سورة السجدة
آية (4):
*(اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ (4) السجدة) هل قبل الخلق كان على العرش؟(د.فاضل السامرائى)
(ثم) في غالب معناها يكون الترتيب والتراخي لكنها لا تنحصر بهذا المعنى. قد تكون (ثم) للتفاوت بالرتبة هي ليست دائماً للترتيب والتراخي يعني ما بعدها أكبر وأعظم مما قبلها في رتبته وحتى النحاة ضربوا مثلاً أعجبني ما صنعت اليوم ثم ما صنعت أمس أعجب، ما صنعت أمس هذا قبله استعمل (ثمّ) وهي مفترض أن يكون للترتيب والتراخي هو استعملها لما قبلها ليس المقصود الترتيب الزمني ولكن في الرتبة والمرتبة ليس الزمن الأصل فيها للترتيب والتراخي والمهلة لكنها ليست منحصرة في هذا الشيء قد تكون للترتيب الذكري للتفاوت في الرتبة والمنزلة. نضرب مثالاً من القرآن (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (15) أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ (16) ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (17) البلد) أيها الأكبر؟ ما بعد (ثم) أكبر، فإذن تفاوت في الرتبة سيكون هذا الشيء أعلى. (ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ) هذا تفاوت في الرتبة هذا أكبر من خلق السموات والأرض إذن ليس هو كما يظن السائل أنها تكون بعد وإنما رتبتها أعلى، (فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ (46) يونس) ربنا سبحانه وتعالى عالم دائماً، إذن (ثم) تفيد أن ما بعده هو أكبر مما قبلها. مثال النحاة أعجبني ما صنعتَ اليوم ثم ما صنعت أمس أعجب، هذا للتفاوت. دخل محمد ثم خالد هذا للترتيب والتراخي حتى في الفاء قد تكون للترتيب الذِكري فقط للذكر وليس للترتيب والتعقيب ليس مثل جاء أحمد فخالد (وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَآئِلُونَ (4) الأعراف) هل جاءها البأس قبل الإهلاك؟ ربنا قدّم الإهلاك هذا يسمى الترتيب الذكري، توضأ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فغسل يديه رجليه، هو غسل أولاً حتى يصير وضوءاً.
*(وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ (80) الأنعام) و (مَا لَكُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (4) السجدة) و (وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلَا الْمُسِيءُ قَلِيلًا مَّا تَتَذَكَّرُونَ (58) غافر)، (مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالأَعْمَى وَالأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ (24) هود) فما الفرق بين تذكرون وتتذكرون؟(د.فاضل السامرائى)
ذكرنا في أكثر من مناسبة في القرآن ضابط ليس فقط في هذين الفعلين وإنما تعبير عام وذكرنا في حينها أنه يحذف من الفعل مثل استطاعوا واسطاعوا للدلالة على أن الحدث أقل مما لم يحذف منه، إذا حذف معناه أن الزمن المحذوف منه أقصر يقتطع للدلالة على الاقتطاع من الحدث. وإذا كان المقام مقام إيجاز يوجز وإذا كان المقام تفصيل يقول تتذكرون. ذكرنا في أكثر من مناسبة (تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ (4) القدر) هذه في ليلة و (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (30) فصلت) هذا في كل لحظة (تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ) هذه في ليلة فحذف التاء للدلالة على أن الحدث أقل. وذكرنا توفاهم وتتوفاهم قال (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ (97) النساء) (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ فَأَلْقَوُاْ السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (28) النحل) أولئك كانوا مستضعفين وظالمي أنفسهم صاروا أقل قال توفاهم والآخرون فقط ظالمي أنفسهم لم يكونوا مستضعفين فلما كثر هؤلاء قال تتوفاهم ولما قل هؤلاء قال توفاهم، هذه قاعدة مثل تفرقوا وتتفرقوا وفي القرآن هذا كثير وهو أمر عام.
نأتي إلى أصل السؤال وفق هذه القاعدة أنه إذا كان الحدث أطول تأتي تتذكرون وإذا كان أقل يقتطع من الفعل أو إذا كانت في مقام الإيجاز يوجز وفي مقام التفصيل يفصل. مثال: (مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالأَعْمَى وَالأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ (24) هود) لو سألنا أي واحد مهما كانت ثقافته تقول له هل الأعمى يستوي مع البصير؟ والأصم هل يستوي مع السميع؟ سيقول مباشرة لا، إذن لا يحتاج إلى طول تذكر وإنما يجيب مباشرة. هل يستويان؟ لا، هذا لا يحتاج إلى طول تذكر فقال (أفلا تذكرون). (وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلَا الْمُسِيءُ قَلِيلًا مَّا تَتَذَكَّرُونَ (58) غافر) هنا صار إيمان وعمل صالحات، إيمان وعمل صالح (قليلاً ما تتذكرون) لأن دخل به إيمان وعمل صالح والمعنى أنه الذي لم تؤمن ولم تعمل صالحاً هذه قضية أخرى، هذه أطول من تلك تحتاج إلى تأمل وتفكير والرسول يدعو طويلاً إلى الإيمان والعمل الصالح واتهموه بالجنون، إذن هذه تتذكرون لأنها تحتاج إلى طول تذكر. (أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (17) النحل) سل أي واحد سيقول لا هذه لا تحتاج إلى تذكر، (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (23) الجاثية) ختم على سمعه وبصره غشاوة وأضله على علم لا تحتاج إلى طول تفكر. نضرب مثالاً آخر للإيجاز والتفصيل قال تعالى في السجدة (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (4) يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (5)) في يونس قال (إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (3)) إحداها تتذكرون والأخرى تذكرون. قال في يونس (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) وفي السجدة قال (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) لم يقل (ما بينهما) في يونس. في يونس قال (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ) فقط وفي السجدة (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) فالسجدة فيها تفصيل أكثر. قال في يونس: (مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ) وفي السجدة قال (مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ) في السجدة تفصيل أكثر.
سؤال: هل حرف التاء يعطينا فكرة عن هذا الوقت المستنفذ لإتمام العمل الذي تذكره الآية الكريمة؟
لو كان المتكلم هكذا يقول كما يشاء لكن لو كان المتكلم يحسب لكل كلمة ولكل حرف حساباً لا بد أن يفعل ذلك لسبب.
سؤال: هل العرب كانت تفهم تذكرون وتتذكرون؟
هم يعرفون معناها عند وضعها في مكانها. لماذا تحداهم الله تعالى بسورة؟ سورة يعني أقصر سورة معناه بمقدار أقصر أي سورة يصير اختيار في الكلام ، الكلمة ليس فيها اختيار لكن النص بمقدار أقصر سورة يصير فيه اختيار، سبب الاختيار عليه المعول مثل (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1)) لماذا إنا؟ ولماذا أعطيناك؟ يبقى توظيف المفردة في سياق الآية. المعروف أن العرب بلغاء لكنه ليس بالضرورة أن يأتوا بالبلاغة في كلامهم، هل كلهم على مستوى واحد من البلاغة؟. أنا أقول شعراً لكن هل شعري مثل شعر المتنبي؟ هل الشعر الذي يقوله المبتدئ كالبحتري؟ هم درجات.
سؤال: لكن من حيث الدلالة والمعنى كانوا يفهمون الفرق بين تذكرون وتتذكرون، توفاهم وتتوفاهم؟
يفهمونها هذا في سياقها ويفهمون أكثر مما نفهم نحن لأن هذه لغتهم ونحن الآن نتعلم وهم لم يشكوا في مصداقية القرآن (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ (33) الأنعام) (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (14) النمل).
آية (5):
* ما الفرق بين اليوم في كلا الآيتين (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاء إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ (5) السجدة) (تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4) المعارج)؟(د.فاضل السامرائى)
هذان اليومان مختلفان: خمسين ألف سنة هو يوم القيامة كما في الحديث الصحيح وكما هو في سياق الآية (سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ (1) لِلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ (2) مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ (3) تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4) فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا (5) إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا (6) وَنَرَاهُ قَرِيبًا (7) يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ (8) وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ (9)) هذا يوم القيامة وكل الكلام في يوم القيامة إذن ليس هو نفس اليوم، في سورة السجدة هذا الكلام في الحياة الدنيا (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاء إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ (5)) الزمن الذي تأخذه الملائكة للصعود بأعمال العباد إلى السماء. يوم القيامة مقداره خمسين ألف سنة ويُخفّف على المؤمن كالصلاة المكتوبة كما في الحديث وعلى غير المؤمن خمسين ألف سنة والرسول (صلى الله عليه وسلم) بيّنه في حديث في صحيح مسلم. هو هكذا كما ذكر ربنا لكنه يُخفف على المؤمنين أما في آية السجدة هذا في الدنيا وهو ليس نفس اليوم.
هل الزمن في التعبير القرآني له نفس مقدار الزمن كما في حياتنا عموماً؟ ذكرنا هذا سابقاً وقلنا أن الله تعالى لما يذكر الأحكام الشرعية يذكرها بما نعلم من أيامنا، شهر رمضان، كفارة اليمين، عشرة كاملة، شهرين، فأماته الله مائة عام يعني مائة عام، ثلاثمائة سنين، فهي كما ذكر تعالى. هذه على زمننا نحن ولما يقول تعالى مائة عام فهي كما ذكر. اختلفوا في بعض المسائل (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللّهُ (80) التوبة) يبدو لي هذا على الحقيقة لأن الرسول قال أرى ربي قد أذن لي بالاستغفار فلأزيدنّ على السبعين فأنزل الله تعالى (سَوَاء عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ (6) المنافقون) يبدو لي أن السبعين على الحقيقة أيضاً. في معلوماتنا الأولية أن سنة المشتري غير سنة الأرض ويوم المشتري غير يوم الأرض وكل كوكب يختلف أيامه وسنواته عن أيامنا فلماذا نستغرب من طول يوم القيامة؟!.
آية (12):
*لماذا قدّم البصر على السمع في آية سورة الكهف وآية سورة السجدة؟(د.فاضل السامرائى)
قال تعالى في سورة الكهف (قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً {26}) وقال في سورة السجدة (وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ {12}) والمعلوم أن الأكثر في القرآن تقديم السمع على البصر لأن السمع أهم من البصر في التكليف والتبليغ لأن فاقد البصر الذي يسمع يمكن تبليغه أما فاقد السمع فيصعب تبليغه ثم إن مدى السمع أقل من مدى البصر فمن نسمعه يكون عادة أقرب ممن نراه، بالإضافة إلى أن السمع ينشأ في الإنسان قبل البصر في التكوين. أما لماذا قدّم البصر على السمع في الآيتين المذكورتين فالسبب يعود إلى أنه في آية سورة الكهف الكلام عن أصحاب الكهف الذين فروا من قومهم لئلا يراهم أحد ولجأوا إلى ظلمة الكهف لكيلا يراهم أحد لكن الله تعالى يراهم في تقلبهم في ظلمة الكهف وكذلك طلبوا من صاحبهم أن يتلطف حتى لا يراه القوم إذن مسألة البصر هنا أهم من السمع فاقتضى تقديم البصر على السمع في الآية.
وكذلك في آية سورة السجدة، الكلام عن المجرمون الذين كانوا في الدنيا يسمعون عن القيامة وأحوالها ولا يبصرون لكن ما يسمعوه كان يدخل في مجال الشك والظنّ ولو تيقنوا لآمنوا أما في الآخرة فقد أبصروا ما كانوا يسمعون عنه لأنهم أصبحوا في مجال اليقين وهو ميدان البصر (عين اليقين) والآخرة ميدان الرؤية وليس ميدان السمع وكما يقال ليس الخبر كالمعاينة. فعندما رأوا في الآخرة ما كانوا يسمعونه ويشكون فيه تغير الحال ولذا اقتضى تقديم البصر على السمع.
آية (13):
*(وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) الذاريات) وفي السجدة (وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (13) السجدة) الجنة مقصود بهم الجن فما الفرق بين الجن والجِنّة؟ وما دلالة البدء بالجن والجِنّة؟(د.فاضل السامرائى)
الجن القرآن يستعمله بما يقابل الإنس (الجنّ – الإنس) هما الأصلان لهذين الجنسين، أصلان للمخلوقات (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) الذاريات) (قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (88) الإسراء) أما الجِنة فيستعملها بمقابل الناس (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (13) السجدة) (الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنَ الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ (6) الناس). الجنّ والإنس هما الأصلان أما الناس فتكون مجموعة قليلة أو كثيرة من هؤلاء أو أفراد منهم، قد يكون الجميع (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا (158) الأعراف) لجميع المخاطبين من آدم إلى أن تقوم الساعة، أو أفراد منهم (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ (173) آل عمران) تكون هناك قرينة سياقية تحدد المعنى لكن لا تدل على عدد معين إنما تدل على مجموع قد يشمل جميع الناس (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا) وفي الحديث ” أشيروا عليّ أيها الناس” والمقصود الأنصار. الجِنّة مجموعة من الجن قد تكون قليلة أو كثيرة. الجنّ هم الأصل مع الإنس ويستعمل في الغالب الجان بمقابل الإنسان. الجنّ الأصل مثل الإنس والجان قد يكون واحد من هؤلاء مثل الإنس والإنسان, والإنسان واحد من الناس وقد يطلق على الأكثر. الإنس غير الناس أحياناً لا يمكن استعمال الإنس مكان الناس (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ كَمَا آمَنَ النَّاسُ (13) البقرة) لا يمكن أن يقال كما آمن الإنس. أصل البشرية الإنس، (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ (173) آل عمران) لا تنفع هنا الإنس، فإذن الإنس بمقابل الجنّ والناس بمقابل الجِنّة. الذي يدل على عموم الجنس في البشر الإنس ومقابله الجنّ، الجنّ مقابل الإنس والجِنّة مقابل الناس والجان مقابل الإنسان (خَلَقَ الْإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ (14) وَخَلَقَ الْجَانَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ (15) الرحمن). هذا ليس من خصوصية الاستعمال القرآني وإنما هو في لغة العرب.
*ما معنى حق القول؟(د.فاضل السامرائى)
حق القول في القرآن معناه ثبت لهم العذاب. القول هو قوله تعالى: (وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (13) السجدة). كلمة حق القول إشارة إلى حق القول مني. الذي ورد في القرآن الكريم طبعاً عموم النحاة كلهم يذكرون أن حق القول المقصود به (وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (13) السجدة) أو (قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ (84) لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ (85) ص) حق القول في القرآن الكريم وكذلك حقت الكلمة لم ترد إلا في ثبوت العذاب هذا يمتد في جميع القرآن استقصاء بإلا بمعنى وجب لهم العذاب أو ثبت لهم العذاب مثال (قَالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنَا هَؤُلَاء الَّذِينَ أَغْوَيْنَا أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ (63) القصص) (وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (25) فصلت) (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (18) الأحقاف) (وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (13) السجدة) (لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (7) يس) (لِيُنذِرَ مَن كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ (70) يس) (فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ (31) الصافات) (أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنتَ تُنقِذُ مَن فِي النَّارِ (19) الزمر) (وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ (71) الزمر) (وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ (6) غافر) (إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ (96) وَلَوْ جَاءتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ (97) يونس) (كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُواْ أَنَّهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ (33) يونس) كلها لم ترد في القرآن لم ترد إلا بهذا المعنى وهذه الدلالة، حق القول أو حقت الكلمة لم ترد إلا بهذه الدلالة.
آية (14):
* (فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (14)السجدة) كيف ينساهم الله تعالى؟(د.حسام النعيمى)
أحياناً نحن نأخذ الكلمة على معنى واحد من معانيها ونتحيّر فيها بمعنى أنه نحن نفهم النسيان نسيت هذا الأمر بمعنى غاب عن ذاكرتي وهذا ليس معنى النسيان في لغة العرب دائماً وله دلالة أخرى وهي الترك والإهمال. لما تقول نسيت هذا الأمر بمعنى أهملته. (فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا) هم لم يكونوا متذكرين للقاء هذا اليوم حتى ينسوه وإنما كانوا منكرين له مهملين له. هل نسوا يوم القيامة؟ أم كانوا غير مكترثين به؟ فالنسيان هنا جاء بمعنى عدم الاكتراث والعبء بالشيء. طبعاً هناك مقابلة : نسيتم- ننساكم، ننساهم – كما نسوا، نسيتها- تُنسى، نوع من المقابلة اللفظية. نسيتها أي أهملتها فاليوم تُهمل من رحمة الله عز وجل يعني لا تنالك رحمة الله عز وجل لأنه (في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى) بمعنى الغفلة عن الشيء لكن هنا النسيان بمعنى ترك الشيء وإهمال الشيء أنه يهمل واليوم تُنسى يعنى تُهمَل. السياق هو الذي يعين على فهم المعنى. القرينة السياقية المعنوية في الحقيقة أن الله تعالى لا يغيب عنه شيء فلا يُنسب له النسيان الذي نتخيله للوهلة الأولى أنه غفل عن الشيء، كلا. ليس في السياق الموجود فقط ولكن للقرينة المعنوية أيضاً . كلمة النسيان التي بمعنى الغفلة لا تُنسب لله سبحانه وتعالى نأخذها من المعنى أن الله عز وجل لا يُنسب له الغفلة لقوله سبحانه وتعالى (في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى). لكن من المعنى: أنت تقول مثلاً: بنى الأمير المدينة الفلانية فهل تفهم منها أنه ذهب بنفسه ووضع الحجر أو أمر ببنائها؟ أمر ببنائها. من أين فهمنا هذا المعنى؟ السياق ليس فيه أن الأمير بنى المدينة. من السياق والفكر والعلم يحملك على القول أنه ليس هو الذي قام عملياً بالبناء وإنما أمر به. فلما تأتي (فاليوم ننساهم) الله سبحانه وتعالى لا يضل ولا ينسى فلا ينسب له النسيان. وثانياً من اللفظ نفسه : هم لم ينسوا لقاء يوم القيامة وإنما ما أعدّوا له عدة ولم يكترثوا به. لا يقول أحد نسوه هم لم يتذكروه حتى نسوا وإنما ما أعدوا له العدة. قال تعالى (كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تُنسى) هو لما خوطب بآيات الله تعالى ابتداءً أهملها ولم يلق لها بالاً فإذن اليوم تُنسى في نفس النمط أي لا يلقى لك بالاً، وليس أن هناك تعارض بين الآيات وهذا كلام عربي يفهمه العربي ومتعلّم العربية يفهمه أيضاً.
آية (15):
*ما الفرق بين (اسجدوا) – (قعوا له ساجدين) – (خرّوا سجداً)؟(د.أحمد الكبيسى)
رب العالمين يقول (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا ﴿34﴾ البقرة) هذه آية وفي سورة ص لم يقل اسجدوا وإنما قال (فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ ﴿72﴾ص) مداخلة وانتباهة هائلة من أم راضي في الشارقة. رب العالمين يقول (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ ﴿34﴾ البقرة) في آية ص قال (إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ ﴿71﴾ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ ﴿72﴾ ص) وآية أخرى (خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا ۩﴿58﴾ مريم) ما الفرق بين سجدوا وبين وقعوا له ساجدين وبين خروا سجداً؟ والله تقتضي التفريق. وفعلاً الفرق بين (سجدوا) هذا سجود اعتيادي أنك أنت قمت بعملية السجود التي نفعلها في الصلاة هذه سجود كلنا نفعل سجود كسجود الصلاة سجدنا. في يوم الجمعة من السنن أن نقرأ سورة السجدة ونحن واقفون الإمام نحن واقفون خلفه ويقرأ هو سورة السجدة ويأتي إلى قوله تعالى (خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ ﴿15﴾السجدة) خروا لماذا؟ ونحن واقفين ننزل رأساً إلى تحت (خروا). والخرّ هو الهبوط مع صوت من خرير الماء وهنالك فرق بين جريان الماء بلا صوت. الخرير من شلال نازل بصوت هذا خرّ (خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا) إما صوت البكاء مع السجود شخص قرأ آية يسجد لكن قرأ آية مؤثرة فبدأ بالبكاء وهو يبكي نزل على الأرض هبط بقوة لكي يسجد ولكن مع صوت هذا. مرة قال (خَرُّوا سُجَّدًا) ومرة قال (خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا) البكاء صوت السجود قال (خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا) من التسبيح سبحان الله وبحمده. إذاً الفرق بين سجدوا وخروا سجداً هذا. الفرق بين سجدوا وخروا سجداً وفقعوا له ساجدين كنت مشغولاً. رب العالمين يحمل عرشه ثمانية الذين حول العرش يا الله لا يحصى عددهم! (وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ ﴿17﴾ الحاقة) الذين يحملون العرش ومن حوله (وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴿75﴾ الزمر) هذه من أعظم بشائر المسلمين (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ ﴿7﴾ رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴿8﴾ وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴿9﴾ غافر) يعني دعاء مستجاب لأن أكرم وأعظم وأقرب الملائكة إلى الله الذين يحملون العرش ومن حوله الحافّين. الحافون كما يقول إمام الرازي وغيره ونقل هذا عن عدة مفسرين منهم الكشاف والرازي أثنى عليه قال إن لم يكن لصاحب الكشاف إلا هذه اللطيفة أنه تذكرها لكفاه. الذين يحملون العرش ومن حوله كل واحد له طريقة عبادة، ناس واقفة هكذا من الملائكة طبعاً على اليمين وعلى اليسار وناس تسبح فقط وناس راكعة فقط يقول حوالي مئات الآلاف من الخطوط حول العرش تصور لو أردنا أن نضع رجال حول دولة الإمارات جميع الحدود كم نحتاج؟ ملايين. فكيف لما مليون صف؟! هؤلاء كلهم أقرب الملائكة إلى الله (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ) (وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ) رب العالمين في هذه القضايا يخاطب هؤلاء أقرب وأحب الملائكة إليه، فلما خلق آدم قال لهؤلاء أو جزء منهم (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ) أنت ألست تعبدني؟ وأنت تسبح؟ اتركوا عملكم وقعوا له ساجدين. إذاً رب العالمين يخاطب هؤلاء الملائكة المشغولون فالذي يقع هو الذي كان مشغولاً بشيء ثم انتبه. يعني واحد يشتغل أو يكتب سمع ابنه وقع أو طاح رأساً ركض عليه ترك الشغل الذي بيده لأهمية الحدث الآخر. فرب العالمين قال (فَقَعُوا) بالفاء (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي) من روحي، لا يستحق أن تسجدوا له لأنه طين أو أني سويته ولكن لأني نفخت فيه من روحي (فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ) كلٌ ترك عمله قسمٌ منهم هو ما خاطب كل الملائكة ولكن مجموعة منهم أنتم عندما أنفخ فيه روحي رأساً فقعوا اتركوا الذي في أيديكم (فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ) وهذا الفرق بين فقعوا له وبين اسجدوا وبين خروا.
آية (20):
*ما اللمسة البيانية في استخدام (الذي) مرة ومرة (التي) مع عذاب النار؟(د.فاضل السامرائى)
في سورة السجدة (وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ {20}) الخطاب في السورة موجّه للفاسقين و(الذي) يشير إلى العذاب نفسه. أما في سورة سبأ (فَالْيَوْمَ لَا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَّفْعاً وَلَا ضَرّاً وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ {42} فالخطاب في هذه السورة موجّه إلى الكافرين و(التي) مقصود بها النار نفسها. فالفاسق يمكن أن يكون مؤمناً ويمكن أن يكون كافراُ فهو لا يُكذّب بالنار إنما يُكذّب بالعذاب أما الكافرون فهم يُكذّبون بالنار أصلاً ولا ينكرون العذاب فقط وإنما يُنكرون النار أصلاً.
آية (21):
* يأتي الضر مع فعل مسّ ومع الرحمة يأتي الفعل أذقنا في القرآن الكريم ، فما الفرق بين المسّ والإذاقة في القرآن؟(د.فاضل السامرائى)
أولاً هذا التفريق غير دقيق فالذوق والمس يأتي للضر وغير الضر، الذوق هو إدراك الطعم والمسّ هو أي اتصال. أما كون المس يأتي مع الشر فغير صحيح لأن المس يأتي مع الرحمة أيضاً (إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21) المعارج) (إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ (120) آل عمران) (وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ (17) الأنعام) وكذلك الإذاقة تأتي مع العذاب ومع الرحمة (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (21) السجدة) (وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا (48) الشورى) (وَمَن يَظْلِم مِّنكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا (19) الفرقان) ليس هنالك تقييد في الاستعمال.
آية (22):
*ما الفرق بين الآيتين (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا (57) الكهف) (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا (22) السجدة)؟(د.فاضل السامرائى)
نقرأ الآيتين حتى يتبين لنا سبب الاختلاف: آية الكهف (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَن يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا (57))، آية السجدة (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ (22)) بعدها (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلَا تَكُن فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَائِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ (23)) نحن نعرف من القواعد النحوية اللغوية أن الفاء تفيد الترتيب والتعقيب لا تراخي في الزمن و(ثم) تفيد الترتيب والتراخي (يعني مهلة من الزمن). معنى هذا أن وقوع الإعراض في آية الكهف أسرع منه في آية السجدة لأنه قال ذُكِّر فأعرض وهناك قال ذُكِّر ثم أعرض، إذن معنى ذلك أن الإعراض في آية سورة الكهف وقوعه أسرع هذا من حيث اللغة. ما الموجب لذلك؟ هو ذكر في آية الكهف أموراً تسرع في إعراضه لم يذكرها في آية السجدة، الإعراض واقع في عقب التذكير فقال: (ونسي ما قدمت يداه) (إنا جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه) (وإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذاً أبداً) هذا كله مما يسرع في إعراضهم، لم يقل هذا في السجدة ولم يذكر دواعي تُسرع في إعراضه كما ذكر في آية الكهف إذا قلنا لأي متخصص في اللغة ضع الفاء وضع ثم سيضعها في مكانها كما هي في القرآن الكريم، قانون تعبيري.
آية (25):
* كلمة يختلفون وتختلفون وردت في القرآن في مواضع كثيرة (113) البقرة، (19) يونس، (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (25) السجدة)، (48) المائدة ، ما كُنه الاختلاف؟(د.فاضل السامرائى)
الآية توضح (إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48) المائدة) أنبئه بالأمر فقال (بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) والثانية في القضاء والفصل فصل في القضية (فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (113) البقرة) هذا حكم، قال (فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) أي في الذي كانوا فيه يختلفون. إما يقول قضي بينهم أو يحكم بينهم ولما يقول يحكم بينهم وقضي بينهم يستعمل فيه. أما كانوا وكنتم فالأكثر لما يقول (كانوا) الكلام عن يوم القيامة والاختلاف كان في الدنيا (فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (113) البقرة) الاختلاف في الدنيا (إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (17) الجاثية). (وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (19) يونس) هذه الآن وليس في يوم القيامة (فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) لأنها تقصد الدنيا.
سؤال: هل (كان) هنا فعل ناقص؟ نعم فعل ناقص وأحياناً يأتي تام وله استخدامات كثيرة.
*(إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (17) الجاثية) (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (25) السجدة) ما الفرق بين يفصل ويقضي؟ وما دلالة ضمير الفصل (هو) في آية السجدة؟(د.فاضل السامرائى)
لو قرأنا الآيتين تتضح الإجابة (وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (23) وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ (24) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (25) السجدة) يقول المفسرون يفصل بين الأنبياء وأممهم لأن السياق هو بين المؤمنين والكافرين (أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ (18) أَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (19) وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (20) وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (21) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآَيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ (22) وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (23) وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ (24) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (25) أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ أَفَلَا يَسْمَعُونَ (26)). ربنا سبحانه وتعالى قال (فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ) صاروا أمتين جماعة بني إسرائيل نبيهم موسى آتيناه الكتاب وأنت أيضاً يا محمد آتيناك الكتاب فصاروا ملّـين مختلفتين فلا تكن في مرية من لقائه. نقرأ الآية الثانية لنرى الفرق بينهما ونشرح، آية الجاثية (وَلَقَدْ آَتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (16) وَآَتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (17)) الاختلاف بين بني إسرائيل في ملة واحدة (إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ)، في آية السجدة الاختلاف بين أمم مختلفة وعلى الأقل بين أمة الإسلام وبني إسرائيل أما آية الجاثية فالفصل بين ملة واحدة مختلفة فيما بينها، أيّ الذي يدعو إلى الاختلاف أكثر والتوكيد بين مِلّة واحدة أو ملل مختلفة؟ بين ملل مختلفة فلما كان بين ملل مختلفة قال (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ) أكّد وما كان بين ملة واحدة قال (إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ) ولم يأت بـ (هو). هناك فرق دلالي بين يقضي ويفصل، يفصل يعني يجعلهما مختلفين بينهما حاجزاً افتراق بين الطائفتين فلما كان الخلاف في الملل المختلفة هؤلاء لا يلتقون يذهب بعضهم إلى النار وبعضهم إلى الجنة ولهذا قال يفصل أما الثانية فهي بين ملة واحدة فقال يقضي بينهم أي يحكم بينهم وليس بالضرورة فصل، الحكم لا يقتضي الفصل لكن الفصل يقتضي الحكم لأن فيه حكم وفصل ولهذا الاختلاف في الملل يحتاج حكم وفصل. وقال (هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ) هذا ضمير الفصل وهو يقع بين المبتدأ والخبر أو ما أصله مبتدأ وخبر مثال: محمد هو القائل، مبتدأ وخبر، (إِنَّ هَـذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ (62) آل عمران) يقع الضمير بين اسم إنّ وخبرها، (فَكَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ (116) الصافات) بين اسم كان وخبرها، ظننت محمد هو المسافر، ظننت خالداً هو المنطلق، بين مفعولين، الغرض البلاغي من مضير الفصل هو التوكيد والقصر في الغالب (وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5) البقرة) حصراً ليس هناك مفلح غيرهم حصر ومؤكد، (وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ (254) البقرة) هذا ضمير الفصل يفيد في الغالب التوكيد والقصر. حتى تسمية ضمير الفصل قالوا يفصل الخبر عن الصفة وهذا أصل التسمية، أصل التسمية حتى يعلم أن الذي بعده خبر وليس صفة لأنه أحياناً يأتي السائل أن هذا صفة وبعده خبر، (إِنَّ هَـذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ)، هذا القصص الحق يحتمل أن يكون القصص بدل فيها التباس فإذا أردنا أن نجعل القصص هو الخبر وليس الصفة نقول هذا هو القصص والحق تكون صفة وإذا أردنا أن نقرر أن حتماً القصص ليس خبراً نقول هذا القصص هو الحق يكون الحق هنا خبر للقصص، القصص بدل لهذا، هذا أصل التسمية حتى يفصل وأن ما بعجها خبر وليس صفة، هذا أصل التسمية ثم ذكر له فوائد في الغالب القصر الحقيقي أو الادعائي (تدعي أن فلان شاعر مثلاً وهو ليس بشاعر) أو التوكيد. أما في قوله تعالى (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) هذا ضمير الشأن وليس ضمير الفصل. ضمير الفصل على الأرجح ليس له محل من الإعراب، نقول هو ضمير مبني ونعده حرفاً وهذا من أشهر الأقوال لأنه لو كان اسماً يذكر له محل من الإعراب، في أشهر الأقوال أنه حرف لا محل له من الإعراب.
* ما الفرق بين الحكم والفصل في القرآن الكريم؟(د.فاضل السامرائى)
الفرق بين الحكم والفصل، الحكم القضاء والفصل أشد لأنه يكون بَوْن أحدهما، أن يكون بينهما فاصل حاجز إذن الفصل أشد فإذن لما يقول في القرآن يفصل بينهم تكون المسافة أبعد كأن يذهب أحدهم إلى الجنة والآخر إلى النار أما الحكم فلا وقد يكون في ملة واحدة، نضرب أمثلة: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَىَ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (113) البقرة) هؤلاء يذهبون معاً إلى جهة واحدة اليهود والنصارى كلاهما ليس أحدهما إلى الجنة والآخر إلى النار فليس فيه فصل. (إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (124) النحل) اختلاف في ملة واحدة وهم اليهود، وكلهم يذهبون معاً إلى جهة واحدة مع بعض. (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (3) الزمر) كلهم يذهبون إلى جهة واحدة. (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (17) الحج) هؤلاء لا يذهبون إلى جهة واحدة فهم فئات مختلفة إذن يفصل. الفصل يتضمن الحكم حكم وفصل فيكون أشد. ولذلك قال المفسرون في قوله تعالى (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ (24) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (25) السجدة) قالوا الفصل بين الأنبياء وأممهم وبين المؤمنين والمشركين. فإذن الفصل حكم لكن فيه بَوْن كل جهة تذهب إلى مكان لذا قال في سورة ص (خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ (22)) هذا حكم قضاء.
آية (26)-(27):
*ما دلالة الاختلاف بين الآيات (أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ أَفَلَا يَسْمَعُونَ (26) السجدة) (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ (31) يس) (أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّأُوْلِي النُّهَى (128) طه) ؟(د.حسام النعيمى)
عبارة (أولم يهد) تكررت في القرآن الكريم في ثلاثة مواضع: في موضعين (أولم يهد) وفي موضع (أفلم يهد). وكلمة (ألم يروا) تكررت كثيراً سأشير إلى أعدادها بشكل سريع. لكن الملاحظ بصورة عامة أن عبارة (ألم يهد لهم) أو ألم يهد له أو لك في غير القرآن العرب تستعملها بمعنى ألم يتبين لك؟، ألم يظهر لك؟ وألم تر، ألم يروا أيضاً بمعنى ألم يتبين لك؟ لكن هناك فارق جزئي بسبب اشتقاق اللفظ: ألم يهد: من الهداية، وألم يروا: من الرؤية، الهداية قطعاً متعلقة بشيء في القلب والرؤية متعلقة بشيء ظاهر مادي. هذا هو الأمر الذي يهيمن على الآيات في جميع المواطن التي وردت. عندما يريد القرآن أن يوجه العناية إلى التدبر والتفكر الزائد بحيث يشتغل القلب بهذا ولا يكون مجرد النظر وتفكير يسير استعمل (أولم يهد) من الهداية (أولم يهد لهم) لأن هذا الفعل فيه هذا المعنى، وغالباً يكون الكلام في الآيات إما على الألباب، القلوب، الآخرة التي تحتاج إلى تأمل وإلى تفكّر أن يتفكر في الآخرة، و (ألم يروا) تشمل هذا وهذا لكن إذا تحدثت عن أمور في الآخرة يراد منها النظر السريع والاستدلال السريع. هذه القاعدة العامة بالنسبة لـ (يهدي) و(يرى).
الآيات الواردة في هذا، السؤال عندنا (أولم يهد) فيها واو، (ألم يروا) ليس فيها هذه الواو. هذه الواو هي واو العطف وواو العطف لا تتقدم على الهمزة لأن الهمزة لها الصدارة كأنما في غير القرآن قال: كذا وكذا وألم يروا؟، لكن (وألم يروا) (وألم يهد لهم) لا تكون في اللغة لأن الهمزة تتقدم فيقول: أولم يروا، تدخل الواو بين الهمزة وبين الكلمة التي تليها. والواو لا تتقدم على الهمزة لأن علماؤنا من خلال استعراضهم لكلام العرب – والقرآن الكريم على لغة العرب – فالهمزة تتقدم فيقول (أولم يروا)، أولم أقل لك هذا؟ يعني قلت لك كذا وكذا، أولم تستمع لقولي؟ في حقيقتها هي: وألم تستمع، لكن لأن الهمزة لها صدر الكلام تتقدم على حرف العطف الواو. إذن لما نجد أولم معناه هناك سياق عطف، تعطف جملة على جملة، جملة على ما قبلها، العاطف هو الواو والهمزة لا تحيل العطف أي لا تحول بين المعطوف والمعطوف عليه. الهمزة استفهام إنكاري فيه معنى التوبيخ يُنكر عليهم عدم رؤيتهم وينكر عليهم عدم اهتدائهم، فيه إنكار. فالهمزة لا تحول دون هذا العطف لأنه أصله للعطف. فلما نجد الواو أو نجد الفاء نحس أن هناك ربط هذه الجملة بالجملة التي قبلها هناك ارتباط عن طريق هذا العطف أو جاءت في سياق عطف.
لما ننظر في آيات السجدة نجد قوله عز وجل (أَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (19) وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (20) وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (21) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآَيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ (22) وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (23) وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ (24) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (25) ثم يقول (أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ أَفَلَا يَسْمَعُونَ (26) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ (27)) كله عطف لكن لأنه جاءت الهمزة وفيها معنى هذا الإنكار عليهم إنهم لم يستعملوا عقولهم، لم يهتدوا، لم ينظروا فيم أهدي إليهم من معانٍ فجاء العطف.
بينما في سورة يس هناك قطع يعني استئناف. يبدأ من قوله تعالى (وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ (28)) هذه ربطت بما قبلها، الآية التي تليها بدأت ابتداء (إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ (29) يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (30) أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ (31)) ما قال وإن كانت إلا صيحة واحدة، ليس فيها عطف هنا فصل، والغرض من الفصل توجيه العناية والاهتمام كأنه جملة جديدة. (يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ) لم يقل ويا حسرة على العباد، ثم جاء قوله (مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (30) أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ (31)) لا يوجد عطف، استأنف لغرض التأكيد (ألم يروا) جعلها مستأنفة ولم يجعلها مرتبطة بما قبلها بحرف عطف. هذا في معاني الوصل والفصل في القرآن الكريم وهذا موطن فصل لغرض التأكيد، لغرض لفت العناية ولغرض الاهتمام (ألم يروا) كأنه بدأ كلاماً جديداً مع أنه مرتبط وآيات القرآن يرتبط بعضها ببعض لكن لما يريد لفت الانتباه والتركيز على معنى معين كأنه يستأنف لغرض التأكيد فهنا (ألم يروا) هذا من حيث وجود الواو وعدم وجود الواو.
في سورة طه (أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّأُوْلِي النُّهَى (128) طه) قصة عن الآخرة نقلها القرآن إلى الواقع الحالي كأنها وقعت لأن المستقبل في عين الله سبحانه وتعالى ماضي. نجد (وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآَيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى (127) أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى (128)) يعني بناء على كل هذا لأن الفاء للترتيب ترتب شيئاً على شيء، هي للعطف أيضاً لكنها تفيد الترتيب والمباشرة لما تقول: جاء زيد فخالد أي جاء مباشرة بعده وترتب مجيء هذا على مجيء هذا. فيها معنى الترتيب أي بعد كل هذا الكلام (أفلم يهد لهم) الفاء مرتِّبة وفيها شيء من التعليل أيضاً كأنها تبيّن عِلّة ما بعدها أنه هذا الذي ذكرناه ألا يكون مُذكِّراً لكم؟ ينبني على هذا الذي قلناه ما نقوله الآن. أفلم فيها معنى العطف لكن الدلالة فيها إضافة، الفاء فيها معنى العطف وإضافة الترتيب أما الواو فلا تقتضي ترتيباً وإنما مجرد عطف. تقول مثلاً: جاء زيد وخالد ممكن أن يكونا جاءا سوية معاً أو يكون خالد جاء قبل زيد المهم جاء فلان وفلان، تقول سأل عنك فلان وفلان قد يكونا سألا سوية أو كل واحد لوحده تحتمل الاثنين. أما الفاء فهي للترتيب تقول: سأل عنك زيد فخالد، أي سأل زيد وبعد ذلك بقليل سأل خالد. كذلك الفرق بين الفاء و(ثم)، يقولون (ثم) للتراخي والترتيب. أما الفاء فترتيب مباشر والواو ليس فيها ترتيب.
الترتيب في سورة طه مقصود لذاته: الفاء في سورة طه لأنه ينبني على ذلك، يترتب على هذا الكلام، تقول فلان قال كذا وقال فلان كذا فيكون كذا وكذا يعني ينبني على هذه الأقوال هذا الشيء أنت تبني شيئاً على ما قبله، الآن نقول يترتب على هذا إجراء هذا الأمر كذا وكذا أي ينبني عليه. فالفاء هنا ترتيب على هذا المثال الذي ذكرناه، هذا لا يحرك مشاعركم بحيث تهتدون وبحيث تنظرون نظراً في القلب؟.
أما (ألم يروا) جاءت في خمسة مواضع في المصحف كله من غير عطف (ونحن نعتمد في هذه الإحصائيات على ما جمعه محمد فؤاد عبد الباقي رحمة الله عليه في المعجم المفهرس)، بالعطف (أولم يروا) وردت في 11 موضعاً لن أقرأها حتى لا نطيل لكن المشاهد الكريم لو رجع إلى الآيات سيجد أنه لما تأتي (ألم يروا) من غير الواو يعني ليس هناك سياق عطف. وفي 11 موضعاً التي فيها الواو هي في سياق عطف جميعاً. معناه هناك نظام واحد في العبارة القرآنية لا يختلّ. ولا تأتي (أولم) وهو ليس هناك عطف أو تأتي (ألم) والسياق سياق عطف، لا يكون هذا.
(من قبلهم) و (قبلهم):
(من) لابتداء الغاية، تقول جاء فلان من كذا ووصل إلى المكان أي بدأ مجيئه من المكان الفلاني. فلما يقول (كم أهلكنا من قبلهم) يعني القبلية مباشرة من وجودهم هم، يعني يُذكّرهم بمن هلك قبلهم قريباً. تبدأ غاية الهلاك من وجودهم هم يعني كأن يكون من آبائهم، أصدقائهم، أصحابهم، هذا التذكير أوقع في النفس لما يراد التخويف والإنذار لأن هذه الآيات الأولى التي فيها ذكر الآخرة وفيها هزٌّ لضمائرهم أن يهتدوا كأنما أُهدي لهم هذا المعنى فينبغي أن يشغّلوا قلوبهم في هذا الأمر استعمل عند ذلك (من قبلهم) أدعى للتخويف أن فلاناً كان معك وهلك.
(قبلهم) عامّة ليس فيها هذه اللمسة التي تذكرهم بالبداية والقبلية تشمل الجميع لكن لما يريد أن يلمس هذا الشيء قبلك مباشرة يستعمل (من). تقول: ألم تتنبه إلى ما حدث لأخيك من قبل ساعة أو من قليل أو من قبل أن أكلمك؟ (هذا مباشر)، ألم تر ما حدث لأخيك قبل أن أكلمك؟ (هذا كلام عام) من كلامي معك وقبل ذلك، أما من قبل أن أكلمك، يعني الآن من لحظات مرتبط بكلامي معك.
لم يعترض أحد على هذا الكلام لأن هذا في الذروة من كلام العربية لذلك سلّوا سيوفهم وما أخرجوا أقلامهم ليكتبوا بها وكان أيسر أن يكتبوا سطرين حملوا سيوفهم وقتل الابن أباه والأب حارب ولده وهم قوم عنصريون
لا يسألون أخاهم حين يندبهم في النائبات على ما قال برهانا
يقاتل آل فلان ولا يكتب سطراً لأنه يستحي أن يكتب شيئاً يضحك منه الناس ويقولون له أين هذا من هذا؟
لماذا هذه الهجمة الشرسة على القرآن هذه الأيام؟ الهجمة الشرسة على القرآن ليست في هذه الأيام وإنما تزيد وتنقص وهي منذ بداية نبوة محمد (صلى الله عليه وسلم) وهي ماضية إلى يوم القيامة ولا نتوقع أن يأتي زمان لا يكون هناك من لا يحارب الدين. لكن أن يكون هناك استغلال لغفلة المسلمين ولانشغال المسلمين بأمور فتبدأ الحرب على الإسلام بأشكال مختلفة. بعض إخواننا يتحدث عن بعض الناس الذين أتخذوا لأنفسهم منهجاً خاصاً في الفقه هؤلاء لم ينشروا الإسلام في أي بلد كافر من وجودهم في التاريخ ولكن دائماً شغلهم في تحويل المسلمين من عقيدة أهل السنة والجماعة إلى فقههم، هذا شغلهم وعلى قول أحدهم يصيدون السمك من المقلاة! ولا يذهب لصيد السمك، الهند مفتوحة اذهب وادعُ الناس فيها للإسلام! لا نتوقع أن تتوقف الهجمة في أي وقت لكن على الناس أن ينتبهوا إلى ذلك وهو ليس فقط مسألة أسلوب القرآن الكريم وإنما الذي لا يعرف أسلوب القرآن الكريم ولا يعرف أساليب العربية يعرف على الأقل أحكام الشرع ويوازن بين أحكام الشرع والقوانين الوضعية، بين الأحكام الشرعية التي تضمن الخلق النظيف والمجتمع النظيف المتآخي المتواصل وهذه النظم التي تخاف من القانون فإذا غفل عنها القانون فعلت ما لا يفعله الشيطان. المجتمع المسلم مجتمع طاهر نقي نظيف من خلال تعاليم هذا الدين. العرب الآن الذين هم من أعراق عربية لم يعد لديهم ذلك الذوق العربي صرنا نتعلم العربية بحيث إذا سمعت اثنان عراقيان يتحدثان لا يفهمها الجزائري وإذا سمعت اثنان من المغرب يتحدثان أنت لا تفهمهما، فنحن ابتعدنا لذا نقول هذا الكلام هي لمسات للتذكير بهذه المعاني البيانية في كتاب الله عز وجل أما الإيمان والثبات فعلى شرع الله سبحانه وتعالى ومعرفة ما شرّعه الله سبحانه وتعالى.
*ما دلالة اختلاف الفاصلة القرآنية بين قوله تعالى (أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ أَفَلَا يَسْمَعُونَ (26) السجدة) وبعدها مباشرة (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاء إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ (27) السجدة)؟
(د.فاضل السامرائى )
آيتان متتاليتان في سورة السجدة. قال في الأولى (أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ) هذا يأتي عن طريق السماع قرون ماضية يسمعون الأخبار فقال (أَفَلَا يَسْمَعُونَ)، في الثانية (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاء إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنفُسُهُمْ) هذا يُنقل مشاهدة وليس سماعاً فقال (أَفَلَا يُبْصِرُونَ)، لما كان الأمر يأتي عن طريق السماع قال (أَفَلَا يَسْمَعُونَ) ولما كان الأمر مشاهداً يأتي عن طريق المشاهدة قال أفلا يبصرون