سورة البروج
س- فى سورة البروج (وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (8)) لماذا جاء الفعل يؤمنوا بالمضارع ولم يأت بالماضي حيث أنهم قد آمنوامن قبل وهم ينتقمون منهم؟
ج- (د.فاضل السامرائى): إلا أن يؤمنوا لأنهم مداومون مستمرون على إيمانهم لو آمنوا وتركوا إيمانهم لم تحصل النقمة. النقمة تحصل إذا كانوا مداومين مستمرين الآن وفي المستقبل. إذن أن آمنوا لا تؤدي المعنى لأنها قد تفيد الإنقطاع. الماضي ليس بالضرورة أن ينقطع من حيث اللغة (وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً (20) لقمان) هذه مستمرة. أن يؤمنوا أي مصرين وباقين على ما هم عليه مداومون على ما هم عليه.
هل نفهم أن النقمة كانت ماضية وانتهت؟ كلا لأن أزمنة الماضي عندنا ستة عشر زمناً في اللغة العربية. إلا أن يؤمنوا جاء بالمضارع لأن هؤلاء مداومون مستمرون على ذلك.
س- ما دلالة الفاء فى قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ (10) البروج) ؟
ج- (د.فاضل السامرائى): الذي يدخل الدار له مكافأة والذي يدخل الدار فله مكافأة. الأولى فيها احتمالان إما أنه له مكافأة بسبب دخوله الدار كأن الدار مقفلة وهو يفتحها أي أن المكافأة مترتبة على دخول الدار وإما أن يكون للشخص الذي يدخل الدار له مكافأة بسبب آخر. إذن فيها احتمالان عندما لا تذكر الفاء. إذا ذكرت الفاء فلا بد أن المكافأة مترتبة على الدخول قطعاً وليس لأي سبب آخر وهذا تشبيه بالشرط أي أن المكافأة شرط الدخول في الدار.قال تعالى:(إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ (10) البروج) ومباشرة بعدها:(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ (11) البروج) لم يقل فلهم جنات. (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ) هذا بسبب فتنتهم للمؤمنين تحديداً، الجنة ليست ثمناً العمل وإنما برحمة الله كما في الحديث ” لا يدخل أحدكم الجنة بعمله”. الفاء هنا تقع في جواب اسم الموصول لشبهه بالشرط فجاءت الفاء زيادة للتوكيد.
س- ما الفرق بين(ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ ﴿11﴾ البروج) – (وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ ﴿16﴾ الأنعام)؟
ج- (د.أحمد الكبيسى): فرق بين أن أعطيك بيت هذه هدية لكن أن أجعلك رئيس وزراء هذا فضل عظيم لأنه عام مشهور، هذا الفوز العظيم. الفوز الكبير كمّ؟ يا الله يعني لا حدود للكرم الذي سوف تناله! والفوز المبين على رؤوس الأشهاد فهناك يوم القيامة الله قال كما سوف يأتي: (وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ ﴿35﴾ ق) يعني يعطيك بينك وبينه لكن هناك في عطاء يوم المحشر على رؤوس الأشهاد يا عبدنا فلان ابن فلان قم أعطيناك كذا أمام الآخرين لماذا؟ رب العالمين يوم القيامة في المحشر ينصِّب ملوكاً، الجنة لها ملوك (يا علي أنت ملك الجنة وذو قرنيها) حينئذٍ والجنان مائة جنة وفي كل جنة ملايين الدول في الجنة الواحدة وكل جنة لها ملك كما في الدنيا والملك عندما يكون محبوباً أنت سعيد كل الناس هنا في الإمارات كان يقولون عن الشيخ زايد رحمة الله عليه كونه رئيس الدولة كان يضفي عليهم سعادة وبهجة فخورين بأنه رئيس الدولة كما هم خلفاؤه الآن. حينئذٍ ما بالك بملك على وجه الأشهاد يقول يا عبدي يا فلان وقد يكون شخصاً فقيراً كما قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم-: (رُبّ أشعث أغبر ذي طمرين مدفوعٍ بالأبواب لو أقسم على الله لأبره) قم يا فلان اشفع لخمسة آلاف واحد لمائة ألف واحد هذا فوز مبين : (وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ) الذي كل الناس يعرفونه، حينئذٍ فوز كبير وفوز عظيم وفوز مبين مشهور.
س- في لفظة (كذابا) في سورة النبأ (وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا (28)) لماذا جاء بالمصدر كذابا ولم يأت تكذيب مع أنه ورد في سورة البروج (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ (19)) فهل لهذا أثر في المعنى؟
ج- (د.فاضل السامرائى): الكِذّاب هو مصدر معناه التكذيب المفرط كما هو مقرر في علم اللغة. الكِذّاب مصدر معناه التكذيب والكذب، كِذّاب مصدر كذب ومصدر كذّب. مصدر كذّب القياسي تكذيب على تفعيل هذا القايس مثل علم تعليم سلم تسليم، كلم تكليم، هذا القياس لكن أيضاً شاع في فصحاء العرب موجود الكِذّاب وهو التكذيب المفرط وليس فقط التكذيب وإنما الزيادة في التكذيب والمبالغة في التكذيب. لما تقول فلان يكذِّب كِذّاباً أو يقضي قضّاءاً ويفسر فساراً يعني فيها إفراط. قال تعالى: (وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا (28)) كذاباً يعني تكذيباً مفرطاً. عرفنا الكِذّاب أنه تكذيب مفرط إذن لِمَ قال في البروج كذابا؟ إذا كان هو تكذيب مفرط لماذا جعل هنا كذاب وهناك تكذيب؟ نقرأ السياق حتى تتضح المسألة: (إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا (21) لِلطَّاغِينَ مَآَبًا (22) لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا (23) لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا (24) إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا (25) جَزَاءً وِفَاقًا (26) إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا (27) وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا كِذَّابًا (28) وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا (29) فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا (30) النبأ) في البروج قال:(هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ (17) فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ (18) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ (19)) نلاحظ لماذا زاد في المبالغة؟ أولاً في البروج قال فرعون وثمود ولم يذكر شيئاً آخر، في النبأ ذكر الطاغين وأنهم كانوا لا يرجون حساباً وكذبوا بآياتنا كذاباً جاء بمفعول مطلق مؤكد وجاء بـ (كِذَّابًا)، لما زاد على ما في البروج في التفصيل في الكفر زاد في الوصف، هذا أمر ولما بالغ في الوصف (كِذَّابًا) وأكد زاد في العذاب فقال (فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا (30) النبأ) لما زاد في الوصف زاد في العذاب. لا نفهم أن (كِذَّابًا) جاءت فقط ملائمة للفاصلة، صحيح هي جاءت متلائمة مع الفاصلة لكن من الناحية البيانية هذا أبلغ بكثير، ذكر هنا صفات لم يذكرها هناك. ليس هذا فقط وإنما قال في البروج:(بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ (19) وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ (20)) (فِي تَكْذِيبٍ) يعني ساقطون في الكذب يعني في مثل اللجة يعني الكذب محيط بهم فقال:(وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ) التكذيب محيط بهم والله محيط بالجميع. في آية في النبأ قال: (لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا (35)) الكلام عن الجنة، يمكن أن يسأل أحدهم سؤالاً يقول الكذاب هو التكذيب المفرط فهل يمكن أن يسمعوا الكذب القليل؟ كِذّاب مصدر كَذَب ومصدر كذّب، كَذَب كِذّاباً وكذّب كذّاباً في اللغة لا يسمعون فيها لغوا ولا كذاباً لا كذباً ولا تكذيباً جمع المعنيين بمصدر واحد، وكأن الإتيان بالمصدر لنفي المعنيين، هم فعلاً لا يسمعون فيها كذباً ولا تكذيباً، لا قليل ولا كثير، فبدل أن يقول لا كذباً ولا تكذيباً جاء بمصدر يدل على المعنيين فجمعهما.