سورة التكاثر
سفي سورة التكاثر قال تعالىى: (كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5)) ومباشرة بعدها (ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ (7)) وفي سورة الحاقة (وَإِنَّهُلَحَقُّ الْيَقِينِ (51)) فما دلالة الإختلاف علم اليقين وعين اليقين وحق اليقين؟ وهل نفهم أن اليقين له مراتب؟
ج (د.فاضل السامرائى): علم اليقين أن تتيقن من الشيء. أعلاها حق اليقين ثم يأتي عين اليقين (اليقين هو الأمر الثابت الحق الثابت) ودونه علم اليقين. إبراهيم (عليه السلام) لما سأل ربه كيف تحيي الموتى؟ قال أولم تؤمن؟ قال بلى، هذا علم يقين؛ لم يكن إبراهيم شاكّاً وإبراهيم يعلم ذلك علم اليقين ليس متشككاً؛ إذن يعلمه علم اليقين فلما رأى الطير صار عين اليقين رآها بعينه، شاهدها مشاهدة ولذلك القدامى يضربون مثالاً يقولون علم الناس بالموت هذا علم اليقين فإذا رأى ملائكة الموت وهو في النزع هذا عين اليقين فإذا ذاقه صار حق اليقين.
س- في كتب النحو (ثم) حرف عطف يفيد التراخي فما سر دخول الحرف في الأسلوب الإنشائي في قوله تعالى (ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ {7}التكاثر)؟
ج- (د.فاضل السامرائى): أولاً نقول أنه من حيث الحكم النحوي (ثم) ليست مختصة بالأسلوب إنشائي أو خبري وقد وردت في القرآن الكريم في مواضع كثيرة كم فيقوله تعالى:(ثم صبوا فوق رأسه) إنشائي، (ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس) إنشائي، (ثم كيدون جميعاً) إنشائي، (ثم توبوا إليه) إذن (ثم) ليست مختصى بخبر أو إنشاء. (وللعلم الإنشاء هو ما فيه أمر أو استفهام أو ترجي أو تحضيض أو ..) والحكم يكون على الأسلوب بغض النظر عن القائل. هناك أمر آخر (ثم) قد تكون لمجرد الترتيب في الإخبار (ثم) تفيد الترتيب والتراخي وهذا هو الذي يثيره النحاة (ثم) يقولون تأتي لمجرد الترتيب في الإخبار وليس في الأحداث بدليل قوله تعالى (فإلينا مرجعهم ثم الله شهيد على ما يفعلون) ليس في الآية تعقيب لأن الله شهيد على ما يفعلون دائماً. وكذلك في قوله تعالى: (استغفروا ربكم ثم توبوا إليه) وقال الشاعر:
أنا من ساد ثم ساد أبوه ثم قد ساد قبل ذلك جده
وهذا ترتيب في الإخبار وليس ترتيباً زمنياً كأن نقول مثلاً: أعجبني ما صنعت اليوم ثم ما صنعت الأمس أعجب.
وهناك الترتيب في الإخبار بغض النظر عن زمنه. أحياناً يكون التراخي في المرتبة كقوله تعالى (أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ {14} يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ {15} أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ {16} ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ {17}البلد) فما معنى الإيمان بعد الإطعام؟ لا يمكن أن يكونهذا هو المقصود بل المقصود أن مرتبة الإيمان هي أعلى من الإطعام ولم تأتي (ثم) للترتيب لأنه لو لم يكن مؤمناً فليس فيه فائدة. وهذا ما نسميه الترتيب في المنزلة. وكذلك قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ {30}فصلت) لا شك أن الإستقامة أعلى مرتبة.
فلماذا دخلت (ثم) على قوله تعالى:(لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ {6} ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ {7}التكاثر) هذه ليست إنشاء وإنما جواب القسم والقسم هو الإنشاء أما جواب القسم فمن حيث الحكم النخوي: جواب القسم لا يكون إنشاء إلا مع الباء يصح أن يكون إنشاء مع الخبر الطلبية أو الإستعطافي فقط. مثلاً لا يمكن أن أقول: والله افعل أو والله لا تفعل إنما أقول والله لأفعلنّ و والله لتفعلنّ ولا يمكن أن يكون جواب القسم طلب أو إنشاء إلا أن يكون جواب القسم بالباء (بالله عليك افعل) أو (بالله عليك لا تفعل) (بربّك هل فعلت؟) أما في غير الباء فلا يكون جواب القسم طلبياً. إذن الجواب خبري ويكون إنشائياً مع الباء فقط (تالله لأكيدنّ أصنامكم) تالله هي الإنشاء ولأكيدن هي خبر. وهناك فرق بين القسم وجواب القسم، جواب القسم خبر إلا ما استثنيناه وما يصح أن يكون مع الباء وحدها والباقي خبر.
قوله تعالى:(لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ {6} ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ {7}التكاثر) قسم ذهب إلى أنها للتوكيد وقد تأتي إذا أُعيدت الجملة للتوكيد (إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ {18} فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ {19} ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ {20} المدّثر) التكرار فيه توكيد ولا مانع أن يُفصل بحرف عطف. وقد يأتي التكرار بدون حرف عطف كما في قوله تعالى: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً {5} إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً {6} الشرح) ، يمكن أن تكون توكيداً مع العطف كأن نقول (والله ثم والله). وقسم آخر قال أن (ثم) ليست توكيداً وإنما المشهد مختلف فـ(ثم) الأولى هي في عذاب القبر والثانية في الحساب يوم القيامة تراخي في الزمن) وهذا الذي يرحجه الأكثرون.
وفي بداية سورة التكاثر قال تعالى أيضاً:(كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ {3} ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ {4}) هنا العلم علمان علم عند المشاهدة والإحتضار والعلم الثاني عند الحساب يوم القيامة، فإذا كان العلم الأول هو نفس العلم الثاني تكون (ثم) للتوكيد وإذا كان العلم الثاني غير العلم الأول تكون (ثم) للتراخي في الزمن لأن فيها تأسيس لمعنى جديد.