سورة الحج
*قال تعالى (وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ ﴿5﴾ الحج) هذه آية، الآية الأخرى (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ ﴿39﴾ فصلت) ما الفرق بين هامدة وخاشعة؟ (د.أحمد الكبيسى)
الهامدة الأرض الميتة بالكامل, فرب العالمين أحياها بالأنهار كما ذكرنا في حلقة الأنهار, أرض هامدة لا شيء فيها فهي كانت هامدة, موت كامل, أما الخاشعة لا تكون ميتة بل معبأة ببذور ومهيأة بالكامل عندما ينزل مطر, كل هذه الحياة تمشي كالقلب الخاشع إذا نزل عليه ماء الذكر, هذا الفرق بين القلب الميت (فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ ﴿46﴾ الحج) وبين أن يكون غافلاً لكن قلبه مستعد, ما أن تأتي بضعة إيمانيات حتى كل ما في قلبه من خير يخرج من أجل هذا, وطبعاً كلام كثير من آياته التي أعجبتنا. والله لا أدري والآن ربما يسمعنا نرجو من الأخ الشيخ هذا الكريم أخ أحمد محمد خطاب من ليبيا أن يرسل لنا تلفونه حتى نتواصل معه وقد نسأله عن مشاكلنا إذا أشكل علينا شيء ويبدو أنه ما شاء الله من أهل العلم.
*ما الفرق بين قوله تعالى (لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا) (لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا)؟(د.أحمد الكبيسى)
يقول تعالى: (وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا﴿70﴾ النحل) آية أخرى وهي آية الحج (وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا﴿5﴾ الحج) إذاً (لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا) (لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا) يقولون هذه (من) زائدة! كيف (من) زائدة؟ هذه (من) الـ (من) بيانية حينئذٍ هذه تغير المعنى كاملاً, الإنسان يبدأ ويتعلم ويستوعب العلم الخ فصار عنده علم عندما يبلغ من الكبر عتياً في الخمسين في الستين في السبعين, (وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا) الآن لا يستطيع أن يتعلم معلومات جديدة بالسبعين بالثمانين تحاول تعليمه لكن دون فائدة. (لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا) هذا عندما يصبح بالمائة والمائة والعشرين حتى الذي تعلّمه بالسابق نسيه، في الأولى ما نسي ومعروف طبياً أن الذي عمره في السبعين ثمانين تسعين قد لا يتعلم لكن يتذكر أيام الشباب والطفولة والعلم الذي أخذه من الجميع إلى أن يكبر فإذا كبر نسي الجميع (لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا) إذاً هذه الـ (من) ليست زائدة وإنما هذه المن تغير الصورة بالكامل.
آية (5):
* ما دلالة كتابة كلمة (لكي لا) منفصلة مرة في آية سورة النحل و(لكيلا) موصولة في آية سورة الحج؟(د.فاضل السامرائى)
قال تعالى في سورة النحل (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (70)) وقال في سورة الحج (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (5)) . أولاً خط المصحف لا يقاس عليه أصلاً لكن يبدو في هذا الرسم ملحظ بياني والله أعلم في أكثر من موطن. فمرة تكتب (لكي لا) مفصولة ومرة (لكيلا) موصولة. وأقول أن هذا ليس فقط للخط وإنما لأمر بياني هو كما ذكرنا سابقاً عن الفرق بين من بعد علم وبعد علم وقلنا أن (من) هي ابتداء الغاية أما بعد علم فقد يكون هناك فاصل بين هذا وذاك وذكرنا أمثلة (من فوقها) أي مباشرة وملامسة لها أما فوقها فلا تقتضي الملامسة بالضرورة. لكي لا يعلم بعد علم تحتمل الزمن الطويل والوصل أما قوله لكي لا يعلم من بعد علم فهي مباشرة بعد العلم فلمّا احتمل الفاصل فصل (لكي لا) وعندما وصل بينهما وصل (لكيلا).
*قال تعالى في سورة النور(أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء) لماذا جاء الطفل مفرد والذين جمع؟ (د.فاضل السامرائى)
وردت كلمة طفل في سورة النور وفي سورة غافر والحج. ووردت كلمة الطفل والأطفال في القرآن والطفل تأتي للمفرد والمثنى والجمع فنقول جارية طفل وجاريتان طفل وجواري طفل. فمن حيث اللغة ليست كلمة الطفل منحصرة بالمفرد. ولو لاحظنا في سورة الحج (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاء إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ {5}) الآيات تتكلم عن خلق الجنس وليس عن خلق الأفراد فكل الجنس جاء من نطفة ثم علقة ثم مضغة لذا جاءت كلمة طفل. أما قوله تعالى في سورة النور (وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا) بكلمة الأطفال فهنا السياق مبني على علاقات الأفراد وليس على الجنس لأن الأطفال لما يبلغوا ينظرون إلى النساء كل واحد نظرة مختلفة فلا يعود التعاطي معهم كجنس يصلح في الحكم فقال (ليستأذنكم الذين لم يبلغوا الحلم منكم) فاقتضى الجمع هنا.
* يقول تعالى (وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ) وقال في آيات أخرى (وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (7) ق)فما الفرق؟ (د.فاضل السامرائى)
أول مرة قال أنزلنا بإسناد الإنزال إلى نفسه سبحانه تعالى وهذا يسمونه التفات لأهمية الماء للإنسان. أنزلنا فيها ضمير التعظيم مع أنه قال (وألقى) أول مرة فالتفت تحول الضمير لبيان النعمة في إنزال الماء وإنبات ما ذكر من الأزواج فهذا الالتفات حتى يبين سبحانه وتعالى نعمته على الإنسان. من كل زوج أي من كل صنف فالزوج تأتي بمعنى الصنف (وَكُنتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً (7) الواقعة).
لكن لماذا اختار هنا زوج كريم وفي مكان آخر زوج بهيج؟. الكريم هو بالغ الجودة والنفاسة كثير الخير والمنفعة، والبهيج الذي يدخل البهجة على النفوس، اختيار كل كلمة لماذا اختار هنا بهيج وهنا كريم؟. يذكر في سورة لقمان أنه آتاه الله الحكمة (وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ (12)) والحكمة هي بالغة الخير والنفاسة والجودة (يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاء وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا (269) البقرة) فإذن هذا الكرم مناسب للحكمة وما فيها الخير الكثير ومناسبة لما سيذكر بعدها من الحكمة. لم تعددت الأوصاف والزوج واحد؟ ننظر ماذا قال تعالى في سورة ق: (أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاء فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ (6) وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (7)) لما قال وزيناها أليست الزينة لإدخال البهجة على النفوس؟ بلى، إذن كلمة بهيج مناسبة للزينة التي ذكرها في السماء (مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) هذه تدخل البهجة والزينة أصلاً على النفوس, ثم يقول: (وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ) كلها يدخل البهجة. كما في سورة الحج (وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (5)) ناسب بين الهمود وبين البهجة، هذه هامدة لا بهجة فيها مطلقاً فالوصف بحسب السياق الذي ورد. الموصوف قد يكون واحداً لكن الصفات تختلف وتتعدد بحسب ما تريد أن تذكره أنت في السياق فإذا أردت أن تصف شخصاً بالعلم تقول هو عالم، الكلام على أي شيء من الصفات الكلام على الخلق تقول هذا صاحب خلق وإذا كان الكلام على الدين تقول هو تقي فالصفات تتعدد بحسب المقام والسياق.
آية (11):
*ما الفرق بين خُسر ومرة خسران ومرة خسار ة؟(د.فاضل السامرائى)
الخُسر يستعمل لعموم الخسارة أو مطلق الخسارة فكل إنسان هو في خُسر قليل أو كثير كل مؤمن يرى أنه خسر شيئاً كان يمكن أن يستزيد منه ولم يستزيد. هذا الخُسر، أما الخسار فلم يستعمله القرآن إلا للزيادة في الخسارة، إذا كان واحد خاسر وزاد في الخسارة يسمى خسار لذلك لم يستعمل القرآن هذه الزيادة يسميها خسار يعني ما زاد من الخسر فوق الخسارة هذه الزيادة يسميها خسار. (وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَسَارًا (39) فاطر) يزيد، هذه زيادة إذن يستعملها في الزيادة فقط (وَاتَّبَعُوا مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا (21) نوح) يستعمل الخسار في الزيادة في الخسارة. أما الخسران فهو أكبر الخسارة وأعظمها (خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (11) الحج) لم يخسر شيئاً بسيطاً أو زيادة إنما خسر الدنيا والآخرة إذن الخسر مطلق الخسارة والخسار هو الزيادة في الخسارة والخسران أعظم الخسارة. الخسار زيادة الألف على الخُسر لما زاد في الخسار زاد الألف ولما زاد الخسران زاد الألف والنون. إذن الخسر هو البداية والخسار فوقها والخسران أعظم الخسارة، يزيد في المصدر للزيادة في الخسارة. هذا استعمال قرآني ولهذا تحداهم به.
آية (14)-(18):
*ما الفرق بين قوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ (14) الحج) (إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاء (18) الحج)؟(د.فاضل السامرائى)
يقولون الإرادة لا تقتضي وجود الشيء. مثال: ربنا سبحانه وتعالى يريد من عباده أن يعبدوه (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) الذاريات) هل فعلوا ذلك؟ لا.
قسم قالوا الإرادة كالمشيئة هناك خلاف فيها، وقسم قالوا الإرادة ليست كالمشيئة، المشيئة مُلزمة والإرادة نوعان: -_إرادة إلزام إذا أراد شيئاً إرادة إلزام يقول له كن فيكون ، يفعل ما يريد إذا أراد إلزاماً. (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) مثل قوله (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ (33) الأحزاب) هذا ما أراد ونفذ وأحياناً يريد من عباده والعباد يعصون إذن لم يلزمهم بذلك ولو أراد أن يلزمهم لألزمهم.
_وهناك إرادة أخرى إرادة مناط التكليف هذه إرادة العبادة وإرادة الناس ربنا يريد من عباده المكلفين أشياء لا يفعلونها، يستحبها لهم ويريدها منهم وهم يعصونه وهو لا يريد المعصية، المعصية وقعت إذن خلاف ما أراد الله لأنها ليست إرادة إلزام. المشيئة ملزمة ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، هذه مشيئة. المشيئة إذا شاء حصل ليس فيها وجهان أو جانبان المشيئة ملزمة إذا أراد ربنا شيئاً من عباده لو شاء يفعل ولو يريد إرادة إلزام لفعل.
آية (15):
* ما دلالة السماء في قوله تعالى(مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ) ؟(د.فاضل السامرائى)
السماء في اللغة وفي المدلول القرآني لها عدة معانى منها:كل ما علا وارتفع عن الأرض, فسقف البيت في اللغة يسمى سماء، يقول المفسرون : (أي ليمد حبلا إلى سقف بيته ثم ليخنق نفسه) فالسماء هنا بمعنى السقف.
آية (17):
د.حسام النعيمى:
إعراب (إن الذين آمنوا): إن: حرف مشبه بالفعل، الذي اسمها في موضع نصب، آمنوا: صلة الموصول. الواو هنا استئنافية أو عاطفة لجملة يعني وخبر إن محذوف سيدل عليه ما سيأتي تقديره الكلام: إن الذين آمنوا لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. ابتدأ كلاماً آخر معطوف على الكلام السابق (والذين هادوا والصابئون والنصارى) الذين: مبتدأ في محل رفع خبره (من آمن بالله واليوم الآخر فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون) جملتا الشرط والجواب يعني الذين هادوا هذا حكمهم, (من آمن بالله واليوم الآخر) هذه جملة خبر المبتدأ (الجملة خبرية جملة خبر) فماذا عندي؟ عندي مبتدأ حُذِف خبره لدلالة ما بعده عليه (لا خوف عليهم ولا هم يحزنون) جاءت الواو لتعطف الجملة الجديدة المكونة من مبتدأ ومعطوفات على المبتدأ وجملة خبرية. الذين وحدها مبتدأ وهذه (هادوا) في موضع رفع وهذه معطوفة على المرفوعات وهذا شبيه تماماً قول بِشر (إننا وأنتم بغاة) أخبر عن أنتم بقوله بغاة ولو كانت الواو عاطفة على مفرد كان لا يستطيع أن يقول أنتم. عطف الجملة واستأنفت وعطفت الجملة.
آية (17):
د.أحمد الكبيسى:
قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴿62﴾ البقرة) في آية أخرى (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ ﴿69﴾ المائدة) كلكم تعرفون أن (إن) تنصب الأول وترفع الثاني (إِنَّ الَّذِينَ) الذين منصوبة (وَالصَّابِئِينَ) الواو حرف عطف، الصابئين منصوبة بالياء لأنه جمع مذكر سالم معطوف على اسم إنّ، هذا على النحو. (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ) كيف؟ كأن أقول إن الطلاب والمعلمون! لا يصح! إن الطلاب والمعلمين كيف يأتي القرآن الكريم مرتين إن الطلاب والمعلمين وهذا صح على القاعدة وإن الطلاب والمعلمون قد حضروا كيف يعني؟ هكذا هي في القرآن الكريم، هي ثلاث آيات آية في الحج تلك آية البقرة (وَالصَّابِئِينَ) وفي آية المائدة (وَالصَّابِئُونَ) وفي آية الحج (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا ﴿17﴾ الحج) أضاف المجوس ومعها والذين أشركوا, فهمنا أن اليهود والنصارى والمسلمين الذين آمنوا أصحاب كتاب لا ينكر أنهم أصحاب كتب سماوية ولم ينحرفوا إلى الوثنية بينما هناك فِرَق انحرفت في هذه الآيات لماذا قال الصابئين والمجوس ومرة قال صابئون ومرة قال مجوس؟ هذه الآيات الثلاث تتكلم عن حُسن الخاتمة وحُسن الخاتمة نظام رباني (ومنكم من يعمل بعمل أهل النار حتى لا يبقى بينه وبين النار إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخل الجنة) ولو قبل الموت بساعة بدقائق قبل أن يغرغر يقول لا إله إلا الله محمداً رسول الله انتهى نجا (فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) هذه قاعدة ربانية لا تختلف، كل مسيء إذا أحسن قبل الموت فقد نجا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (الأعمال بخواتيمها) وكما قال (إنما يبعث المرء على ما ختم عليه) هذه قضية ثانية. إذاً رب العالمين في هذه الثلاث آيات يعطينا عدة أنظمة. هناك مسميات كالذين آمنوا والذين هادوا والنصارى ثلاثة, هؤلاء من صنف هؤلاء, يتبعون أنبياء معروفين مشهورين وهؤلاء كلٌ آمن بنبيه على اختلافٍ بينهم في بعض القضايا ولكنهم يبعثون على أنهم من أتباع رسولٍ محددٍ معين ولا يبعثون مع الذين تركوا نبيهم إلى تحريفٍ أو تخريفٍ آخر كاملاً، هذا واحد, إذاً هناك ناس من أمم الرسل، هذا واحد. هناك ناس كانوا من أمم الرسل ولكنهم تركوا جزءاً أو كلاً حتى انزلقوا إلى الوثنية لكنهم في البداية كانوا يتبعون رسولاً صحيحاً نبياً صحيحاً حقيقياً كالصابئة وسنتكلم عنهم بعد قليل. هؤلاء ناس من أتباع الأنبياء ولكن في الأخير صار عندهم شيء من الخلل وأصبحوا بين اليهود والنصارى لا هم يهود ولا هم نصارى يعني صار تحريفهم كبيراً هؤلاء صنف لكنه محسوب مع الذين يؤمنون بأنبياء حقيقيين ولو أنهم ابتعدوا عنهم. وهناك ناس لا، مشركون لا يؤمنون بنبيٍ، لا قبل هذا في ناس يؤمنون بنبي ولكن ليس نبياً حقيقياً هو نبيٌ متنبئ يدعي النبوة وهو ليس نبياً وهم المجوس هذا صنف ثالث الصنف الرابع المشركون والوثنيون. رب العالمين عز وجل من رحمته شمل هؤلاء جميعاً بأن كل واحد منهم يتوب قبل الموت فإنه ناجٍ (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا) إذا آمن وعمل صالحاً انتهى. طبعاً هو جمع الذين آمنوا يعني المسلمون واليهود والنصارى والصابئين والصابئون هؤلاء من أتباع الأنبياء ولو أن الصابئين تغيروا قليلاً إلى حدٍ ما أكثر من الجميع لماذا رب العالمين رفعها؟ رفعها كما يقول أحد المفسرين طاهر بن عاشور رضي الله تعالى عنه وهو مفسر عظيم يقول: عن صابئون لأنهم فعلاً ربما لما نزل قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ) ناس قالوا صابئين؟ كيف تجعلون الصابئين مع الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى هؤلاء ثلاثة من الأديان الرئيسية وهؤلاء رسل حقيقيون والخ؟ هؤلاء الصابئة تغيروا راحوا اندثروا، الله قال والصابئون كذلك فالصابئون مبتدأ وخبرها محذوف تقديره كذلك. إذاً معنى الصابئون لكي يلفت النظر إلى أن من أنكر على أن يكون الصابئون مع الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى رب العالمين قال لك لا هو معهم كذلك فلا ينبغي أن تعجب (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِونَ) كذلك هذا جوابٌ لمن عنده اعتراض على الصابئين قال لك هؤلاء في يوم من الأيام كانوا أبتاع نبي وهم موحدون وعندهم خرافات ووثنيات طبعاً الصابئون ليسوا نوعاً واحداً حقيقة هم عدة أنواع وأفضلهم الصابئة المندائيون هؤلاء يصلون ويصومون وعندهم نبي ولكن عندهم بعض الأشياء انحرفوا إليها كالتعميد في الماء وما شابه يعني ابتعدوا عن سمت الديانات السماوية. أما الحرانيون اللي هم وثنيون تماماً انقرضوا المندائيون صاروا في العراق مكانهم في الفرات ولا يزالون حوالي مائة ألف واحد – كما يقول بعض المحققين – توسعوا بعد هذه الأحداث الأخيرة في العراق والحروب وهذا الاحتلال الخ منهم من ذهب إلى الكويت ومنهم من ذهب إلى سوريا وقسم منهم إلى أستراليا وفتحوا لهم مراكز وهم غامضون يوحدون الله سبحانه وتعالى يغتسلون من الجنابة يتوضأون يصومون يصلون على طريقتهم الخاصة عندهم الصلوات سبع مرات يعني لكنهم محسوبون على نبيٍ حقيقي هؤلاء جانب واحد، أصحاب الأديان ثم الله قال (وَالْمَجُوسَ) أيضاً ولو أن نبيهم غير صحيح فهو متنبئ كذاب لكنهم يؤمنون بأن هناك أنبياء. كونه يؤمن بأن هذا نبي إذاً معناه أنه هو عنده فكرة عن الأنبياء وعنده فكرة أن الله يرسل الأنبياء فهو يعلم أن الله سبحانه وتعالى يرسل أنبياء. فواحد ادّعى النبوة كما ادّعى مسيلمة ولو شاء الله سبحانه وتعالى أن ينجح مسيلمة لكان عندنا الآن فرقة كبيرة اسمهم المسيلميون يدّعون أن مسيلمة هو النبي إذاً هم يؤمنون بأن هناك نبوة ورب العالمين يقول كما قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة (أخرجوا من النار من كان في قلبه ذرة من إيمان) واحد يعلم أن الله موجود، إله كما هم الصابئة موحدون يعلمون بأن الله واحدٌ لا إله إلا هو ولكن ناس قالوا هذا عنه وناس قالوا كذا فهؤلاء المندائيون يعني أقرب الناس إلى أصحاب الأديان فهم لا يهود ولا نصارى ولكنهم يصلون ويؤدون الزكاة يتصدقون يؤمنون بالطهر لازم تكون دائماً طاهر بيتك طاهر ولهذا يستحمون في الماء إلى حد أن بعضهم عبد الماء. كلمة صابئة مأخوذ من لغتهم المندائية تعني الانغماس بالماء أو التعميد أو الاغتسال أو التطهير وكلها ممكن استعمالها ولهذا هم كما أن النصارى يعمدون فهم يعمدون أيضاً، لهذا قال سيدنا علي كرم الله وجه عن المجوس (سنوا بهم سنة أهل الكتاب).
الشيخ الشعراوي رحمة الله عليه عنده التفاتة حلوة قال: (العرب أصحاب أذن حساسة في اللغة) يعني كثيراً ما يقرأ من الصحابة واحد موجود من البدو من الأعراب يقول لك الله ما يقول هذا الكلام؟ فالأذن حساسة في اللغة كالشعراء يعرف الزحاف متى يكون؟ إذا واحد قرأ بيت أي زحاف يقول له هذا غير موزون. ولهذا رب العالمين سبحانه وتعالى كما يقول لك واحد كان جالساً عند المنصور لما ولي الحكم واحد أعرابي جالس والمنصور يخطب وهو أمير المؤمنين وحكم العالم فأخطأ قال له أنت أخطأت رجع وعاد الكلام بعد ساعة أخطأ قال له ما هذا؟ أخطأ باللغة وبعد قليل أخطأ قام هذا الإعرابي وقال: (والله أعلم أنك وليت الأمة بالقضاء والقدر) يعني أنت لا تستحق الحكم لكن قضاء وقدر أتى بك ولا واحد أمير عربي يغلط ثلاث مرات هكذا فرب العالمين نزل القرآن العرب وهو معجزتهم فرب العالمين لما قال (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ) ساكتين ولكن لما قال (وَالصَّابِئُونَ) كلهم انتبهوا. إذاً الصابئون أداؤه سبب من أسباب شدة انتباه المسلمين أيها العرب المسلمون انتبهوا إلى هذه الكلمة الصابئون مقصودة لنفسها ولذاتها عليكم أن تدرسوها دراسة مستقلة, فالصابئون إذاً مرفوعة على أساس لفت الانتظار كما واحد يدق جرس أو يدق طاولة حتى الناس ينتبهون فالقرآن دق الحروف فلما قال (وَالصَّابِئُونَ) كلٌ فز ما الصابئون؟ يعني انتبهوا وأعربوها كما تشاءون ولكن انتبهوا إلى أن الصابئين لهم وضعٌ خاص.
سؤال: لكن سيدي الفاضل إذا كانت القضية قضية حسٌ لغوي وهذا الحس اللغوي منذ القرون العباسية بدأ يخفت فلم ننتبه إلى سر هذا العلو سور هذا الرفع في هذه الكلمة في قرونٍ متأخرة ولم نعاملهم معاملة أهل الكتاب في بعض الأحيان؟
نحن الآن في عصر العجمة اللغة العربية لغة الآن لا يعرفها إلا القلة من الناس البارعون فيها.
سؤال: لذلك كثيراً مما ورد في هذه الآية والتي تشير إلى أن يعاملوا معاملة أهل الكتاب فيخيرون بين الإسلام والجزية وفي حالة مقاتلتهم إيانا القتال فقط؟
كما قال عن المجوس في الأثر (سنوا بسنة أهل الكتاب) الإسلام يريد أن يدفع القتل وسواء كان حدود أو قطع يد أو رجم أو جلد أو قصاص بكل الوسائل فمن ضمنها كما تفضلت “سنوا بهؤلاء المجوس سنة أهل الكتاب” لماذا؟ هم يقولون عندنا نبي يعني معناه أنه يعرف أن هناك رب وأنبياء ورسل لأدنى شيء في الأثر قال سواء كان حديثاً أو قول سيدنا علي حينئذٍ, نقولك الفكرة العامة حسن الخاتمة حتى في الدنيا, هذا مبدأ في تطور فما الفرق بين أمة متخلفة وأمة متقدمة؟ الشيخ محمد بن راشد له كلمة جميلة في كتابه القيم “رؤيتي” أعتقد في الفصل الثالث في الجزء الثاني يقول (ليس المطلوب أن نتمرد على الماضي, يعني فقط ليس المفروض أن نخرج من الماضي إلى المستقبل إنما المطلوب أن لا نبقى نعيش في الماضي), يعني أنت قد تعيش في عقلية الماضي في عقلية التفكير الماضي بأساليبه بحكمه بعمرانه صحيح أنك في القرن الواحد والعشرين لكن أنت تعيش القرن الأول أنت تحررت من الماضي لكن ما زلت أنت ساكن فيه وعايش فيه. هذا معناه أنت لما تكون مسلم كهذه الآية (مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا) أنت سواء كنت يهودياً مجوسياً صابئياً كل شيء حتى مشرك وثني تركت هذا وآمنت هذا صحيح أنت تركت الماضي وصرت في المستقبل، إياك أن تبقى عايشا في الماضي وأنت في المستقبل. يعني على واقعنا الحالي هناك إنسان ترك الخمر ولكن كل ما يرى الخمر يتذكر ويتمنى وبشكل رومانسي, وهذا النبي صلى الله عليه وسلم لما جاء وحرم الإسلام الخمر منع أحد أن يستعمل أواني الخمر لأنه يحن لها كما قال الشيخ محمد (هو لسه عايش في الماضي ولو أنه تركه)، لماذا الإسلام حرّم التماثيل لأن الناس ما زالوا يعرفون الأصنام التي كانوا يعبدونها, لا يحن حينئذٍ, هذه قاعدة عامة في الحياة في القيادة في الشغل في العمل في التطور في البناء في الاختراع في الأفكار إياك أن تترك الماضي للمستقبل ولكنك تعيش فيه، حرِّر نفسك من البقاء في الماضي وليس من الماضي وحده كل الناس تتحرر من الماضي وكل الناس تدعي التقدم تحررنا من الماضي ولكننا ما زلنا نحيى فيه, حرر قلبك من أن تعيش في الماضي وليس التحرر من الماضي وحده.
آية (17):
*لماذا جاءت كلة الصابئون مرفوعة في الآية {69}في سورة المائدة ومنصوبة في آية الحج(17)؟
د.فاضل السامرائى:
قاعدة نحوية: العطف على اسم إنّ يجب أن يكون بالنصب ولكن قد يُعطف بالرفع وليس فيه إشكال. وكلمة الصابئون معطوف بالرفع على منصوب ليس فيها إشكال كما في قوله تعالى في سورة التوبة (أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ {3}) فهي جائزة من الناحية النحوية والعطف بالرفع على منصوب وارد في النحو.
وفي آية سورة المائدة إنّ تفيد التوكيد عندما تذكر أمر مرفوع بمعنى أنه ليس على إرادة التوكيد (الصابئون) ليست على إرادة التوكيد بإنّ. والصابئون معناها غير مؤكد وعلى غير إرادة إنّ، ولو أراد إنّ لنصب كلمة (الصابئون). إذن لماذا لم ينصب الصابئون؟ لأن من بين المذكورين في الآية الصابئون هم أبعدهم عن الإيمان. إذن فلماذا قدّمهم على النصارى؟ ليس بالضرورة أن يكون التقديم للأفضل ولكن التقديم هنا لمقتضى السياق. فالسياق في سورة المائدة هو ذمّ عقائد النصارى وأنهم كفروا بالله الواحد وجعلوا له شركاء ولهذا قدّم الصابئون على النصارى لكن رفعها للدلالة على أنهم (الصابئون) أبعد المذكورين في الضلال ولأنهم أقلّ منزلة، وكأن النصارى أشد حالاً من الصابئين لكن بما أنهم أهل كتاب عطفهم على اسم إنّ بالنصب. وكلمة الصابئون تُعرب على أنها مبتدأ وقد تكون اعتراضية وخبرها محذوف بمعنى (والصابئون كذلك)، أما كلمة النصارى فهي معطوفة على ما قبلها.
لماذا إذن في سورة الحج (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ {17}) قال (الصابئين) منصوبة وقدمهم على النصارى؟
السياق في سورة الحج موقف قضاء والله تعالى لا يجوز أن يفصل بين المتخاصمين (وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل) ولا يمكن له سبحانه أن يُفرّق بينهم ما داموا في طور الفصل (لذا جاءت الأسماء كلها منصوبة بإنّ) فالمتخاصمين إذن يجب أن يكونوا سواء أمام القاضي.
والعجيب في هذا قوله تعالى (إن الله يفصل بينهم) وفي آية أخرى في سورة السجدة (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ {25}) لأنه هنا ربنا سبحانه وتعالى جعل الذين آمنوا من جملة المتخاصمين فلم يقل (ربك) حتى لا ينحاز للمؤمنين وإنما جاء بالاسم الأعمّ وهو (الله). وفي آية سورة السجدة ليس فيما قبلها جماعة من جماعة المؤمنين.
والاختيار هنا ليس للقضاء فقط وإنما هناك أمر آخر وهو السِمة اللفظية، فكلمة (ربك) وردت في سورة الحج ثلاث مرات ووردت في السجدة عشر مرات، وكلمة (الله) وردت 76 مرة في سورة الحج ومرة واحدة في سورة السجدة لذا اقتضى أن يأتي بكلمة (ربك) في سورة السجدة وكلمة (الله) في سورة الحج.
حتى أنه في آية سورة الحج لم يأت بـ (هو) (إن الله يفصل بينهم) وجاء بها في آية سورة السجدة (إن ربك هو يفصل بينهم) لأن خاتمة آية سورة السجدة (فيما كانوا فيه يختلفون) وخاتمة آية سورة الحج (إن الله على كل سيء شهيد) والاختلاف هو مظنّة الفصل لذا جاء بـ (هو) في آية سورة السجدة ولا يوجد اختلاف في آية سورة الحج.
*ما الفرق بين الحكم والفصل في القرآن الكريم؟(د.فاضل السامرائى)
الحكم القضاء, والفصل أشد لأنه يكون بَوْن أحدهما، أن يكون بينهما فاصل حاجز, إذن الفصل أشد فإذن لما يقول في القرآن يفصل بينهم تكون المسافة أبعد كأن يذهب أحدهم إلى الجنة والآخر إلى النار, أما الحكم فلا وقد يكون في ملة واحدة، نضرب أمثلة: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَىَ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (113) البقرة) هؤلاء يذهبون معاً إلى جهة واحدة اليهود والنصارى كلاهما ليس أحدهما إلى الجنة والآخر إلى النار فليس فيه فصل. (إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (124) النحل) اختلاف في ملة واحدة وهم اليهود، وكلهم يذهبون معاً إلى جهة واحدة مع بعض. (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (3) الزمر) كلهم يذهبون إلى جهة واحدة. (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (17) الحج) هؤلاء لا يذهبون إلى جهة واحدة فهم فئات مختلفة إذن يفصل. الفصل يتضمن الحكم حكم وفصل فيكون أشد. ولذلك قال المفسرون في قوله تعالى (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ (24) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (25) السجدة) قالوا الفصل بين الأنبياء وأممهم وبين المؤمنين والمشركين. فإذن الفصل حكم لكن فيه بَوْن كل جهة تذهب إلى مكان لذا قال في سورة ص (خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ (22)) هذا حكم قضاء.
آية (18):
* ما الفرق بين استعمال من وما في قوله تعالى (ولله يسجد من في السموات والأرض) وقوله تعالى (ولله يسجد ما في السموات والأرض)؟(د.فاضل السامرائى)
(من) تستعمل لذوات العقلاء وأولي العلم فقط, أما (ما) فتستعمل لصفات العقلاء (ونفس وما سوّاها، فانكحوا ما طاب لكم من النساء) (وما خلق الذكر والأنثى) والله هو الخالق، (ونفس وما سوّاها) والله هو المسوي، وذوات غير العاقل (أشرب من ما تشرب) وهي أعمّ وأشمل. لكن يبقى السؤال لماذا الاختلاف في الاستعمال في القرآن الكريم فمرة تأني (من) ومرة تأتي (ما)؟
ونستعرض الآيات التي وردت فيها (من) مع السجود : قال تعالى في سورة الرعد (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ {س}(15)) والطوع والكره من صفات العقلاء فاستعمل (من) الكلام في العقلاء أيضاً فاستخدم (من).
أما في سورة النحل في قوله تعالى (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ (48) وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (49)) الدابة أغلب ما تستعمل في اللغة لغير العاقل وهي عامة وشاملة فاستعمل (ما) كما أنه في الآية جاءت كلمة (شيء) وهي أعمّ كلمة. وعليه فإنه من ناحية العموم ناسب استعمال (ما) ومن ناحية استعمالها لغير العاقل ناسب استعمال (ما) لأن الدابة كما أسلفنا تستعمل في الغالب لغير العاقل.
ونلاحظ في القرآن أنه تعالى عندما يستعمل (من) يعطف عليها ما لا يعقل كما في قوله تعالى في سورة الحج (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ {س}(18)). أما عندما يستعمل (ما) فإنه يعطف عليها ما يعقل (ولله يسجد .. دابة والملائكة) وهو خط بياني لم يتخلف في القرآن أبدا والحكمة البيانية منه الجمع.
وكذلك استعمال من مع فعل يسبّح كما في قوله تعالى في سورة الإسراء (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (44)) وفي سورة النور (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (41)). واستعمال (ما) كما في قوله تعالى في سورة الحشر (هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (24)) وسورة الجمعة (يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1)) وسورة التغابن (يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1)) وسورة الحديد (سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1)) والحكمة البيانية من ذلك جمع كل شيء.
آية (19):
*ما دلالة استعمال صيغة الجمع مع أن الخصمان مثنى في قوله تعالى (هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ (19) الحج)؟(د.حسام النعيمى)
لو نظرنا في السياق ولو أكملنا الآية لتبين لنا ذلك هما هذان خصمان لم يكونا شخصين وإنما مجموعتين مجموعة هنا (فالذين كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ (19) يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (20) وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (21) كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (22)) إذن هذا الخصم الأول، هذا جمع ما قال فالذي كفر وإنما قال (فالذين كَفَرُوا). بعدها (إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (23) وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ (24)) هذا الخصم الثاني. كلمة الخصم تستخدم في القرآن الكريم للدلالة على المفرد والمثنى والجمع نقول: هذا خصم، هذان خصم، هؤلاء خصم ويمكن أن نقول هؤلاء خصوم فتستعمل كلمة خصم للإفراد والتثنية والجمع. لما استعمل خصمان أي فئتان وليس بمعنى فرد بدليل ما أتبع ذلك. صحيح قال خصمان لكن قال اختصموا لأنهم جماعتان.
من أسباب النزول للآية موضع السؤال يقولون أنها نزلت في بدايات غزوة بدر. سبب الخصام هو من أجل الله سبحانه وتعالى وفي سبيل الله تعالى. يقولون هي نزلت فيما وقع في أول معركة بدر لما خرج الإمام علي رضي الله عنه وكرم الله وجهه وسيد الشهداء حمزة وشيبة هؤلاء قال المشركون أخرجوا لنا نظراءنا من قريش فهؤلاء خصم ويقابلهم الثلاثة الذين هم من قريش. هذا في الأصل لكن كما نقول دائماً خصوص السبب لا يقيّد عموم اللفظ فالآية عامة وإن كانت نزلت في هذين الخصمين.
آية (19):
*ما دلالة (من) في قوله تعالى(يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ (19) الحج) ؟(د.فاضل السامرائى)
(من) يسموها ابتداء الغاية. لو حذف (من) يقول يسلك بين يديه. ما الفرق بينهما؟ بين يديه يعني أمامه قد يكون الرصد قريباً أو بعيداً والخلف قد يكون بعيداً أو قريباً، خلفك يمتد إلى ما لا نهاية. بينما (من) ابتداء الغاية ملاصق لا يسمح لأحد بأن يدخل مثلاً (وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا (10) فصلت) من فوقها الرواسي ملاصقة للأرض لو قال فوقها تحتمل (أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاء فَوْقَهُمْ (6) ق) (وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّور (63) البقرة) ليس ملاصقاً لهم وإنما فوق رؤوسهم، (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ (19) الملك)، (وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ (75) الزمر) ليس هنالك فراغ بين العرش والملائكة. (لَهُم مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ النَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ (16) الزمر) مباشرة عليهم لو قال فوقهم تحتمل بُعد المسافة. (يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ (19) الحج) مباشرة على رؤوسهم، (وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا (9) يس) ملتصق حتى لا يتحرك ولو قال بين أيديهم يحتمل أن يكون قريباً أو بعيداً، (وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ (5) فصلت) كل المسافة بيننا مملوءة ولو قال بيننا قد يكون أي حاجز أما من بيننا يعني المسافة أكبر، من بيننا يعني كل المسافة. إذن (من) لابتداء الغاية وبهذا نفهم (جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ) من تحتها درجة أعلى من تحتها (وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ (100) التوبة). كل (من تحتها) معهم الرسل أما تحتها ليس معهم الرسل (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ) هؤلاء ليس معهم الرسل.
سؤال: هل هنالك معاني للحروف في اللغة العربية؟
هناك كتب كثيرة مؤلفة في معاني الحروف مثل المغني اللبيب وغيره.
*ما دلالة ذكر وحذف (من) في قوله تعالى (وما أرسلنا من قبلك رجالاً) وقوله (وما أرسلنا قبلك إلا رجالاً)؟ (د.فاضل السامرائى)
قال تعالى في سورة الحج:(يُصبّ من فوق رؤوسهم الحميم) أي ليس هناك فاصل بين الرأس والصبّ حتى لا تضيع أية حرارة لأن العاقبة لهذا الصبّ أن يُصهر به ما في بطونهم. وكذلك في قوله (ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ {48} ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ {49} الدخان) وهذا العذاب أخف من الأول (من فوق رؤوسهم).
آية (24):
* (وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ (24) الحج) لما قال هدوا ولم يقل اهتدوا أو هداهم الله؟(د.فاضل السامرائى)
نقرأ الآية (إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (23) وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ (24)) هذه في الجنة يُدخلهم ويهديهم، يرشَدون إلى أماكن يسمعون فيها أقوالاً طيبة (سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24) الرعد)، يهدون يرشدون إلى أماكنهم التي يسمعون فيها، (وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ) هُدوا إلى صراط الجنة كما قال (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا) الملائكة تهديهم إلى أماكنهم في الجنة. وفي جهنم قال (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا) أيضاً، هؤلاء يهدون إلى صراط الحميد وأولئك يهدون إلى النار. هؤلاء ملائكة العذاب تسوقهم إلى النار وهؤلاء ملائكة الرحمة تسوقهم إلى الجنة وتهديهم إلى أماكنهم مرشدون إلى أماكن يسمعون فيها أقوالاً طيبة . قال تعالى (هدوا) ببناء الفعل لما لم يسمى فاعله لأن الملائكة يهدونهم ويأخذون بأيديهم. دلالة الفعل الذي لم يسمى فاعله هذا أبلغ والمراد بالفعل الملائكة لو قال وهداهم ربهم يكون الله تعالى هو الذي هداهم لكن في قوله وسيق الذين اتقوا الملائكة تسوقهم وفي آية أخرى قال (فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ) قد يكون هذا الأسلوب في مواطن التي فيها سخرية قد يسخر منهم.
آية (27):
* ما دلالة الخطاب بـ (يا أيها الناس) في الحج (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ (27) الحج) (وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا (97) آل عمران) بينما الخطاب في الصلاة وغيرها بـ (يا أيها الذين آمنوا)؟(د.فاضل السامرائى)
الحج يختلف عن كل العبادات. لما قال تعالى (وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ) هذه دعوة للناس أجمعين للدخول في الإسلام بخلاف ما لو قال صلّوا أو صوموا. دعوة لجميع الناس للدخول في الإسلام، كيف؟ الصلاة الصيام والزكاة الديانات مشتركة فيها. وكفار قريش كانوا يصلّوا (وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاء وَتَصْدِيَةً فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ (35) الأنفال) فلو قال صلّوا لقالوا إنما نصلي ولو قال زكّوا لقالوا إننا نزكّي ولو قال صوموا لقالوا إننا نصوم، إذن هذه الدعوات لو قالها لا تكون دعوة للدخول في الإسلام بخلاف الحج. لم يكن أهل الكتاب من النصارى واليهود يحجون إلى بيت الله الحرام. فلما قال تعالى (وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ) معناها كلٌ مدعوون للدخول في الإسلام لأن هذه العبادة الوحيدة التي لم تكن عند أهل الكتاب. هم كانوا يصلّون ويصومون ويزكّون إلا الحج فلم يكونوا يحجون لمكة. ولذلك هذه دعوة للدخول في دين الله. الحد يختلف عن بقية العبادات لأن بقية العبادات موجودة. إذن هو دعوة للدخول في الإسلام وإقامة هذه العبادة.
* ما دلالة تأنيث (يأتين) في قوله تعالى (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) الحج) ولماذا لم تأتي يأتونك؟(د.فاضل السامرائى)
أولاً ذكر تعالى في الآية قسمين :
رجالاً أي مشاة يمشون على أرجلهم وليس بمعنى رجال عكس النساء.
على كل ضامر: أي الركبان على كل ضامر. والضامر هي المهزولة من التعب والسفر من كل فج عميق ولذا تناسبت كلمة ضامر مع فج عميق للدلالة على التعب والسفر الطويل الذي جعل الإبل مهزولة.
فالمعنى أن يأتوك مشاة ويأتوك ركباناً على كل ضامر وهذه الإبل يأتين من كل فج عميق (يأتين) وصف لما يُركب وعادة تكون الإبل في المسافات الطويلة وليس للنساء. فيأتين تعود على كل ضامر ولا تعود على نساء أو غيرهم. فرجالاً تعني مشاة على أرجلهم وركباناً (على الحيوانات الضامرة التي تأتي من كل فج عميق).
* ما دلالة “من كل فج عميق” ولم يقل فج بعيد؟(د.فاضل السامرائى)
أصلاً الاختيار لكلمة فج وكلمة عميق هو أنسب للضمور الذي هو الهُزال (وعلى كل ضامر). نقف مع الآية: رجالاً أي يمشون على أرجلهم وركباناً على كل ضامر (بهائم ضامر) وهذه الضمائر تأتي من كل فج عميق، هذه الحيوانات الضامرة تأتي من كل فج عميق. اختيار كلمة عميق أنسب مع الضمور لأن أصل الفج في اللغة الطريق في الجبل وطبعاً لا شك أن السير في الطريق الجبلي أدعى للضمور. عميق نقيض العلو والارتفاع، السير في طريق مستوي أيسر من السير في طريق فيه علو وارتفاع، إذن السير في طريق مرتفع يؤدي إلى الضمور. إذن عميق أدعى إلى الهزال والفج أدعى إليه أيضاً.
ليس هذا فقط وإنما الحج هو رفعة وعلو أصلاً عند الله لأنه مدعاة إلى مغفرة الذنوب معناها السائر إلى طريق الحج يرتفع عند الله منزلة وكلمة فج وعميق أنسب من بعيد وبينهما مناسبة لأن كونه يأتي من فج عميق فهو ضامر وعميق أنسب مع الحج لأنها ارتفاع والحج ارتفاع وكلمة بعيد لا تعطي هذا المعنى قطعاً.
*كلمة ضامر في الآية (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) الحج) ما معناها وما مضمونها؟ وما اللمسة البيانية في (فج عميق)؟ (د.فاضل السامرائى)
البعض فسرها على أنه الدابة لكن البعض يقول هذا قصور في التفسير لأنها لا تشكل وسائل النقل الحديثة.
الضامر المهزول من السفر، ما يُركب من الحيوانات وعادة الإبل إذا ركب أحدهم عليها فستكون مهزولة من كثرة السفر الطويل خاصة أنها (مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) وذكرنا سابقاً أنه قال عميق ولم يقل بعيد لأن الارتفاع أصعب من مجرد البعد في الأرض المستوية، قال من كل فج عميق وإن كان المقصود به البعد لكن كلمة العمق أدل على المشقة حتى كلمة فج أشق من كلمة طريق لأن كلمة فج أصلها طريق في الجبل. فج هي طريق وعر في الجبل والجبل فيه صعود ونزول، فإذن فج وعميق كلها تدعو إلى الضمور، إضافة إلى أن الحج ارتفاع عميق، الحج أليس ارتفاعاً إلى الحسنات ورفعة في المقام فـ (يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) يصعدون إلى الأعلى يصلون إلى مكانهم فكلمة (عميق) أنسب من كل ناحية من كلمة بعيد. والضامر هي الإبل أو كل ما يُركب من الدواب الطائفة الهزيلة من السفر. وقوله (رِجَالًا) يعني يمشون على أرجلهم وهي جمع راجل أي الذي يمشي على رجليه. (يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) يأتون إما رجالاً أو على كل ضامر ركباناً والكل يأتي من كل فج عميق. وقال (يَأْتِينَ) للدواب الإبل تأتي من كل فج عميق يعني مسافة طويلة، القريب يأتي مشياً والبعيد كيف يأتي مشياً؟ (يَأْتُوكَ رِجَالًا) هذا قسم و(وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) يأتوك مشاة وركباناً.
سؤال: كنا نفهم (يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) هؤلاء صنفان الصنفان يأتين من كل فج عميق فهل نقول يأتون؟
لو كان لكان غلّب الرجال بينما قال (يَأْتِينَ) يعني للدواب.
آية (28):
* ما الفرق بين خاتمة الآيتين (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (28) و (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرّ (36) ؟(د.فاضل السامرائى)
القانع هو المحتاج الذي لا يسأل ويرضى ويقنع بما عنده، والمعترّ هو السائل الذي يتعرض بالسؤال والبائس الذي أصابه البؤس والشدة والفقير المعتاد.
* ما الفرق في استخدام كلمة الأنعام في الآيات في سورة الحج (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (28)) (وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30)) (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ (34))؟(د.فاضل السامرائى)
قسم من اللغويين فرّق بين بهيمة الأنعام فقالوا بهيمة الأنعام ما أُلحِق بالأنعام. الأنعام هي البقر والغنم والمعز والإبل (ثمانية أزواج). البهيمة من ذوات الأرواح، ما لا عقل له، تسمى بهائم. البهيمة أعمّ والأنعام جزء منها. البهيمة كل ما له روح ولا عقل له حتى الوحوش والأنعام بهائم. (بهيمة الأنعام) قسم من أهل اللغة قالوا هي ما ماثل الأنعام وأدخلوا بها الظباء وبقر الوحش هي مما يؤكل فقالوا هذه من المُلحَق وكل مجترّ قالوا يدخل في بهيمة الأنعام. كل ما يماثل الأنعام في الاجترار وعدم الأنياب قالوا هو بهيمة الأنعام وليس الأنعام، يعني الظباء، بقر الوحش ، كل ما يجترّ وليس له ناب مما يؤكل دخل في بهيمة الأنعام.
وهنالك أمر آخر من حيث اللغة في رأيي: (بهيمة الأنعام) عندنا عموم وخصوص، بهيمة الأنعام إضافة العام (البهيمة) إلى الخاص (الأنعام) كما نقول يوم الخميس: اليوم عام والخميس خاص، شهر ورمضان الشهر عام ورمضان خاص، كتاب النحو، علم الفقه، شجر الأراك، إضافة العام إلى الخاص وهذا من أساليب العربية وموجود في القرآن. لماذا ورد هنا؟ نرجع للآيات التي ذكرها قال تعالى (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (28) وآية أخرى مشابهة لها (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ (34)هو يتكلم عن أيام الحج، ذِكر الله وذِكر أسماء الله في أيام الحج فقط على هذه أو عام؟ هو ذِكر عام ليس فقط على بهيمة الأنعام وإنما الذكر في الحج أمر شائع (فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ (198) البقرة) (فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا (200) البقرة) (وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ (203) البقرة) وقال هنا (على ما رزقهم من بهيمة الأنعام) العامّ ذكر الله والخاص (على ما رزقهم من بهيمة الأنعام) إذن هنا جاء بأمر عام بعده خاص. ذِكر اسم الله عامّ، على ما رزقهم خاص لأن ذكر الله في أيام الحج هو عامّ. لكنه في الآية ذكر (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (28) إذن ذكر خاصاً بعد عام وبهيمة الأنعام خاصٌ بعد عامّ. نفسها الآية الأخرى (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ (34) ذِكر اسم الله عام وهو قال (على ما رزقهم من بهيمة الأنعام) صار خاصاً. خاص بعد عامّ وبهمية الأنعام خاص بعد عامّ.
لكن لما ذكر الأنعام (وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30)) ليس فيها ذكر ولا شيء لأن الكلام في الأنعام تحديداً. أما في الأولى خاص بعد عام وكل خاص بعد عامّ جاء (بهمية الأنعام).هذه مناسبة فنية عجيبة في اللغة وهذا من باب التناسب.
آية (31):
*ما دلالة كلمة ريح ؟(د.فاضل السامرائى)
كلمة ريح في القرآن الكريم تستعمل للشّر كما في قوله تعالى في سورة الحجّ (حُنَفَاء لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ {31}).
آية (34):
* ما هو السلوك التركيبي للفعل يُسلم من حيث التعدّي واللزوم؟ هنا جاء الفعل يُسلم متعدياً بـحرف الجر (إلى) وفي مواطن أخرى في القرآن متعدياً بحرف الجر اللام (فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (34) الحج) (فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلّهِ (20) آل عمران) فما الفرق بين تعديه باللام وتعديه بإلى؟(د.فاضل السامرائى)
أكثر ما ورد في القرآن متعدياً باللام ولم ترد إلا هذه الآية في سورة لقمان (وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ)، البقية باللام أو من دون حرف جر (وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا (14) الحجرات). ما الفرق بين أسلم إلى وأسلم لـ؟ ما الفرق بينهما في الدلالة؟ أسلم بمعنى انقاد وخضع ومنها الإسلام الانقياد. أسلم إليه أسلم الشيء إليه أي دفعه إليه، أعطاه إليه بانقياد هذه أسلمه إليه أو فوض أمره إليه وهذا المشهور، من التوكل.
أسلم لله معناه انقاد له وجعل نفسه سالماً له أي خالصاً له، أخلص إليه. لما قالت ملكة سبأ (وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (44) النمل) انقدت له وخضعت وجعلت نفسي سالمة له خالصة ليس لأحد فيه شيء. وإبراهيم (عليه السلام) قال (قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) أسلم له أي انقاد له وجعل نفسه خالصة له أما أسلم إليه معناها دفعه إليه لذا يقولون أسلم لله أعلى من أسلم إليه لأنه لم يجعل معه لأحد شيء، ومن يسلم وجهه إلى الله اختلفت الدلالة أسلم إليه أي فوّض أمره إليه يعني في الشدائد (وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ (44) غافر) أو في الانقياد أما أسلم لله فجعل نفسه خالصاً ليس لأحد شيء. لذلك قال القدامى أسلم له أعلى من أسلم إليه لأنه إذا دفعه إليه قد يكون لم يصل لكن سلّم له اختصاص واللام للملك (أسلم لله) ملّك نفسه لله ولذلك قالوا هي أعلى. الدلالة فيها انقياد.
* في لقمان قال تعالى (وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ محسن) أخّر لفظ الجلالة بعد يُسلم مع أن الملاحظ أنه في آيات كثيرة يقدّم (فله أسلموا)؟ فلم؟(د.فاضل السامرائى)
السياق والمقام هو الذي يحدد. في سورة الحج (فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (34)) وفي الزمر (وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ (54)) إذا كان المقام في مقام التوحيد يُقدِّم وإذا لم يكن في مقام التوحيد لا يقدم إلا إذا اقتضى المقام. في سورة الحج في مقام التوحيد والنهي عن الشرك فخصص وجاء التقديم للقصر حصراً. التقديم في آية الحج للحصر حصر التسليم لله فقط. أما في الزمر ليس في مقام توحيد لا يقتضي التقديم.
آية (35):
* ما الفرق بين الخشية والخوف والوجل؟ (الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ (35) الحج) (تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ (23) الزمر) (يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ (50) النحل)؟(د.فاضل السامرائى)
الخوف توقع أمر مكروه يخاف من شيء أي يتوقع أمر مكروه لأمارة معلومة فيخاف شيئاً. الخشية خوف يشوبه تعظيم ولذلك أكثر ما يكون ذلك إذا كان الخاشي يعلم ماذا يخشى ولذلك قال تعالى (إنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء (28) فاطر) أكثر من يكون الخشية عن علم مما يخشى منه، لماذا يخشى؟ هنالك مسألة يعلمها تجعله يخشى فلذلك قال تعالى (إنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء) لأن العلماء أعلم بربهم من غيرهم فهم أكثر الناس تعظيماً لله عز وجل. وقسم قال الخشية أشدّ الخوف. نلاحظ أمرين: هم يقولون الخوف توقع أمر مكروه وعندنا آيتان توضحان المسألة: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174) إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (175) آل عمران) و (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ (3) المائدة) ننظر كيف استعملت الآيتان في القرآن الكريم: آية آل عمران في سياق توقع مكروه، في سياق القتال، توقع مكروه في سياق القتال (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174) إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (175) آل عمران). الخشية أشد الخوف، في مقام أشد الخوف، ثم هي في مقام توقع سياق مكروه فقال (فلا تخافوهم وخافون). والآية الأخرى (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ) ليس هناك توقع مكروه فقال (فاخشوهم). في توقع مكروه قال فلا تخافوهم ولما لم يكن توقع مكروه قال فاخشوهم. (قد جمعوا لكم فاخشوهم) أشد الخوف. هذه اللغة، الخشية أشد الخوف وفي بعض السياقات تحتمل الخوف الذي يشوبه تعظيم والسياق هو الذي يحدد.
الوجل يقولون هو الفزع ويربطونه باضطراب القلب تحديداً كضربة السعفة (سعفة النخل) كما قالت عائشة رضي الله عنها “الوجل في قلب المؤمن كضربة السعفة” ويقولون علامته حصول قشعريرة في الجلد. وقالوا الوجل هو اضطراب النفس ولذلك في القرآن لم نجد إسناد الوجل إلا للقلب. إما للشخص عامة (قَالَ إِنَّا مِنكُمْ وَجِلُونَ (52) الحجر) أو للقلب خاصة (الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ (35) الحج) فقط أسند للقلب في حين أن الخوف والخشية لم يسندا للقلب في القرآن كله. الوجل في اضطراب القلب تحديداً (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ (60) المؤمنون). وترتيب هذه الكلمات هو: الخوف، الخشية، الوجل.
آية (36):
*ما معنى كلمة صواف في آية سورة الحج (فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ 36))؟ هل معناها واقفة؟(د.فاضل السامرائى)
نعم هي واقفة، تذبح وهي واقفة.
آية (39):
* (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الحج) ما الحكمة من بناء الفعل (أُذِن) هنا للمجهول؟ (د.فاضل السامرائى)
فيها قراءة أَذِن، لكن لماذا قال (أُذِن)؟ القتال مكروه وذكرنا في كلام سابق أن الأمور المستكرهة يبنيها ربنا للمجهول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ (183) البقرة) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى (178) البقرة) (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ (216) البقرة) في الأشياء الصعبة المستكرهة والمشقة يبني الفعل للمجهول مع أنه كله بقدر الله عز وجل لكن لا ينسبه لنفسه وهذا خط عام في القرآن.
آية (40):
* ختمت الآية في سورة الحديد بقوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) وفي سورة الحج (إن الله لقوي عزيز) ما اللمسة البيانية بين الآيتين؟ (د.فاضل السامرائى)
ذكرنا أنه ختم قوي عزيز ليبين أنه غير محتاج لمن ينصره وربنا قوي عزيز لكن حتى يتعلق به الجزاء. الذي يحدد هو السياق لو نظرنا في سياق آية الحج قال (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40)) هذه الآية في سياق الإذن للمؤمنين بالجهاد (وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) ثم وعدهم بالنصر المؤكد (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ) اللام لام القسم والنون للتوكيد قسم وتوكيد فصار مؤكداً. هنا من الذي ينصر؟ الله سبحانه وتعالى. في الحديد قال (وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) هناك المؤمن هو الذي ينصر الله ووفي الحج الله تعالى هو الذي ينصر المستضعفين. إذن آية الحديد فيمن ينصر الله (وليعلم الله) هنا ربنا هو الذي ينصر (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ) من الأقوى الناصر أو الذي يُنصر؟ الناصر أقوى. إذن آية الحج قطعاً تحتاج لتوكيد ولا يمكن أن يكونا سواء في واحدة ذكر من ينصر الله والثانية ذكر أن الله تعالى هو الذي ينصر الناصر هو أقوى ولهذا قال (إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) لا يمكن أن يكونا سواء وهذا ميزان في التعبير.
(إنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ (17) الحج) (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ (25) السجدة) لفظ الرب ورد في السجدة أكثر مما وردت في الحج ولفظ الله في الحج ورد أكثر مما ورد في السجدة، لفظ الله في الحج ورد 75 مرة وفي السجدة مرة واحدة، لفظ الرب في السجدة 10 مرات وفي الحج 8 مرات، هناك فرق كبير بين آيات الحج والسجدة. الآن نأتي إلى الرحمة نجد أن الرحمة شاعت في سورة مريم سياق السورة والسمة التعبيرية الرحمة
والتقديم في القرآن الكريم وفي اللغة لا يفيد التفضيل دائماً كما في قوله تعالى في سورة الحج(الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ {40}) مساجد هي أفضل المذكور في الآية لكن أحياناً يُقدّم ما هو أقل تفضيلاً لأن سياق الآيات يقتضي ذلك، وكذلك نرى في ذكر موسى وهارون في القرآن فأحياناً يُقدّم موسى على هارون وأحياناً هارون على موسى وهذا يكون بحسب سياق الآيات.
آية (46):
* ما الفرق بين (أَوَ لَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ) و(أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ)؟ (د.فاضل السامرائى)
الفرق بين الواو والفاء أن الواو لمطلق الجمع تجمع بين عدة جمل قد يكون عطف جملة على جملة. الفاء في الغالب تفيد السبب سواء كانت عاطفة أو غير عاطفة (درس فنجح) (لا تأكل كثيراً فتمرض) يُنصب بعدها المضارع. ينبغي أن نعرف الحكم النحوي حتى نعرف أن نجيب. وذكرنا أن التبكيت والتهديد بالفاء أقوى (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْرًا لَّمْ يَكُنِ اللّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً (137) النساء) ليس فيها فاء. (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ (34) محمد) لأنهم لا تُرجى لهم توبة. وفي الأولى هم أحياء قد يتوبون. لما لم يذكر الموت لم يأت بالفاء ولما ذكر الموت جاء بالفاء. النُحاة يقولون قد تأتي الفاء للتوكيد.
في القرآن وغير القرآن إذا كان ما قبلها يدعو لما بعدها، يكون سبباً لما بعدها، أو يفضي لما بعدها يأتي بالفاء (السببية) ولا يؤتى بالواو. في غير القرآن نقول لا تأكل كثيراً فتمرض، ذاك أفضى لما بعد، الزيادة في الأكل سبب المرض. إذن هذا كحكم لغوي. ما قبلها سبب لما بعدها وإذا كان الأمر كذلك يؤتى بالفاء وإذا كان مجرد إخبار تقول فلان سافر وفلان حضر، تخبر عن جملة أشياء وليس بالضرورة أن هناك أسباب. هذا المعنى اللغوي العام في القرآن (بلسان عربي). إذا كان ما قبلها يفضي لما بعدها يأتي بالفاء ونضرب أمثلة ومنها السؤال عن الفرق بين أولم يسيروا وأفلم يسيروا.
في سورة الحج (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46)) قال قبلها (وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ (42) وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ (43) وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسَى فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (44) فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ (45)) الذي قبلها سبب لما بعدها ووراءها (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ (47)).
ما الفرق بينن (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (47) الحج) و(تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4) المعارج)؟(د.حسام النعيمى)
وردت في سورة الحج (وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (47)) وفي السجدة (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاء إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ (5)) وفي المعارج (تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4)). علماؤنا وقفوا عند هذه الآيات الثلاث وذكروا أن الآية التي في سورة الحج والآية في سورة السجدة الكلام فيها على يوم في الدنيا. (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ (47) الحج) هم يقولون نوع من التحدي للرسول (صلى الله عليه وسلم) كما قال تعالى (سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ (1) المعارج) أنزلوا علينا العذاب، نوع من الحماقة إن كنتُ صادقاً فاستغفر لنا لكن يقولون إن كنت صادقاً أنزل علينا العذاب هذه حماقة. (وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ) الله سبحانه وتعالى وعد بتعذيب هؤلاء لكن ليس في الدنيا. (وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ) الزمن عند الله سبحانه وتعالى زمن غير محسوب بحساباتكم أنتم اليوم عند الله سبحانه وتعالى في هذه الدنيا، في إنزال العقوبات إشارة إلى سعة حِلم الله سبحانه وتعالى عليهم لا تقول المفروض خلال هذا اليوم ينزل العذاب، حلم الله سبحانه وتعالى واسع (كألف سنة) لا تتوقعوا أن ينزل لكم العذاب الآن، أصل العذاب في الآخرة لكن قد ينزله الله سبحانه وتعالى آية لمن يأتي بعدهم. فإذن الكلام هنا على الدنيا (وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ (48) الحج) إشارة إلى طول الوقت (ثم أخذتها) استخدام (ثم) بدل الفاء على التراخي، ما يتوقع الإنسان أن عقاب الله عز وجل ينزل فوراً.
آية (47):
*(وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ (47) الحج) وفي السجدة (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاء إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ (5)) وفي المعارج (تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4)) هل طول الأيام يختلف؟ (د.فاضل السامرائى)
خمسين ألف سنة هذه في يوم القيامة تحديداً كما في الآية والحديث (سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ (1) لِلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ (2) مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ (3) تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4) فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا (5) إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا (6) وَنَرَاهُ قَرِيبًا (7) يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ (8) وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ (9) المعارج) هذا الكلام في يوم القيامة. يعرج يعني يصعد والصعود يستغرق خمسين ألف سنة وورد هذا في الحديث الصحيح عن يوم القيامة أنه خمسين ألف سنة وأنه ليخفف على المؤمن كصلاة مكتوبة. هذا اليوم يوم القيامة هو خمسون ألف سنة مما نعد أما (فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ) فهذه في الدنيا. هي لم ترد خمسين ألف سنة إلا في هذا الموضع وفي يوم القيامة وفي الحديث أيضاً أما ألف سنة في الدنيا يعني اليوم عند ربنا كألف سنة مما نعد. درسنا ونحن طلاباً أن الأيام نسبية فأيام المشتري غير يوم الأرض ويوم المريخ غير يوم الأرض كل واحد له مقدار وبالنسبة لنا اليوم دوران الأرض حول الشمس فاليوم نسبي ونحن يومنا هكذا وفي كوكب آخر يختلف وليس بالضرورة نفس اليوم ويكون أطول بسنوات هذا تعلمناه ونحن طلاب، يوم القيامة ربنا جعله خمسين ألف سنة. إذا كان بعض الكواكب يومها سنوات مما نعد فكيف بأيام الله؟ هو أعلم به ونحن لا نعلم القياس لكن هو (فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ) يعرج الأمر من الأرض إلى الله في ألف سنة، هذه ألف سنة مما نعد لكن عند الله يكون في لحظة، القصة بالنسبة لنا تساوي ألف سنة.
*ما الفرق بين كلمة ميعاد و كلمة معاد؟ (د.فاضل السامرائى)
المعاد غير الميعاد. المعاد هو بلد الرجل من العَوْد، نعاد اسم مكان بلد الرجل معاده لأنه يسافر ثم يعود. هناك فرق بين المعاد والميعاد: المعاد من عاد والميعاد من وعد (مفعال – موعاد) أصلها موعاد سكن حرف العلة وقبلها كسرة فيصير ميعاد. إذن المعاد من عاد من العوْد اسم مكان، المعاد هو البلد بلد الإنسان هو معاده، البلد الذي يعيش فيه لأنه مهما ذهب يعود إليه فهو معاده (لرادك إلى معاد) يعني لرادك إلى مكة، والميعاد من عاد، الميعاد هو الموعد (إِنَّ اللّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (31) الرعد) يعني لا يخلف الموعد ولا يصح أن يقال لا يخلف المعاد. (إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ (81) هود) هذا موعد من ميعاد، (حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللّهِ إِنَّ اللّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (31) الرعد) (وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ (47) الحج). قسم قال المعاد هو الحشر والجنة باعتبار الناس يعودون أو الجنة لأنه تعود إليهم حياتهم. نقول نعود إلى المعاد في الميعاد.
آية (58):
* ما دلالة اختلاف فواصل الآيات في الآيات (58 – 64) في سورة الحج؟ (د.فاضل السامرائى)
(وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (58) لَيُدْخِلَنَّهُم مُّدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ (59)) هذان الاسمان يناسبان الآية: (عليم) قال تعالى (لَيُدْخِلَنَّهُم مُّدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ) إذن ينبغي أن يعلم ما يرضيهم فهو إذن عليم. عندما قال (يرضونه) إذن ينبغي أن يعلم ما يرضيهم. ثم هؤلاء الذين هاجروا في سبيل الله ينبغي أن يعلم بأحوالهم وأحوال أعدائهم. و (حليم) فلا يعاجل أعداءهم بعقوبة أنت تتمنى أن يعجل لهم بالعقوبة لكن الله تعالى حليم. الحِلم الذي لا يعجّل بالعقوبة ويُمهِل.
الآية الثانية (ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (60)) الآية هو عاقب بما عوقب به ثم بغي عليه لكنه لم يعاقب الآن، ما قال أخذ حقه وما قال كالأولى (عاقب بمثل ما عوقب به) ولكنه فقط بُغيَ عليه لم ينصره أحد فقال (إن الله لعفو غفور) ثم عفا وغفر. لما قال تعالى (إن الله لعفو غفور) إشارة إلى أنه إذا عفا وغفر نصره الله لأن الله تعالى يقول له (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ (40) الشورى) (وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى (237) البقرة) عندما قال بُغي عليه ولم يأخذ بحقه معناه أنه عفا وغفر. في الأولى قال عوقب فعاقب، ثم لما بغي عليه لم يأخذ حقه وربنا تعالى ما دام عفا وغفر ينصره الله ثم قال (لعفو غفور) تخلّقوا بأخلاق الله تعالى فالله عفو غفور فأنت اعف واغفر. هذا إلماح لنا لأن نعفو ونغفر وأن لا نعجّل بالعقوبة، تلميح لنا بأن الله تعالى عفو غفور أن نعفو ونغفر فهذا توجيه لنتخلق بصفات الله عز وجل. هذه إشارة إلى أنه لم يعاقِب ولم يأخذ بحقه وإنما عفا وغفر والله عفو غفور فقال (لَيَنصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ).
(ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (61)) الليل آلته السمع لا الإبصار والنهار السمع والأبصار. الله سبحانه وتعالى في الليل والنهار سميع بصير هذا أمر. إذن الآية مرتبطة بقوله تعالى (يولج الليل في النهار ) ومرتبطة بما قبلها (ومن عاقب بمثل ما عوقب به) يسمع ويرى من عاقب ومن عوقب. ثم قال (لينصرنه الله) والناصر ينبغي أن يسمع ويرى وإلا كيف ينصر؟. مرتبطة بالليل والنهار وآيتهما السمع والبصر والله سميع بصير ومرتبطة بما قبلها في كونه ناصراً وفي كونه يرى ويسمع من عاقب ومن عوقب.
(ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (62)) الناصِر لمن بُغيَ عليه والذي يولج الليل والنهار والسميع البصير أليس هو العلي الكبير؟ بلى.
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (63)) لطيف أي متفضِّل على العباد يلطف بهم بإيصال منافعهم أن تصبح الأرض مخضرة هذا من لطفه سبحانه بالخلق. خبير أي عليم بدقائق الأمور. وبمصالحهم يلطف عن خبرة بالمقادير التي يفعلها وعن حكمة. إذن عندما أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة هذا لطف بالعباد كلهم وعليم بالمقادير إذن هو خبير لطيف يرفق بعباده.
(لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (64)) الذي له ما في السموات والأرض من أغنى منه؟! لا أحد، وقطعاً هو سبحانه الغني الحميد. الحميد هو المحمود في غِناه. لأن أحياناً يكون الشخص محموداً في فقره ولا يُحمَد في غناه لأنه قد يتغير وكثير من الناس تغيروا لما صاروا أصحاب أموال أما الله سبحانه وتعالى فهو المحمود في غناه وفي كل شيء ولذلك كثيراً ما يجمع الغني والحميد في القرآن (فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (12) لقمان) (إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (26) لقمان). أما سبب الاختلاف في التوكيد نشرحه في وقت آخر.
الآية الأخيرة (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاء أَن تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ (65)) لو لم يرأف بهم ما أمسك السماء. إذن هذا التسخير سخر لكم ما في الأرض والبحر ويمسك السماء هي كلها رأفة ورحمة إذن رؤوف رحيم مناسبة للآية.
آية (62):
* في سورة لقمان قال تعالى (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الْبَاطِلُ) في آية الحج قال تعالى (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (62)) بضمير الفصل (هو) فلماذا هذا الفرق؟ (د.فاضل السامرائى)
لا شك أن هو الباطل أقوى لأن ضمير الفصل يفيد التوكيد الحصر والسياق يوضح سبب اختيار كل تعبير. في سورة الحج الصراع مع أهل الباطل، أهل الباطل متمكنون يشردون المؤمنين ويقتلونهم (وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (51)) ثم قال (وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (58)) إذن أصحاب الباطل يقتلون المؤمنين ويجبرونهم على ترك ديارهم ويهاجرون في سبيل الله إذن هم متمكنون ولا تجد مثل هذا في لقمان، فلما كانوا كذلك بهذه القوة ووهذا التسلط فأكد الله تعالى بطلانهم (وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ) لا يغرنكم ما ترونه من تسلطهم وقوتهم فإذن هذا هو الباطل بعينه بإزاء قوة الله تعالى. في لقمان ليس فيها هذا الشيء، قال (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ (21) وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (22) وَمَنْ كَفَرَ فَلَا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (23) نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ (24) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (25)) كلها فيها أخذ ورد وسؤال وجواب ليس فيها صورة الباطل المتمكن الذي يعاند المعاجز المعاند الذي يقتل المؤمنين ويضطرهم إلى الهجرة فاحتاج الأمر إلى زيادة تثبيت للمؤمنين وعدم افتتانهم بسلطة أصحاب الباطل, ولا شك أن للسلطان فتنة ورهبة فاقتضى السياق أن هؤلاء عليه هو الباطل وتوكيد ذلك هذا أمر وهو الأمر الأول وهو أن أصحاب الباطل في آية الحج هم متمكنون متسلطون معاجزون معاندون يفتنون المؤمنين إذن احتاج إلى تثبيت المؤمنين في هذه الناحية فأكد أن ما عليه هؤلاء هو الباطل. هذا أمر وسبب آخر أنه تقدم في سورة الحج ذكر ما يدعون من دون الله من المعبودات الباطلة (يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ (12) يَدْعُو لَمَن ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ (13) (حُنَفَاء لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ (31) (وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَمَا لَيْسَ لَهُم بِهِ عِلْمٌ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ {71)) ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (73)) الكلام على المعبودات الباطلة جاري في آية الحج فأكد أن هؤلاء هو الباطل وليس ذلك في لقمان. فهنالك أمران دعيا إلى التأكيد في سورة الحج أولاً قوة وتسلط أصحاب الباطل في سياق آية الحج وذكر معبوداتهم التي يعبدونها فذكر أنهم على باطل وأن معبوداتهم باطلة لا تنفع شيئاً فأكد هذا الأمر وليس في لقمان هذا السياق فلم يقتضي هذا الأمر. إذن آي القرآن الكريم تغطي كل حالة بقدرها وكل تعبير مناسب لما ورد فيه. مع أن الآيتان تبدوان متشابهتان إلا في ضمير الفصل الذي اقتضاه السياق من أكثر من جهة السياق اقتضى تأكيد أن أهل الباطل ما يدعون من دونه هو الباطل لأنه ذكر عدة مرات ما يدعون من دون الله ولم يذكر هذا الأمر في لقمان وذكر تمكن أصحاب الباطل وقوتهم. لو قال في الحج وأن ما يدعون الباطل الآية صحيحة لكن بلاغة التعبير تكون أقل والبلاغة توزن بالميزان الدقيق لأن البلاغة هي مطابقة الكلام لمقتضى الحال ومقتضى الحال في كل آية مختلف.
والأمر الآخر أن الضمير (هو) من الناحية اللفظية في سمة التعبير ورد في سورة الحج 13 مرة وفي لقمان ورد 7 مرات فقط لأن السمة التعبيرية في السياق لها أثرها أيضاً فكأنما ورد في سورة الحج ضعف ما ورد في سورة لقمان. وضمير الفصل أصلاً ذكر في الحج 8 مرات وفي لقمان 3 مرات. إذن فمن كل النواحي السمة التعبيرية أو البلاغية أو غيرها ذكر (هو) في آية سورة الحج أكثر مما يقتضيه في سورة لقمان.
آية (64):
* ختمت الآية في سورة الحديد بقول (الغني الحميد) مع أنها وردت في صيغ متعددة (وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) في سورة الحج و(هو الغني الحميد) فما دلالة الاختلاف؟ (د.فاضل السامرائى)
لما يقول هو الغني الحميد فيها حصر وفيها توكيد، حصر الغنى بالله تعالى عندما تقول فلان غني وفلان هو الغني، فلان هو الغني يعني هو الأغنى. السؤال الذي أثير أنه سبحانه وتعالى قال في آيات إن الله غني حميد، إن الله هو الغني الحميد، إن الله لهو الغني الحميد هذه بعضها فيها توكيد أكثر. قال تعالى في لقمان (وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (12)) لم يعرّف ولم يأت بـ (هو)، أكّد بـ (إنّ) فقط. في آية لقمان لم يذكر له ملك (وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) من الغني في عُرف الخَلق، الذي يملك أو الذي لا يملك؟ الذي يملك هو الغني لكنه لم يذكر ملك. لو واحد قال أعطني فأمدحك تقول له أنا غني عن مدحك لا أحتاج إليك. الخليل بن أحمد لما أرسل له أمير الأهواز سليمان بغالاً محملة بأشياء وقال لو جئت إلينا والخليل ليس عنده إلا الخبز اليابس فقال: أبلِغ سليمان أني عنه في غنى غير أني لست ذا مال، هو غني بنفسه قانع بما حصل. في آية لقمان لم يذكر ملك وإنما قال (وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) الله تعالى غني عن شكره وعن كفره بينما هناك قال (ولا تفرحوا بما آتاكم) الله آتانا به فالله هو الغني إذن أنتم أيها الخلق الأغنياء ما غناكم والله تعالى هو الذي آتاكم؟ فإذن الله هو الغني الحميد وليست مثل تلك الذي لم يذكر معه شيء لأنه ذكر (ولا تفرحوا بما آتاكم) لما آتى الخلق ما عندهم أصبحا ليسا بمنزلة واحدة فإذن (فإن الله هو الغني الحميد). آية الحديد توكيدها نظير ما جاء في لقمان في آية أخرى (لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (26) لقمان) هذه فيها ملك إن الله تعالى ليس غنياً وإنما هو الغني، كل ما في الأرض وكل ما في السموات ملكه إذن هو الغني وهذه ليست مثل (وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ). (هو) هنا ضمير فصل يفيد الحصر هو الغني حصراً في الحقيقة لا غني سواه أفادها ضمير الفصل والتعريف (هو الغني). ضمير الفصل له أغراض يفيد التوكيد ويفيد الحصر ويفيد التعريف وهنا يفيد الزيادة في التوكيد. هذه فيها حصر أكثر وآكد. في الحج ذكر ما هو آكد من هذه فقال (لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (64)) أولاً هو لم يكرر (ما) وهنا كرّر (له ما في السموات وما في الأرض) أكّد بإن وضمير الفصل هو واللام. أولاً هو لم يكرر (ما) فقال في الحديد (له ما في السموات والأرض) وهنا كرّر (ما في السموات وما في الأرض) ذكر ما هو أكثر فهو آكد وقال (وإن الله لهو الغني الحميد) جاء بالواو. ماذا تفيد الواو؟ نقول فلان يملك مائة دار ومائة بستان وفلان يملك مائة دار ومائة بستان وإنه غني. الأول مصدر غناه مائة دار ومائة بستان أما الثاني فهو يملك مائة دار ومائة بستان ولو ذهبت وهي من جملة ما يملك يبقى غنياً، هذا استئناف غنى جديد وكأن المائة بستان مما يملك فإن ذهبت فيبقى غنياً. الواو تعطف جملة على جملة والغرض البلاغي منها الغنى المطلق. إذن أولاً كرر (ما) للتوكيد والتكرار يفيد التوكيد ثم جاء بالواو الذي دلنا على أنها من جملة ما يملك. إذا كان هناك من عنده بصر باللغة لا يمكن أن يفعل غير ذلك تماماً مثل المعادلة الرياضية ولا بد أن يضعها كما وردت. وجاءت بثلاث صيغ وكأنه يترقى بالغنى إلى أن وصل مرحلة الغنى لله تعالى.
آية (72):
*ما الفرق بين (ذلك) و(ذلكم)؟ (د.فاضل السامرائى)
إذا كان عندنا مجموعتان إحداهما أوسع من الأخرى يستعمل للأوسع ضمير الجمع وللأقل ضمير الإفراد، حتى لو رجعنا للآيتين (ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ) لمجموع المسلمين وهو أكثر ومع الأقل قال (ذلك). مثال آخر (قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ) المخاطَب جماعة (قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللّهِ مَن لَّعَنَهُ اللّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُوْلَـئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَاء السَّبِيلِ (60) المائدة) (قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (72) الحج) آية فيها (ذلك) والثانية (ذلكم) أي الأكثر؟ الذين كفروا أو الذين جعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت؟ الذين كفروا أكثر، فلما كانت المجموعة أكثر جمع فقال (ذلكم) ولما كانت أقل أفرد (ذلك).
آية (73):
* ما دلالة كلمة يستنقذون في قوله تعالى في سورة الحج (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (73))؟ (د.فاضل السامرائى)
ليس المقصود هنا مسألة الشيء المأخوذ من الذباب ولا الذباب وإنما المقصود من الآية إظهار عجز الآلهة التي يدعون إليها من دون الله (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ) ولو بذلوا كل الجهد لا يستطيعون شيئاً من عجز هذه الآلهة يدعونها. (وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ) حاولوا الاستنقاذ وليس الإنقاذ وإن يبذلوا جهدهم كله لن يستطيعوا وهذا يبيّن ضعف ما يعبدون من آلهة وليس مقصوداً الذباب أو ما يأخذه الذباب.