في غاية الكبير كان كل قطعة منها تشاهد كالسطح المستوي الامتداد “. و كذلك ابن تيمية : في كتاب ” الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح ” قال : أعلم أن الأرض قد اتفقوا إلى أنها كروية الشكل و ليست تحت وجه الأرض إلا وسطها و نهاية التحت المركز و هو الذي يسمى محيط الأثقال “.
و لم يشاهد الإنسان الأرض في شكلها الكروي و هي تسبح في الفضاء السماوي إلا عندما اطلق الروس القمر الصناعي الأول ” سبوتنيك ” في مداره حول الأرض في أكتوبر 1957م و استطاع العلماء الحصول على صور جيدة لكوكب الأرض بواسطة آلات التصوير التي كانت مثبتة في القمر الصناعي و في عام 1966 م هبط القمر الصناعي ” لونيك 9″ بأجهزته المتطورة على سطح القمر ،وأرسل لمحطات الاستقبال على الأرض صوراً عن كوكب الأرض .
آية (22):
*ما الفرق بين كلمة ريح ورياح في القرآن الكريم؟(د.فاضل السامرائى)
كلمة ريح في القرآن الكريم تستعمل للشّر أما كلمة الرياح فهي تستعمل في القرآن الكريم للخير كالرياح المبشّرات كما في قوله تعالى في سورة الأعراف (وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْموْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ {57}) وسورة الحجر (وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ {22}).
وفي سورة سبأ (وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ {12}) استعملت كلمة ريح مع سليمان لكنها لم تُخصص لشيء فجاءت عامة قد تكون للخير أو للشر لأن الله سخّرها لسليمان يتصرف بها كيف يشاء.
*من الإعجازالعلمى للآية:
وجه الإعجاز في الآية الكريمة هوإشارتها إلى أن الرياح تقوم بعملية التلقيح الريحي للنباتات، فقال تعالى:(وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ)وهذا ما كشف عنه علماء النباتات في القرون الأخيرة
التفسير اللغوي:
جاءفي مختار الصحاح في مادة لقح:
لقح: ألقح الفحل الناقة والريح السحاب ورياح لواقح ولا تقل ملاقح وهو من النوادر وقيل الأصل فيه مُلقحةٌ ولكنها لا تلقح إلا وهيفي نفسها لاقح كأن الرياح لقحت بخير فإذا أنشأت السحاب وفيها خير وصل ذلك إليه.
قال ابن عباس في تفسير قوله تعالى: {وأرسلنا الرياحلواقح}؛ قال: لواقح للشجر والسحاب. وهو قول الحسن وقتادة والضحاك من التابعين. وذكرهذا القول أيضاً الطبري والقرطبي.
وقال طائفة من المفسرين: لواقح جمع لاقح،أي: حاملة للسحاب والخير، وضدها الريح العقيم.
فعلى الأول: تكون لواقح جمعملقحة.وعلى الثاني: تكون جمع لاقح.
ولا معارضة بينهما، فلقد صوب إمامالمفسرين الطبري كِلا القولين جميعاً، ذلك بأن الرياح تُلقَّحُ بمرورها على الترابوالماء والشجر فيكون فيها اللقاح، وهي بذلك لاقحة نفسها. كما أنها ملقحة لغيرها،وإلقاحها السحاب والشجر هو عملها فيهما.
حقائق علمية:
التلقيح الريحيضروري في عملية الإخصاب وخاصة للنباتات ذات الأزهار الفاقدة لجاذبيةالحشرات.
التفسير العلمي:
أصبح من المقرر عند علماءالنباتأن التلقيح عملية أساسية للإخصاب وتكوين البذور،حيث تنتقل حبيبات اللقاح (Pollen Grain) من العناصر الذكرية للزهرة (Anthers) إلىالعناصر الأنثوية فيها (Stigmas) حيث يتم الإخصاب.
والتلقيح قد يكون بينالعناصر الذكرية والأنثوية للزهرة الواحدة أو النبتة الواحدة ويسمى عندئذ بـ “التلقيح الذاتي” (Self Pollination) وقد يكون بين نبتتين منفصلتين ويسمى حينئذ بـ “التلقيح المختلط” (Cross Pollination) .
تختلف طرق انتقال حبيبات اللقاحباختلاف نوع النبات، فهناك فضلاً عن التلقيح بواسطة الإنسان – ثلاثة طرق أخرى:
– التلقيح بواسطة الحيوانات: كالحشرات (Insect Pollination) والطيور (Bird Pollination).
– التلقيح بواسطة المياه (Water Pollination).
– التلقيح بواسطة الرياح (Anemophily).
إنّ للرياح، كماتذكر الموسوعة العالمية دوراً هاماً في عملية نقل اللقاح في النباتات التي تفتقدالأزهار ذات الرائحة والرحيق والألوان الجاذبة للحشرات حيث تقوم الرياح بنشر اللقاحعلى مسافات واسعة قدتصل إلى 800 كيلومتر.
كما جاء في الموسوعةالبريطانية الجديدة أن مما يسهل انتشار اللقاح بواسطة الرياح، كون عناصر الزهرةالذكرية التي تتولى إنتاج اللقاح معرضة للهواء بحيث يسهّل انتشار اللقاح. وكونالزهرة ما أورقت بعد، أو كونها في أعلى الشجرة أو النبتة.
أوَ ليست هذهالحقائق العلمية هي تأكيدات لما جاء في كتاب الله تعالى:{وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَلَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَاأَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ}؟ فهل كان محمد صلى الله عليه وسلم عالِم نبات ليصدرعنه مثل هذا القول وهو النبي الأمي؟ أم هل كانت عنده دراسات حول النباتات وهو قاطنالصحراء منذ أكثر من أربعة عشر قرناً؟
مراجع علمية:
*جاء في الموسوعةالعالمية:
“إن التلقيح الريحي هو خاصية للنباتات ذات الأزهار غير المميزةوالتي تفتقد –عادة- الأريج والرحيق الجاذب للحشرات حيث أن كمية وافرة من اللقاحالجاف الخفيف الوزن ينتج فتحمله الرياح عابرة به مسافات شاسعة إلى العنصرالأنثوي.
ثم إن تلك الكميات الموجودة في الهواء من ذلك اللقاح هي السببالرئيسي للحمّى المعروفة بـ “حمّى القش” والتي تصيب الأشخاص ذوي الحساسيةالمفرطة”.
*كما ذكرت الموسوعة البريطانية الجديدة:
“ولتسهيل التعرضللريح، تزهر الزهرة –غالباً- قبل نمو الأوراق في الربيع، أو قد تنمو الزهرة في أعلىالشجرة أو النبتة، ويغلب أن تكون المياسم طويلة ومقوسة لمنح مساحة أوسع لالتقاطحبيبات اللقاح”.
آية (51):
*ما الفرق بين قصة ضيف إبراهيم في سورتي الذاريات والحجر؟(د.فاضلالسامرائى)
قال تعالى في سورة الذاريات: (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إبراهيم الْمُكْرَمِينَ {24} إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَاماً قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ {25} فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاء بِعِجْلٍ سَمِينٍ {26} فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ {27} فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ {28} فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ {29} قَالُوا كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ {30}) وقال تعالى في سورة الحجر (وَنَبِّئْهُمْ عَن ضَيْفِ إِ بْراَهِيمَ {51} إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُواْ سَلاماً قَالَ إِنَّا مِنكُمْ وَجِلُونَ {52} قَالُواْ لاَ تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ {53} قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَن مَّسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ {54} قَالُواْ بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلاَ تَكُن مِّنَ الْقَانِطِينَ {55} قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ {56}).
في سورة الذاريات جاء وصف ضيف إبراهيم(عليه السلام) بالمكرمين وهذا له معنى في سياق الآيات في السورة وعدم ذكر صفة الضيف في آية الحجر يُبنى عليه المعنى. وإذا استعرضنا سياق الآيات في السورتين يتبيّن لنا لماذا ودت الصفة في سورة ولم ترد في الأخرى:
سورة الذاريات سورة الحجر
سلام ورد التحية وردّ التحية من الإكرام (فَقَالُوا سَلَاماً قَالَ سَلَامٌ) لم يذكر ردّ التحية ولم يرد الإكرام هنا (فَقَالُواْ سَلاماً قَالَ إِنَّا مِنكُمْ وَجِلُونَ)
ثم إن ضيف إبراهيم قالوا (سلاماً) أي حيّوه بجملة فعلية وهو حيّاهم بجملة إسمية والجملة الإسمية أقوى لغوياً وأثبت للمعنى وأبلغ إذن فسيدنا إبراهيم ردّ التحية بخير منها وهذا من مظاهر الإكرام أيضاً. لم يرد في سورة الحجر أي مظهر من مظاهر الإكرام كما ورد في سورة الذاريات إن من حيث عدم ردّ التحية أو تحضير الطعام أو دعوتهم إليه وغيرها.
قال (قوم منكرون) ولم يقل إنكم قوم منكرون لكن عندما رآهم قال قوم غرباء بشكل عام ولم يوجّه الخطاب لهم مباشرة وهذا من باب التكريم، وهذا يختلف عما جاء في قصة لوط عندما قال (إنكم قوم منكرون) لمّا جاءه الرسل لأنه كان في حالة أزمة.
(فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاء بِعِجْلٍ سَمِينٍ) والعجل السمين من مظاهر الإكرام وراغ معناها أنه ذهب بخفية ولم يرد أن يظهر أنه ذهب وهذا من إكرام الضيف.
(فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ) وهذا أيضاً من باب الإكرام أن قرّب لهم الطعام وقال ألا تأكلون.
(فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً) لم يرد إبراهيم أن يطلعهم على خوفه وهذا من مظاهر التكريم ولم يقل هنا أوجس في نفسه كما جاء في قصة موسى لأن الخوف قد يظهر وقد لا يظهر وفي قصة موسى لم يُرد أن يُظهر خوفه لأنه في مواجهة فرعون وقومه. (قَالَ إِنَّا مِنكُمْ وَجِلُونَ) ظهر عليه الخوف هنا وعمّ الخوف أهل البيت جميعاً.
(وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ) لم يعترض إبراهيم هنا لأن الاعتراض ليس من مقام الإكرام فلم يشك في قولهم ولا اعترض عليهم (قَالُواْ لاَ تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ)واجههم بالخوف وأجهروا بالبشرى فكما قال لهم إنا منكم وجلون قالوا له إنا نبشرك بغلام عليم، واعترف إبراهيم أنه يشك فيهم مما بلغه من الخوف فقال (قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَن مَّسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ)
(فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ) لم تكن خائفة أو وجلة إنما خرجت لمواجهتهم. لم يذكر امرأة إبراهيم لأن الخوف هنا كان طاغياً على البيت كله وأهله ولهذا لم تظهر امرأته لمواجهتهم.
*ما الفرق بين سلاماً وسلام؟ (د.أحمدالكبيسى)
قال تعالى: (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إبراهيم الْمُكْرَمِينَ {24} إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَاماً قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ {25} الذاريات) وقال تعالى (وَنَبِّئْهُمْ عَن ضَيْفِ إِ بْراَهِيمَ {51} إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُواْ سَلاماً قَالَ إِنَّا مِنكُمْ وَجِلُونَ {52} الحجر) الأولى منصوبة والثانية مرفوعة؟
يدخل هذا في حيّز ما ذكرناه، سلامٌ هو جزء من جملة اسمية (سلام) إما مبتدأ لخبرمحذوف (سلامٌ عليكم) أو خبر لمبتدأ محذوف.
القاعدة: المرفوع يفيد الاسمية والمنصوب جزء من جملة فعلية .إذا قلنا (ويلٌ) فهي جملة إسمية (ويلٌ له) وإذا قلنا ويلاً فهي جملة فعلية. قال تعالى (فضربَ الرقاب) جملة فعلية.
قالوا سلاماً أي حيّوه بالجملة الفعلية وإبراهيم ردّ التحيى بخير منها عن طريق الجملة الاسمية قال سلام السلام الثابت الشامل الدائم ولذلك قال تعالى أن تحية أهل الجنة سلام يحيّون فيها بالجملة الاسمية (سلام عليكم بما صبرتم) وقال تعالى (وإذا حُييتم بتحيةٍ فحيّوا بأحسنَ منها أو رُدُّوها)إبراهيملم يردّها وإنماحيّاهم بأحسن منها.
آية (53):
*ما اللمسة البيانية في وصف الله تعالى لإسماعيل بالحليم وإسحاق بالعليم؟ (د.فاضلالسامرائى)
(فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ) سورة الصافات آية 101 و (فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ) سورة الذاريات آية 28 و(قَالُواْ لاَ تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ) سورة الحجر آية 53.
الحلم هو أن يملك الإنسان نفسه عند الغضب وهذا يظهر في علاقته مع الآخرين إذا غضب. وربنا تعالى لما ذكر إسماعيل وذكر علاقته مع أبيه والآخرين في سورة الصافات ذكر في الآية بعدها (قال يا أبت افعل ما تؤمر) بعد أن أخبره أبوه بأنه أوحي إليه أن يذبحه وكذلك الحلم في علاقته مع أبيه في بناء البيت (وإذ يرفع إبراهيم البيت وإسماعيل). وقد ذكر الله تعالى إسماعيل بأنه رسول نبي وأنه كان صادق الوعد كما في سورة مريم (واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولاً نبيا) آية 54، فكان صادق الوعد في التبليغ للآخرين وفي الرسالة. ولم يذكر تعالى مع إسحاق علاقته بالآخرين في القرآن كله مطلقاً لكنه تعالى بيّن العلم فقط وهذا لا يتعلق بالعلاقة مع الآخرين إذن صفات إسماعيل التي ذُكرت في القرآن تقتضي الحلم.
والأمر الآخر أن الله تعالى لمّا يذكر صفات الأنبياء يذكر صفة بارزة لكل نبي منهم لكن هذا لا ينفي باقي الصفات عن كل نبي فإذا ذكر الحلم فلا ينتفي العلم، وقد وصف تعالى إبراهيم(عليه السلام) بأنه أواه منيب وحليم ومع هذا لم ينفي صفات الإنابة عن غيره من الأنبياء فهم جميعاً منيبون إلى ربهم ويدعونه. والصفة البارزة في إسماعيل(عليه السلام) هي الحلم وقد أخذها عن أبيه إبراهيم أما صفة إسحاق فهي ليست كذلك.
والأمر الآخر أنه في تبشير إبراهيم بإسماعيل جاءت البشارة مباشرة من الله تعالى كما ورد في آية سورة الصافات (فبشرناه بغلام حليم) أما في البشارة بإسحاق فهي جاءت على لسان الملائكة ولم تكن مباشرة من الله تعالى لإبراهيم كما في الآيتين في سورة الذاريات (فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ) وسورة الحجر (قَالُواْ لاَ تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيم).
آية (59):
* بعض الآيات التي تتكلم عن لوط تأتي (قوم لوط) أو (إخوان لوط)أو(آل لوط) فماالفرق بينقوم وإخوان وآل؟(د.حسامالنعيمى)
الفرق اللغوي:قوم الرجل هم أهله بالصورة الواسعة يقال فلان من قوم كذا، وقد يكون القوم أوسع من القبيلة، العرب قوم.والقوم اسم جمع مثل شعب وجيش ليس له مفرد من جنسه .الآل هم الأهل المقربون الذين هم أقرب الناس ومن معانيه الزوجة و الأتباع، الذرية أوالأقارب ، لكن قوم أوسع.الإخوان أقرب من الآل لأن الآل قد يكون فيها الأتباع (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (46) غافر) أي أتباعه.
بالنسبة لآل لوط لم تستعمل إلا في الثناء عليهم فقط، لما يثني عليهم لا يستعمل كلمة قوم.
القرآن الكريم يستعمل كلمة قوم وأحياناً كلمة آل وأحياناً كلمة إخوان. مثلاً عندنا قوم نوح وقوم فرعون وقوم موسى وقوم إبراهيم وقوم إسماعيل وقوم هود وقوم لوط وقوم صالح وقوم تُبّع، وورد أخاهم هوداً وأخاهم صالحاً وأخاهم شعيباً وعندنا أخوهم نوح وهود وصالح ولوط، وعندنا إخوان لوط، إخوة يوسف، إخوان الشياطين. كل واحدة في مكانها. الإخوة ذكرت لشعيب وهود وصالح ولوط ونوح في حال الرفع والنصب.
آية (60):
*ما اللمسة البيانية في الاختلاف بين قوله تعالى في سورة النمل (فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ (57)) وفي قوله في سورة الحجر (إِلَّا امْرَأَتَهُقَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ (60)) في قصة امرأة لوط؟
د. حسام النعيمى:
في قوله تعالى في سورة الحجر الكلام كان على لسان الملائكة:(وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إبراهيم (51)إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ (52))الجو العام جو وجل وخوف من إبراهيم وتشكك،(قَالُوا لَا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ (53)قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ (54)قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ (55)) لا تيأس من رحمة الله (قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ (56))(قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (57) قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (58) إِلَّا آَلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ (59) إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ (60)) لاحظ التأكيدات هو يحتاج لمؤكدات لأنه وجل وشاك من الملائكة. تأكيد بإنّ وباللام. كلام الملائكة لاحظكلمة(قدرنا) هم لا يقدرون ولكن لأنهم وسيلة تنفيذ قدر الله سبحانه وتعالى رخصوا لأنفسهم أن يقولوا قدرنا ولكن ما قالوا قدرناها لم يربطوا الضمير بالتقدير، بأنفسهم لذلك أبعدوها مع وجود إنّ المؤكدة. فإذن كلام الملائكة يحتاج إلى تأكيد وابتعد ضمير المفعول به في الأصل. الأصل هي قدرنا لكن أدخلوا إنّ فأبعدوها عن التقدير.
الآية الثانية هي من كلام الله سبحانه وتعالى المباشر في سورة النمل (فما كان جواب قومه فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُقَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ (57) النمل) (فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ) خبر، (إِلَّا امْرَأَتَهُقَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ) ما قال قدرنا إنها،ما احتاج إلى تأكيدات لأن الله سبحانه وتعالى يخبرنا بأمر: بأن قوم لوط أجابوا بهذه الإجابة فالله سبحانه أنجاه وأهله إلا امرأته قدرها رب العزة من الغابرين. وأُنظر كيف ربط الضمير بالفعل مباشرة ما أبعده (قدرناها) لأن هذا قدره سبحانه وتعالى فما احتاج إلى إبعاده. الغابرين قالوا بمعنى الباقين الهالكين الذين بقوا في الهلاك. نهاية الآية تفسر لنا كلمة (كانت) لما قال (وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (58) )انتهى الكلام على ذكر الأمم، كان آخر شيء في ذكر الأمم يعني لم تكن هناك حكاية ورواية لأمور وإنما رواية لهذه المسألة. النهاية كانت (قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آَللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ (59)) لم يذكر أمة أخرى وراءها. هو لا يتحدث حديثاً تاريخياً متواصلاً وإنما انقطع الكلام هنا.
آية (60):
*ما اللمسة البيانية في الاختلاف بين قوله تعالى في سورة النمل (فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ (57)) وفي قوله في سورة الحجر (إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ (60)) في قصة امرأة لوط؟
د.فاضل السامرائى:
لونظرنا إلى آية سورة الحجر (إِلَّا آَلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ (59) إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ (60)) لوجدنا فيها ستة مؤكدات هي: (إنّا، اللام في لمنجوهم، منجوهم (اسم)، أجمعين، إنّ في إنها واللام في لمن الغابرين) ثم أننا إذا نظرنا في السورة كلها أي سورة الحجر لوجدنا فيها 20 مؤكد في قصة لوط بينما في سورة النمل ففيها ثلاثة مؤكدات فقط في القصة كلها (أئنكم، لتأتون، وإنهم أناس يتطهرون). هذا الجو العام في السورتين والوضع الوصفي فالآية في سورة الحجر أنسب مع المؤكدات في القصة من آية سورة النمل. وقد يسأل السائل لماذا؟ نلاحظ أنه تعالى وصف قوم لوط في سورة الحجر بالإجرام (قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (58)) أما في النمل فوصفهم بالجهل (أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (55)) والمجرمون أشد من الجاهلين فالوصف أشدّ وهذا الوصف الأشدّ يقتضي عقوبة أشدّ ول نظرنا إلى العقوبة في كلتا السورتين لوجدنا أن العقوبة في سورة الحجر أشدّ (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ (73) فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ (74)) وفي سورة النمل: (وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (58))والمطر قد يكون ماء أما الحجارة في سورة الحجر فهي بالطبع أشدّ. إذن العقوبة أشدّ والوصف أشدّ ثم إن القصة في سورة الحجر (19 آية من الآية 58 إلى 76) أطول منها في سورة النمل (5 آيات فقط) فإذا نظرنا إلى القصة من جهة التوسع والإيجاز فآية سورة الحجر أنسب ومن حيث التوكيد والعقوبة والطول أنسب ولا يناسب وضع الآية مكان الأخرى. القرآن الكريم يراعي التعبير في كل مكان بصورة دقيقة ويراعي التصوير الفني للقصة.
آية (61):
*ما الفرق بين استعمال جاء وأتى في القرآن الكريم؟(د.فاضل السامرائى)
قال تعالى:(فَلَمَّا جَاء آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ {61 الحجر}) وقال تعالى (يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً {43}مريم) وقال تعالى (هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً {1} الإنسان).
إذا نظرنا في القرآن كله نجد أنه لم تستعمل صيغة المضارع للفعل جاء مطلقاً في القرآن كله ولا صيغة فعل أمر ولا اسم فاعل ولا اسم مفعول وإنما استعمل دائماً بصيغة الماضي. أما فعل أتى فقد استخدم بصيغة المضارع.
من الناحية اللغوية: جاء تستعمل لما فيه مشقة أما أتى فتستعمل للمجيء بسهولة ويسر ومنه الالمتياء وهي الطريق المسلوكة.
*ما دلالة الحروف (بما) و(لوما) في الآيات القرآنية؟(د.فاضل السامرائى)
(بما) للسبب وتقال للقسم أيضاً والسبب أظهر كما قال تعالى: (رب بما أغويتني) أي بسبب ما أغويتني.
(لوما) إما أن تكون حرف امتناع لوجوب عندما تدخل على الأسماء أو يكون من حروف التحضيض عندما تدخل على الأفعال (لوما يأتينا بآية).
*هل يحق لنا استخدام كلمة (لعمري) الذي استخدمت في القرآن (لعمرك)؟ (د.فاضل السامرائى)
القسم بغير الله لا يجوز لكن يُسأل عن هذا السؤال فقيه لأنه من باب الحلال والحرام. وفي الحديث لا يجوز القسم بغير الله من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك.
آية (68):
*في سورة الحجر: (قَالَ إِنَّ هَؤُلاء ضَيْفِي فَلاَ تَفْضَحُونِ (68)) وفي الذاريات: (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إبراهيم الْمُكْرَمِينَ (24)) كلمة ضيف جاءت بالمفرد مع أن الملائكة مكرمين يعني جمع؟ (د.فاضل السامرائى)
كلمة ضيف تقال للمفرد وللجمع في اللغة مثلها كلمة خصم تقال للمفرد وللجمع (وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (21) ص) وهذه ليست مختصة بالإفراد. وكذلك كلمة طفل تأتي للمفرد وللجمع عندنا كلمات في اللغة تأتي للمفرد وللجمع. وكذلك كلمة بشر (فَقَالُوا أَبَشَرًا مِّنَّا وَاحِدًا نَّتَّبِعُهُ (24) القمر) مفرد (بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ (18) المائدة) جمع. عندنا كلمات تكون للمفرد وللجمع منها كلمة ضيف تكون للمفرد وللجمع. عندنا ضيوف وأضياف وعندنا خصم وخصوم وطفل وأطفال ورسول أيضاً تستعمل مفرد وجمع، ورسل، رسول جمع أيضاً تستعمل للمفرد والمثنى والجمع والمصدر أيضاً وهذا يسمى في اللغة اشتراك. الرسول تأتي بمعنى الرسالة والإرسال، المبلِّغ هذا الأصل فيها (فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (16) الشعراء) (فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ (47) طه) فإذن ضيف تأتي مفرد وجمع.
آية (74):
*ورد وصف عذاب قوم لوط مرة أنه وقع على القرية ومرة على القوم (فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ (82) هود) (فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ (74) الحجر) فما الفرق بينهما؟(د.فاضل السامرائى)
في الحجر (وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ) وفي هود (وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا) عليها يقصد بها القرية وعليهم يقصد بها الناس والقوم.عليهم يعني القوم وعليها يعني القرية يبقى سبب الاختيار. لا شك أنه لما قال عليهم معناها القوم وعليها يعني القرية يبقى سبب الاختيار هذا هو السؤال. لو لاحظنا الكلام على القوم في الموطنين كيف كان يتحدث حتى نفهم سبب الاختيار سنلاحظ أن الكلام على القوم في الحجر أشد مما في هود ووصفهم بصفات أسوأ مما في هود وذكر أموراً تتعلق بهم أكثر مما في هود: قال في الحجر على لسان الملائكة:(قَالُواْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ (58)) وفي هود (إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ (70))، وفي الحجر قال:(وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلاء مَقْطُوعٌ مُّصْبِحِينَ (66)) وفي هود (وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ (76)) العذاب هنا لا يقتضي الاستئصال أما في الحجر فهناك استئصال فما في الحجر إذن أشد مما في هود. أقسم على حياة الرسول في الحجر على هؤلاء فقال (لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ (72)) ولم يقسم في هود. إذن ما ورد في الحجر في قوم لوط أشد مما ورد في هود وصفهم بالإجرام وأنه سيتأصلهم وأنهم في سكرتهم يعمهون فذكرهم هم (وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً) ذكرهم هم ولم يذكرهم في هود فلما ذكرهم هم قال وأمطرنا عليهم ولما لم يذكرهم قال وأمطرنا عليها هذه أخف. أمطرنا عليهم أشد من أمطرنا عليها ذكر فأمطرنا عليهم في مقام الشدة والصفات السيئة.
*هل الماء والغيث كلاهما مطر؟(د.فاضل السامرائى)
المطر يستعمله الله سبحانه وتعالى في العقوبات (وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (84) الأعراف) لم يستعمل القرآن المطر إلا في العقوبة (وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ (40) الفرقان) (وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ (74) الحجر) (وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا فَسَاء مَطَرُ الْمُنذَرِينَ (173) الشعراء) أما الغيث فيستعمله في الخير. هذا في الاستعمال القرآني أما في الحديث فاستعمل المطر للخير ولكن للقرآن خصوصية في الاستعمال اللغوي نخصص لها إن شاء الله تعالى حلقات لنتحدث عنها لأنه موضوع كبير. والعرب فهمت هذا الفرق من الاستعمال. (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (28) الشورى). إذن في القرآن الكريم يذكر المطر للعذاب.
آية (75)-(77):
*قال تعالى: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ (75) و( إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّلْمُؤمِنِينَ (77) ما الفرق بين استخدام الجمع في الأولى والمفرد في الثانية. ثم انتقل إلى المثنى بعد الجمع(فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُّبِينٍ (79)؟(د.فاضل السامرائى)
(إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ (75)) هذه ذكرها تعقيباً على قوم لوط وذكر فيها عدة أمور قال:(فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ (73)) هذه آية، (فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا (74)) هذه آية أخرى، (وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ) هذه آية أخرى إذن هي آيات وليست آية واحدة لأن كل واحدة منها آية. والآية يعني العلامة والمتوسمين هم المفكرين المتفرسين والمعتبرين. في سياق القصة ذكر عدة أمور وعدة آيات وليست آية واحدة ذكر الصيحة وذكر عاليها سافلها وأمطر عليهم حجارة ثم قال:(وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُّقيمٍ (76)) أي الآن الآثار فقال:(إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّلْمُؤمِنِينَ (77)) عندما تكلم عن الآثار هي آية واحدة (لآية) أما تلك فهي آيات. أما قوله تعالى:(وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُّبِينٍ (79)) تكلم بعدها عن أصحاب الأيكة، إنهما أي قوم لوط وأصحاب الأيكة في طريق واحد تمرون عليهم. إمام أي طريق، تمرون عليهم بعد سنين أصحاب الأيكة وقوم لوط.
آية (88):
*ما الفرق بين فعلى الأسى والحزن؟ (د.فاضل السامرائى)
كِلا الفعلين يدل على الحزن عندنا حزِن يحزَن وحزَن يحزُن، حزِن يحزَن فعل لازم ليس متعدياً تقول حزِن عليه و(وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ (88) الحجر)، (فَلَا يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ (76) يس) (الكاف مفعول به).حزِن يحزُن متعدي، حزنني وأحزنني (قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُواْ بِهِ (13) يوسف). اللغة العليا حزَن يحزُن وتستعمل أحزن أيضاً، أحزن من حَزَن. الفعل أسي يأسى يسمونه الباب الرابع (لكيلا لا تأسوا) وأسى بمعنى حزن أيضاً (فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ (93) الأعراف) هي أأسى، فهو أسي يأسى، كلاهما يفيد الحزن لكن الفارق بين لكيلا تحزنوا ولكيلا تأسوا في الحزن مشقة أكثر وشدة لأنه قريب من معنى الحزْن الذي هو الغلظ والشدة في الأرض (اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً وأنت تجعل الحزْن إذا شئت سهلاً) الحزْن أي الصعب وتقال للأرض الصعبة. إذن الحزن فيه غِلظ وشدة في الأرض والحُزن هو الغلظ والشدة في النفس. أيهما أثقل؟ الحُزن أثقل على النفس من الحزْن ، الحزْن تجتازه وانتهى الأمر أما الحُزن فيبقى في النفس. الحَزن فتحة والحُزن ضمة فاختاروا الضمة لما هو أثقل لأنها تتناسب اللفظة مع مدلولها أو المعنى .
آية (92):
*كيف نوفق بين الآيتين(فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ (39) الرحمن) (فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ (92) الحجر)؟(د.فاضل السامرائى)
هذه مواقف مختلفة يوم القيامة الموقف الأول أنهم لا يُسألون مطلقاً ثم يصير السؤال، الموقف الأول خمسين ألف سنة لا يُسألون هذا الموقف قبل الحساب ثم يكون الحساب والسؤال (لنسألنهم أجمعين).
آية (98):
*د.فاضل السامرائى:
في القرآن نلاحظ أن الله تعالى يأمر بالإكثار من التسبيح والذكر في المواطن التي تحتاج إلى صبر وفي الأزمات (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (97) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (98) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (99) الحجر) وأمره بالتسبيح في قوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (45) الأنفال) ومداومة التسبيح تفرّج الكروب كما جاء في قصة يونس وهو في بطن الحوت (فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (143) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (144) الصافات) فالذي نجّى يونس من بطن الحوت هو مداومته على التسبيح (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87)) والتسبيح وذكر الله هي أزكى الأعمال وأرفعها عند المليك. فهو ترتيب منطقي جداً بعدما تضيق الصدور والقلوب نذكر اسم ربنا.