سورة التحريم
آية (1):
* ما الفرق بين يا أيها النبي ويا أيها الرسول؟(د.فاضل السامرائى)
الرسول من الرسالة وهي التبليغ حتى لو لم يكن نبياً (قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (19) مريم) الرسول معه رسالة تبليغ والنبي أعم قد يكون رسولاً وقد يكون لنفسه ليس مكلفاً بتبليغ دعوة إلى الآخرين. كلمة النبي أعم وكل رسول نبي وليس كل نبي رسول. قد يكون ليس مكلفاً بالتبليغ مثل يعقوب عليه السلام غير مكلف بالتبليغ, هو نبي وإسحاق نبي، المكلف بالرسالة والتبليغ هو رسول وغير المكلف هو نبي والنبي قد يكون رسولاً وقد يكون غير رسول. لما في القرآن يقول يا أيها الرسول ينظر فيها إلى جانب التبليغ (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ (67) المائدة) فالنبي أعم وقد يكون رسولاً فقد يستعمل في جانب الرسالة والدعوة والتبليغ وقد يستعمل في جانب آخر في الجانب الشخصي في غير التبليغ مثال: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ (67) المائدة) (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ (41) المائدة) النبي عامة (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ (65) الأنفال) (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّمَن فِي أَيْدِيكُم مِّنَ الأَسْرَى (70) الأنبياء) (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ (73) التوبة) (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ (28) الأحزاب) (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ (1) التحريم) هذا شيء شخصي بينه وبين أزواجه. إذن النبي عامة. القرآن يستخدم يا أيها الرسول إذا كان يتكلم في أمر الرسالة والتبليغ والنبي عامة.
*ما الفرق بين رضوان ومرضاة؟ (د.فاضل السامرائي)
الرضوان هو الرضى (الرضوان مصدر) ولم يستعمل في القرآن كلمة الرضوان إلا رضى من الله تعالى أما المرضاة فتأتي من الله ومن غيره والرضوان هو أعظم الرضى وأكبره فخصّه بالله سبحانه وتعالى أما مرضاة فليست مختصة بالله تعالى وإنما تأتي لله تعالى ولغيره (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ (207) البقرة) (تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ (1) التحريم) أما الرضوان فهو لله تعالى فقط، خاص بالله تعالى. والرضوان أعلى من الجنة وفي الأثر أنكم لتحتاجون إلى علمائكم في الجنة كما تحتاجون إليهم في الدنيا، فقالوا كيف يا رسول الله؟ قال يطُلّ الله تعالى على عباده أصحاب الجنة فيقول سلوني، فيحارون ماذا يسألونه وكل شيء موجود فينظر بعضهم إلى بعض فيذهبون إلى علمائهم يقولون ما نسأل ربنا؟ فيقول العلماء سلوه الرضى.
آية (3):
*مطلع سورة التحريم ورد فيها فعل نبأ (وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ (3)) ثلاث مرات وردت نبّأ ومرة وردت أنبأ فما اللمسة البيانية في هذا؟
د.حسام النعيمى :
(وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ) كلمة بعض في اللغة تعني الواحد أو الواحدة إلا إذا تكررت (بضع من ثلاث إلى تسعة) (وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا (99) الكهف) بعضهم لبعض تكون جماعة لجماعة أما إذا جاءت مفردة فالغالب في لغة العرب ، هناك شاهد أو شاهدان استعملها للجماعة للقسم لكن الراجح في كلام العرب وهذا الذي عليه القرآن الكريم أنه إذا استعمل بعض تعني واحداً وهنا جاء بمعنى واحد (بعض أزواجه). (فلما نبّأت به) فهي كانت إحدى زوجاته (صلى الله عليه وسلم) ورضي الله عنهن جميعاً أسرّ إليها حديثاً ، ما هذا الحديث؟ نحن منهجنا في فهم القرآن أنه ما سكت عنه القرآن نسكت عنه. عندنا أحاديث توضح الصورة لكن هذه الأحاديث متفاوتة الدرجات: حديث يتكلم على شرب العسل وحديث يتكلم على مواقعة ماريا القبطية في بيت حفصة رضي الله عنها. هذا الأمر ليس مهماً ولو كان مهماً لأشار إليه القرآن الكريم لكن هو قال (وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا) ما قال لنا ما هو فنقول سرّاً أخبر الرسول (صلى الله عليه وسلم) به إحدى زوجاته والروايات تقول أنها عائشة رضي الله عنها وعن أبيها. هي لم تحفظ هذا السر يعني ضاق به صدرها فاتجهت إلى أقرب الناس إليها (زوجة ثانية من زوجات الرسول (صلى الله عليه وسلم)) وبدأت تحدثها بسِرّ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) قال لي كذا وقال لي كذا ولا شك أنها في بداية الأمر ترددت قبل أن تتحدث فهذا أخذ زمناً، الحديث أخذ زمناً والتردد أخذ زمناً هذا يناسب صيغة فعّل لأن فعّل في اللغة تحتاج إلى وقت أطول من أفعل. نبّأ (فعّل) غير أنبأ (أفعل). لما تقول: أعلمت زيداً أي أوصلت إليه معلومة لكن لما تقول علّمته التعليم يحتاج إلى وقت ويحتاج إلى جهد. أخرجت الشيء وخرّجته، وهكذا. فصيغة فعّل في لغة العرب تحتاج إلى تلبّث، وقت، زمن يأخذ (فلما نبّأت به) معناه أخذت وقتاً. أخذت وقتاً حتى في الكلام. الحكاية نفسها تحتاج إلى وقت الكلام في وقت هو لم يكن كلمة واحدة أو كلمتين وإنما حديث (وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا). (فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ) أظهره أي أطلعه وعرّفه أن فلانة أخبرت بحديثك والحديث كاملاً , فالرسول (صلى الله عليه وسلم) لرعايته لبيته ولأهل بيته ولسماحته عرّف بعضه وأعرض عن بعض، معناها الحديث طويل ذكر بعضه وترك بعضه ما خاض في كل التفاصيل وإنما قال جزءاً من قولها (عرّف بعضه وأعرض عن بعض). (فلما نبّأها به) هذا التعريف، هذا البعض (به) تعود على البعض الذي تحدّث به كان حديثاً أخذ زمناً قال: (فلما نبّأها). قالت (من أنبأك هذا) (هذا) يعني إفشاء السر هي تعلم تفاصيل القول وهي لا تحتاج إلى نبّأ وإنما إلى أنبأ لأنه ليس فيها سرعة وليس فيها تلبّث ولا وقت. (نبّأها) شرح لها ماذا قالت جزء من الحديث هي قالت (من أنبأك هذا) من أعلمك إفشائي للسر. إفشائي السر لا تحتاج للفعل المشدّد (نبّأ) وإنما إلى (أنبأ) لأنه يحتاج إلى وقت قصير.
هذه الظاهرة استعمال نبّأ وأنبأ مضطردة في القرآن الكريم بحيث أننا لما نأتي إلى أفعل كما في قوله (وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (31)) أنبأ وردت في أربعة مواضع في القرآن كله وسنجد أنها جميعاً فيها اختصار زمن، فيها وقت قصير وليس فيها وقت طويل. أما نبّأ فحيث وردت، وردت في ستة وأربعين موضعاً ( من المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم) سنعود إلى ذكر إحصائها لأن لنا رأياً فيها. لاحظ (وعلّم آدم الأسماء كلها) بمفهوم البشر التعليم يحتاج إلى وقت ولذا قال علّم ولم يقل أعلم. الأسماء كلها أي هذا الشيء اسمه كذا هذا المخلوق اسمه كذا ورب العالمين يمكن أن يقول كن فيكون. لكن أرادت الآية أن تبيّن أنه لقّنه هذه الأشياء بوقت كما أنه خلق السموات والأرض في ستة أيام وكان باستطاعته أن يقول كن فيكون. (وعلّم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة) وذكرنا في مرة سابقة استعمال عرضهم لأن فيها العاقل وغير العاقل. (فَقَالَ أَنْبِئُونِي) لأنه هذا ما اسمه؟ فلان أو كذا وهذا لا يحتاج إلى شرح وتطويل ما قال (نبّئوني) قال(أنبئوني) لكن في مكان آخر قال (نبئوني بعلم إن كنتم صادقين) . قالوا (قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32)) أيضاً ما تعلّموه على وقت. (قَالَ يَا آَدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ) آدم هذا كذا اسمه وانتهى، وهذا؟ كذا وهذا؟ كذا. الإنباء بكل اسم على حدة لا يأخذ وقتاً ولهذا قال (أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِم) (فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ) واحداً واحداً لا يحتاج إلى وقت.
إذا جاء الفعل بصيغتي فعّل وأفعل نفس الفعل فيكون أفعل إذا جاء لزمن أقصر من فعّل مثل علّم وأعلم ونبّا وأنبأ. في سورة الكهف (سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (78)). هذا ليس إنباءً وإنما تبيين من نبّأ لأن فيها كلام كثير (أما السفينة، أما الغلام، أما الجدار) فهي ليست مختصرة. (سَأُنَبِّئُكَ) جاءت بالتشديد مشددة ما قال سأنبئك. المضعّفة يعني فعّل من النبأ جاءت في ستة وأربعين موضعاً كما في سورة يوسف (نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (36)) لأن فيها شرح بالتفصيل عن الرؤيا, ولم يقل أنبئنا مختصرة وهم يريدون شرحاً مفصّلاً للرؤيا. أنبأ لم ترد إلا في أربعة مواضع. نبّأ وتفصيلاتها وردت في ستة وأربعين موضعاً, منها ستة وثلاثين موضعاً كانت تحتمل أن تُقرأ أنبأ بالتخفيف ومنه هذا الموضع. من حيث الرسم لو رسمنا من غير همزة ونقاط وشدّة كان يمكن أن تُقرأ سأنبئك لكن رجعت إلى القراءات وحتى الشاذّة منها 36 موضعاً كان يمكن أن تُقرأ بالتخفيف لكن لم ترد قراءة واحدة بالتخفيف وللكن قُرئت كلها بالتشديد (سأنبّئكم، أنبّئكم، تنبؤنه) لم يقرأها أحد أنبأكم. ستة وثلاثون موضعاً كلها كان يمكن أن تُقرأ بالتخفيف ولم تُقرأ بالتخفيف وعشرة مواضع لا يمكن أن تُقرأ بالتخفيف لأن نبّأت به وإنما (نبّأ) بالتضعيف مثل قوله تعالى (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الكهف) بالتشديد لأن جاء الحديث بعدها طويل (الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104) أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا (105)) فيها تفصيل. وحيثما وردت ولذلك لم تُقرأ بالتخفيف ما دام فيها تلبّث وزمن فلا تُقرأ بالتخفيف. وهذا القرآن من أوله إلى آخره كله جاء بهذه الصورة والإنسان يعجب (أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها).
آية (3):
*مطلع سورة التحريم ورد فيها فعل نبأ (وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ (3)) ثلاث مرات وردت نبّأ ومرة وردت أنبأ فما اللمسة البيانية في هذا؟
د.فاضل السامرائى :
السؤال في آية التحريم: (وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ (3)). نبّأ يقتضي التنبؤ أكثر من أنبأ مثل علّم وأعلم، أعلم مرة واحدة لكن علّم يقتضي وقتاً علّمته النحو. إذاً التنبؤ وقته أو ما يُذكر فيه أكثر من أنبأ مثل علّم وأعلم. إذن نبّأ أكثر، هو قال (عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ) قالت: (قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَذَا) يعني بهذا الجزء؟ ليس كله، لو قالت من نبّأك؟ يعني كله، هو قال: (قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ) يعني كله نبّأه به ربه. قال: (عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ) أعرض يعني لم يذكره ما أراد أن يحاسبها حساباً عسيراً فذكر قسماً منه وأعرض عن الباقي ذكر جزءاً من الحديث إذن هو أنبأها جزءاً الإنباء أقل من التنبؤ, هي قالت: (مَنْ أَنبَأَكَ هَذَا) وهو قال: (نَبَّأَنِيَ) نبّأني كله لم ينبئها بكل ما حدث مع علمه به وإنما أنبأها بجزء فقالت (مَنْ أَنبَأَكَ هَذَا) لأنه جزء والإنباء أقل من التنبؤ مثل علّم وأعلم.
آية (4):
*(إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ (4) التحريم) لما كان الخطاب للمثنى في قوله تعالى (إن تتوبا) فما دلالة الجمع في (صغت قلوبكما) ولم يقل قلباكما؟ وهل أقل الجمع اثنين؟ (د.فاضل السامرائى)
هذا سؤال لغوي نحوي. الأفصح في اللغة أنه إذا أضيف المثنى إلى متضمّنه (أي الذي يتضمنه) المثنى يُجمع. مثال: القلب والإنسان الإنسان يتضمن القلب، فإذن الأفصح أن لا يقال قلباكما في اللغة والشعر والقرآن مثل (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38) المائدة) لم يقل يديهما، هذه قاعدة والأفصح في اللغة أنه إذا أضيف المثنى إلى متضمنه سارق وسارقة اثنان واليد متضمنة في الشخصين فلم يقل يديهما وإنما قال أيديهما بالجمع. العرب تقول أكلت رؤوس الكبشين (لا رأسي الكبشين) ومعدتين ظهراهما مثل ظهور الترسين، ظهور جمع والترسين مثنى، هذا الأفصح في اللغة وهذا مقرر في كتب اللغة وكتب النحو. الأفصح في اللغة أن يقول (صغت قلوبكما) وهذا يرد كثيراً في اللغة إذا أضيف المثنى إلى متضمنه فالأفصح جمع المضاف وقد وردت في القرآن في أكثر من موطن (صغت قلوبكما) (فاقطعوا أيديهما).
*(إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ (4) التحريم) هل هي صالح المؤمنين أو صالحوا المؤمنين؟(د.فاضل السامرائى)
قال المفسرون: فيها احتمالان صالحوا وحذفت الواو لأن أحياناً خط المصحف يكون فيه حذف مثل هاد تأتي بحذف الياء وداع تأتي بحذف الياء، فقسم يذهب إلى أنها هي وصالحُ المؤمنين مرسومة بلا واو لكن من حيث التقدير النحوي والإعرابي قسم أجاز أن يقول صالحوا المؤمنين والواو حذفت في خط المصحف وقسم قال هي وصالحُ المؤمنين. وصالح المؤمنين هذه عامة هذا وصف وليس شخصاً واحداً. من حيث اللغة والدلالة صالح المؤمنين تصير عامة أيضاً وصالحوا المؤمنين عامة لا تنطبق على واحد وأنا أميل إلى المفرد لأنها تشمل المفرد والجمع أما صالحوا فتشمل الجمع فقط .
آية (10):
* لماذا جاءت لفظة امرأة بدل زوجة في آية سورة التحريم (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امرأة نُوحٍ وَامرأة لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (10))؟ (د.حسام النعيمى)
كلمة زوجة بالإضافة هي طبعاً في القرآن لم تستعمل بالتاء وإنما استعملت كلمة زوج للدلالة على الرجل أو على المرأة. الرجل زوج والمرأة زوج وهذا هو الأفصح في اللغة. هذا ليس من المشترك اللفظي لكن لو أخذنا بنظرية الاشتقاق لابن جِنّي لما نقلب حروف كلمة زوج تصير جوز ولما تفتح الجوزة هي عادة من فلقتين وكل فلقة تقريباً مساوية للأخرى فالزوج في أصل اللغة هو الواحد الذي يشكّل مع الثاني زوجين فهذا زوج وهذا زوج فهما زوجان. لما تقول زوج ليس هو أي فرد وإنما الزوج هو الذي يشكل مع الآخر زوجين هذا زوج وهذا زوج فهما زوجان لكن طول الاستعمال صار البعض يطلق كلمة الزوج على الاثنين يقول عن الشفع زوج هذا ليس خطأ في اللغة لأنه صار عندنا تطور الاستعمال لكن الأصل أن الزوج هو الذي يشكل مع الآخرين زوجين. بهذا المعنى استعمله القرآن الكريم لما قال (ثمانية أزواج: من الضأن اثنين ومن المعز اثنين ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين) ذكر أربعة أشياء فقال ثمانية أزواج يعني ثمانية أفراد كل فردين يشكلان زوجين. وقال تعالى (وقلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين) هذا الزوج وهذا الزوج وأكّد بكلمة اثنين. رجل وامرأة زوجان زوج وزوج. يقولون الأعداد الشفعية أو الزوجية: الشفع 2 والوتر 1. كلمة زوج لم تأت مضافة إلى ما بعدها في القرآن الكريم دائماً يستعمل امرأة ما عندنا زوج فلان وإنما عندنا زوجك بالكاف أما مضافة إلى شخص باسمه فغير موجود. لما نأتي إلى امرأة نلاحظ أن كلمة زوج لو قيل في غير القرآن زوج نوح أو زوج لوط أو زوج فرعون لو قيل هكذا توحي بنوع من المقاربة والتوافق لأن الزوج هو الذي يشكل مع الثاني زوجين فلو قال زوج فلان كأنها شكلت معه شيئاً واحداً فزوج فرعون المؤمنة لا تشكل مع فرعون زوجين صحيح هي امرأته لكن لا يطلق عليها زوجه من حيث اللغة السامية الرفيعة التي تلحظ هذه المسائل الدقيقة. لمثل هذه المسائل الدقيقة هي لا تشكل معه زوجين كأنما يريد القرآن أن يبعد عن الأذهان فكرة المقاربة أن هذه قريبة من هذا. امرأة نوح لا تستحق أن ترتفع بحيث تشكل مع نوح (عليه السلام) زوجين. أما كلمة امرأة فهي مجرد تثنية امرئ يقال هذا كريم وهذه كريمة، هذا فاضل وهذه فاضلة، هذا امرؤ وهذه امرأة. تاء المؤنث لو انتبهنا إليها ينفتح لها ما قبلها (كريم، كريمَة) التاء تأخذ الإعراب وما قبلها يكون مفتوحاً فكذلك امرأة هي مؤنث امرؤ. امرؤ تتحرك الهمزة والراء تقول هذا امرؤ القيس ورأيت امرء القيس ومررت بامرئ القيس الراء والهمزة تتحركان بحركة واحدة. امرأته يعني أنثاه المؤنث لامرئ فلما نقول هي امرأة نوح ليس فيها المقاربة. حتى امرأة العزيز هي أيضاً امرأة ومن قال أنها تشاكله؟ لعله كان على جانب من القيم وعلى جانب من المُثُل وهي تراود فتاه. مع الرسول (صلى الله عليه وسلم) استعمل زوجك (قل لأزواجك) لما يضيفها إلى الضمير شيء آخر لكن الإضافة إلى اسم شخص لا يوجد في القرآن زوج فلان وإنما امرأة فلان هي الأصل (اسكن أنت وزوجك الجنة) استخدم الكاف الضمير زوجك. ويكون فيها ملمح التقريب. لذلك نقول أن المناسب هنا لمّا كان هذا التباين الواسع أن تكون امرأة نوح لأن هي فعلاً أنثاه هي أنثى امرؤ. هذا تقرير واقع امرأة نوح وامرأة لوط وامرأة فرعون. ولفظ امرأة لا يحتوي على المشاكلة الأخلاقية وإنما هي المقاربة وتذكر كلمة جوز فلقتان كأنما يشكلان فلقتين هذا غير مراد هنا. من أجل ذلك هذه اللغة السامية الجميلة تستعمل هذا أما في عموم اللغة يمكن أن تقول هذه زوج فلان أو امرأة فلان لكن إذا أردت أن تأخذ هذا السمو في التعبير تستعمل الاستعمال القرآني لكلمة امرأة.
آية (10):
* لماذا ورد اسم زوجة سيدنا لوط ولعنت في القرآن مرات كثيرة وورد اسم زوجة سيدنا نوح ولعنت مرة واحدة فقط في سورة التحريم؟(د.فاضل السامرائى)
امرأة لوط غير امرأة نوح، أولاً بالنسبة إلى لوط (عليه السلام) لم يؤمن له إلا أهل بيته وليس هنالك شخص آخر آمن إلا أهل بيته، إلا امرأته من أهل بيته فقط، لوط (عليه السلام) ما آمنت به زوجته، كل عائلته آمنوا إلا زوجته. أما نوح فليس كذلك فابنه لم يؤمن أيضاً مع امرأته فليست هي الوحيدة في العائلة التي لم تؤمن بنوح. لذلك لما يتكلم عن نجاته يستثني امرأته (فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (83) الأعراف) (فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ (57) النمل) (لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (32) العنكبوت) (وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ (81) هود) (إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (33) العنكبوت) لم يرد امرأة نوح وحدها في النجاة وإنما وردت في شيء آخر (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا امرأة نُوحٍ وَامرأة لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا (10) التحريم) ليست في النجاة لم يقل نجيناهما، ثم ذكر امرأة فرعون ومريم بنت عمران. إذن امرأة لوط غير امرأة نوح لأن امرأة لوط هي الوحيدة التي لم تؤمن من أهل لوط (عليه السلام) وهي الوحيدة التي لم تنجو، أهل لوط نجوا جميعاً. أما امرأة نوح فلم تنجو وحدها لكن مع ابنها. في النجاة يحدد امرأة لوط وفي غير النجاة ذكر امرأة لوط وامرأة نوح ومثل امرأة لوط لم يقع في رسل الله بهذه الصورة أنه جميع أفراد العائلة آمنت إلا زوجته لم يذكر في القرآن إلا مع امرأة لوط. قد يكون هناك أخريات غير مؤمنات لكن في مسألة النجاة (إلا امرأته) لم يرد هذا الشيء إلا مع امرأة لوط أما امرأة نوح فهي ليست الوحيدة من الأهل التي لم تنجو.
(فخانتاهما) الخيانة هنا عدم التصديق بهما وليس عمل الفاحشة والخيانة بهذا المفهوم استعمال حديث. الخيانة في القرآن وردت بمعنى خيانة الأمانة وغيرها (إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ (58) الأنفال) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ (27) الأنفال) أما في الاستعمال الحديث فصار مصطلحاً حتى الذي يتزوج أخرى يقال خان فالخيانة عدم الأمانة .
آية (12):
*ما الفرق بين استخدام لفظ (ونفخت) و(نفخنا) في القرآن الكريم ؟(الشيخ خالد الجندي)
وردت (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (29)) مرتين في القرآن الكريم في قصة خلق آدم (عليه السلام) (سورة الحجر وسورة ص) أما في قصة عيسى (عليه السلام) وأمه مريم عليها السلام فجاءت بلفظ (فنفخنا) . كلمة روح تطلق في القرآن الكريم على أكثر من معنى أما في موضوع عيسى (عليه السلام) فهي تطلق على جبريل (عليه السلام) وعلى الروح قوام الحياة. في سورة القدر (تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4)) الروح هنا جبريل (عليه السلام). وفي قصة مريم عليها السلام قوا تعالى أنه أرسل إليها روحاً وهو جبريل (عليه السلام) وقال تعالى (فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17)) .
هناك فرق بين النفخ في الطين فكان آدم (عليه السلام) وهذا النفخ كان مباشراً من الله تعالى (ونفخت فيه من روحي).
والنفخ في مريم فكان عيسى (عليه السلام) الذي كان بسبب أي عن طريق جبريل (عليه السلام) ولم يكن نفخاً مباشراً فجاء التعبير المناسب بقوله تعالى (فنفخنا) (وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آَيَةً لِلْعَالَمِينَ (91) الأنبياء) (وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ (12) التحريم).
اللفظ في القرآن له غاية ووسيلة نحن لا نعرف كيفية النفخ ولا يعلمها إلا الله تعالى. نفخ جبريل (عليه السلام) في مريم فكان عيسى (عليه السلام) وهذا أمر سهل لأن عيسى له أم أما النفخ في آدم (عليه السلام) فهذا أعجب لأن آدم لم يكن له أب ولا أم.
آية (12):
*لفظ القنوت جاء في القرآن الكريم في أكثر من موضع في أحد المواضع جاء بصفة الأمر (يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ ﴿43﴾ آل عمران) وفي مواضع أخرى (وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ ﴿12﴾ التحريم) ما الفرق بين هذا القنوت والذي قبله؟ (د.أحمد الكبيسى)
هذا أمرٌ أمرها الله بالقنوت ثم بعد ذلك لما قنتت وطال قنوتها كانت من القانتين. أمرك الله بالصلاة فلما طالت صلاتك كنت أنت من القانتين, والقنوت هو طول الصلاة طول الوقوف والدعاء في الصلاة لما تقعد تقرأ البقرة وآل عمران كما النبي صلى الله عليه وسلم في التهجد يقرأ البقرة وآل عمران والنساء في ركعة هذا قنوت السيدة مريم عليها السلام كانت هكذا تقنت بما أمرها الله أن تقنت به.
آية (12):
*ما الفرق من الناحية البيانية بين قوله تعالى: (فنفخنا فيها) وقوله: (فنفخنا فيه) في قصة مريم عليها السلام؟(د.فاضل السامرائى)
قال تعالى في سورة الأنبياء: (وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ {91}) وقال في سورة التحريم (وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ {12})
بين هاتين الآيتين أكثر من نقطة يجب الالتفات إليها وهي كما يلي:
1. في سورة الأنبياء لم يذكر اسم مريم عليها السلام بينما ذكره في سورة التحريم. والسبب في ذلك هو أنه أولاً في سورة الأنبياء كان السياق في ذكر الأنبياء (ابراهيم، لوط، موسى، وزكريا ويحيى) ثم قال (والتي أحصنت فرجها) ولم يُصرّح القرآن باسمها في سورة الأنبياء لأن السياق في ذكر الأنبياء وهي ليست نبيّة أما في سورة التحريم فذكر اسمها لأن السياق كان في ذكر النساء ومنهم (امرأة فرعون، امرأة لوط وامرأة نوح) فناسب ذكر اسمها حيث ذكر النساء. والتصريح بالاسم يكون أمدح إذا كان في المدح وأذمّ إذا كان في الذّم. ونلاحظ في سورة التحريم أنها من أعلى المذكورات في سياق النساء ولهذا ذكر اسمها من باب المدح. أما في سورة الأنبياء فهي أقلّ المذكورين في السورة منزلة أي الأنبياء فلم يذكر اسمها وهذا من باب المدح أيضاً.
2. ذكر ابنها في سورة الأنبياء ولم يذكره في سورة التحريم. وهذا لأن سياق سورة الأنبياء في ذكر الأنبياء وابنها (عيسى (عليه السلام)) نبيّ أيضاً فناسب ذكره في السورة وكذلك لأن سورة الأنبياء ورد فيها ذكر ابني إبراهيم ويحيى ابن زكريا فناسب ذكر ابنها أيضاً في الآية ولم يذكره في التحريم لأن السياق في ذكر النساء ولا يناسب أن يذكر اسم ابنها مع ذكر النساء.
3. لم يذكر أنها من القانتين في الأنبياء وذكرها من القانتين في سورة التحريم. ونسأل لماذا لم تأتي (القانتات) القانتات بدل القانتين؟ لأنه في القاعدة العامة عند العرب أنهم يغلّبون الذكور على الإناث وكذلك في القرآن الكريم عندما يذكر المؤمنون والمسلمون يغلّب الذكور إلا إذا احتاج السياق ذكر النساء ومخاطبتهن. وكذلك عندما يذكر جماعة الذكور يقصد بها العموم. وإضافة إلى التغليب وجماعة الذكور فهناك سبب آخر أنه ذكرها من القانتين وهو أن آباءها كانوا قانتين فهي إذن تنحدر من سلالة قانتين فكان هذا أمدح لها وكذلك أن الذين كملوا من الرجال كثير وأعلى أي هي مع الجماعة الذين هم أعلى فمدحها أيضاً بأنها من القانتين ومدحها بآبائها وجماعة الذكور والتغليب أيضاً.
ونعود إلى الآيتين ونقول لماذا جاء لفظ (فيه) مرة و(فيها) مرة أخرى؟ فنقول أن الآية في سورة الأنبياء (فنفخنا فيها من روحنا) أعمّ وأمدح:
دليل أنها أعمّ: ونسأل أيهما أخصّ في التعبير (ومريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها) سورة التحريم أو (والتي أحصنت فرجها) سورة الأنبياء؟
فنقول أن الأخصّ مريم ابنت عمران وقوله تعالى (ونفخنا فيها من روحنا) أعمّ من (نفخنا فيه) وأمدح. إذن مريم ابنت عمران أخصّ من التي أحصنت فرجها فذكر الأخصّ مع الأخصّ (فنفخنا فيه) وجعل العام مع العام (ونفخنا فيها) . وكذلك في قوله تعالى (وجعلناها وابنها) في سورة الأنبياء أعمّ فجاء بـ (فيها) ليجعل الأعمّ مع الأعمّ. وسياق الآيات في سورة الأنبياء تدل على الأعمّ.
عرفنا الآن لماذا هي أعم ويبقى أن نعرف لماذا هي أمدح؟ أيهما أمدح الآية (وجعلناها وابنها آية) أو(صدّقت بكلمات ربها)؟ الآية الأولى أمدح لأن أي كان ممكن أن يصدق بكلمات ربها لكن لا يكون أي كان آية، والأمر الثاني أن ذكرها مع الأنبياء في سورة الأنبياء لا شك أنه أمدح من ذكرها مع النساء في سورة التحريم فالآية في سورة الأنبياء إذن هي أمدح لها.
ومن الملاحظ في قصة مريم عليها السلام وعيسى (عليه السلام) أن الله تعالى جاء بضمير التعظيم في قوله تعالى (فنفخنا فيها) أي عن طريق جبريل (عليه السلام) وهذا الضمير للتعظيم يأتي دائماً مع ذكر قصة مريم وعيسى عليهما السلام أما في قصة آدم (عليه السلام) يأتي الخطاب (فنفخت فيه من روحي) لأن الله تعالى قد نفخ في آدم الروح بعد خلقه مباشرة أما في مريم فالنفخ عن طريق جبريل (عليه السلام).