سورة الأنبياء
آية (4):
* ما الفرق بين قوله تعالى (قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ (4))الأنبياء، وقوله تعالى(قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً (6))الفرقان؟؟ (د.فاضل السامرائى)
(السماء) تكون أوسع من (السموات) فهي تشملها وغيرها. قال تعالى في سورة الفرقان:( قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً(6)) وقال في سورة الأنبياء:( قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إنه هو السميع العليم (4)). لأن القول أوسع من السر، فهو قد يكون سراً وقد يكون جهراً فهو أوسع من السر والسر جزء منه. فلما وسع وقال (القول) وسع وقال (في السماء). ولما ضيق وقال (السر) قال (السموات).
آية (6):
*ما دلالة ذكر وحذف (من) في قوله تعالى (وما أرسلنا من قبلك رجالاً) وقوله (وما أرسلنا قبلك إلا رجالاً)؟ (د.فاضل السامرائى)
قال تعالى في سورة يوسف (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِم مِّنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ اتَّقَواْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ {109}) وذكر (من) تفيد الابتداء أي ابتداء الغاية وهو امتداد من الزمن الذي قبل الرسول (صلى الله عليه وسلم) مباشرة. وليس هناك فاصل كما جاء في قوله تعالى (يُصبّ من فوق رؤوسهم الحميم). أما في سورة الأنبياء (وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ {7}) وهي تحتمل البعيد والقريب.
وهذا الذكر أو الحذف يعتمد على سياق الآيات ففي سورة الأنبياء (مَا آمَنَتْ قَبْلَهُم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ {6}) فهي قائمة على التبليغ فناسب حذف (من).
آية (8):
* (وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَّا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ (8) الأنبياء) هل هناك جسد لا يأكل الطعام ولماذا الجسد مفرد ويأكلون جمع؟ (د.فاضل السامرائى)
قد يكون هناك جسد لا يأكل الطعام كما قال تعالى عن العجل الذي صنعه السامري: (فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ (88) طه) ليس بالضرورة أن الجسد يأكل الطعام, ثم أصلاً العرب يقولون أن الجن والملائكة جسد لا تأكل الطعام فإذن كلمة جسد في العربية لا تعني أنه يأكل الطعام. الجسد في اللغة لا ينحصر فينا قطعاً وإنما أي شيء مجسد فهو جسد حتى قالوا الجن جسد والملائكة جسد. (جسداً) أي مستغنين عن الطعام لأنه ملك.
جسد مفرد ويأكلون جمع: ذكرنا في الحلقة الماضية عن اسم الجنس (إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2)العصر) وكلمة جسد هو جنس لما قال (وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَّا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ) يتكلم عن جماعة وليس عن واحد (فمنهم شقي وسعيد فأما الذين شقوا). جسد جنس وبالتالي تجمع، رجل رجال والرجل جنس، الإنسان ربنا جمعها أناسي جمع الجنس إذن ليس فيها إشكال.
آية (16):
*قال تعالى (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ {16}) فهل إذا حُذف الحال (لاعبين) يكون الحكم مقيّداً؟(د.حسام النعيمى)
قد تكون الحال أحياناً دالة على الثبوت. حالة كونهم لاعبين في هذه الحال (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (16) الأنبياء)،(لاعبين) حال لكن لا تستطيع أن تستغني عنها، يقولون الحال فضلة (أي ما هو خارج العُمدة أي ليس المبتدأ والخير وما كان أصله مبتدأ وخبر والفعل والفاعل واسم الفعل) ، هذا لا يعني معناه اللغوي أنه فضلة أنه يُرمى. هذا مصطلح فضلة يعني ليس مسنداً وليس مسنداً إليه، كل ما عدا مسند أو مسند إليه اصطلحوا على تسميتها بالفضلات. فالمفعول به قالوا فضلة، كيف نستغني عنه؟
وهذا خطأ لأن المقصود بالاستغناء أنه من الممكن أن تتألف الجملة بدون فضلة معنى الكلام يتوقف على الفضلة في كثير من الأحيان مثلاً (ولا تمش في الأرض مرحا) إذا حذفنا (مرحا) هل يستقيم المعنى؟ وكذلك في قوله تعالى (وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كُسالى) ما هو المعنى إذا حذفنا كُسالى؟ وكذلك في الآية موضع السؤال إذا حذفنا لاعبين لا يستقيم المعنى. وأحياناً يحذف الكلام وتبقى الفضلة ويكون المعنى واضح مثل (النار النار) حذفت العمدة هنا وجوباً ومع هذا استقام المعني
* ما هو إعراب لفظ الجلالة (الله) في قوله تعالى (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا)؟(د.حسام النعيمي)
هي بدل من الضمير المحذوف الذي هو مثل لا إله إلا الله. (الله) بدل من ضمير مستتر هو (الله). (لو كان فيهما آلهة إلا الله) بمعنى ما فيهما آلهة إلا الله يكون هكذا التقدير. الجار والمجرور دائماً يتعلقان فحينما تعلقهما تعلقهما بكائن أو موجود. اسم الفاعل يتحمل ضميراً على رأي جمهور النحويين. الكوفيون قالوا حتى إذا كان جامداً يتحمل الضمير يعني هو بدل من الضمير المستكن في اسم الفاعل الذي يتعلق بالجار والمجرور. (إلا) أداة استثناء ملغاة لأنه (لو) بمعنى النفي (لو كان) أي (ما كان) أصل التركيب: لو كان فيهما أحد موجود. كلمة (الله) بدل من هو هذا.
آية (22):
*ما دلالة (إلا) في قوله تعالى في سورة المؤمنون (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ {22})؟ (د.فاضل السامرائى)
إلا هنا بمعنى غير وهي ليست إلا الاستثنائية وإنما هي صفة بمعنى غير.
* ما إعراب (إلا الله ) في قوله تعالى(لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا (22)) ؟ (د.فاضل السامرائى)
(إلا) تأتي بمعنى (غير) كما أن (غير) تأتي بمعنى (إلا) قال تعالى:(لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا (22) المفسرون والنُحاة قالوا (إلا) هنا بمعنى غير ولا يصح أن تكون أداة استثناء، لا يجوز أن تكون أداة استثناء لأنه لو أثبت الاستثناء لأثبت تعدد الآلهة وهذا يتنافى مع جلال الله تعالى. هذه الآية ظاهرة وهم يضعون لها شروطاً.
إعراب (إلا اللهُ) في الآية (لو كان فيهما آلهة إلا الله): هذه فيها أمر (إلا) عند النحاة بمعنى (غير) ولا يجوز الاستثناء. وإعرابها النحاة مختلفون: قبلها مرفوع (آلهةٌ) والصفة تكون مرفوعة أيضاً، معنى الآية لو كان فيهما آلهة غير الله. إعرابها: قسم يقول (إلا اللهُ) صفة تكون مرفوعة، هي (إلا) صفة لكن الحركة ذهبت إلى ما بعدها على طريقة العاريّة. مثلاً عندنا في العربية (أل) قد تكون اسماً موصولاً، وصفة صريحة كما نقول أقبل القائمون، أقبل المسافرون، هي (أل) اسم الموصول ولكن الإعراب تخطّاها لما بعدها (مسافر)، (أل) هي المفروض أن تُعرب (رأيت البائع، مررت بالبائع) الإعراب يتخطاها لما بعدها مع أنها اسم موصول عن طريق العاريّة ينتقل الإعراب من (أل) إلى ما بعدها. وكما انتقل الإعراب من (أل) إلى ما بعدها في الآية أيضاً (إلا اللهُ) انتقل الإعراب من إلا إلى (اللهُ) هذا التخريج هو أشهر التخريجات.
بعض الآيات تستشكل على غير المتعلم أما المتعلم وأهل اللغة فيعرفونها. والقرآن ليس كتاباً نحوياً ولم يجمع أبواب النحو ولا جمل النحو مثلاً (لا سيما) لم ترد في القرآن. فالقرآن كتاب هداية وتوجيه وليس كتاب نحو ولم يجمع تعبيرات نحوية أو القواعد النحوية وكثير من المفردات والتعبيرات النحوية والأحوال غير موجودة في القرآن.
آية (30):
* ما دلالة الآية (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) بين آيات الجعل في سورة الأنبياء (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ (30) وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (31) وَجَعَلْنَا السَّمَاء سَقْفًا مَّحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ (32) وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ (34))؟ وما الفرق بين الجعل والخلق؟ (د.فاضل السامرائى)
الجعل كما يقول أهل اللغة هو إخبار عن ملابسة مفعولة بشيء آخر أن يكون فيه أو معه أو بحالة أخرى. خلق الله الليل والنهار وخلق الشمس والقمر، لكن جعل فهي ليست هكذا جعل الماء ولكن جعل منه أو جعل فيه أو جعل حالة من حالاته (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ) جعل منه، (وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ) هي لبيت هكذا تأتي وإنما تقتضي أكثر من شيء، (وَجَعَلْنَا السَّمَاء سَقْفًا مَّحْفُوظًا) هذه حالة من الحالات لم يجعلها هكذا وإنما يمكن أن نقول خلق السموات، يتعدى بنفسه لكن لا بشيء آخر لا نقول جعلنا الماء كل شيء حي. قال تعالى: (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ (12) الإسراء) لما قال آيتين قال جعل وفي آية أخرى قال: (خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ). في الغالب الجعل يتعلق بشيء آخر وليس فقط جعل أي خلق هكذا لكن هنالك شيء آخر في المفعول يتعلق به. جعل تقتضي أكثر من شيء وأكثر من أن تذكر المفعول وحده وهذا ما نص عليه أهل اللغة. الجعل هو إخبار عن ملابسة مفعوله بشيء آخر بأن يكون له أو منه أو فيه أو حالة من الحالات (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ) (وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ) (وَجَعَلْنَا السَّمَاء سَقْفًا مَّحْفُوظًا) رواسي مفعول جعل ملابسة مفعوله بشيء آخر (في الأرض). هذا هو الفرق بين الجعل والخلق. لما قال (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ) ولم يلابسه بشيء آخر قال خلق، (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ (12) الإسراء) خلق أعمّ (إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً (30) البقرة) ملابسة لـ في الأرض. خلق ليس خاصاً بالله تعالى (أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ (49) آل عمران). فَطَر هو فعل خاص بالله تعالى.
أصل الكون:
قال الله تعالى : ( أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُون ).الفتق ) فتق ) :الشيء شقَّه .أما الرتق فهو ضد الفتق ، رتق بمعنى التأم .تشير الآية إلى أن السماء والأرض كانتا ملتئمتين أي كتلة واحدة ففتقهما الله سبحانه.
ولقد جاء علم الفلك ليظهر هذه الحقيقة التي ذكرها الله في كتابه وتلاها نبيه على المسلمين قبل ألف وأربعمائة سنة :
يرجع العلماء الفلكيون نشأة الكون إلى 13.7 مليار عام وذلك طبقاً لما أعلنته إدارة الطيران والفضاء الأميركية (ناسا) مؤخراً حيث حدثت حادثة تعرف باسم الضربة الكبرى (Big bang) و هي حادثة بداية الكون .و يعدون أن حدوث مثل هذه الحادثة كان أمراً واقعاً ، إذا كانت المادة الموجودة حالياً في الكون مركزة بكثافة عالية جداً في هيئة بيضة كونية .ومن الأدلة على صحة نظرية الضربة الكونية الكبرى لنشأة الكون :
1. حركة التباعد المجرية الظاهرة التي استدل عليها من خلال انحراف طيفها نحو الأحمر وفق ما يعرف بظاهرة دوبلر .
2. الأمواج الراديوية الضعيفة المتوازنة ، الواردة بتجانس تام من جميع أرجاء الكون ، و بالشدة المتوقعة نفسها في عهدنا الحالي من الشعاع المتبرد عن الضربة الكبرى .
كما يؤكد العلماء أن هذا الانفجار الكوني العظيم قد نتج عنه غلالة من التراب والقرآن يقول غلالة من الدخان قال تعالى: (ثم استوى إلى السماء وهي دخان ) فصلت 11 ، و التجربة تؤكد أن هذا الجرم عالي الكثافة ، إذا انفجر فلابد و أن يتحول إلى غلالة من الدخان و التعريف العلمي للدخان أنه جسم أغلبه غاز به بعض الجسيمات الصلبة له شيء من السواد الدكنة و له شيء من الحرارة.
ويقول العلماء إن الكون يتوسع من الضربة الكبرى، ولا يوجد دليل بأنه سيتمدد للأبد فهو سوف يتباطأ تمدده تدريجياً، ثم يقف، وبعدها ينقلب على نفسه، ويبدأ بالتراجع في حركة تقهقرية وهذا مصداق لقوله تعالى : ( يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ )سورة الأنبياء103 ـ 104 .
آية (31):
* ما الفرق بين (جعلنا في الأرض رواسى) و(ألقينا فيها رواسي) ؟ (د.فاضل السامرائى)
قال تعالى في سورة ق (وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (7)) وفى سورة الأنبياء (وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (31))هذا سؤال يجب أن يُوجّه إلى المعنيين بالإعجاز العلمي. لكن الملاحظ أنه تعالى يقول أحياناً ألقينا وأحياناً يقول جعلنا في الكلام عن الجبال بمعنى أن التكوين ليس واحداً وقد درسنا أن بعض الجبال تُلقى إلقاء بالبراكين (جبال بركانية) والزلازل أو قد تأتي بها الأجرام المساوية على شكل كُتل، وهذا يدل والله أعلم على أن هناك أكثر من وسيلة لتكوين الجبال. وكينونة الجبال تختلف عن كينونة الأرض فالجبال ليست نوعاً واحداً ولا تتكون بطريقة واحدة هذا والله أعلم.
من آيات الإعجاز العلمي:
بالنسبة لسطح الأرض، فكما يختفي معظم الوتد في الأرض للتثبيت، كذلك يختفي معظم الجبل في الأرض لتثبيت قشرة الأرض . وكما تثبت السفن بمراسيها التي تغوص في ماء سائل ، فكذلك تثبت قشرة الأرض بمراسيها الجبلية التي تمتد جذورها في طبقةٍ لزجةٍ نصف سائلة تطفو عليها القشرة الأرضية
آية (32):
*ما اللمسة البيانية في استخدام اسم الفاعل بمعنى اسم المفعول والعكس في القرآن الكريم؟ (د.فاضل السامرائى)
قسم من المفسرين يرون أحياناً في الاستعمالات القرآنية أن اسم الفاعل يكون بمعنى اسم المفعول كما في قوله تعالى (من ماء دافق) يقولون بمعنى مدفوق، وقوله (لا عاصم اليوم من أمر الله) بمعنى لا معصوم، و(عيشة راضية) بمعنى مرضية، و(حجاباً مستوراً) بمعنى ساتراً، و(سقفاً محفوظاً) بمعنى حافظ. ومن الممكن تخريجها على صورتها الظاهرة ويبقى المعنى وليس بالضرورة أن نؤوّل كلمة دافق للمعنى دفوق لكن يمكن إبقاؤها بصيغها ومعانيها. وقد ذكر المفسرون آراء أخرى تؤكد الإقرار على المعاني والصيغ اسم الفاعل واسم المفعول ويستقيم المعنى.
المصدر قد يأتي بمعنى اسم الفاعل أو اسم المفعول في القرآن مثل كلمة (خلق) فهي تأتي بمعنى مخلوق أحياناً.
وفي قوله تعالى في سورة هود (لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم) تحتمل معنيين: لا عاصم إلا الراحم وهو الله، ولا معصوم إلا الناجي فقد يختلف التأويل لكن المعنى يحتمل هذه التأويلات لأن لا عاصم إلا من رحمه الله تعالى أي ليس هناك من ينجيه إلا الله الراحم وتأتي الآية بعده (وحال بينهما الموج فكان من المغرقين) لا تمنع كلا التفسيرين وهذا ما يُسمى من باب التوسع في المعنى.
هل يوجد اختلافات دلالية بين المشتقات وبعضها؟
أحياناً الصيغة الواحدة يمكن تخريجها على أكثر من دلالة كما في كلمة (حكيم) فقد تكون اسم مفعول مثل قتيل أو حكيم بمعنى ذو حكمة (حكيم عليم). وفي سورة يس (يس* والقرآن الحكيم) هل المقصود أنه مُحكم أو هو ينطق بالحكمة فيكون حكيم؟ يحتمل المعنى كل هذه التفسيرات.
آية (34):
*ما الفرق بين (مِتم) بكسر الميم و(مُتم) بضم الميم؟(د.حسام النعيمى)
مُتم بالضم مسندة إلى المعلوم. مات يموت فيقول مُت أنا وهنا تكون التاء فاعلاً مبني في محل رفع الفاعل (للمتكلم) أو مُت أنت. لكن إذا أردت أن تبنيها للمجهول يعني وقع عليه الموت بمعنى أُميت تصير (مِتَّ ومِتُ أنا) تُكسر الميم. (أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ (34)) موضوع الضم والكسر لأن هذا فعل أجوف والأجوف عندما يُبنى للمجهول يكون بهذه الصيغة.
آية (44):
* ما معنى الآية (أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا)؟ (د.فاضل السامرائى)
قوله تعالى في سورة الأنبياء:(أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا أَفَهُمُ الْغَالِبُونْ(44)) القدامى لهم فيها تفسيران مشهوران وربما أكثر: أن نأتي البلاد (بلاد الكفر) نفتحها شيئاً فشيئاً ونلحقها بدار الإسلام، هذا أحد التفسيرين المشهورين والآخر موت العلماء (علماء الإسلام) الأرض تحيا إذا ما عاش عالمها إن يمت عالم مات طرف ، هذا تفسير القدامى. المحدثين لهم فيها رأيين أيضاً: الأول أن فيها إعجاز علمي أنها كروية بيضية ننقصها من أطرافها تكون كالبيضة أي ليست على طول واحد في الأطراف وإنما بعضها أقصر من بعض. والآخر أنها تنقص باستمرار تنكمش الأرض ويقل حجمها، كانت ضخمة كبيرة ثم يتبخر منها شيء من الغازات بشكل مستمر ثم تنقص من أطرافها. تنقص أي بصورة مستمرة تنكمش ويصغر حجمها شيئاً فشيئاً يخرج ما يخرج من جوفها. عندما تنقص تتبخر الغازات وتنكمش شيئاً فشيئاً والله أعلم. وقال تعالى (فهم الغالبون) الغلبة تكون للإسلام فالمراد الإسلام بموجب التعقيب والله أعلم.
آية (46):
* ما اللمسة البيانية في استعمال مسّتهم في الآية (وَلَئِن مَّسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِّنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (46) الأنبياء)؟ وما اللمسة البيانية في كلمة (نفحة)؟ والعذاب أضيف إلى اسم يدل على الشفقة وهو الرب ولم يضف إلى اسم يدل على القهر والجبروت فما اللمسة البيانية في كل هذه المفردات؟ (د.فاضل السامرائى)
الآية الكريمة (وَلَئِن مَّسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِّنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (46)المسّ طبعاً دون النفوذ في اللغة يكفي فيه أيّ اتصال هذا هو المسّ. المسّ خفيف أخف من اللمس. أما بقية الآية نتكلم أن الآية فيها جملة مبالغات في بيان العذاب: أولاً قال (مسّتهم) والمسّ قلنا يكفي في تحققه أيّ اتصال وليس النفوذ. ثم قال (نفحة) والنفح هو الشيء أو النزر اليسير تقول نفحه أي أعطاه شيئاً يسيراً والنفحة هي هبوب رائحة الشيء. نفح هو الفعل والنّفْح هو المصدر. لما تقول نفحه أي أعطاه شيئاً يسيراً من المال، فيها قِلّة وقلنا نفحة هي هبوب رائحة الشيء. إذن مسّ يكفي ونفحة قليل ثم قال نفحة اسم مرّة، إذن المسّ قليل والنفح قليل وبِناء المرّة قليل لأن هذه الأمور (لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ) سيضجّون بهذه الأمور فكيف لو أصابهم العذاب؟! المس خفيف والنفحة الواحدة خفيفة وهي رائحة العذاب وليس العذاب، نفحة واحدة أي مرة واحدة (نفحة اسم مرّة) رائحة العذاب تمسهم مرة واحدة سيضجون ويقولون (لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ) مؤكدة باللام ونون التوكيد الثقيلة فكيف بالعذاب؟! هذه مبالغة فظيعة لمن يعلم (وَلَئِن مَّسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِّنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ) الويل بمعنى الهلاك، (ياويلنا) أي هَلَكنا بنفحة من ريح العذاب واحدة تمسّهم فكيف إذا أصابهم العذاب وليست النفحة؟ هذا تصوير هائل للعذاب يوم القيامة وريح العذاب يمسهم مسّاً خفيفاً مرة واحدة فلماذا أضاف (ربك) ولم يقل الجبار القهار؟ هذا من عذاب ربك والرب يعاقب ويؤدب هذه معاقبة التأديب معاقبة الربّ فكيف بعذاب الله الجبار القهار فكلمة ربك فيها حنان ورحمة ورأفة فكيف لو أضيفت إلى كلمة القهار أو الجبار كيف سيكون ذلك؟ إذن هذه كلها النفحة الواحدة والمسّ فكيف لو كان العذاب؟ كيف لو غضب الجبار المنتقم فكيف سيعاقب؟
* (وَلَئِن مَّسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِّنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (46) الأنبياء) يقول فيها الشيخ سعيد النورسي أن الآية فيها ست تخفيفات وبالرغم من ذلك قالوا يا ويلتنا فهل يمكن توضيح هذه الأمور في هذه الآية؟ وما الفرق بين النفح واللفح والنفخ؟ (د.فاضل السامرائى)
الآية الكريمة (وَلَئِن مَّسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِّنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (46) الأنبياء) نذكر عن سؤال السائل ثم نذكر اللمسة البيانية. النفح فيه معنى النزارة هو أصله هبوب رائحة الشيء، نفحه أي أعطاه يسيراً. اللفح يقال لفحته النار تلفحه إذا أصابت وجهه (تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ (104) المؤمنون) أو أصابت أعلى الجسد. والنفخ نفخ بفمه إذا أخرج من فمه الريح، هذا النفخ. إذن نفح فيه معنى النزارة أي القلة، هبوب رائحة الشيء أو أعطاه قليلاً. الآية فيها عدة مبالغات وتوكيدات: أولاً بدأت بلام القسم (لئن) هذا توكيد، و(إن) الشرطية التي هي احتمال حصول الشرط قليلاً أو كثيراً أو احتمال عدم وقوع وهي أقل من إذا. ثم قال (مسّتهم) المسّ هو دون النفوذ ويكفي في تحقيقه اتصال قليل، اتصال قليل هو المسّ (لئن مستهم) اتصال قليل وهذا غير النفوذ، مسّ خفيف والمس دون النفوذ وأي اتصال يسمى مساّ (لئن مستهم) مستهم مساً خفيفاً، نفح يسير يشم رائحة الشيء وليس فقط مس وإنما قال نفحة (يعني مرة لأن نفحة اسم مرة واحدة), إذن مسّ هو اتصال خفيف ونفح هو قليل ونفحة مرة واحدة ليس اتصال كثير وهو اتصال قليل وحتى لم يقل نفح أو نفخات، (من عذاب ربك) تبعيض، ليس كل العذاب وإنما بعض العذاب. وقال (عذاب ربك) وليس عذاب الله، الرب فيها معنى الرحمة وفيها معنى التربية، (ليقولن) جواب القسم اللام، ونون التوكيد الثقيلة وليس الخفيفة (لم يقل يقولون)، (يا ويلنا) الدعاء بالويل، والاعتراف بالظلم والتوكيد بإنّ (إنا كنا ظالمين)، يعني واو القسم وإن والمسّ والنفح وبناء المرة (نفحة) والتبعيض والرب واللام في (ليقولن) ونون التوكيد الثقيلة والدعاء بالويل والاعتراف بالظلم والتوكيد بإنّ، هذا كثير على صِغر الجملة فكيف بعذاب الله؟! هذه النفحة والمس والمرة فكيف بعذاب الله؟! فيها إشارة عظيمة وهول كبير إلى عظيم العذاب، هذا المس وليس الإصابة الشديدة هذا العذاب مرة واحدة فكيف بالعذاب فيها إشارة عظيمة لمن يفقه التعبير. هذا بعضٌ من كُل من العذاب فكيف بالعذاب كله، هذه نفحة واحدة فقط ومسّ، هذه إشارة إلى عذاب الله العظيم فكيف لو أصابهم العذاب كيف سيكون الأمر؟!
آية (57):
*ما دلالة القسم بحرف التاء في القرآن الكريم؟ (د.فاضل السامرائى)
التاء حرف قسم مثل الواو لكن التاء تكون مختصّة بلفظ الجلالة (الله) وتستعمل للتعظيم وقد وردت في القرآن الكريم في سورة يوسف {73} ، {85} ، {91}) ومرتين في سورة النحل {56} ،{63}). وفى سورة الأنبياء آية {57 } أما الواو فهي عادة تستخدم مع غير لفظ الجلالة مثل الفجر والضحى والليل والشمس وغيرها مما يقسم الله تعالى به في القرآن الكريم. والتاء في أصلها اللغوي مُبدلةٌ من الواو.
*ما سر دخول الحرف في الأسلوب الإنشائي في قوله تعالى ((تالله لأكيدنّ أصنامكم))؟ (د.فاضل السامرائى)
(للعلم الإنشاء هو ما فيه أمر أو استفهام أو ترجي أو تحضيض أو ..) والحكم يكون على الأسلوب بغض النظر عن القائل.
القَسَم هو الإنشاء أما جواب القسم فمن حيث الحكم النحوي: جواب القسم لا يكون إنشاء إلا مع الباء يصح أن يكون إنشاء مع الخبر الطلبية أو الاستعطافي فقط. مثلاً لا يمكن أن أقول: والله افعل أو والله لا تفعل إنما أقول والله لأفعلنّ و والله لتفعلنّ ولا يمكن أن يكون جواب القسم طلب أو إنشاء إلا أن يكون جواب القسم بالباء (بالله عليك افعل) أو (بالله عليك لا تفعل) (بربّك هل فعلت؟) أما في غير الباء فلا يكون جواب القسم طلبياً. إذن الجواب خبري ويكون إنشائياً مع الباء فقط (تالله لأكيدنّ أصنامكم) تالله هي الإنشاء ولأكيدن هي خبر. وهناك فرق بين القسم وجواب القسم، جواب القسم خبر إلا ما استثنيناه وما يصح أن يكون مع الباء وحدها والباقي خبر.
آية (69):
* لماذا جاءت كلمة نار مرفوعة ونكرة في قوله تعالى (قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا (69) ولماذا جاءت برداً وسلاماً وليس سلاماً فقط؟ (د.فاضل السامرائى)
أولاً كلمة نار ليست نكرة (يا نار) في المصطلح الحديث تُسمّى نكرة مقصودة أي معيّنة أما النحاة فيقولون معرفة.
قاعدة: كل منادى مبني على الضمّ هو معرفة، والمنصوب قد يكون معرفة أو نكرة أو نكرة مقصودة أو نكرة غير مقصودة أو مضاف أو مضاف إلى معرفة.
والنكرة المقصودة ليست مصطلحاً نحوياً وهو مصطلح جديد لا يوجد في كتب النحو القديمة. نقول يا راكباً نكرة غير مقصودة. إذا قصدنا أحداً نقول له يا رجلُ ويا شرطيُ.
قاعدة سيبويه: إن كل اسم في النداء مرفوع معرفة وذلك أنه إذا قال يا رجلُ ويا فاسقُ كمعنى يا أيها الرجل ويا أيها الفاسق.
لا يمكن أن تكون الآية (يا ناراً) لأن الله تعالى يخاطب ناراً معينة وهي نار إبراهيم فهي معرفة والمعرفة هي ما دلّ على شيء معيّن. فلا بد أن تكون (يا نارُ) بالبناء على الضم وهي ليست نكرة وإنما معرفة ويسمونها الآن نكرة مقصودة.
أما قوله تعالى (برداً وسلاماً) : لو قال برداً وحدها قد يؤذي لأن من البرد ما يؤذي، ولم يقل سلاماً وحدها لأنه قد يشعر بالحرّ الذي يؤذي لكنه لا يتأذى فهي سلام. والله تعالى أراد أن يجمع الاثنين أراد أن لا يشعر إبراهيم (عليه السلام) بالحرارة ولم يرد له أن يتضايق فهي برد وسلام فالبرد معه شيء من السلام والسلام معه شيء من البرد والله تعالى لم يُرد أن يشعر إبراهيم بالحرارة أو السخونة بحيث يتضايق فقد يعيش الإنسان في حرٍّ في بيته لكن لا يوجد سلام فيتضايق. لذا كان لا بد من الأمرين معاً البرد والسلام ولا يمكن أن يستغني عن واحدة منهما.
آية (72):
*ما معنى نافلة في قوله تعالى (وَوَهَبْنَا لَهُ إسحاق وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ (72) الأنبياء)؟ (د.فاضل السامرائى)
النافلة هو الزيادة، إبراهيم سأل فقال (رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (100) الصافات) أراد ولداً فأعطاه ولداً وولد ولد، أعطاه (إسحاق) ويعقوب زيادة (ابن إسحاق) إذن يعقوب هو نافلة. ليس إسحاق ويعقوب نافلة، إسحاق ابنه ويعقوب ليس ابنه وإنما ابن إسحاق، إذن نافلة متعلقة بيعقوب. (نافلة) تُعرَب حالاً. إسحاق هو ابنه كما طلب ويعقوب ليس ابنه زيادة والنافلة هي الزيادة. سميت النَفل والأنفال بمعنى الزيادة.
آية (77):
*ما دلالة (من) في قوله تعالى (وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ)؟ (د.فاضل السامرائى)
يقول النحاة أن (نصرناه من) تعني نجّيناه من و(نصرناه على) تفيد الاستعلاء مثل وصفه تعالى لقارون (فخرج على قومه في زينته). ونسأل لماذا لم يستخدم سبحانه كلمة (نجّيناه من) بدل نصرناه من؟ ونقول أن الفرق بين نجيناه من ونصرناه من أن الأولى تتعلق بالناجي نفسه أما النصرة هنا فهي نجاة للناجي وعقاب لخصمه فهي تتعلق بالجانبين بمعنى أنه نجّى نوحاً وعاقب الآخرين. وقد ورد في القرآن الكريم في سورة هود (وَيَا قَوْمِ مَن يَنصُرُنِي مِنَ اللّهِ إِن طَرَدتُّهُمْ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ {30}) وفي سورة العنكبوت (فأنجاه الله من النار) و في سورة التحريم (ونجّني من فرعون وعمله).
آية (83):
* ما الفرق بين الضُرّ (أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ (83) الأنبياء) والضَر (قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلاَ نَفْعًا (49) يونس) والضرر (لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ (95) النساء) والحديث الشريف “لا ضرر ولا ضرار”؟ (د.فاضل السامرائى)
الضُر يكون في البدن من مرض وغيره (أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ (83) الأنبياء). الضَر مصدر بما يقابل النفع (قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا (188) الأعراف). الضرر الاسم أي النقصان يدخل في الشيء يقال دخل عليه ضرر (لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ) أي الذين فيهم عِلّة أما الضر فهو ما يقابل النفع. الضرر هو الاسم عام والضرّ مصدر. الضُر ما يحصل في البدن من سقم والضَر المصدر لما يقابل النفع والضرر اسم. نحن عندنا المصدر وأحياناً يكون التغيير في المصدر بحركة أو بشيء آخر يسمى اسماً. مثلاً: الدّهن والدُهن، الدَهن هو المصدر دهن جسمه دهناً، والدُهن هو المادة المستخلصة من النبات للدهن. الحَمل والحِمل، الحَمل مصدر حمل والحِمل هو الشيء المحمول تغير المعنى بالحركة من مصدر إلى اسم. الوَضوء هو الماء والوُضوء هو عملية التوضؤ نفسها. هذا تغيير بالحركة.
*هل هنالك فرق بين الضَر والضُر؟(د.فاضل السامرائى)
الضَر بالفتح مقابل النفع والضُر هو السوء من مرض أو شيء (أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ (83) الأنبياء) مرض. الضَر عام مقابل النفع.
آية (84):
* ما الفرق بين ( إِلَّا رَحْمَةً مِّنَّا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ (44) يس) و(وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (84) الأنبياء)؟ (د.فاضل السامرائى)
في القرآن يستعمل رحمة من عندنا أخص من رحمة منا، لا يستعمل رحمة من عندنا إلا مع المؤمنين فقط أما رحمة منا فعامة يستعملها مع المؤمن والكافر. (وَإِن نَّشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ وَلَا هُمْ يُنقَذُونَ (43) إِلَّا رَحْمَةً مِّنَّا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ (44) يس) عامة، (وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِّنَّا مِن بَعْدِ ضَرَّاء مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً (50) فصلت) عامة،(فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (84) الأنبياء) (من عندنا) يستعملها خاصة و (منا) عامة. حتى لو ورد هذان التعبيران في نبي واحد يختلف السياق، مثلاً في سيدنا أيوب (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (41) ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ (42) وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (43) وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (44) ص) في سيدنا أيوب في سورة الأنبياء (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (84)) قصة واحدة لكن مرة قال رحمة منا ومرة رحمة من عندنا. ننظر السياق في ص قال (إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ) وقال في الأنبياء (إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) لم يقل (وأنت أرحم الراحمين) في ص، لم يذكر رحمته، أرحم الراحمين يوسع عليه يعطيه أكثر وكأنه يستجدي من الله، يطلب رحمته سؤال برحمته، قال ربنا (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ) ولم يقلها في ص، قال (فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ) ما قالها في ص، لم يقل فاستجبنا له ولم يقل فكشفنا ما به من ضر. قال (وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ) وفي ص قال (وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ) الإيتاء يشمل الهبة وزيادة في اللغة، الإيتاء يشمل الهبة وقد يكون في الأموال وهو يشمل الهبة وغيرها فهو أعم، (آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا (22) يوسف) (وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً (59) الإسراء) لا يمكن أن نقول وهبنا (آتيناه الكتاب) آتينا أعم من وهبنا. قال في الأنبياء: (وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ) وفي ص قال: (وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ) العابدون يشملون أولي الألباب وزيادة، المكلَّف يجب أن يكون عنده عقل وإلا كيف يكلّف مجانين ليس عندهم عقل إذن العابدون أولي الألباب وزيادة. (وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ) العابدين فيها خصوصية يعني ليس فقط أولي الألباب، أولو الألباب وزيادة فصار عندنا أرحم الراحمين واستجبنا له و فكشفنا له والعابدين وآتيناه فأين نضع رحمة من عندنا؟ نضعها مع كل هذا في آية الأنبياء.
سؤال: النبي واحد والرب واحد والموقف واحد وهو المرض ولكن السياق ليس واحداً فلماذا هذا التغير؟
هل حصل تناقض رحمة منا أو رحمة من عندنا؟ من أين الرحمة؟ الضمير عائد على الله سبحانه وتعالى إذن ليس هناك تناقض لكن الاختيار بحسب السياق، اختيار المفردات بحسب السياق لم تتناقض القصتان لكن اختيار الكلمات بحسب السياق الذي ترد فيه.
آية (85):
*بعض العلماء يقول أن إسماعيل هو الذبيح والبعض يعترض ويقول إسحاق فما المختار بين الرأيين؟(د.حسام النعيمى)
المهم إبراهيم (عليه السلام) حدثت له قضية مع أحد ولديه وكان الولد من الصابرين وكانت محنة اختُبِر بها إبراهيم (عليه السلام) فيها ونجح في هذا الاختبار. المرأة الثانية زوجة إبراهيم هي التي ولدت له هذا الذي أخذها وإياه وأسكنهما بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم. لما ننظر في الوقائع في الآيات نجد نوعاً من الترجيح أنه إسماعيل الذي ذهب إلى ديار العرب وتزوج منهم وعاش هناك. لما نأتي إلى الآيات في سورة الصافات التي ذكر قصة إبراهيم (فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (101) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102)) لما يمضي في القصة بعد أن ينتهي من قصة الذبيح يقول تعالى (وَبَشَّرْنَاهُ بِإسحاق نَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ (112)) إذن جاءت البشارة بإسحاق بعد البشارة بالذبيح وإسحاق ذكر اسمه في القرآن وإسماعيل ذكر اسمه في القرآن فالمرجح عند بعض العلماء أن الذبيح هو إسماعيل وليس إسحاق. ولكن نقول الذبيح من الصابرين ولما ننقل إلى الآيات (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (84) وَإسماعيل وَإدريس وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِّنَ الصَّابِرِينَ (85) الأنبياء) أيوب صبر، وإسماعيل وإدريس كلٌ من الصابرين، من الذي وُصِف بوصف الصبر؟ إسماعيل لأنه قال عنه في آية أخرى (ستجدني إن شاء الله من الصابرين) وأكد القرآن في موقع آخر أن إسماعيل من الصابرين. إسحاق ما وصف بهذا وإنما قال (فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب) لكن نقول: والمسألة قبل ذلك وبعد ذلك لا يترتب عليها أمر من أمور الدين وليس فيها نص صريح قاطع بدليل اختلاف العلماء فيها فالخوض فيها غير مثمر وي
آية (87):
*ما معنى نقدر في الآية (وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ (87) الأنبياء) ؟ (د.فاضل السامرائى)
نقدر معناها نضيّق وليس بمعنى الاستطاعة مثل (وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16) الفجر) أي فضيّق عليه رزقه. فيونس (عليه السلام) ظن أنه في متسع لن نضيق الله عليه هؤلاء لم يستجيبوا فيذهب إلى مكان آخر والله تعالى لن نضيق عليه. قدَر معناها ضيّق (فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ) أي فضيّق (اللّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاء وَيَقَدِرُ (26) الرعد) يقدر أي يضيّق.
* (وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) الأنبياء) ما الفرق بين مغاضباً وغاضباً؟ (د.فاضل السامرائى)
غاضِب من غَضِب ومغاضِب من غاضَب اسم فاعل مثل حافَظ محافِظ. (مغاضباً) غاضب قومه، (نقدر عليه) أي نضيّق عليه، هو غضب من قومه فظن أن في الأمر سعة والله لن يضيق عليّ الأمر وإذا كان هؤلاء القوم لم يستجيبوا فأنا أذهب إلى مكان آخر لعلهم يستجيبوا لا يضيق عليّ ربي. غضب غاضب، غاضَب مغاضب، حافظ محافظ، جاهد مجاهد، قاتل مقاتل، شارك مشارك، عاقب معاقب، إذن مغاضب ليس من ربه. فهو خرج مغاضباً قومه المفاعلة فيها قد تكون للمبالغة وليس بالضرورة أن تكون فيها مشاركة مثل عاقب وسافر وحافظ ليس فيها مشاركة لكن فيها مبالغة. إما اشتد به الغضب فخرج وإما غضب على قومه وهم غضبوا على ذهابه فيكون فيها مشاركة، هو غضب عليهم لعدم إيمانهم وهم غضبوا لأنه خرج منهم فخشوا أن يعاقبهم ربهم فصار مغاضبة ففي الحالتين مغاضِب هي أولى وليس كل من يغضب يخرج لكن مغاضب معناه أن الغضب اشتد اشتداداً كبيراً فخرج ولهذا قال تعالى مغاضباً.
* قد يقول قائل ماذا قال سيدنا أيوب بالضبط؟ (د.فاضل السامرائى)
قد يكون قال أكثر من هذا لكن ربنا ذكر هذا فقط، في هذا الموقف قال هذه الجملة وفي ذلك الموقف قال هذه الجملة، هل دعا مرة واحدة؟ لا، إذن لا تعارض ولا تغاير، لو قال لم يستجب له لصار تعارض.
آية (90):
*ما دلالة استعمال كلمة أصلحنا في قوله تعالى (وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ ) ؟(د.حسام النعيمى)
الإصلاح كأنه إعادة الشيء سليماً بعد فساد. أن يكون الشيء قد أصابه فساد أوضرر فإذا أعدته فتقول أصلحته. (وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ) يعني كأنه كان هناك خراب أو فساد فيها. العلماء منهم من قال هو فساد واحد فقط وهو أنها عقيم فأصلحها الله تعالى فصارت ولوداً. لا يتبادر إلى الذهن هنا الفساد على أنه الفساد الأخلاقي وإنما هو الفساد بعد ضرر أو عطب فيُصلح. وقسم من العلماء قالوا كانت سليطة اللسان حتى يبيّن أن بعض الأنبياء كان يُمتحن في أهله حتى يكون هذا عبرة لبعض الدعاة أن تكون سليطة اللسان أو تنقل أسراره إلى الآخرين كما فعلت امرأة لوط ونوح كانت تتعاون مع الكفار عليهما، فحسّن من خلقها. سواء كان هذا أو ذاك فاليقين أنها لم تكن ولوداً فولدت.
كفي اتخاذ العِبرة منها بصرف النظر عن الإنسان الذي وقعت له.
آية (91):
*ما الفرق من الناحية البيانية بين قوله تعالى (فنفخنا فيها) وقوله (فنفخنا فيه) في قصة مريم عليها السلام؟ (د.فاضل السامرائى)
قال تعالى في سورة الأنبياء (وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ {91}) وقال في سورة التحريم (وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ {12})
بين هاتين الآيتين أكثر من نقطة يجب الالتفات إليها وهي كما يلي:
1. في سورة الأنبياء لم يذكر اسم مريم عليها السلام بينما ذكره في سورة التحريم. والسبب في ذلك هو أنه أولاً في سورة الأنبياء كان السياق في ذكر الأنبياء (إبراهيم، لوط، موسى، وزكريا ويحيى) ثم قال (والتي أحصنت فرجها) ولم يُصرّح القرآن باسمها لأن السياق في ذكر الأنبياء وهي ليست نبيّة أما في سورة التحريم فذكر اسمها لأن السياق كان في ذكر النساء ومنهم (امرأة فرعون، امرأة لوط وامرأة نوح) فناسب ذكر اسمها حيث ذكر النساء. والتصريح بالاسم يكون أمدح إذا كان في المدح وأذمّ إذا كان في الذّم. ونلاحظ في سورة التحريم أنها من أعلى المذكورات في سياق النساء ولهذا ذكر اسمها من باب المدح. أما في سورة الأنبياء فهي أقلّ المذكورين في السورة منزلة أي الأنبياء فلم يذكر اسمها وهذا من باب المدح أيضاً.
2. ذكر ابنها في سورة الأنبياء ولم يذكره في سورة التحريم. وهذا لأن سياق سورة الأنبياء في ذكر الأنبياء وابنها (عيسى (عليه السلام)) نبيّ أيضاً فناسب ذكره وفيها ورد ذكر ابني إبراهيم ويحيى ابن زكريا فناسب ذكر ابنها أيضاً في الآية ولم يذكره في التحريم لأن السياق في ذكر النساء ولا يناسب أن يذكر اسم ابنها مع ذكر النساء.
3. لم يذكر أنها من القانتين في الأنبياء وذكرها من القانتين في سورة التحريم. ونسأل لماذا لم تأتي (القانتات) القانتات بدل القانتين؟ لأنه في القاعدة العامة عند العرب أنهم يغلّبون الذكور على الإناث وكذلك في القرآن الكريم عندما يذكر المؤمنون والمسلمون يغلّب الذكور إلا إذا احتاج السياق ذكر النساء ومخاطبتهن. وكذلك عندما يذكر جماعة الذكور يقصد بها العموم. وإضافة إلى التغليب وجماعة الذكور فهناك سبب آخر أنه ذكرها من القانتين وهو أن آباءها كانوا قانتين فهي إذن تنحدر من سلالة قانتين فكان هذا أمدح لها وكذلك أن الذين كملوا من الرجال كثير وأعلى أي هي مع الجماعة الذين هم أعلى فمدحها أيضاً بأنها من القانتين ومدحها بآبائها وجماعة الذكور والتغليب أيضاً.
ونعود إلى الآيتين ونقول لماذا جاء لفظ (فيه) مرة و(فيها) مرة أخرى؟ فنقول أن الآية في سورة الأنبياء (فنفخنا فيها من روحنا) أعمّ وأمدح:
دليل أنها أعمّ: ونسأل أيهما أخصّ في التعبير؟ فنقول أن قوله تعالى (ونفخنا فيها من روحنا) أعمّ من (نفخنا فيه) وأمدح. إذن (مريم ابنت عمران) أخصّ من (التي أحصنت فرجها) فذكر الأخصّ مع الأخصّ وجعل العام مع العام . وكذلك في قوله تعالى (وجعلناها وابنها) في سورة الأنبياء أعمّ فجاء بـ (فيها) ليجعل الأعمّ مع الأعمّ. وسياق الآيات في سورة الأنبياء تدل على الأعمّ.
لماذا هي أمدح؟ أيهما أمدح الآية (وجعلناها وابنها آية) أو(صدّقت بكلمات ربها)؟ الآية الأولى أمدح لأن أي كان ممكن أن يصدق بكلمات ربها لكن لا يكون أي كان آية، والأمر الثاني أن ذكرها مع الأنبياء في سورة الأنبياء لا شك أنه أمدح من ذكرها مع النساء في سورة التحريم فالآية في سورة الأنبياء إذن هي أمدح لها.
ومن الملاحظ في قصة مريم عليها السلام وعيسى (عليه السلام) أن الله تعالى جاء بضمير التعظيم في قوله تعالى (فنفخنا فيها) أي عن طريق جبريل (عليه السلام) وهذا الضمير للتعظيم يأتي دائماً مع ذكر قصة مريم وعيسى عليهما السلام أما في قصة آدم (عليه السلام) يأتي الخطاب (فنفخت فيه من روحي) لأن الله تعالى قد نفخ في آدم الروح بعد خلقه مباشرة أما في مريم فالنفخ عن طريق جبريل (عليه السلام).
* ما دلالة ضمير التعظيم في قوله تعالى (فنفخنا فيها من روحنا)و الإفراد في قوله تعالى (ونفخت فيه من روحي) ؟ (د.فاضل السامرائى)
إذا كان في مقام التعظيم يسنده إلى مقام التعظيم وإذا كان في مقام التوحيد يكون في مقام الإفراد، يقول تعالى (إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14) إِنَّ السَّاعَةَ ءاَتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى (15) طه) إذا كان في مقام التوحيد يُفرِد وإذا كان في مقام التعظيم يجمع. (وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا (9) مريم). وقسم أيضاً يقول أنه إذا كان أمر الله بواسطة المَلَك يلقيه يأتي بضمير الجمع وإذا لم يكن كذلك يُفرِد. على سبيل المثال: (وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ (91) الأنبياء) لأن النافخ تمثل لها بشراً سوياً بواسطة ملك أما عن آدم فقال تعالى (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (72) ص). إذا كان الأمر بواسطة الملك يجمع (قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ (40) هود) الملك يبلِّغ هذا. هذا أمر عام، لكن هناك أمر آخر نذكره وهو أنه في كل مقام تعظيم لا بد أن يسبقه أو يأتي بعده ما يدل على الإفراد في القرآن كله. لا تجد مكاناً للتعظيم إلا وسبقه أو جاء بعده ما يدل على الإفراد (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1)) هذه تعظيم ثم يقول بعدها (تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ) رب واحد إفراد ما قال بأمرنا. لو قرأنا في سورة النبأ (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا، وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا، وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا، وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا) ثم قال (جَزَاء مِّن رَّبِّكَ عَطَاء حِسَابًا (36)) بعد كل جمع تعظيم إفراد. ليس هناك في القرآن موطن تعظيم إلا سبقه أو جاء بعده ما يدل على المفرد (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) الكوثر) لم يقل فصلِّ لنا. هذا لم يتخلّف في جميع القرآن مطلقاً. إذن عندنا مقام تعظيم ومقام توحيد، يجمع في مقام التعظيم ويفرد في مقام التوحيد ويقال أنه إذا كان بواسطة المَلَك يجمع مع احتراز أنه ليس هنالك مقام تعظيم إلا وقبله أو بعده إفراد.
آية (98):
* قال تعالى في سورة الأنبياء (إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (98)) فما معنى الآية؟ وهل وردت (ما) هنا لغير العاقل؟(د.حسام النعيمى)
حصب المراد بها الحصباء التي هي الحجارة الصغيرة التي تكون أيضا جزءاً من النار, وأما قوله تعالى (إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ) (ما) هي لغير العاقل و(من) للعاقل لكن إذا اختلط العاقل وغير العاقل عند ذلك يمكن أن نعبّر بـ (ما) أو نعبّر بـ (من) بحسب الموضع الذي يتكلم عليه: (إنكم وما تعبدون حصب جهنم) الأصل في العبادة كانت للأصنام ولذلك استعمل (ما) ولكن هذه لا تمنع من دخول العقلاء فيها لأنها عامة ونحن نعلم أنهم عبدوا فرعون والرهبان والأحبار, وذكرت ذلك في حديث عدي بن حاتم الطائي الذي قال فيه للرسول (صلى الله عليه وسلم): يا محمد إنهم لم يعبدوهم كيف تقول (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ)؟ فالرسول (صلى الله عليه وسلم) يبيّن له مفهوم العبادة في الإسلام فقال: بلى أحلّوا لهم الحرام وحرّموا عليهم الحلال فاتّبعوهم فذلك عبادتهم إياهم. فهؤلاء أيضاً هم حصب جهنم وهؤلاء الرجال يحرّفون الناس عن منهج الله سبحانه وتعالى وهم أيضاً حصب جهنم مع من يقرّهم على ذلك بنص الحديث الصحيح يكون كأنه عابد لهم بإقرارهم على العبادة حتى نُخرِج من أدانوا عبادتهم وهم لم يقروهم عليه كالمسيح. فبعض المعبودات عند بعض الناس لا تستحق أن تكون في النار كالمسيح أو العُزَير. هم عبدوا المسيح لكنه (عليه السلام) ما أقرّهم على ذلك. (ما) شاملة العقلاء والأصنام والأحجار.
* ما معنى الآية(إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (98) الأنبياء)؟ (د.فاضل السامرائى)
ما تعبدون أي الأصنام. إنكم وما تعبدون من الأصنام والتعبير بـ (ما) لأن الأصنام لا تعقل فجاء التعبير بـ (ما) (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (101) كانت المسألة أن عيسى والعزير عُبِدا من دون الله فهل يدخلون في هذا؟ هكذا كان السؤال. حتى قريش قالوا (وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ (58) الزخرف). لكن أولاً التعبير بـ (ما) لذات غير العاقل إذن هذا التعبير لا يخص العقلاء وإنما الأصنام، والأمر الآخر أن الله تعالى قال (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَى) يعني من عُبد من دون الله ولم يرض بذلك ودعا إلى عبادة الله الواحد لم يدخل في هذا التعبير حتى لو شمله الناس. المهم أن يبرأ ساحته وأن ينكر على من عبد غير الله ولم يرض بأن يُعبَد ودعا إلى عبادة الله تعالى يكون ممن سبقت لهم الحسنى من الله تعالى لا يدخل في هذا حتى لو كانت (ما) تشمل العقلاء وغيرهم سيبرّأون بقوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (101) وهم ممن عُبد من دون الله ولم يرض بذلك ودعا إلى عبادة الله وحده. في نهاية الآية قال (لَوْ كَانَ هَؤُلَاء آلِهَةً مَّا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ (99) الذين يعبدون وما عبدوا من الأصنام. معنى حصب أي الحصباء أو الحصى.
*قال تعالى في سورة الجن (قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَّا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا (25)) وقال في سورة الأنبياء (وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ مَّا تُوعَدُونَ (109)) ما الفرق بين الآيتين؟(د.فاضل السامرائى)
في سورة الأنبياء قابل القريب بالبعيد. في سورة الأنبياء من الوعد ما هو ظاهر القصد وهو بعيد فعلاً في سياق آية الأنبياء. مثلاً ذكر أموراً تتعلق بالآخرة هي ليست قريبة، أمور تتعلق بالآخرة يعني ذكر يأجوج ومأجوج عند اقتراب الوعد الحق (حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ (96) وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ (97)) ذكر جملة وعود تتعلق بأحوال الآخرة (لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (103) يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ (104)) هذه أمور ظاهرة البعد ليست مثل ما ذكر في سورة الجن (حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا (24)) وجاء بعدها (قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَّا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا (25)), قسم قال: (ما توعدون) يعني ما يرونه في بدر، تحتمل الآخرة وقالوا هو ما يرونه في نصر المسلمين في بدر هذا ليس بعيداً كما ذكر في الأنبياء. في سورة الجن ليست هناك قرينة سياقية تحدد معنى معيناً ولذلك قسم قال ما يوعدون من نصر ويحتمل أن يراد يوم القيامة أما في سورة الأنبياء فظاهر البُعد والمقصود يوم القيامة (ذكر يأجوج ومأجوج، يوم نطوي السماء، لا يحزنهم الفزع الأكبر، هذا يومكم، فتنة لكم ومتاع إلى حين) أمور قسم منها ظاهر في يوم القيامة فناسب ذكر البُعد في آية الأنبياء.