سورة الكهف
آية (1):
*د.حسامالنعيمى:
الحمد لله في الفاتحة حمد مطلق, حمد على كل ما يعلمه الإنسان وما لم يعلمه, وعلى ما حمده الله تعالى بذاته لذاته. الحمد في قوله تعالى في سورة الكهف (الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب). الحمد ليس معناه الشكر, وابن القيم قال: الحمد ينقسم إلى حمد شكر وحمد مدح. وأنا أقول أن الحمد مقام إلهي ومقام تعبدي والله تعالى ألهم كل المخلوقات (وإن من شيء إلا يسبح بحمده). فالحمد عام يخصص بحمد الكهف أو بمحامد القرآن. والحمد يراد به جنس الحمد على الإطلاق .
*(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا (1) الكهف) لم قال يجعل له عوجاً ولم يقل فيه عوجاً؟(د.فاضل السامرائى)
إذا قلنا لم يجعل اللهُ للفيل قرنين ولم يجعل للبقرة خرطوماً يعني هكذا هي ابتداء في أصل خلقتها (في) قد تكون بعدها، لم يجعل الله للفيل قرنين ابتداء في أصل خلقته فهذا أبعد في النفي، لم يجعل له عوجاً أصلاً ولو قال (فيه) يحتمل بعدها لأنه حتى في يوم القيامة قال (لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا (107) طه)، قال فيها ولم يقل لها، في يوم القيامة (يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ (108) طه) في أصل خِلقته. إذن (فيه) يدل أنه جاء بعد ذلك و(له) أبعد في النفي ابتداءً.
آية (3):
*في سورة الكهف قال الله تعالى (ماكثين فيه أبدا) آية 3 فلماذا لم تستخدم كلمة (خالدين)؟(د.فاضل السامرائى)
المكث في اللغة هو الأناة واللبث والانتظار وليس بمعنى الخلود . الله تعالى يقصد الجنّة (أن لهم أجراً حسناماكثين فيه أبدا) والأجر الذي يُدفع مقابل العمل وننظر ماذا يحصل بعد الأجر. والجنّة تكون بعد أن يوفّى الناس أجورهم. فالمقام هنا إذن مقام انتظار وليس مقام خلود بعد, وعلى قدر ما تأخذ من الأجر يكون الخلود فيما بعد الأجر وهو الخلود في الجنّة. ومن حيث الدلالة اللغوية الأجر ليس هو الجنّة لذا ناسب أن يأتي بالمكث وليس الخلود للدلالة على الترقّب لما بعد الأجر.
آية (5):
* ما إعراب كلمة (كلمةَ) في آية سورة الكهف (كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ)؟(د.فاضل السامرائى)
كبرت كلمةً؛ كلمةً تمييز والفاعل مستتر هذا يسمونه الفاعل المفسّر بالتمييز أصلها كبرت الكلمةُ كلمةً.والفاعل المفسر بالتمييز يأتي في الأمور المهمة كالتفخيم والتعظيم. (كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا (5) الكهف) كبُرت: فِعل، والفاعل ضمير مستتر تقديره هي الكلمة، (كلمةً) تمييز. أصل الجملة كبرت الكلمةُ كلمةً تخرج من أفواههم، مثل قوله (ساء مثلاً القوم). والفاعل المفسّر بالتمييز له أغراضه مثلاً نقول: نِعْمَ رجلاً فلان، إذن كلاهما تمييز لكن أحدهما الفاعل مستتر يعني كبرت الكلمةُ كلمةً والآخر الفاعل مذكور وهو مصدر مؤول.
آية (7):
*هل الزينة عائدة على الأرض في الآية (إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (7) الكهف)؟ وإذا كانت عائدة على الأرض فهل هذا يعني أنه نحن كبشر ليس لنا الحق أن نتمتع بها؟(د.فاضل السامرائى)
قال تعالى (زينة لها) مؤنث, ولذلك لاحظ لو أخذنا تمام الآية وما بعدها قال تعالى (وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا (8)) أي ما على الأرض. (إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (7) وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا (8)) أي لجاعلون الزينة وما فيها للأرض. هي زينة تتزين والناظر فيها ينظر ويبتهج بما فيها من زينة وزهور كما قال تعالى (وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاء بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ (16) الحجر) (إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (6) الصافات) هي زينة للسماء والناظر يبتهج بهذه الزينة ويذكر ربّه. فالزينة هي للأرض والله تعالى قال (حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ (24) يونس).
قصة أصحاب الكهف:
آية (10):
*ما الفرق بين الرُشد والرَشَد في القرآن الكريم ؟(د.فاضل السامرائى)
الرُشد معناه الصلاح والاستقامة, وهم قالوا الرُشد يكون في الأمور الدينية والدنيوية، في أمور الدين وفي أمور الدنيا، في الأمور الدنيوية والأخروية والرَشد في أمور الآخرة، يعني الرُشد يكون في أمور الدنيا والآخرة والرَشَد في أمور الآخرة. في القرآن ورد الرُشد (وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا (6) النساء) أمر دنيوي، (قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا (66) الكهف) أمر دنيوي موسى تتبع الرجل الصالح، (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ (256) البقرة) و (وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً (146) الأعراف) إذن الرُشد يستعمل في أمور الدنيا والدين. أما الرَشد فالكثير أنه يستعمل في أمور الدين أكثر ما يكون في الدين (فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا (10) الكهف) (وَقُلْ عَسَى أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا (24) الكهف) أغلب ما تستعمل في أمور الدين، أما الرُشد فهي عامة. هذا ما قاله قسم من اللغويين, وإن قال قسم آخر أن هاتين لغتان لكن هما في القرآن هكذا، يستعمل الرُشد في أمور الدنيا والدين والرَشَد في أمور الدين. قسم قالوا هذه لغة ولكن قسم قالوا هذا من خصوصيات الاستعمال القرآني.
آية (11):
*ما دلالة استخدام صيغة الجمع في القرآن مثل ضربنا، رفعنا، قلنا، أنزلنا وغيرها مما ورد في القرآن؟(د.فاضل السامرائى)
القرآن استعمل صيغة الجمع(فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً {11}) وفي صيغة الجمع يؤتى بما يسمى ضمير التعظيم ويستعمل إذا كان المقام مقام تعظيم وتكثير ويستعمل الإفراد إذا كان المقام مقام توحيد أو مقام آخر كالعقوبة المنفردة . لكن المهم أنه تعالى في كل موطن في القرآن وبلا استثناء إذا استعمل ضمير التعظيم لا بد من أن يأتي بعده بما يدل على الإفراد حتى يزيل أي شك من شائبة الشرك, لأن من نزل عليهم القرآن كانوا عريقين في الشرك (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ {1} فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ {2}) (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً {1} لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً {2} وَيَنصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً {3}) لم يقل في آية سورة الفتح لنغفر لك بينما قال في النصر (فتحنا) لأن الفتح قد يأتي بأن يأخذ بالأسباب كالجيش, أما مغفرة الذنوب فمن الله وحده (ومن يغفر الذنوب إلا الله) فضمير التعظيم لا يمكن أن يستمر إلى نهاية الآيات.
*ما دلالة استخدامالضرب على السمع للتعبير عن الموتفي الآية(فَضَرَبْنَا عَلَىآَذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا (11))ولماذا لم يقل فأمتناهم ؟(د.حسامالنعيمى)
أولاً أهل الكهف لم يموتوا وإنما ناموا لأنه تعالى قال: (وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُم بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا (18) الكهف) الراقد ليس ميتاً ولذلك لا يصلح أن يقول: أماتهم.ولم يحدد الله تعالى عددهم ولا أسماؤهم. والأصل في تعاملنا مع القرآن أن ما سكت عنه ربنا سبحانه وتعالى نسكت عنه لأنه لا ثمرة فيه إلا إذا ورد فيه خبر صحيح من رسول الله (صلى الله عليه وسلم)يكون موضحاً لجزئية معينة.
الضرب هو إيقاع شيء على شيء وإذا قيلفلان يضرب في الأرض يعني إذا سافر مسافات طويلة, إشارة إلى ضرب قدمه على الأرض. (فضربنا على آذانهم) كأنه ضرب حاجزاً أو شيئاً على الآذان لأن الذي يوقظ النائم بشكل طبيعي هو الصوت، لأن الأذن مفتوحة أما العين فمغلقة عند النوم. (فضربنا على آذانهم) أي لم يعودوا يسمعون شيئاً وكان الضرب سنين معدودة تعدّ عداً. والضرب له استعمالات كثيرة حسب السياق مثل قوله تعالى: (فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ (13) الحديد) أي بمعنى بُنيَ سور.. (ثم بعثناهم) لأنهم صاروا حزبين, والعلم هنا هو علم الله المشاهدة وليس علمه اللدني الذي عنده, أي علم مشاهدة وعلم وقوع وحدوث، بعضهم قال لبثت يوماً أوبعض يوم قال الله أعلم كم لبثنا.
ألهذا السمع مقدم على البصر في القرآن؟ قد يكون هذا من الأسباب وقد يكون أن الإنسان يستقبل الآيات ويستقبل المواعظ؛ الآيات من الرسل بالأذن أكثر من استقبالها بالبصر، يسمع ما يلقيه عليه الرسل ثم ينظر في ملكوت الله ثم يعمل ما سمعه وما نظره في فؤاده.
*(لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا (18) الكهف) ما دلالة تقديم الفرار على الرعب؟ مع أن المنطق يكون الرعب أولاً ثم الفرار؟ (د.فاضل السامرائى)
الواو كما هو معلوم لا تفيد ترتيب ولا تعقيب وإنما الواو لمطلق الجمع فقط. عندما نقول دخل محمد وأحمد لا يعني أن محمد دخل أولاً، ليس بالضرورة. الكفار يقولون (وَقَالُواْ إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (29) الأنعام) لو أخذت على الترتيب معناها أنهم يؤمنون بالبعث لكنهم يقولون (وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ) الترتيب أنهم يحييون ويموتون. إذن الواو لا تفيد ترتيب ولا تعقيب، تحتمل هذا وذاك، أقبل محمد وخالد، محمد قبل أو خالد قبل أو الاثنين جاءا معاً تحتمل، إذن هنا ليس معنى ذلك أن الرعب جاء بعد الفرار ولم يقل (ثم) ليس هنالك ترتيب, ولو قال ثم تفيد الترتيب والتراخي والفاء تفيد الترتيب والتعقيب والواو لمطلق الجمع. إذن أصل المسألة لعل السائل يظن أن المفروض الرعب أولاً ثم الفرار. الواو فقط لمطلق الجمع. يبقى لماذا جاء بهذا الترتيب؟ الواو لا تفيد الترتيب إذن ليس معنى الآية أن التولية قبل الرعب. ربنا تعالى يقدم مرة الأرض على السماء ومرة السماء على الأرض ومرة يقدم النفع على الضر ومرة الضر على النفع. التقديم يكون حسب الأهمية وهنا يدخل هذا في باب التقديم والتأخير بحسب الأهمية. هم لماذا ذهبوا إلى الكهف؟ حتى لا يطلع عليهم الناس (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ (13) الكهف) خرجوا من القوم ليسلموا من الفتن، إذن المهم أن لا يطلع عليهم أحد ولا يعرفهم أحد، خرجوا فارين بدينهم من أذى قومهم فذهبوا إلى الكهف ودخلوا فيه من باب أنه آمنٌ لهم. إذن المهم هو أن لا يطلع عليهم أحد، حتى لا يشي بهم فيؤتى بهم فيفتنون. ماذا يعنيهم الرعب؟ المهم ألا يتفرس فيهم أحد فيعرفهم, هذا المهم أن يولي منهم فراراً, أراد ربنا أن يحميهم فيوقع الهيبة فيهم فيفر منهم حتى لا يتفرس بهم فلا يعرفهم حتى يحميهم. إذن المهم ألا يتفرس فيهم أحد ولا يتصفح وجوههم لأن هذا هو المهم فقدم المهم (لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا) لا يمكث أمامهم طويلاً فلا يتفرس في وجوههم فيعرفهم. ثم الآن لو دخل واحد في غار ورأى أناساً مفتحة عيونهم وساكتين (كانوا مفتحة أعينهم طوال هذه المدة, قالوا حتى لا تتلف وتبلى عيونهم لأنها لو كانت مغمضة طوال هذه المدة لكانت ذهبت عيونهم (وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ (18)) مفتحة عيونهم) هذا يصيب الإنسان بالرعب، تخيل لو أن لصوصاً دخلوا ورأوهم هكذا.. لامتلأوا بالرعب كما لو دخلوا مغارة فوجدوا فيها وحشاً أو حية لا يتفرسون فيها وإنما يهربون حتى أنهم لو كلما تذكروا المشهد فيمتلئون بالرعب. هكذا يحصل يهرب ثم يتذكر الأمر فيراه عظيماً فيمتلئ بالرعب فيشتد في الهرب، يكون هربه من تلقاء نفسه لأول مرة يرى فيها المنظر ثم يتخيل المنظر فيمتلئ رعباً ويهرب. والرعب أحياناً يوقف الإنسان يتملكه ولا يستطيع أن يهرب فيتسمر مكانه، الذئب أحياناً إذا أتى إلى الفريسة تتسمر في مكانها ولا تستطيع الهرب. وقرأنا في التاريخ عندما احتل التتار بغداد كانوا يقولون للرجل امكث مكانك حتى آتي بالسيف فأقتلك فيبقى مسمراً في مكانه من الرعب. قسم من الرعب يثبت وقسم يهرب. في أهل الكهف هناك حكمة في الهرب ألا يتفرس بهم ولا يشي بهم أحد. الكلب مثلهم والوصيد يعني الباب. قسم قالوا لم تبلى أجسامهم ولم تطل شعورهم وإنما استيقظوا كما ناموا وبقوا على حالهم.
* ما الفرق بين الفِرار والهروب في قوله تعالى (لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا (18) الكهف) و (وَأَنَّا ظَنَنَّا أَن لَّن نُّعجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ وَلَن نُّعْجِزَهُ هَرَبًا (12) الجنّ)؟ (د.فاضل السامرائى)
التعبير اللغوي: الهرب فيه نوع من الذعر, والفِرار ليس بالضرورة فيه ذعر, والفرار فيه حركة, والسياق يحدد.
آية (12):
*ما دلالة كلمة (لنعلم) في آية سورة الكهف (ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَداً {12}) مع أن الله تعالى يعلم كل شيئاً مسبقاً؟(د.فاضل السامرائى)
العلم نوعان:علم سابق قديم الذي سجّل فيه الله تعالى القدر وعلم لاحق يحقق هذا العلم وهو الذي يتعلق به الجزاء.
ما يفعله الإنسان هو من علم الله والله يعلم في القدر كل شيء وهو العلم الذي قضاه الله تعالى وما يفعله الإنسان وما يعلمه هو تصديق لعلم الله هذا. وقوله تعالى (لنعلم أي الحزبين) يعني لنعلم أي منهم يعلم الحقيقة لأن هناك ثلاثة أقوال كل قسم قال شيئاً فمن الذي يعلم الحقيقة؟ الله تعالى علِم ذلك قبل الوقوع. إذن هناك علمان.
*ما إعراب (أيّ) في الآية (لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أبدا) ؟
أي: هي مبتدأ. وهي من أسماء الاستفهام وكل الأسماء التي لها صدر الكلام لا يعمل بها ما قبلها إلا حروف الجرّ ولكن يعمل فيها ما بعدها (ولتعلمنّ أيّنا أشدّ عذاباً وأبقى).
*(ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا (12) الكهف) ما هي صيغة أحصى هل هي اسم تفضيل أو فعل؟ (د.فاضل السامرائى)
هي تحتمل, وهكذا يقول المفسرون: تحتمل أن تكون فعلاً ماضياً وتحتمل أن تكون اسم تفضيل، ليست هنالك قرينة سياقية تحدد معنى معيناً، (أحصى) ممنوع من الصرف. (أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ (6) المجادلة) أحصاه فعل ماضي. أحصى أمداً لما لبثوا ويكون (أمداً) مفعول به.
اسم التفضيل ألا يجب أن يكون هناك شيء مفضل على شيء؟
أحياناً لا يذكر اسم التفضيل، نقول الله أكبر ليس بالضرورة أن يُذكر، (اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ (124) الأنعام) وإن كان في الأصل هو يفضل شيء على شيء لكن ليس بالضرورة أن يُذكر.
إن الذي سمك السماء بنى لنا بيتاً دعائمه أعز وأطول
و(أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا) (أمداً) يحتمل أن تكون تمييز (أحصى أمداً) ويحتمل أن تكون مفعول به لأحصى وهذا من باب التوسع في المعنى.
آية (14):
*ما دلالة الربط على القلب في الآية(وربطنا على قلوبهم) ؟(د.حسامالنعيمى)
هؤلاء وقفوا أمام الناس وأعلنوا إيمانهم؛ قالوا(وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا (14)) فاشتُهِر أمرهم,فصبّرهم الله سبحانه وتعالى على هذا الإيمان؛إذ أصل الربط هو الشدّ والتقوية عندما تشد شيئاً تقويه.بمعنى قوّينا قلوبهم بالصبر على الإيمان حين قالوا هذا الكلام . والربط على القلب هو التقوية لأن إعلان إيمانهم هذا كان يمكن أن يودي بحياتهم ويموتوا, ولذلك بعد أن أعلنوا تركوا البلد وفرّوا بدينهم وذهبوا إلى الكهف, لكن يقول العلماء أن المسلم إذا علِم أن في موته حياة للآخرين وجب عليه الثبات, كما قال الإمام أحمد رحمه الله لما كان يُجلد فقيل له: قُل كما يقول المأمون فقال: إن ثباتنا ثبات المسلمين وتحمّل.
آية (15)
*ما دلالة استخدام كلمة (الكذب) معرّفة وقد وردت نكرة في مواضع أخرى؟ (د.فاضل السامرائى)
التعريف في النحو هو ما دلّ على شيء معيّن (إزالة الاشتراك عن الشيء) أما التنكير فهو عام. في الآيات القرآنية التي وردت كلمة (الكذب) فيها بالتعريف هي آيات خاصة بأمر معين أما التي وردت فيها كلمة (كذب) بالتنكير فهي تتعلق بأمر عام.
مثال في استخدام كلمة (الكذب) بالتعريف في القرآن قوله تعالى في سورة آل عمران (كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِـلاًّ لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُواْ بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ {93} فَمَنِ افْتَرَىَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ {94}) الكذب هنا متعلق بالمسألة في الآية أما في قوله تعالى في سورة الكهف (هَؤُلَاء قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِم بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً {15}) ليس هناك أمر خاص وإنما هو أمر عام لذا جاءت كلمة (كذب) بالتنكير.
آية (17):
* (وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ (17) الكهف) لماذا استخدم تزاور عند الشروق وتقرضهم عند الغروب؟(د.فاضل السامرائى)
لأن هذا هو الواقع، تقرضهم يعني تتركهم جانباً وتزاور بمعنى تتنحى عنهم لا تدخل إليهم, حاصل الجملتين أن الشمس لا تصيبهم لا في الشروق ولا في الغروب. تزاور يعني تبتعد وتتنحى من ازورّ، الشمس لا تدخل إليهم ولا يصيبهم نورها, والمفهوم من الآية أن باب الكهف إلى الشمال تطلع الشمس فتبتعد وعندما تغرب تتركهم والمفهوم أن الشمس لا تأتي عليهم.
*لماذا وردت كلمة المهتد بدون ياء في سورة الكهف؟(د.فاضل السامرائى)
قال تعالى (وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِّنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُّرْشِداً )
أولاً نقول أن خط المصحف لا يُقاس عليه لكن مع هذا فهناك أمور أُخرى هنا, فلو لاحظنا لفظ الهداية في سورة الكهف تكرر 6 مرات وفى سورة الأعراف(مَن يَهْدِ اللّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَن يُضْلِلْ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ {178}) تكرر 17 مرة فلما زاد ذكر كلمة الهداية زاد في مبنى الكلمة للدلالة على زيادة السمة التعبيرية والتكرار.
*ما دلالة استخدام صيغة الفعل المضارع في قوله تعالى (وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا (18) الكهف) مع أن الأحداث انتهت ومضت ؟(د.فاضل السامرائى)
الفعل المضارع قد يستخدم ليعبّر به عن الماضي في ما نسميه حكاية الحال كما يُعبّر عن الماضي للمستقبل كما في قوله تعالى (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آَمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (91)البقرة) (تقتلون) وقال معها (من قبل). وحكاية الحال هو أن يُعبّرعن الحال الماضية بالفعل المضارع للشيء المهم كأن يجعله حاضراً أمام السامع.
*في سورة الكهف آية (إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُواعَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا (20)) فما الحكمة من تكرار (إن)؟(د.فاضل السامرائى)
هذا ليس تكراراً لأن إنّ شرطية تدخل على الأفعال وأنْ تدخل على الأسماء.
آية (21):
*ما الفرق بين التعليل بـ ( كي)وباللام في قوله تعالى (وليعلموا)؟ (د.فاضل السامرائى)
التعليل بكي واللام
هل التعليل بهما متطابق؟ الحقيقة أنه لا يبدو هناك فرق واضح بينهما في التعليل، فهما متقاربان جدا، غير أن الذي يبدو أن الأصل في (كي) أن تستعمل لبيان الغرض الحقيقي المؤكد ، واللام تستعمل له ولغيره، فاللام أوسع استعمالا من (كي)، وهذا ما نراه في الاستعمال القرآني.
“وكذلك أعثرنا عليهم ليعلموا أن وعد الله حق وأن الساعة لا ريب فيها” الكهف 21، وهذا في أصحاب الكهف وهم يعلمون أن وعد الله حق ولا شك، وكيف لا وهم فارقوا قومهم لإيمانهم بالله تعالى؟ فلو قال (كي يعلموا) لكان المعنى أن هذا هو الغرض الحقيقي وقد كانوا يجهلون ذاك .
(كي) تستعمل للغرض الحقيقي، أما اللام فهي أوسع استعمالا منها، وأن الجمع بينهما يفيد التوكيد والله أعلم.
*في قوله تعالى: (قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا (21)) في الإسلام نهي عن بناء المساجد على القبور فهل هذا كان مباحاً في الأمم السابقة؟(د.حسامالنعيمى)
يقول الرسول (صلى الله عليه وسلم): ” لعن الله اليهود والنصارى اتّخذوا قبور أنبيائهم مساجد ولا تتخذوا قبري مسجداً” نهى (صلى الله عليه وسلم) عن ذلك, والآن قبر الرسول (صلى الله عليه وسلم) ليس مسجداً. العلماء المدققون يفرقون بين أمرين: أن يكون القبر موجوداً وتبني عليه مسجداً كما فعل جماعة أصحاب الكهف, والصورة الأخرى أن يكون المسجد قائماً ثم تأتي وتدفن فيه إنساناً (هو الأولى أن لا تدفن) لكن الصورة مختلفة. الفرق هو التقديس أنه يكون هناك قبر وتبني عليه مسجداً تقديساً لصاحب القبر هذا يصدق فيه الحديث. لكن الصورة الثانية من حيث اللغة تختلف أن يكون هناك مسجد وتأتي بمقبور (ميت) وتدفنه فيه. هذه غير صورة, وللعلماء كلام؛ منهم من قال: هذا تقصير من الفاعلين ولكن الصلاة فيه جائزة وهذه قضية تدخل في غير بابنا.
آية (22):
*(سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ (22) الكهف) ما دلالة الواو في وثامنهم؟(د.فاضلالسامرائى)
القدامى المفسرون ذكروها, قالوا: هذه الواو تدل على أن اتصافهم هذا هو الأمر الثابت لصحيح وأن هذا القول هو الحق، قولين قال رجماً بالغيب (سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ) إذن هذا الغيب أسقطهم وأبطل القولين,ويقول (سبعة وثامنهم كلبهم) لم يقل رجماً بالغيب، وقال (قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ) إذن هناك من يعلمهم (ما يعلمهم إلا قليل)قال ابن عباس: أنا من القليل. هذه الواو تدل على التأكيد والاهتمام وأن هذا الأمر هو الصحيح، هو اليقين؛ لأن الواو يؤتى بها في مواطن الاهتمام والتوكيد والتحقيق. قال تعالى (التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (112) التوبة) القدامى قالوا: أدخل الواو على (الناهون) لأن كل ما سبق من الصفات يأتي بها الإنسان لنفسه لا يتعلق بالغير (عابد، حامد، سائح، راكع، ساجد) أما (الناهون) فتتعلق بالغير, وهناك احتمال أن يلاقي بها من الأذى. الواو هي عاطفة ويؤتى بها للاهتمام ولذلك فإن النحاة عندهم قاعدة “إذا تباعد معنى الصفات فالعطف أحسن” (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (3) الحديد) الأول نقيض الآخر والظاهر نقيض الباطن، إذن إذا تباعدت الصفات من حيث المعنى، وقال (وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ (10) هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (11) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ (13) القلم) لم يستعمل الواو لأن الصفات كلها في سياق واحد. وقسم من النحاة قال – وضعّفوا هذ الرأي – أن هذه الواو هي واو الثمانية وقال النحاة هذا قول ضعيف. هم يقولون في العدّ: يعدون من واحد إلى سبعة ثم يقولون وثمانية لكن النحاة قالوا هذا قول ضعيف لا يُعبأ به. نقرأ في كتب النحو (للأخفش) ويقال هذا قول ضعيف، كل ما يقوله النحاة فيه الضعيف وفيه القوي وفيه الراجح والمرجوح. الواو هي للتأكيد على أن هذا القول الصحيح، ويقول الزمخشري: “هذه الواو التي تفيد لصوق الصفة بالموصوف والدلالة على أن اتصافه بها أمر ثابت مستقر” (هذا الكلام ورد في كتابه الكشّاف), والنحاة يعترضون على شيء واحد في هذا التعبير وهو “تأكيد لصوق الصفة بالموصوف” من حيث سبعة وثامنهم كلبهم (هذه واو الحال وليست واو الصفة) ليس عندنا واو صفة، (وثامنهم كلبهم) هذه جملة ثانية، جملة حالية، قالوا هذه الواو واو الحال وهذه الواو لا تقع في الجمل بين الصفة والموصوف تقع واو الحال, والزمخشري عندما قال انطلق من أن الجمل بعد النكرات صفات وبعد المعارف أحوال، (سبعة) نكرة فقال هذه صفة والجمهور يؤيدونه فيما ذهب إليه من حيث الدلالة.
* ما دلالة حرف العطف (و) في قوله (سبعة وثامنهم كلبهم) مع أنها لم ترد فيما قبلها (ثلاثة رابعهم كلبهم وخمسة سادسهم كلبهم)؟
ما يميل إليه علماء اللغة أن الواو واو عاطفة تعطف جملة على جملة سابقة أو واو استئنافية لأن الكلام انتهى. وهي تفيد التوكيد والتحقيق ولا تؤثر في الإعرابكما صرّح المفسرون, أي كأنها تدل على أن الذين قالوا أن أصحاب الكهف كانوا سبعة وثامنهم كلبهم هم الذين قالوا القول الصحيح الصواب ومنهم الزمخشري. الواو إذن هي واو الحال ولكنها أفادت التوكيد والتحقيق بأن هذا القول صحيح لأن الواو يؤتى بها إذا تباعد معنى الصفات للدلالة على التحقيق والاهتمام (هو الأول والآخر والظاهر والباطن) وإذا اقترب معنى الصفات لا يؤتى بالواو (همّاز مشّاء بنميم) .
وفي قوله تعالى (التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ {112}) نلاحظ أن الواو ذكرت مع الصفة الأخيرة وهي الأشد على النفس والآخرين لأن النهي عن المنكر يكون أشدّ على الإنسان وقد يؤدي إلى الإهانة والقتل أحياناً وباقي الصفات الأولى كلها متقاربة.
د.حسامالنعيمى:
هناك رأى يقول هذه الواو قبل كلمة ثمانية هي كأنها من آثار الأعداد القديمة، الاستعمالات القديمة, وكانت باقية عند قريش بمعنى أن العدد الأعلى الذي ينتهي عنده الحساب هو السبعة وبهذا فسّروا: سبع سموات، سبع أراضين، سبعين مرة، سبعمائة. والقرآن نزل بلغة قريش فبقيت هذه الواو لذلك سميت بواو الثمانية (وثامنهم) وهذا الاستعمال الذي كان خاصاً بها أحياناً.
العرب عندهم أسلوب في ذكر المعدود (ما يعدّون) تصاغ عندهم على وزن فاعل فيقولون مثلاً هو رابع أربعة. لكن لهم أسلوب آخر: يقولون: رابع ثلاثة أو خامس أربعة. في هذه الحالة يكون متمماً للعدد ولكنه ليس شرطاً أن يكون جزءاً منه. لاحظ في القرآن ( مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ(7) المجادلة) نجوى الثلاثة الله رابعهم, فالله سبحانه وتعالى من غيرهم لكنه صار في العدد بحضوره رابعاً لكنه ليس منهم. في قصة أصحاب الكهف (سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا (22) الكهف) ليس منهم.
آية (23):
*ماذا عن ربط المستقبل بـ(غد) فقط في قوله تعالى (وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) ) ؟ ولماذا استخدام اللام في (لشيء) ولم يقل (عن شيء)؟(د.فاضل السامرائى)
سبب نزول الآية هو الذي يحدد. سُئل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عن ثلاثة أسئلة من قِبل الكفار, منها عن أهل الكهف, فقال الرسول (صلى الله عليه وسلم) سأجيبكم غدالأنه لم يكن لديه علم ولم يقدم المشيئة,وجاء غد ولم يُجِب الرسول (صلى الله عليه وسلم) ولم ينزل عليه الوحي مدة خمس عشرة ليلة فحصل إرجاف, لأن الوحي يتنزّل بحكمة الله تعالى ثم نزلت الآية (وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23)) فهي مناسبة لأصل سبب النزول, وهذا ينسحب لأنه أحياناً سبب النزول لا يتقيّد بشيء.
غداً في الآية موضع السؤال لا تعني بالضرورة الغد أي اليوم الذي يلي وإنما قد تفيد المستقبل وهي مناسبة لما وقع وما سيقع.
ورود اللام بعد القول (تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ) له أكثر من دلالة وهو ليس دائماً للتبليغ يقال في اللغة: قلت له كذا وكذا وإنما تأتي لبيان العِلّة إما بمعنى عن أو بسبب أمر ما (قال له).. وقد تأتي اللام مع القول لغير التبليغ وتأتي بمعنى عن أي عن شيء. وقد تأتي اللام بعد فعل قال للتعليل بمعنى لأجل ذلك أو بسبب ذلك .
*كيف نفهم (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا (25) الكهف)؟(د.فاضل السامرائى)
يقولون سنين شمسية وقمرية. سنين بدل، لو أضفنا نقول مائة سنة لكن هنا ليست مضافة، ثلاث مائة لم تضفها حتى تقول ثلاث مائة سنة، هذا بدل وليس تمييز عدد. (سنين) بدل لأن تمييز العدد له أحكام بعد المائة والألف يكون مفرد مضاف إليه (فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا (14) العنكبوت) (بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ (259) البقرة) (ثَلَاثَ مِائَةٍ) نوّن لأن هذا أمر عجيب فنوّن، هذا تنوين التمكين لكن الغرض منه، لماذا لم يضف؟ لأن الأمر يدعو إلى العجب والتعجيب (ثَلَاثَ مِائَةٍ) أبهمت ويسمى الإيضاح بعد الإبهام. إذا قلنا (ثَلَاثَ مِائَةٍ) السامع لا يتوقع أو لا ينتظر منك شيئاً آخر لأنه لو أردت أن تضيف لأضفت بعد المائة، إذن انتهى السائل فإذا جئت بالبدل تكون أتيت بشيء جديد ما كان يتوقعه قالوا الإيضاح بعد الإبهام.
*وفي الكهف (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا (25)) فما المقصود في استخدام (أو) بدل الواو؟(د.فاضل السامرائى)
(أو) تأتي بمعنى (بل) تقول سأرحل أو أمكث، سأذهب إلى المقهى أو أقيم، تترك الأمر إذن, هذا التوجيه الأول بمعنى بل يزيدون. والتوجيه الآخر أنه بحسب ما يراه الرائي يعني بالنسبة للرائي إذا نظر إليهم يقول مائة ألف أو يزيدون. فهي إما أنها بمعنى بل أو ترجيح بالنسبة للرائي وليس بالنسبة لله سبحانه وتعالى أما الواو فتعني ازدادوا قطعاً.
* لماذا جمع السنة على سنين في آية سورة الكهف (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا (25)) ولم يقل ثلاثمائة سنة؟(د.فاضل السامرائى)
هنا بدل (ثلاثمائة سنين) جاءت هذه بعد تمام الكلام (ولبثوا في كهفهم ثلاث مائةٍ سنينَ) هذا تنوين قطع لأن الجملة انتهت، ولبثوا في كهفهم ثلاثمائة، ثم يبين سنين هذا إيضاح بعد الكلام, هذا يكون في الأشياء المراد لفت النظر إليها. إما يقال ثلاثمائةِ سنة، البدل يمكن إحلاله محل الأول المُبدل منه يمكن أن نقول ولبثوا في كهفهم سنين. سنين: هي بدل من العدد منصوب (ملحق جمع مذكر سالم).
آية (25):
*ما الفرق بين العام والسنة ؟(د.حسامالنعيمى)
العام هو لما فيه خير والسنة لما فيه شر. العلماء يقولون الغالب وليست مسألة مطلقة. لكن في الاستعمال القرآني أحياناً يستعمل (تزرعون سبع سنين دأباً) (ثم يأتي عام فيه يغاث الناس) الزرع فيه جهد في هذه السنين. في قصة نوح (فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً) كأن الخمسين عاماً هي الخمسين عاما الأولى من حياته التي كان مرتاحاً فيها وبقية السنين الـ 950 كان في مشقة معهم حتى بلغ أن يقول (ولا يلدوا إلا فاجراً كفّارا) هذه تجربة. هذا الغالب ومن أراد أن يلتزم الاستعمال القرآني يحرص على استعمال السنة في جدب وقحط والعام لما فيه خير, لكن إذا وُجد شاعر يستعمل نصاً عن السنة مختلف لا يستغرب. الرسول (صلى الله عليه وسلم) في حديث لا ندري مداه من الصحة “اللهم اجعلها عليهم سنيناً كسنين يوسف” سنوات قحط وشر. هذا في كتب النحو والأحاديث التي في كتب النحو يستفاد منها في الشواهد النحوية واللغة وليس في تأصيل الحديث من حيث الصحة.
في سورة الكهف ذكر القرآن (ثلاثمئة سنين وازدادوا تسعا) لم يقل وازدادوا تسعة أعوام. بعض الحاسبين يقول هذه 300 سنة في الميلادي توافق 309 في الهجري. إذا جاءت موافقة فهي موافقة لكن هي لون من ألوان التعبير أن يقول ثلاثمئة وازدادوا تسعا. لما كانوا يعانون منه وقد يقول القائل لم تكن كلها سنين قحط. الأمر ليس هذا ولكنه الغالب.
آية (26):
*لماذا قدّم البصر على السمع في آية سورة الكهف ؟(د.فاضل السامرائى)
قال تعالى في سورة الكهف (قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً{26}) والمعلوم أن الأكثر في القرآن تقديم السمع على البصر؛ لأن السمع أهم من البصر في التكليف والتبليغ, لأن فاقد البصر الذي يسمع يمكن تبليغه, أما فاقد السمع فيصعب تبليغه, ثم إن مدى السمع أقل من مدى البصر فمن نسمعه يكون عادة أقرب ممن نراه، بالإضافة إلى أن السمع ينشأ في الإنسان قبل البصر في التكوين. أما لماذا قدّم البصر على السمع في الآية فالسبب يعود إلى أنه في آية سورة الكهف الكلام عن أصحاب الكهف الذين فروا من قومهم ولجأوا إلى ظلمة الكهف لكيلا يراهم أحد لكن الله تعالى يراهم في تقلبهم في ظلمة الكهف وكذلك طلبوا من صاحبهم أن يتلطف حتى لا يراه القوم, إذن مسألة البصر هنا أهم من السمع فاقتضى تقديم البصر على السمع في الآية.
آية (28):
*ما الفرق من الناحية البيانية بين قوله تعالى (واصبر نفسك) سورة الكهف وقوله تعالى (وامر أهلك بالصلاة واصطبر عليها)سورة طه؟(د.فاضل السامرائى)
اصطبر جاءت في الصلاة لأنها مستمرة كل يوم وزيادة المبنى تفيد زيادة المعنى والصلاة كل يوم في أوقاتها وتأديتها حق أدائها وإتمامها يحتاج إلى صبر كبير لذا جاءت كلمة (اصطبر) للدلالة على الزيادة في الصبر.
آية 29:
*يستخدم تعالى في القرآن بعض الأفعال التي ربما تتشابه حرفياً ولها نفس الدلالة مثل (أعدّ وأعتد) ؟(د.حسامالنعيمى)
هذا يدخل في جانب التقارب الصوتي. فالتاء إذا صحبها اهتزاز الوترين تكون دالاً. جرّب أن تلفظ تاء من غير أن تلفظها ضع لسانك بحيث أنه لا يتغير عن موضع نطقك للتاء تظهر دالاً. الفارق حدوث اهتزاز, فإذن التاء مهموس والدال مجهور. وهذا أنصع وأقوى وأوضح من نظيره المهموس،
أصل الفعل (عَتَدَ) يعني العين والتاء والدال والفعل الآخر (عَدَدَ) فلما تدخل همزة التعدية يصبح أعتد ويفترض أعدد. الأصل (أفعل) أعتد وأعدد ليسا فعلاً واحداً وحدث فيه تغيير ما عندنا دليل، قد يكون كل منهما أصلاً وقد يكون الذي بالتاء هو الأصل وقد يكون الذي بالدال هو الأصل, لكن وجود الإدغام قد يرجّح – أقول قد- أن يكون الفعل بالتاء هو الأصل لأنه حينما يُسكّن التاء وبعده جال تُقلب التاء إلى دال. التاء والدال إذا التقيا يكون إدغام، عادة يُدغم الأول في الثاني. لو قلت (هطلت ديمة) تقلب التاء دالاً (هطلديمة) فيمكن أن تكون التاء أصل وانقلبت إلى دال، ويمكن أن يكونا أصلين مستقلين وبينهما تقارب, وحيثما يوجد تقارب في الصورة يكون تقارب في المعنى.
يقترب المعنى لما يأتي إلى (عتد) مع (عدد) العين والدال واحدة الفارق في الوسط هنا تاء وهنا دال. لما يستعمل عتد أو أعتد معنى ذلك أنه هناك شيء من الهمس؛ لأن التاء مهموس, ويكون هناك تنويع بين الجهر والهمس, فلما يقول ربنا عز وجل (وأعتد) غير (أعد) هذا الإدغام كأنه يصور لنا شيئاً مجموعاً مضموماً إلى بعضه فيه قوةوشدة وجمع، أما أعتدت فيه تفريق لأولاً (التاء غير الدال) ثم فيه تنويع بين الهمس والجهر كأنه يشير إلى التنويع كما في سورة يوسف مع النسوة)(وأعتدت لهن متكئا) أنه لم يكن من فراش أوجنس واحد ، لم يكن بساطاً. حينما كان تنويع في المجلسوالفراش: الوثير، الصعب، القوي، الشديد، الهيّن، الليّن بما يناسب التاء وبما يناسب الدال.
(أعتدنا):لم يستعمل القرآن أعددنا أبداً، وردت أعتدنا 13 مرة ولم يستعمل أعددنا مطلقا، أعدّ موجودة.
في سورة الكهف (إنا أعتدنا للظالمين ناراً) هنا النار فيها تنويع. لو قال في غير القرآن أعددنا يكون تكرار للحرف (د د) لكن أعتدنا (ت د) صار تنويعاً. حيثما وردت كلمة أعتدنا هناك تنويع في ثلاث عشرة آية لما يقرأها المسلم (أعتدنا لهم عذاباً أليما) (أعتدنا لهم ناراً) كل الآيات حيثما وردت في موضع أو موضعين يذكر (أعتدنا لهم سعيرا) سعيراً فقط لا يصفها. لما ننظر في كلمة سعير أولاً هم يقولون من أسماء النار ولكن هناك حذف, ولكن هي نار سعير مسعّرة أو مسعورة. السعير يعني النار التي تُسعّر هي التي تهيّج وتُلهِب. السعير هي اسم من أسماء النار لكن من يقول سعير (فعيل) بمعنى مفعول مثل أسير بمعنى مأسور وقتيل بمعنى مقتول. سعير كأنه مسعور لما نقول مسعور يعني مسعّر يعني مهيّج وملهب فيه تهييج وإلهاب فيها تنويع دائماً. لو قال في غير القرآن (أعددنا) يكون قد فك الإدغام, والعرب حريصة على الإدغام, يعنى لما يكون الحرف هو هو يكون قد فارق سنن العربية في كلامها بهذه الطريقة. لكن لو قال أعتدنا وافق سنن العرب أولاً في اختيار الفكّ وغيّر في الصوت: جعل هذا الصوت غير هذا الصوت حتى تشير إلى التنويع. لا نقول كلمة أعددنا في غير القرآن خطأ هذا كلام غير صحيح لكن لا تعطي فيها معنى التنويع لما نقول أعددت له كذا أو أعدّ له ليس فيها التنويع لا تحس التنويع وإنما تحسّ بالتكتل. التنويع مطلق أحياناً في العذاب نفسه وألوانه وأنواعه, منوّع.
لا شك أن العرب كانت تفهم الفوارق بين الأصوات لذا كان العربي يستعمل هذه الكلمة هناوهذه الكلمةهنا ويدرك ذلك. لم يكن هذا الاستعمال السامي الرفيع الذي نجده في القرآن بنفس هذه الصورة حتى في الشعر, لم نجده بهذه الطريقة. هم يتحسسونها ما كانوا يقولونها بهذه الطريقة فمن يسمعها يحس بذلك.
آية (31):
* في سورة البقرة يقول تعالى (وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ (25)) وفي الكهف يقول (أُوْلَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِّن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا (31)) فما الفرق؟(د.فاضل السامرائى)
من تحتها الكلام عن الجنة (وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَـذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (25) البقرة) ومن تحتهم يتكلم عن ساكني الجنة المؤمنين (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا (30) أُوْلَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِّن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا (31) الكهف)، الكلام على الساكن، على المؤمن. إذا كان الكلام على المؤمنين يقول (من تحتهم) وإذا كان الكلام على الجنة يقول (من تحتها). قد يقول بعض المستشرقين أن في القرآن تعارض مرة تجري من تحتها ومرة من تحتهم لكن نقول أن الأنهار تجري من تحت الجنة ومن تحت المؤمنين ليس فيها إشكال ولا تعارض ولكن الأمر مرتبط بالسياق عندما يتحدث عن المؤمنين يقول (من تحتهم). قبل آية الجنة تكلم عن المؤمنين (إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا) لما يكون الكلام على المؤمنين يقول (من تحتهم).وعندما يتكلم عن الجنة أكثر يقول (من تحتها).
*ما دلالة استعمال الوصف (متكئين) لأهل الجنة خاصة؟(د.فاضل السامرائى)
الاتّكاء غاية الراحة كأن الإنسان ليس وراءه شيء لأن الإنسان لو وراءه شيء لتهيّأ له ولم يتكئ. والاتّكاء في القرآن ورد مع الطعام والشراب ومع الجلسات العائلية, هذا أكثر ما ورد إلا في موطن واحد.
مثل قوله تعالى (هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ (56) لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ (57) يس) والاتكاء يحسُن في هذا الموضع. وقال تعالى (مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ (51) ص) يرتبط الاتكاء مع الطعام والشراب وكذلك في سورة الرحمن (مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ (54)) دائمايأتي في السياق ذكر الطعام والشراب.
الآية الوحيدة التي لم تأت فيها كلمة متكئين مع الطعام والشراب هي الآية في سورة الكهف (أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا (31)). ونلاحظ في هذه السورة أن الآية التي ليس فيها طعام وشراب سبقها قوله تعالى (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (28)) فكأن الله تعالى يخاطب الرسول (صلى الله عليه وسلم) الذي كأنه يريد القيام فصبّره الله تعالى فجاءت متكئين في الآية بعدها فكأنها مقابلة فهؤلاء المؤمنين في راحة وأراد تعالى أن يًصبّر رسوله (صلى الله عليه وسلم).
فالاتكاء غاية الراحة ولهذا وُصِف به أهل الجنة ولم يأت وصفهم بالنوم لأنه لا نوم في الجنة أصلاً. ووصِفوا في القرآن بأوصاف السعادة فقط يتحادثون فيما بينهم ويتذاكرون ما كان في الدنيا والاتكاء غاية الراحة والسعادة.
آية (33):
*قال تعالى:(وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا (33) الكهف) هل التفجير تشقق الأرض وخروج الماء أم جريان الماء من داخل الأرض؟(د.فاضل السامرائى)
التفجير هو إخراج الماء بغزارة,والانبجاس أقل من التفجير, والإخراج أقل
آية (37):
*ما الفرق بين (ثُمّ) و(ثَمّ) في القرآن الكريم؟(د.فاضل السامرائى)
ثُمّ بضمّ الثاء هي حرف عطف تفيد الترتيب والتراخي كما في قوله تعالى في سورة الكهف (قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً {37}). أما ثم بفتح الثاء تأتى بمعنى هناك(وإذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا(20)) الإنسان.
آية (38):
*ما دلالة (لكنّا) في الآية (لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا (38) )؟(د.حسامالنعيمى)
لكنّا فيها إدغام وهي أصلها في غير القرآن لكن أنا حذفت الهمزة فصارت لكن نا فصارت لكنا، وأنا عند الوقف أقول أنا (مفخمة) ولكن في غير الوقف أقول أنا كأن النون مفتوحة (أم أنا خير من هذا الذي هو مهين) الألف العرب من المتكلم تختلسها اختلاساً فتحولها إلى فتحة إلا في الوقف لا يجوز أنا في الوصل: أنا الذي فعلت هذا، (قال أنا خير منه). (لكنا هو الله ربي) عند الوقف تقول (لكنا مفخمة) إذا وقفت مثل ما تقول لكن أنا فهي مجموعة.
قصة صاحب الجنتين:
آية (40):
*قال تعالى:(فَعَسَى رَبِّي أَن يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِّن جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِّنَ السَّمَاء فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا (40) الكهف) ماذا تفيد عسى في الآية؟ وهل تفيد أنه دعا على صاحبه؟(د.فاضل السامرائى)
هذا رجاء.
* آية المال والبنون (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا (46) الكهف) هل الواو حرف عطف وهل حرف العطف يهتم بأن المال أهم من البنين أو أن المال يأتي أولاً لأجل البنون؟(د.فاضل السامرائى)
الواو هنا عاطفة وهذا يدخل في باب التقديم والتأخير, قدم المال على البنين هنا لأنه قال زينة الحياة الدنيا والزينة بالمال أظهر من البنين فقدم المال لأنه لما قال زينة قدم ما هو أدل على الزينة (وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ (6) الإسراء) وتقدم الأموال على الأولاد بحسب السياق. قال تعالى (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ (14) آل عمران) هنا أخرها (قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24) التوبة) أخر الأموال، لما يذكر مسألة الحب الفطري يؤخر الأموال لأن الأموال تترك للأبناء يعمل ويكد ويعلم أنه ميت ويترك الأموال للأبناء. أحياناً نرى كلمة متقدمة وفي موطن آخر نراها متأخرة كما مر بنا في النفع والضر.
الواو لها أغراض أخرى في اللغة غير العطف مثل واو القسم (والليل) واو الحال (إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إلى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ (8) يوسف) واو الاسئتناف، واو الثمانية قالها بعض النحاة ورفضها عموم النحاة وأنا شخصياً لا أقبلها.
آية (46):
*ما سر تقديم المال على البنون في قوله تعالى(الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَاوَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا(46))؟(د.حسامالنعيمى)
المال والأنفس والمال والبنون دائماً المال مقدم على البنين وعلى الأنفس. يتقدم ذكر المال على الأولاد وعلى الأنفس حيث وردا مجتمعين في القرآن الكريم, والسبب في هذاأن المال أظهر من الأولاد. يعني قديماً كان مال فلان يُرى: الأغنام والإبل وما أشبه ذلك والمال يمكن أن يفخر به الإنسان, وقد لا يفخر بأولاده فقد يكونا سيئين بحيث لا يستحقون أن يفتخر بهم. والمال هو الزينة أكثر من الأولاد (المال والبنون زينة الحياة الدنيا)زينة المال أظهر من زينة الأولاد وأوضح للناس والمجتمع: يرون المركب الفاره والقصر المنيف يرونه أكثر من رؤية الأولاد. لكن في موضع واحد وهذا يقتضي أن يُسأل عنه وفي سورة التوبة (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111)) قدّم الأنفس وسببه واضح لأن التعامل هنا مع الله ومع الله عز وجل وهذا ينبغي أن يقدّم الأسمى. تقديم المال في آية الكهف ليس لأنه أسمى ولكن لأنه أظهر وأوضح, أما في التعامل مع الله تعالى لا بد أن يقدم النفس. لا شك أن المناسب لما اشترطه الله سبحانه وتعالى لما كان قد وهبه ابتداءً أن يقدم الأعلى (الأنفس). حيثما ورد المال والأنفس يتقدم المال لأنه أظهر.
آية (49):
*متى تستعمل يا ويلتنا ويا ويلنا؟ (وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا (49) الكهف) و(قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ (31) القلم)؟(د.فاضل السامرائى)
الويل هو الهلاك عموماً والويلة هي الفضيحة والخزي. الويل هو الهلاك (ويل للمطففين)، (ويل لكل همزة)، (يا ويلنا إنا كنا ظالمين). (قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَـذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَـذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (72) هود) فضيحة قالت يا ويلتى ولم تقل يا ويلي، المرأة تقول يا ويلي وإذا أرادت الفضيحة تقول يا ويلتي. فإذن الويلة هي الفضيحة والخزي. (وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49) الكهف) سيفضحنا، كل الأفعال التي فعلوها ستظهر يا للفضيحة, وهناك أعمال هم لا يحبون أن يطلع عليها أحد وستفضحهم فقال (يا ويلتنا) لأن فيها أعمال وخزي وفضيحة وهم يحبون أن يستروها فقالوا (يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا). ورد على لسان ابني آدم (قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَـذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ (31) المائدة) يا للفضيحة والخزي والعار هذا الغراب فكّر أحسن مني. (يا ويلنا) هي ويل هلاك (ويل للمصلين) هذا للهلاك. إذن ويل للهلاك وويلة للفضيحة والخزي هذا في اللغة. ويلة تأتي يا ويلتى أو يا ويلتي أو يا ويلتنا للجمع. ويل تأتي ويل.
آية (50):
* (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ (50) الكهف) هل (كان) هنا بمعنى صار؟(د.فاضل السامرائى)
(كان) تأتي لمعاني كثيرة طويلة وليست بالبساطة التي يأخذها الطلبة. قد تأتي للانقطاع كأن تقول (كان نائماً، كان في البيت) أمر حصل وانقطع. وقد تأتي بمعنى الوجود على الأصل أي هو هكذا (وكان الإنسان عجولا) هذا ليس انقطاعاً، لم يكن عجولاً ثم صار عجولاً، يقولون هو بمعنى الوجود على الأصل أي هكذا وُجِد.
(كان من الجن) أي هكذا خُلِق على الأصل. في النحو هناك (كان) تامة و(كان) ناقصة. (كان من الجن) ناقصة تحتاج لاسم وخبر.
(كان) بحد ذاتها عند النُحاة فيها كلام طويل: “ما كان ليفعل، ما كان له أن يفعل”، فيها استعمالات خاصة بقية الأفعال لا تشابهها. أما (كان) تأتي تامة (إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون) ربنا يقول له صِر فيصير. (وإن كان ذو عسرة) بمعنى إن وُجِد. (كان) التامة بمعنى وُجِد لا تحتاج لاسم أوخبر (وذو تمام) وإنما تحتاج لفاعل.(إلا إبليس كان من الجن) هنا ليست بمعنى صار وإنما هو في أصل خلقته من الجنّ.
آية (54):
*ما الفرق بين قوله تعالى (وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآَنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا (89) الإسراء) وقوله (وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآَنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا (54) الكهف)؟(د.فاضل السامرائى)
قدم (للناس) على (في هذا القرآن) في الإسراء وأخّرها في الكهف وذلك لأنه تقدم الكلام في الإسراء على الإنسان ونعم الله عليه ورحمته به فقال (وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا (83) ) إلى أن يقول (وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلًا (86) إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيرًا (87) قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (88) ) فناسب تقديم الناس في سورة الإسراء.
ولم يتقدم مثل ذلك في سورة الكهف. ثم انظر في افتتاح كل من السورتين فقد بدأ سورة الكهف بقوله (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا (1) قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا (2) ) فقد بدأ السورة بالكلام على الكتاب وهو القرآن ثم ذكر بعده أصحاب الكهف وذكر موسى والرجل الصالح وذكر ذا القرنين وغيرهم من الناس، فبدأ بذكر القرآن ثم ذكر الناس فكان المناسب أن يتقدم ذكر القرآن على الناس في هذه الآية كما في البدء.
وأما في سورة الإسراء فقد بدأت بالكلام على الناس ثم القرآن فقد بدأت بقوله تعالى (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إلى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ (1) )ثم تكلم على بني إسرائيل ثم قال بعد ذلك: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (9) ) فكان المناسب أن يتقدم ذكر الناس فيها على ذكر القرآن في هذه الآية وهذا تناسب عجيب بين الآية ومفتتح السورة في الموضعين.
ثم انظر خاتمة الآيتين فقد ختم آية الإسراء بقوله (فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا (89) ) والكفور هو جحد النعم فناسب ذلك تقدم ذكر النعمة والرحمة والفضل ألا ترى مقابل الشكر الكفران ومقابل الشاكر الكفور قال تعالى (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3) الإنسان) فكان ختام الآية مناسب لما تقدم من السياق. أما آية الكهف فقد ختمها بقوله (وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا (54) ) لما ذكر قبلها وبعدها من المحاورات والجدل والمراء من مثل قوله تعالى (فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ (34) ) وقوله (قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ (37) ) وبعدها (وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ (56) ) وذكر محاورة موسى الرجل الصالح ومجادلته فيما كان يفعل. وقال (فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا (22) ) ولم يرد لفظ الجدل ولا المحاورة في سورة الإسراء كلها. فما ألطف هذا التناسق وما أجمل هذا الكلام!.
آية (57):
* ما الفرق بين الآيتين (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا (57) الكهف) (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا (22) السجدة)؟ (د.فاضل السامرائى)
نقرأ الآيتين حتى يتبين لنا سبب الاختلاف: آية الكهف (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِن تَدْعُهُمْ إلى الْهُدَى فَلَن يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا (57))، آية السجدة (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ (22)) بعدها (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلَا تَكُن فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَائِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ (23)) نحن نعرف من القواعد النحوية اللغوية أن الفاء تفيد الترتيب والتعقيب لا تراخي في الزمن و(ثم) تفيد الترتيب والتراخي (يعني مهلة من الزمن). معنى هذا أن وقوع الإعراض في آية الكهف أسرع منه في آية السجدة لأنه قال ذُكِّر فأعرض وهناك قال ذُكِّر ثم أعرض، إذن معنى ذلك أن الإعراض في آية سورة الكهف وقوعه أسرع هذا من حيث اللغة. ما الموجب لذلك؟ هو ذكر في آية الكهف أموراً تسرع في إعراضه لم يذكرها في آية السجدة، الإعراض واقع في عقب التذكير فقال: (ونسي ما قدمت يداه) (إنا جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه) (وإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذاً أبداً) هذا كله مما يسرع في إعراضهم، لم يقل هذا في السجدة ولم يذكر دواعي تُسرع في إعراضه كما ذكر في آية الكهف إذا قلنا لأي متخصص في اللغة ضع الفاء موضع ثم سيضعها في مكانها كما هي في القرآن الكريم، قانون تعبيري.
*(وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ (17) الجن) مرة يذكر الإعراض عن ذكر الله ومرة يذكر الإعراض عن الآيات (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا (57) الكهف) فهل هنالك فرق بين الإعراضين؟ (د.فاضل السامرائى)
الذكر في الغالب (وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ (17) الجن) يعني عن عبادته أو عن وحيه لكن الذِكر هو عام، (عَن ذِكْرِ رَبِّهِ) عن الوحي ولاحظنا أنه يذكر أحياناً (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا (124) طه) وأحياناً يذكر الآيات لكن من الملاحظ أنه لما يذكر الإعراض عن الذكر تكون العقوبة أشد، (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي) الذكر بمعنى الوحي، عن ذكري أي عن وحيي. الآيات ليست هي القرآن كله لو هنالك ثلاث آيات هي جمع لما يقول (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا (57) الكهف) لا يشمل كل القرآن فالذكر أعمّ من الآيات (ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (1) ص) و(وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ (44) الزخرف) الذكر أعم والآيات جزء من الذكر. الذكر له معاني لكن (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي (124) طه) يعني إما عن العبادة أو عن الوحي الذي جاء به الرسول والآيات قد تكون قسم من الذِكر والذي لاحظناه أنه لما يتكلم عن الإعراض عن الذِكر تكون العقوبة أشد يعني قال في الإعراض عن الآيات (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِن تَدْعُهُمْ إلى الْهُدَى فَلَن يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا (57) الكهف) ما عقوبة هؤلاء؟ لم يذكر العقوبة، (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ (22) السجدة) ما نوع هذا الانتقام؟ لم يذكر. لكن قال (كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آَتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا (99) مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا (100) خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا (101) يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا (102) طه) هنا فصل في العذاب، (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (126) طه) هذا تفصيل العذاب، (وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا (17) الجن) ولم يقل في الآيات مثل هذا التهديد. إذن لما يذكر الإعراض عن الذكر يذكر العقوبة أشد وهذا منطقي لأن الذكر أعم والآيات جزء من الذكر.
سؤال: إذا قرن العذاب بالجزء ينطبق على الكل لكن لما يقرن العذاب بالكل فهل ينسحب على الجزء؟
هو ذكر ما يتعلق بالإشارة (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي) هذا جزء من الذكر، الآيات جزء من الذكر فعندما يذكر الإعراض عن الذكر هل يجعله من المناسب أن يذكره كالإعراض عن آية واحدة؟ هل الإعراض عن الشريعة كلها كالإعراض عن جزئية من الشريعة؟ لا، هل العقوبة واحدة؟ لا، هل يصح أن تذكر العقوبة واحدة مع الإعراض عن الكل والإعراض عن الجزء؟ لا. لو فعل هذا لسألنا كيف يكون الإعراض عن الجزء كالإعراض عن الكل؟
*ما اللمسات البيانية في آيات سورة الكهف في قصة موسى مع الرجل الصالح أو الخِضر؟(د.حسام النعيمى)
الخضر أو الرجل الصالح ورد في الحديث أن اسمه الخِضْر قال بكسر الخاء وسكون الضاد وهذا هو الأفصح. وقد وجدت بين أيدينا مجموعة من الأسئلة تتعلق بهذه القصة فرأيت أن أبدأ بها ونمر على هذا السؤال.
تبدأ الآيات بقوله تعالى (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا)
*أولاً لِمَ قال (فتاه)؟ ما المقصود بالفتى؟
أصل القصة كما تذكرها الأحاديث الصحيحة أن موسى (صلى الله عليه وسلم) سُئل عن أعلم من في الأرض أو عن العلم فقال أنا, فقيل له أنت لا تعلم كل شيء، أوحى الله سبحانه وتعالى إليه أن علمك جزء من العلم وليس كل العلم فأراد أن يربّيه التربية الإلهية بالتطبيق كي يعلم أن هناك حيّزاً من العلم لم يُمنَحه وهو علم الغيب. أنت تعلم العلم الظاهر، علم الشرع. فوعده في مكان وقال خذ معك سمكة أو حوتاً في مِكتل وتذهب به إلى مجمع البحرين وهناك سيذهب الحوت، في المكان الذي سيذهب فيه الحوت ستجد الرجل الذي وعدتك به. هذه هي القصة. (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا) كان في هذا بيان لفتاه أنه قد يمضون زمناً طويلاً في رحلتهما. الآية لا تقول لنا إن الفتى وافق لكن المفهوم ضمناً من قوله تعالى (فلما بلغا مجمع بينهما) أنه كان معه.
أولاً كلمة (فتاه) هذه لمسة من القرآن الكريم في الوقت الذي كان هناك عبودية وتبعية الإنسان يكون تابعاً لغيره. الرسول (صلى الله عليه وسلم) ينهى أن يقول المرء عبدي أو أمتي وإنما يقول فتاي وفتاتي الفتى كأنه ابن. فكأن هذه لمسة إنسانية من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الذي هو رسول البشرية ورسول الإنسانية جميعاً. لا يقال خادمتي، عبدتي، عبدي، أمتي وإنما فتاي وفتاتي حتى هو الشخص العامل يحس بقيمته الإنسانية عند ذلك. فالقرآن يذكر هذا الكلام حتى يؤدّب قُرّاء القرآن كيف يتعامل مع الناس.
(لا أبرح حتى) هذه كلمة تقال لبيان الإصرار على الشيء: لا أبرح حتى أفعل كذا أي سأستمر على جهدي إلى أن أفعل هذا الأمر.
(مجمع البحرين) هو مكان يجتمع فيه بحران مع مراعاة أن العرب تسمي النهر الكبير بحراً: النيل في لسان العرب بحر، والفرات في لسان العرب بحر ودجلة في لسان العرب بحر. لكن لما يأتي إلى الأنهار الصغيرة يقول نهر. قد يسميه نهراً أو قد يسميه اليمّ, وقد يطلق اليم على البحر أو على النهر الكبير. هناك إذن نقطة التقاء أو قد تكون نقطة افتراق؛ لأن المكان الذي يجتمع فيه فرعان. الإنسان يمكن أن يتخيل ما شاء الله مع مراعاة المكان الذي عاش فيه موسى (صلى الله عليه وسلم): هو عاش في مصر، فلسطين وسيناء. لكن ليس فيه فائدة وما عندنا دليل على وجه التحديد أنه هذا لكن هناك مؤشرات لما يقول مثلاً: السفينة وجاء عصفور فنقر نقرة في الماء معناه أن الماء حلو لأن العصفور لا ينقر من ماء مالح, فهو إذن ماء حلو أو في الأقل ماء مخلوط. لا نطيل أين هذان البحران؟ لا فائدة من ذلك.
(أو أمضي حقبا) الحقب جمع حِقبة, والحقبة هي مدة من الوقت, قسم يقول سنة وقسم يقول ليس لها وقت محدود, كأنه يقول سأمضي إلى ما لا نهاية أيأوقاتاً أو دهوراً أو زماناً مفتوح. (لابثين فيها أحقابا) أي أزمنة طويلة قد لا تكون محسوبة. هذا حتى يُعلِم الفتى بما ينتظره حتى لا يُغش أنه المكان قريب وتأتي معي. لا، وإنما هناك مرحلة طويلة سأسلكها، فيه نوع من التخيير إن شئت أن تمضي معي وإن شئت فلا. هذا الإصرار ينبغي أن يعلمه المصاحِب له. لا ينبغي أن يخدعه أو أن يغشّه، هو معه يخدمه، إذن ينبغي أن يعلم من معك أين تريد.
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيم :
(وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا (60)الكهف)
وهذه هى قصة تلك الآية الكريمة وما تلاها من آيات في سورة الكهف كما جاءت في صحيح البخاري حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ أَخْبَرَنِى سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ قَالَ قُلْتُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ : إِنَّ نَوْفاً الْبِكَالِىَّ يَزْعُمُ أَنَّ مُوسَى لَيْسَ بِمُوسَى بَنِى إِسْرَائِيلَ ، إِنَّمَا هُوَ مُوسَى آخَرُ . فَقَالَ : كَذَبَ عَدُوُّ اللَّهِ ، حَدَّثَنَا أُبَىُّ بْنُ كَعْبٍ عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : « قَامَ مُوسَى النَّبِىُّ خَطِيباً في بَنِى إِسْرَائِيلَ ، فَسُئِلَ أَىُّ النَّاسِ أَعْلَمُ ؟ فَقَالَ : أَنَا أَعْلَمُ . فَعَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ ، إِذْ لَمْ يَرُدَّ الْعِلْمَ إِلَيْهِ ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ : أَنَّ عَبْداً مِنْ عِبَادِى بِمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ . قَالَ : يَا رَبِّ وَكَيْفَ بِهِ ؟ فَقِيلَ لَهُ : احْمِلْ حُوتاً في مِكْتَلٍ فَإِذَا فَقَدْتَهُ فَهْوَ ثَمَّ ، فَانْطَلَقَ وَانْطَلَقَ بِفَتَاهُ يُوشَعَ بْنِ نُونٍ ، وَحَمَلاَ حُوتاً في مِكْتَلٍ ، حَتَّى كَانَا عِنْدَ الصَّخْرَةِ وَضَعَا رُءوسَهُمَا وَنَامَا ، فَانْسَلَّ الْحُوتُ مِنَ الْمِكْتَلِ ( القفة الكبيرة ) ، فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ في الْبَحْرِ سَرَباً ، وَكَانَ لِمُوسَى وَفَتَاهُ عَجَباً ، فَانْطَلَقَا بَقِيَّةَ لَيْلَتِهِمَا وَيَوْمِهِمَا فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ : آتِنَا غَدَاءَنَا ، لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَباً ، وَلَمْ يَجِدْ مُوسَى مَسًّا مِنَ النَّصَبِ حَتَّى جَاوَزَ الْمَكَانَ الَّذِى أُمِرَ بِهِ . فَقَال لَهُ فَتَاهُ : أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إلى الصَّخْرَةِ فَإِنِّى نَسِيتُ الْحُوتَ ، قَالَ مُوسَى : ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِى ، فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصاً ، فَلَمَّا انْتَهَيَا إلى الصَّخْرَةِ إِذَا رَجُلٌ مُسَجًّى بِثَوْبٍ – أَوْ قَالَ تَسَجَّى بِثَوْبِهِ – فَسَلَّمَ مُوسَى . فَقَالَ الْخَضِرُ : وَأَنَّى بِأَرْضِكَ السَّلاَمُ ؟ فَقَالَ : أَنَا مُوسَى . فَقَالَ : مُوسَى بَنِى إِسْرَائِيلَ ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالَ : هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِى مِمَّا عُلِّمْتَرَشَدًا؟ قَالَ : إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِىَ صَبْراً ، يَا مُوسَى إِنِّى عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ عَلَّمَنِيهِ لاَ تَعْلَمُهُ أَنْتَ ، وَأَنْتَ عَلَى عِلْمٍ عَلَّمَكَهُ لاَ أَعْلَمُهُ . قَالَ : سَتَجِدُنِى إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا ، وَلاَ أَعْصِى لَكَ أَمْرًا ، فَانْطَلَقَا يَمْشِيَانِ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ لَيْسَ لَهُمَا سَفِينَةٌ ، فَمَرَّتْ بِهِمَا سَفِينَةٌ ، فَكَلَّمُوهُمْ أَنْ يَحْمِلُوهُمَا ، فَعُرِفَ الْخَضِرُ ، فَحَمَلُوهُمَا بِغَيْرِ نَوْلٍ ( أجر ) ، فَجَاءَ عُصْفُورٌ فَوَقَعَ عَلَى حَرْفِ السَّفِينَةِ ، فَنَقَرَ نَقْرَةً أَوْ نَقْرَتَيْنِ في الْبَحْرِ . فَقَالَ الْخَضِرُ : يَا مُوسَى ، مَا نَقَصَ عِلْمِى وَعِلْمُكَ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ إِلاَّ كَنَقْرَةِ هَذَا الْعُصْفُورِ في الْبَحْرِ . فَعَمَدَ الْخَضِرُ إلى لَوْحٍ مِنْ أَلْوَاحِ السَّفِينَةِ فَنَزَعَهُ . فَقَالَ مُوسَى : قَوْمٌ حَمَلُونَا بِغَيْرِ نَوْلٍ ، عَمَدْتَ إلى سَفِينَتِهِمْ فَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا ؟ قَالَ : أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِىَ صَبْرًا؟ قَالَ : لاَ تُؤَاخِذْنِى بِمَا نَسِيتُ. فَكَانَتِ الأُولَى مِنْ مُوسَى نِسْيَاناً . فَانْطَلَقَا فَإِذَا غُلاَمٌ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ ، فَأَخَذَ الْخَضِرُ بِرَأْسِهِ مِنْ أَعْلاَهُ فَاقْتَلَعَ رَأْسَهُ بِيَدِهِ . فَقَالَ مُوسَى : أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ ؟ قَالَ: أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِىَ صَبْرًا؟ – قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ : وَهَذَا أَوْكَدُ – فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا ، فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا ، فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ. قَالَ الْخَضِرُ بِيَدِهِ فَأَقَامَهُ . فَقَالَ لَهُ مُوسَى : لَوْ شِئْتَ لاَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا . قَالَ : هَذَا فِرَاقُ بَيْنِى وَبَيْنِكَ» . قَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم « يَرْحَمُ اللَّهُ مُوسَى ، لَوَدِدْنَا لَوْ صَبَرَ حَتَّى يُقَصَّ عَلَيْنَا مِنْ أَمْرِهِمَا » .
بعد عرض هذه القصة الرائعة والتي أمدنا الله الكريم فيها بالكثير من الدروس والعبر ونلاحظ فيها عدم صبر سيدنا موسى عليه السلام بعد أن تعهد وقال سَتَجِدُنِى إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا ، وَلاَ أَعْصِى لَكَ أَمْرًا ،كذلك عدم صبر سيدنا الخضر على سيدنا موسى بعد أن أخذ منه العهود والمواثيق بعدم السؤال فما لبث أن قال له بعد أن سأله سيدنا موسى عليه السلام عن تفسير أعماله ثلاثة مرات : هَذَا فِرَاقُ بَيْنِى وَبَيْنِكَ والآن بعد أن أخذ عليك الله الكثير من العهود والمواثيق وتفضل عليك بالكثير الكثير من النعم و تعصاه و تعصاه بعد ذلك بعد أن قلت مراراً و تكراراً وَلاَ أَعْصِى لَكَ أَمْرًا ثم تتوب إليه فهل في أي مرة من مرات عصيانك لله وعدم التزامك شرعه و أوامره قال الله لك : هَذَا فِرَاقُ بَيْنِى وَبَيْنِكَ لم يحدث أبدا سبحانك ربنا ما أرحمك بنا و صبرك علينا مع تقصيرنا.
هذه اللفتة الجميلة ذكرها الشيخ الجليل / عمر عبد الكافى في برنامج هذا ديننا على قناة الشارقة.
* لماذا قال بينِهما وما قال بينَهما؟
(مجمع بينِهما): كلمة بين بكسر النون تشير إلى المساحة التي اجتمع فيها البحران.لكن هذه المساحة تابعة لكلا البحرين لأن يكون هناك اختلاط بين مياه البحرين، فهو بينٌ لهذا وبينٌ لهذا فجمعه بكلمة بينِهما.. لما نرجع إلى أصل كلمة البين هي بمعنى البِعاد والمفارقة ومنه قول الشاعر في مدح الرسول (صلى الله عليه وسلم):
(بانـــــت ســـــــعـــاد فقلبي اليوم متبول).
معنى الفصل أن يكون فاصلاً.هذا الفاصل جعله للبحرين لأن كل واحد منهما له جزء منه لأن هذا ماء والماء يختلط حتى إذا كان ملح وحلو يكون هناك منطقة مختلطة سماها القرآن الكريم (برزخ) هذا البرزخ منطقة الاجتماع بينهما، هناك فاصل منطقة مختلطة (بينهما برزخ لا يبغيان) لا يكون هناك خلطٌ كامل.
(مجمع بينهما) جعل البين واحداً وفي مكان آخر جعله بينين.(هذا فراق بيني وبينك) جعل لكلٍ بيناً, لكن هنا جعل بيناً واحداً. ليس من السهل أن تفصل بين هذا عن بين, ولذلك جاءت على هذه الصيغة. لهذا نقول كل كلمة في القرآن هي في موضعها في كتاب الله عز وجل.(نسيا) لماذا استعمل التثنية في النسيان؟ ممكن إذا جاء اثنان تابع ومتبوع أن المتبوع يتكلم باسم الاثنين: ذهبنا أنا وهذا، هو يتكلم باسمه لكن يبدو هنا أن النسيان بمعنيين: موسى (صلى الله عليه وسلم) نسي والفتى نسي لكن نسيان موسى (صلى الله عليه وسلم) غير نسيان الفتى؛ موسى (صلى الله عليه وسلم)يعلم أن لُقياه لهذا الرجل يكون عن طريق ذهاب الحوت فلما أمضيا الليل في هذا المكان عند الصخرة ويُفترض أنه في الصباح قبل أن يغادر أن يسأل عن الحوت هل بقي أو ذهب لأن علامة لقياه أن يذهب الحوت في البحر مع أن الحوت كان مشوياً وأكلا منه في الطريق، هذه معجزة. فنسيان موسى (صلى الله عليه وسلم) نسي ليس بمعنى حدث شيء ولم يتذكره وإنما غفل عن ذكره أو أهمله، نوع من إهمال الشيء كما قيل في القرآن الكريم (كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تُنسى) أي أهملتها.أما نسيان الفتى أنه وموسى (صلى الله عليه وسلم) نائم، هو رأى عجباً رأى هذا الحوت يقفز من المِكتل وهو مشوي ومأكول منه يقفز إلى الماء ويمضي في الماء بشكل سريع بحيث يكوّن (سربا) الرسول (صلى الله عليه وسلم) حلّق بين أصابعه, يعني صنع نفقاً من الماء بسرعة بحيث صار الماء نتيجة سرعته كأنه نفق, وهذا معنى سرب نفق الماء، وهذا لا يُنسى. فإذن هذا الحادث وقع وكان ينبغي لما يستيقظ موسى (صلى الله عليه وسلم) أن يحدّثه الغلام بما حدث لأنه أمر عظيم لكنه نسي وغاب عنه. فنسيان موسى (صلى الله عليه وسلم) غير نسيان الفتى لكن كلاهما نسي وكلٌ نسي بما يناسبه من النسيان.
(فلما جاوزا ) مضيا ويبدو أنهم مشيا مسافة وظهر عليهما التعب في أوائل شروق الشمس لأن الغداة في اللغة هو غير ما نستعمله نحن الآن(وقت الظهيرة) ولكن ما بين الفجر وشروق الشمس.الغداء أول وجبة يتناولها العربي في وقت الغدوة بين الفجر وشروق الشمس (بالغدو والآصال). الغداء قبل أومع شروق الشمس. الإفطار يكون بعد الصيام. فقال (آتنا غداءنا) معناه هو خرج بعد الفجر أو قبيل الفجر لا ندري المهم ناما وقتاً أو بعضاً من الليل ثم سارا إلى أن أُنهِكا فقال نأكل هذا الأكل. (آتنا غداءنا) تذكر الفتى. أُنظر كيف يعلمنا القرآن الرقة مع الناس مع أنه متعب لم يفقد أسلوب الرقة والمجاملة مع فتاه: كما يقول له يا ولدي آتنا بالطعام.فالفرق بين آتنا وأعطنا: العين والألف والألف هو مجرد هواء يهتز معه الوتران فيكون ألفاً، العين حرف حلقي ومجهور يهتز معه الوتران وله مخرج معيّن فأقوى. فالعين أقوى من اللام ولذلك لما تكلم عن شيء قوي قال (إنا أعطيناك الكوثر) الكوثر شيء عظيم فاحتاج الحرف القوي لكن آتنا فيها نوع من الرقة واللين. (لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا) هذا مؤكد أنه ظهر عليه التعب الشديد بوجود اللام و(قد): (قد للتحقيق واللام للتأكيد) كأنه قَسَمٌ محذوف: والله لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا). (نصبا) النصب هو أشد التعب. هذا كلام موسى (صلى الله عليه وسلم) أنه تعب.
الآن تذكر الفتى فقال (أرأيت) كلمة أرأيت صيغتها صيغة سؤال وحقيقتها تعجيب. يعجّبه من هذا الشيء. أرأيت إلى كذا؟ بمعنى اعجب من أمري.مثل: (أرأيت الذي ينهى عبداً إذا صلى).(أرأيت الذي يكذب بالدين). لأنه سيذكر له أمراً عجباً. لما يقول (صلى الله عليه وسلم) في الحديث الشريف “فاظفر بذات الدين تربت يداك” تربت يداك في المعجم تعني تعفّرت يداك بالتراب ولكنها في الحديث تعنى ربحت وفُزت. ولذلك نقول دائماً أن الذي يحكم هوالسياق. (أوينا إلى الصخرة) احتميا بصخرة وناما. (فإني نسيت الحوت) هذا النسيان الحقيقي هو لم ينسى الحوت وإنما نسي أن يخبر موسى(صلى الله عليه وسلم) بأمر الحوت، فيها اختصار. هل كان الفتى يعلم أن العلامة ذهاب الحوت.؟ لا بد أنه أخبره بالأمر لأنه ما دام السفر طويلاً ولا يعلم مداه فلا بد أن يكون موسى قد أعلم فتاه بهذه الدلالة من دلالة قوله (أو أمضي حقبا) فأنت تستطيع أن تتخلى عني وتقول أن هذا الشرط لا أستطيعه. ونسب النسيان لنفسه نوع من الأدب لأن موسى (صلى الله عليه وسلم) أيضاً نسيه. لم يقل الفتى: أنت تسألني عنه لأن الموعد عند ذهاب الحوت في الماء ونحن نمنا عند الماء فكان تسألني، لكن نسبه لنفسه نوع من التأدب.
(وما أنسانيهُ):جمهور العرب قالوا أنسانيهِ (13 راوياً قرأها إنسانيهِ). المصحف الذي بين أيدينا برواية حفص وحفص قرأ أنسانيهُ.الضمة قطعاً أثقل الحركات أثقل من الكسرة فلما كان الأمر ثقيلاً : نسيان سمكة مشوية مأكول منها تدخل في البحر بهذه الصورة ويُنسى بهذا الشكل شيئاً ثقيلاً فجاءت الضمة، استخدموا الحركة الثقيلة للإخبار عن أنسانيهُ. فناسب ثِقل الضمة ثِقل الواقعة.هذه أندر حالات النسيان فجاء بأندر حالات التعبير لأندر حالات النسيان.
هذا شيء عجيب.(أنسانيهُ) مبني على الضم وكُسِر للمجانسة وننظر في مكانه من الإعراب في محل نصب مفعول به.(واتخذ سبيله في البحر عجبا) ذكر التعجب هنا.
(ذلك ما كنا نبغِ): يعني هذا الذي وقع من أمرالحوت هو الذي كنا نبغيه. (نبغِ) يفترض أن يكون فيها ياء: بغى يبغي. الياء هنا في الخط حُذِفت مع أن كُتّاب المصحف أثبتوها في موضع آخر(ستجدني، ولا أعصي). كذلك (تعلّمنِ) حذف الياء. فهنا اختلس الياء أياختصرها، لم يشبعها وهكذا قرأها الرسول (صلى الله عليه وسلم).وهنا هو مستعجل على الرجعة يريد أن يعود إلى هذا الرجل فاختصروأسرع في الكلام(نبغِ فارتدا) على سرعة فناسبها سرعة نطق الكلمة بعدم إشباع للياء لأن معناها واضح وهو نوع من الاختصار.
(على آثارهما قصصا) يقصّان الأثر يتتبعانه حتى لا يضيعا،هما رجعا إلى الصخرة فوجدا الرجل. لم يذكر القرآن من أين جاء الرجل؟ أهو نبي مرسل؟ ملك؟ ما ذكر لنا شيئاً.
*ما الفرق بين (رحمة منا) و(رحمة من عنده)؟(د.فاضل السامرائى)
في القرآن يستعمل رحمة من عندنا أخص من رحمة منا، لا يستعمل رحمة من عندنا إلا مع المؤمنين فقط أما رحمة منا فعامة يستعملها مع المؤمن والكافر.
رحمة منا:عامة مثل قوله تعالى (وَإِن نَّشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ وَلَا هُمْ يُنقَذُونَ (43) إِلَّا رَحْمَةً مِّنَّا وَمَتَاعًا إلى حِينٍ (44) يس)و(فَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِّنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ (49) الزمر)عامة،(وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِّنَّا مِن بَعْدِ ضَرَّاء مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً (50) فصلت) عامة.
(من عندنا):يستعملها خاصة قال على سيدنا نوح (وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِه (28) هود)،(فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا (65) الكهف)(وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (84) الأنبياء). حتى (نعمة منا) و (نعمة من عندنا)، يستعمل (منا) عامة و (نعمة من عندنا) خاصة.
* النبي واحد والرب واحد وأحياناً الموقف واحد ولكن قد يتغيرالسياق فلماذا هذا التغير؟(د.فاضل السامرائى)
هل حصل تناقض رحمة منا أو رحمة من عندنا؟ من أين الرحمة؟ الضمير عائد على الله سبحانه وتعالى, إذن ليس هناك تناقض لكن الاختيار بحسب السياق، اختيار المفردات بحسب السياق لا تتناقض القصتان لكن اختيار الكلمات بحسب السياق الذي ترد فيه.
* ما الفرق بين (من عندنا) و(من لدنا) في سورة الكهف ؟وما الفرق بين عباد وعبيد؟
(فوجدا عبداً من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلّمناه من لدنا علما): في الحديث الشريف أن اسمه الخِضْر. سنقف عند كلمة عبد، عباد، عبدنا، لدنا كلها فيها لمسات:
كلمة عبد في اللغة تعني إنساناً سواء كان مملوكاً أو حُرّاً.(عبداً) ما قال بشراً أو إنساناً لأنه يريد أن يربطه بالعبودية لله تعالى وهي أسمى المراتب للبشر كما قال تعالى (سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً) في أروع المواطن سمّاه عبداً. جمع عبد: عبيد وعباد. كان يمكن أن يقول عبيدنا لكن جرى استعمال الناس كلمة عبيد للمملوكين وعباد لعباد الله. والله سبحانه وتعالى يريد أن يُكرم هذا الإنسان فاستخدم له كلمة عباد (عبادنا). وهذا يعطينا اهتمام القرآن الكريم لاستعمال الناس. كلها في الأصل جمع لكلمة عبد الذي هو إنسان ويمكن أن يكون مملوكاً. كلمة عباد من الدرس الصوتي فيها ِعزة وشموخ والياء في عبيد فيها انكسار وخضوع وهبوط. كان العرب يدركون هذا لأن هذه لغتهم ولذا وقفوا عاجزين أمام القرآن الكريم.(عبداً من عبادنا) إكراماً له أنه من عبادنا.
(آتيناه) الإيتاء غير الإعطاء لأن فيها رفق وتلطف ولين. آتي وأعطى متقاربة في المعنى لكن العين أقرب من الهمزة التي آلت إلى ألف في آتى أصلها أأتى مثل أأدم صارت آدم, يقولون نقلت الحركة إلى الهمزة التي قبلها وحُذِفت أو قُلِبت ألفاً ولكنها في الحقيقة أسقطت الهمزة ومدّ الصوت بالحركة التي قبلها فصارت ألفاً.
(آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما)) كلمة عند ولدن معناهما متقارب لكن هناك فرق دقيق في اللغة: لدن أقرب من عند وفيها قرب مكاني. قد تستعمل (عند) للشيء البعيد: يقال عندي مال والمال يسرح في البرية، وتقول عندي إبل لكن لا تقول: لدني إبل.والفرق بين عند ولدن في مسافة القرب من المتكلم.عندما نتكلم عن الله سبحانه وتعالى يُنزّه في مسألة المكان لكن تكون مسألة القرب معنوية. قرب (عند) غير قرب (لدن) لذلك قال موسى (قد بلغت من لدني عذرا) أي من أعماقي. لم يقل من عندي لأن لدن أقرب. (رحمة من عندنا) الرحمة واسعة ممدودة فاستعمل لها (عند). (من لدنا علما) لأنه علم الغيب خاص بالله والغيب لدنه سبحانه وتعالى. ولا يقال عنده. في غير القرآن يمكن أن نقول (من عندنا علما). أما الرحمة شاملة واسعة ولو عكس لا يستقيم المعنى لأن الرحمة ليست خاصة بالخِضْر وإنما هي عامة: موسى يدخل فيها وغيره من البشر يدخل فيها. أما علم الغيب فخاصٌ بالخِضْر أوحاه الله سبحانه وتعالى إليه وعلّمه إياه ولم يكن يعلمه.
*ما هو العلم اللدُّنّي (فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا (65) الكهف)؟
العلم اللدني هو مصطلح للمتصوفة يستعملونه بينهم ويشيرون بذلك إلى أن هذا الصوفي أو هذا المتصوف بلغ من مراتب التقرب إلى الله سبحانه وتعالى والانصراف إليه أن الله تعالى أطلعه على علم لم يطلع عليه غيره. وهم يبنون هذا على ما جاء في سورة الكهف في قصة موسى (صلى الله عليه وسلم) مع صاحبه الرجل الصالح الذي أرسله الله تعالى إلى موسى (صلى الله عليه وسلم) والشيطان في كثير من الأحيان يدخل إلى الإنسان ويوحي له بأشياء بحيث يظن أنه وصل من أجلها إلى العلم اللدني أو العلم الذي لم يعطى إلى الآخرين حتى إلى الأنبياء وبعض الصوفية يصل بهم الحال إلى هذا الحد إذا لم يكن عارفاً بالشريعة (وهناك قسم يفرقون بين الشريعة والحقيقة) وبعضهم قد يستزله الشيطان بحيث يعطّل عباداته فيتوقف عن العبادة بحجة أنه وصل إلى درجة لا يحتاج للعبادة لأنه عنده علم لدني, هذا بالنسبة للمصطلح. وكلمة لدني (من لدن الله تعالى) أي أن هذا العلم من عند الله تعالى وليس من الكسب الشخصي ويقال لدني أي من لدن الله كلمة لدني منسوبة إلى لدن الله تعالى عز وجل (والياء ياء النسب).
*صفات الرسول في القرآن (رحمة للعالمين) وصفات العبد الصالح في سورة الكهف (وآتيناه من لدنا رحمة) فما الفرق ؟
الرجل الصالح (آتيناه رحمةمن عندنا) أُعطي رحمة وعلماً والرسول وُصِف بأنه (بالمؤمنين رؤوف رحيم) أعطاه الله عز وجل صفتين من صفاته أكرمه بهما(رؤوف ورحيم) فهو رحمة للعالمين أي كله رحمة ورأفة بخلاف العبد الصالح أُعطي من الرحمة والعلم.أن يُعطى الإنسان شيئاً غير أن يكون إنسان آخرهوالشيء كله هناك فارق.
*هل ذهب الفتى مع موسى في الرحلة؟
لم يذكر أن الفتى ذهب مع موسى (صلى الله عليه وسلم) والخِضر لأن صار الكلام بالمثنى (فانطلقا، فذهبا) ولم يقل فانطلقوا، معناه أنه إلى هذا الحد فتى موسى (صلى الله عليه وسلم) لم يعد معه وموسى (صلى الله عليه وسلم) صار كأنما هو فتى لهذا الرجل وهو التابع. لم يُذكر الفتى، من هنا تبدأ الآيات تُغفِل ذكره وصار لما يُتحدث عن هؤلاء الناس الذين ذهبوا في السفينة يتحدث بالمثنى.
*ما اللمسة البيانية في النفي القطعي (لن تستطيع) في الآية (إنك لن تستطيع معيَ صبرا) وفي (معيَ)؟
(قال له موسى هل أتبعك على أن تعلّمن مما علمت رشدا): هو يعلم أن له موعداً مع هذا الرجل وأنه سيتعلم منه لكن مع ذلك لم يقل له أنا عندي علم إني سأرافقك,وهذا نوع منأدب التعلّم.(هل أتبعك)هذا السؤال المؤدب، يريد إذناً منه بالاتّباع مع أنه يعرف أنه سيتبعه ويكون معه وهذا أدب التعلم في الإسلام. وجعل من نفسه ابتداءً تابعاً بشرط أني أتّبعك وأخدمك حتى أتعلم وهذا التعلم هو الذي سار عليه سلفنا الصالح, فينبغي أن يكون لدينا أدب التلمذة وأدب التعلّم.
(على أن تعلمنِ) هذا الذي أريده لنفسي واشترطه لنفسي، إذن موسى (صلى الله عليه وسلم) يعلم أن هذا الرجل معلَّم قد عُلِّم شيئاً لم يعلمه موسى (صلى الله عليه وسلم)فأريد أن أتعلم ما عُلّمت. (أن تعلمنِ مما علمت رشدا) ما يؤدي بي إلى الرشاد, وقدّم الجار والمجرور للاهتمام بهوللعناية بهذا الذي عُلِّمه لأنه حريص على العلم ويعلم أنه سيكون رشداً. هنا كلمة (تعلمنِ) هذه قراءة وعندنا قراءات أخرى (تعلمني) بالإشباع. نسأل أيضاً لمَ اختلس وقال: تعلمنِ؟ ليس هنا موضع سرعةولكن حتى يعطي صورة لمحاولة تضاؤل التلميذ أمام شيخه فما قال تعلمني أنا. قابل هذا الأدب أدب من المعلِّم في قوله تعالى (معيَ صبرا) ما قال معي بالمدّ لأنه وجده مهذباً مؤدباً يصغّر من نفسه فتواضع معه أيضاً. فضمير المتكلم هنا جاء مقتضباً لأن (معي) فيها مدّ، الياء مدية أما (معيَ) الياء ليست مدّية وإنما قيمتها قيمة حرف صامت ولذلك تحملت الحركة (معيَ) مثل الباء والكاف ومثل أي حرف فليس فيه ذاك المدّ. فهو إذن ناسب (تعلمنِ) (معيَ). هم يقولون الفتحة لتخفيف المدّ بدل أن يمدّ يخفف مدتها هكذا فيقول: معيَ. والقبائل تتصرف بما يناسب المعنى والصوت. والقرآن جاء بلسان القبائل تيسيراً من الله سبحانه وتعالى على هذه الأمة بدعاء رحمة الأمة (صلى الله عليه وسلم) دعا ربه وطلب أن يخفف عن أمته فلا يلزمهم بحرف واحد. وجاء هذا البيان من القبائل.
*من أين علِم الخِضر أن موسى لن يستطيع صبرا بحيث قال له (إنك لن تستطيع معيَ صبرا)؟
موسى (صلى الله عليه وسلم) من أهل هذه الدنيا وصاحب شريعة، صاحب نظام حياة لزمانه فهو يعامل الأمور على ظاهرها وعندنا: إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان. نحكم على الناس بالظاهر ولا نقول هذا دخيلته كذا. فموسى (صلى الله عليه وسلم) يعلم الظاهروالخِضرأُعطي في هذه الجزئيات علم الغيب. فلا يمكن أن يصبر موسى (صلى الله عليه وسلم) على شيء مخالف للشريعة فيما يراه لأنه في الظاهر مخالفات شرعية, ولذلك كان الخضر مطمئناً أن موسى (صلى الله عليه وسلم) لن يصبر ولا سيما أن طبيعة موسى (صلى الله عليه وسلم)فيها شيء من الانفعال. فرق عظيم بين الرسل، بين رسول ورسول: محمد (صلى الله عليه وسلم) يُضرب بالحجارة ويقول: اللهم اهد قومي”، موسى (صلى الله عليه وسلم) شديد عنده نوع من الشدة: رجل من شيعته (فوكزه موسى فقضى عليه) بلكمة قضى عليه، وثم مرة ثانية أراد أن يبطش بالذي هو عدو لهما (لن أكون ظهيراً للمجرمين). لذلك سنجد أن عجلة موسى وشدته في قوله تعالى (إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني) سددت على نفسك المنافذ.
(لن تستطيع معيَ صبرا): العلم الذي عند موسى (صلى الله عليه وسلم) هو علم ظواهر الأشياء والعلم الذي عند هذا الرجل الصالح هوعلم الغيب ولاموسى ولاغيره يملك شيئاً من علم الغيب إلاإذاعلّمه الله عزوجل ذلك.(ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء) إذن ما كان الرسول (صلى الله عليه وسلم) يعلم الغيب إلا بمقدار ما يعلّمه الله عز وجل. فمن هنا جاءت ثقة الخِضر أن موسى لن يستطيع معه صبرا. والخضر يعلم أن هذا نبي الله موسى (صلى الله عليه وسلم) لأنه قيل له ذلك وعلم من سيقابل وكيف سيكون معه؟ إنسان من هذه الأرض وهو ملتزم بالشريعة لا يمكن أن يسكت على هذا الذي فعله الخضر، موسى (صلى الله عليه وسلم) نُبِّه ولذا نقول عنده نوع من الاستعجال في تصرفه فقال له (إنك لن تستطيع معيَ صبرا) وبيّن له (وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا) شيء لا تعلمه لا تعلم بواطنه لا تسكت عليه. قال: (ستجدني) ذكر الياء كاملة لأنه موطن معاهدة وينبغي أن يُظهر بشخصيته الكاملة (ستجدني إن شاء الله صابراً) علّق الأمر على المشيئة، (ولا أعصي لك أمرا) أيضاً مجال عهد أنه سأكون تابعاً لك كأي تابع.(ستجدني، أعصي) هنا موطن معاهدة هذا شخصي كاملاً أعاهدك على هذا. هذا في الدرس الصوتي كيف توظيف الأصوات من إطناب، إيجاز، إطالة، اختلاس الصوت، مدّ الصوت، لذلك هذه المدود التي يتكلم عنها علماء التجويد مدّ حركتين أو أربعة أو ست لها دخل بإيحاء المعنى. صوت المعنى يكون نوع من الظلال للمعنى والإيحاء للفظ، المعنى اللفظي معلوم لكن يكون هناك إيحاء وظلال للفظ.
(فإن إتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا): اشترط عليه شرطاً: أنت تريد أن تتبعنيفلا تسألني ولم يقل فإن اتبعتنيَ فلا تسألنيَ بفتح الياء.ما اختصر لأنه في مكان معاهدة وفي المعاهدة كل شخص يكون بكيانه.
*ما الفرق بين الإمر والنُكر؟
(فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا (71)) ( فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا (74))
الإمر الشيء العظيم الذي يأمر الناس بعضهم بعضاً بعدم فعله، بينما النُكرهو شيء منكر عظيم تنكره الفطرة والشرائع ولهذا جاء مع القتل. ومما يأمر الناس بعضهم بعضاً أنه من أحسن إليك لا تسيء إليه ولا تعرّض الآخرين للخطر.
قد يقول قائل: إغراق مَنْ في السفينة أكثر من قتل نفس لكن الإغراق غير متحقق لأنه قال (أخرقتها لتغرق أهلها) هذه اللام هنا لام العاقبة أو لام النتيجة كما قال تعالى: (فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدواً وحزنا), هم ما التقطوه لهذه الغاية لكن نتيجة التقاطه سيكون كذا.والعبد الصالح لم يخرق السفينة ليغرق أهلها ولكنه تصور موسى (صلى الله عليه وسلم) أنه سينجم عن خرقها إغراق أهلها. إضافة إلى ذلك يبدو أن السفينة لم تكن في عرض البحر ولم تكن قد سارت, بدليل: (حتى إذا ركبا في السفينة خرقها) ولم تكن في عرض البحر، هم بمجرد ركوبهم خرقها. (إمرا): أنت عرّضت أهلها للخطر. ما غرق أحد بينما هناك وقع القتل فعلاً. لذلك إيقاع القتل جريمة كبيرة بينما هنا إفساد سفينة أو تخريب سفينة تُعرّض الركاب للخطر لكن لم يصبهم شيء. فقطعاً رأى الناس يتسابقون للخروج من السفينة لما بدأ الماء يدخل وبدأ الناس يقولون بدأت السفينة تغرق.
* لماذا كان موسى هو الوحيد الذي يعترض؟
هو يقيناً كان بحيث لا يراه أحد لأنه لو أراد أن يخرق السفينة لأخذوا على يديه. ربما هو نزل وحده إلى الأسفل وبدأ يخرق فلم يره إلا موسى (صلى الله عليه وسلم), فالسفينة ما زالت في طريقها, ولذلك في الحديث: أنه جاء عصفور وقف على حافتها أو حرف السفينة فنقر نقرة من الماء. معناه أنه قريب من الشاطئ، من ساحل النهر والنهر حلو لأنه لا يمكن أن ينقر العصفور من ماء البحر المالح.
*ما دلالة كلمة (لك) في قوله تعالى (ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا) في سورة الكهف؟
زيادة (لك) للأهمية كما جاء في سورة الكهف (ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا) وفي الآية الأخرى (ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا). ففي الآية الأولى كان المقصود بالقول أنه عام وليس موجها لموسى عليه السلام, أما في الثانية فتفيد أنه قد وجه إليه القول.وقد تفيد التلطف,ففي التلطّف عادة لا نواجه الشخص فنقول له (قلنا لك), في المرةالأولى قال موسى (صلى الله عليه وسلم)(قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا (73))هنا لا تؤاخذني بما نسيت كان فعلاً نسيان أو غفلة.الإرهاق هو أن تحمّل الإنسان فوق ما يطيق, والعسر هو ضد اليسر.
في المرة الثانية قال (ألم أقل لك) صارت أشدّ . أنا كان كلامي معك وليس مع غيرك. في المرة الثالثة قال (هذا فراق بيني وبينك) فصار الترتيب طبيعياً.
في البداية (ألم أقل) ألم يصدر مني هذا الكلام؟، في المرة الثانية الكلام صدر لك مباشرة (ألم أقل لك) وفي المرة الثالثة انتهى الأمر.
* د.فاضل السامرائى:
عندما تبِع موسى الرجل الصالح حمله في السفينة وطلب منه ألا يسأله عن شيء حتى يُحدث له من أمره ذكراً, وسيدنا موسى لم يصبر فكان يعترض, فلما ركبا السفينة وخرق الرجلُ الصالح السفينةَاعترض موسى (قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا (71)) فقال (قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا) هذه في المرة الأولى. في المرة الثانية قتل الغلام فاعترض عليه (أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُّكْرًا (74)) فقال له (أَلَمْ أَقُل لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْرًا) جاء بـ (لك) لأنه ما انتبه للتذكير الأول فأنكر عليه إنكاراً شديداً في المرة الأولى, الإنكار كان خفيفاً فقال له موسى لا تؤاخذني بما نسيت, فلم يلتزم فصار الإنكار أشد كما نفعل في حياتنا اليومية, نقول لأحدهم في المرة الأولى: قلنا لا تفعل ثم المرة الثانية نقول قلنا لك لا تفعل. أول مرة كان الإنذار برفق وهدوء وفي المرة الثانية لمَّا لم يرعوِ (لم يأخذ العبرة والعظة) ولم ينتبه أنكر عليه بشدة.
(فانطلقا حتى إذا لقيا غلاماً فقتله) كلمة غلام يقصد بها جنس الذكر من المولودين يسمونه غلاماًمنذ أن يولد إلى أن يراهق والبنت تسمى بنتاً. الغلام هو الذي يغتلم يعني يصل إلى سنٍّ يشتهي الأنثى والصبي خلال ذلك. الصبي هو أيضاً الذي يصبو إلى الجنس الآخر. تفاؤلا مثلما سمّت العرب فاطمة تفاؤلاً بأنها ستكبر وتلد وتُرضِع وتفطم، وسمّت عائشة بأنها ستعيش,والعرب تسمي الصحراء مفازا والملدوغ سليم.طبيعة الإنسان يحب الذكور أكثر فمن وُلِد له غلام فيها نوع من التفاؤل. لأن الذكر يشتغل معه ويحارب، لكن الإسلام خاطب الرجل كما خاطب المرأة ورفع من شأنها كثيراً.
كم كان سِنُّ هذا الغلام؟ لم تحدده لنا السورة. لكن من يُرهِق أبويه طغياناً وكفراً ويُخشى أن يستمر في هذا لا شك أنه كان بالغاً أوكان قريباً من مرحلة البلوغ. هذا من خلال الجو العام (فخشينا أن يرهقهما طغياناً وكفرا) يعني أن يزيد في هذا.
(حتى إذا لقيا غلاماً فقتله) السؤال: هل كان بإمكان موسى (صلى الله عليه وسلم)أن يسكت؟هو أُريد له أن يُعلَّم أن علمه علم شريعة ظاهر، هناك مساحة فيما اختص الله عز وجل بعلمه حتى فيما ورد في بعض الأمور في القرآن في علمه. المعنى اللغوي والمعنى المفهوم وما في القرآن آية إلا وهي مفهومة، لكن ما وراءها. وسنأتي للكلام عن التأويل لاحقاً.
(قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا) شيء عظيم, ومن النظر في هذه العَظَمة سنجد بعض الآراء, ولعل الذي نميل إليه أن الخضر لما أراد أن يحكي هذه القضية لأنها قضية عظيمة عظّم نفسه قال: (خشينا) بالتعظيم لأنها مسألة عظيمة. هنا قال موسى (صلى الله عليه وسلم)(إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني) والرسول (صلى الله عليه وسلم)قال: رحِم الله موسى لو صبر لتعلّمنا منه الكثير من هذه الأمور. فموسى (صلى الله عليه وسلم) قطع على نفسه الطريق وكان في عجلة (وعجلت إليك رب لترضى). موسى (صلى الله عليه وسلم) هو الذيقطع على نفسه هذا الأمر .
(فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا) لدني: أي من أعماقي, كأن هذا الذي في قلبي أنت وصلت إليه ولذا لم يقل (بلغت من عندي). وصلت إلى هذا الموضع بحيث لا مجال فيه للاجتهاد بعد ذلك.
*ما السبب في تنكير الغلام وتعريف السفينة ؟
حسب التفاسير أن الخضر وموسى (صلى الله عليه وسلم) لم يجدا سفينة لما جاءا إلى الساحل ثم جاءت سفينة مارّة فنادوهما فعرفا الخضر فحملوهما بدون أجر, ولهذا جاءت السفينة معرّفة لأنها لم تكن أية سفينة. أما الغلام فهما لقياه في طريقهم وليس غلاماً محدداً معرّفاً.
(فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما)أنا أستضيفك يعني أطلب منك أن تجعلني ضيفاً لأن الهمزة والسين والتاء فيها معنى الطلب وليس كما نستعملها الآن. قال: استطعما أي طلبا الطعام وهى تحتمل أمرين: تحتمل ضيافة وتحتمل شراءً. قالت الآية (فأبوا أن يضيفوهما) إذن كان الاستطعام ضيافة، المفروض أن يضيفوهما كما كان يصنع العرب قديماً بل بعضهم كان يخرج من داره, وأول مارّ يقول له تعال نأكل لأنه لا يُحسن أن يأكل لوحده، وبعضهم كان يوقد ناراً في الصحراء حتى يراها الأضياف. (فأبوا أن يضيفوهما) كانوا بخلاء, وللتشهير بهم وإظهارهم لم يقل القرآن (هذه القرية) أو حددها؟ الأشياء التي ليس فيها نفع لا يذكرها القرآن. ليست هناك بلدة يقال عنها أن أهلها بخلاء وإنما هناك أفراد في كل بلدة بخلاء وفيها كِرام.
*ما دلالة خلو خرقها من الفاء؟ وما دلالة الفاء مع (فقتله)؟(د.فاضل السامرائى)
(حتى إذا ركبا في السفينة) (ركب) فعل الشرط و(خرقها) جواب الشرط. (فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُّكْرًا (74)) (قال) هو جواب الشرط وليس (فقتله)، (فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا (77))(قال لو شئت) هذا جواب الشرط والباقي معطوفة على فعل الشرط. يبقى السؤال لماذا قال (خرقها) بدون فاء؟ الخرق لم يتعقب ركوب السفينة لم يحصل مباشرة وإنما بعد أن ركبا في السفينة وذهبا إلى المكان الذي أرادوه إذن لم يعقبها والفاء للتعقيب. أما الغلام فأول ما لقاه قتله فجاء بالفاء لقتله مباشرة (حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ) والخرق لم يحصل هكذا. الغلام بمجرد أن لقاه قتله دون كلام ولا شيء ولهذا اعترض موسى (صلى الله عليه وسلم). وكذلك (حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا) قسم قال: استطعما هو جواب الشرط, وقسم قال: هذه صفة القرية, أن هذه القرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما, وجواب الشرط (قال لو شئت) قسم قالوا: استطعما أهلها جواب الشرط وقسم قالوا لا، (حتى إذا أتوا أهل قرية) ما هذه القرية؟ ما صفتها؟ ما شأنها؟ استطعما أهلها جملة صفة لقرية (المضاف إلى نكرة نكرة، قرية نكرة) (استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما) هذا كله من الاستطعام قالوا (قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا) هذا جواب الشرط, وأنا أميل لهذا لأن الأولى أنهم أول ما دخلوا القرية استطعموا أهلها. دخلا أهل قرية هذه صفتها قال لو شئت لاتخذت عليه أجراً بعد أن حصل ما حصل.
*ما دلالة تكرار كلمة الأهل في الآية (فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا ؟
حتى يكرر ذكر الأهل تشنيعاً بهم. وينفر من ثقل توالي الضمائر في هذه الكلمة التي تطول لو قال (استطعماهم). الكلام صار على اثنين معناه فتى موسى لم يعد معهم.
(فوجدا فيها جداراً يريد أن ينقض فأقامه) الكلام أن الذي وجده هو الخِضر لكن يصير الكلام على الاثنين لأن المتبوع هو الأصل والتابع لاحق. (فوجدا فيها جداراً يريد أن ينقض) نسب الإرادة إلى الجدار معناه كأنه يوشك ويرغب، هو يريد أن يبين لنا أنه قارب الانهيار، الإنسان إذا أراد شيئاً يحاول أن يفعله فأضفى الحياة على هذا الجدار وأعطاه إرادة حتى يصوّر لنا كيف أنه متهاوٍ، يكاد يسقط، يريد أن ينقض. (فأقامه) هذه الإقامة والتعديل هل هدّمه وأعاده. هل مسح عليه ورجع؟ هو بذل جهداً في شيء، أصلحه. أُناس لم يكرموهم ولم يطعموهم, جاء اعتراض موسى خفيفاً رقيقاً .
(لو شئت لاتخذت عليه أجرا) هو اعتراض ضمني: أنت ضيّعت علينا فرصة الطعام (لو شئت لاتخذت عليه أجرا) فأنت لم تتخذ أجراً لأنك ما شئت. وكان يمكن أن تشاء وتأخذ أجراً فنأكل. (لو شئت)اعتراض.
فقال الخِضر (هذا فراق بيني وبينك) : تكلمنا على كلمة بين (مجمع بينِهما). هنا لو قال هذا فراقٌ بيننا أو فراقٌ بيني وبينك ينصب على الظرفية، ينوّن وينصب، لكن تكون البينية عندئذ للفراق غير ملازمة ويمكن أن يعودا مرة أخرى للقاء. (هذا فراقُ بيننا بيننا) كأن الفراق صار فاصلاً بيننا.
(هذا فراقُ بيني وبينك)هو أضافها ولم أجد قراءة بالتنوين حتى في القراءات الشاذة معناه أن جمهور العرب كانوا يفهمون هذا النوع من الإضافة. لما قال (هذا فراقُ بيني وبينِك) كأنه جعل لنفسه بيناً، مساحة وله بينا, فهما بينان وتملّك هو بيناً وملّك ذلك بيناً آخراً. فهذا البين مملوك لا ينفك عني وبينك لا ينفك عنك. فلا مجال للقاء بعدها. وصار البين مملوكاً لا أستطيع أن أتخلى عنه، أضافه والمضاف والمضاف إليه كالكلمة الواحدة. أضاف الفراق لـ (بين) (فراقُ بيني) هذه المساحة ملك وفراق بينِك معطوفة، العطف على نية التكرار: فراق بيني وفراق بينك. والإضافة معناها المِلك أن يُنسب الشيء إليك فصار البين منسوباً لي والبين منسوباً لك فلا مجال فيه للقاء وفعلاً لم يتم لقاء ولا يمكن أن يكون لقاء بعد ذلك.
*ما دلالة استخدام فعل(سأنبئك)؟
الفعل أفعل إذا جاء لزمن أقصر من فعّل مثل علّم وأعلم ونبّا وأنبأ.
(سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (78)).هذا ليس إنباءً وإنما تبيين من نبّأ لأن فيها كلام كثير (أما السفينة، أما الغلام، أما الجدار) فهي ليست مختصرة. (سَأُنَبِّئُكَ)بالتشديد لأن فيه توضيح ولم يقل (أُنبئك) لأن الإنباء للشيء الموجز المختصر.المضعّفة يعني فعّل من النبأ جاءت في ستة وأربعين موضعاً كما في سورة يوسف (نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (36)) لأنهم يريدون شرحاً مفصّلاً للرؤيا ولم يقل أنبئنا مختصرة. أنبأ لم ترد إلا في أربعة مواضع. نبّا وتفصيلاتها وردت في ستة وأربعين موضعاً. وحيثما وردت ما دام فيها تلبّث وزمن فلا تُقرأ بالتخفيف.
(سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا)كان يستطيع أن يقول هذا فراق بيني وبينك ويذهب وتنتهي القصة. لكن أراد أن يبين لموسى(صلى الله عليه وسلم) هذه التصرفاتالتيلم يسكت عليها وهى أمور غيبية لا يعلمها.
كلمة التأويل لها معنيان: الأول بمعنى التبيين أو البيان والتفسير كأن يفسّر قوله (سأنبئك بما لم تستطع عليه صبرا) أي هذا السؤال الذي سألته تسبب في أن يفارق بعضنا بعضاً نشرحه ونبيّنه ونفسّره، هذا التبيين والتفسير. والثاني: التأويل هو معرفة حقيقة بواطن الأمور التي هي مما اختص الله تعالى بعلمه بيان حقيقة الشيء وبيان ماهيّته. هنا المراد بالتأويل بيان الحقيقة. (وما يعلم تأويله إلا الله) أي وما يعلم حقيقة أمره إلا الله سبحانه وتعالى، والراسخون في العلم يقولون كل من عند ربنا كأوصاف الجنة على الحقيقة: ما حقيقة هذا النعيم؟
(ما لم تستطع) جاء بالفعل كاملاً لأنه مقبل على إيضاح وإعلان وشرح وعلى كمال.
(أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا (79)):
(أما السفينة) بدأ من أول الأحداث. (أما) حرف تفصيل، تقول حدثت أمور أما الأمر الفلاني فكذا وأما كذا فكذا. وما بعدها مبتدأ وخبر (السفينة): مبتدأ وكانت خبر للمبتدأ. (لمساكين) كلمة مساكين دخلت عليها لام المِلك. السفينة كانت ملكهم ومن هناحاول بعض العلماء أن يفرّق بين الفقراء والمساكين. يمكن للمسكين أن يكون مالكاً لشيء لكن هذا المِلك لا يسد كل حاجته فيستحق من مال الله، من الزكاة.أما الفقير فلا يملك شيئاً، قد يكون عنده قوت يومه لكنه لا يملك مجال عمل ولا يملك شيئاً أصلاً فيقال هو فقير. الغني هو الذي لا يحس بحاجة ونحن بحمد الله أغنياء لا نحس بالحاجة لشيء والفضل لله تعالى من قبل ومن بعد. قد يكون لأحدهم مال كثير ولكنه يتضور إذا رأى غيره عنده شيء لا يملكه هو فيشعر بالفقر. لأن الغنى غنى النفس.
(لمساكينَ) قد يسأل البعض أن مساكين جاءت بعد حرف الجر اللام فكان يجب أن تكون مجرورة ولكنها في الآية مفتوحة وذلك لأن مساكين ممنوع من الصرف لأنهاعلى صيغة منتهى الجموع فيُجرّ بالفتحة نيابة عن الكسرة.(يعملون في البحر) على سفينتهم.
(فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غضبا) هنا نسب الإرادة لنفسه بصيغة الإفراد، ما قال: فأردنا أن نعيبها لأن فيها معنى العيب: إنسان يصنع شيئاً فيه عيب لا يفخّم نفسه أن يخلع لوحاً من سفينة ويحدث عيباً فلما أحدث عيباً لا يتناسب العيب مع التفخيم ولا مجال لتعظيم نفسه ولا تصح نسبة العيب لله سبحانه وتعالى يقيناً، ما فعله بوحي من ربه وهو بعد ذلك سيقول (ما فعلته عن أمري). القدر كله خيره وشره من الله تعالى. هذا الأدب الذي ينبغي أن يتعلمه الناس وحتى في اللفظ يتأدب مع الله سبحانه وتعالى. نسب لنفسه هذا الفعل على سبيل الإفراد (فأردت) لأن فيها كلمة العيب (أن أعيبها) لا يتلاءم مع التعظيم. (فأردت أن أعيبها)باستعمال المصدر المؤول ولم يقل فأردت عيبها لأنها تعني طلبت عيبها أو فتشت عن عيب فيها فلا يستوي هنا. فلا بد أن يقول أردت أن أعيبهاحتى ينسب العيب إلى نفسه مع الإرادة بهذه الصيغة صيغة المصدر المؤول.
(وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غضبا): طبيعة السياق أن يقول وكان أمامهم ملك. كلمة وراء في لغة العرب أحياناً تستعمل لما ينتظرك. تقول للإنسان وراءك عمل كثير. ليس بمعنى خلف ظهرك وإنما ينتظرك عمل كثير. ولذلك قال تعالى (ومن ورائه جهنم ويسقى من ماء صديد)يعني تنتظره جهنم والعياذ بالله.
*د.فاضل السامرائى:
أولاً الوراء من حيث اللغة يكون خلفك أو قدامك. حتى هم قالوا الوراء خلف لكن إذا كان مما تمر عليه والملاحظ أنه إذا كان الأمر يطلبك تقول وراءك وإن كان أمامك (وَيَذَرُونَ وَرَاءهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا (27) الإنسان) (وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (15) مِّن وَرَآئِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِن مَّاء صَدِيدٍ (16) إبراهيم) وهي أمامه, ترصده تطلبه. إذا كان الأمر يطلب الشخص نقول وراءه. نحن الآن نقولها في كلامنا وراءك امتحان، أو وراءك شغل كأن الشيء يطلبك. وفيها دلالة أخرى أنه لو قال أمامك نقول له ارجع وراءك لكن هذا وراءك، حالة تهديد ووعيد فيها.
(يأخذ كل سفينة غصبا): يأخذها غاصباً يأخذها عنوة من غير مقابل لأنه قيل أن الملك داخل معركة ويجهز جيشه فتأخير السفينة لغرض أن يمشي هذا الملك بمن معه من أسطول للمعركة فينجو هؤلاء المساكين بسفينتهم. ليس المعنى أنه لم يكن يأخذ السفينة المعيبة ولكن تعني أنها لا تصل إليه. أردت أن أعيبها، لماذا؟ لأن وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا فالعيب يؤخرها، كيف تُصلح السفينة؟ تُسحب إلى الشاطئ، تُفرّغ من الماء، ويعود اللوح إلى مكانه ويُطلى بالقار وترجع السفينة إلى ما كانت عليه ولا تبقى معيبة لأن هذا إضرار بالمساكين. غاية ما في الأمر تأخير هؤلاء المساكين عن وصولهم إلى الملك وفعلاً حصل تأخير، سُحِبت السفينة وفُرِّغت من الماء وأعيد اللوح إلى مكانه وطُلي كأي ضرر يصيب أي سفينة وتعود. إذن الغرض من عيب السفينة التأخير.
(غصبا)استعمل المصدر كان يمكن أن يقول غاصباً أهلها لكن المصدر في اللغة أقوى من المشتق لأنها كلها تؤخذ منه. المشتق هم اسم الفاعل، اسم المفعول أو غيره. قال: يأخذ كل سفينة غصباً كأنه يغصبهم غصباً على ذلك وهي فيها معنى الحال لكن فيها معنى التوكيد أيضاً. وهنا فيه معنى المصدرالمشتق وفيه معنى التوكيد (غصبا) ما قال غاصباً. المصدر أقوى بلا شك كما في قوله تعالى (ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين) لم يقل يهدي وإنما قال هدى للمتقين لأنه في كيانه هدى فالمصدر أقوى. والكلام الفعل مشتق من المصدر والدراسة الحديثة تقول الفعل هو الأصل لأنه يحدث فعل ويكون محتوياً على حدث وزمن. لكن المصريون يستدلون باستدلالات عقلية ويبنون على بعض الجوانب اللغوية أن المصدر حتى أنهم يقولون من اسمه يصدر عنه، يقولون أنتم سميتموه مصدراً.
*ما الفرق بين (خشينا) و (أردنا) ؟
(وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا (80) فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا (81)):
(فخشينا أن يرهقهما طغياناً وكفرا)هناك خشية من أين علمها؟ لا شك أن بعض ما أُعلمِ به من تصرفه، لها دلائل..الإرهاق تحميل الإنسان فوق ما يطيق. طغياناً وكفراً: طغياناً حال كونه طاغياً وحال كونه كافراً فيرهقهما من طغيانه كفره فهو لا يكون كافراً إلى أن يبلغ مرحلة السؤال. معنى ذلك أنه معذِّب لأبويه بكفره وطغيانه وهما مؤمنان. فإذن كان كبيراً وليس في مرحلة الطفولة الصغيرة جداً. الأبوين عادة لما يكون ولدهما بهذه الصورة يحرصان على إيمانه، على إسلامه وهو يعذّبهما، يحملهما فوق ما يطيقان عند ذلك يتجهان إلى الله سبحانه وتعالى أن يبدلهما خيراً منه: يدعون: اللهم أبدلني خيراً من هذا. يمكن لهذا المعنى أن يكون السبب في استعمال الجمع.
(فخشينا أن يرهقهما)هناك قال: فأردت وهنا قال: فخشينا البعض يقول : اشتراك الخضر مع الأبوين في الخشية والإرادة أي (الخِضر) والأبوين، يحتمل هذا المعنى: كانا يخشيان ذلك ومن معهما المنفّذ الذي سينفّذ القتل (فأردنا) إرادة دعاء أنا وأبويه كأنما أطلعه الله عز وجل على ما كان يدعو به أبوا هذا الغلام، هذا وجه. والوجه الثاني يمكن أن يكون قوله (فخشينا)إدخال موسى (صلى الله عليه وسلم)معه باعتباره تابعاً هنا. هذه واحدة ثم لأنه لم يأخذ على يده فيمنعه من القتل. اعترض موسى (صلى الله عليه وسلم) بعد القتل. جاء رجل لشخص يقتله تكفّه وموسى (صلى الله عليه وسلم) قوي (فوكزه موسى فقضى عليه) (فسقى لهما) وحمل الصخرة فكان يستطيع أن يمسك بالرجل لكنه انتظر لما ينتهي الموضوع ثم قال لِمَ قتلته؟ فكأنه أشركه معه. والحالة الثالثة التي أميل إليها أن القتل أمر عظيم فيحتاج إلى معظّم لنفسه أن يفعل هذا الفعل (فأردنا). قلنا هناك صغّر نفسه لأن فيه عيب (فأردت) لكن هذا قتل نفس وانتظارودعاء من الله سبحانه وتعالى أن يعوضهما خيراً منه فاستعمل صيغة المعظّم لنفسه (فخشينا): لم يقل أنا تجرأت على القتل ولكن قال نحن تجرأنا بتعظيم نفسه (فأردنا أن يبدلهما ربهما)عظّم نفسه لعظمة الحدث. هذا الفساد المحتمل (فخشينا أن يرهقهما طغياناً وكفرا) جعله الخِضر واقعاً وهو واقع لأنه تعالى أعلمه بشأن هذا الغلام وهذا في الغيب وأطلعه على غيب هذا الغلام. هذا من الخير لأن الله سبحانه وتعالى حاشاه أن يختار لعبده المتوكل عليه ما هو غير خير.
وهناك رأى آخر في الفرق بين (أردت) و (أردنا)و(أراد ربك ): (د.فاضل السامرائى)
الملاحظ في القرآن كله أن الله تعالى لا ينسب السوء إلى نفسه أما الخير والنِعم فكلها منسوبة إليه تعالى كما في قوله (وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونئا بجانبه وإذا مسّه الشر كان يؤوسا) ولا نجد في القرآن فهل زيّن لهم سوء أعمالهم أبدا إنما نجد (زُيّن لهم سوء أعمالهم) وكذلك في قول الله تعالى على لسان إبراهيم عليه السلام (الذي يميتني ثم يحيين) وقوله (وإذا مرضت فهو يشفين) ولم يقل يمرضني تأدباً مع الله تعالى.
ففي حادثة السفينةلا ينسب الله تعالى العيب إلى نفسه أبداً فكان الخضر هو الذي عاب السفينة فجاء الفعل مفرداً.
أما في حادثة الغلام ففيها جانب شر وهو قتل نفس زكية بغير نفس وجانب خير وهو الإبدال بخير منه فأصبح فيها مشترك فجاء لفظ (أردنا).أما في قصة الجدار فالأمر كله خير, فتحت الجدار كنز وأبو الغلامين كان صالحاً والأمر كله خير ليس فيه جانب سوء فأسند الفعل إلى الله تعالى فقال (أراد ربك).
رأى ثالث يقول أنه قد يكون على لسان الخضر تأدبا منه.
(وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (82)) كلمة (يتيمين) تدل على صِغر الغلامين لأنه لا يُتم بعد بلوغ .
في قوله تعالى (في المدينة):
يمكن أن تسمى القرية مدينة ويردون على هذابشواهد.
لكن يمكن أن تكون الألف واللام هنا للعهد يعني كأنما لمدينة مررنا بها. فإذن هما كأنهما تركا هذا البيت كأنما البيت مهجور فهما ليسا في القرية وإنما في المدينة، يمكن أن يكونا عند من يربّيهما ثم يعودان بعد ذلك إلى هذه الخرِبة المتروكة التي يريد أحد جدرانها أن ينقضّ فأقامه. يمكن أن يكون هذا لم تسمى القرية مدينة ولكن في مدينة مرّا بها في رحلتهما قريبة من القرية. الكلام ينصب على أهل القرية وعلى البيت لليتيمين في القرية. أما اليتيمان فلم يكونا في البيت وإنما كان في تلك المدينة عند من يرعاهما. وليس هناك من يرعى هذا الجدار فيقيمه. وقد يكون فعلاً هي هذه القرية وهما في هذا البيت الخرِب.
(وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا): الجدار قطعاً هو في القرية الذي لا يُكرِم ضيفاً لا يعتني بيتيم أيضاً، هذا الذي يجعلني أميل أن اليتيمان كانا في مدينة قريبة ثم ما من أحد من هؤلاء في القرية فكّر في أن يقيم جدار هذين اليتيمين و أنه قد يسقط على اليتيمين.
*ما اللمسة البيانية في تنكير كلمة (غلامين) وتعريف (الجدار)و(المدينة)؟
(وأما الجدار) أي الجدار الذي ذكرته من قبل هذه تسمى(أل العهدية) لأن العهد إما أن يكون ذهنياً أو ذكرياً: ذكرياً أن يذكر الشيء من قبل، ذهنياً أن يكون حاضراً في الذهن كما في قوله تعالى (ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين) لم يذكر الكتاب من قبل لكنه حاضر في الذهن لأن الكلام عليه.
كلمة غلام نكرة (لغلامين) ثم ذكر من صفاتهما أنهما يتيمان. (لغلامين يتيمين) هذا المقدار يكفي. أما أنه لو قال للغلامين سيُقال له: أيُّ غلامين؟ هما موسى (صلى الله عليه وسلم) والخضر جاءا إلى قرية وهذا الجدار يريد أن ينقض والله سبحانه وتعالى يعلم أنه لطفلين مات أبوهما، وهو لم يتحدث عنهما سابقاً.لو ذكرهما سابقاً يعود بعد ذلك للتعريف وتسمى أل العهدية كأن يقال لك: سأل عنك رجل فتقول لقيت الرجل (أي الذي سأل عني). بدأ نكرة ثم يعرِّف.
وكلمة المدينة*إما يراد بها القرية التي دخلاها فلما ذكرها أولاً قرية جاء بعد ذلك فعرّفها كأنما يريد أن يشير إلى أنها قرية كبيرة فقال مدينة ثم أن فيها تنويع. المدينة عادة أوسع من القرية في المصطلح اللغوي لكن عند العرب المدينة يسمونها قرية أحياناً والقرية يسمونها مدينة بحسب نظر المتكلم. مكة أم القرى وهي مدينة واسعة (حتى يبعث في أم القرى رسولاً).* والقول الآخر أن هذه الألف واللام للعهد الذهني: يعني المدينة التي مررنا بها من قبل، كأنما في ذهنها مدينة معينة مرّا بها من قبل.
* (وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا) ترتيب هذه الأشياء (الجدار، غلامين، كنز، أبوهما) إذا تغيّر هل سيبقى بنفس الدلالة؟
هذا كأنه نظام، كأنه بناء كأنك تبني بيتاً فالبناء هكذا. هو ذكر له جداراً قد أقامه فالآن يريد أن يفسر له ما يتعلق بهذا الجدار فالمهم أولاً الجدار, فيذكر الجدار ثم يذكر لمن هذا الجدار؟ ثم يذكر بعد ذلك ما شأن هذا الجدار؟ لماذا أقمته؟ أما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة، لماذا أقمته؟ وكان تحته كنز لهما، ما شغلنا بذلك؟ وكان أبوهما صالحاً. فمن أجل صلاح الأب فهو ترتيب طبيعي لا يستدعي أن يكون هناك اضطراب.
الكنز في اللغة هو الشيء الدفين. الشيء الدفين إذا كان مالاً سمي كنزاً أي هذا المدفون احتفظ به. والعلماء هنا يتحدثون هل يجوز كنز المال بهذا الشكل؟ (الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها) المفروض أن يشغلها. قسم قالوا شرعُ من قبلنا وقسم يقولون أن الأب يمكن أن يشغّل المال ولكن لما أحسّ بالوفاة أحس وهو في قرية ظالمة، قرية بخيلة، لا تضيّف أحداً وأحس أنهم سيأخذون مال أولاده فدفنه وقال يا رب أنت تتولاه .
(وكان أبوهما صالحاً) هذا درس للآباء صلاحهم خيرٌ لذريتهم أيضاً. الغلام كان أبواه مؤمنين وهو فاجر ورحمة بالأبوين قُتِل وقبِل الله تعالى دعوتهما وعوضهما خيراً منه.
(فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ): نسب الإرادة لله تعالى (فأراد ربك أن يبلغا أشدهما) لم يقل فأردت أو فأردنا لأن بلوغ الغلامين السن الكبير هذا لله سبحانه وتعالى لا يستطيع أن يُدخل الخضر نفسه فيه حتى لو عظّم نفسه. هنا يبلغا أشدهما هذا لا يملكه إلا الله سبحانه وتعالى ويستخرجا: واستخراج الكنز من تحت الجدار لا يملكه إلا الله تعالى. (ويستخرجا) معطوفة على (يبلغا) أوكل الأمر كله إلى الله. ممكن يسقط الجدار وهما بالغان فإذا سقط وظهر الكنز عند ذلك واضح ويكونان شديدين (يبلغا أشدهما).
(رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) مفعول لأجله: فُعِل هذا كله من أجل الرحمة. أي رعاية اليتيمين هو من رحمة الله سبحانه وتعالى. ويمكن أن تكون عامة على المحاور الثلاث: العناية بالمساكين من رحمة الله عز وجل، العناية بالأبوين من رحمة الله عز وجل والعناية بالغلامين اليتيمين من عناية الله عز وجل. ثم وضّح (وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي )هذا أمرني الله تعالى به ففعلته. لأن هذا غيب لا يقول أحد هذا يبدو أنه شرّير سأقتله تأسّياً بالخِضر وأدعو الله أن يهبهما خيراً منه، لا.
(ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا): التأويل هنا بمعنى بيان حقيقة الشيء. مما غاب عن موسى (صلى الله عليه وسلم) وعمن حوله. استعمال (ذلك) تدل على أنه بدأ يبعد لأنه يريد أن يفارق فلم يقل هذا تأويل. الكلام الذي تكلمته صار (ذلك).
(مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا): قبلها قال تستطع لكن هناك فيها شرح وإيضاح فجاء بالفعل تاماً (تستطع) أما هنا لأن فيه وقت مفارقة واختصار وابتعاد. ذلك: الكلام صار تاريخا ويريد أن يرحل (لم تسطع) فحتى الكلمة اختصرها لأن هناك مجال اختصار فقال (تسطع) أنهينا الإيضاح وانتهى.
*هل الغيب هو فقط في قصة القتل وليس في قصة السفينة أو الجدار؟
كل ما غاب عنك فهو غيب. الأحداث التي تكون هناك موسى لم يعلمها والمساكين لم يعلمونها والركاب جميعاً لا يعلمون. المخزون تحت الجدار غيب، الغلامان لا يعلمان وأهل القرية لا يعلمون به فهو غيب مغيّب عنهم. كل هذه الأمور كانت من علم الغيب مما غاب عن موسى (صلى الله عليه وسلم) ومن حوله وعلمه هذا الرجل بعلمٍ من الله سبحانه وتعالى.
*هل يجوز أن نقول سيدنا الخِضر؟
مسألة السيادة هذه حتى بعضهم قال أنها لا تصح أن تقال حتى مع الرسول (صلى الله عليه وسلم) لكن حُبّ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يجعلنا نقولها دائماً فهو سيدنا لأنه (صلى الله عليه وسلم)استعملها مع سعد ابن معاذ رضي الله عنه لما جُرِح في الخندق وجيء به محمولاً ليقضي في بني قريظة فقال (صلى الله عليه وسلم): قوموا لسيّدكم أي لسعد. يقولون سيّد الأوس، سيد الخزرج، سيد الشهداء حمزة، سيّد المهاجرين والأنصار. نحن نقول دائماً إذا لم يكن هناك مانع شرعي فلا مانع من إظهار هذه المودة وهذا الحب فنحن نقول سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قرة العين عليه الصلاة والسلام.
*هل خرق السفينة وقتل الغلام وإقامة الجدار كان في العالم المنظور؟
لا شك أنها في العالم المنظور ومن أجل هذا كان موسى(صلى الله عليه وسلم) يعترض في المرة الأولى والثانية وفي الثالثة كان نوع من الاعتراض لأنه كان نوعاً من التعليم أو الإفهام لموسى (صلى الله عليه وسلم)بأن علمه منحصر في التطبيقات الشرعية، في مسائل الشريعة وفي نظام حياة الناس. وأُعلِم بأن هناك أشياء غائبة عنه فهي قطعاً في حياة الناس وليس في الغيب. وبالنسبة للجدار فهم حتى إذا رأوه لن يعترض عليه أحد لأنه عمل خير أما موسى (صلى الله عليه وسلم) فاعترض عليه لأنه جائع.
*قرأت في التفسير عن عبد الله ابن مسعود عن قوله تعالى (وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا﴿82﴾ الكهف) بالنسبة للغلامين قال: كتب مخطوطة محفوظة فيها من العلم اللدني هل هذا صحيح؟(د.أحمدالكبيسى)
كلام صحيح, فالموهبة من الله تعالى, لأن هذا علم لا يكتسب, هل تعرف كل هذه الاختراعات التي أمامك؟ هذه الاختراعات عند البشرية كلها بقضها وقضيضها هذه كلها عن تعلُّم فمعظمها موهبات. هناك واحد لا هو بشاعر سمعنا كثيراً ورأيت واحداً منهم أن واحدا الصبح رأى النبي فقال له أنا أريد أن أحفظ القرآن فمسح على رأسه فصبح الصبح يقرأ القرآن. إذاً الذين عندهم علمٌ من الكتاب مجموعة من الموهوبين الذين وهبهم الله هذا العلم.
*وردت في القرآن ( يسألونك) و (ويسألونك) فما دلالة إضافة الواو وحذفها؟ (د.حسامالنعيمى)
الواو تكون عاطفة لكن نجد لما يبدأ موضوعاً جديداً لا يبدأ بالواو وإنما يبدأ بـ (يسألونك) لأنه لا يريد أن يستكمل كلاماً سابقاً فقال (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ), هذه الآية نفسها فيها يسألونك وويسألونك، لما بدأ بها بعد كلمة (والله غفور رحيم) بدأ بها غير معطوفة على ما قبلها بدأ (يسألونك) ثم في الآية نفسها قال (ويسألونك) معطوفة على يسألونك الأولى التي هي غير معطوفة على شيء فلا يقول (ويسألونك).
ووردت (ويسألونك) في (ويسألونك عن ذي القرنين (83) الكهف).
*في سؤال عن معنى التوكل: (د.حسامالنعيمى)
وهل من خلال الآية المتقي المتوكل مرزوق حتماً؟ فيما يتعلق بمعنى التوكل هناك أصل من أصول العقيدة الإسلامية أنه لا يتم أمر إلا برضى الله عز وجل، إلا بما يريد (وَآَتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا (84) فَأَتْبَعَ سَبَبًا (85))هناك أصل آخر أيضاً أن الإنسان ينبغي أن يسعى لأن معنى التوكل أن تخرج من طاقة نفسك وجُهدها وحولها إلى حول الله سبحانه وتعالى. أن تقول يا رب ليس لي حول، تُلقي بأمرك على غيرك هذا معنى التوكل. لكن فيه لمسة وهي أن المتوكل في المفهوم الإسلامي ينبغي أن يقدّم جميع الأسباب ثم يتوكل لأنه عندنا حديث عن الأعرابي الذي قال له (صلى الله عليه وسلم): أعقلها وتوكّل. أي اربط الناقة بالعقال لأن الناقة تربط من ثنيّة يدها حتى لا تستطيع أن تسير فتبقى باركة أو يمكن أن تقف لكن لا تستطيع أن تمشي. (اعقلها وتوكل): معناه اتخذ الأسباب وتوكل. الأسباب لا بد من اتخاذها؛ لذلك لما وجد عمر بن الخطاب رضي الله عنه أُناساً في المسجد في غير وقت الصلاة سألهم: ما تصنعون؟ قالوا: نحن المتوكلون على الله ويأتينا رزقنا، قال: بل أنتم المتواكلون, إن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة. وأمرهم بالسعي والعمل.
* ما دلالة استخدام السين وسوف مع ذي القرنين؟(د.فاضلالسامرائى)
سوف في استعمال القرآن آكد من السين وكلاهما يدلان عل المستقبل, لكن بعضهما آكد من بعض مثل إنّ واللام, إنّ آكد من اللام، وإنّ واللام آكد من إن لوحدها: لمحمد مسافر وإنّ محمد مسافر آكد وإن محمد لمسافر آكد. إذن سوف آكد من السين,(فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ) لا بد أن يعاقب. هذه لغة العرب كانوا يفهمونها.
قصة ذي القرنين:
* (قَالَ أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إلى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُّكْرًا (87) الكهف) لماذا قدم ذكر عذاب ذي القرنين على عذاب الله وفي الجزاء قال العكس (وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاء الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا (88))؟(د.فاضل السامرائى)
الشق الأول من السؤال سليم, قدم عذاب الدنيا على عذاب الآخرة لأنه في الدنيا العذاب متقدم, الآن الذي يفعل شيئاً يطاله القانون, الذي ظلم سيأخذ جزاءه ثم يرد إلى ربه فيعذبه هذا بحسب الزمن. أما الجزاء (وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاء الْحُسْنَى) ما قال أنا سأجازيه وإنما قال (وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا) قول جزاك الله خيراً ليس جزاء، قول بارك الله فيك ليس جزاء وإنما الحسنى هي الجنة, إذن هو ذكر جزاء الآخرة ولم يذكر جزاءه بالنسبة للعمل لأن الإيمان والعمل في الجنة أما الظلم فهذا ينبغي أن يحاسب عليه في الدنيا فيعذبه ويطاله القانون كأي واحد يعتدي على الآخرين, يعاقب, ثم ربنا سبحانه وتعالى في الآخرة يعاقبه إذا لم يستوف العذاب في الدنيا, أما في الجزاء فلم يذكر له جزاء ولم يقل سأجزيه وإنما له الحسنى, والحسنى هي الجنة. قدم في الجزاء ذكر مكافأة الله تعالى له جزاؤه الجنة وقوله (وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا)هذا ليس جزاء. الذي يعمل صالحاً يريد الجنة وليس الكلام الذي يعمل صالحاً يريد الجنة ولا يريد أن تقول له أحسنت بارك الله فيك جزاك الله خيراً على ما قدمته لا تكون جازيته، (سنقول له من أمرنا يسرا) أي يقال له جزاك الله خيراً بارك الله فيه. في العذاب هناك عذابان واحد في الدنيا كأي ظلم يحصل في الأرض يحاسبه القانون والسلطة ويحاسبه الله تعالى في الآخرة. ذي القرنين ليس مكلفاً بجزاء المؤمن ولا السلطة مكلفة بجزاء المؤمن ولكن مكلفة بعقاب الظالم.
*ما الفرق من الناحية البيانية بين قوله تعالى في سورة الكهف (فأتبع سببا) وقوله (ثم أتبع سببا)؟(د.فاضل السامرائى)
الحكم العام في النحو: الفاء تفيد الترتيب والتعقيب. وثمّ تفيد الترتيب والتراخي أي تكون المدة أطول.
وفي سورة الكهف الكلام عن ذي القرنين, ففي الآية الأولى(فأتبع سببا) لم يذكر قبل هذه الآية أن ذي القرنين كان في حملة أو في مهمة معينة وإنما جاء قبلها الآية (وآتيناه من كل شيء سببا) هذا في الجملة الأولى لم يكن قبلها شيء وإنما حصل هذا الشيء بعد التمكين لذي القرنين مباشرة، أما في الجملة الثانية (ثم أتبع سببا) فهذه حصلت بعد الحالة الأولى بمدة ساق ذو القرنين حملة إلى مغرب الشمس وحملة أخرى إلى مطلع الشمس وحملة أخرى إلى بين السدين وهذه الحملات كلها تأتي الواحدة بعد الأخرى بمدة وزمن, ولهذا جاء استعمال (ثم) التي تفيد الترتيب والتراخي في الزمن.
*في سورة الكهف قال(وَجَدَهَاتَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ)لمَلم يقل حسبها أو ظنها أورآها ؟ وهل هناك ارتباط بين (وجدها) وقوله تعالى(كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا (91))ما لديه خبراًقابل أن يكون أكيداً أو غير أكيد وليس علماً؟(د.حسامالنعيمى)
ما ذكره القرآن لنا أنه ملك وحاكم وقائد عسكري كان مؤمناً, انطلق من جهة المشرق وانطلق من جهة المغرب وسار بينهما, وعلى وجه اليقين هو ليس الإسكندر المقدوني لأن ذاك كان وثنياً. بعض المفسرين يشير إلى أنه اتجه في جهة المغرب وأخذ يفتح البلاد إلى أن وصل إلى نهاية الأرض المحيط الأطلسي, لأنه ما كان معلوماً أنه في الأطلسي, هناك الأمريكتان يرون أنه بحر الظلمات نهاية الأرض, فيقولون لا يبعد أنه قبل أن يصل للمحيط نفسه وجدها طبعاً يقيناً بعينه. فعندماتكون في البحر ترى الشمس تسقط في الماء هذا ليس ظناً وإنما هذا هو يقين بالنسبة لك ولا يصلح مطلقاً أن تقول للناس أنه ظنّها تسقط هاهنا في ذلك الزمن قبل 1400 عام. هو يراها هكذا لكن هو يعلم أنها ليست ساقطة على وجه اليقين ويراها تسقط خلف ذلك الكثيب في الصحراء, يقول لقومه أننا سنبيت الليلة حيث تسقط الشمس خلف ذلك الكثيب في الصخر فيسيرون إلى أن يصلوا إلى الكثيب لكنهم لا يجدون شيئاً. لكنه رآها تسقط هاهنا في الكثيب. لا نقول بالقطع أنه وصل للرباط إلى المغرب لكن قد يكون في هذه المنطقة هناك مجرى مائي هو نهر أو نهير أبو رقراق عندهذا المجرى, حقيقة الأرض هناك فيها لون معتم, فيها عتمة كأنها عين حمئة. قد يكون هذا ولا نقطع بشيء والمفسر لم يقطع بشيء. الرجل يقول قد يكون هذا إن وصل إلى هناك، فممكن أن تكون هناك وعندها قوم,والماء عذب ومسيل العين في الماء العرب تسميه عيناً يعني يسيل والرسول (صلى الله عليه وسلم) قال في الحديث ” خير المال عين ساهرة لعين نائمة”, يعني بالعين الساهرة العين التي تجري دائماً تجري ليلاً ونهاراً, والعين النائمة الرجل النائم, هو ينام والعين تجري تسقي له. نقول رآها تنزل وهو يعلم جيداً وكلنا يعلم أننا لما نرى الشمس تنزل خلف الكثيب أو تنزل في الماء أو في عين حمئة هي لم تغُر فيها لم تغُص فيها لكنه معلوم هذا شيء عند العرب يستعملونه كما قلت لك يقولون أين مبيتنا؟ يقول خلف هذا الكثيب حيث ستسقط الشمس وهو يعلم يقيناً سيصلون إلى الكثيب ولا يجدون شيئاً وهم يعلمون أن هذا في عين الرائي. الإنسان يتذكر في مثل هذا الموقف أن العرب لم يتركوا شيئاً ما سألوا عنه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يستدعي السؤال كانوا يسألونه وثبّتها القرآن (ويسألونك).
(وقد أحطنا بما لديه خبرا): أحاط خبراً بما لديه. لاحظ الإحاطة أن تحوط الشيء يعني أن تجعل من علمك كأنه دائرة تطوّقه. الخُبر هو المعرفة البالغة يعني المعرفة بالجزئيات, نقول: هو بذلك خبير. خُبرا الخاء والباء والراء فيها معنى معرفة الجزئيات. لكن هنا حقيقة؛ هي في السورة كأن هناك نوع من التناسب: في الكلام (حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا (90))لاحظ هذا الانكشاف الذي رآه ذو القرنين, وافقه انكشاف علمه لله سبحانه وتعالى وانكشاف ما لديه في علم الله عز وجل كأن هناك مناسبة في الانكشاف. هؤلاء منكشفون أمام الشمس وهو ذو القرنين منكشف حتى في داخله أمام الله سبحانه وتعالى.فهذه هي اللمسة هنا.
* هل ورد التنازع في القرآن الكريم؟(د.فاضلالسامرائى)
ورد التنازع في القرآن الكريم في أكثر من موضع ومن ذلك قوله تعالى (آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا (96) الكهف) قطراً مفعول به, هل هو للفعل آتوني أو الفعل أُفرغ؟ النحاة يجيزون أي واحد منهم لكن الاختلاف فقط في الترجيح, فعند الكوفيين الأول هو الأولى في الإعمال وعند البصريين الثاني هو أولى بالإعمال وعند الفرّاء كلاهما يعملان معاً. عند النحاة كلاهما جائز لكن هناك مرجحات وكل واحد يحتج؛ فالأول يقول الأول هو أولى باعتبار سابق, والبصريين يقولون الثاني لأنه أقرب ولو كان الأول لكان هناك فاصل بين العامل والمعمول ولو كان كذلك لقال ربنا آتوني أفرغه عليه قطراً لأنه إذا أعملنا الأول يجب أن نضمر في الثاني وفيها كلام طويل لكنهما متفقان على أنه يجوز. في المعنى هو يعمل للاثنين لكن في الإعراب عند الكوفيين الأول هو الأولى وعند البصريين الثاني هو الأولى وعند الفراء يقول سيان. أكثر من عامل يشترك في معمول واحد وبدل أن يكرر جملة المعمولات (تسبحون ويحمدون وتكبرون الله ثلاثاً وثلاثين بدل أن يقول تسبحون الله وتحمدون الله وتكبرون الله فيجمعها كلها ويأتي بمعمول واحد لها يصلح لها جميعاً.، (وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا (7) الجن) خارج القرآن يقال أنهم ظنوا أن لا يبعث الله أحداً كما ظننتم أن لن يبعث الله أحداً.
*ما الفرق من الناحية البيانية بين فعل استطاعوا واسطاعوا ؟(د.فاضل السامرائى)
قال تعالى: (فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْباً {97}). زيادة التاء في فعل استطاع تجعل الفعل مناسباً للحث, وزيادة المبنى في اللغة تفيد زيادة المعنى. والصعود على السدّ أهون من إحداث نقب فيه لأن السدّ قد صنعه ذو القرنين من زبر الحديد والنحاس المذاب, لذا استخدم اسطاعوا مع الصعود على السد واستطاعوا مع النقب. فحذف مع الحدث الخفيف أي الصعود على السد ولم يحذف مع الحدث الشاق الطويل بل أعطاه أطول صيغة له، وكذلك فإن الصعود على السدّ يتطلّب زمناً أقصر من إحداث النقب فيه فحذف من الفعل وقصّر منه ليجانس النطق الزمني الذي يتطلبه كل حدث.
*ما الفرق بين استطاعوا واسطاعوا في الآية (فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (97)) ؟(د.حسامالنعيمى)
الكلام على ما صنعه ذو القرنين من سد, وكان كما هو معلوم من الحديد وأمور أخرى (فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا). سدّ الحديد الضخم تسلّقه أيسر من الثقب, والنقب الذي يحتاج إلى جهد فاستعمل مع السهولة الحذف (اسطاعوا) ومع الصعوبة كمّل الفعل (استطاعوا), فضلاً عن أن كلمة اسطاعوا في هذا الموضع كأنها توحي بشيء من الانزلاق يعني كلما أرادوا أن يصعدوا ينزلقوا فجاءت لفظة (اسطاعوا). استعمل البنية الكاملة للفعل استطاع لما كان العمل أصعب ولما كان أيسر استعمل اسطاع.
آية (98):
*ما الفرق من الناحية البيانية بين فعل حضر وجاء في القرآن الكريم؟ (د.فاضل السامرائى)
فعل حضر والحضور في اللغة أولاً يعني الوجود وليس معناه بالضرورة المجيء إلى الشيء (يقال كنت حاضراً إذ كلّمه فلان بمعنى شاهد وموجود وهو نقيض الغياب), ويقال كنت حاضراً مجلسهم، وكنت حاضراً في السوق أي كنت موجوداً فيها.
أما المجيء فهو الانتقال من مكان إلى مكان، فالحضور إذن غير المجيء ولهذا نقول: الله حاضر في كل مكان دليل وجوده في كل مكان. وفي القرآن يقول تعالى:(فإذا جاء وعد ربي جعله دكّاء) سورة الكهف بمعنى لم يكن موجوداً وإنما جاء الأمر.
القرآن الكريم له خصوصيات في التعبير وفي كلمة حضر وجاء لكل منها خصوصية أيضاً. حضور الموت يُستعمل في القرآن الكريم في الأحكام والوصايا كما في سورة آية سورة البقرة, وكأن الموت هو من جملة الشهود, فالقرآن هنا لا يتحدث عن الموت نفسه أو أحوال الناس في الموت فالكلام هو في الأحكام والوصايا (إن ترك خيراً الوصية) (ووصية يعقوب لأبنائه بعبادة الله الواحد).
أما مجيء الموت في القرآن فيستعمل في الكلام عن الموت نفسه أو أحوال الناس في الموت كما في آية سورة المؤمنون (حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ {99}) يريد هذا الذي جاءه الموت أن يرجع ليعمل صالحاً في الدنيا, فالكلام إذن يتعلق بالموت نفسه وأحوال الشخص الذي يموت.. ويستعمل فعل جاء مع غير كلمة الموت أيضاً كالأجل (فإذا جاء أجلهم) وسكرة الموت (وجاءت سكرة الموت) ولا يستعمل هنا حضر الموت لأن كما أسلفنا حضر الموت تستعمل للكلام عن أحكام ووصايا بوجود الموت حاضراً مع الشهود أما جاء فيستعمل مع فعل الموت إذا كان المراد الكلام عن الموت وأحوال الشخص في الموت.
*(قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي فَإِذَا جَاء وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاء وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (98) الكهف) ما دلالة صيغة كلمة دكاء على هذا الشكل؟(د.فاضل السامرائى)
دكاء هي الأرض المستوية. يتكلم عن السد الذي صنعه ذو القرنين، جعله دكاء يعني جعله مستوياً بالأرض، دكه فجعله مساوياً للأرض. وتأتي دكاء بمعنى الرابية من الطين لكن هي التسوية في الأرض لأن ربنا تعالى ذكر (لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا (107) طه) (وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً (14) الحاقة).
*هل لكتابة كلمة رحمة ورحمت بهذه الطريقة دلالة معينة في المصحف؟ وهل إذا وجدت الدلالة نرد على من يحاول أن يرسم المصحف بالرسم الإملائي؟ (د.حسامالنعيمى)
كل من يريد أن يرسم المصحف يرسمه نقشاً على ما رسمه الصحابة الأولون لأن هذا إجماع الأمة وليس هناك في الأمة من يفتي بكتابة المصحف بالرسم الإملائي الحالي.
لو نظرنا إلى الآية 98 من سورة الكهف (قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (98)) نجدها مرسومة بالتاء المربوطة ولو نظرنا بعدها بأسطر في سورة مريم (ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2)) نجدها مرسومة بالتاء المفتوحة. وقلنا فيها رأيان؛ أحياناً يقول قُرئ بالجمع (رحمات) لكن في بعض الأحيان ما قُرئ بالجمع, ومع ذلك جاءت مرة مفتوحة ومرة مربوطة, فهذا خطهم في ذلك الزمان ونحن نتابعه في المصحف على وجه التحديد. من حيث الرسم المصحفي, إذا أردت أن ترسم مصحفاً فهذه هنا هي الأصوب وهذه هنا هي الأصوب. بالرسم الحالي الآن إذا وقفنا عليها بالهاء نرسمها بالتاء المربوطة. في رسم المصحف قول فصل: رحمة ورحمت.
آية (103):
* ما اللمسة البيانية فياختيار كلمة الأخسرين في قوله تعالى في سورة الكهف (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً {103})؟ وما الفرق بين الخاسرون والأخسرون؟(د.فاضل السامرائى)
ورد في القرآن الكريم استخدام كلمتي (الخاسرون) كما جاء في سورة النحل و(الأخسرون) كما جاء في سورة هود والنمل وآية سورة الكهف. وفي اللغة الأخسر هو أكثر خسراناً من الخاسر.
في آية سورة الكهف (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً {103} الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَصُنْعاً {104}). نلاحظ استخدام كلمة (ضلّ) مع كلمة (سعيهم) ولم يقل ضل عملهم لأن السعي هو العدو أو المشي الشديد دون العدو، وقال في الحياة الدنيا وهو يحسب أنه يُحسن صنعا ولم يقل يعمل صالحاً، والإحسان هو الإتقان في العمل وليس العمل العادي. في اللغة لدينا: فعل وعمل وصنع. أما الفعل فقد تقال للجماد (نقول هذا فعل الرياح) وقد يكون للعاقل وغيره والعمل ليس بالضرورة صنعاً فقد يعمل الإنسان بدون صنع, وأغلب ما يكون للعاقل وقلّما يُستعمل للحيوان، أما الصنع فهو أدقّ وهو من الصَّنعة وهو دقة العمل وإتقانهكما في قوله تعالى (صُنع الله الذي أتقن كل شيء), والصنع لا تستعمل إلا للعاقل الذي يقصد العمل بإتقان وإحسان.
إذن آية سورة الكهف جاء فيها سعي وإحسان وصُنع ومُضِلّ فكيف لا يكون الأخسر؟ لذا استوجب أن يؤتى بكلمة الأخسرين أعمالاً ومن الملاحظ أنه في القرآن كله لم يُنسب جهة الخُسران للعمل إلا في هذه الآية. ففي القرآن يستعمل كلمة الأخسرين ولم ترد الأخسرين أعمالاً إلا في هذه الآية لأنها الآية الوحيدة التي وقعت في سياق الأعمال من أولها إلى آخرها (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات).
والأخسرين اسم تفضيل أي أنه هناك اشتراك في الخُسران، يوجد خاسرون كُثُر سواء الكفرة والفَسَقة والظّلَمة بعضهم خاسر وبعضهم أخسر من بعض أي التفضيل فيما بين الخاسرين أنفسهم.
*ما الفرق بين النبأ والخبر؟(د.فاضل السامرائى)
النبأ أهم من الخبر وأعظم منه وفيه فائدة مهمة (وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (22) النمل) وفي القرآن النبأ أهم من الخبر (قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ (67) ص). والنبأ في اللغة هو الظهور, وقد استعمل القرآن الكريم كلمة خبر مفردة في موطنين في قصة موسى (صلى الله عليه وسلم) (قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (29) القصص) (إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا سَآَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آَتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (7) النمل) وهناك فرق بين الخبر والنبأ العظيم. وفي أخبار الماضين والرسل استعمل القرآن نبأ (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ) .
الصيغة الفعلية للنبأ (أنبأ) أقوى أيضاً منها للخبر (أخبر) (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الكهف).
ونرى في سورة الزلزلة قوله تعالى (يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4)) استعمال أخبارها مناسب للسورة لأنهتعالى ذكر الزلزلة في السورة ويوم القيامة سيكون هناك أحداثاً أعظم من الزلزلة, فالزلزلة تحدث كل يوم ونشاهدها أمامنا.
ملحوظة: في نشرات الأخبار التي تقدمها الإذاعات إن كان الخبر عظيماً يجب أن يقال نشرة الأنباء وإن كان خبراً عادياً يقال نشرة الأخبار.
آية (103):
*من هم الأخسرين أعمالاً في سورة الكهف(قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْبِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103))؟(د.حسامالنعيمى)
الآية ينبغي أن يُنظر إليها في سياقها وإلا لو اقتطعنا الآية من سياقها يبقى في الذهن معنى مختلف .
ننظر في تمام الآيات من هم الأخسرين أعمالاً؟ الذي يظنون أنهم يحسنون صنعاً ويعتقدون أنهم على صواب. ونكمل الآيات (الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104)أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا (105)) هل المسلم كفر بآيات ربه ولقائه؟ لا يقف عندها ويقول إني أحسب أني أحسن صنعاً أخشى أن هذا القول يشملني، كلا, القول لا يشمل المسلم (أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ) قال أولئك أي أبعدهم (الذين كفروا بآيات ربهم) كفروا بلقاء الله (فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا (105) ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا (106)) المسلم لا يهزأ بآيات الله ولا برسل الله عز وجل. فإذن يجب أن ينظر في سياق الآيات حتى يكون مطمئناً إلى مكانه, فالمسلم عزيز عند الله سبحانه وتعالى، الذي يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله ويعمل بمقتضاهما يكون مطمئن القلب إلى رحمة الله سبحانه وتعالى.
القراءة في المغرب وهم يحسِبون (حسب يحسِب) يظن أو يعدّ كلاهما من الحساب أو الحسبان. يقال حسَب التوقيت وحسْب التوقيت كلاهما وارد والفتح أولى (حسَب التوقيت) والسكون وارد وهو لغة.
*(قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104) الكهف) لقد سمعت أنالأخسرين أعمالاً تشمل المصلين ولكن الذين لا يزكون أو المصلين والمزكين لكن الذين لا يقدمون صدقات, فأرجو أن نعرف مَن تشمل هذه الآية الكريمة؟ (د.فاضل السامرائى)
لو استمرت الأخت السائلة بالقراءة (أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا (105)) هذه الآية تبين من هؤلاء؟ إذن هم كفار كفروا بآيات ربهم ولقائه وليسوا من المسلمين.
آية (109):
*ما الفرق بين نفد و نفذ ؟ (د.فاضل السامرائى)
المعنى مختلف، نفذ بالذال يعني خرق كما في قوله تعالى(يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ (33) الرحمن) ونفد يعني انتهى كما في قوله تعالى (قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا (109) الكهف)مع كلمات الله.
* ما الفرق بين المدّ والمدد؟ (د.فاضل السامرائى)
المدّ والمَدد (وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا (79) مريم) مصدر هذا مفعول مطلق، (وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا (109) الكهف) هذا اسم، مدد أي جنود أو غيره، المدّ هو المصدر. الضَر هو المصدر والضرر هو العلّة.
آية (110):
*ما دلالة كلمة (ليعمل) في قوله تعالى في سورة الكهف (من كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا) وهل هي جواب الشرط؟ (د.فاضل السامرائى)
قال تعالى في سورة الكهف (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً {110}). كلمة (ليعمل) في آية سورة الكهف هي جواب الشرط.
* ما الفرق بين (عَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا) و (عَمِلَ صَالِحًا)؟ (د.فاضل السامرائى)
لما يكون السياق في العمل يقول عملاً صالحاً كما في آخر سورة الكهف أيضاً (مَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا (110)) لأنه تكلم عن الأشخاص الذين يعملون أعمالاً سيئة ويكون السياق في الأعمال (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104)) والسورة أصلاً بدأت بالعمل (وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا (2)).في عموم القرآن إذا كان السياق في العمل يقول (عملاً صالحاً). أما في قوله تعالى:(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (62) البقرة) ليست في سياق الأعمال.
*في سورة الكهف (وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110)) ما دلالة الباء؟ (د.فاضل السامرائى)
(في) معناها اشتراك في أمر في مسألة من المسائل، في بيع في تجارة (وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ (111) الإسراء) يشتركون في أمر من الأمور (أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ (40) فاطر) يعني يشتركون فيها. الباء يعني يجعل له شريكاً, نحن نشترك في عبادة الله لكن لا نشرك بالله لا نجعل له شريكاً, (وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) أي أشرك به جعل له نداً أشرك معه شريكاً. لا يجوز أن نقول لا يشرك في عبادة ربه أحداً، كيف أشترك في عبادة ربنا؟ إذن نشرك على كل من يعبد الله سبحانه وتعالى أما العبادة فتحددها بأن ننزل شخصاً آخر منزلة الله نجعل له شريكاً والعياذ بالله. رغب فيه رغب عنه، رغب فيه بمعنى أحبه ورغب عنه بمعنى كره. (وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32) طه) اجعله شريكاً لي في هذا الأمر. هناك فرق بين الأمرين.
آية (110):
*ما دلالة كلمة (ليعمل) في قوله تعالى في سورة الكهف (من كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا) وهل هي جواب الشرط؟
*د.حسامالنعيمى:
يجب ألا يضيق صدر الداعية المسلم مما يجابهه. والمسلم مكلف. كلنا نقول نحن من أتباع محمد (صلى الله عليه وسلم)والرسول بشر,فإذن دعوة الناس لطاعة الله سبحانه وتعالى واجب من واجباتنا. (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110).