سورة ص
آية (1):
*أين جواب القسم في سورة ص (ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ {1})؟(د.فاضلالسامرائى)
جواب القسم ليس بالضرورة أن يُذكر بحسب الغرض منه فإذا اقتضى أن يُجاب القسم يُجاب (فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيّاً {68} مريم) (وَأَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لاَ يَبْعَثُ اللّهُ مَن يَمُوتُ بَلَى وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً وَلـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ {38} النحل) وقد يُحذف إما للدلالة عليه أو للتوسع في المعنى فيحتمل المعنى كل ما يرد على الذهن وهذا في القرآن كثير (ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ {1}) لا يوجد جواب للقسم في سورة ق وكذلك في سورة ص (ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ {1}) لا نجد جواباً للقسم حُذف لاحتمال كل ما يرد في سياق الآيات فلا يريد تعالى جواباً بعينه لكنه يريد أن وسع المعنى.
آية (3):
*ما أصل كلمة لات في قوله تعالى (كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ (3) ص)؟ (د.حسام النعيمى)
لات من أخوات ليس ويكون دائماً أحد معموليها محذوفاً. ففي قوله تعالى (كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ (3) ص) حين هنا خبر لات منصوب واسمها محذوف يعني لات الحينُ حينَ مناص وكذلك لات الساعةُ ساعةَ مندم وورد العكس لات ساعةُ مندم.
*لماذا نصبت كلمة (حين) في قوله تعالى (كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ (3) ص)؟ (د.حسام النعيمى)
(لات) من العاملات عمل (ليس) لأن فيها معنى النفي. كنا ندرس الطلبة في الجامعة (إن ، ما، لا، لات) المشبهات بـ (ليس) فـ (لات) مشبهة بـ(ليس) و(ليس) ترفع اسماً وتنصب خبراً ولكن لها خصوصية (لات) وسيبويه يقول: لا تعمل إلا في الأحيان ولا عمل لها في غير الأحيان. في أسماء الزمان حتى بعضهم قال في اسم الزمان (حين) قالوا: لا، لو كان سيبويه يريد كلمة (حين) ما قال الأحيان. وقال: (ندم البُغاة ولاتَ ساعةَ مندمِ) فاستعمل كلمة ساعة التي هي للزمان لكن تعمل إلا وأحد معموليها محذوف والراجح حذفُ المرفوع أن الاسم هو المحذوف. لأن عندنا قراءة شاذة ليست حتى في القراءات العشر (ولات حينُ مناص). فلما يقول (ولات حينَ مناص) هذا على اللغة السائدة وعلى القراءات المُجمع عليها. (ولات حينَ مناص) يعني ولات الحين حين مناص، الاسم محذوف و (حين) خبر لات. لات معناها نفي أي ليس الوقت وقت كذا. لات لغة عالية عند العرب وهي أقوى من ليس لأنه حرف وحرف مبني على الفتح وعامل عمل ليس حتى قسم قالوا (لات) هو (لا) والتاء من (تحين).
آية (5):
*قال تعالى في سورة ق (بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ (2)) وفي سورة هود (قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (72)) وفي سورة ص (أَجَعَلَ الْآَلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (5)) ما الفرق بين عجيب وعجاب؟(د.فاضلالسامرائى)
أولاً صيغ العربية ودلالتها ثم التوكيد وعدمه. عجيب تدخل في صيغ المبالغة أو صفة المشبّه(فعيل، فعال، فُعّال) صيغة فُعّال من حيث المبالغة أكثر من فعيل نقول هذا طويل فإذا أردنا المبالغة نقول طوال. فعيل صفة مشبهة أو مبالغة، فعال أبلغ من فعيل باعتبار مناسبة لمدّة الألف ومناسبة لمدّة الصوت أحياناً صوت الكلمة يناسب المعنى فمدّة الألف أكثر من الياء فجعلوها للصفة الأبلغ. عُجاب أبلغ من عجيب.
مسألة التوكيد وعدم التوكيد أخبر عن العجيب لكنه غير مؤكد في الأولى ثم الثانية آكد.
لو عدنا إلى الآيات في الأولى (بلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ (2)) عجبوا أن جاءهم منذر منهم فجاء بلفظ (عجيب) والثانية أن امرأة عقيماً وعجوز وبعلها شيخ فكيف تلِد والعقيم أصلاً لا تلِد ولو كان رجُلُها فتى فهي عقيم وعجوز وفي الآية من دواعي العجب ما هو أكثر من الآية الأولى لذا دخل التوكيد بـ (إنّ واللام) تأكيدا العجب ناتج عن أن مُثير العجب أكثر. أما في سورة ص(أَجَعَلَ الْآَلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (5)) هم عجبوا أن جاءهم منذر منهم أولاً ثم عجبوا أن جعل الآلهة إلهاً واحداً فصارت دواعي العجب أكثر من سورة ق التي تعجبوا فيها من أن جاءهم منذر منهم فقط. إضافة إلى ذلك في سورة ص هناك أمر آخر هو جعل الآلهة إلهاً واحداً وهو مشركون عريقون في الشرك فقاتلوه بسبب كلمة التوحيد فالعجب أكثر بعد وصفه بأنه ساحر وكذّاب فجاء بلام التوكيد وجاء بالصفة المشبهة المبالغة عُجاب.
*ما الفرق بين عجباً (إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (1)الجن) وعجاب(إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (5) ص) ؟ (د.فاضلالسامرائى)
(أنه) أنّ حرف ناسخ والهاء ضمير الشأن ويسمونه ضمير القصة لا يعود على أمر معين أحياناً يؤتى به في مقام التفخيم والتعظيم والجملة بعدها خبر. وهذا التفخيم يتناسب مع وصفهم القرآن بـ (عجباً) هذا الوصف بالمصدر هذا يفيد المبالغة. هو أكثر من عجيب عندما تصف بالمصدر كأنما تحول الشيء إلى مصدر تقول هذا رجل صِدقٌ ورجلٌ عدلٌ، (وَجَآؤُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ (18) يوسف) هذا أبلغ من كاذب، رجلٌ عدلٌ يعني كله عدل وأقوى من رجل عادل. في القرآن استخدم (إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (5) ص) هذا وصف، إذن (عجباً) أقوى من عجاب لأن الوصف بالمصدر أقوى من الوصف بالصفة، عندما تقول هذا رجل سوءٌ أو رجل كذبٌ أو رجل صومٌ، هذا أبلغ من رجل صائم ومفطر وما إلى ذلك لأنه تقول رجل صائم إذا صام يوماً واحداً لكن لا تقول رجل صوم حتى يكون أكثر أيامه صوم وإذا قلنا رجل صوم يفهم أنه كثير الصيام. قرآناً عجباً ليس عجيباً وإنما فوق العجيب لذلك هذا ناسب ضمير الشأن.
آية (17):
*د.فاضلالسامرائى:
الإنسان لما يقول عن نفسه أنا عبد الله هذا تواضع والله تعالى لما يقولها عن عبد يكون تكريماً (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً (1) الإسراء) (فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10) النجم)(وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ (17) ص)هذا من الله تكريم ولذلك لاحظ يقولون لما قال (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً) لما ذكر كلمة عبد عرج به إلى السموات العلى وإلى سدرة المنتهى ولما ذكر موسى باسمه قال (وَخَرَّ موسَى صَعِقًا (143) الأعراف) إذن وكأن مقام العبودية عند الله سبحانه وتعالى مقام عظيم.
آية (18):
*ما دلالة التعريف في قوله تعالى مع سيدنا داوود: (إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ (18) ص)؟(د.فاضلالسامرائى)
المعرفة غالباً تفيد الدوام أي ليس هناك يوم محدد، (فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ (38) فصلت) ليس هناك وقت محدد بينما في مريم قال (بكرة وعشياً) بكرة وعشية تأتي في وقت محدد. يعني لما تقول خرجت صباحاً يعني صباح يومٍ بعينه، لما تقول سأخرج صباحاً لا بد أن تأتي صباح يومٍ بعينه أما لما تقول سأخرج في الصباح يعني أيّ صباح ولذلك لما قال تعالى للرسول (صلى الله عليه وسلم) (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ (55) غافر) ليس هناك أيام محددة جاء بها بالمعرفة (بالعشي والإبكار).
آية (21):
* لماذا استغفر داوود (عليه السلام) ربه في سورة ص (وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ)؟ (د.فاضلالسامرائى)
هذه الآية في سورة ص (وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (21)) كانت في الحُكم. وفي كتب التفسير الكثير من الإسرائيليات يقولن فيها أنه في العهد القديم رأى داوود امرأة قائده (أورية) وكان لداوود تسع وتسعين زوجة فصعد إلى السطح ورأى امرأة قائده فوقعت في قلبه فأرسل زوجها إلى الحرب ليموت فيتزوجها هو فحصل وصار له مئة زوجة فانتبه داوود للمسألة التي وقع فيها فاستغفر ربه. وهذا ما تذكره الإسرائيليات وهذا كلام فيه نظر لأنه تصرف لا يُقبل من شخص عادي فكيف بنبيّ؟
لكن نقول أن هذا الحُكم الذي حكم به داوود خارج عن طريقة الحُكم الصحيحة لأنه لم يستوف أركان الحُكم. كيف؟:
أولاً فزع داوود من الخصم (إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ (22)) والقاضي لا يصح أن يحكُم بالفزع ولا بد أن يكون آمناً حتى يحكم وحُكم القاضي لا يجوز إذا كان خائفاً.
ثانياً: إن داوود استمع إلى خصم واحد ولم يستمع للآخر (إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ (23)) وهذا لا يجوز في الحكم ومخالف لأركان الحُكم. وقد قيل في الحُكم إن إذا جاءك شخص قُلِعت عينه فلا تحكم حتى ترى الآخر فربما قُلِعت كلتا عينيه.
ثالثاً: لم يسأل عن البيّنة وإنما حكم مباشرة (قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ) فهل يجوز أن يحكم أحد بلا بيّنة؟
فداوود حكم في حالة خوف وسمع لخصم واحد ولم يسأل عن البيّنة فهل يجوز هذا في الحكم؟ وأظن أن الله تعالى أراد أن يُعلِّم داوود أصول الحكم الصحيح وقد جعله خليفة (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ (26)) ولهذا استغفر داوود ربه. وكان داوود قاضياً قبل هذه الحادثة وكان يجلس للقضاء يوماً ويتعبّد يوماً فجاءه الخصم في يوم تعبّده ففزع منهم.
سؤال: لماذا لم يقل ففزع منهما بما أنه قال (خصمان بغى بعضنا على بعض)؟ إن كلمة خصم تشمل الواحد والأكثر (وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (21)) (فَفَزِعَ مِنْهُمْ) فكلمة خصم هي كلمة عامّة.
فما جاء في الإسرائيليات نستبعده لأنها لا تصح عن نبيّ لكن الظاهر لي والله أعلم أن الحُكم لم يستوف أركان الحُكم الصحيح.
* (وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (21) ص) سورة ثم الآية (قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ (22) ص) وقوله تعالى (هذان خصمان اختصموا في ربهم) سورة الحج ، لماذا جاءت الخصم مرة مفردة ومرة مثنى وجمع؟ (د.فاضلالسامرائى)
الخصم تأتي للمفرد والجمع (هل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب) مثل كلمة بشر والفلك وضيف وطفل، وربما تأتي للتثنية (هذان خصمان اختصموا في ربهم) .يقول المفسرون هما فريقان كل فريق له جماعة فلمّا جاءا يختصمان جاء من كل فريق شخص واحد يمثّل الفريق والمتحدثان هما أصحاب المسألة (خصمان). كما في قوله تعالى (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما) فكل طائفة لها جماعة عند الصلح يأتي من كل طائفة من يفاوض باسمها لكن إذا وقع القتال بينهما يقتتل كل الأفراد، فإذا اختصم الفريقين يقال اختصموا وإذا اختصم أفراد الفريقين يقال اختصموا. وكذلك في كلمة بشر (أبشراً منا واحده نتبعه) وقوله تعالى (بل أنتم بشر مما خلق). وكلمة طفل قد تأتي للمفرد وجمع وقد يكون لها جمع في اللغة (الأطفال) وقد استعمل القرآن هاتين الكلمتين.
آية (23):
*ما سر الاختلاف في استعمال (وكفّلها زكريا) (فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍوَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَعَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُأَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْيَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (37) آل عمران)بالتضعيف و(أكفلنيها) بالهمزة(إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةًوَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ (23) ص)؟(د.حسامالنعيمى)
هي من الكفالة. الرسول (صلى الله عليه وسلم) يقول: أنا وكافل اليتيم كهاتين. الكافل الذي يتولى التربية والرعاية والتوجيه هذا الكافل فهو قد كفله هذا المولود أو الإنسان. لما يُضعّف (كفّلها) كفّلت ويداً مثل علّمت زيداً فيه معنى التكثير والمبالغة والتدرج. لما أُكفّل شيئاً معناه أتدرج في تربيته وأتدرج في أمره. (وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا) جعله يكفلها مع التشدد مع أنه يتدرج في كفالتها.
أما أفعل: أعلم أي أوصل معلومة غير علّم. فهذان اللذان جاءا لامتحان داوود (عليه السلام)(يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ (26)) فالحاكم ينبغي أن يسمع من الاثنين وداوود (عليه السلام) سمع من واحد لذلك قال:(وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ) لأنه قضى بينهما بسماع الأول فقط (لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ) لم يسمع من الثاني. أكفلها : مجرد إيصال الكفالة. أكفلينها يعني أعطني هذا الحيوان وهو نعجة أجعلها مع نعاجي.
*هل سجدة داوود في سورة ص(وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ {س}(24)) سجدة شكر؟(د.حسامالنعيمى)
سنظهر أكثر من صورة في هذه الآيات ونستفيد من السؤال لبيان شيء. أولاً بصورة موجزة نقول أن المصحف المتداول الآن الذي هو مصحف المدينة النبوية وما طُبِع عليه بملايين النسخ ودول أخرى أعادت الطباعة على الصورة نفسها هذا في أصل وضع الوقفات والرموز هي للجنة كانت في مصر في بداية الثلاثينات وكان مسؤول هذه اللجنة الشيخ محمد علي خلف الحسيني الشهير بالحدّاد من كبار علماء الأزهر وكان من كبار القُرّاء في مصر من علماء القراءات القرآنية وكتب نسخة المصحف بخط يده فالنسخة المتداولة منسوخة على ما كتبه بخط يده هو وكان عضواً في اللجنة ورئيساً للجنة فهم اختاروا أماكن الوقوف من كتب القراءات والوقف والابتداء لم يكن عبثاً واجتهدوا في هذا. فهذا المصحف الذي بين أيدينا في الحقيقة ثروة هائلة ينبغي أن لا يُفرّط في اختيارات اللجنة ثم جاءت اللجان من بعد فأقرّت ما صنعته اللجنة الأولى التي هي من كبار علماء الأمة.
لما نأتي إلى الآيات (وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ (24)) هم وضعوا علامة السجدة هنا. ما دام هذه اللجان التي هي من كبار علماء الأمة إذن لا نسأل هل هي سجدة عزيمة أو هل هي سجدة شكرإنما ما دامت موجودة أنا أسجد. لكن مع ذلك نتكلم عن الآية حتى نعرف هذا السجود لماذا كان؟ هو عبّر بالركوع.
الحديث عن داوود (عليه السلام)(وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (21)) الخصم يستعمل للمفرد والمثنى والجمع فجاء به أولاً عاماً. (إذ تسوروا) جمع، (إذ دخلوا) جمع، (ففزع منهم) جمع، (قالوا) جمع، (خصمان) مثنى، (بغى بعضنا على بعض) أحدنا على الآخر هذا ينبغي أن نفهم منه أن الذي تسور المحراب الخصمان مع من معهما من الشهود، الذي تسور المحارب جماعة خصمان وشهود ولذلك استعمل الجمع فلما عرضت المشكلة (بغى بعضنا على بعض) تكلم كل واحد منهما يرى نفسه صاحب حق هذه خلاصة لكلامهم أن هناك بغي: أحدهما بغى على الثاني قد يكون أنا الذي بغيت وقد يكون الآخر. إذن هناك شكوى من طرفين شكوى متقابلة وهناك شهود لكل واحد. القاضي ينبغي أن يسمع من الطرفين ويسأل الشهود هذا الذي يُراد له أن يكون خليفة في الأرض يحكم. داوود كان معرّضاً لامتحان عليه السلام. نقف عند الآية (إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ) الآن المتكلم أحد الخصمان تكلم الخصم الأول (إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ (23)) ظاهر الأمر أنه لا يحتاج إلى تحقيق لأن 99 نعجة وهو له نعجة واحدة وهذا يريد أن يأخذها يربّيها عنده مع نعاجه (وهي نعجة وليس كما يقولون في الإسرائيليات زوجات لا نخوض في هذا) لكن هذا النص القرآني تأتي إلى قاضي تقول له هذا أخي عنده 99 نعجة وأنا عندي نعجة واحدة أحلبها وأشرب منها وأخي يقول لي أعطني إياها وأنا أرعاها وآخذها (وعزني في الخطاب) ألحّ عليّ في الخطاب وغلبني أنه أنت ماذا تصنع بواحدة؟ ائتني بها. يعني عرضت عليه قضية واضح أن الحق مع المتكلم. الآن داوود عليه السلام حكم (قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ) ثم لما اختفى الجميع فجأة علِم أنهم ملائكة جاءوا يعلّمونه كما جاء جبريل (عليه السلام) يعلم المسلمين أمور دينهم ثم اختفى، علِم داوود أنه قد امتُحِن، ولم ينجح في الامتحان و(وظنّ) بمعنى تيقّن (وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ {س}(24)) لاحظ التعقيب يؤكد (فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآَبٍ (25) يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ (26)) وليست القضية قضية نسيان. القضية قضية حكم(فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآَبٍ (25) يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ) لذلك وهذا مبدأ عام عند المسلمين أن القاضي مهما تبيّن له أن الذي يعرض عليه المشكل أنه هو صاحب الحق لا يقضيه حتى يسمع الثاني لذلك ضربوا في الأمثال إذا جاءك من فُقئت عينه فلا تقضي حتى تسمع من الثاني فربما فقئت عيناه. فإذن هذا درس للمسلمين لذلك السجدة ما دامت ثبتت بالمصحف نسجد ونفقأ عين الشيطان لأن الشيطان يبكي يقول أُمروا بالسجود فسجدوا وأُمرت بالسجود فلم أسجد. والنية عند هذه السجدة هي نسجد لله تعالى كأي سجدة أخرى.
آية (24):
*ما الفرق بين الركوع والسجود في القرآن (وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ (24)) في سورة ص لم يقل خرّ ساجداً؟(د.فاضلالسامرائى)
الركوع له معاني منها الخضوع ويقال راكع لمن طأطأ رأسه ويقال للسجود لكا لماذا قال هنا خر راكعاً ولم يقل خر ساجداً؟ من جملة معاني الراكع مطأطئ الرأس، خرّ راكعاً أي كان مطأطئاً رأسه فسجد. الخرّ في اللغة السقوط إلى الأمام. وفي لغة اليمن الركعة هي الهويُّ إلى الأرض. فيقولون خرّ راكعاً احتمال أنه كان مطأطئاً رأسه فلما قضى (وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ). أصلاً خرّ ساجداً لم يستعملها القرآن إلا مع سماع كلام الله وتلاوته (إذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا (58) مريم) (إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (15) السجدة) (إنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا (107) الإسراء) لم يرد في القرآن خر ساجداً إلا في هذه الحال. هذا أمر. نأتي إلى خر راكعاً: هل ذكر في هذا الموطن لداوود (عليه السلام) معصية؟ كلا وإنما ذكر له خِلاف الأَوْلى في الحُكم أنه سمع من أحدهما ولم يسمع من الآخر، ما ذكر له معصية إذن ذكر ما دون المعصية فذكر ما دون السجود وهو الركوع.
آية (30):
*ما هو إعراب كلمة نِعْمَ؟(د.فاضلالسامرائى)
نِعْمَ فعل ماضي جامد وهذا أشهر إعراب وإن كان هناك خلاف بين الكوفيين والبصريين هل هي اسم أو فعل لكن على أشهر الأقوال أنه فعل ماضي جامد. (وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (30) ص)، نعم الرجل زيد، ويضرب في باب النحو نِعم وبئس (نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (40) الأنفال)، (وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ (98) هود) بعدها فاعل لأنه يأتي بعدها المقصود بالمدح والذم. لما تقول: نِعْمَ الرجل محمود، نعربها على أشهر الأوجه: نِعْمَ فعل ماضي على أشهر الأوجه، الرجل فاعل، محمود فيها أوجه متعددة منها أن يكون خبراً لمبتدأ محذوف أي الممدوح محمود أو مبتدأ والخبر محذوف مع محمود الممدوح ورأي آخر يترجح في ظني أن محمود مبتدأ مؤخر وجملة (نعم الرجل) خبر مقدم يعني محمود نِعم الرجل وهو الذي يترجح في ظني. (نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ) المخصوص محذوف نتكلم عن داوود (عليه السلام). تقول محمود نِعْم الرجل هذا جائز لكن هو على الإعراب الذي رجحناه يجوز التقديم والتأخير وعلى الإعراب الآخر يكون خبراً مقدماً والمبتدأ محذوف لكن لماذا يرجح هذا أو هذا, هذا أمر يتعلق بالنحو. أنا يترجح عندي أن فيها خمسة أوجه، قسم يقول بدل وقسم يقول عطف بيان وفيها أوجه كثيرة وأنا يترجح عندي أنه مبتدأ لأنه يمكن أن ندخل عليه (كان) نِعَم الرجل كان محمود و(كان) تدخل على المبتدأ والجملة قبلها خبر لأنه لو كان خبراً لنُصِب لكنه ورد مرفوعاً نِعم الرجل محمودٌ.
آية (32):
*ذكر الدكتور في حلقة سابقة في قضية عودة الضمير على غير مذكور ودلّ عليه السياق عندي مثال مطلع قصيدة: (فإن تنجو منها يا حزيم بن طارق فقد تركت ما خلف ظهرك بلقعا) ودل السياق على أنه الخيل فهل يمكن إعطاؤنا مثالاً من القرآن؟(د.فاضلالسامرائى)
(كَلَّا إِذَا بَلَغَتْ التَّرَاقِيَ (26) القيامة)(فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ (32) ص)الشمس هل التي توارت بالحجاب،الضمير يعود على غير مذكور ومعلوم من السياق.
آية(43):
*ما الفرق بين رحمة منا و رحمة من عندنا ؟(د.فاضلالسامرائى)
في القرآن يستعمل رحمة من عندنا أخص من رحمة منا، لا يستعمل رحمة من عندنا إلا مع المؤمنين فقط أما رحمة منا فعامة يستعملها مع المؤمن والكافر. (وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِّنَّا مِن بَعْدِ ضَرَّاء مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً (50) فصلت) عامة، قال على سيدنا نوح (وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِه (28) هود)، (من عندنا) يستعملها خاصة و (منا) عامة. حتى (نعمة منا) و (نعمة من عندنا)، يستعمل (منا) عامة و (نعمة من عندنا) خاصة مثل (فَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِّنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ (49) الزمر) (إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آلَ لُوطٍ نَّجَّيْنَاهُم بِسَحَرٍ (34) نِعْمَةً مِّنْ عِندِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَن شَكَرَ (35) القمر).
حتى لو ورد هذان التعبيران في نبي واحد يختلف السياق، مثلاً في سيدنا أيوب (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (41) ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ (42) وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (43) وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (44) ص) في سيدنا أيوب في سورة الأنبياء (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (84)) قصة واحدة لكن مرة قال رحمة منا ومرة رحمة من عندنا. ننظر السياق في ص قال (إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ) وقال في الأنبياء (إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) لم يقل: (وأنت أرحم الراحمين) في ص، لم يذكر رحمته، أرحم الراحمين يوسع عليه يعطيه أكثر وكأنه يستجدي من الله، يطلب رحمته سؤال برحمته، قال ربنا: (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ) ولم يقلها في ص، قال: (فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ) ما قالها في ص، لم يقل فاستجبنا له ولم يقل فكشفنا ما به من ضر. قال: (وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ) وفي ص قال:(وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ) الإيتاء يشمل الهبة وزيادة في اللغة، الإيتاء يشمل الهبة وقد يكون في الأموال وهو يشمل الهبة وغيرها فهو أعم، (آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا (22) يوسف) (وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً (59) الإسراء) لا يمكن أن نقول وهبنا (آتيناه الكتاب) آتينا أعم من وهبنا. قال في الأنبياء (وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ) وفي ص قال (وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ) العابدون يشملون أولي الألباب وزيادة، المكلَّف يجب أن يكون عنده عقل وإلا كيف يكلّف مجانين ليس عندهم عقل إذن العابدون أولي الألباب وزيادة. (وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ) العابدين فيها خصوصية يعني ليس فقط أولي الألباب، أولو الألباب وزيادة فصار عندنا أرحم الراحمين واستجبنا له وفكشفنا له والعابدين وآتيناه فأين نضع رحمة من عندنا؟ نضعها مع كل هذا في آية الأنبياء.
سؤال: النبي واحد والرب واحد والموقف واحد وهو المرض ولكن السياق ليس واحداً فلماذا هذا التغير؟
هل حصل تناقض رحمة منا أو رحمة من عندنا؟ من أين الرحمة؟ الضمير عائد على الله سبحانه وتعالى إذن ليس هناك تناقض لكن الاختيار بحسب السياق، اختيار المفردات بحسب السياق لم تتناقض القصتان لكن اختيار الكلمات بحسب السياق الذي ترد فيه.
سؤال: قد يقول قائل ماذا قال سيدنا أيوب بالضبط؟
قد يكون قال أكثر من هذا لكن ربنا ذكر هذا فقط، في هذا الموقف قال هذه الجملة وفي ذلك الموقف قال هذه الجملة، هل دعا مرة واحدة.؟ لا، إذن لا تعارض ولا تغاير، لو قال لم يستجب له لصار تعارض.
آية (45)-(47):
*ما معنى أولي الأيدي والأبصار في (وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ (45) ص) وما معنى المصطفَيْن الأخيار في (وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ (47) ص)؟ (د.حسامالنعيمى)
الآيات تتحدث عن تذكير الرسول (صلى الله عليه وسلم) بمن سبقه من الأنبياء والرسل تسلية لقلبه وحتى يجد فيها العبرة. (وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ (45)) إذن هو تذكير. الآن هؤلاء رجال أنبياء لما تقول لهم أيدي ولهم أبصار وتريد هذه الأيدي والأبصار هل فيها نفع أو فائدة؟ قطعاً ليس المقصود هو هذا. بعض العلماء يسمي هذا مجازاً أنه ذكر الأيدي وهو يريد القوة وذكر الأبصار وهو يريد البصيرة في أمور الدين والعلم قال أبصار فهو نوع من المجاز. وكلمة المجاز أو الاستعارة أو الكناية أو التشبيه مصطلحات مستعملة في علم البلاغة ويذهب إليها جمهور الأمة ومع ذلك قال بعض العلماء ليس هناك شيء اسمه مجاز ولكن كل كلمة هي حقيقية في مكانها. معناها يتقرر بالسياق فالسياق هو الذي يعطي هذا اللفظ هذا المعنى. الأيدي ليست الأيدي العضو وإنما ماذا تعني في السياق معناها هو حقيقة فيه. كما أنك عندما تقول “شربت من عين باردة” فكلمة عين معناها هذه التي في الجبل ويسيل منها الماء، و”شكى فلان من ألم في عينه” المقصود من كلمة عين هذا العضو فإذن ليس هناك حقيقة ومجاز وإنما كلها حقيقة وكلمة “أرسل الأمير عيونه” هنا تعني الجواسيس أو المخبرين الذين أرسلهم هي حقيقة هنا وليست مجازاً. كل كلمة يُظهر معناها السياق والخلاف ليس خلافاً جوهرياً المهم أنه لما يقول هي تؤدي هذا المعنى يتفق مع الذين قالوا تؤدي هذا المعنى. لما أقول أرسل الأمير عيونه أي مخبريه أنت تقول هذا مجاز وأنا أقول حقيقة نحن اختلفنا سواء قلنا مجازاً أو لم نقل فالمعنى واحد. بعض كبار علماء الشريعة ذهب إلى أنه لا يوجد مجاز ونوقِش الرجل بهذا الأمر وجمهور العلماء يقولون أن اللغة فيها مجاز.
الأيدي هنا العلماء لهم فيها جملة توجيهات ويقولون يمكن أن تكون الأيدي بمعنى القوة (أصحاب القوة) ويمكن أن تكون بمعنى الكرم سواء كانوا أولو الكرم الذي يخرج منهم أو الكرم الذي ينزل عليهم من الله سبحانه وتعالى فيحتمل الأمرين أنهم الذين كرّمهم الله عز وجل لأن اليد تأتي بمعنى الكرم أو القوة سواء كانوا هم أكرم الناس أو أكرمهم الله عز وجل فهم أصحاب أيدي، لله سبحانه وتعالى عليهم يد ولهم يدٌ على الناس. أما الأبصار فبالإجماع يرون أنها البصيرة في العلم والدين. كانت لهم بصيرة في العلم والدين وهذا كرم من الله سبحانه وتعالى.
(إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ (46)) المصطفى من الاختيار والاصطفاء، الأخيار جمع خيّر وخير. يلفت النظر قوله تعالى (فأخلصناهم بخالصة ذكرى الدار) والكلام كان مع الرسول (صلى الله عليه وسلم) لتذكيره بشأن هؤلاء: إبراهيم وإسحاق ويعقوب عليهم جميعاً الصلاة والسلام. (أخلصناهم بخالصة) أخلصه في الأصل بمعنى نقّاه وصفّاه من الشوائب يكون خالصاً منقىً. نقيّناهم التنقية لهم، وهناك صفة منقاة لهم فالتنقية جاءت مرتين: هم نُقّوا بين البشر وعندهم صفة انتُقيت لهم خالصة لهم دون غيرهم فالتنقية والإخلاص كان مرتين.
لو قيل في غير القرآن (أخلصناهم بخالصةٍ) خالصة نكرة عامة تحتاج إلى بيان فما هذه الخالصة؟ قال: ذكرى الدار. كلمة ذكرى ممكن أن تكون من التذكر تذكر الإنسان شيء فله بذلك ذكرى ويمكن أن تكون من التذكير فهو يقدّم ذكرى للآخرين فاللفظ يمثل المعنيين. والمعنيين مرادان يعني هم يذكرون الآخرة دائماً ويُذكّرون بها، هذا شيء أخلصوا به.
عندنا قراءة نافع مع عدد من القراء (أخلصناهم بخالصةِ ذكرى الدار) بالإضافة لا يُنوّن وإنما يضيف، نافع وعدد من القُرّاء يضيفون وحفص وعدد من القُرّاء ينوّنون. نقول هذه القبائل العربية التي رُخِّص لها بأمر من الله سبحانه وتعالى أو جبريل نزل بها مرتين. نجد المعنى واحداً. لو أخذنا مثالاً: نقول خصّ الله فلاناً بعافيةٍ (بأي عافية) يقول النجاة من الزكام، وضّحها. فخصّ فلاناً بعافية النجاة وضّحت أن العافية هي النجاة. لو قيل: خصّه بعافيةِ النجاة، أيضاً بيّنها لكن عن طريق الإضافة والنسبة أي خصّه بهذه العافية (عافيةٍ النجاة أو بعافيةِ النجاة) لذا نقول القراءات القرآنية لا يتغير فيها المعنى لكن يمكن أن يكون هناك لمسة خفيفة في التفريق: بعافيةِ النجاة فيها نوع من الارتباط أقوى من بعافيةِ النجاة سواء أعني النجاة أو هي النجاة أو بعافيةِ النجاة على البدلية.
(وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ (47)): كلمة مصطفى تُصلِح أن تكون مثالاً لبيان اسم المفعول غي الثلاثي. لما نقول اختبر اسم المفعول من غير الثلاثي يكون بإبدال حرف المضارعة ميماً مضمومة وفتح ما قبل الآخر (مُختبَر) واسم الفاعل كسر ما قبل الآخر (مُختبِر). مُختبَر الذي وقع عليه الاختبار ومُختبِر الذي يقوم بالاختبار. نقول المصطفَين جمع للمصطفى (وقع عليهم الاصطفاء فهم المختارون) المصطفَين، ولو كان للفاعل تصير للمصطفِين بكسر الفاء. المصطفَين معنى ذلك أن الله سبحانه الناس يوم القيامة لا يكونون درجة واحدة وإنما درجات. وهناك منزلة الاصطفاء فهؤلاء الأنبياء يكونون في الاصطفاء من المصطفين ومحمد (صلى الله عليه وسلم) من هؤلاء مصطفى خير وأمة محمد (صلى الله عليه وسلم) في قوله تعالى (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ) وهذه بشارة هذه الطبقة العليا (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (69) النساء) هذه ميزة لأمة محمد (صلى الله عليه وسلم)طاعة الله والرسول(صلى الله عليه وسلم).
آية (51):
* ما دلالة استعمال الوصف (متكئين) لأهل الجنة خاصة؟(د.فاضلالسامرائى)
الاتّكاء غاية الراحة كأن الإنسان ليس وراءه شيء لأن الإنسان لو وراءه شيء لتهيّأ له ولم يتكئ. والاتّكاء في القرآن ورد مع الطعام والشراب ومع الجلسات العائلية هذا أكثر ما ورد إلا في موطن واحد.
جاء في القرآن الكريم قوله تعالى (هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ (56) لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ (57) يس) والاتكاء يحسُن في هذا الموضع. وقال تعالى (مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ (51) ص) يرتبط الاتكاء مع الطعام والشراب وكذلك في سورة الرحمن (مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ (54)) و (مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ (76)) وقوله تعالى (مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ (16) الواقعة) و (مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (20) الطور) جاء في السياق مع هذه الآيات ذكر الطعام والشراب.
فالاتكاء غاية الراحة ولهذا وًصِف به أهل الجنة ولم يأت وصفهم بالنوم لأنه لا نوم في الجنة أصلاً. ووصِفوا في القرآن بأوصاف السعادة فقط يتحادثون فيما بينهم ويتذاكرون ما كان في الدنيا والاتكاء غاية الراحة والسعادة.
آية (65):
*سألناك في حلقة سابقة عن الآية التي استوقفتك طويلاً فهل حدث شيء مثل هذا أثناء كتابة كتاب معاني النحو؟(د.فاضلالسامرائى)
وأنا أؤلف معاني النحو حدثت حادثة غريبة أنا عادة كل موضوع قبل أن أشرع في الكتابة فيه أضع خطة للموضوع ما يتعلق بالمعنى يعني الفاعل، المبتدأ والخبر، أضع خطة لكل موضوع وأكتب فيه إلى أن وصلت إلى لا النافية للجنس أيضاً ضعت الخطة ورجعت للمراجع والقرآن وبدأت أكتب وإذا واحد بالمنام يأتيني وقال هناك مسألة في لا النافية للجنس لم تذكرها، قلت له ما هي؟ قال ما الفرق بين لا رجلَ في الدار وما من رجلٍ في الدار مع أن كليهما لنفي الجنس؟ (من) الاستغراقية لنفي الجنس (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ (19) محمد) و (وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (65) ص) كلاهما لنفي الجنس، وما كنت قد فكرت بها أصلاً ولا أدرجتها في الخطة. سألني لم تذكر الفرق بينهما في المعنى فقلت له صحيح وذكرت له الجواب في المنام واستيقظت فقال صح ثم استيقظت فتذكرت السؤال ونسيت الجواب. بدأت أبحث في الكتب ولم تذكر الكتب الفرق بينهما. لا أعلم من الهاتف الذي جاءني في المنام، بقى السؤال في ذهني ولم أذكر ماذا أجبته. رجعت إلى المراجع التي بين يدي فلم أجد، في كتب النحو التي بين يدي لم أجد هذا الجواب فبدأت من جديد أنظر في المسألة رجعت للقرآن من جديد وأفكر وبقيت أكثر من نصف شهر أفكر في المسألة وأقلب فيها ثم اهتديت إلى الجواب فتذكرت أن هذا الجواب هو الذي أجبت الهاتف به. بداية لا النافية للجنس يعني تستغرق كل الجنس المذكور يعني لما تقول لا رجلَ جميع الرجال لا واحد ولا أكثر كل هذا الجنس هو منفي، بينما لما تقول ما من رجل أيضاً تنفي استغراق الجنس (من) زائدة هذه تفيد استغراق الجنس كله، إذن ما الفرق بينهما إذا كان المعنى واحداً؟ والقرآن يستعملهما (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ (19) محمد)(وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (65) ص) ؟ لا النافية للجنس يقولون هي جواب لـ (هل من) يعني كأن سائلاً سألك هل من رجل في الدار؟ فتقول له لا رجلَ في الدار، هذه إجابة على سؤال (هل من؟) لما تقول هل رجلٌ في الدار؟ جوابه لا رجلٌ في الدار (لا هنا نافية) ولما تقول هل من رجلٍ في الدار؟ جوابه لا رجلَ في الدار (هذه لا النافية للجنس). (من) زائدة لاستغراق الجنس، هل رجل يحتمل واحداً أو أكثر أما هل من رجل ينفي الجنس لا رجل ولا اثنان ولا أكثر، هذه قاعدة مقررة. إذن لما تقول هل رجلٌ في الدار جوابه لا رجلٌ في الدار و(لا) هنا نافية، هل من رجل في الدار تجيبه لا رجلَ في الدار، هذا مقرر في اللغة وهنا (لا) نافية للجنس. فإذن لما تقول لا رجلَ هو جواب لـ(هل من)؟، هذه جواب سائل. أما ما من رجل في الدار هذا ليس جواب سائل وإنما رد على من قال لك إن في الدار رجلاً. لا النافية للجنس إجابة على سؤال وما من رجل رد على قول إن في الدار رجلاً. لا رجلَ إعلام لسائل وإخبار عن شيء لا يعلمه أو جواب عن سؤال، أما ما من رجل فهو رد على قول. مثال (لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَـهٍ إِلاَّ إِلَـهٌ وَاحِدٌ (73) المائدة) (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ (8) البقرة) (وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ (13) الأحزاب) هذه رد، (وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ (78) آل عمران) (وَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ وَمَا هُم مِّنكُمْ (56) التوبة) هذا رد. بينما (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ (256) البقرة) هذا تعليم وليس رداً على قول، (ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (2) البقرة) هذا أمر، (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ (19) محمد) هذا إخبار. الفرق الثاني أنه بـ (ما) هذه و(من) نستطيع نفي الجنس بـ(ما متصلة ومنفصلة)، بمعنى أني لا أستطيع أن أنفي بـ (لا النافية) إذا كان منفصلاً، لا أستطيع أن أقول لا في الدار رجل، يمكن أن أقول لا في الدار رجلٌ لا يمكن أن ننفي الجنس هنا وتكون (لا) هنا مهملة (لَا فِيهَا غَوْلٌ (47) الصافات). أما (ما) فيمكن أن تكون متصلة أو منفصلة (فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ (100) الشعراء) (مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ (59) الأعراف) لا يمكن أن نقول لا لكم من إله غيره. فإذن (ما) تكون أوسع في نفي الجنس. إذن هنالك أمران أن (لا) جواب عن سؤال وإخبار وإعلام و(ما) رد على قول و (ما) هي أوسع استعمالاً لنفي الجنس من (لا). إذن هنالك لا النافية للجنس و (ما من) ما تُعرب نافية لأن الجنس يأتي من (من) ولا يأتي من (ما) والتركيب (ما من) نافية للجنس، (من) تسمى من الاستغراقية ونعربها زائدة لكن معناها استغراق نفي الجنس.
آية (67):
* ما الفرق بين النبأ والخبر؟(د.فاضلالسامرائى)
النبأ كما يقول أهل اللغة أهم من الخبر وأعظم منه وفيه فائدة مهمة (وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (22) النمل) وفي القرآن النبأ أهم من الخبر (قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ (67) ص) (عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (2) النبأ). والنبأ في اللغة هو الظهور وقد استعمل القرآن الكريم كلمة خبر مفردة في موطنين في قصة موسى (عليه السلام) (قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (29) القصص) (إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا سَآَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آَتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (7) النمل) وهناك فرق بين الخبر والنبأ العظيم.
وفي أخبار الماضين والرسل استعمل القرآن نبأ (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ فَذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (5) التغابن) (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآَيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ (71) يونس) (وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (120) هود).
والصيغة الفعلية للنبأ (أنبأ) أقوى أيضاً منها للخبر (أخبر) (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الكهف).
ملحوظة: في نشرات الأخبار التي تقدمها الإذاعات إن كان الخبر عظيماً يجب أن يقال نشرة الأنباء وإن كان خبراً عادياً يقال نشرة الأخبار.
آية (72):
*ما الفرق بين اسجدوا – قعوا له ساجدين – خرّوا سجداً؟(د.أحمدالكبيسى)
رب العالمين يقول: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ ﴿34﴾ البقرة) في آية ص قال (إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ ﴿71﴾ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ ﴿72﴾ ص) لم يقل اسجدوا وفى آية أخرى (خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا ۩﴿58﴾ مريم) ما الفرق بين سجدوا وبين وقعوا له ساجدين وبين خروا سجداً؟ والله تقتضي التفريق. وفعلاً الفرق بين (سجدوا) هذا سجود اعتيادي أنك أنت قمت بعملية السجود التي نفعلها في الصلاة هذه سجود كلنا نفعل سجود كسجود الصلاة سجدنا. في يوم الجمعة من السنن أن نقرأ سورة السجدة ونحن واقفون, الإمام نحن واقفون خلفه ويقرأ هو سورة السجدة ويأتي إلى قوله تعالى (خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ ﴿15﴾السجدة) خروا لماذا؟ ونحن واقفين ننزل رأساً إلى تحت (خروا). والخرّ هو الهبوط مع صوت من خرير الماء وهنالك فرق بين جريان الماء بلا صوت. الخرير من شلال نازل بصوت هذا خرّ (خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا) إما صوت البكاء مع السجود شخص قرأ آية يسجد لكن قرأ آية مؤثرة فبدأ بالبكاء وهو يبكي نزل على الأرض هبط بقوة لكي يسجد ولكن مع صوت هذا. مرة قال: (خَرُّوا سُجَّدًا) ومرة قال: (خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا) البكاء صوت السجود قال: (خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا) من التسبيح سبحان الله وبحمده. إذاً الفرق بين سجدوا وخروا سجداً هذا. الفرق بين سجدوا وخروا سجداً و(فقعوا له ساجدين) كنت مشغولاً. رب العالمين يحمل عرشه ثمانية الذين حول العرش يا الله لا يحصى عددهم! (وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ ﴿17﴾ الحاقة) الذين يحملون العرش ومن حوله (وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴿75﴾ الزمر) هذه من أعظم بشائر المسلمين (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ ﴿7﴾ رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴿8﴾ وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴿9﴾ غافر) يعني دعاء مستجاب لأن أكرم وأعظم وأقرب الملائكة إلى الله الذين يحملون العرش ومن حوله الحافّين. الحافون كما يقول إمام الرازي وغيره ونقل هذا عن عدة مفسرين منهم الكشاف والرازي أثنى عليه قال إن لم يكن لصاحب الكشاف إلا هذه اللطيفة أنه تذكرها لكفاه. الذين يحملون العرش ومن حوله كل واحد له طريقة عبادة، ناس واقفة هكذا من الملائكة طبعاً على اليمين وعلى اليسار وناس تسبح فقط وناس راكعة فقط يقول حوالي مئات الآلاف من الخطوط حول العرش, تصور لو أردنا أن نضع رجال حول دولة الإمارات جميع الحدود كم نحتاج؟ ملايين. فكيف لما مليون صف؟! هؤلاء كلهم أقرب الملائكة إلى الله (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ) (وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ) رب العالمين في هذه القضايا يخاطب هؤلاء أقرب وأحب الملائكة إليه، فلما خلق آدم قال لهؤلاء أو جزء منهم (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ) أنت ألست تعبدني؟ وأنت تسبح؟ اتركوا عملكم وقعوا له ساجدين. إذاً رب العالمين يخاطب هؤلاء الملائكة المشغولين فالذي يقع هو الذي كان مشغولاً بشيء ثم انتبه. يعني واحد يشتغل أو يكتب سمع ابنه وقع أو طاح رأساً ركض عليه ترك الشغل الذي بيده لأهمية الحدث الآخر. فرب العالمين قال:(فَقَعُوا) بالفاء (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي) من روحي، لا يستحق أن تسجدوا له لأنه طين أو أني سويته ولكن لأني نفخت فيه من روحي (فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ) كلٌ ترك عمله قسمٌ منهم هو ما خاطب كل الملائكة ولكن مجموعة منهم أنتم عندما أنفخ فيه روحي رأساً فقعوا اتركوا الذي في أيديكم (فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ) وهذا الفرق بين فقعوا له وبين اسجدوا وبين خروا.
*ما فائدة (أجمعون) بعد (كلهم)في الآية(فسجد الملائكة كلهم أجمعون (73)ص)؟(د.حسامالنعيمى)
هذا تأكيدان. لعلنا ذكرنا مرة أن في كلام العرب أحياناً يكون أكثر من مؤكِّد. يقول لك: نجح الطلاب، أنت لا تتوقع أن ينجحوا جميعاً فيقول لك: نجح الطلاب كلهم أجمعون وأحياناً يضيفون لها أكتعون أبصعون. هذه كلها تأكيدات ملاحق يريد أن يقول لم يرد عنهم أحد كأنها أجمعون أجمعونأجمعون كأنها هنا زيادة توكيد. وأجمعون إعرابها توكيد مرفوع. لما يكون الشك بالغاً أو محاولة نفي أي احتمال لعدم الجمع يزاد في التوكيد. فلما قال الله عز وجل (فسجد الملائكة كلهم أجمعين) قد يخطر في بال السامع لأن الملائكة بعضهم صار عنده نوع من التساؤل (أتجعل فيها من يفسد فيها) نوع من السؤال لله سبحانه وتعالى بعد أن أخبرهم الله عز وجل كما يقول بعض علمائنا (إني جاعل في الأرض خليفة) كأنما سألوا: ما شأن هذا الخليفة؟ قال: له ذرية بعضهم سيؤمن وبعضهم سيكفر، سيسيل الدماء، فهم بغرابة يسألون سؤال مستفهم يريدون معرفة الحجة والحكمة وليس استفهاماً إنكارياً (أتجعل فيها من يفسد فيها) فقد يتبادر للذهن أنهم لما أُمروا بالسجود ما سجدوا جميعاً فقيل (كلهم أجمعون) حتى لا يبقى أي ريب في أن جميع الملائكة سجدوا لينتزع كل ريب من نفس السامع والمتلقي ثم استثني إبليس (إلا إبليس أبى) معنى ذلك أنه كان مأموراً وهناك نص (ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك) وعدم ذكره في الأول إكراماً للملائكة لأن هؤلاء الملائكة – كما يذهب بعض علمائنا وأنا أميل لهذا الرأي – أنه ليس كل الملائكة في الكون دخلوا الامتحان وإنما الذين لهم شغلٌ في الأرض، وإبليس له شغل في الأرض كما سبق في علم الله سبحانه وتعالى وفي قدره، فهؤلاء الذين لهم شغل في الأرض جميعاً وإبليس معهم واُدخلوا الامتحان ثم طُلِب إليهم أن يسجدوا ومن ضمنهم إبليس طلب إليه أن يسجد لكن دخله الكِبر والجرأة على الله سبحانه وتعالى لأنه لم يتكبر كبراً وإنما تجرأ على الله سبحانه وتعالى وردّ الأمر وغلّطه وأبى التوبة ابتداءً، كان عليه أنه أحس بالغلط أن يتوب لكن ليقضي الله أمراً كان مفعولاً.
فهذه فائدة التوكيد لأن الأمر يقتضي إلى نزع كل ذرة من ذرات احتمال أن يكون بعض الملائكة توقف عن السجود فاحتاج إلى تأكيدين.
آية (73):
*ما سبب التذكير مرة والتأنيث مرة مع الملائكة في القرآن الكريم؟(د.فاضلالسامرائى)
قال تعالى في سورة ص:(فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ {73}) وجاءت الملائكة هنا بالتذكير، وفي سورة آل عمران (فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِّنَ الصَّالِحِينَ {39}) جاءت الملائكة بالتأنيث.
الحكم النحوي: يمكن أن يؤنّث الفعل أو يُذكّر إذا كان الجمع جمع تكسير كما في قوله تعالى (قالت الأعراب آمنا) و(قالت نسوة في المدينة) فيجوز التذكير والتأنيث من حيث الحكم النحوي.
اللمسة البيانية: أما لماذا اختار الله تعالى التأنيث في موطن والتذكير في موطن آخر فهو لأن في الآيات خطوط تعبيرية هي التي تحدد تأنيث وتذكير الفعل مع الملائكة. وهذه الخطوط هي:
1. في القرآن الكريم كله كل فعل أمر يصدر إلى الملائكة يكون بالتذكير (اسجدوا، أنبئوني، فقعوا له ساجدين)
2. كل فعل يقع بعد ذكر الملائكة يأتي بالتذكير أيضاً كما في قوله تعالى (والملائكة يدخلون عليهم من كل باب) و(الملائكة يشهدون) (الملائكة يسبحون بحمد ربهم).
3. كل وصف إسمي للملائكة يأتي بالتذكير (الملائكة المقرّبون) (الملائكة باسطوا أيديهم) (مسوّمين، مردفين، منزلين)
4. كل فعل عبادة يأتي بالتذكير (فسجد الملائكة كلهم أجمعين) (لا يعصون الله ما أمرهم) لأن المذكر في العبادة أكمل من عبادة الأنثى ولذلك جاء الرسل كلهم رجالاً.
5. كل أمر فيه شِدّة وقوة حتى لو كان عذابين أحدهما أشدّ من الآخر فالأشدّ يأتي بالتذكير (ولو ترى إذا يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم وذوقوا عذاب الحريق) (يتوفى) جاءت بالتذكير لأن العذاب أشد (وذوقوا عذاب الحريق) أما في قوله تعالى (فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم) (تتوفاهم) جاءت بالتأنيث لأن العذاب أخفّ من الآية السابقة. وكذلك في قوله تعالى (ونزّل الملائكة تنزيلا) بالتذكير وقوله تعالى (تتنزّل عليهم الملائكة) بالتأنيث وقوله (تنزل الملائكة والروح فيها من كل أمر) بالتأنيث.
6. لم تأت بشرى بصيغة التذكير أبداً في القرآن الكريم فكل بشارة في القرآن الكريم تأتي بصيغة التأنيث كما في قوله تعالى (فنادته الملائكة) و(قالت الملائكة).
آية (75):
*ما الفرق البياني بين قوله تعالى (ما منعك أن تسجد) سورة ص و(ما منعك ألا تسجد) سورة الأعراف؟ (د.فاضلالسامرائى)
قال تعالى (قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ (75) ص) وفي آية أخرى (قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ (12) الأعراف) هناك قاعدة(لا) يمكن أن تُزاد إذا أُمن اللبس، وسُمّيت حرف صلة وغرضها التوكيد وليس النفي.
النحويون يقولون أن (لا) زائدة فهي لا تغيّر المعنى وإنما يُراد بها التوكيد ومنهم من قال أنها صلة. وليس قولهم أنها زائدة يعني أنه ليس منها فائدة إنما حذفها لن يغيّر المعنى لو حُذفت. فلو قلنا مثلاً (والله لا أفعل) وقلنا (لا والله لا أفعل) فالمعنى لن يتغير برغم أننا أدخلنا (لا) على الجملة لكن معناها لم يتغير. أما في آيات القرآن الكريم فلا يمكن أن يكون في القرآن زيادة بلا فائدة. والزيادة في (لا) بالذات لا تكون إلا عند من أمِن اللبس، بمعنى أنه لو كان هناك احتمال أن يفهم السامع النفي فلا بد من زيادتها. في قوله تعالى: (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29) الحديد) معناها ليعلم أهل الكتاب أنهم لا يقدرون على شيء وإذا أراد الله تعالى أن يُنزل فضله على أحد لا يستطيع أحد أن يردّ هذا الفضل. فالقصد من الآية إعلامهم وليس عدم إعلامهم. لذلك قسم من النحاة والمفسرين يقولون أن اللام زائدة أو صلة.
وفي قوله تعالى: (قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (92) أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (93) طه) هي ليست نافية ولكنها بمعنى من منعك من اتباعي. وفي قوله تعالى (قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (12) الأعراف) الله تعالى يحاسب إبليس على عدم السجود ولو جعلنا (لا) نافية يكون المعنى أنه تعالى يحاسبه على السجود وهذا غير صحيح. ولهذا قال تعالى في سورة ص (قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ (75)). إذن (لا) مزيدة للتوكيد جيء بها لغرض التوكيد لأن المعلوم أن يحاسبه على عدم السجود.
لكن يبقى السؤال لماذا الاختيار بالمجيء بـ (لا) في آية وحذفها في آية أخرى؟نلاحظ أن سياق الآيات مختلف في السورتين ففي سورة الأعراف الآيات التي سبقت هذه الآية كانت توبيخية لإبليس ومبنية على الشدة والغضب والمحاسبة الشديدة وجو السورة عموماً فيه سجود كثير.
لو نظرنا في سياق قصة آدم (عليه السلام) في الآيتين في سورة الأعراف وص لوجدنا أن المؤكّدات في سورة الأعراف أكثر منها في سورة ص ففي الأعراف جاءت الآيات (لأقعدنّ، لآتينهم، لأملأن، إنك، وغيرها من المؤكّدات) . وكذلك القصة في سورة الأعراف أطول منها في ص ثم إن مشتقات السجود في الأعراف أكثر (9 مرات) أما في ص (3 مرات). ولتأكيد السجود في الأعراف جاءت (ما منعك ألا تسجد). ثم هناك أمر آخر انتبه له القدامى في السور التي تبدأ بالأحرف المقطعة وهي أن هذه الأحرف تطبع السورة بطابعها فعلى سبيل المثال: سورة ق تطبع السورة بالقاف (القرآن، قال، تنقص، فوقهم، باسقات، قبلهم، قوم، حقّ، خلق، أقرب، خلقنا، قعيد، وغيرها) وسورة ص تطبع السورة بالصاد (مناص، اصبروا، صيحة، فصل، خصمان، وغيرها..) حتى السور التي تبدأ بـ (الر) تطبع السورة بطابعها حتى أن جعفر بن الزبير أحصى ورود الر 220 مرة في السورة. وسورة الأعراف تبدأ بـ (المص) وفي الآية موضع السؤال اللام والألف وهما أحرف (لا) فناسب ذكر (لا) في آية سورة الأعراف وناسب كذلك السياق والمقام.
وعليه مثلاً من الخطأ الشائع أننا نقول أعتذر عن الحضور وإنما الصحيح القول: أعتذر عن عدم الحضور.
آية (78):
*ما الفرق بين الآيات الكريمة:(أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ ﴿159﴾ البقرة) – (لَعَنَهُمُ اللَّهُ (52) النساء) – (أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ ﴿87﴾ آل عمران) – (أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ﴿25﴾ الرعد) -(وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ ﴿78﴾ ص) ؟(من برنامج أخر متشابهات)
قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ ﴿159﴾البقرة) اللعنة هذه كما تعرفون اللعنة هي الطرد فلان ملعون لعناه الخ كل كلمة لعن ويلعن يعني طردته من حضرتك أنت ملك فصلت وزيراً يقال لعنه طردته من رحمتك من عطفك من ثقتك طرد، هكذا معنى اللعن. في القرآن مرة قال: (أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) فعل مضارع ومرة قال: (لَعَنَهُمُ اللَّهُ (52) النساء) فعل ماضي ومرة قال: (أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ ﴿87﴾آل عمران) تعبير آخر ومرة قال: (أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ﴿25﴾ الرعد) تعبير رابع ومرة قال:(وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ ﴿78﴾ ص) مرة واحدة مرة واحدة قالها لإبليس لما رفض أن يسجد طرده ولعنه (وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ) هكذا، من أجل هذا عليك أن تعرف أن كل تعبير من هذه التعابير تعني أسلوباً في اللعن واللعن هذا أخطر ما يمكن أن يصادفه المخلوق سواء كان إنساً أو جناً أو ملكاً أو بشراً حتى الحيوان إذا لعنت نعجة لا تؤكل كما قال النبي صلى الله عليه وسلم إذا لعنت بعيراً لا يُركب إذا لعنت سيارة لا تُركب وإذا لعنت إنساناً فإذا كان يستحق اللعن لأنه ارتكب شيئاً يستحق عليه اللعن مما جاء في الكتاب والسنة خلاص هو ملعون وإذا كان لم يكن يستحق اللعنة تدور اللعنة في السموات والأرض فلا تجد أحد تصيبه فتعود إلى من لعن ولهذا (ليس المؤمن لعّاناً) المؤمن لا يلعن لأنها مصيبة إذا لعنت أحداً أو شيئاً أي شيء وكان لا يستحق اللعن عادت اللعنة إليك إذا لعنت حيواناً لم يؤذيك وسيارة ماشية لماذا لعنتها؟ ترجع عليك اللعنة وعندما تقع عليك اللعنة لا بركة ولا توفيق ونحن نقول هذه أرض ملعونة سيدنا علي وصل إلى بابل وكان وقت العصر سأل نحن أين الآن قالوا في بابل قال أعوذ بالله إنها أرضٌ ملعونة فانطلقوا ولم يصلوا العصر حتى يهربوا من هذا المكان الملعون ونفس الشيء أيضاً في ديار قوم لوط أرض ملعونة إذا مر بها شخص بسرعة يهرب لأنها أرض ملعونة إذا مر بها واحد بسرعة يهرب لأنها أرض ملعونة وطبعاً الذي يدخل عليها يكون مطأطأ ومغطي رأسه لكي لا تصيبه اللعنة. فاللعن هذا قضية من اللامعقول ترى الشيء بيت ملعون ما فيه توفيق وغير مريح، سيارة كل يوم متعطلة رغم أنها جديدة، زوجة نعوذ بالله مشاكسة أي شيء إذا أصابته اللعنة أي طرد من رحمة الله لأمر ما رب العالمين يعلمه ولهذا إياك أن تتدخل في شغل الله عز وجل فقط رب العالمين يلعن. قد يأمرك أنت أن تلعن أما أنت أن تلعن متبرعاً لا، تعود اللعنة إليك وهذه اللعنة هي سر ما قد نعانيه جميعاً من بعض المظاهر والظواهر مما يضايقنا دون معرفة السبب أنا أصلي سنة ورزقي واقف لا يوجد رزق صار لي سنة سيارتي خربانة لا تعمر صار لي سنة عندي ابن مريض لا يشفى الحق لا أدري ما مشكلته بالوظيفة أنا غير موفق الخ عدم التوفيق والشعور بالنكد شعور بالحزن شعور بالهمّ شعور بعدم البهجة هذا نوع من اللعنة فيك شيء فإياك أن تلعن أحداً لا يستحق اللعن. لا ينبغي أن تلعن إلا من لعنه الله ورسوله فإذا اجتهدت في لعن أحد لا يستحق اللعن تلف هذه اللعنة كل السموات والأرض فلا تجد أحداً تصيبه فتعود إليك وإذا عادت اللعنة إليك ابتليت بعدم التوفيق في كل شيء.
نعود إلى هذه الصيغ عندما قال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) قال يلعنهم فالقضية مستمرة إذاً، لماذا؟ في كل عصر هناك من يكتم الآيات البينات ويكتم الحق (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) في كل أدوار التاريخ ما من نبي جاء من آدم إلى محمد عليهم الصلاة والسلام جميعاً إلا وابتلي ذلك الدين بواحد مفتي كاهن أو قس أو شيخ أو عالم أو مُلا أو مطوّع يعرف الحق تماماً هذه الآية واضحة وهذا الحديث واضح يلويه يغطيه لكي يصل إلى نتيجة دنيوية سيئة فينحرف بمجموعة. هذه المجموعة تبقى طيلة حياتها وطيلة عمر الدنيا تكيد لذلك الدين ولأهله تمزقه تنخر فيه وهذا في كل الأديان. وما عانت الأديان أكثر مما عانت من هؤلاء الذين ينحرفون عن الرسالة السماوية وما انحرفوا من اختيارهم هناك من أفتاهم، هؤلاء الذين يسمون رجال الدين العلماء الأحبار (إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴿34﴾ التوبة) وهكذا علماء المسلمين وهكذا كل رجال الدين حتى رجال الدين الوثنيين هناك تحريفيون ولو أن ذاك التحريف فاضل. إذاً هذا الكتمان وهذا الانحراف موجود في التاريخ قال يلعنهم فعل مضارع والمضارع في الحال والمستقبل (يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) حينئذٍ هذا الفعل المضارع كلما وجدته على ملعونين اعلم أن هذه القضية مستمرة ما انقطعت. إذا قال (لَعَنَهُمُ) شيء راح وانتهى ناس ارتدوا كفروا (لَعَنَهُمُ اللَّهُ) حينئذٍ شيء يتكرر هكذا لعنهم. وحينئذٍ كلمة يلعنهم مضارع مستمرة كل من وما يستحق اللعن إذا هو مستمر يقول (يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) إذا كان شيء انتهى أو كان في الماضي يقول (لَعَنَهُمُ) إذا كان قضية خطيرة واحد عمل مبدأ انحراف ونشأت عليه جماعة أو طائفة وكل الأديان الموجودة نحن عندنا ناس انسلخوا من الإسلام يعبدون الشيطان وناس تعبد قبراً وناس تعبد نعل النبي وأشكال اقرأ التاريخ سبعين فرقة عند المسيحيين سبعين فرقة وعند اليهود سبعين فرقة وعند المسلمين سبعين فرقة واحد أضلهم واحد! وهذا الواحد يقتل كل من انحرف بفتوى، هو سيدنا عمر سيدنا عثمان سيدنا علي سيدنا الحسين قُتِلوا بفتوى واحد قال هؤلاء مشركين اقتلوهم، تصور! وهؤلاء أنشأوا طائفة وإلى اليوم القتل مستحر في أيامنا نحن في هذا الزمان كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (لا تقوم الساعة حتى يكثر فيكم الهرج القتل القتل القتل) نشأنا أمة واحدة فعلاً عرب مسلمون طيبون توجد مذاهب إسلامية متعايشة عيشاً سلمياً رائعة وهذا من عظمة الإسلام المسألة الواحدة في الإسلام لها أربع خمس حلول حدّان حد أعلى وحد أدنى وأنت حرٌ بينهما (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا﴿187﴾ البقرة) هذه خمسين في المائة (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا﴿229﴾ البقرة) هذه مائة بالمائة وأنت حرٌ فيما بينها تأخذ ستين سبعين مقبول جيد جيد جداً أنت حر. إلى أن جاء واحد باعتقاده أن الذي لا يصل إلى المائة مائة فهو كافر واقتلوا اقتلوا وهكذا في زماننا كانت الأمة متجانسة يعني في الأربعينات الثلاثينات التي نحن وعيناها أمة واحدة حيثما ذهبت في العالم مهما كان مذهبك أو اختلافك اختلافات فقهية صحيحة كلها واردة عن رسول الله. النبي صلى الله عليه وسلم طبّق تطبيقات عديدة وكل واحد أخذ له رأي وهذا شيء جميل واتفق عليه المسلمون بأن هذا يجوز وهذا يجوز وهذا يجوز. وعينا على ناس قالوا نحن فقط صح وكلكم أنتم رجعيين يعني يُطلِق على من عداه رجعيون ويقتلهم وقد قتلوا وسحلوا وعلقوا ثلاثين عاماً. نعود إذاً إلى ما كنا نقول إن التعبير بـ (يلعنون) بالفعل المضارع لأمر أو جريمة أو دمٍ سيستمر مدى الدهر كما قلنا (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) طيلة التاريخ كان هناك من يكتم الحق مع وضوحه هنا النقطة (مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ) بيان ظاهر قضية لا تقبل الخطأ. وحينئذٍ هذا الذي يخالف هذا ثم يُضل الناس ويكتم الحق عليهم هذا سوف يستمر وجوده إلى يوم القيامة (يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) كما قلنا في زماننا كثير عناوين سياسية تقتل الآخر بحجة أنك رجعي جاءت ثلاثين عاماً بعدهم ثلاثين عاماً جاء من يقتل الآخر بحجة أنك أنت خائن وعميل إلى سنة الألفين ألفين وثلاثة أربعة من الآن فصاعداً هناك من يقتل الآخر لأن الآخر مشرك وكافر وهذا مستمرٍ إلى يوم القيامة. ما أن مات النبي صلى الله عليه وسلم حتى جاءت هذه الفرقة الخوارج كفّروا كل من عداهم واستحلوا دمائهم بأبشع صورة يعني لا يقتلون قتلاً عادياً لا، قتل مع التمثيل هذا مستمر ولم ينقطع من زمن موت النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليوم وإلى يوم القيامة (لا تقوم الساعة حتى يكثر فيكم الهرج القتل القتلالقتل حتى يقتل الرجل أخاه وجاره وابن عمه حتى لا يدري القاتل لما قتل ولا المقتول فيما قتل) نسمع الآن أن فلان قتل أخوه فلان قتل أبوه باعتباره مشرك هذا (يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) لماذا؟ لأن هذا خالف قضية واضحة (أمرت أن أمر الناس حتى يقول لا إله إلا الله فإذا قالوه عصموا مني دماءهم) وهذا الذي يقتل الآن يصلي خمس أوقات وفي المسجد ويصوم رمضان وهو مسلم ابن مسلم يُذبَح لأنه مشرك حينئذٍ هذا مستمر الله قال: (يَلْعَنُهُمُ) فعل مضارع. الشيء الآخر (كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴿86﴾ أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ﴿87﴾ آل عمران) هذا قضية أصبحت يعني حُكم بها هؤلاء الذين ارتدوا بعد الإسلام بعد أن آمنوا بالله وقالوا محمد رسول الله ثم ارتد وهكذا فعلوا مع سيدنا موسى وهكذا فعلوا مع سيدنا عيسى على هؤلاء جميعاً (أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) وهذه من باب التهديد يعني هذا التعبير بالاسمين (إن واسمها وخبرها) فيه رائحة تهديد وفعلاً كيف يمكن أن تتعامل مع مرتد والارتداد مستمر منذ أن جاءت الرسل وإلى يوم القيامة. عندنا تعبير آخر (أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) هذا أيضاً تعبير جديد يقول (وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ﴿25﴾ الرعد) مجموعة ذنوب كبيرة بعضها أكبر من بعض فاجتمعت فقال (لهم) هذه اللام للاختصاص وكأنه لا يلعن أحدٌ كما يلعن هؤلاء فرق بين أن أقول هذه لك وهذه عليك. هذه لك اختصاص (أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ) كأن اللعن ما خُلِق إلا لهؤلاء ينقضون عهد الله بالتوحيد ويقطعون ما أمر الله به طبعاً بعد ميثاقه فرب العالمين قال (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى﴿172﴾ الأعراف) أخذ علينا العهد (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ ﴿172﴾ الأعراف) هذا نقض عهد الله هذا واحد، (وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ) يقطع الرحم وقد أمره بها أن توصل ويقطع النعمة ويقطع الخ يعني ما ترك شيئاً رب العالمين يريد أن يصله إلا قطعه (وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ) قتل وإبادة وتكفير وما إلى ذلك هؤلاء (أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ). فرق بين (يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ) وبين (أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ) وبين (أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ (25) الرعد) يعني كأنها ما من أحد يُلعَن كما يلعن هؤلاء. أقوى هذه التعبيرات الرهيبة جاءت مرة واحدة في القرآن كل هذا جاء مرات ، مرة واحدة في القرآن الكريم رب العالمين لعن بها إبليس لما قال له (قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ ﴿77﴾ وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ ﴿78﴾ ص) أنا رب العالمين وتعرف رب العالمين إذا اختص وحده باللعنة هناك لعنة الله والملائكة والناس يعني لكن أنت إبليس عليك لعنتي وأنت تعرف وقد لا تعرف ماذا يعني أن أختص أنا وحدي ألعنك (وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ) هذا الفرق بين عدة التعبيرات لكلمة اللعن.
آية(82):
*لماذا حلف الشيطانبعزّة الله في الآية(قَالَفَبِعِزَّتِكَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) ص)؟(د.حسامالنعيمى)
هذا القَسَم بعض العلماء يقول: علِم عدو الله أنه ليست له عزّة فأقسم بعزة الله سبحانه وتعالى، هذا قول لبعض العلماء. ولكن البعض يقول القسم عادة يتناسب مع المقسم عليه، الإنسان على ماذا يريد أن يُقسِم؟ القسم بلفظ الله يصلح لكل نوع، يقول الإنسان: والله لا أفعل هذا، والله لأفعلنّ كذا، لكن حينما يكون الأمر بحاجة إلى قوة وسلطان عند ذلك يكون القَسَم بعزة الله لأن العزة فيها معنى القوة والسلطان. أنت لا تقول مثلاً: “والرحمن الرحيم لأفعلنّ بأعداء الإسلام كذا”، لا تستقيم “والرحمن الرحيم”، لكن قُل: والله أو وعزّة الله. فلا يبعد أن القرآن الكريم ذكر هذا اللفظ ليشير إلى أن الأمر يحتاج إلى قوة وإلى سلطان في إغواء هؤلاء. هذه القوة من أين جاءته وهو ما عنده قوة ولا سلطان (وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي (22) إبراهيم). هذه القدرة والقابلية على إغواء الناس وعلى الدخول إلى قلوبهم هي في واقع الحال من تمكين الله سبحانه وتعالى لهذا المخلوق لأنه يعلم – هذا المخلوق – أنه لم لم يمكّنه الله سبحانه وتعالى لا يستطيع أن يصل. الإنسان يوسوس له الشيطان، هذه الوسوسة إذا لم يشأ الله سبحانه وتعالى أن تحدث أثرها لا تحدث أثراً. فلا يكون شيء في مُلك الله عز وجل من غير إرادته لذلك نقول الذي يتصرف في ملكه لا يُسأل (لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (23) الأنبياء). فالظاهر – والله أعلم – أن القسم هنا كان مناسباً يعني كأنما أنا سلبت مني العزة فأنا أقسم بعزتك وكأنه يتشبث يهذه العزة، بهذه القوة حتى يستطيع أن يغوي لأنه قال (قَالَفَبِعِزَّتِكَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) بهذا التأكيد، بمجموعهم واستثنى (إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (83) ص) وعندنا قراءة (المخلِصين). المخلَصين بفتح اللام هم الذين أخلصهم الله عز وجل لعبادته أو هم خلصوا هم بأنفسهم لعبادة الله سبحانه وتعالى وكلاهما مردّه إلى رحمة الله سبحانه وتعالى هو الذي يرحم عباده بأن لا يمكِّن الشيطان من الوصول لإغوائهم. إغواء الشيطان له مقدمات يفعلها الإنسان والشيطان لا يدخل إلى هذا الإنسان إلا بعد أن يقدم هذا الإنسان هذه المقدمات حتى يكون مسؤولاً عن عمله وإلا كيف يُسأل عن عملٍ لم يقدم فيه شيئاً؟. هو يقدم أسباب عمل الخير ويقدم أسباب عمل الضلال ثم الشيطان يتمكن منه وهو ماضٍ في تقديم أسباب الضلال لذلك في القرآن (مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ (79) النساء) هو قدّم الاثنين لكن لا يكون شيء إلا بأمر الله سبحانه وتعالى، في السيّئة نُظِر إلى تقديم الإنسان لهذه الخطوات وفي الحسنة نُظِر إلى النتيجة أنه لا تكون إلا بأمر الله سبحانه وتعالى. (وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَـذِهِ مِنْ عِندِ اللّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَـذِهِ مِنْ عِندِكَ قُلْ كُلًّ مِّنْ عِندِ اللّهِ (78) النساء) لأن النتائج النهائية من الله سبحانه وتعالى لا تحدث إلا بأمره، بإذنه لكن مرة نُظِر إلى البدايات مع السيئة لأن الإنسان خطا هذه الخطوات ومرة نُظِر إلى النهاية.
إذن هذا القسم بعزة الله سبحانه وتعالى، أحياناً يقول لك شخص: “والذي رفع السماء بغير عمد” يعني هناك شيء مستحيل في نظرك لكنه ممكن في فعل الله سبحانه وتعالى فإذن هذا الذي أقسم عليه من المستحيل أن يكون يعني لما يريد أن يبيّن الإحالة يُقسِم. ذكرنا حديثاً في المرة السابقة عن إمشاء الناس على وجوههم، أليس الذي أمشاهم على أرجلهم بقادر على أن يمشيهم على وجوههم؟ فقال قتادة: “بلى وعزّة ربنا” لأنها نحتاج إلى قوة. في مجال القوة وطلب القوة القسم يكون بعزة الله سبحانه وتعالى مع أن لفظ (الله) يصلح لكل الأنواع. والله سبحانه تعالى في الحديث القدسي استعمل ” وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين” لأن فيها معنى القوة. لما يكون الأمر بحاجة إلى بيان القوة والسلطان يقسم بالعزّة..
إبليس يؤمن بعزة الله سبحانه وتعالى وقد خدم في حظيرة الله سبحانه وتعالى وكان من المشتغلين في قضايا الأرض مع ملائكة الأرض. لما الباري عز وجل عرض على الملائكة (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (30) البقرة) لأنهم مشتغلون في الأرض، مهمتهم في الأرض فعرض عليهم، لا يعقل أنه عرض على كل ملائكة السماء والكون وإنما على فئة لها شغل بهذا المخلوق الجديد وبمكانه فإبليس كان من ضمن هؤلاء ليس ملكاً لكن من ضمن الذين لهم شغل لذلك كُلّف مباشرة (ما منعك أن تسجد إذ أمرتك) أُمِر مباشرة بالسجود.
المخلَصين: الذي أُخلِصت نيته وفعله لله سبحانه وتعالى وأُخلِص من الآثام ومن كيد الشيطان، أخلَصه الله سبحانه وتعالى. من الفعل أخلَص يخلِص فلما نريد الفاعل نكسر ما قبل الآخر (مخلِص) ولما نريد المفعول نفتح ما قبل الآخر فنقول (مخلَص).
آية (85):
*ما معنى حق القول؟(د.فاضلالسامرائى)
حق القول في القرآن معناه ثبت لهم العذاب. القول هو قوله تعالى (وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (13) السجدة). كلمة حق القول إشارة إلى حق القول مني. الذي ورد في القرآن الكريم طبعاً عموم النحاة كلهم يذكرون أن حق القول المقصود به (وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (13) السجدة) أو (قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ (84) لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ (85) ص) حق القول في القرآن الكريم وكذلك حقت الكلمة لم ترد إلا في ثبوت العذاب هذا يمتد في جميع القرآن استقصاء بإلا بمعنى وجب لهم العذاب أو ثبت لهم العذاب مثال (قَالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنَا هَؤُلَاء الَّذِينَ أَغْوَيْنَا أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ (63) القصص) (وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (25) فصلت) (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (18) الأحقاف) ((13) السجدة) ((7) يس) ((70) يس) ((31) الصافات) ((19) الزمر) ((71) الزمر) ((6) غافر) ( (96)(97) يونس) ((33) يونس) كلها لم ترد في القرآن لم ترد إلا بهذا المعنى وهذه الدلالة، حق القول أو حقت الكلمة لم ترد إلا بهذه الدلالة.