سورة الطلاق
آية (1):
*ما اللمسات البيانية في آية سورة الطلاق (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ (1))؟ (د.حسام النعيمى)
(يا أيها النبي) نداء للنبي (صلى الله عليه وسلم) يفترض في غير القرآن لما يقول: يا فلان، أن يقول: إذا فعلت كذا، لكن قال (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء) حكم عام، هذا يُفهم منه أنه عندما يكون الخطاب للنبي (صلى الله عليه وسلم) المراد بذلك رسول الله (صلى الله عليه وسلم) مع أمّته لأنه متابَع فلما يُخاطَب معناه خاطب الأمة. لما يقول يا أيها النبي معناه يا أيها النبي ويا أتباع النبي فتأتي العبارة بخطاب المؤمنين كأنه محذوف: يا أيها النبي أنت ومن معك إذا طلقتم النساء لأن الحكم ليس خاصاً برسول الله (صلى الله عليه وسلم). إذا خصّه بشيء يكون خاصاً به كما في قوله تعالى (وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ (50) الأحزاب) هذا نص، لكن لما يقول (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (59) الأحزاب) شيء عام، أي وبنات المؤمنين أيضاً، لأن بنات المؤمنين دخلت ضمن بناتك. الرسول (صلى الله عليه وسلم) لما يتصرف بشيء، لما يخاطَب بحكم إلا إذا كان دلّ دليل على أن ذلك الحكم خاص به. ليس هناك خلط في النص القرآني (إذا طلقتم النساء) كأنه قال يا أيها النبي ويا أتباع النبي. وقد يكون للتعظيم أنه لما تخاطب تقول: أنتم ذكرتم كذا، لكن هذا ليس مراداً بقدر ما هو مراد للتنبيه أنه لما ينادى النبي (صلى الله عليه وسلم) المؤمنون ينتبهون فيذكر لهم الحكم العام. الرسول (صلى الله عليه وسلم) كان يتصرف أحياناً ويقول كلاماً – حتى نفهم كثيراً من الأحاديث التي قد يُشكل فهمها على القارئ – لما يقول كلاماً هذا معناه أنه يريد أن يعلّم المسلمين. في الحديث الصحيح في الترمذي وابن ماجه وأحمد ” عن أنس في الترمذي وعن جابر في مجمع الزوائد: عن أنس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يُكثر أن يقول: ” يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك “، قالوا: يا رسول الله! آمنا بك وبما جئت به، فهل تخاف علينا؟ قال: ” نعم، إن القلوب بين إصبعين من أصابع الله يقلبه كيف يشاء ” . كيف فهمها الصحابة؟ هل أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) يدعو لنفسه (ثبت قلبي)؟ ما دخل أنه يخاف علينا بالدعاء؟ فهِم أنس أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) عندما يقول شيئاً معناه تعلّموا هذا ورددوه، فلما قال الحديث كأنه يقول قولوا هذا واحفظوه معي. كان (صلى الله عليه وسلم) يكثر من الدعاء ففهم الصحابة أنه يعلّمهم. ولذلك لما يقول (صلى الله عليه وسلم) : إني لأستغفر الله في اليوم سبعين مرة، أي تعلّموا، استغفروا ولا يعني أنه حاشاه كان (صلى الله عليه وسلم) يُكثر من الخطأ فيكثر من الاستغفار. هذه فرصة لبيان هذه الجزئية.
(يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن): إذا طلقتم معناه إذا باشرتم أو قاربتم التطليق، إذا نويتم أن تطلّقوا ليكن التطليق وهنّ مستقبلات العدة لأنه لما يطلقها ستلتزم بعدة، أشهر معينة، إما بالحيض أو بانتهاء الحيض (القُرء إما الحيض وإما الطهر) وهي مستقبلة لما سوف تعدّه، أما وهي في داخل الحيض لا يجوز. كما قال تعالى (إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم) أي إذا أردتم القيام إلى الصلاة فتوضأوا. فلما يأتي الفعل أحياناً ليس بمعنى المباشرة ولكن بمعنى قرب المباشرة، إذا قاربتم ذلك.
(لعدتهن): اللام هنا كأنها لام الزمن، تسمى اللام التي للزمن. لما يقول الكاتب: “انتهيت من كتابة هذا الكتاب لثلاث خلون من رجب” أي لهذا الوقت. فطلقوهن لوقت عدتهن، للوقت الذي يمكن أن يعتدّدن فيه فهي في الحيض لا تعتدّ، فلا يجوز أن تطلق وهي في هذا الحيض. هذه الآية وتبقى الأحكام الفقهية المستنبطة من الآية ومن بعض الأحاديث والواقع هذه شأنها لأهل الفقه ونحن نتكلم على جانب الآية كما هي وفتاوى العلماء تؤخذ من أصحابها من أهل العلم. ولذلك نقول هدم البيت لا يكون بسهولة، يغضب الإنسان ويقول أنت طالق، لا ولكن يجب أن ينظر في حالها، ينظر في وضعها، أنها ليست حائضاً، أنها في طهر لم يمسها فيه، كانت حاضت وانتهى حيضها وهي طاهر فإذا كان قد واقعها فلا يجوز له أن يطلقها حتى تأتي الحيضة وتنتهي وتعود طاهر في طهرها لم يمسها فيه عند ذلك يطلق. لاحظ المدة لأن الإسلام يريد أن يبقى البيت مبنياً ليست مسألة فورية لعل النفوس تهدأ وسنجد في نهاية الآية (لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا).
(وأحصوا العدة): أي اضبطوا العدد وكان العدد يضبط بالحصى إذا أراد أن يعد شيئاً يعده بالحصى (حصاتين، ثلاث، أربع) وأصل الإحصاء مأخوذ من الحصى كانوا يعدون بالحصى. هذا الذي كان جالساً في المسجد كان يسبح 33 ويحمد33 ويكبر 33 فواضع أمامه حصيات ينقلها من مكان لمكان فأنكر عليه ابن عباس رضي الله عنهما وقال لو أن كل المسلمين أحصوا بالحصى يمتلئ المسجد بالحصى فالتسبيح يكون على السُلامى واستنبط منه بعض العلماء إنكار التسبيح بالمسبحة، هذا اجتهاد ابن عباس قد لا يلزم الآخرين لكن إجراؤه سليم. فإذن أصل الإحصاء من الحصى. أحصوا العدة: أي أتقنوا إحصاء وقتها.
(واتقوا الله ربكم): لاحظ هذه اللمسة لم يقل واتقوا الله فقط. كان يمكن في غير القرآن أن يقول: “أحصوا العدة واتقوا الله” لكن كلمة ربكم جاءت هاهنا لأن الربّ فيه معنى التربية وفيه معنى التوجيه وفيه معنى الرعاية فالمربي يرعى من يربّي. فإذن اعلموا أن هذا الحكم هو من رعاية هذا الربّ سبحانه وتعالى. (اتقوا الله) تخويف من الله أي خافوا الله، ثم (ربكم) الذي يعلّمكم فجمع بين التخويف وبين هذه اللمسة لقلوب المؤمنين أن هذا الحكم ليس قاسياً عليكم، ليس لإيذائكم، ليس للإضرار بكم. فخافوا من الله أن تخالفوه واعلموا أنه لخيركم من مربٍّ (واتقوا الله ربكم).
لاحظ الواو في (وأحصوا، واتقوا) كان يمكن أن يقول في غير القرآن “ولا تخرجونهن” لكن حذف الواو كأنه ابتدأ كلاماً جديداً لبيان أهمية ما سيأتي بعده (لا تخرجوهن). الواو للعطف فيها ربط لكنه كأنه قال قفوا، هناك شيء، قال (لا تخرجونهن من بيوتهن) لم يقل: ولا تخرجونهن، كأنه حكم مهم إشارة إلى أهميته. ثم قال (لا تخرجوهن من بيوتهن) قال بيوتهن مع أنها بيوتهم والبيت للرجل لكن سماه: من بيوتهن إشارة إلى شدة التصاقها بالبيت، لا تخرجها هذا بيتها، لا تخرجونهن من بيوتهن لا يجوز لك أن تُخرج المطلقة من بيتها. أدب القرآن أن تبقى في بيتها. (ولا يخرجن) هي أيضاً لا تغادر البيت وتبقى وهذا نوع من التقريب: تبقى في البيت وهو في البيت وهي لا تخرج وقد يكون هذا سبباً في إعادة الألفة ممكن صار إصرار بسبب من الأسباب وانتظر لوقت الطهر وبقي مصراّ على الطلاق وبعض العلماء يقولون هذا حكم (لا تخرجوهن) نهي و (ولا يخرجن) هذا نفي أريد به النهي إلا إذا اتفقا من غير إرهاق. وسبق وقلت أن هذه القضايا الفقهية لا نخوض فيها. المطلقة لا يجوز لزوجها أن يخرجها من بيتها ولا تخرج هي من البيت مدة العدة وتبقى هناك فتاوى فقهية لأهل الفقه.
(إلا) استثناء أي أن الخروج معلّق على شرط (أن يأتين بفاحشة مبيّنة) الفاحشة هي كل ما فيه عِظَم في الإساءة. يقال هذا ثمن فاحش أي فيه مغالاة. فأي عمل فيه مغالاة في السوء قد يُسبب إخراجها، يقولون إذا أساءت إساءة عظيمة إلى الرجل- قبل مدة شاهدت إحدى الأستاذات جزاها الله خيراً على ما تقوم به من توجيه، اتصلت بها امرأة تشكو قضية مع زوجها تقول لها عندي مشاكل مع زوجي وضربته بالشبشب فما الحكم في هذا؟ فأخفت الأستاذة وجهها وصارت تضحك – إذا وصل الأمر إلى هذا الحد أن تتجاسر على زوجها فهذه فاحشة. الفاحشة هي الفعل السيء العظيم ومنه الزنا. فإذا ارتكبت الزنا في بيتها عند ذلك تخرجها بإقامة الحدّ عليها . ومنه رتب الفقهاء أنه ليس الزنا حصراً فاحشة فالزنا نوع من الفاحشة وإنما إذا ارتكبت فاحشة بحق زوجها أو حق أم زوجها وهي في البيت ويقدره أهل العلم في وقتها يمكن أن تخرج من بيتها أما بدون هذا (ولا يخرجن).
(مبيّنة) أي فاحشة واضحة صريحة يعلمها الناس، لا تقول هي نظرت إليّ نظرة شزراً هذه فاحشة بالنسبة لي، لا، هي ليست فاحشة مبيّنة عند الناس لكن أن تقول لك كلاماً أو تتصرف معك تصرفاً هو من السوء العالي العظيم لأن البيت في الغالب كان يعني الحُجرة، الرسول (صلى الله عليه وسلم) في مرض موته طلب أن يُطبّب في بيت عائشة (بيت عائشة كان حجرة) حجرات أمهات المؤمنين لذا كان هناك ستارة تختبئ وراءها المرأة إذا جاء ضيوف.
(وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ): لأنه يسيء إلى نفسه ويدخلها النار. لا تدري هذا الحكم من أجل ماذا هذا التطويل؟ (لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا) لعل الله تعالى يجمع بينكما من جديد. فإذن الإسلام يحرص على عدم هدم البيت المسلم لأنه أساس بناء المجتمع المسلم. الطلاق في الإسلام ليس بالأمر السهل الهيّن، هذه المراحل والمراتب وتبقي المرأة في حجرتك تنامون وتجلسون وتأكلون حتى الغُسل كان يتم في نفس الحجرة إلا قضاء الحاجة فكان خارجاً في الخلاء. إذا حصل كدر في وقت من الأوقات لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً. هذا من حرص الإسلام على الصلح.
آية (1):
*ما الفرق بين (ما أدرى) و (لا أدرى) و (إن أدرى)؟(د.فاضل السامرائي)
عندنا في مزايا اللغة العربية التي لا يمكن التعبير عنها في اللغات الأخرى تعدد أدوات النفي. تقول أنا ما أذهب، أنا لا أذهب، أنا إن أذهب، أنا لست أذهب، كلها تقولها في الإنجليزية I don’t go . (إن أذهب) وردت مثلها في القرآن في قوله: (وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ مَّا تُوعَدُونَ (109) الأنبياء) بمعنى نفي (ما). في القرآن قال: (وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ (9) الأحقاف) نفاها بـ (ما)، (وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ (34) لقمان) قال: (لا تدرى لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا (1) الطلاق) قال ما أدري وقال إن أدري وقال لا أدري، نفاها كلها. الفرق من حيث الدلالة المعلوم المشهور أنه إذا نفيت الفعل المضارع بـ (ما) دلّ على الحال يعني ما أدري الآن، لا أدري أكثر النحاة يخصصوها للاستقبال لكن قسم من النحاة يقول هي للحال والاستقبال مطلقة وأكثرهم يخصصوها بالاستقبال والزمخشري يقول لا ولن أختان في نفي المستقبل وهذا عليه أكثر النحاة وأنا أميل أنها تكون للحال والاستقبال وأستدل بما استدل به بعض النحاة في القرآن (مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ (20) النمل) حال، (أنا لا أفهم ما تقول) حال، (وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً (48) البقرة) للاستقبال فهي إذن مطلقة. خاصة هي منتهية بالآلاف والألف حرف مطلق لا يمتد به الصوت فهي ممتدة. (إن أذهب) إن أقوى كما يقول النحاة. (لست أذهب) ليس فيها الكثير أنها تنفي الحال لكن فيها جملة إسمية وفعلية فهي مركبة. (لم أذهب) هذا المضارع، ما ذهبت، لمّا أذهب، إن ذهبت، لست قد ذهبت، كلها نقولها بالإنجليزية I didn’t do صيغة واحدة، (ما) جواب القسم أصلاً، (لمّا) اللام كما بدأ بها سيبويه في باب نفي الفعل قال فعلت نفيه لم أفعل، والله لقد فعل نفيه ما فعل، قد فعل نفيه لمّا يفعل، ليفعلنّ نفيه لا يفعل، سوف يفعل نفيه لن يفعل، هذه النصوص موجودة وكل واحدة لها دلالة.
آية (3):
*هل كل من يتقي الله ويتوكل عليه يرزقه الله تعالى كما في الآية (ومن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (3) الطلاق) وقوله تعالى (توكل على الحيّ الذي لا يموت)؟ (د.حسام النعيمى)
الآية موضع السؤال في أصلها تتعلق بالكلام في موضوع النساء وطلاق النساء لكن العبارة عامة. هي الآية بتمامها الكلام عن المطلقات (فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (3)) لكن هذه القطعة من الآية هي عامة (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ). السؤال عن معنى التوكل، وهل من خلال الآية المتقي المتوكل مرزوق حتماً؟ فيما يتعلق بمعنى التوكل هناك أصل من أصول العقيدة الإسلامية أنه لا يتم أمر إلا برضى الله عز وجل، إلا بما يريد (وَآَتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا (84) فَأَتْبَعَ سَبَبًا (85) الكهف) (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (30) الإنسان). هناك أصل آخر أيضاً أن الإنسان ينبغي أن يسعى لأن معنى التوكل أن تخرج من طاقة نفسك وجُهدها وحولها إلى حول الله سبحانه وتعالى. أن تقول يا رب ليس لي حول، تُلقي بأمرك على غيرك هذا معنى التوكل. لكن فيه لمسة وهي أن المتوكل في المفهوم الإسلامي ينبغي أن يقدّم جميع الأسباب ثم يتوكل لأنه عندنا حديث عن الأعرابي الذي قال له (صلى الله عليه وسلم): أعقلها وتوكّل. أي اربط الناقة بالعقال لأن الناقة تربط من ثنيّة يدها حتى لا تستطيع أن تسير فتبقى باركة أو يمكن أن تقف لكن لا تستطيع أن تمشي. (أعقلها وتوكل): معناه اتخذ الأسباب وتوكل. الأسباب لا بد من اتخاذها لذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما وجد أُناساً في المسجد في غير وقت الصلاة سألهم: ما تصنعون؟ قالوا: نحن المتوكلون على الله ويأتينا رزقنا، قال: بل أنتم المتواكلون إن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة. وأمرهم بالسعي والعمل. في قوله تعالى لمريم عليها السلام: (وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطباً جنيا) هي ولدت حديثاً تحتاج إلى الرطب الحلو هي لا تستطيع أن تعمل وتحتاج إلى الرطب، كان الله عز وجل وهو قادر على أن ينزل عليها الرطب كرماً لها وقد جاءها بالغذاء لما كان يسألها زكريا (أنّى لك هذا قالت هو من عند الله) ذاك كان من غير سعي، الله تعالى كان يرزقها من غير سعي لكن (وهزي إليك بجذع النخلة) أنت تريدين وتحتاجين إلى رطب والرطب لا ينزل لوحده فينبغي أن تعملي وإن كان عملك في الحقيقة لا يؤدي إلى هز جذع نخلة ورجل بكامل قوته لا يستطيع أن يهز جذع نخلة فما بالك بامرأة ضعيفة فما بالك وهي ولدت حديثاً؟ لكن القرآن الكريم يريد أن يعلمنا أنه ينبغي أن نقدم الأسباب، لا بد من سبب وإن كان ضعيفاً لكن حتى لا نتعبّد بالأسباب وننظر إلى أن السبب هو الفاعل أعطانا مثالاً لمريم كأن يأتيها الرزق وهي في مكانها من غير أن تقدم سبباً يأتي حتى لا نتعبد بالأسباب. فلا نقول السبب هو الفاعل وإنما الفاعل هو الله سبحانه وتعالى. فإذن التوكل غير التواكل: التوكل أنك تحسب الأمور حساباً دنيوياً هذا يكون كذا وهذا يكون كذا أفعل كذا وأفعل كذا ثم تعتقد يقيناً أنه لن يكون هناك نتيجة إلا بتوكلك على الله تعالى وإلقاء الأمر إليه جلّت قدرته أنه يا رب هذا كل ما أستطيعه والأمر إليك من قبل ومن بعد حتى يبقى المسلم وثيق الصلة بقدر الله سبحانه وتعالى لا ينفك عنه دائماً. هذا فيما يتعلق بالتوكل إذن نقدم كل الأسباب المؤدية إلى النُجح ثم نقول يا رب توكلنا عليك من قلوبنا لأنه أنت تقدم جميع الأسباب ثم لا يكون ما تريد في كثير من الأحيان.
(ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب) هذا عهد من الله تعالى ينبغي أن نطمئن إليه لأنه عندنا شرط (من يتق الله) وجواب شرط (يجعل له مخرجا). التقوى وكن مطمئناً أن الله عز وجل سيجد لك مخرجاً ويرزقك من حيث لا تحتسب (يرزقك: هذا معطوف على المجزوم وهو مجزوم) وهو داخل ضمن العهد. الله تعالى يتعهد جلّت قدرته (ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب). هنا وقفة قصيرة: الموظف يقول أنا رزقي واضح أشتغل الشهر بكامله ونهاية الشهر آخذ مرتّبي فرزقي ثابت واضح فكيف يرزقني من حيث لا أحتسب؟ هنا ينبغي أن نبيّن مفهوم الرزق. الرزق نوعان رزق بمال يدخل إليك هذا المنظور، ورزق بضُرٍ يدفعه الله عز وجل عنك هذا رزق أيضاً وهو مستور. يمكن هذا الموظف الذي يقول رزقي ثابت أنه ضرسه تؤلمه، فيذهب إلى الطبيب، يمكن أن الله سبحانه تعالى يجعل الأمر خفيفاً بحيث أنه لا يحتاج إلى تنظيف بسيط ويمكن أن تحتاج لحشوة جذر تكلف ألف درهم فالفارق هو رزقه لما كفّ عنك حشو الجذر وجعل أمره سهلاً المبلغ الفارق هو رزق جاءك وأنت لا تعلمه. الرزق الذي يدفع الله عز وجل عنك ضراً هو أرحم بك مما يدخل جيبك لأن الثاني يكون فيه ألم الضرس ودفع المال. فإذن هكذا ينبغي أن نفهم رزق الله عز وجل. الرزق ليس دخول شيء وإنما كفّ ما يقتضي الإنفاق أن الله عز وجل يكف عنك، فيكون رزقك من حيث لا تحتسب. فضلاً عن أن هناك رزق يأتيك ن حيث لا تحتسب أحياناً أنت جالس في ندوة معينة ويقال هناك أسئلة وأجوبة وجوائز وفجأة يأتيك سؤالاً تعرفه فيأتيك رزق أنت ما كنت محتسباً له. بالإضافة إلى بركة الله أن الرزق يبارك فيه. فإذن نثق ونطمئن أن من يتقي الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب (ومن يتوكل على الله فهو حسبه) يعني الله يكفيه ويغنيه عن غيره. عندما نقول حسبي الله يعني يكفيني الله سبحانه وتعالى. (فهو حسبه) أيضاً هذا عهد. هذا أسلوب الشرط والجواب. في الحديث الشريف “لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما تُرزق الطير تغدو خماصاً وتروح بطاناً” ليس كما ترزق الطير في عشها وإنما تغدو أي تذهب وتفتش عن الحبوب فهي تقدم الأسباب ويمكن أن يذهب الطير إلى مكان ولا يجد حَبّاً لكن يجب أن يذهب ويفتش فالمسلم ينبغي أن يكون هكذا ويذهب يغدو ويعود. هذا التوكل الحق أن الإنسان لما يخرج من حول نفسه إلى حول الله سبحانه وتعالى بعد أن يقدم الأسباب لأن هذا أصل من أصول الفكر الإسلامي. الحول هو القوة والطاقة والجهد (لا حول ولا قوة) أي لا طاقة لنا.
استخدام القرآن للفظ التوكل ولم يقل يعتمد مثلاً: لأنك كأنك توكل هذا الأمر كأنك تجعله وكيلاً عنك. نحن الآن نوكل شخصاً نقول وكّلته أي جعلته مقام نفسي بحيث له أن يبيع ما عندي ويشتري وأن تقيمه مقام نفسك. أما الاعتماد فأصله أن تتكئ على شيء تجعله عموداً لك كالعصى (اعتمد عصاه) أي اتكأ على العصا. تتكئ يعينك في شيء أما أن يكون وكيلاً عنك يعني يتصرف بدلك. لما توكل الأمر إلى الله سبحانه وتعالى لما تقول (اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك ناصيتي بيدك) هذه الخصلة من الشعر اسحبني حيث شئت يا رب، لو قلت هذا الإنسان نبيل كريم لن يخذلك وسيختار لك الخير فما بالك عندما تقولها لرب العزة سبحانه وتعالى تقول له يا رب ناصيتي يبدك أنت توكلت عليك تكون مطمئناً (فهو حسبه) أي يكفيه الله سبحانه وتعالى.
هل هناك لمسة بيانية بين الفعلين يتق ويتوكل؟ التقوى هو تجنب كل ما لا يرضي الله سبحانه وتعالى كما يتجنب الإنسان ما يسيء إليه إذا سار في أرض مشوكة يشمّر ويسير فمن يتق الله أي من يتجنب معصية الله سبحانه وتعالى وإغضاب الله عز وجل. التقوى ليس خوفاً وإنما هي خشوع في القلب وتجنب لما لا يرضي الله سبحانه وتعالى. الإنسان يتجنب هذا الذي يغضب ربه عز وجل ، اتق الله يعني تجنب أن تسقطه، خف منه، فيها معنى الخوف، معنى الخشوع والهيبة وليس الخوف الاعتيادي الذي فيه خوف مع بغضاء وإنما هذا خوف مع حب، أنت تحب الله تعالى وتخشاه وتستحي منه. الخشية والخوف والاستحياء كله ينجمع في التقوى. أما التوكل أنك وأنت خاشع خاضع متجنب للمعاصي متقي تُلقي بأمور حياتك كلها إلى الله تعالى تقول يا رب تولّى هذا الأمر أنت وأنا قدمت الأسباب أنجح أو لا أنجح لا أدري لكن أنت كن وكيلي ولله المثل الأعلى نحن نقول فلان وكيلي فيقوم مقام نفسي فما تظن بالله سبحانه وتعالى عندما يكون مقام نفسك كيف سيعاملك، كيف سيختار لك؟ ولا شك كل ما يختار لك خير حتى ما يبدو في ظاهره أنه فيه أذى لكن هو فيه خير لك يقيناً.
تنكير كلمة (مخرج) هل هو للدلالة على أي مخرج؟ لم يقل يجعل له المخرج المعلوم. سيكون هناك مخرج ما هذا المخرج؟ لا ندري لكن على جه اليقين هناك مخرج كما قال موسى (عليه السلام) (قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62)) لا يدري كيف ولكن هو يقيناً الله تعالى سيوجهني ويهديني إلى طريق الخلاص. كلمة (كلا) في الآية كلمة ردع وانظر إلى القرآن كيف استعمل؟ في البداية قال: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (52)) رفعٍ لقيمتهم لكن لما قالوا (قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61)) نزلوا رتبة وقال (أصحاب موسى) ولم يقل عبادي. في البداية قال (أسر بعبادي) رفعٌ لقيمتهم لأنهم كانوا هم المؤمنين لكن لما وصلوا البحر صار عندهم شك قالوا (إنا لمدركون) وهذا الشك أنزلهم رتبة من عبودية الله إلى صحبة موسى (عليه السلام) وهي رتبة عالية ولكن شتان بين أصحاب موسى وعباد الله فقال تعالى (أصحاب موسى) ولم يقل عبادي.
آية (4)-(6):
*ما الفرق من الناحية البيانية بين كلمتي (واللآئي) و(اللآتي) في القرآن الكريم ؟(د.فاضل السامرائى)
لفظ اللآئي هي لفظة متخصصة وهي مشتقة من اللآء أو التعب وقد استخدم هذا اللفظ في الآيات التي تفيد التعب للنساء كما في الحيض في قوله تعالى: (واللآئي يئسن من المحيض). أما لفظ (اللآتي) فهو لفظ عام.
*(وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ (4) الأطلاق) (وَإِن كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ (6) الطلاق) ما الفرق بين الأحمال والحمل؟(د.فاضل السامرائى)
الأحمال جمع وحمل مفرد. الأحمال جمع حَمل ما في البطن يسمى حَمل وما على الظهر يسمى حِمل. نقرأ الآيتين يتكلم عن المطلقات (وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا (4) الطلاق) هنا أحمال، (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِن كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍ وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى (6) الطلاق) هذا سياق الآيات. (وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) هل تختلف أولات الأحمال في الحكم؟ لا تختلف، كلهن تسري عليهن القاعدة. أما الآية التي بعدها تختلف، تختلف بأمرين:
أولاً هذا الإنفاق والإنفاق بحسب قدرة الزوج (لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ (7) الطلاق) إذا هن لسن بحالة واحدة من حيث الإرضاع توافق أو لا توافق، ترضع أو لا ترضع، إذن الحالة الثانية مرتبطة بأمرين أما الأولى فهي عامة تشمل الجميع. الثانية مرتبطة بحالة الزوج (وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ) ومرتبطة برغبة الزوجة في الإرضاع وغير الإرضاع، متعلقة بحكمين مختلفين، أيها الأكثر الأولى أو الثانية؟ الحكم الأول أو الحكم الثاني؟ الحكم الأول أكثر وأشمل وأعم إذن جاء بالجمع (وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ) ليس فيها اختلاف بينما الثانية فيها اختلاف. أولات بمعنى صاحبات.
المعنى المفهوم من هذا التركيب (أولات أحمال) (أولات حمل) ألا يجعلنا نفهم أنهن اللاتي يضعن حملهن؟.
الأولى يشمل الجميع لا تتخلف واحدة عنها أبداً، أما الثانية مختلفة (أولات حمل) لما تغيرت الأحكام تغيرت الصيغة وأصبحت أقل.
(أولات حمل) ألا نفهم منها معنى الجمع أيضاً؟
طبعاً (أولات) جمع مثل أولي علم لكن لاحظ الاستعمال في الجمع والإفراد، لماذا اختار الإفراد واختار الجمع؟ على القلة النسبية، الثانية قطعاً أقل لأنها مرتبطة بأمرين مختلفين سعة الزوج ورغبة الزوجة في الإرضاع، الأولى يشملها كلها، في الأولى يشمل الجميع إذن يشمل الكثرة والقلة وهذه من باب مراعاة السياق، مطابقة الكلام لمقتضى الحال.
آية (7):
*ما الفرق بين (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آَتَاهَا) الطلاق، وبين (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) البقرة؟(د.حسام النعيمى)
لو نظرنا في الآيتين سنجد السبب واضحاً. الآية الأولى كانت تتكلم على التكاليف عموماً (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286)) في التكاليف وفي أمور الحياة وفي العمل. إذا عمل خيراً يكون له وإذا عمل سوءاً يكون عليه وهذا في عموم التكاليف فقال الله عز وجل (لها ما اكتسبت وعليها ما اكتسبت) فهو كسبٌ واكتساب.
لكن الآية الثانية (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آَتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آَتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا (7)) الإيتاء هو الإعطاء. لما ننظر في سياق الآية الكلام على المال أي ما آتاها من مال (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آَتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آَتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا) فالكلام على الإنفاق ولما يكون الكلام على الإنفاق الإنسان ينفق. والكلام هو على المطلقات أي ما أعطاها من الرزق، فلا يكلف الفقير أن ينفق ما ليس في وسعه بل لا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها من حيث المال عندما يكون هناك إنفاق فبقدر ما عندك تُنفِق (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آَتَاهُ اللَّهُ) بهذا القدر أي بمقدار ما آتاه الله (لا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها). أما هناك (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها) فهي في التكاليف.
والتي في التكاليف للعلماء وقفة فيها: (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها) جمهور العلماء قالوا كما قال الرسول (صلى الله عليه وسلم) “إذا أمرتكم بأمر فاتوا به ما استطعتم” أي بقدر طاقتكم. الصلاة مثلاً أمر إذا كان الإنسان مريضاً يؤديها بطريقة أخرى فبقدر وسعه وبقدر طاقته ولذلك يقول مثلاً لما وُصِف صفة صلاة الرسول (صلى الله عليه وسلم) هل وُصِفت وهو (صلى الله عليه وسلم) في داخل الصف أو خارج الصف؟ وصفته وهو إمام خارج الصف يعني منفرداً فإذن هذه صفة المنفرد قد لا تنطبق في بعض جزئياتها على من هو داخل الصف، يقول العلماء المجافاة بين الإبطين عند السجود هي للمنفرد أو جلسة التورك والافتراش هذه للمنفرد الرسول (صلى الله عليه وسلم) قال: صلّوا كما رأيتموني أصلي” لكن لو فعلتها في الصف قد يؤذي جارك، إذا كنت تصلي السُنّة أو تصلي إماماً تفعلها لكن في الجماعة لا تفعلها لأنك قد تؤذي المصلين معك. وقوله (صلى الله عليه وسلم): “فاتوا منه ما استطعتم” أي وأنت منفرد تورّك وافترش وافعل ما فعله الرسول (صلى الله عليه وسلم) لكن لما تجد نفسك قد آذيت جارك اجلس الجلسة الاعتيادية
وقول آخر (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها) معناها إن جميع التكاليف هي في وسع البشر لأنه سبحانه و تعالى لم يكلّف البشر شيئاً لا يطيقونه هذا يحتاج إلى استنباط أنه لم يكلفهم ما لا يطيقونه فإذا كانوا لا يطيقون يخفف عنهم. بهذا الشكل حنى نجمع بين الأمرين.
(لا يكلف الله نفساً إلا وسعها) دلالة التنكير للأنفس هي للعموم والشمول أي جنس النفس أيُّ نفس لا يكلفها الله تعالى إلا وسعها، إلا ما تطيقه. الرسول (صلى الله عليه وسلم) لما يقول “إذا أمرتكم بأمر فاتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن أمر فانتهوا” في مسألة النهي نقطع فلما نُهينا عن الربا انتهى الأمر لا نقول هذا ربا وهذا رُبيّ ربا خفيف هذا لا يجوز. وإذا أمرنا بأمر نأتي منه بقدر طاقاتنا. أمرنا بالصيام فإذا كان الإنسان مريضاً يخفف عنه. والوسع هنا بمعنى الطاقة أو القدرة (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها) أي إلا ما تطيقه، ما تستطيعه.
آية (7):
*في سورة البقرة قال تعالى (لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا (286)) وفي آية أخرى قال (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا (7) الطلاق) فما الفرق بين الآيتين؟(د.أحمد الكبيسي)
(لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا) في القدرة على أداء التكاليف يعني صلاة صوم زكاة، (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا) من حيث الصدقات يعني العبادات المالية والعبادات العسكرية “رب درهم غلب مائة ألف درهم” واحد مليونير عنده عشرة ملايين درهم تبرع بمليون درهم هذا عمل عظيم وواحد عنده درهمين تبرع بدرهم هذا أجره أكبر لأنه تبرع بنصف ماله وذاك تبرع بعشر ماله.
آية (7):
* لماذا جاءت الآية (سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا (7) الطلاق) ولم تأتي على نسق قوله تعالى (إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6) الشرح)؟ (د.فاضل السامرائى)
(سيجعل) هنا ذِكر حالة عسر كما في قوله تعالى (وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آَتَاهُ اللَّهُ) ليس معه يسر الآن وإنما قُدِر عليه الرزق الآن وهو مُضيّق عليه واليسر سيكون فيما بعد (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آَتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آَتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا (7)) فهذه حالة واقعة خاصة معيّنة والتوسعة ستكون فيما بعد. ولا يمكن أن تأتي محلها (إن مع العسر يسرا) فهذه حالة عامة هذه في سورة الشرح وفيها رأيان قسم يقول أنها خاصة بالرسول (صلى الله عليه وسلم) لأن سورة الشرح والضحى خاصتان بالرسول (صلى الله عليه وسلم) أن مع العسر الذي هو فيه سيكون معه يسر وقسم يقول هذه عامة بمعنى أن الله تعالى إذا قضى عُسراً قضى معه اليُسر حتى يغلبه، فالله تعالى قدّر أنه إذا قضى عُسراً قدّر معه يُسراً.
إذن الآية الأولى حالة خاصة ومسألة معينة ولا يصح معها (إن مع العسر يسرا) لأن الرزق مقدّر ومُضيّق عليه الآن والآية وعد بأن ييسر الله تعالى له فيما بعد.
آية (11):
* ما اللمسة البيانية في استعمال الإفراد ثم الجمع ثم الإفراد في قوله تعالى (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا (11) الطلاق)؟ (د.فاضل السامرائى)
ذكرنا سابقاً أن (من) في سنن العربية يُبدأ معها بالإفراد الذي يعود على لفظ (مَن) ثم يُؤتى بالذي يفسّر المعنى.
جاءت (خالدين) بالجمع لأن القرآن لم يذكر أبداً خالداً في الجنة بصيغة المفرد أما في النار فجاءت بالإفراد وبالجمع والإفراد في النار تدل على أن العزلة وحدها عذاب ولآن هناك من يُعذّب بالعزلة والإفراد ومنهم من يُعذّب بالنار، أما المؤمنون فتأتي خالدين فيها بالجمع للدلالة على الأُلفة .
ثم نسأل لماذا عاد إلى الإفراد في قوله تعالى (قد أحسن الله له رزقا)؟ الإفراد للدلالة على أن لكل فرد رزقاً ولو قال تعالى (لهم) تصبح للعموم ولا تعني كل واحد يُحسن له الرزق . فالإفراد دلّ على أنه تعالى أفرد كل واحد على وجه الخصوص يُحسن له الرزق وليس على العموم وهذا تنصيص.
(من) تأتي للمفرد والجمع والمثنى والمذكر والمؤنث وتأتي أولاً بصيغة المفرد ثم يأتي بعدها بما يخصص المعنى وهذا هو الأكثر في القرآن إلا إذا اقتضى السياق والبيان أن يخصص ابتداءً كما في قوله تعالى (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ (42) يونس).
آية (12):
*ما دلالة كلمة (مثلهنّ) في قوله تعالى (ومن الأرض مثلهنّ) في سورة الطلاق؟(د.فاضل السامرائى)
قال تعالى في سورة الطلاق (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً {12}) والمثلية هنا ليس بالعدد إنما لها أمور كثيرة لا نعرفها نحن. كما قال تعالى (وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنّة حيث نشاء) وقوله تعالى (يوم تُبدّل الأرض غير الأرض والسموات).