سورة آل عمران
آية (11):
*(كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ (11) آل عمران) فرعون واحد من جمهرة كبيرة من المكذبين والجاحدين المتألهين في التاريخ الذين ذكر بعضهم القرآن فهل من سبب في تخصيصه هنا دون غيره من أمثال عاد وثمود؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
نعم، فهذا التخصيص يناسب ثقافة المخاطَب بهذه الآية وهم اليهود والنصارى لأنهم أعلم وألصق بأخبار فرعون كما أن العرب أعلم وألصق بأخبار عاد وثمود. وهلاك فرعون معلوم لليهود بخلاف هلاك عاد وثمود.
آية (11):
* ما الفرق بين الآيات (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (11) آل عمران) و(كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَفَرُواْ بِآيَاتِ اللّهِ فَأَخَذَهُمُ اللّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ (52) الأنفال) و (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُواْ بآيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَونَ وَكُلٌّ كَانُواْ ظَالِمِينَ (54) الأنفال)؟ ما الفرق بين كذبوا بآياتنا وكفروا بآياتنا؟ (د.فاضل السامرائى)
لا شك أن الكفر أعمّ من التكذيب؛ لأن التكذيب حالة من حالات الكفر. ننظر كيف يكون التعبير مع كذبوا وكيف يكون التعبير مع كفروا ولما اختار هنا كذبوا وهنا كفروا؟ في آل عمران قال تعالى: (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (11) آل عمران) وفي الأنفال قال: (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَفَرُواْ بِآيَاتِ اللّهِ فَأَخَذَهُمُ اللّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ (52) الأنفال) أكّد بـ (إنّ) وأضاف كلمة (قوي) لأنه لما كان الكفر أعمّ وأشدّ شدد وأكّد (إن الله قوي شديد العقاب) وهناك قال (والله شديد العقاب) فإن أولاً لما قال كفروا وكفروا أعمّ من كذبوا فعمم (إن الله قوي شديد العقاب) أكّد قوته وشدد عقابه ولو قال شديد العقاب في الآية الثانية لا تدل على أنه قوي فقد يكون شديد العقاب ولكن غير قوي.
في سورة الأنفال نفسها آية أخرى: (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُواْ بآيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَونَ وَكُلٌّ كَانُواْ ظَالِمِينَ (54) الأنفال) عرفنا كيف ختم الآية (والله شديد العقاب) (إن الله قوي شديد العقاب) لم اختار هنالك كذبوا وهنا كفروا وهنا في الأنفال كذبوا؟ نلاحظ قلنا أن الكفر أعمّ من التكذيب، ننظر في الآيات: ذكر في آل عمران حالة جزئية (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُم مِّنَ اللّهِ شَيْئًا (10) آل عمران) ذكر أمرين: الأموال والأولاد ولكن هل عدم الإغناء هذا فقط؟ هناك الأتباع، الآلهة، السلطان والله تعالى ذكر كثيراً من حالات الاستغناء (وَبَرَزُواْ لِلّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاء لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللّهِ مِن شَيْءٍ (21) إبراهيم) هذا غير الأولاد، (مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ (28) هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ (29) الحاقة) السلطان، (وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـكِن ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ مِن شَيْءٍ (101) هود) الآلهة، (لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا (26) النجم) الشفعاء. إذن ذكر حالة جزئية فلما ذكر حالة جزئية ذكر حالة جزئية من الكفر وهي التكذيب.
(وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُواْ الْمَلآئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ (50) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ (51) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَفَرُواْ بِآيَاتِ اللّهِ فَأَخَذَهُمُ اللّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ (52) الأنفال) حالة عامة ليس فيها ذكر حالة جزئية. لما ذكر حالة جزئية وصفهم بحالة جزئية وهو التكذيب ولما ذكر حالة عامة ذكر بأمر عام وختم كل آية بما يناسبها. التكذيب جزء من الكفر بآيات الله. رب العالمين قال (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ (33) الأنعام) إذن الجحود غير التكذيب، هناك جحود وتكذيب وكفر. لا يكذب لكن يرى أن لله ولداً! هناك فرق. (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا (14) النمل) حالة جزئية لأن حالات الكفر ليست محددة بهذه الجزئية. التكذيب من الكفر وهو حالة جزئية من الكفر.
هل يستقيم المعنى اللغوي السليم أن يأتي بحالة عامة ثم يأتي بالتكذيب؟ هذا ليس من اللغة وإنما من البلاغة. الأحمق العربي يتكلم كلاماً صحيحاً لكن ليست بليغاً. أي جملة على السياق النحوي صحيحة لكن هل هي بليغة؟ فرق أن يأتي بالكلام صحيحاً وبين هل هو بلاغة؟ هل هذا ما يقتضيه السياق والمقام؟ وجمال القرآن يكمن في هذه الأشياء وليس في النحو.
*ما من شك أن القناطير المقنطرة هنا يُراد بها المال والآتيان بهذا اللفظ (القناطير المقنطرة) يلقي ظلاً ترسمه هذه العبارة فلِمَ عدل ربنا تعالى عن المال إلى هذه العبارة؟(ورتل االقرآن ترتيلاً)
إنه نَهَم المال ولو كان ربنا يريد مجرد الميل إلى المال لعبّر باللفظ الصريح لكن القناطير المقنطرة تدل أولاً على المال المضاعف والكثرة وتضفي تصويراً لشره الإنسان الذي لا يكتفي بالدراهم التي تسد حاجته بل يسعى إلى تكديس المال وتجميعه إرواءً لحبه للمال وشرهه.
(ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا (14) آل عمران) انظر إلى هذا البيان وتأمل دقة الأسلوب القرآني. فبعد الإطناب السابق والإسهاب في ذكر الشهوات حتى كاد المرء يذهل من تصوير الله تعالى للشهوات الدنيوية ولأمور البذخ والنعيم تأتي كلمة المتاع المؤذنة بالقِلّة وهو ما يُستمتع به مدة ثم يزول. وما كان الله تعالى ليبين قيمة الحياة الدنيا الحقيقية لينتزع تعلق القلوب بها لولا استعمال هذه الكلمة فانظر واعتبر!.
آية (14):
*ما دلالة بناء الفعل زُين للمجهول؟(د.فاضل السامرائى)
في القرآن خط تعبيري واضح أن ربنا سبحانه وتعالى لا يسند العيب لنفسه وإنما ينسب له الخير وذكرنا أمثلة كثيرة في القرآن: (وَإِذَآ أَنْعَمْنَا عَلَى الإنسان أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَؤُوسًا (83) الإسراء) لم يقل مسسناه بالشر وإن كان الكل من عند الله سبحانه وتعالى لكن تأدباً (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ (14) آل عمران) لم يقل زين لهم بينما يذكر (وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ (7) الحجرات) (إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (6) الصافات).
*ما دلالة تقديم الأولاد على الأموال في قوله تعالى: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ {14}) سورة آل عمران؟(د.فاضل السامرائى)
في مواطن الحُبّ يقدّم الأولاد على غيرهم وفي حبّ الشهوات قدّم النساء على باقي الشهوات (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ {14}).
أما في مواطن الإلهاء كقوله تعالى في سورة المنافقون: (لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله) قدّم الأموال على الأولاد مع أنّ حُبّ الأولاد أكثر لكن الالتهاء بالمال يكون أكثر لذا قدّم الأموال على الأولاد للتحذير.
*(زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ (14) آل عمران) لِمَ لم يقل زُيّن للرجال طالما ذكر في الآية (من النساء)؟(د.فاضل السامرائى)
الآية (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (14)) عندما ذكر البنين هذا ألمح إلى رغبة النساء في ذلك، هن يحملن البنين ويرغبن فيه. إذن البنين ليست خاصة بالرجال، عندما ذكر البنين هذا إلماح وليس تصريح إلى رغبة النساء فيه لكن لم يشأ أن يخدش حياءها ولم يقل زُين للنساء حب الشهوات من الرجال، كلمة البنين فيها إشارة إلى معاشرة الرجال وإلا كيف يأتي الأولاد؟ بمعاشرة الرجال فلما قال البنين دخل فيه النساء تضميناً لا تصريحاً. الناس يحبون شهوة النساء والبنين والذهب والفضة، البنين يحبها الرجال والنساء إذن دخلت النساء في الآية تلميحاً وليس تصريحاً ولكن لم يصرِّح حتى لا يخدش حياءها ما قال زين للنساء حب الشهوات من الرجال، لما ذكر البنين دخل فيه النساء تلميحاً. لم يقل زُيّن للرجال حب الشهوات من النساء لأن الرجال يسعون في ذلك وينفقون في ذلك والناس هذه أعم لأن البنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة ليست خاصة بالرجال ولو قال الرجال فأين يذهب النساء؟ ألا يحبون القناطير المقنطرة؟! فعمم لكن دخل فيه النساء تلميحاً يعني حب النساء للرجال دخله تلميحاً بذكر البنين لأنه لا يحسن أن يذكر أن يحب النساء الرجال لكن الرجال ليس عندهم مانع يجهرون بذلك ويتحدثون بذلك ويسعون في هذا الأمر وينفقون المال في هذا الأمر فلا مانع أن يصرّح بهم في الآية لكن النساء في الغالب يتعففن عن ذكر ذلك لا يُحسن أن يقال فيهن ما يقال في الرجال لكن الآية شملت النساء أولاً دخلت تحت العموم في كلمة الناس وذكرها تلميحاً بحبِّ البنين والقناطير المقنطرة إذن دخلت النساء في الآية تلميحاً لكن لم يخدش حياءها وكلمة الناس تضم الجنسين الرجال والنساء.
آية (17):
*(الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ (17) آل عمران) تُرى ألا يستقيم المعنى إذا أغفلنا حرف العطف (و) بين الصفات؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
فالأصل في تعدد الأخبار ترك العطف فنقول مثلاً: هذا هو المسلم الصدوق الأمين المخلص، فلِمَ ورد حرف العطف بين الصفات؟ لقد اختاره الله سبحانه وتعالى لبيانه الجليل إيذاناً بمعنى خصوصي ما كان ليتحصّل لو حُذِف حرف العطف وهذا القصد هو الإشارة إلى كمال الموصوف وهو قوله: (والله بصير بالعباد) في كل صفة بحيث تنزل كل صفة منزلة مستقلة وما ذاك إلا لقوة الموصوف في تلك الصفة وكأنه يقول: والله بصير بالعباد الصابرين، والله بصير بالعباد الصادقين، والله بصير بالعباد القانتين وهكذا. هذا هو المعنى الذي نستفيده من تكرار حرف العطف بين هذه الصفات.
*(وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ (17) آل عمران) لِمَ خصّ الله سبحانه وتعالى الاستغفار بوقت معين ولم يخص الصفات الأخرى بقيد أو صفة؟ فلِمَ لم يقل مثلاً الصابرين في البأساء؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
إن الصبر يُحمد في كل وقت وليس للصبر وقت يفضّل فيه عن غيره وكذلكم الصدق ولكن تخصيص وقت الاستغفار بالسَحَر لأمر أراده الله تعالى لك أيها المؤمن أن هذا الوقت فيه من الهدوء ما يجعل العابد أشد إخلاصاً وخشوعاً لله تعالى وفيه بُعدٌ عن الرياء أمام الناس فلا يراك في هذا الوقت إلا من تقصده وهو الله عز وجل.
* (شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18) آل عمران) ما الدلالة والإعراب لقائماً بالقسط؟ (د.فاضل السامرائى)
قائماً بالقسط أي قائماً بالعدل القسط هو العدل. قَسَط جار وظلم مصدره القَسْط بفتح القاف وهو الجَوْر والظلم. أقسط أزال الجور والظلم (همزة السلب) اسمه القِسْط بكسر القاف والمصدر إقساط (أفعل إفعال). القِسط هو العدل (وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا (15) الجن) القاسطون أي الظالمون، (إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (42) المائدة) أي الذين يعدلون. إذن قائماً بالقسط أي قائماً بالعدل شهد الله وشهدت الملائكة وشهد أولو العلم شهدوا أنه لا إله هو أي شهدوا له بالتوحيد والقيام بالقسط، كونه قائماً بالقسط، (قائماً) في أشهر الأعاريب أنها حال لازمة. الأصل في الحال التحول والانتقال سمي حالاً لأنها تتحول، أقبل راكباً أقبل ضاحكاً، الأصل فيها التحول وقد تأتي الحال لازمة ثابتة في مواطن. الحال يتعلق بالفعل أو ما يشبه الفعل أو فيه معنى الفعل. والأصل فيها أن تكون منتقلة وقد تكون ثابتة لازمة كما قال: (قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى (36) آل عمران) أنثى حال ثابتة لأن الأنثى لن تتحول إلى ذكر، جاء مبتسماً سيتحول الآن مبتسم وسيتغير. إذن هنالك حال لازمة ويقولون خلق الله الزرافة يديها أطول من رجليها (أطول) حال لن تتحول. مسألة اللزوم والانتقال في الحال مخصوصة بالحال نفسها. يقول تعالى (وَخُلِقَ الإنسان ضَعِيفًا (28) النساء) لن يقوى، ولدته أعمى لن يُبصر هذه لازمة لا تتحول. إذن ربنا قال قائماً بالقسط لا ينفك “هو الحق صادقاً” الحق لا يكون كاذباً إذن هذا الحق لا يتغير إذن (صادقاً) حال لازمة، (وَهَـذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا (126) الأنعام) لن يعوجّ. هذه الشهادة أنه لا إله إلا هو قائماً بالقسط في هذه الحال اللازمة التوحيد والقيام بالقسط على اللزوم. شهدوا على أمرين لا إله إلا هو مع القيام بالقسط على وجه الدوام وإن كان والبعض يجوّز إعراب (قائماً) صفة لكلمة إله التي هي مبنية (لا إله) مبنية، اسم لا النافية للجنس. إذن على الإعراب المشهور أن (قائماً) حال وصاحب الحال الله سبحانه وتعالى.
*ما الفرق بين القسط والعدل؟ (د.فاضل السامرائى)
القسط يكون أولاً في الوزن وغيره وله معنيان العدل والحِصّة والنصيب ولذلك كلمة القسط تستعمل في القرآن في الوزن وفي غيره (وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ (42) المائدة) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ (135) النساء) . أولاً لم يستعمل العدل مع الميزان مطلقاً في القرآن كله لم يستعمل إلا القسط لأن القسط هو الحصة والنصيب والغرض من الميزان أن يأخذ الإنسان نصيبه ولذلك لم ترد في القرآن كلمة العدل مع الوزن (وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ (152) الأنعام) ومن أسماء الميزان القسطاس (وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُواْ بِالقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ (35) الإسراء) باعتبار يأخذ حقه. القسط عامة لكن مع الميزان لم تستعمل إلا كلمة القسط لأن من معاني القسط الحصة والنصيب والغرض من الميزان الحصة والنصيب. وللعلم كلمة يقوم لم ترد في القرآن مع العدل (قوامين بالقسط) فقط (لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ (25) الحديد) (وَأَن تَقُومُواْ لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ (127) النساء) (شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ (18) آل عمران ) (وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ (9) الرحمن) (وَيَا قَوْمِ أَوْفُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ (85) هود).
آية (18)
*د.أحمد الكبيسي:
العلم والفهم في هذا الدين أفضل من أي عبادة أخرى (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ ﴿18﴾ آل عمران) (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) لا يجب أن تكون عالماً (من تعلّم كلمة أو كلمتين أو ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً إلا أدخله الله الجنة). حينئذٍ بعد هذا، بعد المتقين الذين هم شريحة من المؤمنين إيمان خاص تطلع شريحة متقون يأتي الإسلام الأخير الإسلام الذي هو الإسلام المطلق العملي صفة الخلق المجتبون الأخيار هؤلاء طبعاً تفاصيلهم موجودة.
آية (19):
*(إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ (19) آل عمران) هل عددت كلمات هذه الآية؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
إنها على قِلّتها استطاعت أن تأتي ببيان عظيم الدين الإسلامي وفضيلته بأجمع عبارة وأوجزها. لقد جاءت الآية على صفة الحصر، حصر الدين في الإسلام دون غيره وذلك لتعريف اسم (إنّ) أي الدين وخبره أي الإسلام وكأن الله تعالى يقول لا دين إلا الإسلام. ألا ترى أنك تقول أحمد الناجح فتحصر النجاح بأحمد بخلاف أحمد ناجحٌ أي هو ناجح من بين الناجحين. ثم أكّد الله تعالى انحصار الدين بالإسلام أكثر باستعمال حرف التوكيد (إنّ).
آية (20):
*ما هو السلوك التركيبي للفعل يُسلم من حيث التعدّي واللزوم؟ هنا جاء الفعل يُسلم متعدياً بـحرف الجر (إلى) وفي مواطن أخرى في القرآن متعدياً بحرف الجر اللام (فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (34) الحج) (فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلّهِ (20) آل عمران) فما الفرق بين تعديه باللام وتعديه بإلى؟ (د.فاضل السامرائى)
أكثر ما ورد في القرآن متعدياً باللام ولم ترد بإلى إلا فقط في سورة لقمان (وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إلى اللَّهِ)، البقية باللام أو من دون حرف جر (وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا (14) الحجرات). ما الفرق بين أسلم إلى وأسلم لـ؟ (وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (44) النمل) (قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (131) البقرة) (وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (66) غافر) ما الفرق بينهما في الدلالة؟ أسلم إليه معناه دفعه إليه، تسليم دفعه إليه أو فوّض أمره إليه هذ المشهور، من التوكل. أسلم بمعنى انقاد وخضع ومنها الإسلام الانقياد. أسلم الشيء إليه أي دفعه إليه، أعطاه إليه بانقياد هذه أسلمه إليه أو فوض أمره إليه وهذا أشهر معنى لأسلم إليه. أسلم لله معناه انقاد له وجعل نفسه سالماً له أي خالصاً له، جعل نفسه لله خالصاً أخلص إليه. لما قالت ملكة سبأ (وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (44) النمل) انقدت له وخضعت وجعلت نفسي سالمة له خالصة ليس لأحد فيه شيء. وإبراهيم (عليه السلام) قال (قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) أسلم له أي انقاد له وجعل نفسه خالصة له أما أسلم إليه معناها دفعه إليه لذا يقولون أسلم لله أعلى من أسلم إليه لأنه لم يجعل معه لأحد شيء، ومن يسلم وجهه إلى الله اختلفت الدلالة أسلم إليه أي فوّض أمره إليه يعني في الشدائد (وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إلى اللَّهِ (44) غافر) أو في الانقياد أما أسلم لله فجعل نفسه خالصاً ليس لأحد شيء. لذلك قال القدامى أسلم له أعلى من أسلم إليه لأنه إذا دفعه إليه قد يكون لم يصل لكن سلّم له اختصاص واللام للملك (أسلم لله) ملّك نفسه لله ولذلك قالوا هي أعلى.
* متى تثبت الياء ومتى تحذف كما في قوله (واخشوني، واخشون)؟(د.فاضل السامرائى)
هذا التعبير له نظائر في القرآن (اتّبعني، اتبعنِ، كيدوني، كيدونِ، أخّرتني، أخرتنِ). أما اخشوني واخشونِ فوردت الأولى في سورة البقرة والثانية وردت في المائدة. عندما تحذّر أحدهم التحذير يكون بحسب الفِعلة قد تكون فِعلة شديدة. مثلاً لو أحدهم اغتاب آخر تقول له اتق ربك وقد يريد أن يقتل شخصاً فتقول له اتقي الله، فالتحذير يختلف بحسب الفعل إذا كان الفعل كبيراً يكون التحذير أشد. فعندما يُطهِر الياء يكون التحذير أشد في جميع القرآن عندما يُظهِر الياء يكون الأمر أكبر.
مثال آخر في غير التحذير: (قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إلى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108) يوسف) بالياء (فَإنْ حَآجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُل لِّلَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (20) آل عمران) بدون ياء. ننظر أي الذي يحتاج إلى اتّباع أكثر؟ الذي يدعو إلى الله على بصيرة أو مجرد أن يكون مسلماً فقط؟ لا شك أن الداعية ينبغي أن يكون متّبعاً أكثر في سلوكه وعمله لأنه داعية إلى الله ينبغي أن يكون مثلاً في سلوكه ومعرفته هذا يحتاج للياء (فاتبعوني). المتبعين ليسوا كالدعاة الذين يحتاجون لاتّباع أكثر لذا قال: (ومن اتبعني) أما عموم المسلمين فلا يعرفون إلا القليل من الأحكام. إذن موطن الدعوة إلى الله على بصيرة تحتاج لمقدار اتّباع أكثر فقال: (فاتبعوني) بالياء.
آية (21):
*ما الفرق من الناحية البيانية بين قوله: (يقتلون النبيين بغير الحق) سورة البقرة وقوله: (ويقتلون الأنبياء بغير حق) سورة آل عمران؟ (د.فاضل السامرائى)
قال تعالى في سورة البقرة: (وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نَّصْبِرَ عَلَىَ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُواْ مِصْراً فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَآؤُوْاْ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ {61}) وقال في سورة آل عمران (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الِّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ {21}) و(ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَآؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ {112}). جمع المذكر السالم إذا كان معه جمع كثرة فإنه يفيد القَلّة وإذا لم يكن معه جمع تكسير يستعمل للقلة والكثرة. (النبيين) عندما يكون معه جمع تكسير يفيد القلة أما (الأنبياء) فتفيد جمع الكثرة.
وهناك أمر آخر هو عندما يذكر معاصي بني إسرائيل يذكر الأنبياء.
ثم أن الاختلاف بين ذكر كلمة (بغير حق) و(بغير الحق) تدل على أن استعمال كلمة (الحق) معرّفة تعني الحق الذي يدعو للقتل فهناك أمور يستحق بها القتل. أما استعمال (بغير حق) نكرة فهي تعني لا حق يدعو إلى القتل ولا إلى غيره. فإذا أراد تعالى أن يبيّن لنا العدوان يذكر (بغير حق) ، فعندما يقول يقتلون الأنبياء بغير حق هذا أعظم وأكبر جرماً من يقتلون النبيين بغير حق لأن الأنبياء أعم وأشمل وحق من دون أي داعي هذا أكبر جرماً وأعظم من يقتلون النبيين بغير الحق والنبيين أقل والحق الحق الذي يدعو إلى القتل فذاك أعظم، هذا من حيث اللغة وإن شاء الله ثم ننظر في السياق لاحقاً لما نلاحظ مقام الذم والكلام على بني إسرائيل في قوله يقتلون الأنبياء بغير حق أكثر وأعظم من يقتلون النبيين بغير الحق.
يمكن قراءة ما جاء حول هذا الموضوع في كتاب التعبير القرآني للدكتور فاضل في موضوع التشابه والاختلاف
معنى كلمة النبيين والأنبياء: قال أن النبيين هي كصفة ساعة يُنبأ أما الأنبياء فهي جمع نبي أي بعد أن أصبح نبياً) هذا والله أعلم.)
*(وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ (21) آل عمران) قال تعالى (بغير حق) أفيجوز قتل النبيين بحق؟ وهل من حق في قتل النبيين؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
للوهلة الأولى يظن الغافل عن بيان الله تعالى وقصده أنه يجوز قتل الأنبياء بحق ويحرم قتلهم بغير حق وهذا ضعف في فهم الحكم. فالقيد (بغير حق) جاء في الجملة ليوضح زيادة وتشويه قبح فعل بني إسرائيل بقتل الأنبياء، فتأمل!.
آية (23):
*(أَلَمْ تَرَ إلى الَّذِينَ أُوْتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ (23) آل عمران) لقد جاءت الآية بعبارة (أوتوا الكتاب) فما المعنى الذي أضافته عبارة (نصيباً)؟ (ورتل القرآن ترتيلاً)
إن النصيب هو القسط والحظ, وقد جاءت نكرة للدلالة على التهاون بهم والتقليل من شأنهم. وجاءت (من) بمعنى التبعيض زيادة في ذلك التهاون والتقليل تعريضاً بأنهم لا يعلمون من كتابهم إلا حظاً يسيراً.
*ما دلالة (غرهم) في قوله تعالى: (وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ (24) آل عمران) وليس طمعهم؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
جلّ جلال الله في إحكام بيانه فلو قال طمّعهم في دينهم لما عبرت كلمة طمّعهم عما أراده الله تعالى من معنى كما عبّرت عنه لفظة غرّهم. إن السياق التعبيري يعلمك أن المخالفة إذا لم تكن عن غرور فالإقلاع عنها مرجو أما المغرور فلا يُترقّب منه إقلاع أبداً.
آية (24):
*ما الفرق بين دلالة الجمع في معدودة ومعدودات؟
د.فاضل السامرائى:
القاعدة: جمع غير العاقل إن كان بالإفراد يكون أكثر من حيث العدد من الجمع السالم كأنهار جارية وأنهار جاريات، فالجارية أكثر من حيث العدد من الجاريات، وأشجار مثمرة أكثر من مثمرات وجبال شاهقة أكثر من حيث العدد من شاهقات ، فهذه من المواضع التي يكون فيها المفرد أكثر من الجمع.
معدودات جمع قلّة وهي تفيد القلّة (وهي أقل من 11) أما معدودة تدل على أكثر من 11، وقد قال تعالى في سورة يوسف (وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ) أي أكثر من 11 درهما، ولو قال معدودات لكانت أقل.
مثال: قال تعالى في سورة آل عمران: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ {24}) اختيار كلمة (معدودات) في هذه الآية لأن الذنوب التي ذُكرت في هذه الآية أقلّ.
د.أحمد الكبيسي:
اليهود قالوا: (وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً (80) البقرة) وآية أخرى: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ (24) آل عمران) المعدودات يعني أنا عندي أيام محددة تتكرر كل سنة ما تختلف مثل أيام العيد، مثل رمضان وفي الحج (وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ (203) البقرة) في كل سنة ما تتغير، هذه المعدودات. حينئذ هذه لها معنى. في أيام معدودة عندنا 360 يوم أنا أربع خمس أيام لا على التعيين سنسافر أيام معدودة لأمر ما، هذه معدودة لأنها ليست محددة .
إذن هما مذهبان كما قلنا اليهود والنصارى وغيرهم كما أن المسلمين مذاهب وآراء وأفكار ونحن في كل جزئية هناك أفكار للعلماء تختلف وهذا في غاية الصحة العلمية أن العلماء يختلفون وهذا العقل البشري الذي لا يختلف هو الحيوان (وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاء وَنِدَاء (171) البقرة) مليون نعجة تقودها بصوت واحد. قسم من بني إسرائيل الله سيعذبنا خمسة أيام من أيام شهر ما وآخرون قالوا خمسة أيام ليست معلومة والله تعالى لما نقل آراءهم وأفكارهم بهاتين الكلمتين لخص لنا أن بني إسرائيل منقسمون في هذه الأيام.
آية (25):
* ما الفرق بين (ما عملت) و (ما كسبت)؟ (د.فاضل السامرائى)
الآيتان هما: (يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ (111)) قال وتوفى كل نفس ما عملت وفي آيات أخرى قال (وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إلى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ (281) البقرة) وآل عمران (فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ (25)). في آية النحل قال ماعملت. في سياق الأموال يقول (ما كسبت) وفي سياق العمل يقول (ما عملت). في آل عمران (وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ (161) آل عمران) الغل هو الأخذ من المغنم قبل اقتسام الغنائم، وهو متعلق بالأموال والكسب فقال: (ما كسبت)، في البقرة في سياق الأموال (وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إلى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ (281) البقرة) وقبلها أمور مادية من ترك الربا (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (278) البقرة) الربا كسب حرام، آية المعسِر (وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إلى مَيْسَرَةٍ (280))، آية الدين ((282) البقرة) في سياق الأموال فناسب ذكر الكسب أما آية النحل ليس لها علاقة بالكسب وقال قبلها: (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُواْ مِن بَعْدِ مَا فُتِنُواْ ثُمَّ جَاهَدُواْ وَصَبَرُواْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ (110) النحل) ليس فيها كسب, فالجهاد والفتنة والصبر ليست كسباً. ففي سياق الأموال قال كسب وفي سياق الأعمال قال عمل. الكسب منوط بالمال في الغالب ولهذا يقول تعالى: (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ (134) البقرة) جعلها كالأموال وككسب الإنسان.
آية (26)
*(قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء (26) آل عمران) لو تأملت السياق لرأيت أنه يقتضي أن يقول تؤتي الملك من تشاء وتأخذه ممن تشاء للمقابلة بين الإتيان والأخذ كما قابل بين العزة والذل (وتعز من تشاء وتذل من تشاء) فلِمَ خصّ المُلك بالنزع دون الأخذ؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
إن لفظ النزع يفيد تمسك المالك بملكه وعدم خروجه عنه بسهولة كما يفيد اقتلاع الملك من مقرّه بشدّة لأن المالك لا يتخلى عنه لو كان الأمر بيده.
*ما الفرق بين مِلك بكسر الميم ومُلك بضم الميم؟(د.فاضل السامرائى)
هناك فرق بين مُلك ومِلك، المُلك الحُكم فرعون قال: (وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ (51) الزخرف) يعني الحكم وليس مملوكة له. والمِلك من التملّك فصاحب المُلك مَلِك وصاحب المِلك مالك في الفاتحة نقول ملك يوم الدين ومالك يوم الدين لأنه تعالى الملك والمالك. لما يقول (ملك السموات والأرض) يعني هو الحاكم ولما يقول: (له ما في السموات والأرض) هذا التملك مملوكة له. فإذن في مجموعة هذه الآيات أنه هو المالك وهو الملك، كل آية لا تدل على الأخرى (له ما في السموات) من التملك فهو ملكهما ومالكهما كما قال تعالى: (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ (26) آل عمران) المُلك هو مِلكه (تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء) بيده التصرف فهي ملكه. في الفاتحة هنالك قراءتان متواتران ملك يوم الدين ومالك يوم الدين، الآية نزلت مرتين مرة ملك يوم الدين ومرة مالك يوم الدين وهي قراءات نزل بها جبريل وأقرها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بأمر من ربه. هناك عشر قراءات متواترة عن الرسول (صلى الله عليه وسلم) أقرها الرسول (صلى الله عليه وسلم) بأمر من ربه.
آية (27):
*ما اللمسة البيانية في استخدام فعل (يخرج) وليس الصيغة الاسمية كما في سورة الأنعام؟ (د.فاضل السامرائى)
قاعدة نحوية: الاسم يدل على الثبوت والفعل يدل على الحدوث والتجدد. وهذه الآية تدخل في هذه القاعدة.
في سورة الأنعام قال تعالى: (إنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (95)) و (فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (96)) أبرز صفات الحيّ الحركة والتجديد (من الحياة) وقد قال تعالى مع الحيّ (يُخرج الحي من الميت) جاء بالصيغة الفعلية التي تدل على الحركة. ومن صفات الميّت هو السكون لذا جاء بالصيغة الإسمية مع ما تقتضيه من السكون.
وكلمة (يُخرج) لا تأتي دائماً مع الحركة وإنما تأتي حسب سياق الآيات كما في سورة آل عمران (تُولِجُ اللَّيْلَ فِي الْنَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الَمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَن تَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ {27}) لأن سياق الآيات كلها في التغييرات والتبديلات والأحداث التي تتجدد (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ {26}) (إيتاء الملك ونزعه، تعز من تشاء وتذل من تشاء، تولج الليل وتولج النهار) كلها في التغيرات وليست في الثبات وهذا ما يُعرف بمطابقة الكلام لمقتضى الحال.
*(وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ (28) آل عمران) لِمَ لم يقل ويحذركم الله غضبه أو سطوته؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
أي رادع لك أشد من هذا اللفظ والله تعالى يحذرك من نفسه أي يحذرك من ذاته، فبهذا اللفظ كان المعنى أعم في الأحوال لأنه لو قيل ويحذركم الله غضبه لتُوهِم أن رضى الله لا يضر معه مخالفة أوامره.
آية (28):
* على من يعود الضمير في يحذركم وفي نفسه في الآية (وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ (28) آل عمران)؟ (د.فاضل السامرائى)
الضمير يعود على الله تعالى، أن الله سبحانه وتعالى يحذر العباد نفسه.
آية (29):
*ما دلالة تقديم وتأخير كلمة (تخفوا) في آية سورة البقرة وسورة آل عمران؟ (د.فاضل السامرائى)
قال تعالى في سورة البقرة: (لِّلَّهِ ما فِي السَّمَاواتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ {284}) وقال في آل عمران: (قُلْ إِن تُخْفُواْ مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ {29}). المحاسبة في سورة البقرة هي على ما يُبدي الإنسان وليس ما يُخفي ففي سياق المحاسبة قدّم الإبداء أما في سورة آل عمران فالآية في سياق العلم لذا قدّم الإخفاء لأنه سبحانه يعلم السر وأخفى.
*(وَاللّهُ رَؤُوفُ بِالْعِبَادِ (30) آل عمران) ما دلالة تعريف العباد ؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
لاحظ لو قلت والله رؤوف بعباده ألا تجد أن المعنى سيكون قاصراً على فئة من العباد دون غيرها إن التعريف في كلمة (العباد) بـ (أل) أفاد الاستغراق فرأفة الله تعالى شاملة لكل الناس مسلمهم وكافرهم.
آية (30):
* هل أفردت الرأفة عن الرحمة في القرآن؟ (د.فاضل السامرائى)
فقط في موطنين في القرآن كله قال: (والله رؤوف بالعباد) في موطنين: في سورة البقرة: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ (207) البقرة) وفي سورة آل عمران: (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَاللّهُ رَؤُوفُ بِالْعِبَادِ (30)) ما قال تعالى رؤوف رحيم. فلماذا؟
لو لاحظنا السياق الذي وردت فيه الآيتان يتوضح الأمر. في سورة البقرة قال تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ (205) وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ (206) وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ (207) البقرة) السياق لا يحتمل رحمة لما يقول (فحسبه جهنم) كيف يناسب الرحمة؟ لا يناسب ذكر الرحمة. في الآية الثانية قال تعالى: (لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللّهِ (28) آل عمران) مقام تحذير وليس مقام رحمة ولا يتناسب التحذير مع الرحمة لأن التحذير يعني التهديد. فقط في هذين الموضعين والسياق اقتضاهم أفردت الرأفة عن الرحمة.
آية (33):
*ما الفرق بين اصطفى واختار؟ (د.فاضل السامرائى)
الاختيار هو أن تختار من غير متشابهات كأن أختار قلماً من بين ورقة وكتاب وقلم (وربك يخلق ما يشاء ويختار). أما الاصطفاء فهو أن أختار من بين أشياء متناظرة متشابهة (إن الله اصطفى آدم) اصطفاه من متناظرين.
آية (35):
* ما الفرق بين (يتقبل من) و(يتقبل عن) في الحديث عن التوبة ؟(د.حسام النعيمى)
القبول هو أخذ الشيء برضى. التوبة هي الإنابة إلى الله سبحانه وتعالى. كلُ إنسان معرّض للخطأ وخير الخطائين التوابون. فالتوبة هي الكفّ عن المخالفة و العودة إلى طاعة الله سبحانه وتعالى.
استعمال (عن) بدل (من):كلمة (عن) تستعمل حينما يكون الكلام هو عودة إلى الله سبحانه وتعالى والمتكلِم المباشر هو الله سبحانه وتعالى أو هو معلوم عن طريق الغيبة لما يقول (هو) يعني الله سبحانه وتعالى عبّر عنها بصيغة الغيبة لرفع الشأن والمقام من حيث اللغة.
الفرق بين (عن الشيء) و(من الشيء):عندما نقول: “فلان كان يمشي بسيارته وخرج من الطريق السريع” معناه وجد منفذاً متصل بالطريق السريع وخرج. لكن لو قيل لك: “فلان بسيارته خرج عن الطريق السريع” معناه انحرف كأنما انقلبت سيارته. هذه الصورة الآن نحن نفهمها بعد ألف عام فكيف كان العربي يفهم الفرق بين من وعن؟.
(عن) لمجاوزة الشيء، (من) لابتداء الغاية كأنه ابتدأت غايته من الطريق. مع (من) كأنه تبقى الصِلة هناك شيء ولو صلة متخيلة أما (عن) ففيها انقطاع (يضلون عن سبيل الله) أي لا تبقى لهم صلة. فما فائدة هذه القطيعة؟ القطيعة مقصودة مرادة. التوبة ترتقي إلى الله سبحانه وتعالى ولو قيل في غير القرآن (يقبل التوبة من عباده) كأن الإثم الذي تاب عنه يبقى متصلاً به. وهذه التوبة يتخيل الإنسان صورة مادية للصلة بالله سبحانه وتعالى والصلة
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْرًا لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الضَّآلُّونَ (90) آل عمران) بناها للمجهول (بناها للمفعول) ولم يأت بحرف جرّ، ما قال لم يقبل الله توبتهم لأنهم لا يستحقون أن يذكر معهم اسم الله تعالى. هذه التوبة الموجودة عنهم لا تقبل لا منهم ولا عنهم ولا لهم لأنهم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفراً.
(وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85) آل عمران) الذي يصدر عنه أي دين لا يُقبل منه، يقال أنه لا يوجد إنسان بلا دين حتى الملحد دينه الإلحاد لأن الدين هو أن تدين بشيء. والإسلام هو دين الأنبياء جميعاً لكن مع مراعاة أن إسلام أي نبي هو لزمانه فالنبي التابع الذي بعده ينبغي أن يتبعه أتباع النبي السابق حتى يصل الأمر إلى خاتم الأنبياء (صلى الله عليه وسلم).
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ الأرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ (91) آل عمران) بناها للمجهول، (فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا (37) آل عمران) لم يعدّيها وإنما تقبلها هي، (إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (35) آل عمران) ليس من كلام الله المباشر على لسان الباري سبحانه وتعالى وإنما على لسان البشر.
آية (36):
*(وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (36) آل عمران) انظر إلى التوكيد بـ (إنّ) في (وإني أعيذها) مع أن المقام مستعمل في إنشاء الدعاء فما الظل الذي يلقيه هذا التأكيد على العبارة؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
إن مجيء مريم بنتاً خلافاً لما كانت ترجو أمها وتأمل يؤذن بأنها ستُعرِض عنها فلا تشتغل بها فقالت (وإني أعيذها) مؤكدة هذا الخبر والدعاء بإظهار الرضى بما قدّر الله تعالى لها ولذلك انتقلت إلى الدعاء لها تعبيراً عن الرضى والمحبة.
*ما اللمسة البيانية في تقديم شبه الجملة (عليها زكريا) في قوله تعالى في سورة آل عمران: (فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَـذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ {37})؟
*(ورتل القرآن ترتيلاً):
قال تعالى: (وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا (37) آل عمران) انظر كيف شبّه الله تعالى إنشاءه مريم بإنبات النبات الغضّ على طريق من الاستعارة زيادة في لطف الله تعالى بمريم والعناية بها أضف إلى ذلك أنه أورد أنبت بالتعدية وجعل من ذاته فاعلاً لفعل الإنبات وما ذلك إلا تشريفاً وتعظيماً لقدرها الشريف.
(قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ (37) آل عمران) لقد سبق الجواب استفهام عن المكان (أنّى لك هذا) أي من أين لك هذا؟ فكان الجواب من جنس الاستفهام بإيراد ما يدل على المكان (عند). لكن كان يجزئها أن تقول (من الله) ويفهم السامع المقصود لكن جاءت الآية بالضمير (هو) لدلالة التعظيم والتفخيم لرزق الله تعالى ثم جاءت بلفظ (عند) لتدل على نسبة الرزق إلى الله تعالى.
آية (37):
*قال تعالى في مريم عليها السلام: (وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا (37) آل عمران) المفروض أن يقال إنباتاً، ما اللمسة البيانية؟(د.فاضل السامرائى)
أحياناً نأتي بالفعل ونأتي بمصدر فعل آخر كما في قوله تعالى: (وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا (17) نوح) لم يقل إنباتاً لكن هذا يكون لغرض. إذا كان الفعلان بمعنى واحد أو حتى لم يكونا بمعنى واحد يكون لغرض آخر مثل قوله تعالى: (وتبتل إليه تبتيلا) المفروض تبتّلاً. تبتيل مصدر بتّل وبتل غير تبتّل تماماً والمعنى مختلف. ليجمع المعنيين يأتي بالفعل للدلالة ويأتي بالمصدر من فعل آخر من دلالة أخرى فيجمع بينهما حتى يجمع المعنيين. فبدل أن يقول: وتبتل إليه تبتلاً وبتّل نفسك إليه تبتيلاً يقول: (وتبتل إليه تبتيلاً) فيجمع المعنيين وهذا من أعجب الإيجاز. هذه الآية (وَاذْكُرِ اسم رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا (8) المزمل) فيها أمور في غاية الغرابة في الإيجاز. في مريم قال: (فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا (37) آل عمران) لم يقل إنباتاً لأنه لو قال إنباتاً هو الله تعالى أنبتها, فالمنبِت هو الله تعالى لم يجعل لها فضلاً لكن أنبتها فنبتت نباتاً حسناً جعل لها من معدنها الكريم قبول هذا النبات وأنبتها فنبتت نباتاً حسناً أي طاوعت هذا الإنبات فجعل لها قبول، فجعل لها فضل في معدنها الكريم. بينما لو قال إنباتاً لم يجعل لها فضلاً رب العالمين أنبتها يفعل ما يشاء، لكن نباتاً جعل لها فضلاً، هي نبتت وجهل لها فضلاً فنبتت نباتاً حسناً فجعل لها في معدنها قبول لهذا النبات فنبتت نباتاً حسناً.
*ما اللمسة البيانية في تقديم شبه الجملة (عليها زكريا) في قوله تعالى في سورة آل عمران: (فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَـذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ {37})؟ (د.فاضل السامرائى)
قاعدة نحوية: يقول سيبويه في التقديم والتأخير: يقدمون الذي هو أهمّ لهم وهم أعنَى به.
والتقديم والتأخير في القرآن الكريم يقرره سياق الآيات فقد يتقدم المفضول وقد يتقدم الفاضل. والكلام في الآية في سورة آل عمران والآيات التي سبقتها في مريم عليها السلام وليس في زكريا ولا في المحراب لذا قدّم عليها لأن الكلام كله عن مريم عليها السلام.
*ما سر الاختلاف في استعمال (وكفّلها زكريا) (فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا (37) آل عمران) بالتضعيف و(أكفلنيها) بالهمزة (إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ (23) ص)؟(د.حسام النعيمى)
هي من الكفالة. الكافل الذي يتولى التربية والرعاية والتوجيه هذا الكافل فهو قد كفله هذا المولود أو الإنسان. لما يُضعّف (كفّلها) كفّلت مثل علّمت فيه معنى التكثير والمبالغة والتدرج. لما أُكفّل شيئاً معناه أتدرج في تربيته وأتدرج في أمره. (وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا) جعله يكفلها مع التشدد مع أنه يتدرج في كفالتها.
في سورة ص أكفلها : مجرد إيصال الكفالة. (أكفلينها) يعني أعطني هذه النعجة أجعلها مع نعاجي أي أكفلنى إياها.
آية (38):
*(هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً (38) آل عمران) لماذا أخّر زكريا الدعاء إلى هذا الوقت وفي هذا المقام أي وقت رؤيته لأمر خارق في رزق مريم؟ (ورتل القرآن ترتيلاً)
تأمل وانظر إلى الآية السابقة كيف نبّهته إلى الدعاء مشاهدة خوارق العادة مع قول مرسم (هو من عند الله) فلذلك عمد إليه بطلب الولد في غير أوانه مع ما يتناسب مع عطاء الله تعالى لمريم في غير أوانه.
آية (39):
*ورتل القرآن ترتيلاً:
قال تعالى: (فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ (39) آل عمران) انظر إلى الأسلوب الذي جاءت به البشرى لزكريا كيف بدأت الآية بالفاء العاطِفة إيذاناً بسرعة الإجابة لدعاء زكريا. ثم عبّر عن البشرى بالنداء وكأنه نداء من بعيد تعبيراً عن فرح الملائكة العظيم باستجابة الله تعالى لدعاء زكريا.
ما سبب التذكير مرة والتأنيث مرة مع الملائكة في القرآن الكريم؟(د.فاضل السامرائى)
قال تعالى في سورة ص: (فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ {73}) بالتذكير، وفي سورة آل عمران (فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِّنَ الصَّالِحِينَ {39}) جاءت الملائكة بالتأنيث.
الحكم النحوي: يمكن أن يؤنّث الفعل أو يُذكّر إذا كان الجمع جمع تكسير كما في قوله تعالى (قالت الأعراب آمنا) و(قالت نسوة في المدينة) فيجوز التذكير والتأنيث من حيث الحكم النحوي.
اللمسة البيانية: أما لماذا اختار الله تعالى التأنيث في موطن والتذكير في موطن آخر فهو لأن في الآيات خطوط تعبيرية هي التي تحدد تأنيث وتذكير الفعل مع الملائكة. وهذه الخطوط هي:
1. في القرآن الكريم كله كل فعل أمر يصدر إلى الملائكة يكون بالتذكير (اسجدوا، أنبئوني، فقعوا له ساجدين)
2. كل فعل يقع بعد ذكر الملائكة يأتي بالتذكير أيضاً كما في قوله تعالى (والملائكة يدخلون عليهم من كل باب) و(الملائكة يشهدون) (الملائكة يسبحون بحمد ربهم)
3. كل وصف اسمي للملائكة يأتي بالتذكير (الملائكة المقرّبون) (الملائكة باسطوا أيديهم) (مسوّمين، مردفين، منزلين)
4. كل فعل عبادة يأتي بالتذكير (فسجد الملائكة كلهم أجمعين) (لا يعصون الله ما أمرهم) لأن المذكر في العبادة أكمل من عبادة الأنثى ولذلك جاء الرسل كلهم رجالاً.
5. كل أمر فيه شِدّة وقوة حتى لو كان عذابين أحدهما أشدّ من الآخر فالأشدّ يأتي بالتذكير (ولو ترى إذا يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم وذوقوا عذاب الحريق) (يتوفى) جاءت بالتذكير لأن العذاب أشد (وذوقوا عذاب الحريق) أما في قوله تعالى (فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم) (تتوفاهم) جاءت بالتأنيث لأن العذاب أخفّ من الآية السابقة. وكذلك في قوله تعالى (ونزّل الملائكة تنزيلا) بالتذكير وقوله تعالى (تتنزّل عليهم الملائكة) بالتأنيث وقوله (تنزل الملائكة والروح فيها من كل أمر) بالتأنيث.
6. لم تأت بشرى بصيغة التذكير أبداً في القرآن الكريم فكل بشارة في القرآن الكريم تأتي بصيغة التأنيث كما في قوله تعالى (فنادته الملائكة) و(قالت الملائكة)
*ما الفرق التعبيري والبياني بين قصة زكريا عليه السلام في سورتي مريم وآل عمران ولماذا جاء في إحداها ثلاث ليال وفي الأخرى ثلاثة أيام؟ (د.فاضل السامرائى)
إذا استعرضنا الآيات في كلتا السورتين نجد فروقات؛ منها: ثلاث ليال وثلاثة أيام، وسبحوا بكرة وعشيا (نكرة) واذكر اسم ربك وسبح بالعشي والإبكار (معرّفة)، وتقديم مانع الذرية من جهة زكريا على جهة زوجته في آية وتأخيرها في الثانية، وذكر الكبر مرة أنه بلغه ومرة أن زكريا بلغه، وتقديم العشي على الإبكار مرة وتأخيرها مرة، وطلب الله تعالى من زكريا التسبيح له مرة وطلب زكريا من قومه التسبيح لله، وسياق الآيات في السورتين يدل على أمور أخرى، وهنالك أكثر من مسألة تجعل المشهدين متقابلين تقابل الليل والنهار وسنستعرض كل منها على حدة فيما سيتقدم:
قال تعالى في سورة مريم: (ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا {2} إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاء خَفِيّاً {3} قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً {4} وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً {5} يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً {6} يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيّاً {7} قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيّاً {8} قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً {9} قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيّاً {10} فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيّاً {11}) وقال في سورة آل عمران: (هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء {38} فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِّنَ الصَّالِحِينَ {39} قَالَ رَبِّ أَنَّىَ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ {40} قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّيَ آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزاً وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ {41})
الفرق بين ليال وأيام: اليوم هو من طلوع الشمس إلى غروبها (باختلاف المفهوم المستحدث السائد أن اليوم يشكل الليل والنهار)، أما الليل هو من غروب الشمس إلى بزوغ الفجر. وقد فرّق بينها القرآن في قوله تعالى في سورة الحاقة: (سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ {7}) وهذا هو التعبير الأصلي للغة. وفي آية سورة آل عمران لا يستطيع زكريا (عليه السلام) أن يكلّم الناس ثلاث أيام بلياليهن لكن جعل قسم منها في سورة آل عمران وقسم في سورة مريم.
هناك مقدمات للقصة جعله يختار الليل في سورة مريم وهي:
النداء الخفي (إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاء خَفِيّاً {3}) هذا النداء الخفي يذكّر بالليل لأن خفاء النداء يوحي بخفاء الليل فهناك تناسب بين الخفاء والليل.
ذكر ضعفه وبلوغ الضعف الشديد مع الليل (قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً) وكلمة عتيّا تعني التعب الشديد وقد ذكر في آيات سورة مريم مظاهر الشيخوخة كلها مع الليل مل لم يذكره في آل عمران لأن الشيخوخة تقابل الليل وما فيه من فضاء وسكون والتعب الشديد يظهر على الإنسان عندما يخلد للراحة في الليل، أما الشباب فيقابل النهار بما فيه من حركة.
ويذكر في سورة مريم (يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ) يعني بعد الموت والموت هو عبارة عن ليل طويل ولم يذكر هذا الأمر في آل عمران.
والآن نأتي إلى صلب الموضوع:
هناك أمر أساسي لو نظرنا في ورود الآيتين في السورتين نجد أن البشارة بيحيى في سورة آل عمران (أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِّنَ الصَّالِحِينَ) أكبر وأعظم مما جاء في سورة مريم (يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيّاً {7}) كان التفصيل بالصفات الكاملة في آل عمران ليحيى أكثر منها في سورة مريم وهذه البشارة لها أثرها بكل ما يتعلق بباقي النقاط في الآيتين.
ومما لا شك فيه أن عِظم البشارة يقتضي عظم الشكر لذا قال في آل عمران (آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزاً) وفي مريم (قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيّاً) فاليوم أبين من الليل بإظهار هذه الآية والذكر في الليل أقل منه في النهار والآية أظهر وأبين في النهار من الليل.
طلب الله تعالى من زكريا (عليه السلام) ذكر ربه والتسبيح في آل عمران (وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ)، وفي مريم زكريا (عليه السلام) هو الذي طلب من قومه أن يسبحوا الله بكرة وعشيا (فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيّاً) وتسبيح زكريا أدلّ على شكره لله تعالى من تسبيح قوم زكريا.
طلب الله تعالى من زكريا (عليه السلام) أن يذكره كثيرا (وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيراً) وهذا مناسب لعِظم البشارة وطلب منه الجمع بين الذكر الكثير والتسبيح (وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَار) أما في مريم فقال تعالى على لسان زكريا مخاطباً قومه: (فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيّاً). إذن في آية آل عمران ذكر وتسبيح كثير ويقوم به زكريا نفسه وهو أدلّ على عِظم الشكر لله تعالى.
زكريا (عليه السلام) قدّم مانع الذرية في آل عمران من جهته على جهة زوجته (قَالَ رَبِّ أَنَّىَ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ {40}) وهذا ناسب أمره هو بالذكر والتسبيح، أما في مريم فقدّم مانع الذرية من زوجته على الموانع فيه (قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيّاً {8}) وهذا ناسب الأمر لغيره بالتسبيح
وفي آل عمران قال: (وَامْرَأَتِي عَاقِر) أما في سورة مريم فقال: (وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً) ونسأل ما الداعي لتقديم المانع في كل سورة على الشكل الذي ورد في السورتين؟ نقول أن العقر إما أن يكون في حال الشباب أو أنه حدث عند الكبر أي انقطع حملها وفي آل عمران (وامرأتي عاقر) يحتمل أنه لم تكن عاقراً قبل ذلك هذا من حيث اللغة، أما في سورة مريم (وكانت امرأتي عاقرا) تفيد أنها كانت عاقراً منذ شبابها فقدّم ما هو أغرب. والعقيم في اللغة هي التي لا تلد مطلقاً.
البشارة جاءت في آية آل عمران لزكريا وهو قائم يصلي في المحراب (فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـى) ولم ترد في آية سورة مريم فلم يذكر فيها أنه كان قائماً يصلي في المحراب وإنما وردت أنه خرج من المحراب (فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ) فذكر في آل عمران الوضعية التي تناسب عِظم البشارة.
قدّم العشي على الإبكار في آية سورة آل عمران: (وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَار) على خلاف آية سورة مريم (بُكْرَةً وَعَشِيّاً). لمّا ذكر الليل في سورة مريم (ثلاث ليال) قدّم بكرة على عشيا (أن سبحوا بكرة وعشيا) لأن البكرة وقتها من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس والعشي وقتها من صلاة الظهر إلى المغرب فعندما ذكر الليل ناسب ذكر البكرة لأنها تأتي مباشرة بعد الليل ثم تأتي العشية ولو قال عشياً أولاً لكانت ذهبت فترة بكرة بدون تسبيح. أما في آل عمران (ثلاثة أيام) وجب تقديم العشي على الإبكار ولو قال بكرة وعشيا لذهبت البكرة والعشي بدون تسبيح فقدّم ما هو أدلّ على الشكر في الآيتين.
لماذا جاءت بكرة وعشيا نكرة في سورة مريم ومعرفة في آل عمران: (بالعشي والإبكار)؟ ال تفيد العموم لا الخصوص والمقصود بـ (العشي والإبكار) على الدوام وهي أدلّ على الدوام عظم الشكر لذا ناسب مجيئها في آية آل عمران لتناسب عظم البشارة وما تستوجبه من عظم الشكر.
ونسأل لماذا لم يقل صباحاً ومساء؟ لأن الصباح والمساء يكون في يوم بعينه.
وذكر في آل عمران أن الكِبر بلغه (وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ) فكأن الكبر يسير وراءه حثيثاً حتى بلغه فالكِبر هنا هو الفاعل، أما في سورة مريم (وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيّاً) فكأنه هو الذي بلغ الكِبر وهذا يدل على اختلاف التعبير بين السورتين.
* ما معنى قوله تعالى في سورة آل عمران: (فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (39))؟(د.حسام النعيمى)
كلمة السيّد هو النبيل الكريم المالك أحياناً يعني سيكون وجيهاً في قومه هذا معنى السيّد. الحصور هو من حصر النفس عن ارتكاب الشهوات أي أنه سيُلزِم نفسه بأن يكون عفيفاً. من تكوينه، من صغره سيحصر نفسه عن ما لا ينبغي أن يرتكبه واستعملت صيغة فعول التي هي للتكثير والمبالغة: مثل حاصر حصور مثل غافر غفور.
*ما دلالة الاستفهام ب(أنّى)؟ (ورتل القرآن ترتيلاً)
في قوله تعالى: (قَالَ رَبِّ أَنَّىَ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ (40) آل عمران) المعنى المراد كيف يكون لي غلام؟ وجاءت الآية من باب التعجب وليس من باب الشك في صدق الوعد. لكن الآية لم تستفهم بـ (كيف) الحالية وإنما استخدمت (أنّى) فهل يمكنك أن تستخلص معنى المكان الذي وضعت (أنّى) له؟ إنهما مكانان وليس مكاناً واحداً وهما الكِبر عدم الإنجاب فيتعذر في هذين المكانين الولادة.
* ما الفرق بين كلمة ولد وغلام واستخدام الفعل يفعل ويخلق في قصتي زكريا ومريم؟(د.فاضل السامرائى)
قال تعالى في سورة آل عمران: (فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (39) قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (40)) في تبشير زكريا (عليه السلام) بيحيى (عليه السلام).
وقال تعالى في سورة آل عمران: (إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (45) قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (47)) في تبشير مريم بعيسى (عليه السلام).
*وإذا سألنا أيهما أيسر أن يفعل أو أن يخلق؟ الجواب أن يفعل ونسأل أحدهم لم تقعل هذا فيقول أنا أفعل ما أشاء لكن لا يقول أنا أخلق ما أشاء. فالفعل أيسر من الخلق .
*ثم نسأل سؤالاً آخر أيهما أسهل الإيجاد من أبوين أو الإيجاد من أم بلا أبّ؟ يكون الجواب بالتأكيد الإيجاد من أبوين وعليه جعل تعالى الفعل الأيسر (يفعل) مع الأمر الأيسر وهو الإيجاد من أبوين، وجعل الفعل الأصعب (يخلق) مع الأمر الأصعب وهو الإيجاد من أم بلا أبّ.
أما ما يتعلق باستخدام كلمة ولد أو غلام: إن الله تعالى لمّا بشّر زكريا بيحيى قال تعالى (أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى (39)) فكان ردّ زكريا: (قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ (40)) لأن البشارة جاءت بيحيى ويحيى غلام فكان الجواب باستخدام كلمة غلام. أما لمّا بشر مريم بعيسى قال تعالى: (إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ (45)) فجاء ردّها (قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ (47))جاء في الآية (كلمة منه) والكلمة أعمّ من الغلام ولمّا كان التبشير باستخدام (كلمة منه) جاء الردّ بكلمة ولد لأن الولد يُطلق على الذكر والأنثى وعلى المفرد والجمع وقد ورد في القرآن استخدامها في موضع الجمع (وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا (39) الكهف).
آية (40):
* ما الفرق بين العقيم والعاقر؟(د.حسام النعيمى)
كلاهما امتناع الحمل أو الإنجاب, لكن انظر إلى لغة العرب. كيف ننطق الراء؟ الفم مفتوح والراء يتكرر، والميم: الفم مقفل مجرى النطق الطبيعي أُغلق ويخرج الصوت من الأنف غنّة من الأنف. ويقال لقحت الناقة عن عُقر، يعني ناقة مضى عليها زمن لم تحمل ثم حملت قالوا هذه عاقر. عقر بالراء لأن الراء أهون من الميم وليس فيها غلق. إذن العقر قد يعقبه حمل. (قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (40) آل عمران) لما قال عاقراً يمكن أن تحمل. لما دعا الله كان يتوقع أن يستجيب الله تعالى له لكن مع ذلك لما فوجيء بأن ما دعا به الله صار صار مستغرباً (وكانت امرأتي عاقراً) والعاقر يمكن أن تحمل.
العُقم هو الداء الذي لا يُبرأ منه وكلمة العقم لا نتيجة من ورائه. يقال رحمٌ معقومة أي مسدودة لا تنفتح ولا تلد. ويقال ريح عقيم لا تلقح سحاباً ولا شجراً ويوم القيامة يوم عقيم لأنه لا يوم بعده. الآن يستعملون معالجة العقم هذا استعمال محدث، العقر يعالج لكن العقم فليس هناك مجال في الإنجاب.
آية (41):
* ما الحكمة في طلب زكريا عليه السلام أن يجعل الله تعالى له آية: (قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّيَ آيَةً (41) آل عمران)؟ (د,فاضل السامرائى)
أولاً قد يكون للاطمئنان كما قال سيدنا إبراهيم (وَإِذْ قَالَ إبراهيم رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي (260) البقرة) احتمال كبير أنها لاطمئنان القلب والآية تعني علامة تدل على هذا الأمر ليطمئن قلبي وتثبت قلبي. ليس فيها شيء أن يطلب زكريا الاطمئنان كما فعل سيدنا إبراهيم والأمر الثاني أن يتلقى النعمة بالشكر قبل حصول الآية يبدأ بشكر هذه النعمة التي سينعم بها الله سبحانه وتعالى على زكريا بأن يهب له غلاماً ما أراد أن ينتظر إلى حين مجيء الغلام وإنما أراد أن يسبق هذا بالشكر عند ظهور الآية بمجيء الغلام فيبدأ بشكر الله سبحانه وتعالى ولا يؤخرها فهذه علامة الحصول فيبدأ بالشكر ولا يؤخرها إلى حين مجيء الآية واستعجال السرور أيضاً يريد أن يرى التأييد مباشرة حتى تدخل السرور على قلبه.
*ما دلالة جمع المذكر في قوله تعالى: (يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (43) آل عمران)؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
إن المخاطَب بهذا الأمر هو مريم وكان حريّاً أن تخاطبها الملائكة بقولهم: واركعي مع الراكعات ولا يخفى أن في ذلك إشارة واضحة إلى فضل السيدة مريم عليها السلام بالإذن لها بالصلاة مع الجماعة وهذه خصوصية لها من بين نساء بني إسرائيل إظهاراً لمعنى ارتفاعها عن النساء وهذا هو السر في مجيء (الراكعين) بصيغة المذكر لا المؤنث.
آية (43):
*ما دلالة تقديم السجود على الركوع في الخطاب لمريم؟ (د.فاضل السامرائى)
الأحكام تُذكر عموماً للإناث والذكور إلا إذا كان الحكم خاصاً بالنساء مثل قوله تعالى مخاطباً مريم في سورة آل عمران: (يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ {43}) وفي تأخير الركوع هنا دلالة مع أنه يأتي قبل السجود في الصلاة وهذا لأنه تعالى جاء بالكثرة قبل القِلّة لأن في كل ركعة سجدتين وركوع واحد لذ قدّم السجود على الركوع في الآية. وفي الأحكام على المرأة الاقتداء بالرجال مع التخفّي.
* لماذا وردت كلمة (وَاسْجُدِي) التي وردت لمريم مرة واحدة في القرآن؟ (د.فاضل السامرائى )
لم تتكرر لأنه لو خاطب أيّ أنثى أخرى وأمرها بالسجود لقال اسجدي وهناك كلمات عديدة لم تتكرر في القرآن مثل الصمد والنفاثات والفلق وغاسق ووقب وضيزى ولو اقتضى الأمر لكررها.
* ما اللمسة البيانية في ترتيب القنوت والركوع والسجود في الآية: (يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (43) آل عمران)؟ (د.فاضل السامرائى)
أما اللمسة البيانية في الآية: (يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ) هذه كلها لم تتكرر لأنه لم يخاطب بها أنثى لكن هذه الآية متدرجة من الكثرة إلى القلة، اقنتي عموم العبادة في الأصل، قنت أي عبد وخضع (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا (9) الزمر)، واسجدي أقل من القنوت واركعي أقل لأن السجود أكثر من الركوع ولكل ركعة سجدتان وهناك سجود ليس في الصلاة كسجود السهو والتلاوة والشكر فالسجود أكثر من الركوع. لماذا التدرج من الكثرة إلى القلة؟ في آية أخرى تدرج من القلة إلى الكثرة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77) الحج). في الآية قال واركعي مع الراكعين والراكعين مذكّر وصلاة المرأة في بيتها أكثر، لمّا قال مع الراكعين (مع الرجال في المساجد) مفضولة ولو صلّت في بيتها لكان أفضل. لما قال مع الراكعين أخّرها وقدّم ما هو أفضل. الرسول (صلى الله عليه وسلم) قال لا تمنعوا النساء مساجد الله لكن صلاتها في البيت أفضل. في آية أخرى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) بدأ من القلة إلى الكثرة وهذا بحسب ما يقتضيه السياق.
آية (45):
* ما اللمسة البيانية في ذكر عيسى مرة والمسيح مرة وابن مريم مرة في القرآن الكريم؟ (د.فاضل السامرائى)
لو عملنا مسحاً في القرآن الكريم كله عن عيسى نجد أنه يُذكر على إحدى هذه الصيغ:
المسيح: ويدخل فيها المسيح ، المسيح عيسى ابن مريم، المسيح ابن مريم (لقبه)
عيسى ويدخل فيها: عيسى ابن مريم وعيسى (اسمه)
ابن مريم (كُنيته)
حيث ورد المسيح في كل السور سواء وحده أو المسيح عيسى ابن مريم أو المسيح ابن مريم لم يكن في سياق ذكر الرسالة وإيتاء البيّنات أبدأً ولم ترد في التكليف وإنما تأتي في مقام الثناء أو تصحيح العقيدة. (إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (45) آل عمران) (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (157) النساء) (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (17) المائدة) وكذلك ابن مريم لم تأتي مطلقاً بالتكليف (وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آَيَةً وَآَوَيْنَاهُمَا إلى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ (50) المؤمنون) (وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (57) الزخرف).
أما عيسى في كل أشكالها فهذا لفظ عام يأتي للتكليف والنداء والثناء فهو عام (وَقَفَّيْنَا عَلَى آَثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآَتَيْنَاهُ الإنجيل فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (46) المائدة) (ذَلِكَ عيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (34) مريم) ولا نجد في القرآن كله آتيناه البينات إلا مع لفظ (عيسى) (وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (63) الزخرف) ولم يأت أبداً مع ابن مريم ولا المسيح. إذن فالتكليف يأتي بلفظ عيسى أو الثناء أيضاً وكلمة عيسى عامة (إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (112) المائدة) فالمسيح ليس اسماً ولكنه لقب وعيسى اسم أي يسوع وابن مريم كنيته واللقب في العربية يأتي للمدح أو الذم والمسيح معناها المبارك. والتكليف جاء باسمه (عيسى) وليس بلقبه ولا كُنيته.
*(قَالَ كَذَلِكِ اللّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاء (47) آل عمران) لِمَ عبّر الله تعالى عن تكوين عيسى (عليه السلام) بالفعل (يخلق) بينما عبر عن تكوين يحيى بالفعل (يفعل) في قوله (كذلك الله يفعل ما يشاء)؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
عبّر الله تعالى عن تكوين عيسى (عليه السلام) بالفعل يخلق لأنه إيجاد كائن من غير الأسباب المعتادة ولو كان بالوسائل المعتادة لأورد الفعل يفعل أو يصنع كما في الآية السابقة في جواب الملائكة لزكريا (كذلك الله يفعل ما يشاء).
آية (47): *في سورة آل عمران قال تعالى: (كذلكِ الله يخلق ما يشاء) وقال في آية أخرى: (كذلكَ الله يفعل ما يشاء) فلماذا جاءت (كذلكِ) الأولى بالكسر؟ (د.فاضل السامرائى )
كذلك هو في الأصل لمخاطبة المذكر وقد تستعمل عامة لكن الأصل أن يقال ذلكَ بفتح الكاف للمخاطب المذكر وذلكِ للمخاطبة وذلكما للمثنى وذلكنّ لجمع المؤنث وذلكم لجمع المذكر. قال الشاعر (قد ظفرت بذلكِ) يخاطب المرأة. ذا اسم الإشارة للمشار إليه والكاف للمخاطب، ذلكَ المخاطب رجل وذلكِ المخاطب أنثى وليس له علاقة بالمشار إليه نفسه. (فذلكن الذي لمتنني فيه) في سورة يوسف المخاطب جمع النسوة، ذا اسم الإشارة ليوسف و (لكنّ) لمجموعة النسوة، (فذانك برهانان من ربك). أسماء الإشارة هي التي تتغير أما الكاف فهي للمخاطب (أولئكَ رجال) المخاطب واحد. قد تستعمل الكاف المفتوحة للجمع لكن إذا أراد أن يخصص يستعمل الكاف المفتوحة للمخاطب المفرد وذلكِ للمخاطبة المفردة وليس لها علاقة بالمشار إليه.
*(وَأُبْرِىءُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِـي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ) لِمَ خصّ الله تعالى معجزة عيسى عليه السلام بشفاء هذه الأمراض؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
إنك لو عدت إلى التوراة لوجدت اهتماماً بالغاً في أحكام الأبرص الذي أطال في بيانها بعدما وصفه الوحي لموسى (عليه السلام) وكيف يمكن علاجه فجاءت هذه المعجزة فائدة لهم في دينهم ودنياهم ودليلاً آخر على فقه عيسى (عليه السلام) بالتوراة وأحكامها.
آية (49):
*ما معنى الخلق في الآية الكريمة؟ (د.فاضل السامرائى)
الخلق له معاني وقد ينسب إلى الإنسان تقول خلقت هذا الشيء كما قال عيسى: (أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللّهِ (49) آل عمران) يأتي بمعنى التصوير.
* هل العرب كانت تفهم هذا الكلام؟(د.فاضل السامرائى)
من حيث اللغة العرب تفهم الفرق بين أوتي وأُنزل بالمعنى العام لكن هنا تأتي لنما نقرأ القرآن ونعلم أن موسى أوتي آيات حتى يُلزِم فرعون وقومه الحُجّة ألزمهم بما آتاه وليس بما أُنزل إليه. وموسى (عليه السلام) أُنزِل عليه بعد خروجه من مصر. هو أظهر معجزته وليس الكتاب لأن الألواح أخذها بعد أن خرج من مصر. الأمر كان يتعلق بالإيتاء وليس بالإنزال بالنسبة لموسى يتعلق بالمعجزة كالعصا واليد في تسع آيات. وعيسى (عليه السلام) كان يتحداهم بالآيات وليس بما أُنزل إليه (وَرَسُولاً إلى بَنِي إسرائيل أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللّهِ وَأُبْرِىءُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِـي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (49) آل عمران) لم يتحداهم أبداً بما أُنزل وإنما بما أُوتي وهما الوحيدان فيما ذكر دعوتهما بالتحدي بما أوتوا وليس بالإنزال.
*أربعة مدلولات لفظية تنزّه الله تعالى وتثبت صفاته وتنفي ألوهية عيسى عليه السلام كما يدّعيها البعض:( الشيخ خالد الجندي)
قال تعالى في سورة آل عمران: (وَرَسُولًا إلى بَنِي إسرائيل أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (49)) هذه الآية حملت تنزيهاً كاملاً لله تعالى وإثباتاً لصفاته ونفياً أن تكون هذه الأفعال لعيسى (صلى الله عليه وسلم) بأربعة مدلولات لفظية هي:
أولاً: قوله: (ورسولاً إلى بني إسرائيل أني قد جئتكم) كونه (عليه السلام) رسول يقتضي مرسِلاً فعيسى (عليه السلام) هو مرسَل وليس مرسِل فإذا كان مرسَلاً فلا بد أن يكون هناك من أرسله وهو الله تعالى. إذن كل الأفعال التي تؤيد صدق الرسالة لا بد أن تكون ممن أرسله لا من الرسول نفسه والمعجزات التي صاحبت عيسى (عليه السلام) هي من قِبل الله تعالى وليس من نفسه.
ثانياً: قوله تعالى: (أني قد جئتكم بآية من ربكم) الآية هي المعجزة والعلامة والبرهان فالذي جاء به عيسى (عليه السلام) هو آية من الله تعالى لذا قال: (من ربكم) واختيار لفظ من ربكم ليستثير الإيمان فيهم ونوازع اليقين ونلاحظ الفرق بين استعمال كلمة ربكم في هذه القصة واستعمال كلمة (الله) في قصة موسى مع بني إسرائيل (إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة) وهذا لأن بني إسرائيل يميلون إلى التكذيب والاعتراض لذا جاءت الآيات كلها تشير إلى أن الأمر من الله تعالى: (إن الله يأمركم، إنه يقول).
ثالثاً: قوله: (أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ ) قوله: (بإذن الله) نقلت الفعل من دائرة الإمكان بالنسبة لعيسى إلى دائرة القدرة والاستطاعة لله تعالى.
رابعاً: قوله تعالى: (وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ) تكرير قوله (بإذن الله) تنسب الفعل إلى الله تعالى وهذا يدل على أن المعجزات كانت من قبل الله تعالى وليس من قِبل عيسى (عليه السلام).
*ما الفرق بين المعجزة والكرامة والخارقة؟(الشيخ خالد الجندي)
المعجزة: هي أمر خارق للعادة يجريه الله تعالى على أيدي الأنبياء إذا أرسلهم لأحد من خلقه وشرحها علماء التوحيد بأنها أمر خارق للعادة يقترن بدعوى النبوة . وللمعجزة شروط هي :
1. أنها قد تتكرر وتكون مصاحبة لدعوة النبوة .
2. ومن شروطها أن يبيّن النبي من فعل هذه المعجزة وينسبها لله تعالى وكل الأنبياء في القصص القرآني نسبوا المعجزات إلى الله تعالى (ناقة الله وسقياها) (رحمة من ربي) (وما فعلته عن أمري) (هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر) وفي قصة الإسراء والمعراج قال تعالى (سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً).
3. والشرط الأخير أن تكون المعجزة من جنس ما برع به القوم في زمن النبي الذي تجري المعجزة على يديه (بنو إسرائيل اشتهروا بالسحر في زمن موسى (عليه السلام)، وفي زمن عيسى (عليه السلام) اشتهروا بالطب وفي زمن محمد (صلى الله عليه وسلم) اشتهر العرب باللغة وبرعوا فيها فكانت معجزات الأنبياء من جنس ما برع به القوم.
الكرامة: هي أمر خارق للعادة يجريه الله تعالى على أيدي الأولياء لكن لها مواصفات:
*وهي أن الوليّ لا يستطيع تكرار هذه الكرامة لأنها لا تقترن بدعوة نبوة.
*ثم إن الكرامة تثبيت للولي وليس للناس كما في حال المعجزة .
*والوليّ يستحي من إظهار الكرامة وإذا ظهرت نبّه الناس إلى فاعلها الحقيقي وهو الله تعالى.
* ثم إن الولاية تترتب على الإيمان الذي هو في القلب ولا يعلمه إلا الله تعالى فالكرامة تُمنح ولا تُطلب.
الخارقة: أمر خارق للعادة يجريه الشيطان على أيدي أوليائه (المعالجة بالإيحاء) كما قال تعالى في قصة موسى مع فرعون: (يخيّل إليه من سحرهم أنها تسعى) وهذه الخارقة أو المعالجة بالإيحاء يستخدمها الأطباء في هذا العصر من باب الطب الحديث لشفاء المرضى بحيث يستثيرون قوة المناعة في الجسد. ولعل من أمثلة هذه الخوارق ما نراه في الهند من الذين يعبدون البقر ويمشون على النار أو على الماء فهذا مما يجريه الشيطان على أيدي أوليائه.
*(أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ) هل هناك خالق غير الله تعالى؟(الشيخ خالد الجندي)
الخلق يأتي بمعنيين في القرآن الكريم:
* أولهما الخلق بمعنى التصرف والإيجاد المطلق وهذا لله تعالى فقط والإيجاد من عدم هو فعل الله تعالى فقط كما خلق تعالى آدم وخلق الماء والروح والتراب وكل الموجودات في الكون.
*وثانيهما الخلق بمعنى التصرف والإيجاد المقيّد. وهذا للبشر لأنه يخلق من موجودات في الكون وخلق البشر هو عبارة عن تصوره لشيء ثم يخلق هذا الشيء من خامات موجودة فعلاً.
والفرق بين خلق الله تعالى المطلق وخلق البشر المقيّد هو:
أن الله تعالى يخلق من عدم أما البشر فيخلق من خامات موجودة في الكون.
أن خلق الله تعالى يتكاثر لأن الله تعالى خلق الكائنات وأوجد لها القدرة على التكاثر (تكاثر فردي كالخلايا وتكاثر زوجي وغيرها) أما خلق الإنسان فليس له قدرة على التكاثر بنفسه . الاستنساخ لا يعتبر خلقاً وإنما هي خلية تتكاثر والله تعالى هو الذي أعطى هذه الخلية القدرة على التكاثر وليس البشر.
خلق الله تعالى له القدرة على النمو فيخلق الإنسان طفلاً ثم يكبر فيصبح شاباً ثم يشيخ ويهرم ثم يموت فله عمر محدد وأجل مسمى أما خلق البشر فليس له هذه القدرة على النمو وليس له عمر.
فكلمة خلق تطلق على معنى عام وهو الخلق من عدم وهذه قدرة الله تعالى وحده وتطلق على معنى خاص وهو خلق الإنسان المحدود وهو ليس من عدم وليس له قدرة على التكاثر ولا النمو.
الله تعالى لديه ما يسمى بالحياة وهي تحويل الكائن المادي الصامت الميت إلى حيّ ينمو ويتكاثر أما الإنسان فيخلق تمثال أي الهيئة فقط ولهذا قال تعالى على لسان عيسى (عليه السلام): (وأخلق لكم من الطين كهيئة الطير) في هذه المرحلة خلق عيسى (عليه السلام) هيئة الطير ولم يخلق طيراً وهذه الهيئة صارت طيراً بإذن الله في المرحلة الثانية (فيكون طيراً بإذن الله) سميّ طيراً لما نفخت فيه الروح بإذن الله تعالى.
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الإنسان مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7)) خلق تعالى الإنسان أولاً على شكل هيئة ثم سواه ثم عدله بكل الوظائف الحيوية بقي أن يجعله في الصورة المناسبة التي اختارها الله تعالى له فقال: (فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ (8)) نحن الصور والإنسان الحقيقي هو من أسرار الحياة التي أودعها الله تعالى في الكائنات. فالذي يموت تكون جثته هي صورة الإنسان أما الإنسان الحقيقي الذي كان فيه يصعد إلى الله تعالى وقال تعالى: (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169)) هؤلاء الشهداء والمؤمنون أحياء عند ربهم يرزقون والكافرون أحياء عند ربهم لكنهم لا يرزقون وإنما يعذبون بدليل قوله تعالى: (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آَلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (46)) ونحن نرى أجساد الفراعنة محنطة في المتاحف أمامنا فالجسد يمر بمراحل تكوينية طينية ثم تعود للتراب أما الإنسان الحقيقي فهو عند الله تعالى.
فالهيئة هي الشيء الذي يمكن للإنسان أن يعمله وتحتاج إلى خلق لكنه مقيّد على قدرة الإنسان (وعلّم آدم الأسماء كلها) العلم الاستنتاجي التراكمي الذي يفرّق الإنسان عن الحيوان. أودع الله تعالى العقل البشري القدرة على الاستنتاج أما الجنّ وباقي المخلوقات فليس لها قدرة على الاستنتاج. العلم عند الإنسان تراكمي يمكنه من أن يصنع الشيء من مشاهداته (كالسيارة والطائرة والغواصة) لكنه لا يصنع الشيء.
*ما الفرق بين قوله تعالى: (بإذني) وقوله (بإذن الله) ؟(الشيخ خالد الجندي)
قال تعالى في سورة آل عمران: (وَرَسُولًا إلى بَنِي إسرائيل أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (49)) وفي سورة المائدة: (إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإنجيل وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إسرائيل عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (110))
(بإذني) جاءت في سورة المائدة لأن الله تعالى يعلم أن هناك من سيدّعي ألوهية عيسى (عليه السلام) فقطع عليهم تعالى خط من زعم الألوهية. فإذا فهم أحدهم من آية سورة آل عمران (بإذن الله) أن عيسى هو الله كما يقولون افتراء يعود إلى سورة المائدة التي فيها الكلام موجه من الله تعالى إلى عيسى (عليه السلام) حتى يفهم الناس أن الذي يبرئ الأكمه والأبرص ويحي الموتى هو الله تعالى وليس عيسى (عليه السلام) فالقرآن يدعم بعضه بعضاً.
* كيف أحيا عيسى الموتى مع أن الشهيد يطلب العودة ليقتل في سبيل الله فلا يؤذن له؟(د.حسام النعيمى)
عيسى ما أحيا الموتى من عند نفسه. الله سبحانه وتعالى لا يعيد الميت إلى حياته في الدنيا لكن هذه معجزة. الله سبحانه وتعالى لا يجعل العصي أفاعي لكنه جعلها أفعى معجزة لموسى. الله سبحانه وتعالى لا يجعل الشجرة تمشي لكنه جعلها تمشي وتأتي إلى الرسول (صلى الله عليه وسلم) هذه معجزة ولذلك لما ننظر في الآية 49 من سورة آل عمران: (وَرَسُولًا إلى بَنِي إسرائيل أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (49)) يقول تعالى على لسان عيسى قال: بآية من ربكم ما قال من عندي وهي علامة وأمارة على صدق نبوته (بإذن الله) فالله سبحانه وتعالى يعطّل قوانينه لأجل الأنبياء. ألم يعطل إحراق النار لإبراهيم؟ النار تحرق هذا قانون لكن عطّل القانون.
* ما الفرق بين (بإذن الله ) في سورة آل عمران و(بإذني) في سورة المائدة؟ وما الفرق في استعمال الضمير فيها وفيه؟ وما دلالة استعمال إذ وعدم استعمالها في الآيات (49) آل عمران و(110) المائدة؟ (د.حسام النعيمي)
بإذني وبإذن الله:
الكلام كان عن سيدنا عيسى (عليه السلام) في الآية الأولى في سورة آل عمران: (إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (45) وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ (46)) الكلام على لسان الملائكة ثم بدأ كلام مريم عليها السلام متجهاً إلى الله سبحانه وتعالى (قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاء إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ (47) وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإنجيل (48)) وجيهاً في الدنيا والآخرة ويعلمه، هذا العطف. ما زال الكلام على لسان الملائكة لمريم. وجيهاً ورسولاً إلى بني إسرائيل، رسول بماذا؟ (وَرَسُولاً إلى بَنِي إسرائيل أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللّهِ وَأُبْرِىءُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِـي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (49)) يعني عيسى (عليه السلام) هو سيقول هذا الكلام، (حكاية حال ماضية) في الماضي قال هكذا. فإذن الذي بدأ يتكلم الآن سيدنا عيسى (عليه السلام) فقال: (أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ) ما هذه الآية؟ بيان هذه الآية؟ (أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللّهِ وَأُبْرِىءُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِـي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (49)) بيان هذه الآية (فأنفخ فيه) يعني أنا لأنه يتكلم عن نفسه فقال (فأنفخ).
فى آية سورة المائدة: الكلام هنا من الله سبحانه وتعالى (إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإنجيل وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إسرائيل عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (110) المائدة) الكلام مع عيسى (عليه السلام) وليس على لسانه فقال (تخلق) ، (فَتَنْفُخُ فِيهَا) الكلام من الله عز وجل إلى عيسى (عليه السلام).
فيه وفيها:
هو خلق لهم بمعنى التكوين أو الصنع من مواد أولية كان الله سبحانه وتعالى قد جعلها بين أيدينا، الإيجاد على غير مثال سابق هذا لله سبحانه وتعالى من لا شيء، هو صنع هيئة طير من طين، عندنا هيئة الطير والطين فإذا أريد الإشارة إلى الهيئة قال: (فأنفخ فيها) يعني في هذه الهيئة أي في هذه الصورة. هو صنع صورة تشبه الطير فهذه الصورة هي هيئة طير من طين، وإذا أراد أن يشير إلى الطين قال: (فأنفخ فيه) . ولكن لماذا هنا نظر إلى الهيئة وهنا نظر إلى الطين؟
في آية آل عمران هذا كلام عيسى (عليه السلام) (أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا) هنا (فيه) أي في هذا الطين. يعني ذكر أصل التكوين حتى يذكرهم أن هذا طين جعلت منه طيراً، عندنا قراءة (فيكون طائراً) يطير أو من الطيور. هنا يريد أن يكلمهم عن معجزة، والشيء المعجز إذا قدّمه حالة واحدة تكفي، يأتي بطين يصنع منه كالطير ينفخ فيه فيكون طيراً ويطير، هذه تكفي في الحجة على صدق نبوءته،. فلما كان يتحدث عن حاله معهم ذكر حالة واحدة وكان الإشارة إليها بالتذكير (فأنفخ فيه) أي في هذا الطين الموجود بين أيديكم.
آية المائدة كانت في تعداد نعم الله عز وجل على عيسى (عليه السلام) ولذلك جاءت: (إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإنجيل وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إسرائيل عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ) كله اذكر هذا واذكر هذا، نُظِر فيه إلى الهيئة وجاء التأنيث لأن التأنيث أصلح للتعدد. لما تقول لغير العاقل “الشجرات فيها” لما تقول (فيها) يعني متعددة كأن الهيئة صارت أكثر من حالة فهي إذن في مجال بيان تعداد نعم الله سبحانه وتعالى عليه فاختار التأنيث لأن التأنيث أليق مع جمع غير العاقل. تعداد النِعم كثير يعني هو يذكر له نعماً كثيرة: اذكر كذا واذكر كذا (وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي). لما قال (فيها) معناه صارت هيئات متعددة لأن الإشارة بضمير المؤنث (فيها) يشير إلى هذا التعدد، فهذا هو الاختيار. هو من حيث اللغة الأصل أنه إذا نظر إلى الهيئة أنّث وإذا نظر إلى الطين ذكّر فمرة نظر إلى الهيئة ومرة نظر إلى الطين. لكن الذي قوّى اختيار النظر إلى الهيئة أن ضمير المؤنث يشار به إلى المتعدد فجاء بضمير المؤنث في موضع تعداد النعم لأن فيه تعداد للنعم فاختير التأنيث. هذا جزء من السؤال، واتضح الفرق بين (بإذني) و(بإذن الله) لأن جهة الكلام مختلفة.
تكرار (إذ):
تكررت في آية سورة المائدة ولم تذكر في آية سورة آل عمران لأنه في المائدة كان هناك تعداد لنِعم الله سبحانه وتعالى عليه، أما في آل عمران ما كان هناك نوع من التعداد للنعم وإنما كان نوع من بيان حال عيسى (عليه السلام) وهو يتكلم .
آية (50):
*ورتل القرآن ترتيلاً:
(وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ (50) آل عمران) في هذا الجزء من الآية تمثيل جميل لحاله المسبق فإنك تعلم أن معنى ما بين يدي أي ما تقدم قبلي ولكن الغريب في هذا الأمر أن الكلام يُفهم منه أنه ذو عهد قريب بنزول التوراة والمعلوم أن بينه أي بين عيسى (عليه السلام) ونزول التوراة أزمنة طويلة لكن استطاعت هذه الصورة أن تدل على اتصال العمل بأحكامها حتى مجيء عيسى (عليه السلام) فكأنها لم تسبقه بزمن طويل.
*في سورة الصف قال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إلى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ (14)) وفي آل عمران تكررت الآية (فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إلى اللّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (52)) عيسى ينسب النصرة إليه وهم يقولون نحن أنصار الله مباشرة فما دلالة هذا؟(د.فاضل السامرائى)
أولاً ما معنى: (مَنْ أَنصَارِي إلى اللّهِ)؟ هذا التعبير يحتمل معنيين الأول أنا أنصر الله (إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ (7) محمد) ينصر دينكم، فمن يكون معي في نصرة دين الله؟ أنا أنصر حتى أنتهي إلى الله، حتى أفضي إلى ربي حتى نصل إلى ربنا. فمن يكون معي في نصرة الله (إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ)؟ أنا أنصر الله أنصر دينه فمن يكون معي في ذلك؟ هذا شكل والشكل الثاني إن الله ينصرني في هذا الأمر فمن يكون معي في نصرة الله إياي؟ ينصرني يعني يؤيدني فمن يكون معي في هذا الأمر؟ وهذه يعبر عنها بـ (مَنْ أَنصَارِي إلى اللّهِ) يعني أنا سأفعل وينصرني الله بشكل ما فمن يكون معي في ذلك؟، أنا أنصره وهو ينصرني فمن يكون معي؟ هذا السؤال يحتمل المعنيين وقد ذكرهما المفسرون والآية تستوعب المعنيين.
ومن ينصر دين الله ينصره الله هي متلازمة وفي الحالتين يجمعهما قوله تعالى: (إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ) ولذلك الأمران مطلوبان والمعنيين ذكرهما المفسرون لأن (إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ) فيها المعنيين من يكون نصيراً معي لدين الله والله ينصره؟ نصر الله له صور كثيرة وليس له صورة واحدة، التثبيت هو نوع من النصر وكون الإنسان ثابتاً على دينه والفتنة لا تضره هذا نصر. إذن هذان المعنيان هما مما يجمعهما قوله تعالى (إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ). يبقى السؤال لماذا قال نحن أنصار الله؟ ولم يقل نحن أنصارك إلى الله؟ هم للإعلام بأنهم سينصرونه وإن لم يكن معهم حتى لو مات أو قتل لأنهم لو قالوا نحن أنصارك إلى الله سيتعلق النصر بوجوده إذا كان معهم (أنصارك) فإذا أفضى انفضوا، نحن أنصارك انتهى ما بينهما، نحن أنصار فلان فإذا ذهب انتهى الأمر. قالوا: (نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ) يعني سنكون سواء كنت معنا أو لم تكن معنا على الإطلاق. لو قالوا نحن أنصارك إلى الله معناه أن النصرة ستنقطع بعد ذهابه لكن لما قالوا نحن أنصار الله النصرة لا تنقطع حتى بعد ذهابه. حتى هو لم يقل من أنصار الله؟ وإنما قال: (مَنْ أَنصَارِي إلى اللّهِ) لأنه لو قال من أنصار الله؟ لادّعى كل واحد أنه أنصار الله وحتى اليهود تقول نحن أنصاره. إذن هو يريد نصرة الله عن طريق الدين الذي جاء به فهو مكلف ورسول ولم يرد أن يعمم السؤال وإلا لقال كل واحد نحن أنصار الله من وجهة نظرهم. إذن السؤال (مَنْ أَنصَارِي إلى اللّهِ) ولم يقل من أنصار الله؟ السؤال فيه نظر والإجابة فيها نظر أيضاً. والإجابة (نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ) لم يقولوا نحن أنصارك يعني هو ما يسأل من أنصار الله؟ لأنه سيجيب كثيرون وسيدّعون أنهم أنصار الله وإن لم يكونوا من أتباعه. الكل أنصار الله والإجابة لم تكن نحن أنصارك إلى الله حتى لا تكون متعلقة به وإنما بالله مباشرة حتى لو ذهب وهذا يعلم صدقهم من خلال هذا الكلام فهم فعلاً صادقون ولم يربطوا الإجابة به شخصياً وإنما بأصل الرسالة وأصل الدعوة.
سؤال: هل قالوا فعلاً هذا الكلام؟
هم قالوا مدلول هذا الكلام لأن ربنا سبحانه وتعالى حتى لو كان بغير لسان العرب يترجم أدق الترجمة لكن بأسلوب معجز، أدق الترجمة وينقل المعاني أدقها لكن بأسلوب معجز. هم لم يتكلموا العربية فربنا نقل عنهم معنى الكلام تماماً بأسلوبه المعجز كما قالوا وبالتالي حينما نقل عن فرعون نقل الكلام الذي يريده فرعون لكن بأسلوب معجز وتعبير أدبي. أنا قرأت ترجمات لشاعر مترجمين مختلفين هي المعاني واحدة لكن لكل مترجم أسلوب مختلف بحسب ما أوتي من قوة بيان قصص نقرأها مترجمة لكن المترجم يعطيها وإن كانت الأحداث هي واحدة لكن كيف تصاغ وكيف تنقل؟ هذا ما حدث بالفعل لكن الله تعالى نقله لنا بأسلوب معجز.
آية (52):
* ما الفرق بين: (وَإِذْ أَوْحَيْتُ إلى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آَمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آَمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ (111) المائدة) و(فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إلى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (52) آل عمران)؟(د.حسام النعيمى)
في آية آل عمران: (فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُم) كلمة منهم إشارة إلى بني إسرائيل، بعد أن كلّمهم ودعاهم وأظهر لهم المعجزات وطالبوه بإحياء الموتى وإبراء الأكمه والأعمى يبصر. بعد كل هذه المعجزات المفروض الإنسان أن لا تأخذه العزة بالإثم. لما يرى هذه الأشياء وهي معجزات ملموسة ومشاهدة من قبل مئات من الناس وليس شخصاً واحداً. مع ذلك كفروا به وقالوا هذا سحر وأنت ساحر والسحرة يفعلون هذا. فأحس عيسى (عليه السلام) منهم الكفر عند ذلك توجّه إليهم بالدعوة وبالسؤال: من يناصرني إلى إبلاغ دين الله عز وجل؟ هذه الشريعة؟ إذن هو يسأل عمن ينصره؟ عن أنصار والنصرة تقتضي الجمع. (من أنصاري إلى الله) قال الحواريون: (والحواري في اللغة بمعنى المنقّى المصفّى بحيث لما تذهب عنه الشوائب يكون أبيض كالثوب الأبيض منقى من الشوائب). (قال الحواريون نحن أنصار الله) كان يمكن أن يكتفوا بقول (نحن) وإنما أرادوا أن يوضحوا ويبينوا أي نحن أنصار دين الله، فقولهم أنصار الله فيه بيان وتأكيد. (آمنا بالله) لأن هو سألهم من أنصاري إلى الله؟ فقالوا آمنا بالله الذي تدعوننا لنصرة دينه (واشهد بأنا مسلمون)فعل أمر لعيسى (عليه السلام) اشهد علينا أننا مطبقون لشرع الله، لهذا الإيمان. الإيمان في القلب لا يظهر والإسلام تطبيق عملي فنحن نطبق عملياً. الآيات تضمنت تأكيدات وبيان: أنصار الله، آمنا بالله، بأنا، وأنّ للتوكيد فيها معنى الضم. فقلّل التوكيد في (أنّ) حتى يتوصل إلى الإدغام الموحي بصورة الجمع ولم يقل (بأننا) لأن فيها تفريق. أصلها (أنّ والتحقت بها: نا) نحن عندنا الأحرف المشبهة بالفعل فيها أنّ، كأنّ، لكنّ إنّ منتهية بنون مشددة لما تلتحق بها (نا) التي هي للمتكلمين أو المعظِّم لنفسه يكون عندنا ثلاث نونات فأحياناً العرب يخففون بحذف إحدى النونين فيقولون إنّي وإنّك. مع (نا) للمتكلمين يفعل الشيء نفسه إنّا وإننا، لكنا ولكننا وكأنا وكأننا ما أن يحافظ على كيانها فتكون (نا) مفصولة عنها (إننا، كأننا، لكننا). وإما أن يخفف بحذف النون الثانية فتدغم النون الأولى لأنها نون الضمير فتصير: كأنا، لكنا، إنا. فهنا حذف وخفف لأن التوكيدات كثرت فخفف التأكيد وتوصّل عن طريق هذا إلى الإدغام المشعِر بهذا الالتصاق بين أنصار الله لذا قال (واشهد بأنا مسلمون) ولم يقل بأننا لأن الصورة صورة مناصرة يراد لها صفّ وقرب والتصاق.
في آية المائدة الكلام على الإيمان وهو إلهام الله عز وجل لهذه الصفوة أن تؤمن، وهذه الآية ليس فيها تأكيدات فحوفظ على (إنّ) كاملة حتى يكون فيها التأكيد لإسلامهم. (واشهد بأننا) أننا آكد من أنّا من حيث التأكيد. (واشهد بأننا مسلمون) فيها التفات. قال آمنوا بي وبرسولي قالوا آمنا واشهد بأننا مسلمون ولم يقولوا مؤمنون لأن الإيمان لا يظهر وعيسى عليه السلام يحتاج لمن يظهر له علامة الإيمان وعلامة الإيمان التطبيق (الإسلام) النبي يريد منهم أن يظهروا إسلامهم واشهد أننا مطبقون لهذا الإيمان لأن الإيمان يكون ضمناً.
آية (54):
* ما هو المكر في قوله تعالى: (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (54) آل عمران) ولماذا سماه الله تعالى المكر؟(د.حسام النعيمى)
المكر في اللغة معناه التدبير، أن يدبر الشيء يرتبه.(وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) هم دبروا والله عز وجل يدبّر وهو خير المدبرين.
*(إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ (55) آل عمران) ما دلالة متوفيك؟(د.فاضل السامرائى )
التوفي ليس هو الموت.
الإشكال عند متوفيك، قد يفهمون أن التوفي هو الموت. الموت هو حالة من حالات التوفّي التوفي ليس بالضرورة الموت (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إلى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (42) الزمر) الله يتوفى الأنفس حين موتها ويتوفى التي لم تمت في منامها قالوا القبض عن التصرف الاختياري في حالة النوم هو ليس مختاراً فقبضه عن التصرف الاختياري ومن معاني التوفي في اللغة النوم فالتوفي ليس معناه الموت قد يكون من المعاني. الموت انتهاء الحياة القبض الكامل (فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىَ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ (15) النساء) الموت نزع الروح من الجسد بصورة نهائية دون إعادة في النوم فيها إعادة قبض الروح وذهب في ملكوت الله كما في الحديث تخرج الروح فتذهب وتأتي تحت العرش وربنا يطلعها على ما شاء وهذه عن الرؤى الصادقة. متوفيك أي قبضه عن التصرف في الدنيا اختياراً لكنه لم يمت. التوفي ليس معناه الموت حصراً، ورافعك إليّ لكنه ليس ميتاً حصراً كالنائم يتوفاه بروحه لكن جسده باق. (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ (97) النساء) هذا بمعنى الموت. إذن التوفي بمعنى الموت وبمعنى القبض عن التصرف في الحياة وفي الآية متوفيك أي قبضه عن التصرف في الحياة. عندنا كلام في اللغة إذا كان هنالك أثر صحيح عن الرسول نقطع به لكن من حيث اللغة التوفي ليس معناه الموت ضرورة ولكن من أحد معانيه الموت. في اللغة وفي القرآن (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا ) لما تموت انتهى قبض روحها (وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إلى أَجَلٍ مُسَمًّى) والتي لم تمت يتوفاها في منامها المنام توفّي فيسمك التي قضى عليها الموت (أي يأخذها) ويرسل التي هي نائمة. متوفيك هنا لا تعني بالضرورة الموت إلا إذا كان هناك أثر صحيح عن الرسول (صلى الله عليه وسلم) بذلك. إذن من حيث الدلالة لا تعني الآية أن عيسى (عليه السلام) مات من حيث اللغة إلا إذا كان هناك دليل والدلالة الدقيقة تتأتى من حيث السياق.
آية (55):
*ما هي طبيعة وفاة عيسى في قوله تعالى: (إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا (55) آل عمران) كيف يتوفاه الله تعالى مع أننا نقول أنه حيٌّ لم يُتوفى؟(د.حسام النعيمى)
قبل أن نخوض في مسألة عيسى (عليه السلام) نحتاج إلى تلخيص موجز جداً, فنقول إن الحياة هي وعاء للروح، هذا الوعاء ينكسر بالموت أو القتل فإذا انكسر الوعاء توفيت الروح أو قُبِضت هذه الصورة الأولى صورة انكسار الحياة وقلنا أن الحياة غير الروح فأن يكون الشيء حيّاً ليس شرطاً أن تكون فيه روح. والصورة الثانية التي تقبض فيها الروح هي صورة النائم وهو ليس ميّتاً، النائم أُخِذت روحه وقُبِضت ولكن كل أجهزة جسمه تشتغل إنما تشتغل بحدود معينة أما روحه فتسرح في ملكوت الله تعالى ولذا فإنها ترى ما لا يراه وهو يقظان. أحياناً روح الإنسان ترى أشياء ممكن أن يكون يراها وهي مستقبل أو تؤوّل كما ورد في القرآن الكريم في سورة يوسف في قضية الملك وسبع سنبلات تأويلها مستقبلي وفي بعض الأحيان يرى الإنسان شيئاً لو كان يقظاناً لا يراه وهو يقع في حاله. روح النائم خارج الوعاء والله تعالى يردها إلى الوعاء ولذلك نتكلم بجوار النائم فلا يسمع بعض الأجهزة تكون معطلة مؤقتاً أما سائر الأجهزة كالقلب وضخ الدم والتنفس فكلها تعمل فهو حيّ لكن ليس فيه روح. وقلنا أن النطفة فيها حياة باتفاق العلماء لكن ليس فيها روح حتى ينفخ فيها الملك الروح بعد 120 يوماً وهذه مسألة فقهية.
عندنا صورتان لخروج الروح بالموت (مفارقة الحياة) إما بالموت أو القتل وبالنوم. عيسى (عليه السلام) وجوده معجزة حقيقة، وُجِد بمعجزة (وجوده من الأم شيء معجز). فمجيء الحياة إليه معجزة فمفارقته الحياة معجزة أيضاً لذلك نقول هو صورة ثالثة للوفاة (الوفاة إما بانتهاء الحياة أو النوم) بالنسبة لعيسى (عليه السلام) قبضت روحه ورُفِع جسمه حيّاً (الموت هو توقف أجهزة وأجزاء الجسم) هي صورة ثالثة معجزة لعيسى (عليه السلام). لمّا رُفِع إلى السماء بجسمه الحيّ وبروحه التي استوفيت وقُبِضت تعود روحه إلى جسمه لأن الرسول (صلى الله عليه وسلم) رآه مع سائر الأنبياء بأجسامهم وأرواحهم في رحلة المعراج لأن الأنبياء أيضاً رُدّت لهم أرواحهم وأجسادهم وعيسى (عليه السلام) له خصوصية في عقيدة المسلمين أن الحياة التي يحياها في السماء وسيأتي يوم وتُوجّه إلى الأرض. في نزوله نحن عندنا المسيح عندما ينزل في الأحاديث الصحيحة أنه يكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية. كسر الصليب وقتل الخنزير تؤيد الحديث الصحيح الآخر الذي يقول فيه (صلى الله عليه وسلم) ” والذي نفسي بيده لو كان موسى بين أظهركم ما وسِعه إلا أن يتّبعني” النبي السابق إذا كُتِب له أن يعود إلى الأرض ينبغي له أن يتّبع النبي اللاحق. فعيسى (عليه السلام) سينزل بدين محمد (صلى الله عليه وسلم) وهو أحد اتباع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ولا ينزل بشريعته هو، إن شريعته نُسِخت بشريعة محمد (صلى الله عليه وسلم).
لكن الله تعالى قال : (إني متوفيك ورافعك إليّ) فلِم لم يقل (ورافعك إليّ) فقط؟
(متوفيك) هو ينبغي أن يغادر الدنيا بالوفاة هل هذا أمر منوط بعيسى (عليه السلام) بحد ذاته أو هل وردت هذه الكلمة مع غيره؟
قال تعالى: (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ (61) الأنعام) و(فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ (27) محمد) و(فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا (15) النساء) التوفي بوجود حدث كل الأفعال تدل على سحب الروح فالموت في (يتوفاهن الموت) سبب والملائكة في (توفتهم الملائكة) سبب ورسلنا إيضاح للملائكة. يبقى انقضاء الحياة بأحد طريقين إما بسبب خارجي فيكون قتلاً وإما بغير سبب خارجي فيكون الموت. (الموت مفارقة الحياة لا بسبب خارجي والقتل بسبب خارجي). علماؤنا اتفقوا على أنه مع عيسى (عليه السلام) لم يكن نوماً ونسبوا ذلك إلى ابن عباس وهذا رأي القرطبي والطبري يذكران ذلك وهذا تصحيح فيما نقل عن ابن عباس لم يكن نوماً ولم يكن مفارقة حياة فهو صورة ثالثة لأن وجوده معجزة. وأسباب (ملك الموت، الملائكة، رسلنا، الموت) هذا كله وسيلة لقبض الروح لكن المتوفِّي الحقيقي هو الله تعالى الذي يتوفى الأنفس.
هل نفهم من الآية أن عيسى (عليه السلام) حيّ عند قراءة هذا التعبير القرآني: (متوفيك ورافعك)؟
كلا نفهم من قوله تعالى أنه مات ورفعه. التوفي أخذ الروح والرفع رفع بالجسم الحيّ. لما قال تعالى: (متوفيك) يعني قبض الروح ولما قال: (ورافعك إليّ) رفعاً بالجسم الحيّ أو الهيكل. ونلاحظ قوله تعالى: (ومطهرك) التطهير للروح والبدن حتى لا يمسه أعداؤه بأذى أو بضرر أو بشيء يسيء إليه. الرفع لجسمه لتطهيره من كل أدران الأرض ومن فيها. قال تعالى: (وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117) المائدة) هنا اقتصر على كلمة توفيتني أي أخذت روحي. لمّا توفّاه هل أخذ روحه وترك جسمه؟ القرآن يفسر بعضه بعضاً (إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) هذه تثبت أنها ليست مجرد وفاة وإنما وفاة ورفع وتطهير. ورد ذكر اسم عيسى أو المسيح أو ابن مريم حسب الإحصاء في القرآن الكريم في 35 آية. 3 مواضع فقط تتعلق بالوفاة، موضعان فيهما كلمة توفيتني ومتوفيك وموضع فيه (وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ (النساء)) والقرآن يقول (وما قتلوه وما صلبوه). (وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (157) النساء) تأكيد (بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (158) النساء) هنا إشارة إلى الرفع. الآية الأولى فيها التوفي فقط والثالثة الرفع فقط والآية الثانية فيها توفي ورفع وتطهير.
* لماذا جاء نداء الله تعالى لعيسى: (يا عيسى) في سورة آل عمران :(إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (55)) وليس(يا عيسى ابن مريم) كما في سورة المائدة ؟(د.حسام النعيمى)
عيسى (عليه السلام) نودي أربع مرات في القرآن الكريم كله. في ثلاث مرات يناديه الله سبحانه وتعالى في مرة قال: (عيسى) مجرّداً وفي مرتين (يا عيسى ابن مريم) والمرة الأخرى نودي فيها على لسان الحواريين (يا عيسى ابن مريم). في النداء مرة واحدة نودي باسمه المجرّد بأداة النداء يا. لما تنادي إنساناً باسمه المجرّد هناك صورتان: الأعلى ينادي الأدنى (الأعلى منصباً وجاهاً) عندما يناديه باسمه المجرّد هذا نوع من التحبب والتقرّب. والمناسبة هنا مناسبة توفّي فلا بد أن يرقق الكلام معه أنه أنت قريب مني لأن هذا معناه قُرب فقال: (إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (55)) هناك مانع في غير القرآن أن يقول: يا عيسى ابن مريم، لا ينفع معناه. يا عيسى أنت قريب مني أنا سأتوفّاك وسأرفعك إليّ ففي هذا الموضع لا يحتاج إلى أن يذكر أمّه. فيها نوع من التحبب لأنه يريد أن يتوفاه فناداه بالتقرّب (يا عيسى) ولا مجال لذكر أمه هنا.
*في سورة آل عمران عندما تحدث عن الكفار (فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (56)) قال: (فأعذبهم) حاضر وعندما تحدث عن المؤمنين (وَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (57)) قال (فيوفّيهم) ولم يقل فأوفيهم. العمل كله لله تعالى فلماذا قال في الأولى فأعذبهم ثم فيوفّيهم؟(د.حسام النعيمى)
الآيات التي في سورة آل عمران في هذا الموضع فيها نوع من التنويع والتلوين بين الإفراد والجمع وبين الحاضر والغائب لكن لكلٍ موضعه. ننظر في الآيات يبدأ بقوله تعالى: (إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (55)) لمّا يقول: (إذ قال) قال للغائب لكن حينما نسمع (إذ قال الله) الله عز وجل حاضر في القلب دائماً فهو حاضر في قلبك عندما تقول الله الحضور دائم فصار عندك: قال للغائب والله حاضر فلوّنت العبادة بين غائب وحاضر. (يا عيسى إني متوفيك) إنّي هنا الإفراد لأن هذا أمر لا يُنسب إلا لله عز وجل.(وجاعل الذين اتّبعوك) نشدد على كلمة (اتبعوك) حتى لا تُفهم خطأ: الذين اتبعوك اي الذين اتبعوا عيسى بمبادئه التي جاء فيها وليست المحرّفة فالكلام عن الذين اتبعوه قبل التحريف. (ثم إليّ مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون) الذي هو خلاف أمته. (فأما الذين كفروا فأعذبهم عذاباً شديداً في الدنيا والآخرة وما لهم من ناصرين) لاحظ الحضور المتكلم الحاضر لماذا؟ لأن العذاب دنيا وآخرة.
(وأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفّيهم أجورهم والله لا يحب الظالمين) أولاً: الأجور متى تُدفع؟ بعد العمل فينبغي أن ينتهي العمل حتى تُدفع الأجور فإذن الأمر غائب سوف ينتهي العمل وسوف يوفّون الأجور، هذه واحدة. (أوفّيهم) الآن لا يستعمل السين معنى ذلك أنه تراخى الأمر لأنها تدل على التراخي تراخي الموضوع. (فيوفيهم) بالمضارع وهو الغيبة هنا تتناسب مع غيبة الأجور التي ستعطى لهم هذه مسألة الحقيقة (فأعذبهم) في الدنيا يعذبون، (فأحكم) عند رجوعكم أحكم مباشرة، كيف؟ يتكلم عن نفسه يتحدث معهم ثم يقلب الكلام بهذا القُرب؟. (أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفّيهم أجورهم) صار بُعد، جاء ابتعاد في الكلام عن الكلام الأول. أنت أمام عبارة انتهت وبدأت عبارة أخرى. لم يقل (والذين آمنوا) وإنما العبارة تبدأ (أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفّيهم أجورهم) صار هناك مسافة مبتعدة ابتعدت فقال: (فيوفيهم) هذه واحدة. والمسألة الثانية لما استعمل الغيبة لأن عندنا في نهاية الآية قاعدة عامة، القاعدة العامة جاءت بالغيبة (والله لا يحب الظالمين) هذه قاعدة عامة. لم يقل أنا لا أحب الظالمين إنما يعني هو لا يحب الظالمين فكأن يوفيهم كانت تمهيداً لمجيء هذه القاعدة العامة (فيوفيهم أجورهم). (والله لا يحب الظالمين) غيب وهي قاعدة عامة فمهّد لها بالعبارة التي فيها الغيب (فيوفيهم أجورهم) بينهما مجانسة لا شك لكن قلنا هناك تلوين في العبارة بين الحضور والغيبة: حضور وغيبة، حضور وغيبة، لكن وفي الوقت نفسه يمكن أن تكون (فنوفّيهم أجورهم) وعند ذلك تكون ممهِدة لقوله (ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَليْكَ مِنَ الْآَيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ (58)). هناك روايتان (فيوفيهم) و (فنوفيهم). (فيوفيهم) ترتبط بالقاعدة العامة ، (نوفيهم) تنسجم مع ما قبلها من المتحدث لكن صار المعظم نفسه (نحن نصنع كذا وهو واحد لتعظيم الله تعالى) ومهّدت لـ (ذلك نتلوه عليك من الآيات والذكر الحكيم) صار فيه تعظيم.
(إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (59)) رجع إلى الإفراد. لاحظ الغيبة والحضور والتعظيم وعدم التعظيم كل في موضعه لأن هنا (خلقه) الخلق هنا إفراد لعيسى أو لآدم. هذا التنويع نقول حقيقة التنويع بوصفه تنويعاً في الأصل هو نوع من إراحة القراءة يعني هذا التلوين يرتاح فيه القارئ : مرة مفرد ومرة جمع، مرة يتحدث عن نفسه ومرة غائب وفي كلٍّ يراد به واحد هذا التلوين لكن مع هذه الأزمة نجد أن كل كلمة جاءت في موضعها.
*ما دلالة (الحكيم) في وصف الذكر؟(د.فاضل السامرائى)
الحكيم لها أكثر من دلالة إما أن تكون من الحُكم أو من الحِكمة. الحكيم قد تكون اسم مفعول بمعنى محكم (فعيل بمعنى مفعول مثل قتيل بمعنى مقتول) وحكيم بمعنى مُحكم قال تعالى: (ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ (58) آل عمران) وفي سورة هود قال تعالى: (الَر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1)) يعني مُحكم.
آية (58):
*ورتل القرآن ترتيلاً:
(ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ (58) آل عمران) انظر إلى الأبعاد التي تحملها كلمة (عليك) فأولاً فيها تشريف الخطاب من الله العظيم بدلالة نون العظمة في (نتلوه). وثانياً تجد إيراد هذه الكلمة أي (عليك) تصديقاً لدعوى الرسالة وآية من آيات صدق النبوة إذ أنه لم يكن يعلم ذلك.
آية (61):
*(فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ (61) آل عمران) إن الفئة المجادِلة من وفد نجران كانت من الرجال البالغين فلِمَ جمع في المباهلة الأبناء والنساء ودُعوا إليها وكان يكفي أن يقال (وأنفسنا وأنفسكم)؟( ورتل القرآن ترتيلاً)
إن من ظهرت مكابرته في الحق وحب الدنيا علِم أن أهله ونساءه أحب إليه من الحق وأنه يخشى سوء العيش وفقدان الأهل ولا يخشى عذاب الآخرة لذلك طالبهم الله تعالى بإحضارهم وهذا يزرع الخوف في قلوبهم من إلحاق الأذى واللعنة بهم.
آية (62): انظر آية (6)
*(إِنَّ هَـذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَـهٍ إِلاَّ اللّهُ (62) آل عمران) لو قلنا: هذا القصص الحق لتمّ المعنى المراد فما فائدة دخول (إنّ) والضمير (هو) في قوله تعالى: (إن هذا لهو)؟ (ورتل القرآن ترتيلاً)
دخول الحرف المشبه بالفعل (إنّ) يفيد تأكيد الجملة وقد زاد تأكيدها بدخول ضمير الفصل (لهو) الذي يفيد التوكيد والقصر وما ذاك إلا لزعزعة ثقة أصحاب المِلل بدينهم. فكأن الله تعالى يقول لهم إن هذا هو القصص الحق وحده لا ما تقصّه كتب أصحاب المِلل الأخرى وعقائدهم.
حتى تسمية ضمير الفصل قالوا يفصل الخبر عن الصفة وهذا أصل التسمية، أصل التسمية حتى يعلم أن الذي بعده خبر وليس صفة لأنه أحياناً يأتي السائل أن هذا صفة وبعده خبر، (إِنَّ هَـذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ)، هذا القصص الحق يحتمل أن يكون القصص بدل فيها التباس فإذا أردنا أن نجعل القصص هو الخبر وليس الصفة نقول هذا هو القصص والحق تكون صفة وإذا أردنا أن نقرر أن حتماً القصص ليس خبراً نقول هذا القصص هو الحق يكون الحق هنا خبر للقصص، القصص بدل لهذا، هذا أصل التسمية حتى يفصل وأن ما بعجها خبر وليس صفة، هذا أصل التسمية ثم ذكر له فوائد في الغالب القصر الحقيقي أو الادعائي (تدعي أن فلان شاعر مثلاً وهو ليس بشاعر) أو التوكيد. أما في قوله تعالى: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) هذا ضمير الشأن وليس ضمير الفصل. ضمير الفصل على الأرجح ليس له محل من الإعراب، نقول هو ضمير مبني ونعده حرفاً وهذا من أشهر الأقوال لأنه لو كان اسماً يذكر له محل من الإعراب، في أشهر الأقوال أنه حرف لا محل له من الإعراب.
*ما فائدة (من) في قوله تعالى: (وَمَا مِنْ إِلَـهٍ إِلاَّ اللّهُ (62) آل عمران)؟ (د.فاضل السامرائى)
هذه تسمى في اللغة مِنْ الاستغراقية التي تستغرق كل ما دخلت عليه. (وَمَا مِنْ إِلَـهٍ إِلاَّ اللّهُ (62) آل عمران) استغرقت جميع الآلهة. (أن تَقُولُواْ مَا جَاءنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ (19) المائدة) تستغرق كل ما دخلت عليه. لما تقول ما جاءني رجل فيها احتمالين أنه ما جاءك رجل وإنما رجلين أو أكثر وما جاءني رجل أي واحد من هذا الجنس أما ما جاءني من رجل تستغرق الجنس بكامله لم يأتك لا واحد ولا أكثر من هذا الجنس. ما أصاب من مصيبة أي: أي مصيبة كبيرة أو صغيرة لم يشذ عنها مصيبة واحدة فيما يحدث في كل الدنيا لا يمكن أن تقع مصيبة إلا وهي مدونة في كتاب وخارج الكتاب لا تقع وهذا على سعة علم الله وإحاطته بالأشياء صغيرة أو كبيرة حيثما وقعت هي مدونة مكتوبة في كتاب من قبل أن تقع.
*ما الفرق بين الرُشد والحق؟ (د.فاضل السامرائى)
الحق ليس مناقضاً للرُشد ولا الرُشد مناقضاً للحق. الحق أعم من الرُشد، يعني يوصف بالحق أحياناً ما لا يوصف بالرشد ويُخبر عنه بما لا يخبر بالحق يعني (فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا (6) النساء) هل يمكن أن يقال آنستم منهم حقاً؟ كلا. (وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقّ (61) البقرة) (إِنَّ هَـذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ (62) آل عمران) (وَشَهِدُواْ أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ (86) آل عمران) (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ (27) المائدة) كلها لا يصح فيها الرُشد، الحق أعم من الرشد (إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ (57) الأنعام) لا يصح أن يقال يقص الرُشد، (ثُمَّ رُدُّواْ إلى اللّهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ (62) الأنعام) (فَذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ (32) يونس) الحق أعمّ. وهذا أول فرق بين الحق والرشد أن الحق أعم وأنه يُذكر في أمور لا يصح فيها ذكر الرُشد.
الأمر الآخر أن الرُشد لا يقال إلا في العاقل, العاقل يوصف بالرُشد أما الحق عام، نقول القتل بالحق، هذا المال حق لك، إذن الله هو الحق، الجنة حق والنار حق. هنالك أمران حقيقة: أولاً الحق أعمّ من الرُشد يُخبر به عن الإنسان وغيره ومن ناحية أخرى الرُشد خاص بالعاقل، إذن الرشد قسم من الحق وليس الحق كله، كل رشد هو حق لكن ليس حق رشداً باعتبار الحق أعمّ.
آية (64):
*ما دلالة الفعل (تعالوا) في قوله تعالى: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إلى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ (64) آل عمران)؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
ألا تجد أن في هذه الآية رفعة وسمواً فتأمل صيغة الأمر بفعل (تعالوا) والأصل فيه طلب الاجتماع في مكان عالٍ وهو هنا (الكلمة) وهو تمثيل رائع حيث جعل كلمة التوحيد تشبه المكان المراد به الارتفاع وهو مكان سامٍ يسمو بمن يلحق به.
(فَإِن تَوَلَّوْاْ (64) آل عمران) جيء في هذا الشرط بحرف (إن) ولم يأت بغيره وما ذاك إلا لأن التولّي بعد نهوض الحجة وما قبلها من الأدلة غريب الوقوع وهذا من المعاني التي تفيدها (إن) التي جاءت في قوله تعالى (فإن تولوا) فتأمل!.
آية (72):
*د.حسام النعيمى:
قال تعالى في سورة آل عمران: (وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آَمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آَخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (72)) وفي هذه الآية طريفة تُذكر وفيها فائدة وهي أن الكسائي وكان من أحد القُرّاء وعالم نحو كان مؤدباً لأولاد الرشيد وكان ذا صوت جميل فيقول صلّيت بالرشيد يوماً فأعجبتني نفسي (إذا أحب الله عبداً ينبهه إلى خطئه) والإعجاب بالنفس قد يُحبِط العمل قال والله أخطأتُ خطأ لا يخطئه الصبيان قرأت (يرجعين) فتهيّب الرشيد أن يردها عليّ فلما انتهيت قال الرشيد يا كسائي قراءة مَنْ هذه؟ قلت يا أمير المؤمنين قد يكبو الجواد فقال فنعم. وهذا نوع من التربية فينبغي للإنسان أن لا تعجبه نفسه فيؤدّب.
لماذا قال القرآن (طائفة)؟ يستعمل القرآن الكريم لفظ طائفة وفريق وفرقة والقرآن لا يجعل الكلام عاماً وهذا ما يسمى بالروح العلمي في التعبير فلا نعمم ونقول قال جميع الناس. هناك فرق بين كلمة طائفة وفريق أو فرقة ولكل كلمة من هذه معناها فالفرقة هي جماعة عددها كثير وسُمّيت فرقة كأنها فرّقت جمعاً أما الطائفة فهي الجماعة البارزة التي كأنها تطفو على السطح ظاهرة وهي أقل من الفِرقة وهؤلاء كأنهم ظاهرين بارزين لأنه كان لديهم مخططاً وهو أن يدخلوا في الإسلام صباحاً ثم يرتدوا في المساء حتى يقول الناس لا بد أنهم رأوا ما لا ينبغي فيرتدوا أيضاً. وليست كل طائفة تخطط وإنما الطائفة هم قوم ظاهرون كما في قوله تعالى (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا) لم ينزع عنهما صفة الإيمان, ويقال أن الصهيونية لها قيادة مستمرة على مدى ألفي عام تنقل تجاربها الذين هم (حكماء صهيون) كلما هلك واحد دخل واحد آخر في هذه العصبة أو القيادة فتجاربهم مستمرة متواصلة وخبراتهم متراكمة ومن خبراتهم في ذلك الزمان أنهم يكلّفون بعضهم بالدخول في دين الله في الصباح (الكلام في آية سورة آل عمران عن اليهود) ثم يرتدوا في المساء ليرتد الآخرون.
آية (74):
*ما دلالة وصف الفضل بالعظيم في الآية (74) آل عمران؟(د.حسام النعيمى)
قال تعالى:(وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آَمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آَخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (72) وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (73) يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (74) آل عمران. هنا الفضل منسوب مباشرة ومسند إلى الله تعالى فجاء بلفظ العظيم وكذلك ذكر الرحمة الواسعة فذكر العظيم. وجاءت بلفظ العظيم معرّفاً لأن ما قبلها معرّفاً ويأتي بالتنكير عندما يكون قد سُبِق بالتنكير (عظيم) كما في آية سورة آل عمران(فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174) فضل جاءت نكرة فجاء لفظ عظيم نكرة أيضاً.
آية (75):
*(وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِمًا (75) آل عمران) إن الفعل (يأمن) يتعدى بحرف الجر (على) فنقول: أمنته على سِرّي, وقال تعالى على لسان يعقوب: (هل آمنكم عليه) فلِمَ عدّى الفعل (تأمنه) في الآية بالباء فقال: (تأمنه بقنطار) دون تأمنه على قنطار؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
الحرف (على) يدل على التمكن فإذا قلت أمنته على سِرّي أي جعلته متمكناً منه وراعياً له. وفي هذه الآية (إن تأمنه بقنطار) عُدِّيَ الفعل تأمنه بالباء للإيماء إلى أن هذه الأمانة أريد بها المعاملة والوديعة والأمانة بالمعاملة.
آية (77):
*ورتل القرآن ترتيلاً:
(إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً أُوْلَـئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (77) آل عمران) تدبر في هذا التعبير عن غضب الله تعالى ومقته للكافرين، فلم يقل ربنا تعالى أولئك غضب الله عليهم ومقتهم بل قال: (وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ) لأن عدم الكلام يدل على شدة اغضب لدرجة أن التكلم لا يستطيع أن يخاطب المغضوب عليه. وفي سلب النظر إليهم من الله سبحانه وتعالى إشارة إلى شدة مقتهم وعدم استحقاقهم لأدنى عذر وقم آثر الله تعالى أن يعبر عن غضبه عليهم بعدم النظر وعدم الكلام للإيماء إلى أنهم لا يستحقون أن ينالوا أدنى عطف أو رحمة من الله تعالى بل قد استحقوا الغضب والنار.
آية (77):
*ما دلالة وصف الثمن بالقليل؟ (د.حسام النعيمى)
الثمن هو المقابل أو العِوَض وكلمة ثمن أو الثمن وردت في أحد عشر موضعاً في القرآن الكريم كله. في موضع واحد فقط لم يوصف في سورة المائدة(106). ووصف مرة واحدة بأنه بخس في سورة يوسف وفى الأماكن الأخرى وصف بأنه قليل.
لما ننظر في الآيات: الآية التي لم يوصف بها تتعلق بشهادة على وصية فهنا الأمر يتعلق بمصالح الناس الذين لهم وصية. وحتى يشمل الحقير والعظيم والمادي والمعنوي والنفيس والتافه يعني حتى يقطع عليهم الطريق لأي تأويل.
الثمن القليل جاء حيثما ورد في الكلام عن حق الله سبحانه وتعالى ومعنى ذلك أن العدوان على حق الله سبحانه وتعالى مهما بلغ فهو ثمن قليل تحقيراً لشأنه وتهويناً من قدره. أي ثمن يناسب آيات الله عز وجل؟ لا شيء. فكل ثمن هو يقل في شأن آيات الله سبحانه وتعالى. فحيثما ورد الكلام عن آيات الله وعن عهد الله سبحانه وتعالى كله ثمن قليل لا يقابل. وليس معنى ذلك ثمن قليل أنه يمكن أن يشتروا به ثمناً كثيراً. كلا، وإنما بيان إلى أن هذا الثمن الذي أخذتموه لا يقابل آيات الله فهو قليل في حق الله سبحانه وتعالى وكل ثمن يؤخذ مقابل ذلك فهو قليل مهما عظُم. (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (77) آل عمران) هذا الثمن سماه قليلاً.
(وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ (187) آل عمران) هذا ماضي صار. وصفه بالقِلة أياً كان هذا الثمن هم باعوه في نظرهم بثمن عظيم لكن وصفه القرآن بالقِلة فبئس ما يشترون.
(وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشْتَرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (199) آل عمران) ليس معناه يشترون ثمناً عظيماً ولكن هذا الثمن مهما كان نوعه فهو قليل في مقابل التضحية بآيات الله سبحانه وتعالى.
في تسع آيات وصف الثمن بأنه قليل ، إما أن ينهاهم عن ذلك أو يثبته لهم بأنهم فعلوا ذلك وما قبضوه قليل.
ألا يمكن أن يأتي الوصف بالبخس والقليل معا؟ يمكن إذا أُريد بالبخس ما هو ليس من قدر الشيء الذي بيع ولا يستقيم مع آيات الله. ليس هناك شيء بقدر الآيات لذلك لا يستقيم إلا القلّة.
آية (78):
*ما دلالة تكرار الكتاب في قوله تعالى: (وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (78) آل عمران)؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
لاحظ التكرار في هذه الآية فقد كرّر الله تعالى كلمة الكتاب مع أن النظم كان يستقيم لو قيل: لتحسبوه من الكتاب وما هو منه، ويقولون هو من عند الله وما هو من عنده، لكنه جاء بهذا التكرار لقصد الاهتمام بالاسمين: الكتاب ولفظ الجلالة وذلك يجرّك إلى الاهتمام بما يتعلق بهما من خبر.
*ما الفرق بين النفي بـ(ما) و (لم)؟ (د.فاضل السامرائى)
(ما) في الغالب تقال للرد على قول في الأصل يقولون في الرد على دعوى، أنت قلت كذا؟ أقول ما قلت. أما (لم أقل) قد تكون من باب الإخبار فليست بالضرورة أن تكون رداً على قائل لذلك هم قالوا لم يفعل هي نفي لـ(فعل) بينما ما فعل هي نفي لـ (لقد فعل). حضر لم يحضر، ما حضر نفي لـ قد حضر (يَحْلِفُونَ بِاللّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ (74) التوبة) (ما اتخذ) ضد قول اتخذ صاحبة ولا ولدا، لم يتخذ قد تكون من باب الإخبار والتعليم (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا (2) الفرقان) هذا من باب التعليم وليس رداً على قائل وليس في السياق أن هناك من قال وردّ عليه وإنما تعليم (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ) يخبرنا إخباراً . بينما نلاحظ لما قال في محاجته للمشركين (ما اتخذ الله من ولد) هم يقولون اتخذ الله ولد (مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (91) المؤمنون). لما رد على المشركين وقولهم قال (ما اتخذ) و(وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ (78) آل عمران) يقولون هو من عند الله فيرد عليهم (وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ (78) آل عمران). (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ (8) البقرة).
آية (79):
* فماذا نفهم من قوله (ولكن كونوا ربانيين)؟ (ورتل القرآن ترتيلاً)
قال تعالى (مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَادًا لِّي مِن دُونِ اللّهِ وَلَـكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ (79) آل عمران) لو تأملت في هذه الآية المحكمة السبك لوجدت نفسك تغوص في عجائب فصاحة القرآن الكريم وقوة نظمه. انظر كيف يختار القرآن ألفاظه ليرقى إلى أعظم المعاني التي تعجز عنها ألسنة البشر إذ كان بمقدوره أن يتمم هذه الآية من جنس الجزء السابق فيقول” ثم يقول للناس كونوا عباداً لي من دون الله ولكن كونوا عباداً لله. فماذا نفهم من قوله: (ولكن كونوا ربانيين)؟ إن الربّاني هو المنسوب إلى الربّ وما ذاك إلا لمزيد اختصاص المنسوب بالمنسوب إليه ليكون المعنى على أقوى ما يكون أي أن يكونوا مخلصين لله تعالى دون غيره.
*ما الفرق بين الكتاب والحُكم والنبوة؟(الشيخ خالد الجندي)
قال تعالى في سورة آل عمران (مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (79)) يؤتيه تدل على أن الإيتاء هو المنحة التي تُؤتى للمؤتى إليه من المؤتي والذي يسري على آدم يسري على سائر الأنبياء والقرآن الكريم أوضح أن النبي لا بد أن يكون بشراً لأن هذا أمر ضروري لأنه لو لم يكن بشراً لبطُلت القدوة (ما كان لبشر) ولا بد أيضاً من أن يكون من نفس جنس البشر (قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إليّ) فالفارق ليس في بشريته وإنما بالوحي إليه والمِنح والعطايا هي من الله تعالى يؤتيها من يشاء من خلقه والإعجازات النبوية لا تخضع للمقياس البشري.
الكتاب: الله تعالى قد يُرسل كتاباً من عنده على أحد الأنبياء وهو الوحي مطلقاً سواء كان مكتوباً أو غير مكتوب ويُطلق على الأجل (كتاباً مؤجلاً) ويُطلق على القانون الثابت (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتا) ويُطلق على الوحي (الكتاب والحُكم) بدأ بالكتاب تعبيراً عن الوحي ويطلق على القرآن (ذلك الكتاب ريب فيه) فالكتاب يقصد منه الوحي بشكل عام وقيل كتاب أحد الأنبياء كما ذهب بعض المفسرين أنه الإنجيل كتاب الله تعالى لعيسى (عليه السلام) وقيل أن الكتاب في الآية المقصود به القرآن لأن بعض الصحابة أرادوا أن يعظّموا الرسول (صلى الله عليه وسلم) ويسجدوا له وأرادوا المبالغة فقال (صلى الله عليه وسلم) “لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم إنما أنا عبد الله ورسوله” فنزلت الآية. وسواء كان المعنى المقصود من الكتاب الإنجيل فالآية ترد على النصارى الذين الّهوا المسيح عيسى ابن مريم (عليه السلام) وإن كان يعني الوحي فالآية تبين القانون الذي أوضحه الله تعالى فيه.
الحُكم: تشمل الحكمة لأن الحُكم هو أن ينزل الأمر في منزلته الصحيحة ومنها إحكام إقفال القارورة وإحكام الغطاء والمُحكم هو الذي لا يسمح بأي تسرّب أي الحكمة ومنه الحُكم. والحكمة وضع الأمر من نصابه الصحيح (ويعلمه الكتاب والحكمة) أي السُنّة الصحيحة.
النبوة: نبي أي نُبئ والنبأ العظيم هو الخبر إذا نزل على واحد من خلق الله تعالى. عندما يوحي تعالى على بشر نُبئ يتحول إلى نبي فإذا كُلِّف بالتبليغ للناس أصبح رسولاً. الخِضر (عليه السلام) كان نبياً ولم يبلّغ الناس فهو ليس برسول. كذلك ذو القرنين ولقمان وغيرهم كُلّفوا بمهام ولم يُكلّفوا بالتبليغ. ولهذا كل رسول نبي وليس كل نبي رسول وعدد الأنبياء المرسلين 25 نبي رسول أما عدد الأنبياء غير المرسلين فغير محدود. من ضمن مهاك الأنبياء نصرة الرسل وتأكيد نبوتهم والتطبيق العملي لما يُكلّف به الرسل.
آية (80):
*(وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ الْمَلاَئِكَةَ وَالنِّبِيِّيْنَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُم بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ (80) آل عمران) لقد جاء السياق القرآني بالنفي وتعلم أن النفي أعمّ من النهي فهلاّ قيل في هذه الآية (وينهاكم) بدل (ولا يأمركم)؟ (ورتل القرآن ترتيلاً)
الجواب في هذه الآية لطيفة يمكن أن تستشفّها حين تعلم أن المسيح (عليه السلام) لم ينههم عن اتخاذ الملائكة والنبيين أرباباً لأنه لا يخطر بالبال أن تتلبّس به أمة متدينة، فاقتصرت الآية بنفي الأمر لا بالنهي ولذلك عقّب بالاستفهام الإنكاري (أيأمركم بالكفر بعد إذا أنتم مسلمون).
*(وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ (81) آل عمران) كيف يأخذ ميثاق النبيين قبل مجيء الرسل؟ (د.فاضل السامرائى)
قيل لم يبعث الله نبياً منذ آدم إلى سيدنا عيسى (عليه السلام) إلا أخذ عليه هذا الميثاق إذا جاء محمد وأنت حيّ لتؤمنن به ولتنصرنه وليتبعه وفي الحديث “والله لو كان موسى حيّاً بين أظهركم لما وسعه إلا أن يتبعني” فهو إذن أخذ ميثاق النبيين جميعاً أنه لئن جاء الرسول الخاتم ليؤمنن به، أأقررتم وأخذتم على ذلك إصري قالوا أقررنا. إذن أخذ الميثاق على كل الأنبياء لئن بُعث هذا الرسول الخاتم وهو موجود ليؤمنن به ولينصرنه فكل الأنبياء تعلم بقدوم الرسول (صلى الله عليه وسلم). (وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي) الإصر هو العهد الثقيل، الميثاق القوي. وقرأتُ أنه آدم عندما أُخرج من الجنة نظر إليها فرأى على بابها مكتوب لا إله إلا الله محمد رسول الله.
.
آية (81):
*لماذا لم تذكر النبوة في آية آل عمران (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آَتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (81)) مع أنها وردت في الآية قبلها (مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (79))؟ (د.حسام النعيمى)
الآية الأولى كان الكلام فيها أولاً بإطلاق (مَا كَانَ لِبَشَرٍ) هذا البشر الذي يؤتيه الله سبحانه وتعالى الكتاب والحكم والنبوة ما كان له أن يقول كونوا عباداً لي من دون الله، لا يجوز له ولا يتوقع منه ذلك وهذا في الكلام على أهل الكتاب الذين جعلوا من أنبيائهم كأنهم آلهة أو معبودين من دون الله بل هم جعلوا حتى بعض علمائهم الكبار فصاروا يطيعونهم في معصية الله سبحانه وتعالى. فلما ذكر البشر ذكر النبوة، لو لم تذكر النبوة هاهنا ولو في غير القرآن ما ذكرت النبوة، يقولون نعم هذا خاص بالعلماء آتاهم الكتاب والحكم لكن نحن نقول نحن عباد لأنبيائنا فجاءت كلمة النبوة هنا حتى تنفي هذا الاحتمال. (الذين أوتوا الكتاب) أي الذين نقل إليهم الكتاب فهم ممن أوتوا الكتاب، الأتباع أوتوا الكتاب ونحن من الأتباع، نحن أوتينا الكتاب عن طريق محمد (صلى الله عليه وسلم). ولو لم تكن النبوة كان يلتبس الأمر وكان ممكن أن يدًعوا أنه صحيح نحن الذين أوتوا الكتاب لا نجعله إلهاً لكن النبي نجعله إلهاً. فهذه فائدة ذكر كلمة النبوة.
عندنا (بما كنتم تعلّمون) وفى قراءة (بما كنتم تعلَمون) تعلّمون وتعلمون لأن العالِم يعلِّم فالمعنى متقارب. تدرسون تقويّها أنه تعلمون وتدرسون (تعلّمون وتدرسون).
(النبوة) وفى قراءة (النبوءة). النبي من النباوة بمعنى الرفيع الشأن (نبا ينبو بمعنى ارتفع يرتفع) النباوة بمعنى الرفعة. إما أن تكون من النبأ لأنه ينبئ عن الله عز وجل وإما من رفعة شأنه كلاهما وارد.
الآية الأولى تلاحظ أنه في بدايتها ذكر النبيين، هناك قال: (مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ) لما قال بشر ذكر النبوة. هنا لما ذكر النبيين فلا داعي لإعادتها مرة أخرى لأنه قال (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آَتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ) فلا يحتاج إلى ذلك. فإذن هناك لما لم يذكر النبيين ذكر النبوة وهنا ذكر النبيين فلم يحتاج لذكر النبوة.
آية (83):
*(أَفَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (83) آل عمران) لم ابتدأت الآية بالاستفهام وحقها من حيث الظاهر أن تبدأ بالنهي أي لا تبتغوا غير دين الله؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
تدبّر واعتبر من هذه الآية التي جاءت على طريقة الاستفهام الإنكاري الذي يحمل معاني التوبيخ والتحذير إذ كيف يمكن للإنسان أن يختار ديناً غير دين الله والأجرام العلوية الكبيرة انصاعت لأمره وأسلمت؟!
*(قُلْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَى إبراهيم وَإسماعيل وَإسحاق وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ (84) آل عمران) في آية أخرى جاءت تعدية الفعل (أنزل) بحرف الجر (إلى) فقال (وما أنزل إلينا) فلِمَ عُدِّي الفعل هنا بحرف الجر (على) دون (إلى)؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
الإنزال يقتضي عُلُوّاً فوصول الشيء المنزِّل وصول استعلاء والحرف (إلى) يفيد الوصول فقط فكان لزاماً والحديث في معرض الافتخار بالتنزيل أن يستعمل البيان الإلهي حرف (على) دون غيره.
* ما الفرق بين أنزل وأوتي ؟(د.فاضل السامرائى)
هذه الآية فيها إنزال وإيتاء. نسأل سؤالاً: مَنْ من الأنبياء المذكورين ذُكرت له معجزة تحدّى بها المدعوين؟ موسى وعيسى عليهما السلام ولم يذكر معجزان للمذكورين الباقين. هل هذه المعجزة العصى وغيرها إنزال أو إيتاء؟ هي إيتاء وليست إنزالاً ولذلك فرّق بين من أوتي المعجزة التي كان بها البرهان على إقامة نبوّته بالإيتاء وبين الإنزال، هذا أمر. كلمة (أوتي) عامة تشمل الإنزال والإيتاء. الكُتب إيتاء. أنزل يعني أنزل من السماء وآتى أعطاه قد يكون الإعطاء من فوق أو من أمامه بيده. لما يُنزل ربنا تبارك وتعالى الكتب من السماء هي إيتاء فالإيتاء أعمّ من الإنزال لذلك لما ذكر عيسى وموسى عليهما السلام ذكر الإيتاء لم يذكر الإنزال ثم قال (وَمَا أُوتِيَ موسى وعيسى والنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ) دخل فيها كل النبيين لأنه ما أوتوا من وحي هو إيتاء. (وَمَا أُنزِلَ على إبراهيم) قد يكون إنزالاً ويكون إيتاء لكن ما أوتي موسى وعيسى عليهما السلام في هذه الآية هذا إيتاء وليس إنزالاً لأنه يتحدث عن معجزة ولأنهما الوحيدان بين المذكورين اللذين أوتيا معجزة. الآخرون إنزال وعندما يتعلق الأمر بالمعجزة قال إيتاء.
لماذا لا يُذكر سيدنا إسماعيل مع إبراهيم وإسحاق ويعقوب في القرآن؟(د.فاضل السامرائى)
توجد في القرآن مواطن ذُكر فيها إبراهيم وإسماعيل ولم يُذكر إسحاق وهناك 6 مواطن ذُكر فيها إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ومنها:(قُلْ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إبراهيم وَإسماعيل وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (84) آل عمران
وكل موطن ذُكر فيه إسحاق ذُكر فيه إسماعيل بعده بقليل أو معه مثل (49) و (54) مريم. إلا في موطن واحد في سورة العنكبوت (27).
وفي قصة يوسف (عليه السلام) لا يصح أن يُذكر فيها إسماعيل لأن يوسف من ذرية إسحاق وليس من ذرية إسماعيل
وقد ذُكر إسماعيل مرتين في القرآن بدون أن يُذكر إسحاق في سورة البقرة (125) (127) لأن إسحاق ليس له علاقة بهذه القصة وهي رفع القواعد من البيت أصلاً.
آية (84):
*ما الفرق بين أنزلنا إليك: (قُولُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إلى إبراهيم وَإسماعيل وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (136) البقرة) وأنزلنا عليك (قُلْ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إبراهيم وَإسماعيل وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ )84) آل عمران)؟
*د.أحمد الكبيسي:
قضية أخرى وهذه عجيبة العجائب أيضاً (قُلْ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إبراهيم وَإسماعيل وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ ﴿84﴾ آل عمران) في آية أخرى (قُولُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إلى إبراهيم وَإسماعيل وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ ﴿136﴾ البقرة). ما الفرق بين (آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا) وبين (آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا)؟ نقول هبطت الطائرة على المطار ثم توجهت إلى قاعة الضيوف إلى وليس على إذاً كل شيء يأتي من الأعلى لا بد أن يصل إلى غاية، ما الذي جاء من أعلى؟ الوحي. من الذي وصل إليه الوحي؟ النبي صلى الله عليه وسلم، إذاً لما قال: (آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا) هذا تصديق بالوحي أننا نحن نؤمن نحن المسلمون نؤمن بأن هذا القرآن جاء من الأعلى من الوحي من رب العالمين (قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ ﴿102﴾ النحل) على محمد صلى الله عليه وسلم (آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا) تصديقٌ بالوحي، (آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا) تصديقٌ بالرسالة والرسول، إذاً لم يكذب جبريل وليس هذا من كلام جبريل وإنما هو وحيٌ من الله من الأعلى وصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم والنبي صلى الله عليه وسلم. نحن نؤمن بأنه رسول وأنه صادق ولا يمكن أن يغيره أو يزوره فهاتان القضيتان هذا الـ (على) والـ (إلى) إحداهما تلفت أنظار الناس أنظار المسلمين إلى دقة الاعتقاد بأن هذا القرآن موحى به من الله فهو تصديقٌ بالربوبية والألوهية (وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا) تصديقٌ بالرسالة والرسول وهذا هو الفرق بين (آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا) و(آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا). طبعاً الكلام في هذا طويل يعني لما يقول أحياناً رب العالمين مثلاً هنا يقول يا محمد قل ثم يقول قولوا والله يقول: (وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ ﴿231﴾ البقرة) هذا يعني أنك أنت المسلم هذا القرآن خالد ولا شك فيه ولا لحظة لأنك أنت قلت أنت آمنت بذلك، آمنت بما أنزل عليك (تصديق الربوبية والوحي)، بما أنزل إليك (تصديق الرسالة والرسول) رب العالمين يخاطب كل الأمم القادمة، كل المسلمين القادمين في الأجيال القادمة يقول لهم قولوا آمنا بما أنزل علينا، رب العالمين بهذه العبارة التي كررها على الأمم فمرة قال للنبي صلى الله عليه وسلم مرة قال قل إلينا وقل علينا وفهمناها، يقول للأمة قولوا ما أنزل علينا الأمة لماذا؟ رب العالمين يعلمنا بهذا أسلوباً من أساليب التعامل مع القرآن، وهذا القرآن الذي ثبت عندنا بالتجربة أنه صالحٌ لكل زمان ومكان كيف ذلك؟ أن أسلوب التعامل معه أنك عليك أن تفترض أن القرآن أنزل عليك اليوم، نحن الآن في القرن الخامس عشر، في القرن العشرين بعد 15 قرن من الإسلام وإلى يوم القيامة كل قرن عليه أن يتعامل مع القرآن كما لو كان أنزل عليه الآن، (أنزل عليه) لماذا؟ عليه أن يفهمه بموازين عصره وبفتوحات عصره وبعلوم عصره وبحاجات عصره وإلا لا تفقه معناه يبقى معطلاً، ما السبب؟ السبب أن التوراة والإنجيل حرفت بالكامل لماذا؟ لأن التوراة والإنجيل ليست هي معجزة النبي صلى الله عليه وسلم سيدنا موسى وسيدنا عيسى، الكتاب التوراة والإنجيل ليس بمعجز معجزة سيدنا موسى كما تعرفون العصا وفلق البحر وكثير من المعجزات التي رآها بنو إسرائيل بأعينهم ومع ذلك كذبوها وسيدنا عيسى عليه السلام كما تعرفون أيضاً يعني يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى الخ المعجزات اليقينية فالفرق بين القرآن الكريم والتوراة والإنجيل أن القرآن الكريم هو معجزة النبي الخالدة وليس له معجزة أعظم ولا أول ولا بعد ولا قبل هذه المعجزة من حيث أن هذا القرآن يستطيع كل واحد منذ أن أنزل ونزل إلى يوم القيامة أن يفهمه فهماً مخالفاً للآخر وكلاهما صحيح، كل واحد يفهمه بعقليته ومدى معرفته وفرشة حضارته وحاجاته وتقاليد عصره وتقاليد مجتمعه. الكلمة القرآنية معبأة بمعانٍ لا حصر لها ولاحظ أنت المفسرين في كل جيل لاحظ أنت بين كل مفسر ومفسر حوالي مائة سنة كل واحد يأتي بمعنىً جديد لم يخطر على بال الذي سبقه وكلاهما صحيح ذاك صحيح في زمانه وهذا صحيح في زمانه وكلٍ منا عليه أن يفهم القرآن كما لو كان قد أنزل عليه الآن هذا الفرق.
آية (86):
*(كَيْفَ يَهْدِي اللّهُ قَوْمًا كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ (86) آل عمران) يجيء البيان القرآني من جديد بالاستفهام ويُعرِض عن البيان بالخبر لغرضٍ أراده الله تعالى لا يتأتى إلا بهذا الاستفهام، فما هو هذا الغرض؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
لو أعملت فكرك في حال القوم وكيف كفروا وكذبوا بعدما شهدوا الحق لعلمت أن المراد بالاستفهام استبعاد الهداية عنهم وهذا حالهم.
* آية (86):
*ما الفرق من الناحية البيانية بين (جاءهم البيّنات) و(جاءتهم البيّنات) في القرآن الكريم؟ (د.فاضل السامرائى)
هناك حكم نحوي مفاده أنه يجوز أن يأتي الفعل مذكراً والفاعل مؤنثاً. وكلمة البيّنات ليست مؤنث حقيقي لذا يجوز تذكيرها وتأنيثها. لماذا جاء بالاستعمال فعل المذكر (جاءهم البيّنات) مع العلم أنه استعملت في غير مكان بالمؤنث (جاءتهم البيّنات)؟
جاءتهم البيّنات بالتأنيث: يؤنّث الفعل مع البيّنات إذا كانت الآيات تدلّ على النبوءات فأينما وقعت بهذا المعنى يأتي الفعل مؤنثاً كما في قوله تعالى في سورة البقرة (فَإِن زَلَلْتُمْ مِّن بَعْدِ مَا جَاءتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ {209}).
أما جاءهم البيّنات بالتذكير: فالبيّنات هنا تأتي بمعنى الأمر والنهي والتذكير فيه معنى القوة اختيار القوة وحيثما وردت كلمة البيّنات بهذا المعنى من الأمر والنهي يُذكّر الفعل كما في قوله تعالى في سورة آل عمران: (كَيْفَ يَهْدِي اللّهُ قَوْماً كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُواْ أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ {86}) و (وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ {105}) وفي سورة غافر: (قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَمَّا جَاءنِيَ الْبَيِّنَاتُ مِن رَّبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ {66}).
آية (88):
*ما الفرق بين استخدام كلمة (يُنصرون) في سورة البقرة وكلمة (يُنظرون) في سورة البقرة وآل عمران؟ (د.فاضل السامرائى)
قال تعالى في سورة البقرة: (أُولَـئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآَخِرَةِ فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ {86}) وقال في سورة البقرة أيضاً (خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ {162}) وفي سورة آل عمران (خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ {88})
لو نظرنا في سياق الآيات في سورة البقرة التي سبقت آية 86 لوجدنا الآيات تتكلم عن القتال والحرب والمحارب يريد النصر لذا ناسب أن تختم الآية 86 بكلمة (ينصرون) أما في الآية الثانية في سورة البقرة وآية سورة آل عمران ففي الآيتين وردت نفس اللعنة واللعنة معناها الطرد من رحمة الله والإبعاد والمطرود كيف تنظر إليه؟ كلمة يُنظرون تحتمل معنيين لا يُمهلون في الوقت ولا يُنظر إليهم نظر رحمة فإذا أُبعد الإنسان عن ربه وطُرد من رحمة الله فكيف يُنظر إليه فهو خارج النظر فلما ذكر الآيتين في سورة البقرة وسورة آل عمران استوجب ذكر (يُنظرون).
آية (90)-(91) :انظر آية (35)
*ورتل القرآن ترتيلاً:
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ الأرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ (91) آل عمران) هل يمكن أن تتخيل الأرض وهي مملوءة بالذهب؟ إن ذلك من المستحيلات ولكن القرآن استطاع بهذه الصورة أن يُكنِّي عن الكثرة المتعذرة المستحيلة التي تقوّي بدورها عدم قبول التوبة وفداء الكفار الذين ماتوا وهم على ذلك.
آية (90)-(91) :
* ما وجه الاختلاف من الناحية البيانية بين قوله: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْرًا لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الضَّآلُّونَ (90) آل عمران) (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ الأرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ (91) آل عمران)؟(د.فاضل السامرائى)
ينبغي أن نعلم الفرق بين الواو والفاء في التعبير حتى نحكم. الواو لمطلق الجمع، الجمع المطلق، قد يكون عطف جملة على جملة (فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (96) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُواْ بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (97) الأنعام). الفاء تفيد السبب، هذا المشهور في معناها (درس فنجح) فإذا كان ما قبلها سبباً لما بعدها أي الذي قبل يفضي لما بعدها يأتي بالفاء ولا يأتي بالواو لأنه لمطلق الجمع. هذا حكم عام ثم إن الفاء يؤتى بها في التبكيت أي التهديد. لو عندنا عبارتين إحداهما فيها فاء والأخرى بغير فاء وهو من باب الجواز الذِكر وعدم الذِكر نضع الفاء مع الأشد توكيداً. (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْرًا لَّمْ يَكُنِ اللّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً (137) النساء) ليس فيها فاء. (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ (34) محمد) لأنهم لا تُرجى لهم توبة. وفي الأولى هم أحياء قد يتوبون. لما لم يذكر الموت لم يأت بالفاء ولما ذكر الموت جاء بالفاء (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْرًا لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الضَّآلُّونَ (90) آل عمران) (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ الأرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ (91) آل عمران) الآيتان فيهما نفس التعبير: النفي بـ (لن) واحدة جاءت بالفاء فالآية الأولى تتحدث عن قوم ماتوا وانتهوا ولن يقبل منهم توبة بعد الموت (وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ) انتهى عملهم أما الآية الثانية فهي تتحدث عن قوم كفروا ولم يموتوا ومجال التوبة ما زال مفتوحاً أمامهم. الفاء هنا تقع في جواب اسم الموصول لشبهه بالشرط فجاءت الفاء زيادة للتوكيد.. النُحاة يقولون قد تأتي الفاء للتوكيد.
هناك أمران: الأول أن الفاء تكون للسبب (سببية) ” درس فنجح” سواء كانت عاطفة “لا تأكل كثيراً فتمرض” يُنصب بعدها المضارع. ينبغي أن نعرف الحكم النحوي حتى نعرف أن نجيب. التبكيت والتهديد بالفاء أقوى (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ (85) آل عمران) (ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ (34) محمد) في القرآن وغير القرآن إذا كان ما قبلها يدعو لما بعدها، يكون سبباً لما بعدها، أو يفضي لما بعدها يأتي بالفاء (السببية) ولا يؤتى بالواو. في غير القرآن نقول لا تأكل كثيراً فتمرض، ذاك أفضى لما بعد، الزيادة في الأكل سبب المرض. إذن هذا كحكم لغوي. ما قبلها سبب لما بعدها وإذا كان الأمر كذلك يؤتى بالفاء وإذا كان مجرد إخبار تقول فلان سافر وفلان حضر، تخبر عن جملة أشياء وليس بالضرورة أن هناك أسباب. هذا المعنى اللغوي العام في القرآن (بلسان عربي). إذا كان ما قبلها يفضي لما بعدها يأتي بالفاء ونضرب أمثلة ومنها السؤال عن الفرق بين أولم يسيروا وأفلم يسيروا.
سؤال: لماذا لا نفهم نحن القرآن الآن كما فهموه في السابق؟ لأنهم كانوا يتكلمون اللغة على سجيتها ونحن نتعلم لا نعرف النحو ولا البلاغة. علم اللغة نفسها لا نأخذه إلى على الهامش ولا نُحسن الكلام أصلاً. علم النحو مفيد في فهم نص القرآن الكريم. والعلماء يضعون للذي يتكلم في القرآن ويفسره شروطاً؛ أولها التبحر في علوم اللغة وليس المعرفة ولا تغني المعرفة اليسيرة في هذا الأمر. النحو والتصريف وعلوم البلاغة من التبحّر فيها يجعلك تفهم مقاصد الآية فإذا كنت لا تعرف معنى الواو والفاء ولا تعرف ما دلالة المرفوع والمنصوب لن تفهم آيات القرآن
آية (93 ):
*د.حسام النعيمى:
قال تعالى: (قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (93) اليهود حرّفوا التوراة قبل الرسول (صلى الله عليه وسلم) عن مواضعه، ومن بعد أن وضعوه في مواضعه عادوا مرة أخرى وحرّفوه. غيّروا فيها تغييراً جديداً ومع ذلك بقيت إشارة إلى نبوة محمد (صلى الله عليه وسلم) في التوراة.
آية ( 94):
*قال تعالى: (فَمَنِ افْتَرَىَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (94)) آل عمران عرف كلمة الكذب مع أن القرآن الكريم استخدمها نكرة كما في سورة يونس (17) ما دلالة تنكير الكذب أو تعريفه؟(د.فاضل السامرائى)
المعرفة هي ما دلّ على شيء معين. الكذب يقصد شيئاً معيناً بأمر معين هنالك أمر في السياق يقصده فذكر الكذب، فلما يقول الكذب فهو كذب عن أمر معين بالذات مذكور في السياق أما عندما يقول كذب فيشمل كل كذب مثل قوله تعالى: (كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِـلاًّ لِّبَنِي إسرائيل إِلاَّ مَا حَرَّمَ إسرائيل عَلَى نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُواْ بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (93) فَمَنِ افْتَرَىَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (94) آل عمران) الكلام عن الطعام، أمر معين، هو حرّم على نفسه وكذب على الله وقال حرّم كذا قال فاتوا بالتوراة في هذه المسألة مسألة الطعام فقال: (فَمَنِ افْتَرَىَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ) لأن الكذب في مسألة معينة محددة.
التنكير كذب يشمل كل كذب وليس الكذب في مسألة معينة (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ (17) يونس) لم يذكر مسألة معينة حصل كذب فيها فالكذب عام. إذن التنكير في اللغة يفيد العموم والشمول.
*ورتل القرآن ترتيلاً:
(فَمَنِ افْتَرَىَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (94) آل عمران) الافتراء هو الكذب والافتراء في الأصل مأخوذ من الفري وهو قطع الجلد، وافترى الجلد كأنه اشتدّ في تقطيعه تقطيع إفساد. فأُطلق الافتراء على الكذب بغرض الإفساد وأيُّ إفساد أعظم من إفساد شريعة الله تعالى؟!
آية (96):
*(إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ (96) آل عمران) لقد مرّ في سورة البقرة قوله تعالى: (وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل) فلِمَ جاءت الآية هنا بكلمة (وضع) ولم يتكرر فعل (يرفع)؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
اعلم أن الوضع هنا هو الحطّ وهو ضد الرفع ولما كان الشيء المرفوع بعيداً عن التناول كان الموضوع قريب التناول وأُطلق هنا الوضع ليدل على دنوّه وقربه ولتهيئة انتفاع الناس به وأُطلق الرفع في بناء إبراهيم (عليه السلام) للبيت تشريفاً لإبراهيم وإسماعيل عليهما السلام في رفع قواعد البيت.
(إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ (96) آل عمران) إذا علمت أن بكة هي مكة وأن المقصود من البيت هو الكعبة فلِمَ لم تصرِّح الآية باسم العلم (الكعبة) ولِمَ جاءت بلفظ بكة دون مكة؟ أضف إلى معلوماتك أن بكة بالباء اسم موضع البيت ومكة بالميم هي اسم بقية الموضع، هذا من جهة. ومن جهة أخرى عدل عن اسم العلم وهو (الكعبة) إلى تعريفه بالموصولية بأنه (للذي ببكة) لأن هذه الصلة أشهر عند السامعين بخلاف اسم الكعبة فقد أُطلِق اسم الكعبة على القُلّيس الذي أطلقه أبرهة الحبشي في صنعاء لذا كان الاختيار الأفصح (بكة) لأهمية هذا المكان ولخصوصية ما يتعلق به من أحكام.
آية (96):
* (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96) آل عمران) هل البيت الحرام كان موجوداً قبل إبراهيم عليه السلام وهل بُني أو وُضِع للناس؟(د.حسام النعيمى)
علماؤنا خاضوا في هذا الأمر منهم من قال بناه آدم، ومنهم من قال ابتدأ بناءه نوح ومنهم من قال بنته الملائكة. بعض المفسرين يقول حتى يجمع الآراء والروايات الواردة قال يمكن أن نقول بنته الملائكة وبمرور الوقت خرب وجدده آدم ثم جدده إبراهيم. قول الله تعالى: (إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة) يعني في هذا المكان الذي يزدحم فيه الناس ولم يقل (مكة) لأن مكة كبيرة واسعة حتى لا يأتي شخص ويقول البيت ليس هنا وإنما في مكان آخر في مكة. (للذي ببكة) هذا الذي تزدحمون عنده قاطع ولم ترد فيه قراءة أخرى.
* ما سبب المغايرة بين استعمال (بكة) و(مكة) في القرآن؟(د.حسام النعيمى)
قال تعالى:(إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96) فِيهِ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إبراهيم وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آَمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (97) آل عمران) هنا بكة ولم ترد حتى في القرآءات الشاذة مكة. والآية الأخرى (وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (24) الفتح) هنا أيضاً ما اطّلعت على قراءة بكة. هو الباء والميم يتعاوران لأن المخرج واحد من الشفتين الميم طبعاً خيشومية متوسطة والباء شديدة انفجارية. ليس مسألة إبدال لو جئنا للاشتقاق: نجد أن كلمة بكة مأخوذة من البكّ (ب-ك-ك) بكك بمعنى ازدحم فكأن القرآن الكريم يريد أن يقول لنا إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة ولذلك أكّده (للذي) لنا هو المكان الذي تزدحمون فيه في الطواف مكان الازدحام ووضحه أكثر قال (فِيهِ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إبراهيم). قد يقول قائل: لماذا؟ كأنه تحرزاً حتى لا يأتي يوم من الأيام ويقول قائل إن أول بيت في مكة لكن ليس في هذا الموضع وإنما هو في موضع آخر. يعني مكة هي المدينة فحتى يعيّنه قال البيت الذي تزدحمون حوله هو هو الذي كان أول بيت وضع (مكان مزدحم) لو قال: (الذي بمكة) مكة واسعة يأتي شخص يقول لك ليس هذا البيت هو المقصود ربما يكون في مكان آخر. المدينة نفسها مكة لأنها تمكّ الناس كأنها تمتصهم للمجيء إليها يعني من مكّ الفصيل ضرع أمه، تجذب الناس إليها وهي المدينة الواسعة وفعلاً لو كانوا عند البيت لا ميزة بكفّ القتال عنهم لأنهم لا يقاتلون عند البيت لكن ببطن مكة عموماً يمكن يصير قتال فكفّ أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة فاستعملت مكة.
*هل يجوز أن تكون الميم مبدلة كما يقول النحويون من الباء مثل كقول (لازم ولازب) و(سبد شعره وسمد)؟
لا يبعد هذا في الحقيقة أن يكون هناك لكن هذا أصل وهذا أصل. يعني إبدال الميم من الباء أو العكس لوجود هذا التشابه قد يحصل لكن هنا صار لهذه معنى ولهذه معنى بينما لازم ولازب معنى واحد نفس المعنى فقط. هم عندما يبدلون لا يغيّرون المعنى لكن لما يبدل الجانب الصوتي المعنى لا يتغير إنما بسبب خلل في السمع أو تقديم وتأخير. عندما يقول هذه ضربة لازم وضربة لازب لأنه الباء صحيح هو شديد وانفجاري ومجهور لكن إذا وقفت عليه من غير قلقلة يموت جهره يعني يصير كأنه بين بين لازب ولازم حقيقة يصير P بالإنجليزية لأن ولادته تكون بعمليتين: انطباق وانفصال فلما ينطبق ولا ينفصل يكون نصف باء يعني نصف شديد والميم نصف شديد يبدأ شديداً ويخرج الهواء من الأنف تتمثل فيه صفة الشدة أولاً وصفة الرخاوة في الآخر.
آية (97):
*قال تعالى في سورة آل عمران: (فِيهِ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إبراهيم وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آَمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (97)) وقال في سورة إبراهيم: (وَقَالَ مُوسَى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ (8)) فما سبب الاختلاف؟(د.فاضل السامرائى)
في سورة آل عمران: (فِيهِ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إبراهيم وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آَمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (97)) باستخدام صيغة الماضي وفي آية سورة إبراهيم (وإن تكفروا) بصيغة المضارع. فعل الماضي بعد أداة الشرط مع المستقبل يفترض الحدث مرة واحدة أما فعل المضارع فيدلّ على تكرار الحدث.
آية (98):
*ورتل القرآن ترتيلاً:
(قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ (98) آل عمران) انظر كيف تنوع الخطاب القرآني بأساليب الإنشاء وما ذلك إلا لأغراض أرادها من ورائه، فأولاً جاء بالأمر (قُل) اهتماماً بالمقول وافتتح المقول بالنداء تسجيلاً عليهم ثم بالاستفهام إنكاراً لكفرهم بآيات الله تعالى فتذوق تفنن التعبير القرآني ودلالالته.
آية (100):
* لماذا قال تعالى: (أوتوا الكتاب) ولم يقل (آتيناهم الكتاب)؟(د.فاضل السامرائى)
القرآن الكريم يستعمل أوتوا الكتاب في مقام الذم ويستعمل آتيناهم الكتاب في مقام المدح. قال تعالى: (وَلَمَّا جَاءهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ كِتَابَ اللّهِ وَرَاء ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ (101) البقرة) هذا ذم، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ (100) آل عمران) هذا ذم . بينما آتيناهم الكتاب تأتي مع المدح (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ (121) البقرة) مدح،(الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ (52) القصص) مدح . هذا خط عام في القرآن على كثرة ما ورد من أوتوا الكتاب وآتيناهم الكتاب حيث قال أوتوا الكتاب فهي في مقام ذم وحيث قال آتيناهم الكتاب في مقام ثناء ومدح. القرآن الكريم له خصوصية خاصة في استخدام المفردات وإن لم تجري في سنن العربية. أوتوا في العربية لا تأتي في مقام الذم وإنما هذا خاص بالقرآن الكريم. عموماً رب العالمين يسند التفضل والخير لنفسه (آتيناهم الكتاب) لما كان فيه ثناء وخير نسب الإيتاء إلى نفسه، أوتوا فيها ذم فنسبه للمجهول (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا (5) الجمعة) (وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِن بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ (14) الشورى)، أما قوله تعالى (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا (32) فاطر) هذا مدح.
آية (101):
*ورتل القرآن ترتيلاً:
(وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ (101) آل عمران) انظر هنا كيف استطاع الاستفهام أن يُلقي ظلاله البلاغية فالاستفهام هنا ليس حقيقياً بل خرج إلى معنى الاستبعاد، استبعاد كفر المؤمنين ونفيه.
ورتل القرآن ترتيلاً:
قال تعالى (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ (103) آل عمران) الحبل في الأصل ما يُشدّ به للارتقاء أو النجاة أو نحوه. فانظر بلاغة القرآن العظيمة في تصويره لهيئة اجتماعهم على دين الله كاستمساك جماعة بحبل أُلقي إليهم من منقذ لهم من غرق أو سقوط ليرتقوا به إلى القمم. فما أعظم هذه الاستعارة التمثيلية البليغة التي جُعلت الآية فيه على أقوى وجه لتمام البلاغة لكثرة ما فيها من المعاني.
(وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا (103) آل عمران) تدبر هذا التمثيل الرائع لهذه النعمة التي حظيت بها الأمة. ألا ترى كيف نقلك قوله تعالى (شفا حفرة) إلى عالم التخيل وكيف استطاع هذا القول أن يقرِّب لك المعقول باستعارة المحسوس إليه. فالنار حقيقة وتصويرها بحفرة تمثيل وتصوير لكنك ما كنت لتتخيل شناعة هذا الموقف وحال إنقاذك منها دون هذه الصورة الرائعة فما أكمل بيان الله عز وجل!
* ما اللمسة البيانية في استعمال تفرقوا و تتفرقوا في القرآن الكريم؟(د.فاضل السامرائى)
قال تعالى في سورة آل عمران: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103).
نلاحظ في القرآن كله وليس فقط في هذه الآية الحذف كما جاء في القرآن مثل (تنزّل وتتنزّل، تبدّل وتتبدّل- توفاهم وتتوفاهم) وهذا الحذف في عموم القرآن وحيث ورد مثل هذا التعبير في القرآن سواء في الفعل أو غيره يكون لأحد أمرين:
1. للدلالة على أن الحدث أقلّ.
2. أن يكون في مقام الإيجاز.
في آية (103) آل عمران فالكلام هنا عن أمة واحدة لكل المسلمين وقد نهاهم الله تعالى عن أي جزء من التفرّق ولو كان قليلاً فقال تفرقوا، أما في قوله تعالى: (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إبراهيم وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (13) الشورى) فالكلام لكل البشر وذكر كل الأنبياء من زمن نوح إلى قيام الساعة فقال تتفرقوا.
*وفى إجابة أخرى:(د.فاضل السامرائى)
قال تعالى في سورة الشورى: (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إبراهيم وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (13)) وقال في سورة آل عمران (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103)) في الآية الأولى الوصية خالدة من زمن سيدنا نوح (عليه السلام) إلى خاتم الأنبياء (صلى الله عليه وسلم) فجاء الفعل (تتفرقوا) أما في الآية الثانية فهي خاصة بالمسلمين لذا جاء الفعل (تفرّقوا). السبب واضح لأن الأمة المحمدية هي جزء من الأمم الإسلامية المذكورة في الآية الأولى وآية آل عمران هي جزء والأمة المخاطبة فيها جزء من الأمم المخاطبة في آية سورة الشورى. وكذلك فالحدث ممتد في الأولى قال: (تتفرقوا) والحدث محدد في الثانية فقال (تفرقوا). والملاحظ في الآية فالأولى وصية خالدة لأمة الإسلام على مدى الأزمان من زمن نزح إلى خاتم الأنبياء (ولا تتفرقوا فيه) لأن هذا هو المأتى الذي يدخل إليه أعداء الإسلام فيتفرقون به لذا جاءت الوصية خالدة مستمرة فنهاهم عن التفرّق، ونلاحظ أنه تعالى وصّى الأمم مرة ووصّى الأمة الإسلامية مرتين. والآية الأولى أشد تحذيراً للأمة الإسلامية (شرع لكم من الدين ما وصّى به نوحاً والذي أوحينا إليك) لم يكتف بـ(شَرَع لكم) بل زاد (والذي أوحينا إليك). شرعه لنا في الوصية العامة لنوح وخصّ بالذي أوحينا إليك ثم خصّ الأمة الإسلامية في الآية الثانية. والحذف له سببان هنا الأول لأن الأمة المحمدية أصغر. ونهانا عن التفرّق مهما كان قليلاً وأراد ربنا تعالى أن نلتزم بهذا الأمر (لا تفرقوا) وقال (واعتصموا بحبل الله جميعا) جاء بالحال المؤكِّدة (جميعاً) وأراد التشديد على الالتزام بهذا الأمر. أكد على الجمع الكامل وعلى سبيل العموم والاستغراق كأنه فرض عين على الجميع فلا يُعفى أحد من المسؤولية أن لا نتفرق وأن نعتصم بحبل الله الفرد قد يهدم أمّة كما أنه قد يبني أمة وأن لا نتفرّق هو فرض عين وليس فرض كفاية، وذكرهم بنعم الله عليهم ونهاهم عن التشبّه بمن تفرّق واختلف (ولا تكونوا كالذين تفرقوا) وتوعدهم على الاختلاف بالعذاب العظيم وأطلق العذاب ولم يحصره في الآخرة إنما قد يطالهم في الدنيا والآخرة. المصدر لا يعمل بعد وصفه وصِف بـ عظيم بمعنى اذكروا يوم تبيض وجوه وتسود وجوه (يوم تبيض وجوه وتسود وجوه) ليست متعلقة بالعذاب العظيم. التفرّق يكون عذابه عظيماً في الدنيا والآخرة.
وقوله تعالى: (والذي أوحينا إليك) اختار الاسم الموصول (الذي) عندما ذكر شريعة محمد (صلى الله عليه وسلم) ولم يقل (وما أوحينا إليك) مع أن كليهما اسم موصول لأن (الذي) أعرف وأخصّ من (ما) التي تشترك في المفرد والمثنى والجمع والمذكر والمؤنث والعاقل وغير العاقل أما (الذي) فهي للمفرد وتسمى مختص. وقد بيّن تعالى شريعتنا وعرفناها وعرفنا الأوامر والنواهي فجاء بالأعرف (اسم الموصول الذي)، لا نعلم على وجه التفصيل ما وصّى الله تعالى نوحاً وعيسى وموسى وإبراهيم لذا اختار سبحانه (ما) اسم الموصول غير المعرّف.
آية (103):
*د.أحمد الكبيسي:
مرة واحد أعرابي بدوي كان جالساً وأحد القرّاء أعتقد أنه عبد الله بن مسعود يقرأ القرآن في المسجد النبوي والأعرابي ينصت للقارئ فقرأ هذه الآية (وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا (103) آل عمران) فانتفض الأعرابي وقال: والله ما أخرجنا منها وهو يريد أن يعيدنا فيها ثانية فقال ابن مسعود خذوها من غير فقيه.
آية (105):
* ما الفرق بين جاءهم البينات وجاءتهم البينات؟ (د.فاضل السامرائى)
القرآن أحياناً يستعمل معنى الكلمة فيذكر ويؤنث بحسب المعنى. البيّنات حيث كانت بمعنى العلامات الدالّة والآيات والمعجزات أنّثها وحيث كانت بمعنى الأمر والنهي ذكّرها. (فَإِن زَلَلْتُمْ مِّن بَعْدِ مَا جَاءتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (209) هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلآئِكَةُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الأمُورُ (210) سَلْ بَنِي إسرائيل كَمْ آتَيْنَاهُم مِّنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللّهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُ فَإِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (211) البقرة) هذه آيات. (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَـكِنِ اخْتَلَفُواْ فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلُواْ وَلَـكِنَّ اللّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ (253) البقرة) هذه آيات. (يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم …من بعد ما جاءتهم البينات) هذه معجزات. في التذكير (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ (102) وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103) وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104) وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105) آل عمران) ذكّر لأنها بمعنى الدين أو الأمر والنهي وليست بمعنى المعجزات وإنما هي أوامر بمعنى الأمر والنهي أو الدين وحبل الله.
*(كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ (110) آل عمران) إذا علمت أن الاهتمام غالباً هو سبب التقديم في الكلام دون غيره فهل لقائل أن يقول إن الإيمان بالله يأتي في المرتبة الثانية بعد فضيلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
الجواب طبعاً لا وإنما قدّم ما هو الأهم في هذا المقام للتنويه بفضيلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتأخر الكلام عن الإيمان دليلاً على أن إيمانهم ثابت محقق من قبل وتأخير ما هو أقوى في التربة لا يضعف من أهميته وإنما يزيد من أهمية ما سبقه.
*في قوله تعالى: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ (110) آل عمران) ما فائدة البناء للمجهول؟ (د.فاضل السامرائى)
ما قال خرجت لأن ربنا أخرجها إخراجاً، هذه الأمة الإسلامية ربنا أخرجها بالصورة التي أرادها أُخرجت للناس ولم يقل خرجت من تلقاء نفسها. (خرجت) يعني خرجت من نفسها وليست برسالة، أخرج فعل متعدي (أخرجته)، خرج فعل لازم (خرجت من البيت). (أُخرجت للناس) أي أن الله سبحانه وتعالى أخرجها على نمط معيّن كما يريد ولم تخرج من تلقاء نفسها كما تخرج الحشائش والأدغال في النبات. الزارع ينتقي ويعلم ما يزرع وهذه الأمة أُخرِجت إخراجاً إلى الناس ولم تخرج من تلقاء نفسها وفق منهج معين معدّ واختيار دقيق. هذه الأمة أُخرجت بهذا المنهج لهذا الغرض للناس كافة.
*في سورة الحديد قال تعالى: (وكثير منهم فاسقون) وفي آل عمران استخدم اسم التفضيل (أكثر) فلماذا؟ (د.فاضل السامرائى)
قال سبحانه وتعالى في سورة الحديد: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإبراهيم وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُم مُّهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ (26)) ثم قال (ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الإنجيل وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاء رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ (27))
كثير على وزن فعيل وهي صفة مشبهة، أكثر اسم تفضيل. يعبّر بـ (أكثر) إذا كان السياق في تعداد أسوأ الصفات والإطالة في ذكرها. (أكثرهم) جاءت صيغة التفضيل هذه في مكانين في المائدة وآل عمران. في آية الحديد ذكر وانتقل إلى كلام آخر ليس له علاقة بأهل الكتاب، فالكلام عن أهل الكتاب جزء من آية ثم انتقل بكلام آخر ليس له علاقة بأهل الكتاب.. في آل عمران الآيات من (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إبراهيم وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالإنجيل إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (65) هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (66) مَا كَانَ إبراهيم يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (67) إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإبراهيم لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ (68) وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (69) يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (70) يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (71) وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آَمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آَخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (72) وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (73) يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (74) وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75) بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (76) إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (77) وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (78)) ومن (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ (98) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (99) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ (100) وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آَيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (101)) (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آَمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110) لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ (111) ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (112) لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آَيَاتِ اللَّهِ آَنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (113) يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (114) وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (115)) آيات كثيرة أفاض فيها فقال (أكثر). أما التي لا يطيل فيها فيقول (كثير). قد تشترك صيغة فعيل في المبالغة والصفة المشبهة واسم المفعول من حيث الصيغة فقط أما إذا كان أصل الفعل متعدياً تصير مبالغة وإذا كان أصل الفعل لازماً تصير صفة مشبهة. مثال: سميع من سمع وهو فعل متعدي إذن سميع صيغة مبالغة، عليم من علم وهو فعل متعدي إذن عليم مبالغة، حتى في رحيم قالوا إذا كانت من رحِم فعل متعدي فهي مبالغة وإذا كانت من رَحُم فعل لازم تصير صفة مشبهة. وعندنا فعُل أبلغ من فعِل وأحياناً نحوِّل إلى فعُل بقصد المبالغة. طويل من طال فعل لازم فطويل صفة مشبهة وكذلك قصير وقبيح وجميل صفة مشبهة.
آية (110):
* (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آَمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110) آل عمران) لِمَ جاء لفظ كنتم في الماضي؟(د.حسام النعيمى)
(كنتم خير أمة أُخرجت للناس) يعني هذا وجودكم هذه كينونتكم. (أُخرجت للناس) يعني أُوجِدت إيجاداً. كنتم خير أمة أخرجت للناس لا تعني في الماضي والآن أنتم لستم خير أمة لكن أنتم كوّنتم أمة خيرية. لماذا كوّنتم؟ لأن هذه الأمة أمة عالمية ليست أمة عرقية. من بدء الإسلام كان فيها العربي والفارسي والحبشي والرومي وليس عبثاً أن يدخل هؤلاء في الإسلام في أول تكوينه في مكة في بنية الإسلام. هذا التكوين يكوين خيري ثم وصفهم (تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله). هذا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والكينونة متصلة بالوجود حقيقة.
مسألة (كان) وكونها لا تشير إلى الماضي دائماً ولكن بحسب موقعها قد تشير إلى معنى الاستمرار (وكان الله غفوراً رحيما) يعني هذا هو الله هذا شأنه سبحانه وتعالى أنه غفورً رحيم. أنه بهذه الصفة والله تعالى موصوف بالمغفرة وبالرحمة وهذا كونه هكذا وجوده ولا يعني أنها في الماضي.
* ما المقصود بكلمة أمة في الآية (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ (110) آل عمران)؟(د.حسام النعيمى)
الأمّة في اللغة لها أكثر من معنى، من معانيها الجماعة من الناس الذي هم على فكر واحد أو على اعتقاد واحد يسمون أمة ولذلك (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ (110) آل عمران) هذا لا يعني العِرق العربي وإنما أمة الإسلام يعني بدخولكم هذا الدين ومن دخل معكم تكونون أمة. لكن عندنا معاني أخرى لكلمة أمّة، في اللسان نجد ينقل أكثر من معنى لهذه اللفظة فمن معانيها الأمة الرجل المتفرد في علمه، في خلقه، لما يكون منفرداً في شيء يقولون فلان أمة يعني كأن الأمة اجتمعت فيه بكل عقولها بكل أذهانها. من معاني الأمة الرجل المُتّبَع. وكِلا هذين المعنيين يصلح على إبراهيم (عليه السلام) الرجل الذي لا نظير له والإمام المتّبع. مثل قوله تعالى: (إِنَّ إبراهيم كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا) قال أبو عبيدة أن أمة أي إماماً” فإذن يحتمل من حيث اللغة هذا المعنى أيضاً المعنى الآخر لا يبعد أنه كان أمة كان منفرداً عن سواه بالرسالة، بالنبوة، هولا نظير له بينهم.
*ما سر تقديم وتأخير (يؤمنون بالله) في آيات سورة آل عمران؟(الشيخ خالد الجندي)
قال تعالى في سورة آل عمران: (لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آَيَاتِ اللَّهِ آَنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (113) يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (114)) وقال تعالى في آية أخرى في نفس السورة: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آَمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110)) إذا لاحظنا ترتيب المواصفات في الآيتين لوجدنا أن آية 114 في سورة آل عمران جاء فيها (يؤمنون بالله) في البداية ثم تلاها يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر أما في الآية 110 فجاءت في آخر الترتيب وذلك لأن الخطاب في هذه الآية هو للمسلمين ونحن آخر الأمم من حيث الترتيب الزمني فجاء الإيمان بالله آخراً لأن هناك من سبقونا بالإيمان من أهل الكتاب من اليهود والنصارى. أما في الآية 114 فالخطاب لأهل الكتاب الذين أسلموا قبل بعثة الرسول (صلى الله عليه وسلم) وفي زمن أنبيائهم موسى وعيسى عليهما السلام لذا جاء قوله تعالى يؤمنون بالله أولاً في الترتيب ثم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
(يسارعون في الخيرات) المسارعة في الخيرات هو أسلوب القرآن الكريم وهناك فرق بين فعل الخير وبين المسارعة فيه والله تعالى يريد منا المسارعة في الخير ويريدنا أن نلجأ إليه كالذي يفِرّ (ففروا إلى الله) ولم يقل امشوا أو اذهبوا. المسارعة إذن واجبة وهي التوجه بإقبال واندفاع إلى الله تعالى ولا نكون كالمنافقين الذين إذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى.
(يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر) المعروف هو ما تعارف عليه الناس واتفقوا عليه بشرط أن يصطدم بشرع أي لا يحلّ حراماً أو يحرّم حلالاً. أما المنكر فهو ما استنكره الناس كالكذب والغش والغدر والاعتداء على الآخرين والخوض في الأعراض والخيانة وغيرها.
*لماذا عبّر تعالى بكلمة الفاسقين بدل الكافرين في قوله تعالى: (مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110) آل عمران)؟(الشيخ خالد الجندي)
قال تعالى في سورة آل عمران: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آَمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110)) نعلم أن المؤمنين يقابلهم الكافرون ولكن الله تعالى استخدم لفظ (الفاسقين) في مقابل المؤمنين في الآية . المؤمن عكسها كافر وطائع عكسها فاسق. وكما أن الإيمان مراحل إسلام، إيمان، تقوى، إحسان، اطمئنان كذلك الكفر مراحل. وكلمة كافر تُطلق على واحد من ثلاثة أنواع:
1. ملحد وهو الذي لا يؤمن بوجود إله
2. مشرك وهو الذي يؤمن بوجود الله ولكنه يُشرك معه إلهاً آخر
3. وكافر وهو الذي يؤمن بوجود إله واحد لكنه يرفض عبادته وتصديق ما بعثه إلى رسله.
إبليس عليه لعنة الله تعالى كان يعترف بوجود الله الواحد لكنه رفض أوامر الله تعالى وعصاه (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إبليس أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (34) البقرة).
والكفر إما أن يكون عن جهالة ويقال لصاحبه كافر أصلي وإما أن يكون عن علم كأن يكون مؤمناً ثم يكفر مثل إبليس ويقال لصاحبه فاسق (فسق اشتقت من فسقت النواة من التمرة إذا خرجت منها بمعنى كانت فيها ثم خرجت منها) فالخارج من منهج الله تعالى يسمى فاسق (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إبليس كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا (50) الكهف) فالفاسق هو أسوأ أنواع الكفار.
إذن من حيث العقيدة هناك كافر ومشرك وملحد ومن حيث الأصل هناك كافر أصلي وكافر فاسق ومن حيث إعلان الكفر هناك كافر صريح ومنافق.
وقوله تعالى: (منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقين) الآية تتحدث عن الذين كانوا يعرفون علامات الرسول (صلى الله عليه وسلم) من كتبهم ويعرفون صفاته ف التوراة والإنجيل ثم حرّفوها وكتموا عليها فأولئك كفروا وهم يعلمون أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) حق من قبل أن يُبعث وكفروا به بعد البعثة فكان من الأنسب استخدام لفظ الفاسقين بدل الكافرين فسبحان الله تعالى ما أعظم هذا القرآن وما أعظم هذه اللغة التي بها نزل!
آية (111):
* لماذا جاءت (يضرُّكم) بالرفع في آية سورة آل عمران: (إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (120))؟ (د.فاضل السامرائى)
أولاً من يقول أن (يضُرُّكم) مرفوعة؟ ومن يقول إنها حالة رفع؟ هذا الفعل مجزوم وللآية قراءتان متواترتان إحداها بالفتح (يضرَّكم) والثانية بالرفع (يضرُّكم). هذا الفعل مجزوم بالسكون حُرِّك لالتقاء الساكنين وكانت الحركة الضمّ للاتباع. وهذا الفعل (ضرّ) فعل ثلاثي مضعّف إذا جُزِم وكان مضموم العين في المضارع مثل عدّ يعُدّ وشدّ يشدّ إذا جُزم فعليه أربعة أحوال:
1. فكّ الإدغام مع الجزم (يضرر) مثل قوله تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (13) الأنفال) وقوله تعالى: (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (217) البقرة) وهذا يسري على جميع المضعّفات في حالة الجزم إذا أُسند إلى ضمير مستتر أو اسم ظاهر.
2. الإدغام والفتح كأن نقول لن يضُرَّك كما في قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ (المائدة 54) بالفتح وهذا مجزوم لكن لمّا صار إدغام التقى ساكنان فعندما ادغمنا الأول يصير ساكناً والثاني ساكن فلا بد من الحركة وعندنا أوجه تحريك إما أن نحركه بالفتح لأنها أخفّ الحركات مثل (يرتَّد) مجزوم وعلامة جزمه السكون لكن حُرِّك لالتقاء الساكنين وحُرِّك بالفتح لأنها أخف الحركات.
3. الإدغام مع الكسر كقولنا لا يُضِّر ومثل قوله تعالى (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (4) الحشر).
4. الإدغام مع الضمّ إذا كانت العين مضمومة مثل يضُر، يعُد، يمّد يصِحّ أن نقول لم يمّدَّ ولم يمِدّ ولم يمَدّ.
فالفعل إذاً ليس مرفوعا ولكنه ًمجزوم وعلامة جزمه السكون وحُرِّك لالتقاء الساكنين وكانت الحركة الضمّ للاتباع هذا من ناحية التفضيل النحوي. لكن يبقى السؤال لماذا اختير في هذه القراءة الضم؟ مع أن الأكثر والأشيع هو الفتح لأن الفتحة أخف الحركات وهو ما عليه الكثير من القُرّاء ؟
قراءة حفص هي التي تقرأ بالضمّ. من المُسلّمات أن الضمّ أثقل الحركات والفتحة أخفّها عندما نقول يضُرَّكم بالفتح تعني كأنه ليس هناك ضرر أصلاً لكن إذا قلنا يضرُّكم بالضم فهي تعني أنه هناك أذى ولكن لا يضركم كما في قوله تعالى (لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ (111) آل عمران) ولذا قال تعالى في هذه الآية (وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا) إشارة إلى أن يضرُّكم بالرفع لا تعني مسح الضرر ولكن يبقى شيء من مخلّفاته التي لا ترقى إلى الضرر مما يؤذي النفس ولهذا جاءت الآية بعدها بالصبر. فحالة الرفع هنا حالة ثقيلة أما حالة الفتح فهي أخف منها فناسب حركة الإعراب الحالة التي تأتي فيها.
وقد يسأل سائل لماذا تختلف القراءات والآية نفسها وفيها قراءتان متواترتان بالرفع والفتح؟ قالوا هناك مواقف في الزمن ومواقف في الأشخاص والناس ليسوا على وتيرة واحدة فيلاقي بعضهم حالات أشد من حالات والزمن ليس واحداً فقد تكون حالة أثقل من حالة وقد يكون ما يلقاه شخص غير ما يلقاه شخص آخر فلذلك خالف وهي إشارة إلى الحالة الواقعية للحياة فلا تكون على وتيرة واحدة لذا جاءت في القراءات إحداها أثقل من الأخرى.
ومن هذا كله نقول أن (يضرُّكم) في الآية مجزومة لأنه فعل مضعّف عينه مضمومة وجاءت للاتّباع. ونلخّص ما قلناه في أحوال جزم الفعل الثلاثي المضعّف وكان مضموم العين ونقول أن كلها ممكنة سواء كان الفعل أمر أو فعل مجزوم إذا أُسند إلى ضمير مستتر أو اسم ظاهر حالات فك الإدغام، الإدغام مع الفتح أو الكسر كلها جائزة والإدغام مع الضمّ هذا الذي فيه الشرط, فلو كان فعل الشرط ماضياً يمكن أن يكون مرفوعاً ويُعدّ ماضياً (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (30) آل عمران) ولو كان الفعل مضارعاً لا يحتمل الرفع.
*لماذا جاءت كلمة (تنصرون) غير مجزومة في الآية (وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ (111)) مع أنها معطوفة على مجزوم؟(الشيخ خالد الجندي)
يقاتلوكم ويولوكم فعلان مجزومان الأول هو فعل الشرط (وإن يقاتلوكم) والثاني جواب الشرط (يولوكم) ثم قال تعالى (ثم لا يُنصرون) بدون جزم مع وجود حرف العطف (ثم) وهذا ليس خطأ لغوياً في القرآن حاشا لله كما يدعي بعض المستشرقين الذين يجهلون اللغة العربية ولهؤلاء نقول أنه علينا أن نفهم القرآن أولاً قبل إعراب الجمل والكلمات لأن الإعراب تابع للفهم كما نجد في قوله تعالى (إنما يخشى اللهَ من عباده العلماءُ) ونقول أن قوله تعالى (ثم لا تُنصرون) ليست معطوفة على ما قبلها ولكنها تفيد الاستئناف على التراخي وتعني أن أعداء الله تعالى لن يُنصروا على المؤمنين وليس عندهم نُصرة من الله تعالى حتى لو كان عندهم عدّة النصر فهو لا يُنصرون على الإطلاق فلا يوجد عاصي يُنصر من عند الله تعالى فهي إذن جملة مستقلة لوحدها وليست معطوفة على ما قبلها. واستخدام الفعل المضارع في الآية (يقاتلوكم، يولوكم) تفيد الاستمرار لأن القتال ضد الدين مستمر (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم) والخطاب في الآية موجه للأمة المسلمة التي تقيم الشريعة وتعرف حدود الله تعالى.
*ما الفرق بين الضرر والأذى؟ (الشيخ خالد الجندي)
قال تعالى في سورة آل عمران: (لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ (111)) والكلام في الآية موجه للمؤمنين عن الفاسقين الذين كفروا برسول الله (صلى الله عليه وسلم) مع علمهم بصدقه وصدق رسالته ونبوته . الأذى هو نوع من أنواع الضرر والضرر نوعان ضرر قاصر وضرر متعدّي فلو شرب أحدهم خمراً يكون قد أضر نفسه فهذا ضرر قاصر اقتصر على الشخص نفسه أما أن يدخّن الإنسان بين الناس فهذا ضرر متعدي للغير وهو ضِرار كما جاء في الحديث الشريف “لا ضرر ولا ضِرار”
ينقسم الضرر من حيث التأثير إلى قسمين ضرر قاصر وضرر متعدي ومن حيث مفعوله ينقسم إلى قسمين أيضاً ضرر مؤقت وضرر بائن والضرر المؤقت هو الذي يستمر لفترة زمنية بسيطة أما الضرر البائن فهو الذي يستمر مفعوله لوقت طويل. والضرر المؤقت هو ما يسمى إيذاء أو أذى أما الضرر البائن فهو الضرر الحقيقي المقصود في اللغة. فلو كان الإيلام مؤقتاً يسمى إيذاء وإن كان دائماً يسمى ضرراً لأنه يدوم وقتاً أطول.
وقد استعمل القرآن الكريم كلمة أذى استعمالاً دقيقاً فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (59) الأحزاب) النظرة تؤذي لأنها مؤقتة غير دائمة. ، وقال تعالى في سورة الأحزاب أيضاً: (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا (57)) فمجرد أذى الرسول (صلى الله عليه وسلم) يستوجب لعنة الله تعالى في الدنيا والآخرة ولهم عذاب مهين جزاء إيذائهم للرسول (صلى الله عليه وسلم). وقال تعالى في سورة البقرة: (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ) (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222)) (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (262)) وفي سورة النساء: (وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (102)) وفي آية سورة آل عمران: (لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ (111)) فالآية تدل على أن ما يسمعه المؤمنون من الفاسقين هو ليس إلا أذى كلامياً فقط وليس ضرراً لأنهم مؤمنون متمسكون بإيمانهم والخطاب في الآية هو للمؤمنين أما غير المؤمنين فلن يكون ضرر الفاسقين أذى بالنسبة لهم.
*ورتل القرآن ترتيلاً:
(ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ (112) آل عمران) معنى ضرب الذلة اتصالها بهم وإحاطتها ففيه استعارة مكنية إذ شُبِّهت الذلة وهي أمر معقول غير محسوس بقُبّة أو خيمة شملتهم وأحاطت بهم وشُبِّه اتصالها وثباتها بضرب القُبّة وشدّ أطنابها بحيث يصعب أن يتنزعوا هذه المذلة عنهم فهل يمكن أن تؤدي صورة أخرى ما أفادته هذه الصورة القرآنية الفريدة؟
آية (112)
*ما معنى الضرب في القرآن الكريم؟ (الشيخ خالد الجندي)
قال تعالى: (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (112) آل عمران) ضرب بمعنى ألزم ودمغ يقال ضربت النقود أي حُفر على المعدن رسماً أو اسماً حتى لا يُمسح. وضرب الشيء أي التصق به التصاقاً شديداً كما قال تعالى: (وليضربن بخمرهن على جيوبهن) بمعنى الإلصاق والتثبيت وعدم المفارقة.
آية (114):
*ورتل القرآن ترتيلاً:
(وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ (114) آل عمران) المسارعة في الخير الرغبة في الاستكثار منه والمبادرة إليه. وفيه استعارة لطيفة تُدرّك بالتأمل والتدبر. فحرف (في) هنا استعارة تخيلية تؤذن بتشبيه الخيرات بطريق يسير فيه السائرون أما إذا قلت يسارعون إلى الخيرات فالمرء لم يبلغ بعدُ الخيرات بل يسعى لبلوغها.
آية (115):
*ما معنى يُكفروه في قوله تعالى في سورة آل عمران: (وما يفعلوا من خير فلن يُكفروه)؟(الشيخ خالد الجندي)
قال تعالى: (وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (115)) هناك فريقان من الناس فريق اتبع الحقّ وفريق لم يؤمنوا. يُكفروه أي يُغطى عنهم أو يمنع عنهم أو يُحجب عنهم أي أن كل عمل خير تجده عند الله تعالى لكن بشرط التقوى والآية أشارت للشرطين في العمل:
لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً لله تعالى (ألا لله الدين الخالص) (مخلصاً له الدين)
وما كان صحيحاً صالحاً الذي ينجي يوم القيامة.
*ورتل القرآن ترتيلاً:
(مَثَلُ مَا يُنفِقُونَ فِي هِـذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللّهُ (117) آل عمران) تدبر هذا التمثيل القرآني ستجد أنك أمام صورة في غاية في الدقة والإحاطة بالأمور. فقوله تعالى: (ظلموا أنفسهم) ليس جزءاً من الصورة لو سقط الكلام لكان المعنى تاماً لا لبس فيه لكنه صار إدماجاً في التمثيل ليُكسبه تفظيعاً وتشويهاً ولينفي ما يمكن أن يتحصل للسامع من الشفقة والرحمة على حال أصحاب الحرث الهالك.
آية (117):
*ما الفرق بين كلمة ريح ورياح في القرآن الكريم؟(د.فاضل السامرائى)
كلمة ريح في القرآن الكريم تستعمل للشّر كما في قوله تعالى في سورة آل عمران: (مَثَلُ مَا يُنفِقُونَ فِي هِـذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللّهُ وَلَـكِنْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ {117})
أما كلمة الرياح فهي تستعمل في القرآن الكريم للخير كالرياح المبشّرات كما في قوله تعالى في سورة الأعراف: (وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْموْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ {57})
وفي سورة سبأ: (وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ {12}) استعملت كلمة ريح مع سليمان لكنها لم تُخصص لشيء فجاءت عامة قد تكون للخير أو للشر لأن الله سخّرها لسليمان يتصرف بها كيف يشاء.
القرآن ترتيلاًآية (118): :
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ (118) آل عمران) البِطانة بكسر الباء في الأصل داخل الثوب لكن البيان الإلهي يتخذها لتصوير حالة صديق الرجل وخصيصه الذي يطّلع على شؤونه فيكون كبطانة الثياب في شدة القرب من صديقه.
*(إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ (118) آل عمران) قال تعالى (تعقلون) ولم يقل تعلمون أو تفقهون؟ ألا تؤدي ذات المعنى؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
إن هذه الآيات آيات فراسة وتوسّم في اختيار من يثق به الإنسان ويتخذه صديقاً لذلك عبّر عنها بالعقل لأنه أعمّ من العلم والفقه اللذين لا يكشفان حقيقة هذه الفئة.
آية (121)
* (وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّىءُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (121) آل عمران) المقاعد جمع مقعد وهو مكان القعود أي الجلوس على الأرض. وأنت تعلم أن الحرب والقتال ليسا مكان قعود ولا جلوس بل وقوف وقيام فلِمَ لم يأت البيان بأن يقول: وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مواقف للقتال؟ لأن الوقوف أولى؟ (ورتل القرآن ترتيلاً)
اعلم أن إضافة مقاعد لاسم القتال قرينة على أنه أطلق المواضع اللائقة بالقتال التي يثبت فيها المقاتل ولا ينتقل عنها فعبّر عن الثبات والتمكن في المقاعد دون الوقوف لأن الوقوف عرضة الحركة وعدم الثبات.
آية (123):
* ما فائدة (قد) مع الفعل الماضي هل تفيد التأكيد؟(د.فاضل السامرائى)
(قد) تفيد التحقيق والتحقيق لا ينفك عنها إذا دخلت على الماضي وأحياناً يجتمع معها التقريب والتوقّع. التحقيق لا ينفك، لا محالة واقع إذا دخلت على الماضي وقد يكون مع التحقق التقريب أو التوقّع أو تجتمع كلها لكن يبقى التحقيق معها. (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ (26) الأعراف) (قد) هنا لا فيها توقّع من بني آدم ولا فيها تقريب لكن فيها معنى التحقيق. (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ (123) آل عمران) فيها توقّع لأن الله تعالى وعدهم بالنصر (وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ (7) الأنفال) وفيها تقريب. التحقيق لا يفارق (قد). إذا دخلت على الفعل المضارع قد يكون للتحقيق والتكثير. (قد) حرف وإعرابها حرف تحقيق مبني (سائر الحروف مبنية).
آية (124):
* ما الفرق بين آلاف وألوف (وهم ألوف) في القرآن؟(د.فاضل السامرائى)
آلاف من أوزان القِلّة، جمع قلة. (أفعال) من أوزان القِلّة: أفعُل، أفعال، أفعِلة، فِعلة. من أوزان القِلّة وألوف من الكثرة. لذلك قال ربنا سبحانه وتعالى: (أَلَن يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُنزَلِينَ (124) آل عمران) (يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُسَوِّمِينَ (125) آل عمران) لأن القلة من الثلاثة إلى العشرة فإن تجاوزها دخل في الكثرة (أَلَمْ تَرَ إلى الَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ (243) البقرة) قال بعضهم قطعاً أكثر من عشرة آلاف وقسم أوصلهم إلى أربعين ألفاً. آلاف إلى حد العشرة جمع قلة، ألوف ما تجاوز العشرة وهي جمع كثرة.
آية (125):
*(بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَـذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُسَوِّمِينَ (125) آل عمران) تحمل هذه الآية في طياتها لفتات بلاغية رائعة. ألا ترى أن حق السياق أن يكون كالتالي: إن تصبروا وتتقوا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة ويأتوكم من فورهم؟ فلِمَ قدَّم (ويأتوكم من فورهم) على الإمداد؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
إن تقدم المعطوف يوحي بتعجيل الطمأنينة إلى نفوس المؤمنين وسرعة النصر قبل تحقق جزاء الشرط وهو قوله تعالى (ويمددكم).
*لِمَ عبّر الله تعالى عن الثقة والأمان بقوله (ولتطمئن قلوبكم)؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
في هذه الكلمة من الدلالة ما يقصر غيرها من الكلمات عن التعبير. فسكون القلب يعني عدم اضطراب نبضات القلب الناجم عن الخوف والهلع وإذا كان القلب طبيعياً بنبضاته فهذا يعني أن الإنسان في حال أمن وكأنه خارج إطار الحرب بل هو في دار سلام وأمن.
آية (126):
*ما اللمسة البيانية في التقديم والتأخير في آية (126) آل عمران و آية (10) الأنفال؟
د.فاضل السامرائى:
قال تعالى في سورة الأنفال: (وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ {10} ) وفي سورة آل عمران: (وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ {126}) لماذا جاءت قلوبكم مقدّمة على به في الأنفال ومتأخرة في آل عمران؟ يجب أن نرى أولاً سياق الآيات في السورتين، سياق آية آل عمران فيه ذكر لمعركة بدر وتمهيد لمعركة أحد وما أصاب المسلمون من حزن وقرح والمقام مقام مسح على القلوب وطمأنة لها (وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ {139} إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ {140}) وغيرها من آيات التصبير والمواساة وخصص البشرى بهم (بشرى لكم) وبه تعود على الإمداد السماوي لذا قدّم القلوب (قلوبكم) على (به) لأن المقام مقام تصبير ومواساة والكلام مسح على القلوب. أما في آية الأنفال قدّم (به) على (قلوبكم) لأن الكلام على الإمداد السماوي الذي هو محور آيات سورة الأنفال وكذلك لم يخصص البشرى وجعلها عامة (وما جعله الله إلا بشرى).
آية (126): انظر آية (6)
*ما اللمسة البيانية في التقديم والتأخير في آية (126) آل عمران وآية (10) الأنفال ؟
د.أحمد الكبيسي:
في قوله تعالى: (وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ ﴿126﴾ آل عمران) وفي سورة الأنفال: (وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ ﴿10﴾ الأنفال). فرب العالمين عندما قال: (وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ) بهذا القرآن لما قال تطمئن قلوبكم يعني يتكلم عن القلب المطمئن وينبغي أن يكون قلب المؤمن مطمئناً لأن اطمئنان قلب المؤمن هو هدف من أهداف هذا القرآن الكريم (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ﴿27﴾ ارْجِعِي إلى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً ﴿28﴾ الفجر) من حيث أن هذه النفس والقرآن الكريم يطلق كلمة النفس على القلب والقلب على النفس أحياناً وهذا كلامٌ آخر تحدثنا عنه سابقاً والآن العلم الحديث يثبت أن التفكير يبدأ بالقلب وليس بالدماغ. كان سابقاً يقولون كل كلمة قلب يعني دماغ لا، الآن القلب القلب والدماغ الدماغ والنفس النفس. فرب العالمين يقول: (وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ) قدّم اطمئنان القلوب يعني عليكم أن تجتهدوا لكي تطمئن قلوبكم بهذا القرآن الكريم. لما يقول (وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ) يجب أن تتعامل مع القرآن تعاملاً علمياً بفهمٍ وتدبر لكي يستطيع هذا القرآن بفهمك هذا أن يُدخِل الطمأنينة على قلبك ونفسك إذاً هما قضيتان قضية أن القرآن مشحون بقوةٍ جدلية بحيث يستطيع أن يُطمئِن أي قلبٍ أو أي نفسٍ متزعزعة، وعلى نفسك أو قلبك أو عقلك أن يكون مطمئناً إذن هما قضيتان قضية أن هذا القرآن كيف تتعامل معه تعاملاً تستل منه قدرته على الطمأنينة، القضية الثانية عليك أن ترعى قلبك أو نفسك أو عقلك لكي يطمئن من تعامله ذلك مع القرآن الكريم .
آية (129):
*ما دلالة تقديم وتأخير (يغفر) في قوله تعالى: (وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (129) آل عمران) (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (40) المائدة) ؟(د.حسام النعيمى)
لو نظرنا في الآيات سنجد أن تقديم المغفرة على العذاب هو الأصل لأنه (كتب ربكم على نفسه الرحمة) وفي الحديث في صحيح البخاري “رحمتي سبقت غضبي” لكن في الآية 40 في سورة المائدة؟ هذا الأمر يتعلق بقطع اليد (والسارق والسارقة)قدّم العذاب لأن الكلام في البداية كان على عذاب ثم على مغفرة فلا بد أن يتقدم العذاب ولو عكست لما استقام الكلام. بينما الأماكن الأخرى الكلام كان اعتيادياً على مغفرة الله تعالى وعذابه فدائماً يقدم الرحمة ويردف بالعذاب يقدم الرحمة ترغيباً للمطيعين ويؤخر العذاب ويذكره تحذيراً من المعصية.
آية (132):
* لماذا يرد في القرآن أحياناً أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأحياناً أخرى يرد وأطيعوا الله والرسول؟ (د.فاضل السامرائى)
في القرآن قاعدة عامة وهي أنه إذا لم يتكرر لفظ الطاعة فالسياق يكون لله وحده في آيات السورة ولم يجري ذكر الرسول (صلى الله عليه وسلم) في السياق أو أي إشارة إليه كما جاء في سورة آل عمران: (وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ {132}). والأمر الآخر أنه إذا تكرر لفظ الطاعة فيكون قطعياً قد ذُكر فيه الرسول في السياق كما في قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً {59} النساء) و (قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ {54} النور) وهذا ما جرى عليه القرآن كله كقاعدة عامة.
آية (133):
*(وَسَارِعُواْ إلى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) آل عمران) ترى لو قلت وأسرعوا إلى مغفرة أتُحقق ذات الغرض والفائدة التي تحققها صيغة (وسارعوا)؟ (ورتل القرآن ترتيلاً)
بالطبع لا فالبيان القرآني جاء بصيغة سارعوا للمبالغة في طلب الإسراع. وتنكير (مغفرة) ووصلها بقوله (من ربكم) مع استطاعة الإضافة مباشرة بأن يقول: وسارعوا إلى مغفرة ربكم غرضه التضخيم والتعظيم. ثم لسائل أن يسأل لِمَ جاء البيان الإلهي بقوله جنة عرضها ولم يقل جنة طولها؟ سيأتي الجواب أن الكلام هنا على طريقة التشبيه البليغ والأصل: وجنة عرضها كعرض السماء والأرض كما جاء في سورة الحديد والغرض هنا أريد به تمثيل شدة الاتساع ليُطلق العنان لخيال السامع فإذا كان عرض الجنة بهذا الاتساع صعب التخيّل فكيف يكون طولها؟!
* ما الفرق البياني بين آية 133 من سورة آل عمران وآية 21 من سورة الحديد؟(د.فاضل السامرائى)
قال تعالى في سورة آل عمران: (وَسَارِعُوا إلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) وقال تعالى في سورة الحديد: (سَابِقُوا إلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ).
في الآيتين أكثر من وقفة: قضية الواو وانعدامها، السموات والسماء، عرضها وكعرض، للمتقين وللذين آمنوا بالله ورسله، ذلك فضل الله ولم ترد في الآية الثانية.
*السماء والسموات :
السماء في اللغة وفي المدلول القرآني لها معنيان:
1ـ واحدة السموات السبع، كقوله تعالى: “ولقد زَيّنا السّماءَ الدنيا بِمَصابيح ” الملك.
2ـ كل ما علا وارتفع عن الأرض ـ فسقف البيت في اللغة يسمى سماء.
قال تعالى: ” مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إلى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ”الحج:15يقول المفسرون :(أي ليمد حبلا إلى سقف بيته ثم ليخنق نفسه) فالسماء هنا بمعنى السقف.
ـ وقد تكون بمعنى السحاب: “أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا ” ّالرعد:17.
ـ وقد تكون بمعنى المطر : ” ينزل السماء عليكم مدرارا” نوح.
ـ وقد تكون بمعنى الفضاء والجو : “أَلَمْ يَرَوْا إلى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ “النحل:79 .
ـ وذكر هذا الارتفاع العالي (وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ)(الأنعام:125) .
فالسماء كلمة واسعة جدا قد تكون بمعنى السحاب أو المطر أو الفضاء أو السقف ، وبهذا تكون السموات والسموات موطن الملائكة جزءا من السماء ، لأن السماء كل ما علا وارتفع مما عدا الأرض، والسموات جزء منها بهذا المعنى الواسع الذي يشمل الفضاء والسقف والمطر والسحاب، فإن (السماء) تكون أوسع من (السموات) فهي تشملها وغيرها.
قال تعالى: ” قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) (الفرقان:6) وقال: “ربي يعلم القول في السماء والأرض” لأن القول أوسع من السر، فهو قد يكون سرا أو جهرا والسر جزء منه،
فلما وسع قال (القول) وسع وقال (في السماء). ولما ضيق وقال (السر) قال (السموات) .
*عرضها، كعرض :
ولذلك لما قال (السموات) قال (عرضها السموات)، ولكن عندما اتسعت اتساعا هائلا جاء بأداة التشبيه (عرضها كعرض السماء) لأن المشبه به عادة أبلغ من المشبه، فهي لا تبلغ هذا المبلغ الواسع الذي يشمل كل شيء.
كلمة (السماء) تأتي عامة “والسماء بنيناها بأيد” ، “وفي السماء رزقكم وما توعدون” ، “أأمنتم من في السماء..” ثم تتسع لأشياء أخرى، فعندما يقول: “سبع سموات طباقا” فهي ليست الفضاء ولا السقف ولا السحاب، فعندما اتسعت قال (كعرض السماء)لأنها أقوى وأوسع وأشمل وعلى هذا بني التعبير كله في الآيتين .
هناك استعمل الكاف للتشبيه وهنا لم يستخدمها. السموات جمع السماء. صحيح هي مفرد لكن حينما يأتي وحدها تأتي لعدة مصالح. السماء والأرض عظيمة جداً فاستعمل لها التشبيه لأنها غير محدودة لكن لما استعمل السموات استعمل التحديد (عرضها السموات والأرض) للتقريب. لكن العربي لما يسمع عرضها عرض السموات والأرض قد يفهم منها السماء الأولى الواحدة لكن لما قال (كعرض السماء والأرض) يفهم أن هذا إطلاق. (كعرض) أقوى من (عرضها) وأشمل وأوسع هكذا يُفهم.
*أعدت للمتقين، أعدت للذين آمنوا :
عندما ضيق حددها للمتقين ثم وصفهم في الآيات التالية، وعندما وسع عمم القول ليسع الخلق (الذين آمنوا بالله ورسله) وهؤلاء المتقون جزء من الذين آمنوا، ولم يحدد عملا محددا لهؤلاء.
*سابقوا، سارعوا :
عندما قال (سارعوا) قال (عرضها السموات والأرض)، وعندما قال (سابقوا) قال (كعرض السماء والأرض)
كثرة الخلق المتجهين لمكان واحد تقتضي المسابقة، فإن قلّوا اقتضى ذلك المسارعة فقط ، وليس المسابقة.
اتسع المكان فاتسع الخلق ، ذكر السماء التي تشمل السموات وزيادة ، وذكر الذين آمنوا بالله ورسله وهي تشمل المتقين وزيادة ، ثم زاد وقال: “ذلك فضل الله” . لأن الفضل أوسع مما جاء في آل عمران بل الفضل واضح إذ جاءت عامة
*تكرار العطف :
وكذلك لو لاحظنا الناحية الفنية لرأينا وضع كل واحدة يناسب ما هي فيه، ففي سورة الحديد تتكرر عبارات (آمنوا بالله) و(الفضل العظيم) و(يضاعف لهم) ففيها تفضلات كثيرة. وكذلك وضع الواو في سارعوا ، آية آل عمران فيها تعاطفات، أما الأخرى فبلا عطف وفي آل عمران نرى المتقين والأمر بالتقوى يتكرر عدة مرات.
لما نأتي إلى سياق الآيات لذا نقول دائماً فهم الآيات يكون بالرجوع إلى السياق. نلاحظ الآية الأولى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (130) وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (131) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (132)) هناك تشريع ونهي عن ارتكاب إثم عظيم، ودعوة للتقوى، اتقوا ما يوصلكم إلى النار، لاحظ الواوات، ثم (وسارعوا إلى مغفرة) جاءت الآية في إطار العطف. بينما الآية الأخرى في سورة الحديد (أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (20)) فيها نوع من الإيضاح والشرح لقضية معينة ثم ما عندنا نهي أو أمر فجاءت (سابقوا) من غير الواو. (وسارعوا) لما يكون تشريع ويكون هناك إثم عظيم وهو الربا على ارتكاب المخالفة. وكان كثير من المسلمين يتعاطون بالربا قبل تحريمه فلما جاء التحريم طلب منهم أن يسارعوا وليست مسألة مسابقة وإنما كل واحد مسؤول عن فعله لأنه أمر شخصي فطلب إليه أن يُسرع إلى مغفرة. كيف يُسرع لها؟ بالتوبة والتوبة شخصية فجاءت كلمة سارعوا. ليس هناك مجال للمسابقة أنت وآخَر. الآن المناسبة تعنيك والكلام على الربا والربا شخصي. لكن (سابقوا) الكلام على الدنيا والدنيا فيها منافسات وتنافس ولعب وما من لعب إلا وفيه منافسة واللهو يتنافس فيه الناس والتفاخر الناس يتنافسون فيه. اللعب واللهو كلُ يريد أن يظهر شأنه فيه وتفاخر يتسابقون في الفخر. الموضوع ليس هنا ولكن المسابقة هي أن تتسابقوا إلى مغفرة من ربكم تلجأون إلى الله تعالى عن هذا اللهو والعبث لكن فيه تسابق والسباق قطعاً فيه سرعة وزيادة.
آية (134):
*(ورتل القرآن ترتيلاً):
في قوله تعالى: (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ (134) آل عمران) الكظم لغة الإخفاء والإمساك وهو مأخوذ من كظم القِربة إذا ملأها وأمسك فمها وعلى هذا تكون الآية تمثيلاً رائعاً بحق الخُلُق العظيم من جهتين: أولاً إخفاء الغضب من جهة وثانياً إمساكه عند وصوله حد الامتلاء تماماً كالماء إذا خيف أن يظهر من القربة وهي هنا النفس الغاضبة.
آية (135):
*د.أحمد الكبيسي:
يقول النبي صلى الله عليه وسلم – كما رواه البخاري- (إن عبداً أذنب ذنباً فقال يا رب أذنبت ذنباً فاغفره لي فقال الرب: علم عبدي أن له رباً يغفر الذنوب قد غفرت لعبدي، ثم عمل ذنباً آخر فقال يا رب قد أذنبت ذنباً فاغفره لي فقال الرب: علم عبدي أن له رباً يغفر الذنوب قد غفرت لعبدي، ثم أذنب ذنباً آخر فقال يا رب قد أذنبت ذنباً فاغفره لي فقال الرب: علم عبدي أن له رباً يغفر الذنوب قد غفرت له وليفعل عبدي ما يشاء) إذا كان كلما أذنب استغفر فليذنب يعني لا ييأس من رحمتي ورب العالمين سبحانه وتعالى في الآية: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴿135﴾ أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ ﴿136﴾ آل عمران) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أصرّ من استغفر ولو عاد في اليوم سبعين مرة). إذاً يا سيدي الكريم إياك أن يلعب بك إبليس! تُب إلى الله عز وجل وادعُ الله أن يثبتك على التوبة ويتقبلها منك وإذا عدت مرة أخرى أسرع بالعودة إلى الله عز وجل هكذا (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ ﴿19﴾ محمد).
آية (137):
* ما الفرق بين استعمال كلمتي عقاب وعذاب كما وردتا في القرآن الكريم؟(د.حسام النعيمى)
هناك رأي لبعض العلماء أن هذه الكلمات هي من لهجات مختلفة فليس بينها فروق ويستدلون بكلمة السكين والمُدية. لكن التدقيق هو ليست الأسماء فقط وإنما أحياناً الاشتقاقات نجد تصرفاً فيها فهذا يدعونا إلى التأمل في جميع الآيات التي وردت فيها هذه اللفظة وننظر هل هي موازية مقارنة للفظة الأخرى؟ هل هناك فارق ولو دقيق؟ نجمع كل الآيات التي فيها كلمة عقب ومشتقاتها عقاب وعاقبة وعوقب ومعاقبة بكل اشتقاقاتها وكذلك كلمة عذّب عذاب يعذب معذب تعذيباً يعذبون. الذي وجدناه في هذا أن العقاب وما اشتق منه ورد في 64 موضعاً في القرآن الكريم والعذاب وما اشتق منه ورد في 370 موضعاً. فلما نظرنا في الآيات وجدنا أن هناك تناسباً بين الصوت والمعنى: هو العذاب عقاب والعقاب عذاب. لكن يلفت النظر أن الثلاثي هو (ع-ذ-ب) و(ع-ق-ب) إذن الذال والقاف. كيف ننطق القاف؟ لأن القاف يسمونه انفجاري أو القدامى شديد يعني يُولد بانطباق يعقبه انفصال مفاجئ مثل الباء، بينما الذال المشددة فيها رخاوة وفيها طول. من هنا وجدنا أن كلمة العقاب تكون للشيء السريع والسريع يكون في الدنيا لأن القاف أسرع. والذال فيها امتداد، هذا الامتداد يكون في الدنيا والآخرة، العذاب يأتي في الدنيا ويأتي في الآخرة. عندما نأتي إلى الآيات نجدها تتحدث عن عقوبة للمشركين في الدنيا يسميه عذاباً وفي الآخرة يسميه عذاباً (فعذبهم بدخول النار). أما العقاب ففي الدنيا. هذا من خلال النظر في جميع الآيات لكن هناك نظرية تحتاج لتنبيه أنه لما يأتي الوصف لله عز وجل لا يكون مؤقتاً لا بدنيا ولا بآخرة فلما يقول: (والله شديد العقاب) هذه صفة ثابتة عامة يعني هذه صفته سبحانه لكن لما يستعمل كلمة العقاب مع البشر يستعملها في الدنيا لم تستعمل في الآخرة. كذلك العذاب استعملها للعذاب في الدنيا وفي الآخرة واستعملها (وأن الله شديد العذاب) لأن العقاب فيه سرعة وردت في القرآن (إن ربك سريع العقاب) وليس في القرآن سريع العذاب. لذلك نقول هذه اللغة لغة سامية ينبغي أن تُعطى حقها فلا يجوز التنصّل عنها وهي بهذه الروعة وهذا السمو أن الحرف الواحد بتغير صوته تغير المعنى مع أن المعنى متقارب.
العاقبة للخير لأنها بمعنى نتيجة العمل يعني ما يعقب العمل، عاقبة هذا العمل بمعنى ما يعقبه، ما يأتي بعده قد يكون خيراً وقد يكون شراً. ولذلك استعمل العاقبة في 32 موضعاً في القرآن كله هكذا (قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (137) آل عمران.
*(إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ (140) آل عمران) انظر كيف استطاعت البلاغة القرآنية أن تنقص من قدر المصيبة على المؤمنين. فأين تكمن البلاغة في هذه الآية التصويرية؟ (ورتل القرآن ترتيلاً)
لقد عبّر الله تعالى عن المصيبة بقوله (يمسسكم) ولم يقل يصبكم لأن المسّ أصله اللمس باليد فيكون أمراً سطحياً لا يخترق الجسد خلاف الفعل يصبكم الذي يفيد اختراق القرح إلى داخل الجسد وهذا مؤذن بالتخفيف. ثم صور الهزيمة بالقرح أي الجرح وهو هنا مستعمل في غير حقيقته فيكون بذلك استعارة للهزيمة إذ لا يصح أن يراد بها الحقيقة لأن الجراح التي تصيب الجيش لا يُعبأ بها إذا كان معها النصر ناهيك عن أن تصوير الهزيمة بالقرح مؤذن بالشفاء منه.
*(إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ (140) آل عمران) لعل سائلاً يسأل لِمَ اختار البيان الإلهي صيغة المضارع في (يمسسكم) والماضي في (مسّ) ولم يكونا في زمن واحد؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
إنها دقة التعبير في إيراد الحقائق الواقعية فالتعبير عما أصاب المسلمين بصيغة المضارع في (يمسسكم) لقربه من زمن يوم أحد وعما أصاب المشركين بصيغة الماضي (مسّ القوم) لبُعدِه لأنه حصل يوم بدر.
آية (140):
*ما دلالة ذكر وحذف اللام في آيتي آل عمران (140-141)؟(د.فاضل السامرائى)
في قوله تعالى: (وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140) آل عمران) هذه معطوفة (وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ (141) آل عمران) إحداها فيها لام والأخرى ليس فيها لام، قسم فيها عطف. الذي فيه لام يكون أقوى وآكد (وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء) أيُّها الأكثر يعلم الله الذين آمنوا أو يتخذ شهداء؟ يعلم الله الذين آمنوا أكثر. (وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ) أيُّ الأكثر تمحيص الذين آمنوا أو محق الكافرين؟ تمحيص الذين آمنوا فجاء باللام والأخرى لم يذكر فيها اللام، هذا المتعلق بالآية. وعندنا قاعدة الذكر آكد من الحذف.
آية (143):
*(وَلَقَدْ كُنتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ (143) آل عمران) إنك تعلم أن موت المؤمن في المعركة هو الشهادة فلِمَ عدل الله تعالى في الآية إلى ذكر الموت دون الشهادة فلم يقل: ولقد كنتم تمنون الشهادة أو قيّده فقال: تمنون الموت في سبيل الله؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
إن هذه الآية جاءت في معرض اللوم للمسلمين الذين أظهروا الشجاعة وحُبَ اللقاء ولو كان فيه الموت ولم يرضوا التحصن في المدينة والدفاع دون الحرب كما أشار به الرسول (صلى الله عليه وسلم) فلذلك نزع الله تعالى صفة التشريف عن الموت في سبيل الله وهي الشهادة وعدل عنها وصرّح بلفظ الموت فقط.
آية(144):
*(وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ (144) آل عمران) و(وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَابًا مُّؤَجَّلاً وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ (145) آل عمران) ما الفرق بين سيجزي وسنجزي؟(د.فاضل السامرائى)
الآية توضح المسألة (وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ (144) آل عمران) (فلن يضر – وسيجزي الله) هو لم يتكلم بضمير المتكلم أما الآية الثانية (وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ (145) آل عمران) بالإسناد إلى ضمير المتكلم (نؤته منها – وسنجزي) الفعل في الحالين مسند إلى ضمير المتكلم الله أما تلك فلن يضر الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين يعني لا ينقلب على عقبيه هذا شخص والذي يجزي هو آخر وهو الله سبحانه وتعالى أما الثانية الفاعل واحد والمؤتي واحد والمجازي واحد وسنجزي الشاكرين هو لله سبحانه وتعالى. الفرق أنه صرّح بالفاعل في آية وأضمر في الأخرى.
* (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ (144) آل عمران) ما اللمسة البيانية في ختام الآية؟ وما دلالة استخدام الشكر بدل الصبر؟ (د.فاضل السامرائى)
السؤال كان لماذا الشاكرين وليس الصابرين؟ سيجزي الله الشاكرين معناها سيثيب الثابتين على دين الإسلام أي صبروا فثبتوا فشكروا الشكر مرحلة أخرى، صبر فثبت فشكر على صبرهم ، الشكر مرحلة بعد الصبر وأعمّ منها، الصبر على المصيبة والثبات والشكر على صبرهم وثباتهم أنهم لم يضلوا فشكروا. فالشكر يكون مرحلة بعد الصبر لأن الشكر اقتضى الصبر وزيادة. الصبر فقط صبر على الفراق مرحلة لكن المطلوب ما بعد هذه المرحلة ليس مجرد الصبر ولكن أن يثبتوا ويشكروا ربهم على أنهم ثبتوا وشكروا ربهم على إتمام النعمة لأن الرسول لا يرحل إلا بعد إكمال النعمة فإذا ذهب الرسول ومات فإنما يكون بعد إتمام الدين فيشكروا الله تعالى على أمرين على ثباتهم وعلى إتمام الدين فربنا سبحانه وتعالى سيجزي الشاكرين. وقبل هذه الآية السياق في الشكر (وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَابًا مُّؤَجَّلاً وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ (145)) السياق في الشكر. الشاكرين الذين شكروا الله سبحانه وتعالى على أنه صبّرهم وثبّتهم فشكروا ويشكرون الله تعالى على أنه أتمّ الدين كله لأن الرسول لا يذهب إلا بعد تمام الدين، اقتضى الشكر على تمام الدين، فاقتضى الشكر من أكثر من جهة أعمّ وهي مرحلة بعد الصبر وعلى تمام الدين إذن ذكر ما هو أعمّ وأهمّ والمرحلة الأخرى فالله تعالى يريد منا الشكر في كل شيء، إذا كنت قد صبرت على البلية فلك أجر الصابرين فإن شكرت كان أجرك أعلى، شكرته على صبرك هذه عبادة وشكرته على العبادة هذه صارت عبادة أخرى. الصبر على المصيبة عبادة هذا له أجر فإن شكرته على أن ثبتك على هذا الصبر صارت عبادة أخرى وكأن الشكر مرحلة الرضا عما حدث لهم بقضاء الله وقدره وهذه مرحلة أعلى (اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ (13) سبأ).
*ما سبب نزول الآية (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِين(144)) في سورة آل عمران التي قرأها أبو بكر بعد وفاة الرسول ؟(د.حسام النعيمى)
هي لها سبب نزول ولكن استفاد منها أبو بكر الصديق عندما توفي الرسول (صلى الله عليه وسلم) بينما هي كانت نزلت في وقت قريب من وفاة الرسول (صلى الله عليه وسلم) في أُحُد عندما خرج صارخ أنه محمد (صلى الله عليه وسلم) قُتِل فارتبك الناس فمن جملة من ارتبك أحد المهاجرين لا يذكرون من هو لكنه يروي القصة وشاعت: جاء إلى رجل من الأنصار يتشحط في دمه فقال له أشعرت أن محمداً (صلى الله عليه وسلم) قُتِل؟ فقال الأنصاري الذي يتشحط في دمه يعني يموت إن كان محمد قُتِل فقد بلّغ فقاتلوا عن دينكم. هذا المعنى فأنزل الله سبحانه وتعالى هذه الآية وقرأها أبو بكر الذي عصم الله تعالى به الأمة في أول فتنة تتعرض لها. كان يمكن أن يتقاتلوا فيما بينهم لكن عصم الله سبحانه وتعالى الأمة وأبو بكر له عواصم كثيرة من القواصم رضي الله عنه وأرضاه.
*ما وجه الإعجاز في قوله تعالى: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ (144) آل عمران)؟(د.أحمد الكبيسى)
مسألة وفاة الرسول (صلى الله عليه وسلم) البعض يقولون ذكرى استشهاد الرسول (صلى الله عليه وسلم) والبعض يقول ذكرى وفاته فهل هذا صحيح؟ نحن نحتفل الآن بالمولد النبوي وهذه الخلافات مما أخبر بها النبي (صلى الله عليه وسلم) أنها سوف تدب بين الفرقة حتى يضاد أحدنا الآخر, الآية واضحة (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ (144) آل عمران) وهذا أيضاً من إعجاز القرآن الكريم لأن محمداً (صلى الله عليه وسلم) مات مقتولاً بالسُم وهذه قضية ثابتة حتى في آخر أيامه لما كان يتألم قال: “إن السمّ الذي أخذته في خيبر قطّع أبهري” وهذا حديث صحيح والنبي (صلى الله عليه وسلم) بعد ثلاث سنوات من تناوله الشاة المسمومة التي دسّها اليهود إليه فأخذ منها لقمة من الذراع وكانت هذه المرأة اليهودية تعرف أن محمداً (صلى الله عليه وسلم) يحب لحم الذراع فدسّت في الذراع سماً قاتلاً فما أن وضعه على شفتيه حتى ألقاه قال إن هذا يحدثني أنه مسموم لكن بعد أن مسّت شفتيه مساً رقيقاً، هذا المسّ تغلغل فيه السم وبقي يعاني منه ثلاث سنوات فمات مسموماً فهو مات قتيلاً وقتل ميتاً وهكذا نعرف إعجاز الآية ولا حول ولا قوة إلا بالله والله يا ابنتي نحن في عصر علينا أن نتمسك بهذا الدين وإلا هلكنا، نحن في فتن يصبح الرجل فيها مؤمناً ويُمسي كافراً هذا الشقاق المتعمد هذا الخلاف المصطنع الذي هو لمصلحة الغير والله تعالى يتولى الصالحين (وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ (42)
*ما الفرق بين صيغة الفعل بالماضي مرة وبالمضارع مرة في قوله تعالى: (وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً(19) الإسراء و(وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ(145) آل عمران؟(د.فاضل السامرائى)
في قوله تعالى: (وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً(19) الإسراء، ذكر الآخرة وجاء بالفعل الماضي لأن الآخرة واحدة وهي تراد. لكن عندما تحدث عن الدنيا قال: (وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ(145) آل عمران.
لأن إرادة الثواب تتكرر دائما. كل عمل تفعله تريد الثواب، فهو إذن يتكرر والشيء المتكرر جاء به بالمضارع يشكر، فالشكر يتكرر لأن النعم لا تنتهي ” وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الإنسان لَظَلُومٌ كَفَّارٌ 34″ إبراهيم
فالشكر يتكرر، كلما أحدث لك نعمة وجب عليك أن تحدث له شكرا أما الكفر فهو أمر واحد حتى إن لم يتكرر، فإن كفر الإنسان بأمر ما فقد كفر، إن كفر بما يعتقد من الدين بالضرورة فقد كفر، لا ينبغي أن يكرر هذا الأمر لأنه إن أنكر شيئا من الدين بالضرورة واعتقد ذلك فقد كفر وانتهى ولا يحتاج إلى تكرار، أما الشكر فيحتاج إلى تكرار لأن النعم لا تنتهي. وفيه إشارة إلى أن الشكر ينبغي أن يتكرر وأن الكفر ينبغي أن يقطع، فخالف بينهما في التعبير فجاء بأحدهما في الزمن الحاضر الدال على التجدد والاستمرار وجاء بالآخر في الزمن الماضي الذي ينبغي أن ينتهي.
آية (145):
*ما معنى الكتاب في قوله تعالى: (وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا ﴿145﴾ آل عمران) ؟(د.أحمد الكبيسي)
كتاب الموت والكون فيه كتاب كامل، دليل كامل. إذا كان دليل السيارة جزئي فاللوح المحفوظ هو الكتاب الكامل الذي فيه هذا الكون.
* آية (146):
*(وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) آل عمران) لقد جمعت الآية بين الضعف والوهن وهما متقاربتان تقارباً يبلغ حد الترادف فهل يمكن الاستغناء عن أحدهما دون الآخر؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
الواقع أن كل واحد منهما أفاد معنى أراده البيان القرآني وهما هنا مجازان فالوهن أقرب إلى خَوَر العزيمة واليأس في النفوس والضعف أقرب إلى الاستسلام والفشل في المقاومة. ثم بعد ذلك تجيء الاستكانة لتعبر عن الخضوع والمذلة للعدو بعد الوهن والضعف ومن لطائف النظم القرآني ترتيبها في الذكر بحسب ترتيبها في الحصول فإنه إذا خارت العزيمة فشلت الأعضاء واستسلمت ورضخت للمذلة من العدو.
آية (147):
* (وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (147) آل عمران) فيها قراءتان بالرفع والنصب فما الفرق؟(د.فاضل السامرائى)
في آية واحدة قرئت قراءتين متواترتين (وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (147) آل عمران) بتقديم خبر (كان) و(أن قالوا) اسمها مؤخر، والقراءة الثانية (وما كان قولُهم إلا أن قالوا) قولُهم اسم (كان) والمصدر المؤول خبرها، إذن من حيث اللغة ليس فيها إشكال ويبقى السؤال ما سبب الاختيار؟ أو لماذا قرئت مرتين؟ معناه أن هنالك معنى كل قراءة لها معنى، أما من حيث اللغة والنحو فليس فيها إشكال. نأخذ الأصل بالرفع يعني ما كان قولُهم إلا هذا وحتى يتضح الكلام نجعل (هذا) هي مكان (إلا أن قالوا). ما كان قولُهم بالرفع، (ما كان) يصير هذا خبر، إذن ما كان قولُهم إلا هذا القول لم يقولوا غيره في هذا المقام وهو مقام حرب وقتال (وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (147) آل عمران) ما كان قولُهم إلا هذا القول يعني في هذا المكان لم يقولوا إلا هذا الشيء يطلبون المغفرة والتثبيت والنصر (ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) ما كان قولُهم (بالرفع) إلا هذا القول في هذا الموقف لم يقولوا غيره. أما بالنصب (قولَهم) تصبح ما كان هذا إلا قولَهم يقدّم الخبر، في الرفع ما كان قولُهم إلا هذا (هنا خبر) الآن نقدّم الخبر تصير ما كان هذا إلا قولَهم. نضع مكان (إلا أن قالوا) (هذا) حتى تتضح المسألة للسامع. أول مرة (ما كان قولُهم إلا هذا) يعني أنهم ما قالوا إلا هذا الكلام في هذا الموقف لم يقولوا غيره. الآن نقدّم الخبر، في النصب ما كان هذا إلا قولهم لم يقله أحد غيرهم، لم يقل هذا إلا هؤلاء لأن هذه الفئة المؤمنة. الآن صار عندنا معنيين: المعنى الأول أنهم لم يقولوا غير هذا القول وهذا المقال وهذا الدعاء في هذا الموقف والقول الآخر لم يقل هذا القول غيرهم، أنهم وحدهم هم الذين قالوا هذا القول فصار مدح في القول والأشخاص في القراءتين مدح القائل ومدح المقول. إذن باجتماع القراءتين المتواترين أصبح المدح للقائل والمقول وإثباتُها ما كان قولَهم. مثل ما أخي إلا هذا، ما هذا إلا أخي يعني ليس هو صديقي وإنما أخي، أما ما أخي إلا هذا يعني ليس عندي أخ إلا هذا، وهذه أيضاً فيها حصر.
*ما دلالة الإلقاء في قوله تعالى: (سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُواْ بِاللّهِ (151) آل عمران)؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
حقيقة الإلقاء هو رمي الشيء على الأرض كقوله تعالى: (فألقوا حبالهم وعصيّهم). فهو هنا إذن مجاز على طريقة الاستعارة فالإلقاء مؤذِن بتمكّن الرعب من قلوبهم.
آية(151):
* في سورة آل عمران (ومأواكم النار وبئس مثوى الظالمين) ما هو المثوى؟ ولماذا لم ترد كلمة مثوى في حال أهل الجنة أبداً؟ (د.حسام النعيمى)
المثوى في اللغة المنزل أو المكان الذي يثوي فيه الإنسان. والثواء هو الانحسار في مكان ويكون عادة الإنسان فيه قليل الحركة مثل المسكن، المنزل، الحجرة التي يبيت فيها، الثواء هو التوى يعني الاستقرار في مكان واحد وإن كان فيه حركة فهو حركة ضيّقة. والمأوى استعمل في النار وفي الجنة فالجنة تضم صاحبها والنار تضم صاحبها لكن شتان بين الضمتين، بين احتضان الجنة للإنسان واحتضان النار للإنسان. فكلمة الثوى والثواء استعملت في حال الدنيا لأنه منزل يثوي إليه أو يأوي إليه لذلك نجدها في أكثر من سورة في حال الدنيا. في الآخرة استعمل اللفظة للنار لماذا؟ لأن الجنة ليست منطقة ضيقة محصورة إنا نتبوأ من الجنة حيث نشاء، فيها السعة والانطلاق. لاحظ مثلاً: (أكرمي مثواه) أي نُزُله في الدنيا.
من برنامج ورتل القرآن ترتيلاً:
(وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ (152) آل عمران) انظر إلى دقة النظم القرآني بترتيب الأفعال الدالّة على الحدث: الفشل، التنازع والعصيان. فقد رتبها على حسب ترتيبها في الحصول وهو ضجر بعض الرُماة من ملازمة مواقعهم ثم التنازع في ملازمة الموقف وفي اللحاق بالجيش في الغنيمة. ونشأ عن التنازع تصميم معظمهم على مفارقة الموقع وفيه عصيان لأمر النبي (صلى الله عليه وسلم) بالملازمة.
*(وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ (152) آل عمران) لقد كان عصيان الصحابة في معركة أُحُد مخالفة لأمر النبي وسميت هذه المخالفة عصياناً مع أن تلك المخالفة كانت عن اجتهاد لا عن استخفاف والعصيان من الاستخفاف فلِمَ عبّر الله تعالى عن مخالفتهم بالعصيان ولم يقل وخالفتم؟ (ورتل القرآن ترتيلاً)
سُميت عصياناً لأن المقام ليس مقام اجتهاد فإن شأن الحرب الطاعة المطلقة للقائد من دون تأويل لذلك جاءت بصيغة العصيان زيادة عليهم في التقريع.
آية (152):
* في سؤال عن أصل كلمة شيطان وهل لها جذور عربية؟(د.فاضل السامرائى)
كلمة حسّان. إما أن تكون من الحُسن أو من الحَسّ كما في قوله تعالى: (وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ (152) آل عمران) فإذا كانت من الحُسن يكون منصرفاً لأن النون أصلية وإذا كان من الحَسّ (الحَسّ هو القتل) تكون غير منصرفة، شاعر الرسول (صلى الله عليه وسلم) حسان بن ثابت ورد ممنوعاً من الصرف فهو من الحَسّ. وكذلك كلمة ريّان إذا كانت من الريّ أو من الريْن. إذا كانت من الريّ فهي ممنوعة من الصرف وإذا كانت من الريْن فهي مصروفة. وأنا أرجح أن شيطان من شطن لأنه منصرف (وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ (25) التكوير) القرآن استعملها مصروفة وقد يعترض أحدهم في النحو. الجذر الذي اشتق منه شيطان يدل على الحالة التي مرّ بها إبليس: احترق غضباً فعصى ربه لما قال له اسجد لآدم أو بعُد في الشرّ وذهب بعيداً فالأمر يحتمل.
آية (153):
* ما دلالة كتابة كلمة (كي لا) منفصلة مرة في آية سورة الحشر و(لكيلا) موصولة في آية سورة آل عمران؟(د.فاضل السامرائى)
أولاً خط المصحف لا يقاس عليه أصلاً لكن يبدو في هذا الرسم ملحظ بياني والله أعلم في أكثر من موطن. فمرة تكتب (لكي لا) مفصولة ومرة (لكيلا) موصولة. وأقول أن هذا ليس فقط للخط وإنما لأمر بياني
في آية سورة آل عمران: (إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (153) جاءت لكيلا متصلة لأن المعنى يدل على أن الغمّ متصل بالغمّ غمّ الهزيمة وغمّ فوات الغنائم وهذا اقتضى الوصل فوصل (لكيلا). وفي آية سورة الحشر: (مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (7) فصل (لكي لا) هنا لأنه يريد أن يفصل الأموال لأنها لا ينبغي أن تبقى دُولة بين الأغنياء وإنما يجب أن تتسع الأموال لتشكل الفقراء فاقتضى الفصل في رسم (لكي لا) في هذه الآية.
وهذا الأمر نقول أنه من باب الجواز فهو جائز أن تكتب لكيلا متصلة أو منفصلة (لكي لا) لكنها تُرسم أيضاً بما يتناسب مع الناحية البيانية والبلاغية بحيث تتناسب مع الأحكام.
*تأسوا بمعنى تحزنوا واستخدمها القرآن في آل عمران (إِذْ تُصْعِدُونَ وَلاَ تَلْوُونَ عَلَى أحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غُمَّاً بِغَمٍّ لِّكَيْلاَ تَحْزَنُواْ عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ مَا أَصَابَكُمْ وَاللّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (153)) ما اللمسة البيانية في الآية؟ (د.فاضل السامرائى)
كِلا الفعلين يدل على الحزن عندنا حزِن يحزَن وحزَن يحزُن، حزِن يحزَن فعل لازم ليس متعدياً تقول حزِن عليه و(وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ (88) الحجر)، (فَلَا يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ (76) يس) (الكاف مفعول به).حزِن يحزُن متعدي، حزنني وأحزنني (قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُواْ بِهِ (13) يوسف). اللغة العليا حزَن يحزُن وتستعمل أحزن أيضاً، أحزن من حَزَن. الفعل أسي يأسى يسمونه الباب الرابع (لكيلا لا تأسوا) وأسى بمعنى حزن أيضاً (فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ (93) الأعراف) هي أأسى، فهو أسي يأسى، كلاهما يفيد الحزن لكن الفارق بين لكيلا تحزنوا ولكيلا تأسوا في الحزن مشقة أكثر وشدة لأنه قريب من معنى الحزْن الذي هو الغلظ والشدة في الأرض (اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً وأنت تجعل الحزْن إذا شئت سهلاً) الحزْن أي الصعب وتقال للأرض الصعبة. إذن الحزن فيه غِلظ وشدة في الأرض والحُزن هو الغلظ والشدة في النفس. أيهما أثقل؟ الحُزن أثقل على النفس من الحزْن ، الحزْن تجتازه وانتهى الأمر أما الحُزن فيبقى في النفس. الحَزن فتحة والحُزن ضمة فاختاروا الضمة لما هو أثقل لأنها تتناسب اللفظة مع مدلولها أو المعنى .
* هل هناك تفاضل بين الحركات الإعرابية؟
هي ليست هكذا ولكن عندنا الفتحة أخف الحركات تليها الكسرة والضمة أثقلها لاحظنا أن العرب تراعي كثيراً من هذه الأمور تجعل الثقيل للثقيل سواء في الحركات أو في اللفظ عموماً وليس فقط في الحركات وتناسب اللفظ والمعنى، لما يتحول الفعل إلى فَعُل يتحول إما للتعجب أو للمدح والذم أو المبالغة أو التحوّل مثل فقِه وفَقُه، فقُه صار فقيهاً أما فقِه فجزئية، عَسِر وعَسُر، عسِر عليه الأمر أما عسُر فالأمر هو عسير. خَطَب ألقى خطبة وخَطُب صار خطيباً. الحركة تغير الدلالة تماماً. (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ (23) الرعد) ما قال صلُح قال من صَلَح رأفة بالعباد . صلُح أي صار صالحاً إلى حد كبير من الصلاح والله تعالى من رحمته بعباده يكفيه أن يكون الإنسان صالحاً لا أن يبلغ ذلك المبلغ في الصلاح. هذه قاعدة عامة لكن السماع هو الذي يقطع بذلك أحياناً.
لكيلا تأسوا ولا تحزنوا” اتضح أن الحزن أشد من الأسى معناه تحزنوا أشد من تأسوا. ننظر في السياق ونقدّر: في (إِذْ تُصْعِدُونَ وَلاَ تَلْوُونَ عَلَى أحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غُمَّاً بِغَمٍّ لِّكَيْلاَ تَحْزَنُواْ عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ مَا أَصَابَكُمْ وَاللّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) هذا الكلام بعد واقعة أُحد وما حصل لهم من شدة ومشقة وهزيمة وجراح وما فاتهم من الغنائم كانت شديدة عليهم قال تعالى (فَأَثَابَكُمْ غُمَّاً بِغَمٍّ لِّكَيْلاَ تَحْزَنُواْ عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ مَا أَصَابَكُمْ). الحُزُن في أحد على أمرين على ما فاتهم وعلى ما أصابهم، لكيلا تحزنوا على ما فاتكم من الغنائم ولا ما أصابهم من الجراح فالحزن على أمرين على ما فاتهم وعلى ما أصابهم. أما في الحديد (لكيلا تأسوا على ما فاتكم) أمر واحد (ولا تفرحوا بما آتاكم) هذه نعمة تفرحوا بما آتاكم من النعم. في أُحُد أمران في الحزن فقطعاً في أحد الحزن أكثر لأن الحزن على أمرين ما فاتهم وما أصابهم أما في الحديد فالحزن على ما فاتهم فقط. بعد معرفة الفرق بين حزن وأسى نضع الحزن في آية آل عمران وتأسوا في آية الحديد وكل كلمة في مكانها البلاغي ولا يوجد ترادف في القرآن الكريم وإنما هو حتى عند اختيار لغة على لغة يكون مقصوداً، كل كلمة لها دلالة واختيارها له سبب مقصود فالتعبير القرآني تعبير فني مقصود، كل كلمة كل عبارة كل حرف مقصود.
والملاحظ أنه في الحديد لما قال: (لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) بينما في آل عمران قال: (فَأَثَابَكُمْ غُمَّاً بِغَمٍّ لِّكَيْلاَ تَحْزَنُواْ عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ مَا أَصَابَكُمْ وَاللّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (153)) هذه حزن فبمَ يفخر؟ هناك يفخر بما آتاهم (لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) هذا يفخر بما آتى، (لِّكَيْلاَ تَحْزَنُواْ عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ مَا أَصَابَكُمْ) بم يفخر؟ هذه ليست مثل هذه.
*ورتل القرآن ترتيلاً:
(ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاسًا يَغْشَى طَآئِفَةً مِّنكُمْ وَطَآئِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ (154) آل عمران) الأمنة من الأمن والنعاس أول النوم وكان مقتضى الظاهر أن يقدّم النعاس ويؤخر الأمنة لأن (أمنة) بمنزلة النتيجة والغاية للنعاس تماماً كما جاء في آية الأنفال (إذ يغشيكم النعاس أمنة منه) ولكنه قدّم الأمنة هنا تشريفاً لشأنها حيث جُعِلت كالمنزَّل من الله تعالى لنصرهم ولأن الأمن فيه سكينة واطمئنان للنفس أكثر من النعاس. فالنعاس يُخشى منه أن يكون نوماً ثقيلاً وعندها يؤخَذون على حين غرّة.
*لِمَ قال عن الطائفة الأولى (منكم) ولم يقيّد الثانية بهذا الوصف فقال تعالى: (يغشى طائفة منكم وطائفة قد أهمتهم أنفسهم) ولم يقل طائفة منكم وطائفة منك قد أهمتهم أنفسهم؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
انظر إلى ما يفيده الوصف (منكم) في كِلا الطائفتين: فعبّر عن الأولى التي يغشاها النعاس بقوله (طائفة منكم) أما الثانية فهي فئة منافقة لذلك ترك الله تعالى وصفها بـ (منكم) لأنه ليست من المؤمنين الذين أمّنهم الله تعالى بالنعاس.
آية (154):
* (لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إلى مَضَاجِعِهِمْ (154) آل عمران) وليس من مضاجعهم؟ (د.فاضل السامرائى)
يذهبون إلى مضاجعهم من الموت حيث يموتون، إلى مضاجع الموت وليس من الفراش، ليس كلهم يقومون من الفراش، كلهم يقومون من المضجع. لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم التي يموتون فيها إذن المضجع النهائي الذي يموتون فيها، إلى مضاجعهم أي إلى حيث الموت.
*(إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْاْ مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ (155) آل عمران) استزلال الشيطان إياهم هو الهزيمة واستزلهم بمعنى أزلّهم فما فائدة السين والتاء؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
اعلم أن زلة الهزيمة هي من أعظم الزلاّت لذلك جاءت على صيغة استزل لتأكيد وتفظيع هذا الفعل.
*ما دلالة تقديم وتأخير الموت في آيتي سورة آل عمران؟(د.حسام النعيمى)
لما نأتي إلى آيتي سورة آل عمران يلفت نظرنا فيها شيء وهي قول الله سبحانه وتعالى (وَلَئِن قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ (157) وَلَئِن مُّتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لإِلَى الله تُحْشَرُونَ (158)) نلاحظ في الأولى قدّم القتل وفي الثانية قدّم الموت. قد يقول قائل أن هذا لغرض التلوين والتنويع في الأسلوب وهذا طبيعي حتى لا يصير نفس الرتابة. لكن هناك شيء آخر وهو: لما تكلم عن سبيل الله يعني الشهادة قدّمها على الموت الاعتيادي لأن الشهادة مقدمة لأن للشهداء منزلة. لكن لما يتكلم عن الموت والقتل الاعتيادي الإنسان يموت موتاً اعتيادياً، قد يُقتَل خطأ، قد يُقتل بثأر، قد يقتل في الجهاد، قد تقتله أفعى، فقدّم الشيء الطبيعي، قدّم الأكثر الذي هو الموت، هذه لفتة بيانية أردنا أن نبينها.
158
* ما الفرق بين مُتم بالضم ومِتم بالكسر؟(د.حسام النعيمى)
قال تعالى في سورة آل عمران: (وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (157) وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ (158) مُتم هذه مسندة إلى المعلوم. مات يموت فيقول مُت أنا وهنا تكون التاء فاعلاً مبني في محل رفع الفاعل (للمتكلم) أو مُت أنت. لكن إذا أردت أن تبنيها للمجهول يعني وقع عليه الموت بمعنى أُميت تصير (مِتَّ ومِتُ أنا) تُكسر الميم (أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ (35) المؤمنون). موضوع الضم والكسر لأن هذا فعل أجوف والأجوف عندما يُبنى للمجهول يكون بهذه الصيغة.
*(فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ (159) آل عمران) ما فائدة تقديم الجار والمجرور (فبما رحمة) على الفعل (لِنت) مع أن الأصل: لنت لهم برحمة من الله؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
هذه الآية من رحمة الله تعالى على المؤمنين وقد عبّر عن هذه الرحمة بأسلوب جميل فقد استطاع التقديم في الآية أن يُغني المعنى بشيء من الحصر أي برحمة الله لا بغير ذلك لان النبي (صلى الله عليه وسلم) لأمّته. كما أفاد القصر في هذا الموضع التعريض بأن أحوالهم كانت مستوجبة غِلظة ولكن الله تعالى ألآن خُلُق رسوله (صلى الله عليه وسلم) رحمة بهم لحكمة في سياسة الأمة والذي قوّى القصر وأكّده زيادة (ما) بعد باء الجرّ.
آية (162):
*ما الفرق بين ختام الآيتين (وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (162) آل عمران) و(مأواكم النار هي مولاكم وبئس المصير)الحديد؟ (د.فاضل السامرائى)
كل الآيات التي ورد فيها (وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (162) آل عمران) ونحوها إنما قيلت وهم في الدنيا والدنيا لا تزال غير منقضية وأما في سورة الحديد (مأواكم النار هي مولاكم وبئس المصير) فإنه قيل وهم في الآخرة وقد ضرب السور بينهم وبين المؤمنين وأتاهم العذاب من قبله فالنار قريبة منهم فقال (هي مولاكم).
(وبئس المصير) هذه أنسب خاتمة لهم فقد كانوا في ترقبهم وأمانيهم ينتظرون المصير الحسن والمستقبل المشرق فكانت لهم الظلمة والمصير الأسوأ.
آية (164):
*ما دلالة الفرق في الترتيب بين آية سورة البقرة (رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ (129)) وآية سورة آل عمران (رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ (164)) ؟ (د.عمر عبد الكافى)
وردت في القرآن الكريم مثل هذه الآيات أربع مرات ثلاث منها عن الله تعالى ومرة على لسان إبراهيم (عليه السلام) وهي الآيات التالية:
1. سورة البقرة (كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (151))
2. آل عمران (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (164))
3. سورة الجمعة ((هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (2)))
4. وعلى لسان إبراهيم (عليه السلام): سورة البقرة ((رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129)))
وهذا يعود إلى ترتيب الأولويات والأهمية في الخطابين، فعندما دعا إبراهيم (عليه السلام) ربه أن يرسل رسولاً أخّر جانب تزكية الأخلاق إلى آخر مرحلة بعد تلاوة الآيات وتعليمهم الكتاب والحكمة.
أما في آية سورة الجمعة وسورة البقرة (151) وسورة آل عمران فالخطاب من الله تعالى بأنه بعث في الأميين رسولاً يتلو عليهم آياته ويزكيهم قبل مرحلة يعلمهم الكتاب والحكمة لأن الجانب الخُلُقي يأتي قبل الجانب التعليمي ولأن الإنسان إذا كان غير مزكّى في خلقه لن يتلقى الكتاب والحكمة على مُراد الله تعالى والرسول (صلى الله عليه وسلم) من أهم صفاته أنه على خلق عظيم كما شهد له رب العزة بذلك في قوله: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4) القلم).
والتزكية هي ربع المهمّة المحمدية (تلاوة الآيات، تعليم الكتاب، تعليم الحكمة، التزكية).
(من برنامج هذا ديننا للدكتور عمر عبد الكافي على قناة الشارقة).
ما الفرق بين كلمة أفواههم في قوله تعالى في سورة آل عمران: (يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ (167)) وألسنتهم في سورة الفتح (سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ (11))؟(د.حسام النعيمى)
اللسان هو جزء من الفم والأصل في الكلام أن نقول: قال فلان كذا وإذا أردت التأكيد فتقول : قال بلسانه. والصورة الثانية لما يريد المخالفة لما في نيّة الإنسان فتقول: قال بلسانه غير ما يُبطن وغير ما يُخفي. عندنا صورتان للاستعمال: فهي إما للتأكيد أو للموازنة لما يبطنه. فقال بلسانه غير ما في قلبه (لما يكون مقابلة). لكن لماذا يستعمل اللسان مرة والفم مرة؟ والعلاقة بين اللسان والفم علاقة مكانية.
قاعدة عامة: لم يذكر القول باللسان أو بالفم إلا في موضع الذمّ في القرآن الكريم. واللسان جزء من الفم معنى ذلك أن الكلمة التي تخرج من اللسان أو باللسان كلمة طبيعية. لكن بفمه كأنه يملأ بها فمه فيها إشارة إلى نوع من الثرثرة والتعالي ونوع من التفخيم والتضخيم. وفيها دلالة على ثبوت هذه الصفة لهم ودوامها وتكرارها (قول غير ما يبطن) .
الآية التي ورد فيها (بأفواههم) كانت وصفاً للمنافقين في المدينة، هؤلاء كان فيهم شيخ المنافقين عبد الله بن أُبي بن سلول الذي كان قومه ينظمون له الخرز ليتوجونه ملكاً على المدينة قبل الإسلام، فصدره موغر ضد الإسلام و المسلمين. لكنه هو وجيه في قومه، كبير ولا يرتضي أن يُنسب إليه الخوف أو الجُبن في القتال والأوس والخزرج هم أبناء الحروب. ولهذا كأن القرآن يريد أن يبيّن أن هؤلاء المنافقون قالوا هذه الكلمة بنوع من الترفّع والتعالي (وليعلم الذين نافقوا) صار الكلام بعد انتهاء معركة أُحُد وأنها كانت تجربة أو كانت خبرة. (وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ (167)) يقيناً هذه العبارة قالوها بأفواههم كما يقال بالفم الملآن يعني لو نعلم أنكم ستقاتلون، سوف لا يكون هناك قتال نحن لا نخرج معكم وهم أضعفوا المسلمين بعدم خروجهم.
في الآية الثانية (بألسنتهم) الذين يقولون بألسنتهم هم من الأعراب مسلمين ليسوا من المنافقين لأن الرسول (صلى الله عليه وسلم) عندما ذهب للعمرة استنفر المسلمين واستنفر الأعراب أن يأتوا معه تحسّباً لحدوث قتال وساق الهديَ تحسباً. لو قال للمنافقين بألسنتهم يضعف الحال ولا يصور حالهم هم كانوا متكبرين فقال بأفواههم وليس بألسنتهم. وهؤلاء كانوا معتذرين فلا تتناسب بأفواههم. الصورة لا تتناسب فكل كلمة في القرآن في مكانها.
*(قُلْ فَادْرَؤُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (168) آل عمران) لِمَ قال ربنا (فادرؤوا عن أنفسكم الموت) ولم يقل فاحموا أنفسكم من الموت؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
آثر ربنا تعالى أن يعبِّر بـ (فادرؤوا عن أنفسكم الموت) لأن الدرء يعني الدفع وفي هذا إيماء إلى أن الموت يأتي بشكل مفاجئ وقوي لا قِبَل للمرء على مقاومته ودفعه. أما الحماية فهي تدل على أن المرء يرى الخطر المدلهِّم به ويريد أن يحمي نفسه بينما الموت ليس بمرئي ومشاهد حتى يصون الإنسان نفسه منه.
*(ورتل القرآن ترتيلاً) :
(الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) تبصّر في هذه الصورة الرائعة التي ترسلها الريشة القرآنية بدقة متناهية تسلب الألباب، إنها صورة هؤلاء المؤمنين الذين استعلوا على جراحهم في غزوة أحد واستعلوا على آلامهم ولم يفقدوا شجاعتهم وتبتلهم ويقينهم بالله عز وجل فلما خوّفهم الناس بجموع المشركين التي تجمعت لاستئصالهم ما زادهم هذا التخويف إلا إيماناً ويقيناً وثباتاً وعزيمة وقالوا (حسبنا الله ونعم الوكيل).
آية (170):
* ما دلالة كلمة (خلفك) في الآية ((فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) في سورة آل عمران؟(د.فاضل السامرائى)
بعد نقيضة قبل وأظهر استعمال لها في الزمان. أما خلف فهي نقيضة قُدّام (وهي في الغالب للمكان) هذا من حيث اللغة. والخلف في اللغة هو الظهر أيضاً.
أحياناً لا يصح وضع إحداهما مكان الأخرى فلا يمكننا أن نضع خلف مكان بعد ففي هذه الآيات لا يمكن أن تحلّ خلف محل بعد (ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (52) البقرة) (الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (27) البقرة) لأنها متعلقة بالزمان.
أما خلف فهي في الأصل للمكان، (ثُمَّ لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17) الأعراف) (وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (9) يس) وكذلك قوله تعالى (فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) آل عمران) الذين معهم في المعركة والقتال فهي في الأصل خلف في المكان.
آية (173):
*ما دلالة استخدام الفعل الماضي والمضارع في آية سورة فاطر (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ {29}) ؟(د.فاضل السامرائى)
قال تعالى في سورة فاطر: (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ {29}). يتلون فعل مضارع وأقاموا فعل ماضي والفعل المضارع يدل على الحال والتجدد والاستقبال والماضي مضى هذا هو الأصل وفي الآية ذكر تعالى أكثر ما يتجدد أولاً لأن تلاوة القرآن أكثر من الصلاة لأن إقامة الصلاة لا تكون إلا بقراءة القرآن وقراءة القرآن تكون في كل وقت وإقامة الصلاة هي أكثر من الإنفاق إذن فالأفعال مرتّبة في الآية بحسب الكثرة وبحسب الاستمرار فبدأ بما هو أكثر بالأكثر والأكثر استمراراً ثم بما دونها كثرة (الصلاة) ثم الأقل (الإنفاق).
وفعل أقاموا هو فعل ماضي فهل هو مضى؟ الفعل الماضي بعد اسم الموصول يكون له زمنان فقد يكون له زمن ماضي مثل قوله تعالى: (الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم) وقد يحتمل معنى المضي والاستقبال مثل قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَـئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ {159} إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَـئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ {160} سورة البقرة) هذه الأفعال الماضية في الآية (تابوا وأصلحوا وبيّنوا) تدل على احتمال الاستقبال لأنها جاءت بعد الكتمان (إن الذين يكتمون). أصلاً زمن الفعل الماضي بعد الاسم الموصول يحتمل المضي ويحتمل الاستقبال. وهنالك أمور قطعية وهنالك أمور تبقى مشتركة. أما (كان) فلها أزمنة خاصة بها فهي تفيد الاستمرارية (كان ولا يزال) وتأتي أصلاً للاستقبال كما في وصف الآيات للآخرة (وفتحت السماء فكانت أبوابا) وفي الحديث عن الله تعالى (وكان الله غفوراً رحيما) فهي تدل على كونه غفور رحيم وهذا كونه سبحانه.
آية(174): انظر آية (74)
* ختمت الآية في سورة الحديد بالتعريف (وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) وفي آل عمران (وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174)) فما الفرق؟ (د.فاضل السامرائى)
في آل عمران في أُحد وفي نجاتهم مما كان يراد بهم (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174)) هذا أكبر أو النور والرحمة والمغفرة؟ انقلبوا لم يمسسهم سوء، المغفرة والرحمة والنور أكبر لذا قال ذو الفضل العظيم. أما لو مسهم سوء لهم أجر. أما (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (28)) كفلين من رحمته ويغفر لكم ويجعل لكم نوراً هذه أكبر إذن والله ذو الفضل العظيم. التعريف يفيد العموم والشمول والتنكير يفيد التقليل.
*ما اللمسة البيانية في قوله تعالى: (وَلاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَن يَضُرُّواْ اللّهَ شَيْئاً يُرِيدُ اللّهُ أَلاَّ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (176) آل عمران)؟ (ورتل القرآن ترتيلاً)
انظر إلى هذه الاستعارة التمثيلية لحال أهل الكفر والنفاق والتي قوّاها تعدية المسارعة بـ (في) عوضاً عن (إلى) فقال تعالى: (يسارعون في الكفر) ولم يقل إلى الكفر. وبيان ذلك أنه شبّه حال حرصهم وجدّهم في تكفير الناس وإدخال الشك على المؤمنين بحال الطالب المسارع إلى تحصيل شيء يخشى أن يفوته. فأفادت يسارعون في الكفر أنهم لم يكتفوا بالكفر بل توغلوا في أعماقه.
آية (176-178):
*ما الفرق بين خواتيم الآيات في سورة آل عمران (وَلاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَن يَضُرُّواْ اللّهَ شَيْئاً يُرِيدُ اللّهُ أَلاَّ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (176) إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ لَن يَضُرُّواْ اللّهَ شَيْئًا وَلهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (177) وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمًا وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ (178))؟(د.فاضل السامرائى)
نقرأ الآيات ونوضح سبب الاختيار. (وَلاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَن يَضُرُّواْ اللّهَ شَيْئاً يُرِيدُ اللّهُ أَلاَّ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (176)) ذكر أن هؤلاء يعجلون في الكفر، يسارعون في الكفر فربنا هددهم يريد الله أن لا يجعل لهم حظاً في الآخرة لا في الآخرين فإذن ذكر العذاب العظيم وهو أشد العذاب. إنما الآية الأخرى (إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ لَن يَضُرُّواْ اللّهَ شَيْئًا وَلهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (177)) الذي يشتري بضاعة يطلب الربح فإذا خسر يتألم، إن الذين اشتروا الكفر بالإيمان يعني تركوا الإيمان واشتروا الكفر خسروا والخاسر يتألم فله عذاب أليم. (وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمًا وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ (178)) هؤلاء أملى لهم من المال والرزق والسعة يملي لهم ما هو خير لهم في ظاهره ما يفخرون به وما هو يعتزون به وقد يستطيلون على خلق الله، هذا المستطيل يُهان فجاء بصفة ضد ما كان يصنع في حياته الدنيا، كان يعتز ويفخر فيهان. العذاب متحقق في الثلاثة لكن كل واحدة تناسب ما قيل فيه ومن قيل فيه.
*ماذا استخدم لفظ يجتبي في آية سورة (وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ (179) آل عمران) ولم يقل يختار أو يصطفي؟(د.حسام النعيمى)
الفعل اجتبى واختار بصيغة افتعل نفس الصيغة لكن اجتبى من جَبَيَ والجباية هي الضمّ والجمع يعني أنك تضم الشيء إليك وتجمعه إليك. فيسمون الجابية للمكان الذي يجمعون فيه الماء كأنه يصير اختلاط وامتزاج للماء فكأن الآية الكريمة التي تشير إلى الاجتباء فيها معنى الجمع والضمّ والتقريب يعني شدة القرب من الله سبحانه وتعالى. أما الاختيار ففيه الانتقاء للأخير والأفضل لأن فيه معنى خَيَر فيه معنى الخير ولكن ليس فيه معنى الضم والقرب. فإذا أراد الإشارة إلى مجرد الخيرية يستعمل يختار وإذا أراد معنى الجمع والتقريب والضم يستعمل اجتباء.
*ما معنى يطوقون في قوله تعالى: (وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ (180) آل عمران)؟ (ورتل القرآن ترتيلاً)
يطوقون مشتقّ من الطوق وهو ما يُلبس تحت الرقبة فوق الصدر وفي هذا الكلام تصوير جميل بحيث جعل أموال الذين يبخلون أطواقاً يوم القيامة يعذّبون بحملها. والطوق في الدنيا يُتّخذ للزينة ولكنه يتحول مع البُخل إلى زِنة لا يمكن حملها وقد اختار الله تعالى الطوق دون غيره لأنه أظهر للعيان بقصد التشهير بهم يوم الحشر.
آية (180):
*ما دلالة تقديم (لله) في قوله تعالى: (وَلِلّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ) ؟(د.فاضل السامرائى)
(وَلِلّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (180) آل عمران) فأنفقوا حتى تنالوا جزاء المنفقين قبل أن تنتقل رغماً عنكم وتذهب إلى الله تعالى، أنفقوا حتى تنالوا . وقدّم الجار والمجرور (لله) أنها ستؤول إليه حصراً وإذا قال ميراث السموات والأرض لله ليس فيها قصر ولا حصر. التقديم عندنا شكلين: يقدم على العامل وتقديم على غير العامل. مثلاً تقديم الخبر على المبتدأ (ولله ميراث السموات والأرض) ميراث مبتدأ و(لله) لفظ الجلالة خبر مقدّم وهذا من باب جواز التقديم وليس من باب الوجوب لأن ميراث السموات والأرض معرفة مضافة إلى معرفة وليست نكرة تقديم الخبر على المبتدأ يسمونه من باب تقديم المعمول على العامل وهذا التقديم يفيد التخصيص أو الاهتمام حسب السياق. قد يفيد القصر كما في قوله (إياك نعبد) وأصلها نعبدك. هنا قال تعالى: (ولله ميراث السموات والأرض) هذا اهتمام هو ستؤول إليه حصراً ولا تؤول إلى جهة أخرى مع الاهتمام.
*(لَّقَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ (181) آل عمران) ألا تجزم أخي المؤمن بأن سمع الله تعالى دليل عِلمه ما قالوا؟ فلِمَ جاء بالفعل (سمع) وعدل عن الفعل علِم (ورتل القرآن ترتيلاً)
إنما أريد بهذا الفعل التهديد والإيذان بأن ما يقولونه فيه جرأة عظيمة وأن الاستخفاف بالرسول (صلى الله عليه وسلم) وبالقرآن إثم عظيم وكفر على كفر. ولذلك قال تعالى: (لقد سمع) المستعمل في لازم معناه وهو التهديد على كلام فاحش. فليس المقصود إعلامهم بأن الله تعالى علِم بذلك بل التهديد كما يقول أحدنا لولده: إني أسمع ما تقول، فهو لا يريد إبلاغه بأنه يسمعه بل يريد أن يهدده
* لماذا استخدم لفظ (ذائقة) في آية سورة آل عمران (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (185) وفي قوله تعالى (وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (181) آل عمران)؟ لماذا استعمل الذوق مع الموت والعذاب؟(د.حسام النعيمى)
نحن عندنا في العربية ما يسمى بالاستعارة. يقولون الاستعارة هي تشبيه حُذِف أحد طرفيه فإذا صُرِّح بالمشبّه به تسمى تصريحية وإذا لم يُصرّح به تسمى مكنية. هنا (كل نفس ذائقة الموت) الذوق للسان معنى ذلك أنّه شبّه الموت بشيء يُذاق ثم حذف المشبه به فهي مكنية وكذلك العذاب. ما الفائدة من هذه الاستعارة المكنية؟ هنا عندما يقول (ذائقة الموت) (ذوقوا عذاب الحريق) إشارة إلى شدة الالتصاق والاتصال بحيث كأن الموت يتحول إلى شيء يكون في الفم بأقرب شيء من الإنسان بحيث يذوقه ويتحسسه يعني الموت ليس خيالاً وإنما يُذاق والعذاب ليس خيالاً وإنما هو سيُذاق ذوقاً. فكما أن الشيء يوضع على اللسان فيحسه هكذا سيكون قُرب الموت من الإنسان والتصاقه به وهكذا سيكون العذاب من القرب والالتصاق بهذا المعذّب لأنه سيكون في فمه فهذا هو الغاية من هذه الاستعارة.
آية (183):
*ما دلالة التذكير والتأنيث في قوله تعالى: (الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (183) آل عمران)و(هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (53) الأعراف) ؟ (د.فاضل السامرائى)
بحسب القاعدة النحوية المعروفة أنه جائز باعتبار أن جمع التكسير يجوز تذكيره وتأنيثه. يؤنّث الفعل عندما يكون الفاعل أكثر وإذا كان أقل يُذكّر الفعل. كما جاء في قوله أيضاً (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آَمَنَّا ..(14) الحجرات) استخدم الفعل قالت مؤنثاً لأن الأعراب كُثُر. وكذلك في قوله تعالى: (الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (183) آل عمران) هؤلاء مجموعة من الرسل أما في قوله تعالى (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (53) الأعراف) المذكورون هم جميع الرسل وهم أكثر من الأولى لذا جاء الفعل مؤنثاً.
آية (185):
* (كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ (185) آل عمران) (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ (30) الزمر) ما دلالة استخدام كلمة ذائقة مع الموت؟ (د.فاضل السامرائى)
أولاً الذوق هو إدراك الطعم واستعمله هنا من باب المجاز لأن الموت لا يُذاق كالطعام وشاع في كلام العرب إطلاق الذوق على الخير والشر والقرآن استعمله في العذاب والرحمة ولم يخصصه بشيء فقال تعالى: (فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (106) آل عمران) (وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِّنَّا (50) فصلت) لا يختص الذوق بالموت تحديداً.
آية (186):
*هل اللام في الآية هي لام التوكيد؟ (د.فاضل السامرائى)
هذه اللام تسمى لام القسم (لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ (186) آل عمران) هذه اللام واقعة في جواب قسم مقدّر، هي في النحو لا تسمى لام التوكيد وإنما لام القسم، لام واقعة في جواب قسم مقدم، لأذهبن نعربها لام واقعة في جواب القسم. لم يذكر (والله) لأنه لما تقول لأفعلن كذا هذا ليس عليه حنث لكن لما تقول والله عليها حنث إذا لم ينفذ. عندنا ألفاظ تستعمل مثل لعمرك، يمين الله، أيم الله وأيمُنُ الله.
*(وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ (187) آل عمران) بهذه الألفاظ البسيطة استطاع القرآن أن يوضح سوء عمل اليهود مع ميثاق الله فكيف ذلك؟ (ورتل القرآن ترتيلاً)
انظر تفصيل الآية:
أولاً عطف بالفاء فقال (فنبذوه) إشارة إلى سرعة نبذهم وعدم احترامهم لميثاق الله فالفاء تفيد الترتيب والتعقيب.
ثانياً استعار الفعل (نبذ) لعدم العمل بالعهد تشبيهاً للعهد بالشيء المنبوذ في عدم الانتفاع به إذ أصل النبذ الطرح والإلقاء.
ثالثاً مثّل بقوله (وراء ظهورهم) عن الإضاعة والإهمال لأن شأن المهتم به المتنافَس عليه أن يُجعل نصب العين ويُحرَس ويُشاهَد.
آية (191):
*ما دلالة كلمة قيام ؟ وما الفرق بين قنت وقنط؟ (الشيخ خالد الجندي)
قنت في اللغة تعني خشع (يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (43) آل عمران) ((إِنَّ إبراهيم كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120) النحل)) أما قنط فهي تعني يئس (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) الزمر)
وقد عبّر تعالى عن الصلاة بالقيام لأنها بداية الصلاة وفيها تكبيرة الإحرام وابتداء الصلاة إنما يعبّر عن إدراك الركعة بالركوع وعبّر عن الخشوع والدعاء والاقتراب بالسجود لأن أقرب الحالات في الصلاة السجود (كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ)
في سورة آل عمران قال تعالى في زكريا: (فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ) وقال: (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191)) والرسول (صلى الله عليه وسلم) يقول “صلّ قائماً فإن لم تقدر فقاعداً فإن لم تقدر فمضطجعاً”.
قوموا: جاءت وراء الصلاة ولم يختر سبحانه الركوع أو السجود لأن كلمة قيام تتناسب مع قيام الرجل على بيته وأهله (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ)(النساء) قوامون أي قائمين بالحفاظ على شؤونهم وخدمة أمورهم والصلاة تحتاج إلى رعاية ومتابعة فكما أمرنا الله تعالى بالحفاظ على نسائنا أمرنا بالحفاظ على الصلاة وهذا من تناسق القرآن الكريم. فعندما ترى زوجاً قانتاً خاشعاً لا يمكن أن يكون جباراً على زوجته وإن لم يكن وهذه منتشرة بيننا يكون هذا الخاشع القانت لم يستوفي صلاته (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (45)) فلو صلّى حقيقة ما تجاسر على زوجته أو تكبّر وتحبّر.
*(رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا (193) آل عمران) لِمَ آثر القرآن تصوير الدعوة بالنداء؟ (ورتل القرآن ترتيلاً)
اعلم أن حقيقة النداء هو الصوت المرتفع والمنادي هو الذي يرفع صوته بالكلام ويبالغ في الصياح به ومن المعلوم أن دعوة النبي (صلى الله عليه وسلم) لم تكن بالصياح ورفع الصوت فلِمَ آثر القرآن تصوير الدعوة بالنداء؟ ما ذاك إلا ليبيّن حرص النبي (صلى الله عليه وسلم) على المبالغة في الإسماع بالدعوة هذا من جهة. ومن جهة أخرى لما دعاهم كانوا في حالة الكفر وهي بعيدة عن الإيمان فكان النداء مجازياً لدلالة بُعدِهم وأن النبي (صلى الله عليه وسلم) كان في موضع عالٍ يناديهم وهو موضع الإيمان.
آية (193):
* الفرق بين كفّر عنهم سيئاتهم وغفر لهم ذنوبهم وحطّ عنهم خطاياهم؟(د.فاضل السامرائى)
السيئات هي الصغائر صغار الذنوب والذنب أكبر والخطيئة عامة. لماذا يستعمل مع السيئات التكفير والمغفرة مع الذنوب (رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا (193) آل عمران)؟ قلنا السيئات الصغائر والذنوب الكبائر، التكفير في الأصل الستر وكفر الشيء أي ستر الكافر في الشريعة هو الذي خرج عن الملة هذا في الاصطلاح وفي اللغة يعني ستر. وأصلها كفر البذرة أي غطاها وسترها بتراب ومأخوذ أصلاً من الزرع فالزارع يسمونه الكافر لأنه يستر البذرة في الأرض، كفرها أي سترها والليل سمي كافراً لأنه يستر الناس (لي فيك أجر مجاهد إن صح أن الليل كافر) من أسماء الليل الكافر لأنه يستر. نأتي إلى المغفرة من المِغفَر والمِغفر هو الغفر والستر، المِغفر وهو الذي يُلبس في الحرب حتى يمنع السِهام. أيها الأمنع من الإصابة المِغفر أو التراب في الأرض؟ المِغفر أمنع. الليل يستر لكن لا يمنع سهماً أو إصابة وإنما يستر على العموم لكن لو جاءت ضربة لا تمنع أما المِغفر يمنع، فلما كان الذنب أكبر فهو يحتاج إلى مانع أكبر لذا قال معه مغفرة لأن الذنب أكبر، الذنب يصيب الإنسان إصابة كبيرة فيحتاج إلى مغفرة كما يحتاج المِغفر في الحرب. لما كان الذنب أكبر احتاج لمانع أكبر ولمغفرة أشدّ. كفر ستر قد تكون بدون منع أو قد تكون بمانع خفيف لذا قال: (فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا).
عندما تكفر البذرة في التربة تحتاج حفرة صغيرة وتسترها لكن المغفرة أكبر. إذن الذنب هو أكبر من السيئة ولذلك يستعمل معه المغفرة لأنه لما كان أكبر احتاج لوقاية أكبر والخطيئة عامة قد تكون لأكبر الذنوب وقد تكون للصغائر تستعمل فيها كلها، السيئة صغائر وقد تكون من اللمم ,أنت تقول أسأت إلى فلان ولا تقول له أذنبت معه. والذنب أكبر، يستعمل كفر عنا سيئاتنا لأنها صغيرة ومع الذنوب يقول غفران.
*قال تعالى (رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ (193) آل عمران) وقال (وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (147) آل عمران) لماذا اختلاف الخاتمة؟ (د.فاضل السامرائى)
كيف تأتي الخاتمة؟ الخاتمة تختلف بحسب السياق والغرض. الآية (وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (147) آل عمران) قبلها مباشرة (وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146)) هل يمكن في القتال أن تقول توفّنا؟ تقول في القتال انصرنا، لذا لا يجوز أن نقتطعها ونضع لها خاتمة. ولا يمكن أن تضع خاتمة تلك الآية في هذه الآية لأن كل منها في سياق واحدة في سياق حرب وقتال وطلب الثبات. والقدامى يضربون لنا مثالاً (وإن تعدوا نعمت الله لا تحصوها) وردت مرتين كل مرة بخاتمة، الآية الواردة في سورة النحل (وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ (18)) هي في بيان صفات الله فختمها بقوله: (إن الله لغفور رحيم) أما الثانية ففي بيان صفات الإنسان وجحوده، فلما كانت في بيان صفات الإنسان وجحوده ختمها (وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإنسان لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34) إبراهيم) النعم لا تحصى لكن الإنسان ظلوم كفار مع أن نِعَم الله إن الإنسان متتالية عليه ومتتابعة لكنه ظلوم كفار، السياق هكذا واحدة في صفات الله وواحدة في صفات الإنسان فلا يصح أن تؤخذ الآية مقتطعة من سياقها. حتى في حياتنا اليومية نذكر أمراً لكن الغرض من ذكره يختلف، مثلاً تذكر حادثة غريبة تدل على كسل شخص لكنك تذكر الحادثة لبيان صفة الشخص أو للتندر منها أو لبيان أن هذا الشخص لا يصلح في المكان الذي عُهِد به إليه أو سيفرِّط في المسألة، هي مسألة واحدة لكن ما الغرض من الذي ذكرته؟ التعقيب يكون بحسب الغرض من الذكر في حادثة واحدة يمكن أن نذكرها في أماكن متعدة وفي جلسات متعددة وهكذا ينبغي أن يكون النظر في خواتيم الآيات عموماً لا نقتطعها وإنما نضعها في سياقها وننظر الغرض في هذه الآية.
*لم جاء الدعاء ب(ربنا) في قوله تعالى (رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ (192) رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ (193) رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (194) فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ (195) آل عمران)؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
تأمل هذا التعبير بالدعاء (ربنا) دون اسم الجلالة فلم يقولوا يا الله وما ذاك إلا لما في وصف الربوبية من الدلالة على الشفقة بالمربوب ومحبة الخير له ومن الاعتراف بأنهم عبيده. ولِردّ حُسن دعائهم بمثله قال الله تعالى (فاستجاب لهم ربهم).
*ما دلالة قوله تعالى: (من ذكرٍ أو أنثى) في الآية (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ (195) آل عمران)؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
قد يظن السامع لهذه الآية الكريمة أن قوله تعالى: (من ذكر أو أنثى) زيادة كان الأولى الاستغناء عنها ولكن هذا القول جاء لحكمة بليغة فلو استعرضت الأعمال التي أتى بها أولو الألباب المذكورون في الآية لوجدت أن أكبرها الإيمان ثم الهجرة ثم الجهاد. ولما كان الجهاد أكثر تكراراً خيف أن يُتوهَم أن النساء لا حظّ لهن في تحقيق الوعد على لسان الرسل فأتى بالتفصيل (من ذكر وأنثى).
آية (195):
* آيتان متتابعتين في خواتيم سورة آل عمران فيها ذكر الجنة واحدة فيها خلود (لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلاً مِّنْ عِندِ اللّهِ وَمَا عِندَ اللّهِ خَيْرٌ لِّلأَبْرَارِ (198)) والأخرى من دون خلود (وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّن عِندِ اللّهِ وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ (195)) فلماذا هذا الاختلاف؟(د.فاضل السامرائى)
نقرأ الآيتين (فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّن عِندِ اللّهِ وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ (195)) ليس فيها ذكر الخلود، وبعدها مباشرة (لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي الْبِلاَدِ (196) مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (197) لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلاً مِّنْ عِندِ اللّهِ وَمَا عِندَ اللّهِ خَيْرٌ لِّلأَبْرَارِ (198)). هاتان الآيتان الأولى لم يذكر فيها الخلود والثانية ذكر فيها الخلود. أولاً من حيث الوضع قبل الآية التي ذكر فيها الخلود قال: (لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي الْبِلاَدِ (196) مَتَاعٌ قَلِيلٌ) عكس المتاع القليل الدائم لما قال متاع قليل قال بعدها (لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلاً مِّنْ عِندِ اللّهِ وَمَا عِندَ اللّهِ خَيْرٌ لِّلأَبْرَارِ) يجب أن يكون خلود حتى لا يكون متاع قليل، فقال: (لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا) عكس المتاع القليل الذي ذُكر قبل هذه الآية. هذه مسألة والمسألة الأخرى قال في الآية الأولى: (فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ) هؤلاء من الذين اتقوا ربهم إذن هم داخلين في زمرة الذين اتقوا، قال تعالى (وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177) البقرة) فإذن الذين هاجروا هم هؤلاء فلما ذكر في المتقين أنهم خالدون دخل فيه أولئك، لما قال: (لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا) دخل فيها أولئك الذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم قطعاً. من ناحية أخرى أيها أشمل وأعم؟ الذين اتقوا ربهم أو الذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي؟ الذين اتقوا ربهم، التقوى من جملته أمور كثيرة كما ذكر تعالى (لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177) البقرة) أولئك هم جزء من هؤلاء، فأين نضع هذا الأجر الأعلى؟ نضعه هكذا كما ورد في القرآن. ليس هذا فقط وإنما هنالك أموراً أخرى، الذين اتقوا ربهم أعلى لأنه أولئك قسم من هؤلاء. في الآية الأولى قال تعالى (وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ) وفي الآية الأخرى قال (لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا) أن تكون لهم جنات أعلى من يدخلهم جنات فالإدخال لا يقتضي أن تملك حديقة فإذن قال: (لهم جنات) في الذين هم أعلى وأعم وأشمل وفي الجزء قال: (لأدخلنهم جنات)، قال خالدين فيها وفي الثانية لم يقل خالدين فيها. وقال نزلاً من عند الله والأخرى ثواباً والنزل أعلى لأن النزل هو ما تعده للضيف من إكرام وإطعام وصلة وقد يأتي النزل بمعنى المنزل فهو في ضيافة الرحمن، النزل هو تجهيز المكان والإطعام والصلة أما الثواب إعطاء الأجر قد تعطي الأجر ولكن ليس بالضرورة أن تنزله ضيفاً. لم يقل في الآية الأولى فقط خالدين فيها وإنما أضاف شيئاً آخر فقال: نزلاً من عند الله, وقسم من التفاسير قال: النزل ما يعد للضيف فقالوا إذا كانت هذه الجنة نزل فماذا بعد النزل؟ لأن الله تعالى قال (وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72) التوبة) وقسم فسر هذه الآية على رؤية الله لأن الرضوان ورؤية الله تعالى أعلى من الجنة فإذن ما ذكره في الآية الأخرى ليس فقط ذكر الخلود وعدمه وإنما هو أصلاً الثواب اختلف والأجور اختلفت فصار في الآية الأخرى التي هي أعم وأشمل فقال: (لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلاً مِّنْ عِندِ اللّهِ وَمَا عِندَ اللّهِ خَيْرٌ لِّلأَبْرَار) والذين اتقوا من الأبرار لأن الله تعالى قال (وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى (189) البقرة) وقال (لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177) البقرة) فإذن هؤلاء المتقون هم أبرار فناسب من كل ناحية أن يذكر علو منزلته. ليس هذا فقط، هو قال: (فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّن عِندِ اللّهِ وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ) عكس الخروج الدخول وعكس الإخراج الإدخال أخرجوا مبني للمجهول وعكس المبين للمجهول مبني للمعلوم، قال: (وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ) وربنا قال: (لأدخلنهم) لم يقل يدخلون، ومن ديارهم مقابلها جنات، أخرجوا فعل ماضي مبني للمجهول وفي الثانية ربنا الذي يدخلهم (وَلأُدْخِلَنَّهُمْ)، هم أُخرجوا بأيدي كفرة من ديارهم والله تعالى يدخلهم جنات. ليس هذا فقط وإنما هذه الآيات في خواتيم آل عمران: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200)) السورة تنتهي بهذه الآية، صابروا أعلى من اصبروا درجة، الذين هاجروا هؤلاء أشدّ أو الذين أخرجوا من ديارهم وأوذوا؟ الذين أخرجوا من ديارهم فقال اصبروا بمقابل هاجروا وصابروا بمقابل أخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي، وقال ورابطوا لأنهم في الثغور المقاتلة في الحرب والمرابطة في الحرب، لما أمر تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) هي مرتبة تماماً كالآية (فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ) هاجروا مقابل اصبروا، الذين أخرجوا من ديارهم وأوذوا مقابل صابروا، قاتلوا وقتلوا مقابل رابطوا، نفس الترتيب، و(اتقوا الله لعلكم تفلحون) مقابل (لكن الذين اتقوا ربهم لهم جنات) فمرتبة بحسب الشدة وبحسب ما ذكر في الآية التي قبلها بالترتيب. آخر ما قال تعالى في آل عمران أمر بالتقوى (واتقوا الله) أمر الذين آمنوا بتقوى الله، أمرهم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) وفي ابتداء السورة التي بعدها في سورة النساء قال: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1)) بدأت بالتقوى أيضاً، ختم آل عمران بالتقوى وبدأ سورة النساء بالتقوى، أمر المؤمنين ثم التفت إلى الناس فقال: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ) وأمرهم بالتقوى، الكافر ينبغي أن يدخل في الإسلام والمفروض أن يدخل في الإسلام، خصّ المؤمنين بالتقوى والناس يجب أن يتقوا لأن الله تعالى خلقهم للعبادة فهو أمر الأوّلين بالتقوى ثم التفت إلى الناس فقال: (اتقوا ربكم) وقال اتقوا ربكم وقال اتقوا الله في آية واحدة (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ) وقبلها قال: (لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلاً مِّنْ عِندِ اللّهِ وَمَا عِندَ اللّهِ خَيْرٌ لِّلأَبْرَارِ) (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ) فذكر الله والرب مع المؤمنين وطالب عموم الناس بذلك.
آية(199): انظر آية (77)
*ما الفرق من الناحية البيانية بين فعل أنزل ونزّل وبين أُنزل إليك وأُنزل عليك؟(د.فاضل السامرائى)
أنزل على صيغة أفعل ونزّل على صيغة فعّل وهي تفيد التكثير كقوله تعالى: (تفجُر لنا من الأرض ينبوعا) وقوله: (فتفجّر الأنهار) استعمل صيغة تفجر للينبوع والصيغة التي تفيد التكثير تفجّر للأنهار لأنها أكثر. كم أن فعّل تفيد التدرج كما جاء في سورة آل عمران (نزّل عليك الكتاب بالحق مصدقاً لمل بين يديه من التوراة والإنجيل، آية 2) وقوله تعالى (وأنزل التوراة والإنجيل) وقوله تعالى (والكتاب الذي نزّل على رسوله) هنا التنزيل كان منجمّاً وصيغة نزّل تفيد الاهتمام، أما في قوله تعالى: (وأنزل التوراة والإنجيل) جاء الفعل أنزل لأنه نزل جملة واحدة.
وعلى هذا النحو الفرق بين فعل وصّى التي يستخدم للأمور المعنوية وقعل أوصى للأمور المادية.
ثم إن استخدام أنزل إليك أو أنزل عليك لها دلالتها أيضاً. نزله إليك لم تستعمل إلاّ للعاقل كما جاءت في القرآن للتعبير عن الرسول (نُزّل إليكم)، أما عليك فتستعمل للعاقل وغير العاقل كما في قوله تعالى: (لو أنزلنا هذا القرآن على جبل) وقوله تعالى (نزّله على قلبك).
وفي العقوبات لم يستعمل إلا على ولم تأتي إلى مع العقوبات.
آية (200):
* ما الفرق بين اصبروا وصابروا
*(ورتل القرآن ترتيلاً):
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ (200) آل عمران) هذه دعوة الله المؤمنين إلى الصبر لكن ألا يُغني واحد منهما عن الآخر الصبر أو المصابرة؟ الحقيقة أن الدعوة إلى الصبر دون المصابرة مدعاة للتزلزل والفشل وإذا لم يقترن الصبر بالمصابرة والمجاهدة على الصبر حتى يلين الخصم فإنه لا يجني منه شيئاً لأن نتيجة الصبر تكون لأطول الصابرين صبراً كقول الشاعر:
سقيناهم كأساً سقونا بمثلها ولكنهم كانوا على الموت أصبَرا
فالمصابرة هي سبب النصر على الخصوم في ساحات الوغى.
آية (200):
* ما الفرق بين اصبروا وصابروا؟(د.فاضل السامرائى )
صابروا أعلى من اصبروا تحتاج إلى صبر أكثر ثم صابروا فيها أيضاً معنى اصبروا على ما هو أشدّ, وصابروا لو كنت في الحرب وكان أمامك مقاتل صابر فينبغي أنت أن تغلبه في الصبر، أنت تصابره، يعني هو أمامك ليس بجزع ويفرّ أمامك واحد صابر فلا تفرّ من أمامه وينبغي أن تغلبه في الصبر.
*ما الفرق بين الإسلام والإيمان؟(د.أحمد الكبيسي)
الإسلام يتطور حتى يصبح مصدَّق, مصدق أن يكون دخل بلسانه ثم قرأ وقال والله أبداً لا إله إلا الله فعلاً والله هو الخالق الرازق وما في غيره ولا أشرك به شيئاً وكل ما عداه باطل، اقتنع فصار مؤمناً عاماً, هذا الذي صار مؤمناً عاماً؛ قال الله تعالى: (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴿25﴾ البقرة) كلما تقرأ (آمنوا وعملوا الصالحات) هذا الذي كان مسلماً بلسانه صدق قلبه واعتقد ثم صدق بقلبه وصار عملي يؤدي الصلوات ويؤدي الزكاوات صار مؤمناً عاماً دخل في دائرة الإيمان لكن بدون رتبة، يعني أنت في الجيش لكن بدون رتبة لكنك في الجيش أصبحت مقبولاً (وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴿82﴾ البقرة) (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ ﴿45﴾ البقرة) يعني هذا خطاب لشخص مصدق روح صلي روح صوم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ ﴿183﴾ البقرة) (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا ﴿103﴾ النساء) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ ﴿254﴾ البقرة) كل العبادات التي تترتب على الإسلام بدأ هذا الذي أسلم بلسانه يعتقد بأن ما يفعله صحيحاً وأن عليه واجبات فهذا فدخل في حظيرة الإيمان العام صار من ضمن (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا ﴿200﴾ آل عمران) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ ﴿135﴾ النساء) يعني الحلال والحرام يعني هذا الرجل آمن بقلبه وبدأ يعمل الحلال والحرام هذا مؤمن عام. إذاً المرحلة الأولى الإسلام القولي والمرحلة الثانية انتقال إلى الإيمان بالتصديق والعمل هذا المؤمن العام يترقى حتى يصير مؤمناً خاصاً إتباعه للنبي اتباعاً واضحاً (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴿31﴾ آل عمران) كيف نعرف هذا؟ إذا امتدحه الله في الكتاب العزيز. رب العالمين امتدح شرائح من المؤمنين مدحاً عظيماً وأعطاك مواصفاتهم، أعطى مواصفاتهم حينئذٍ هذا المؤمن الخاص الذي يبدأ تعامله مع النبي (صلى الله عليه وسلم) تطبيقاً من الآن رجلاً يتبع (إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ) إتباع مع ورع وحينئذٍ هذا صار من الوجهاء من المقدّمين في الطريق إلى الله في النهاية إذا استمر سيصل إلى أعلى الدرجات.