سورة التكوير
*الفاصلة القرآنية:
د.أحمد الكبيسى : في مسألة: (وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ ﴿3﴾ التكوير) ( وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ ﴿10﴾ المرسلات) يتكلم عن يوم القيامة مرة يقول إذا الجبال سيرت ومرة إذا الجبال نسفت لما تقوم الساعة تبدأ الجبال تسير ونحن رأينا في التاريخ القديم والمعاصر أن بعض الآيات الجبال سيرت بعد ما تسير تنسف. كما قلنا إذاً أن الجبال في البداية تسير ونحن رأينا هذا في الدنيا ينتقل جبل يعني نحن ننسى أن جبالاً ضخمة جداً من الجبال في الإمارات قبل خمسين عاماً كانت تصبح في مكان وتمسي في مكان، جبل كامل هكذا في بعض الأعاصير والزلازل ومثل هذا الذي حصل في الصين زلازل تنقل جبلاً من مكان إلى مكان تسير وحينئذٍ هناك جبال أو تلال كبيرة داخل البحر جزر داخل البحر رأيناها بأعيننا تنتقل حوالي خمسة عشر ستة عشر كيلومتر هذه سيرت وبعد أن تسير بعملية سيرها تتفتت شيئاً فشيئاً إلى أن لا يبقى منها شيء وكأنها نسفت نسفاً.
س- ما اللمسة البيانية في استخدام فعل (سُيّرت) وفعل (نُسفت) في وصف الجبال في القرآن الكريم؟
ج- د.فاضل السامرائى : قال تعالى في سورة التكوير: (وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ {3}) وقال في سورة المرسلات: (وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ {10}) والفرق بين النسف والتسيير أن النسف قد يكون له معنيان إما الإقتلاع والإزالة وإما التذرية في الهواء كما جاء في قصة السامري في سورة طه: (قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لَا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَّنْ تُخْلَفَهُ وَانظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً {97}). والنسف والتسيير هي مشاهد من مشاهد يوم القيامة كالدكّ والنصب وغيرها فهي إذن تتابعات مشاهد يوم القيامة فتكون الجبال كالعهن المنفوض ثم يأتي النسف والتذرية في النهاية.
س- ما دلالة استعمال (إذا) و(إن) في القرآن الكريم؟
ج- (د.فاضل السامرائى): (إذا) في كلام العرب تستعمل للمقطوع بحصوله كما في الآية: (إذا حضر أحدكم الموت) ولا بد ان يحضر الموت، (فإذا انسلخ الاشهر الحرم) ولا بد للأشهر الحرم من أن تنسلخ، وقوله تعالى: (وترى الشمس إذا طلعت) ولا بد للشمس من أن تطلع وكقوله: (فإذا قضيت الصلاة) ولا بد للصلاة أن تنقضي.
وللكثير الحصول كما في قوله تعالى: (فإذا حُييتم بتحية فحيّوا بأحسن منها أو ردوها). ولو جاءت (إذا) و(إن) في الآية الواحدة تستعمل (إذا) للكثير و(إن) للأقلّ كما في آية الوضوء في سورة المائدة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ {6}) القيام إلى الصلاة كثيرة الحصول فجاء بـ (إذا) أما كون الإنسان مريضاً أو مسافراً أو جنباً فهو أقلّ لذا جاء بـ (إن).
وكذلك في سورة النساء: (وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {25}) إذا جاءت مع (أُحصنّ) ووهذا الأكثر أما إن فجاءت مع الواتي يأتين بفاحشة وهو قطعاً أقل من المحصنات. وكذلك في سورة الرعد , قال تعالى: (وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَئِذَا كُنَّا تُرَاباً أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ الأَغْلاَلُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدونَ {5}).
وفي سورة الليل: (وما يغني عنه ماله إذا تردى) التردّي حاصل والتردي اما أن يكون من الموت او الهلاك، او تردى في قبره، او في نار جهنم فماذا يغني عنه ماله عندها؟وهذه ليست افتراضاً وانما حصولها مؤكد وهي امر حاصل في كل لحظة ولهذا السبب جاء بلفظ (إذا) بدل (إن) لأن (إذا) مؤكد حصولها) و(إن) مشكوك فيها او محتمل حدوثها. وهذه إهابة بالشخص أن لا يبخل او يطغى او يكذب بالحسنى،إذن لا مفر منه فلماذا يبخل ويعسر على الآخرين ويطغى ويكذب بالحسنى؟
وقد وردت إذا في القرآن الكريم 362 مرة لم تأتِ مرة واحدة في موضع غير محتمل البتّة؛ فهي تأتي إمّا بأمر مجزوم وقوعه أو كثير الحصول كما جاء في آيات وصف أهوال يوم القيامة لأنه مقطوع بحصوله كما في سورة التكوير: (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ {1} وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ {2} وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ {3} وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ {4} وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ {5} وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ {6} وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ {7} وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ) وسورة الإنفطار: (إِذَا السَّمَاء انفَطَرَتْ {1} وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ {2} وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ {3} وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ {4}).
أما (إن) فستعمل لما قد يقع ولما هو محتمل حدوثه أو مشكوك فيه أو نادر او مستحيل كما في قوله تعالى (أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدا) هنا احتمال وافتراض، و (وإن يروا كِسفاً من السماء ساقطاً) لم يقع ولكنه احتمال، و(وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا) الأصل أن لا يقع ولكن هناك احتمال بوقوعه، وكذلك في سورة الأعراف(143): (انظر إلى الجبل فإن استقرّ مكانه) افتراض واحتمال وقوعه.
*الفاصلة القرآنية:(د.فاضل السامرائى)
المعنى هو الأساس وهو السيّد وسنضرب أمثلة ليتضح الكلام: ربنا سبحانه وتعالى قال في سورة التكوير: (وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ (13) عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَتْ (14)) في سورة الإنفطار قال: (وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ (4) عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ (5)) ما سبب التغيير مع أن الكلام في الآخرة؟ قال: (وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ) أي قُرِّبت وأُحضِرت، أزلف بمعنى قرّب (وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ (64) الشعراء) أي قرّبناهم. إذن الجنة أُحضِرت فكل نفس تعلم ماذا أحضرت لدخول الجنة؟ ما العمل الذي أحضرته والجنة أمامها؟ العمل الصالح فعلمت نفس ما أحضرت من عمل، الجنة أُحضرت فأنت ماذا أحضرت لهذه الجنة؟ وكل واحد يقول أنا ماذا أحضرت لدخول الجنة. تلك (إذا القبور بعثرت) الكلام قبل الحساب وفي الآية الأولى بعد الحساب أحضرت الجنة أما هنا (إذا القبور بعثرت) ففي أول المشهد قبل الحساب إذن كل إنسان سيحاسب نفسه ما قدمت وأخرت ماذا فعلت؟ ماذا قدّمت وماذا أخرّت من الأفعال؟ فالموقف غير موقف لما كان في إحضار الجنة صار هناك إحضار العمل