سورة القصص
آية (4):
*(إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4) القصص) ما اللمسة البيانية في اختيار لفظ نساءهم تحديداً في مقابل يذبح أبناءهم ولم يقل بناتهم مثلاً؟ (د.فاضلالسامرائى)
هو يستبقي النساء حتى يستخدمهن جواري أو خدم يستفيدون منهن يجعلونهن خادمات وجواري. يبقون النساء فيستفيدون منهن ليخدموهنّ يتسرون بهنّ.
آية (6):
*(وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ (6) القصص) ما هو إعراب (منهم) وما هي اللمسة البيانية فيهذه الآية؟(د.فاضلالسامرائى)
إعراب (منهم) جار ومجرور متعلقات بـ (نُري) نري فرعون منهم، (منهم) يعود على بني إسرائيل المستضعفين (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ (6)) (منهم) أي من الذين استضعفوا. وأنه هؤلاء الذين استضعفوا في الأرض يُري فرعون وهامان وجنوده منهم ما كانوا يحذرون.
الله تعالى يريد أن يُري فرعون رئيس السلطة والسلطة التنفيذية (هامان) والقوة العسكرية ووزارة الدفاع والملأ الجنود كلهم ما كانوا يحذرون من بني إسرائيل لأنه في الأخبار أن الكهنة قالوا أنه سيلد من بني إسرائيل من يخرب ملك فرعون فبدأ يقتل المولود الذكر ويترك الأنثى فالله تعالى أراد أن يُري من هؤلاء المستضعفين الذين استضعفوا أن يُري المتغطرسين ما كانوا يحذرون بأنه ربّى هذا الشخص الذي يبدد ملكه في بيته وهو موسى(عليه السلام). يريه من هؤلاء المستضعفين ما كانوا يحذرون أنه سوف يلد من بني إسرائيل مولود يهدم ملكه. يريد أن يريهم من هؤلاء المستضعفين ما كانوا يحذرون.
آية (7):
*(وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (7) القصص) (إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى (38) أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ (39) طه) فما الفرق بين الآيتين؟ وما الفرق بين ألقيه واقذفيه؟(د.فاضلالسامرائى)
لم يحدث تناقض، القذف هو إلقاء. نقرأ جزءاً من السياق حتى يتضح الأمر، الأولى في سورة طه (وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى (37) إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى (38) أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (39))، في سورة القصص (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (7)) (وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (10)) القذف هو الرمي والإلقاء والوضع ومن معانيه البُعد ويأتي بمعاني قد يكون بمعنى الإلقاء، القذف له معاني يقولون مفازة يعني قذف، مفازة بمعنى صحراء. أولاً نلاحظ في القصص قال (وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي) ولم يقل هذا الكلام في طه (أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ) ثم ذكر أنه ربط على قلبها (لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا)، كل هذه كونها لا تخافي ولا تحزني وربطنا على قلبها هذا يستدعي الهدوء في الإلقاء، ربط على قلبها إذن هي تضعه في هدوء، ثم قال (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ) والإرضاع يستدعي القرب وليس البعد. في سورة طه لم يذكر هذه الأمور لا ربط على القلب ولا شيء ولا تطمين. في طه ذكر التابوت (أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ) لم يذكر أن الرضيع يلقى في اليم وإنما التابوت هو الذي يقذف، (أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ) الضمير يعود على موسى (عليه السلام)، (فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ) الضمير يعود على التابوت، إذن موسى محمي، في القصص قال (أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ) التابوت يُقذف يقال لها اقذفي التابوت ولكن التابوت محمي لم يقل اقذفيه في اليم. التابوت يقذف ويرمى أما الابن فيقال لها ألقيه لا يقال لها اقذفيه، فلما ذكر التابوت ذكر القذف.
سؤال: هل قال اقذفيه أو ألقيه؟ ما الذي حدث؟
سيحصل إلقاء في الحالتين لكن مرة ذكر التابوت ومرة لم يذكر هذا بحسب السياق وليس هناك تناقض، في القصص نحن أحياناً نذكر أموراً ونضيف عليها، في سفرة من السفرات أذكر أموراً وفي موطن آخر أذكر جوانب أخرى أقل. هذا يحصل كثيراً، أذكر جانب ولا أذكر جانباً آخر. يذكر التابوت في موطن وموطن آخر لا يتكلم عنه.
سؤال:طالما ذكر التابوت إذن قطعاً هناك تابوت وإذا أغفل ذكره فلآن السياق يقتضي ذلك.
هذا أمر والأمر الآخر من الناحية البيانية قال في سورة طه (إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى (38)) لم يذكر ما يوحى، الآن مبهمة، (أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ) بيّن إذن صار بيان بعد الإبهام (إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى (38)) (فَغَشِيَهُم مِّنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ (28) طه) “مضى بها ما مضى من عقل شاربها”، لا يذكر. (إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى (38)) ما ذكر الذي أُوحيَ به ثم جاء بـ (أن) المفسرة (أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ) بيّن ما أوحى إليها، إذن صار إيضاح بعد الإبهام، بيان بعد الإبهام هذه (أن) المفسّرة. (أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ) الآن عندما ترى تابوتاً مقفلاً متى تعلم ما فيه؟ عندما تفتحه، يصير إيضاح بعد الإبهام بعد الفتح. من الناحية البيانية إيضاح بعد الإبهام في الأمر وإيضاح بعد الإبهام في المسألة. إذن من الناحية البيانية هناك تناسب كلاهما إيضاح بعد الإبهام. ثم هناك أمر، القذيفة في اللغة شيء يُرمى به فكان موسى في سورة طه قذيفة رمي بها فرعون قُذِفت في البحر فأغرقته. ولذلك لما نلاحظ العقوبة التي ذكرها في كلتا القصتين متناسبة مع (اقذفيه). قال في خاتمة فرعون في القصص (فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ (40)) ألقيناهم لكن بمهانة (فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ (7) القصص) (فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ) كلها إلقاء. في فرعون (فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُم مِّنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ (28) طه) قذيفة ألقيت في البحر عليهم فغشيهم من اليم ما غشيهم، فكان قذف أبلغ في التعبير كأن موسى هو الكبسولة والتابوت هو القذيفة فقذف بها فرعون فأهلكته. لا يناسب أن يقال ألق ابنك في البحر ولكن ألقي التابوت.
سؤال:قد يرى أحدنا تعارضاً أو تناقضاً بين القولين، ماذا قال تحديداً؟
أحياناً العبارة الواحدة التي تقال نصوغها بكلمة بيانية إذا قلت جاء فلان أو أتى فلان، هل تناقضت؟ القرآن من هذا القبيل لكن يستعمل اختيار الكلمة في المكان البياني لها لكن نقول لماذا قال مرة جاء ومرة أتى؟ نقول لماذا وسترد أمثلة في بعض القصص نذكرها لكن هذا مرتبط بالسياق العام السورة نفسها وأحياناً السورة نفسها لها سمة معينة.
سؤال: إذن بعض الأصوات التي تنعق في الظلام الدامس بأن هنالك تناقض في القرآن وأن القرآن غير منضبط ما فهموا القرآن وما فهموا اللغة.
يعني لو قلت لم يقل هذا وأنفي المسألة يكون هناك تناقض لكن أن يقول العبارة بتعبير آخر لا يعني وجود تناقض. ربنا تعالى يترجم كلامهم مرة يقوله بأسلوب ومرة يقوله بأسلوب. لو كنت أترجم قصة كل مرة أصوغها بعبارة مختلفة لكن ليست متناقضة، قد أقول غاب عني أو أقول لم يحضر. لو كنت إنساناً بليغاً لا تختار إلا الأنسب من الكلمات لكن المعنى العام ليس فيه تناقض. التناقض يكون أن تذكر شيئاً مخالفاً. قصة موسى أحياناً تأتي بآية واحدة وفي مواطن تأتي بآيات مختلفة. أحياناً يقول لموسى وهارون اذهبا ومرة يقول اذهب إلى فرعون، هو يقول لهما ويقول للواحد، ومن أدرانا أن الخطاب كان مرة واحدة؟ ربما يكون هناك خطاب مرتين أو يكون في موقف واحد أخاطب الاثنين ثم أتوجه إلى أحدهما وأطلب منه أن يفعل كذا. وعندما تحكي يجوز أن تفضل مرة تقول افعلا ومرة افعل.
*ما اللمسة البيانية في ورود لفظة اليم 8 مرات في قصة موسى عليه السلام ووردت لفظة البحر 8 مرات في القصة نفسها ووردت لفظة البحرين مرة واحدة؟(د.فاضلالسامرائى)
مسألة البحر واليم ذُكِرت أكثر من مرة في هذا البرنامج وقلنا أن القرآن الكريم يستعمل اليم والبحر في موقفين متشابهين كما في قصة موسى (عليه السلام) مرة يستعمل اليم ومرة يستعمل البحر في القصة نفسها (فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ (63) الشعراء) (فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ (40) القصص) اليمّ كما يقول أهل اللغة المحدثون أنها عبرانية وسريانية وأكادية وهي في العبرانية (يمّا) وفي الأكادية (يمو) اليمّ وردت كلها في قصة موسى ولم ترد في موطن آخر ومن التناسب اللطيف أن ترد في قصة العبرانيين وهي كلمة عبرانية. كلمة البحر وردت عامة (وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ (50) البقرة) (وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ (14) النحل) عامة لكن من الملاحظ أن القرآن لم يستعمل اليم إلا في مقام الخوف والعقوبة أما البحر فعامة ولم يستعمل اليم في مقام النجاة، البحر قد يستعمله في مقام النجاة أو العقوبة. قال تعالى (فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ (7) القصص) (أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ (39) طه) هذا خوف، (فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ (136) الأعراف) هذه عقوبة، (فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُم مِّنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ (78) طه) (فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ (40) القصص) عقوبة، أما البحر فعامة استعملها في النِعم لبني إسرائيل وغيرهم (أَمَّن يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ (63) النمل) (وَإِذَا مَسَّكُمُ الْضُّرُّ فِي الْبَحْرِ (67) الإسراء) في نجاة بني إسرائيل استعمل البحر ولم يستعمل اليم. استعمل اليم في العقوبة واستعمل البحر في النجاة والإغراق (وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ (50) البقرة) استعملها في الإغراق والإنجاء (وجاوزنا ببني إسرائيل البحر) أي أنجيناهم، (فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَّا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى (77) طه) (فَغَشِيَهُم مِّنَ الْيَمِّ (78) طه) لم يقل البحر، (فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ (63) الشعراء). إذن يستعمل اليم في مقام الخوف والعقوبة فقط ويستعمل البحر عامة في بني إسرائيل وغيرهم. اليم يستعمل للماء الكثير وإن كان نهراً كبيراً واسعاً. يستعمل اليم للنهر الكبير المتسع ويستعمل للبحر أيضاً. اللغة تفرق بين البحر والنهر واليم: النهر أصغر من البحر والقرآن أطلق اليم على الماء الكثير ويشتق من اليم ما لم يشتقه من البحر (ميموم) أي غريق لذلك تناسب الغرق. العرب لا تجمع كلمة يم فهي مفردة وقالوا لم يسمع لها جمع ولا يقاس لها جمع وإنما جمعت كلمة بحر (أبحر وبحار) وهذا من خصوصية القرآن في الاستعمال. كونها خاصة بالخوف والعقوبة هذا من خصوصية الاستعمال في القرآن.
آية (10):
*يذكر في القرآن الكريم السمع والبصر والفؤاد فما هوالفؤاد؟(د.حسامالنعيمى)
الفؤاد بعضهم قال هو القلب نفسه فالفؤاد هو القلب. وبعضهم قال لا، الفؤاد ليس القلب أي اللب وإنما غشاء القلب. غشاء القلب هو الفؤاد هذا الغشاء لأن العربية دقيقة أحياناً تسمي الأجزاء كل جزء تسميه باسمه. فالذي يترجح لدينا من وجود حديث للرسول (صلى الله عليه وسلم) يترجح أن الفؤاد هو غشاء القلب لكن لما يتحدث عن الفؤاد يعني الغشاء وما في داخله لأن هو أصل الفؤاد من التفؤد ويعني التوقّد والاشتعال والحرقة فكأن القلب هو موضع هذه الأشياء فلذلك استعمل هكذا في هذا المكان. الحديث يقول (صلى الله عليه وسلم): ” أتاكم أهل اليمن هم أرق أفئدة وألين قلوباً” والرسول (صلى الله عليه وسلم) كان يحب أهل اليمن ويقول “الإيمان يمان”. في اللسان: فأد الخبز في الملّة يفأدها فأداً شواها. القلب يشتوي أحياناً بما يسمع وما يقال له وليس على سبيل الشواء الحقيقي والفؤاد القلب لتفؤده وتوقده وقيل وسطه وقيل الفؤاد غشاء القلب وهذا الذي اخترناه عندما نقول اخترنا هذا المعنى لا نعني أننا نلغي المعاني الأخرى لأن هذا كلام وآراء علمائنا، لكن لنا أن نختار عندما يقال كذا وكذا وعندنا أكثر من رأي للعلماء من خلال اطلاعهم على لغة العرب. الشاهد الذي بين أيدينا يقوي الاختيار: ففي الحديث ” أتاكم أهل اليمن هم أرق أفئدة وألين قلوباً” ذكر الفؤاد والقلب وذكر الفؤاد بالرقّة وهي الشفافية الشيء الرقيق واللين للشيء السميك الذي له بُعد فالقلب ليّن والفؤاد رقيق. واستعمل القرآن فؤاد وقلب مع أم موسى (وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (10) القصص) الفؤاد المغلّف يقصد ما بداخله والعرب عندما تستعمل الفؤاد، تستعمل القلب، تستعمل اللب تعني الموضع الذي يكون فيه الفكر والعاطفة وجاء في القرآن (فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور) هل المراد على وجه التعيين هي هذه العضلة؟ أم هناك شيء في الصدر لا نعلمه؟ لأن العلم كل يوم يكتشف شيئاً جديداً ونحن نؤمن بكلام ربنا كما هو فإلى الآن هو عمى البصيرة يعني الموضع الذي يكون فيه الفكر والبصر هو الذي يعمى.
الفؤاد هو الغشاء الذي يغطي والحديث الذي بين أيدينا يوضح ذلك بشكل لا لبس فيه لأنه استعمل الكلمتين في مكان واحد استعمل للفؤاد الرقة وللقلب اللين واللين غير الرقة والله أعلم.
*ذكرت سابقاً الفرق بين القلب والفؤاد فما دلالة قوله تعالى في سورة القصص (فأصبح فؤاد أم موسى فارغاً إن كانت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها)؟ (د.حسامالنعيمى)
العرب تستعمل القلب والفؤاد بمعنى واحد ولكن الحديث فرّق بين الاثنين فجعل الفؤاد للغشاء ” أرقّ أفئدة وألين قلوباً” فأخذنا بقول “اللسان” أنه يكون الغشاء هو الفؤاد وهذا لا يتعارض مع الآية ففراغ فؤاد أم موسى يتضمن فراغ القلب أيضاً وليس فراغاً حقيقياً وفيه إشارة إلى عدم الانشغال فهي لم تعد منشغلة. وقوله تعالى (لولا أن ربطنا على قلبها) أي صبّرناها لأن الربط على القلب بمعنى التصبير ، ربط على قلبه أي صبّره هكذا هي في المعجم.
آية (13):
* ما هي دلالة التعليل بـ ( كي) في قوله تعالى (كي تقرّ عينها ولا تحزن) وباللام في قوله تعالى (ولتعلم)؟(د.فاضلالسامرائى)
قال تعالى: (إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى)طـه:40. وقال تعالى: ( فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ” القصص:13)
التعليل بكي واللام
قد يرد سؤال على الذهن يحتاج إلى إمعان نظر وهو: ما الفرق بين اللام وكي؟، وهل التعليل بهما متطابق؟ الحقيقة أنه لا يبدو هناك فرق واضح بينهما في التعليل، فهما متقاربان جدا، غير أن الذي يبدو أن الأصل في (كي) أن تستعمل لبيان الغرض الحقيقي، واللام تستعمل له ولغيره، فاللام أوسع استعمالا من (كي)، وهذا ما نراه في الاستعمال القرآني
والظاهر من الاستعمال القرآني أن (كي) تستعمل للغرض المؤكد والمطلوب الأول، يدل على ذلك قوله تعالى: “فرددناه إلى أمه كي تقر عينها ولا تحزن ولتعلم أن وعد الله حق” القصص 13، فقد جعل التعليل الأول بـ (كي) “كي تقر عينها” والثاني باللام ” ولتعلم أن وعد الله حق” والأول هو المطلوب الأول، والمقصود الذي تلح عليه الأم بدليل اقتصاره عليه في آية طه، قال تعالى: “فرجعناك إلى أمك كي تقر عينها ولا تحزن”فالمطلوب الأول للأم هو رد ابنها إليها في الحال، أما جعله نبيا مرسلا، وهو ما يشير إليه قوله تعالى: “ولتعلم أن وعد الله حق” فهو غرض بعيد، إذ هي محترقة لرد ابنها الرضيع إليها وهذا غرض كل أم سُلب منها ابنها، أعني أن يعاد إليها أولا، سواء كانت الأم مؤمنة، أم كافرة، بل هو مطلوب للأمهات من الحيوان، ولذا عللها في الموطنين بـ (كي) ولم يعلله باللام ثم إن أم موسى تعلم أن وعد الله حق لا يتخلف، وقد وعدها ربها بأنه سيرده إليها ويجعله من المرسلين: “إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين: فقوله تعالى: “ولتعلم أن وعد الله حق” معناه الاطمئنان، لا مجرد العلم، ولو قال (كي تعلم أن وعد الله حق) لكان المعنى أنها تجهل أن وعد الله حق، وأنه رده إليها لتعلم هذا الأمر ونظير هذا قوله تعالى: “وكذلك أعثرنا عليهم ليعلموا أن وعد الله حق وأن الساعة لا ريب فيها” الكهف 21، وهذا في أصحاب الكهف وهم يعلمون أن وعد الله حق ولا شك، وكيف لا وهم فارقوا قومهم لإيمانهم بالله تعالى؟ فلو قال (كي يعلموا) لكان المعنى أن هذا هو الغرض الحقيقي وقد كانوا يجهلون ذاك وأما قوله “كي تقر عينها ولا تحزن” فهذا غرض حقيقي لا يتحقق إلا برد طفلها إليها يتبين مما مر أن (كي) تستعمل للغرض الحقيقي، أما اللام فهي أوسع استعمالا منها، وأن الجمع بينهما يفيد التوكيد والله أعلم.
آية (14):
*لماذا جاءت كلمة (واستوى) مع موسىعليه السلامفي الآية(وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُوَاسْتَوَىآتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِيالْمُحْسِنِينَ (14) القصص)بينما لم ترد مع يوسفعليه السلام(وَلَمَّابَلَغَأَشُدَّهُآتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (22) يوسف)؟(د.فاضلالسامرائى)
(واستوى) هنا الكلام على سيدنا موسى (ولما بلغ أشده) على سيدنا يوسف . استوى أي اكتمل شبابه واكتملت قوته، استوى من الاستواء واكتملت قوته البدنية. ذكرها لأنه ذكر ما يدل على القوة وهو أنه وكز واحداً بعضاه فقضى عليه (وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا (15) القصص) وهذه تدل على قوة وسقى لابنتي الرجل (فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24)) (قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26) القصص)فهذه كلها تدل على الاستواء والقوة في البدن فقال استوى. يوسف ليس فيه حالة قوة ولم يذكر شيئاً يتعلق بالقوة البدنية وإنما فقط بلغ أشده. هناك أمور تقتضي ذكر القوة البدنية. بلغ اشده أي بلغ العمر الذي يختص به واختلفوا فيه كم سنة هل أربعين أو أقل. لما قال استوى يجب أن يكون هناك أمر يتعلق بالاستواء والقوة البدنية. لماذا ذكر الاستواء؟ لأن هناك أمور تدل على القوة البدنية وتمامها ولم يذكر في يوسف ما يتعلق بهذا الأمر لا نعرف إن كان يوسف بهذه القوة ولم يذكر شيئاً فاكتفى عندما بلغ أشده واكتمل شبابه. مع سيدنا موسى ذكر اكتمال القوة البدنية (واستوى) وفي يوسف لم يذكر شيئاً يتعلق بالقوة البدنية وفي موسى ذكر ما يتعلق بالقوة البدنية وهي بحسب السياق. الفيصل في تحديد معنى الكلمة وهو السياق والمعجم يعطيك جملة معاني للمفردة الواحدة تضعها في سياقها وترى الأنسب منها للسياق.
*قال تعالى في سورة القصص(وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آَتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَنَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (14))كيف يقتل موسى رجلاً يعد أن يؤتى العلموالحكمة؟(د.حسامالنعيمى)
أولاً عندما قتله لم يكن موسى (عليه السلام) نبيّاً لأنه لما ناقشه فرعون أو جادله لما قال (أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (17)) قال (قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ (18) وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (19)) أي قتلت نفساً. هو يعرف ماذا فعل لكن لا يريد أن يثيرها. قال موسى (عليه السلام)(قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ (20) فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ (21)) فالرسالة كانت بعد الفرار إذن هو لم يكن رسولاً مكلّفاً بالرسالة. كونه غير مكلّف جعل حياته ضلالاً كان ضالاً لأنه لم يكن يعرف أحكام التكليف. الضالّ هنا غير المكلّف أي ليس مكلّفاً بأحكام التكليف وليس بالمعنى الذي نفهمه الآن من فساد. لكن كان قبله أنبياء وكان يعرف بعض الأحكام بتغيراتها وبانحرافاتها. لما ننظر في (وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (15)) ما معنى الوكز؟ في اللغة هو الضرب بجُمع اليد على الذَقّن وقيل على الصدر. الذي يضرب بيده على الذقن هل ينوي القتل؟ الذَقّن (بفتح الذال والقاف) وجمعه أذقان بوزن سبب وأسباب. إذن موسى (عليه السلام) لم يكن ينوي القتل. لاحظ أبو حنيفة يُسأل أفي مُثقِل أو مثقَل قَوَد؟ المُثقِل إذا ضرب إنسان إنساناً بشيء ثقيل فهو مثقِل أو إذا كان هناك شيء ثقيل (اسم الفاعل واسم المفعول) يعني يؤخذ به الضارب؟ يعتبر قاتل عمد؟ (قَوَد: قاتل بعمد). قال: لا، قال: فإذا كان ضخماً؟ قال: ولو ضربه بأبي قبيس (جبل). فموسى (عليه السلام) ضربه لم يكن بنية القتل وغير متصور أن الضربة على الذقن تقتل لكنه يبدو كان من القوة وكان قوياً (عليه السلام) بحيث أن الضربة أدّت إلى قتله فهو لم يكن ينوي قتله فهذا لا يختلف مع الحكمة أن الإنسان يكون حكيماً. لما شخص من شيعتك يقاتله شخص من عدوك ويستنجد بك يستغيثك أدركني يا فلان تحاول أن تعينه فأعانه موسى (عليه السلام) فضربه من جمع يده فهذا لا يتناقض مع الحكمة وليس هناك منافاة. القرآن يستخدم الضرب والوكز الضرب يكون باليد المفتوحة، بعصا، بالسيف، الضرب له أنواع أما الوكز حصراً فيكون بجُمع اليد كما نستعمل كلمة لكم، الملاكم يضرب بجمع اليد لا نقول المضارب. ضربه إذا أراد أن يكون الكلام عاماً أنه حدث منه ضرب لكن هنا يريد أن يبيّن نوع الضرب (وكزه) ضربه على الذقن أو الصدر وغالباً تستعمل على الحنك أو الذقن.
*نعرف بعصمة الأنبياء وننزههم عن وجود نقص فكيف وصف سيدنا موسى بأنه قاتل وأنه لا يُبين الكلام وأن أخاه هارون هو أفصح منه لساناً فكيف نفهم هذه الأمور؟(د.فاضلالسامرائى)
لماذا تعرض بهذه الصورة؟ ولماذا لا يقال هو نصير المستضعفين؟ (فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ (15) القصص) هذا مظلوم، هناك ظالم ومظلوم، قوي ومستضعف فأراد موسى أن ينصر المستضعف فوكزه والوكز ضربة خفيفة وليست ضربة تميت وهذا من باب القتل الخطأ ولم يكن قاصداً لقتله. الظاهر مما نقرأ من قصة سيدنا موسى أنه عندما ذهب إلى مدين وجد امرأتين تذودان (وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا (23) القصص) فلم يتحمل أن يراهما هكذا ومن دون طلب ومن دون أجر سقى لهما ثم تولى إلى الظل (فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ (24) القصص)، هذا دافع في نفسه حب الإعانة وحب نصر الضعفاء والمستضعفين هذه ناحية إيجابية عنده. ليس هذه فقط وإنما هذه الناحية نلاحظها مع العبد الصالح كان ينكر عليه أفعالاً ليست مناسبة في نظره فاستنكر خرق السفينة واستنكر قتل الغلام واستنكر إقامة الجدار إذن هو لا يحب الظلم ويحب نصر الضعيف والله تعالى يقول (وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ (75) النساء) إذن هو نصير المستضعفين. ولقد لاحظت في كتب التفسير يعقدون مشابهة لطيفة بين ما حصل بين موسى والعبد الصالح وبين ما حصل مع موسى في ماضيه يقولون هو أولاً اعترض على السفينة ألم ينظر إلى التدبير الذي دبره له ربه عندما وضع في التابوت، ثم مسألة القتل فقد قتل نفساً مع القبطي وهذه تشبه تلك وهو اعترض هنا على فعل العبد الصالح وهو قد فعلها لكن لم يعلم الحكمة لكن العبد الصالح فعلها عمداً لحكمة يجهلها موسى وكذلك الجدار لم يأخذ أجراً وهو سقى للمرأتين بدون أجر. إذن موسى سقى مجاناً وقتل نفساً وألقي في التابوت كما ركبا في السفينةفيعقد القدامى هذه المشابه وحتى يقال أن الخضر ذكره بها. ننظر نظرة أخرى إلى الموقف أن موسى (عليه السلام) نصير الضعفاء (فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ)استغاث به وهو لم يتدخل معه تحزباً.
(وَلَا يَكَادُ يُبِينُ (52) الزخرف) في لسانه عقدة أو حُبسة أو رُتّة أي عجلة في الكلام أو تعتعة أحياناً أو ثِقَل في الكلام أو تلعثم في الكلام. أولاً الله تعالى أعلم حيث يجعل رسالته ورب العالمين ذكر أناساً في القرآن الكريم حسان المنظر وذوي منطق سليم وذمّهم (وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (4) المنافقون) يخافون بينما موسى كان يبادر فالمسألة ليست بالمنظر وإنما هي بالمخبر هذا الأصل. في غير مقام سيدنا موسى (عليه السلام) العرب تقول:
ترى الرجل الحقير فتزدريه وفي أثوابه أسدٌ مزير
فالمسألة ليست منظر. موسى (عليه السلام) ذكر حججاً وحاجّ فرعون وكان يلقي بالحجة ويتكلم معه هذا إشارة أن الواحد عليه أن لا يخجل مما يراه فيه ليس كاملاً ولا يجعله ينزوي فإذا رأى الإنسان في نفسه شيء من هذا فعليه أن يكون إيجابياً وهذا ليس الأمر الذي يقاس به الرجال وموسى (عليه السلام) كان يأتي بالحجج. يقولون هارون أقوى من موسى لكن هارون استُضعِف (قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي (150) الأعراف) موسى شخصيته قوية وتختلف عن شخصية هارون في بني إسرائيل وكانوا يهابون موسى أكثر مما يهابون هارون (قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي) فهي ليست مسألة إحسان النطق فقط، هارون أفصح منه في النطق لكن من يقول أنه يأتي بحجة أقوى من حجته؟ الفصاحة أن يُحسن القول لا يأتي بكلمة غريبة لا يأتي بكلمة خطأ في اللحن فقط لكن يحسن النطق فصيح في اللسان فصيح في الكلام وليس كل فصيح بليغاً وكل بليغ فصيح. عدم وجود الفصاحة مثلاً في موسى ليست منقصة فيه وليس معناها أن هارون أقوى منه حجة وإنما يعني أنه يتكلم، طلق اللسان. في سورة الشعراء الحجة كانت بين موسى وفرعون وليس بين هارون وفرعون (قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ (23) قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إن كُنتُم مُّوقِنِينَ (24) الشعراء).
سؤال: إذا نظرنا إلى بعض صفات موسى (عليه السلام) نجد أنه أسمر أجعد الشعر قوي يسارع إلى النهضة، قاتل وأخوه أفصح منه وهو يكاد لا يبين ومع هذا يقول تعالى عنه (وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (41) طه) والأنبياء عندنا لديهم صورة وحسن الطلة فكيف نوفق بينها؟
هل الأسمر لا يصلح أن يكون نبياً؟ رب العالمين ذكر امتحان كبير لأيوب حتى عافه الناس وصار خارج المدينة. الأنبياء والرسل ليس فيهم صفات بدينة إذا رأيتهم أعجبتك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم ليس هذه الصفات ولكن فيهم صفات أخرى لذلك الله تعالى قال (اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ (124) الأنعام) الذي يحملها ويؤديها ليست بالمنظر معناه أن الرسول هو أجمل الناس ليس بالضرورة ذلك. نتعلم أن الموضوع كله يكمن في الجوهر وليس في المظهر وعلى كل إنسان أن يفعل وسعه ولا يصده عن فعل الخير ما يرى في نفسه شيئاً ليس كاملاً وإنما عليه أن يفعل وسعه في الخير وهذا مثل يعطينا إياه ربنا تعالى حتى لا نخجل من هذه الأشياء وإنما نسعى في الخير وندخل في المجتمع وقد رأيت في حياتي شخصاً كان كلامه ثقيل لكن كان كل جماعته يهابونه وإذا قال تكلم كلمة يهابونه.
*في سورة القصص(فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَعَدُوٌّ لَهُمَا)لماذا أدخل (أن) الأولى؟(د.حسامالنعيمى)
هذه في قصة موسى عليه السلام لما استنصره هذا الذي من شيعته على الذي من عدوّه. في البداية الأول (وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (15)) هذا الثاني نلاحظ الآية تقول بعد أن قتل الأول (فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ (18))لأنه قاتل فصار خائفاً لاحظ حال الخائف (فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ)الأول الذي بسببه قتل موسى قال له يا موسى أدركني لأنه تخاصم مع شخص آخر فقال له موسى (قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ) تطلب الغواية إنسان صاحب شر. هو خائف وصاحبه يدعوه فهناك نوع من التردد. (أن) إذا دخلت على الفعل دفعته للمستقبل. لو قال (فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا (19)) يعني حدثت منه الإرادة لكن القرآن يريد أن يقول أنه كان متردداً يعني إرادته لم تكن عازمة فقال (فلما أن أراد) فاندفعت الإرادة قليلاً إشارة إلى تردده. لا نستطيع أن نخذف (أن) هنا. لأنه إذا حذفناها في غير القرآن ونحن نريد هذه الصورة صورة المتردد تضيع الصورة فحتى تبقى صورة التردد يجب أن يكون (أن) حتى يندفع الفعل إلى المستقبل. (فلما أن أراد أن يبطش) لأن البطش أيضاً مستقبل (قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ) فإذن (إن) هنا لها أهميتها في الحقيقة.
آية (19):
* ما اللمسة البيانية في ذكر (أن) في آية سورة القصص وما دلالتها مع أنها لم ترد في آية سورة هود في قصة لوط ولم ترد كذلك في آية سورة يوسف؟(د.فاضلالسامرائى)
(أن) هذه عند النُحاة زائدة إذا وقعت (أن) بعد لما فهي زائدة أي لا تؤثر على المعنى العام إذا حُذفت.
لكن الملاحظ هو قوله تعالى (فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ (19)) فصل بين الفعل وبين (لمّا) (ومعنى لمّا أي في الوقت الذي قرر فيه وقسم يرى أنها حرف وقسم يرى أنها ظرف لكن هي زمنية وتُسمى حينية أي حينما) نلاحظ أنه فصل بين بين لمّا والفعل وهذه الظاهرة موجودة في القرآن وهي في الآية في سورة القصص تدل على أن موسى (عليه السلام) لم يكن مُندفعاً للبطش فجاءت (أن) للدلالة على أنه لم يكن مندفعاً وللدلالة على الفاصل في الزمن وهي ليست كالحالة الأولى (وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (15)) استخدم الفاء للدلالة على الترتيب والتعقيب أما في هذه الآية فدلّت على التمهل والتريث..
آية (20):
*ما سبب التقديم والتأخير في آية سورة يس(وَجَاءَمِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُواالْمُرْسَلِينَ (20)) وسورة القصص(وَجَاءَرَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَيَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ ( 20))؟
د.فاضلالسامرائى:
الآية الأولى في سورة يس والأخرى في سورة القصص في قصة موسى عليه السلام. (وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى) يعني هو فعلاً جاء من أقصى المدينة أي من أبعد مكان فيها. (وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى) ليس بالضرورة ذلك وإنما تحتمل هذا المعنى وغيره. تحتمل أنه فعلاً جاء من أقصى المدينة وتحتمل لا هو من سكان تلك الأماكن البعيدة لكن ليس مجيئه من ذلك المكان ليس بالضرورة. كما تقول جاءني من القرية رجال تعني أن المجيء من القرية، جاءني رجال من القرية أي قرويون هذا يحتمل معنيين في اللغة، هذا يسمونه التعبير الاحتمالي. هناك نوعين من التعبير تعبير قطعي وتعبير احتمالي يحتمل أكثر من دلالة والتعبير القطعي يحتمل دلالة واحدة. لما تقول جاءني رجال من القرية تحتمل أمرين الرجال جاءوا من القرية أي مجيئهم من القرية وجاءني رجال من القرية احتمالين أن المجيء من القرية وتحتمل أنهم رجال قرويون ولكن ليس بالضرورة أن يكون المجيء من القرية. كما تقول: جاءني من سوريا رجل يعني رجل سوري وجاءني رجل من سوريا ليس بالضرورة أن يكون جاء من سوريا، جاء من سوريا رجل يعني جاء من سوريا. وجاء من أقصى المدينة رجل يعني جاء من أقصى المدينة، أما جاء رجل من أقصى المدينة ليس بالضرورة فقد يكون من سكان الأماكن البعيدة، مكانه من أقصى المدينة لكن ليس بالضرورة أن المجيء الآن من ذاك المكان وقد يكون من مكان آخر..
سؤال: تعقيب الآية في سورة يس (قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20)) أما في القصص فالتعقيب (فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ)؟
المجيء في سورة يس أهم لذا قال (رجل يسعى) جاء لتبليغ الدعوة وإشهار الدعوة وأن يعلن ذلك أمام الملأ مع أنهم كلهم ضد على أصحاب يس، على الرسل وهناك في القصص جاء ليسرّ في أذن موسى (عليه السلام) كلاماً (إن الملأ يأتمرون بك). هذا إسرار أما ذاك فإشهار، ذاك تبليغ دعوة وهذا تحذير. في قصة يس أن القرية كلها ضد الرسل (إن لم تنتهوا) موسى لم يقل له أحد هذا. في يس كان إشهار الدعوة خطر على الشخص تحتاج إلى إشهار لكن عاقبتها خطر على الشخص. في القصص ليس كذلك لأنه ليس هناك ضد لموسى (عليه السلام) فلما كان الموضوع أهم وإن موضوع الدعوة لا يعلو عليه شيء والتبليغ لا يعلو عليه شيء وهو أولى من كل شيء قال (من أقصى المدينة رجل يسعى) يحمل هم الدعوة من أقصى المدينة ويسعى ليس متعثراً يخشى ما يخشى وإنما وقال يسعى لتبليغ الدعوة وليس مجيئاً اعتيادياً هكذا لكنه جاء ساعياً. ذاك جاء ساعياً أيضاً لأمر مهم لكنه أسرّ إلى موسى (عليه السلام) ولهذا جاء التقديم والتأخير بحسب الموضوع الذي جاء من أجله. فلما كان الموضوع أهمّ قدّم (جاء من أقصى المدينة) يحمل هم الدعوة. وفي الموضوع الآخر أخّر.وفي سورة يس (وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى) تعني أنه جاء قطعياً من أقصى المدينة لأن مجيء صاحب يس كان لإبلاغ الدعوة لأن الرسل في السورة قالوا (وَمَا عَلَيْنَا إِلاَّ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ {17}) والبلاغ المبين هو البلاغ الواضح الذي يعمّ الجميع فمجيء الرجل من أقصى المدينة تفيد أن الدعوة بلغت الجميع وبلغت أقصى المدينة ليتناسب مع البلاغ المبين. أما في سورة القصص في قصة موسى (عليه السلام) (التعبير احتمالي) فالرجل جاء من أقصى المدينة للإسرار لموسى (عليه السلام).
سؤال: الجُمَل بعد المعارف أحوال وبعد النكرات صفات، صفة رجل يس يسعى لذا عدد القرآن بعض أقواله ومناقبه أما رجل القصص؟ يحتمل أن شبه الجملة (من أقصى المدينة) أن يكون صفة و(يسعى) صفة ثانية هو كونه من أقصى المدينة فتكون صفة، يحتمل أن الجار والمجرور صفة ويسعى صفة ثانية. كلمة يسعى بعد المدينة وبعد رجل، كلمة (رجل) كلاهما نكرة. جملة (يسعى) صفة في آية يس وفي القصص (يسعى) صفة للرجل وليست للمدينة. كلمة رجل في الحالتين نكرة فجملة يسعى في الآيتين صفة. يسعى صفة للرجل في الحالتين.
آية (20):
*ما سبب التقديم والتأخير في آية سورة يس(وَجَاءَمِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُواالْمُرْسَلِينَ (20)) وسورة القصص(وَجَاءَرَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَيَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ ( 20))؟
د.حسامالنعيمى:
(وَجَاءَرَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَيَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ ( 20) القصص) هذه الآية لو تأملناها: لما يأتي النظام على صورته الطبيعية المفروض أن لا يرد السؤال فالنظام طبيعي هو أن يأتي الفعل ، الفاعل ثم المتممات للفعل مثل المفعول به أو المفعول معه أو الحال أو التمييز أو غيره. هذا نظام الجملة العربية فعل وفاعل ومتممات فلما يأتي نظام (جاء رجل) هذا على النظام طبيعي المفروض لا يُسأل عنه. مع ذلك لأنه ورد في مكان آخر (وَجَاءَمِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُواالْمُرْسَلِينَ (20) يس) يرد السؤال لِمَ لم يحدث تغيير هنا كما حدث في الآية الأخرى؟ نحن سنشرح لماذا حدث التغيير في الآية الثانية؟ السؤال لم لم يحدث فيه تغيير كما هو حدث في الآية الثانية يعني أن يقول في غير القرآن: (وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى قال يا موسى إن الملأ يأتمرون بك) هذا الرجل مقصود من الآية أن إنساناً حذّر موسى وكان لاهتمامه أنه جاء يسعى من أقصى المدينة فللاهتمام بالرجل الذي عرّض نفسه للمخاطرة لما يأتي ويحذّر موسى أن هناك من يأتمر بك ويُعرّض نفسه للخطورة ولذلك كان الاهتمام به فقدّم (وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى) لأنه جاء محذّراً ثم ذكر المكان الذي جاء منه والهيئة التي جاء بها على أن الأصل أن يأتي بعد الفعل مباشرة لكن مع ذلك حتى هذا الأصل حوفظ عليه لأن هناك اهتمام بهذا الإنسان الذي عرّض نفسه للخطر، يعني ليس هناك اهتمام بأقصى المدينة.
هذه واحدة ولما ننتقل إلى الآية الأخرى نجد أنه (وَجَاءَمِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُواالْمُرْسَلِينَ (20) يس) هذا ما جاء ليحذّر وإنما جاء ليدعم المرسلين. جاء ليقويّ التبليغ في الدعوة. لما يأتي ليقويّ التبليغ في الدعوة يعني هو كان مؤمناً إذن هذه شهادة للمرسلين بأن دعوتهم بلغت أقصى المدينة. فإذن المكان هنا أهمّ من الرجل حتى يفهم القارئ أن هؤلاء المرسلين بلّغوا الدعوة ونشروها بحيث وصلت إلى أقصى المدينة فقال (وجاء من أقصى المدينة) ثم بعد ذلك قال (رجل) هو غير معتني بالرجل وإنما معتني بالمكان أنه من هذا المكان البعيد جاء مؤمناً فإذن هم اشتغلوا في نشر الدعوة بحيث بلغوا في دعوتهم إلى أقصى المدينة. وهذا هو الفارق لذلك هنا المكان أهم حتى يُظهر جهدهم وما بذلوه من نشر للدعوة.
يقال الجمل بعد المعارف أحوال وبعد النكرات صفات فهل رجل في الآية الثانية بعد نكرة هي صفة؟: كلمة (رجل) نكرة في الحالين وإن كانت قُيّدت بالآية الأولى (وجاء من أقصى المدينة رجل) وهذا لا يكسبها تعريفاً وليس تخصيصاً. وهذا يكسبها تخصيصاً تبقى صفة بعد النكرات لا تكون حالاً والجار والمجرور يُكسبها تخصيصاً ولا يكسبها تعريفاً.
*قصة موسى عليه السلام فى مدين:
*ما الذي يمكن استنباطه في الآية من العمل الصالح لموسى (عليه السلام) وابنة الرجل الصالح في سورة القصص ما هو العمل الصالح الذي فعله موسى حتى يرزقه الله تعالى الزوجة الصالحة؟ وكذلك ذكر تعالى مواصفات الزوجة الصالحة فرزقها الله تعالى موسى النبي؟(د.فاضلالسامرائى)
عند مدين ابتدأت الرحلة إلى مدين بقوله تعالى:(وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاء مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاء السَّبِيلِ (22) القصص) استعان ربه وطلب منه الهداية وهو فارّ ولم يكن يعلم أنه متوجه إلى مدين لا يعلم إلى أين يذهب مشى على غير هدى لكن الله تعالى لحكمة أرادها هداه أن يتجه إلى مدين، (عَسَى رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاء السَّبِيلِ) فهداه هذا الدرس الأول. ورد ماء مدين (وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ (23)) الأمة أي الخلق من الناس الكثير، (مِن دُونِهِمُ) يعني بعيدتين عنهم لم يقل معهم أو فيهم اللتان تفيدان الاختلاط، (مِن دُونِهِمُ) ليس هناك اختلاط وهذا يدل على عفتهما وحيائهما. (تَذُودَانِ) يعني تمنعان الماشية من أن تختلط بالآخرين. استغرب الرجل الفارّ خاصة أنه لم يوجد نسوة أخريات يسقون فقال (قَالَ مَا خَطْبُكُمَا (23)) لعله أن يعينهما. الخطب يعني الشأن، مبلغ سؤاله أن يساعدهما والظاهر أن في نفس موسى النزعة لمساعدة الآخرين والرحمة بالضعفاء. قالتا (قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23)) حتى لا يصير كلام طويل وحوار جاء بالعذر حتى لا يصير سؤال وجواب وهذا يدل على فطنتهما وحسن أدبهما وعفتهما. السبب أبونا شيخ كبير، لم تقولا شيخ فقط وإنما شيخ كبير يعني طاعن في السن ولم يدر أي حديث بينهما بعد ذلك. لك يكن هناك تبسط في الحديث، موسى وقف عند المقدار الذي ينبغي وهما كذلك، (فَسَقَى لَهُمَا (24)) على السرعة جاء بالفاء الدالة على التعقيب ولم ينتظر حتى يستريح من عناء السفر، على السرعة من دون مهلة سقى لهما وهذا يدل على كرمه وسرعة نجدته. ثم نلاحظ أنه لم يذكر ماذا كان الرعاء يسقون (وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ) وقال (تَذُودَانِ) لم يقل ماذا تذودان؟ لو ذكر المفعول تدل على أنه سقى لهما لهذا النوع وقد لا يسقي لغير نوع، لم يذكر المفعول حتى يصير إطلاق. لو قالتا لا نسقي الإبل وقال فسقى لهما لدلت على أنه سقى الإبل فأراد بهذا الحذف الإطلاق. ثم قال (ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ) مما يدل على أنه سقى لهما في الشمس والحر، إذن تعب وشمس وحر وعجّل لهما بالسقي، هذا يدل على شهامته ونجدته ودعا ربه (فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) الخير يعني العافية والقوة فكان الفرج في الحال والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه، (فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءقَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا (25)) تمشي على استحياء والقول على استحياء لذلك هم يقفون فيها مرتين (فجاءته إحداهما تمشي على استحياء/ قالت) المشي على استحياء والآخر (وجاءته إحداهما تمشي/ على استحياء قالت) يعني القول على استحياء، لم يعتذر موسى وقال لا أبغي أجراً وإنما كان يحتاج لمن يتكلم معه، ولم يجري حديث بينهما كل الحديث إن أبي يدعوك فتبعها وهو يمشي أمامها وهي توجهه، أول مرة مشت أمامه فرأى الرياح تلعب في ثوبها فقال لها امشي خلفي وأرشديني. (فَلَمَّا جَاءهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25)) والخائف يحتاج إلى من يؤمنه وأطعمه (الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4) قريش) آمنه وأطعمه. (قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) وصف القوم بالظلم وهذا رجل يقال أنه شعيب وهو نبي، وصفهم بالظلم بما ذكر عنهم من أفعالهم وأنهم أرادوا قتله مع أن كان فعله خطأ (فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ (15) القصص) لم يكن قاصداً قتله هذا لا يُقتل ومن أراد قتله فهو ظالم، موسى (عليه السلام) كان مصدَّقاً عن الرجل الصالح.
ذكرنا خروج سيدنا موسى (عليه السلام) من مصر متوجهاً إلى مدين ثم كيف ورد ماء مدين ووجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد امرأتين من دونهم بعيدتين عنهم تذودان أغنامهما فسقى لهما ثم دعا ربه فقال (فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24) القصص) ثم ربنا سبحانه وتعالى أعانه مباشرة فجاءته إحداهما تمشي على استحياء (الاستحياء يكون للمشي أو للقول وهذا من باب التوسع في المعنى لا توجد قرينة سياقية تحدد معنى من المعاني لكن الوقف والابتداء فيه معنى من القرائن الدالة على المعنى هو الوقف والابتداء (فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ (35) القصص) هل فلا يصلون إليكما بآياتنا؟ أو فلا يصلون إليكما، بآياتنا أنتم الغالبون؟ الوقف يحدد المعنى.) ثم جاء إلى الرجل الصالح فتحدث إليه فأمّنه الرجل وقال (قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25) القصص). إحداهما طلبت من أبيه أن يستأجره (قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26) القصص) (إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) هذه كلمة جامعة ذكرت القوة والأمانة ولا يُزاد عليهما في كل عمل وأي عمل لا يصلح من دونهما القدرة والتمكّن أي القوة والأمانة أو (الكفاية التي يسمونها الآن الكفاءة والكفاءة ليست بهذا المعنى وإنما لها معنى آخر). الناس يقولون الكفاءة وهي حقيقة الكفاية وليست الكفاءة لأن الكفاءة لها معنى آخر، الكفؤ هو النظير، الكفاءة الزواج يكون شرطه الكفاءة يعني متناظرين (وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4) الإخلاص) هي كفؤاً وحذفت الهمزة للتخفيف. الكفاءة أن يكون هذا نظير هذا ولذلك يقولون من شرط الزواج الكفاءة. في اللغة وما يستعمله القدامى في كلامهم الكفاية. الكفاية والأمانة هذان أمران. ثم نلاحظ أنه عرض عليه الزواج لبّى رغبة ابنته وهذا أنسب عرض لأن موسى محتاج إلى مأوى إلى أنيس وإلى أسرة والرجل الصالح يحتاج إلى من معين قوي وأمين. هي قالت استأجره وهو قال أزوجك إحدى ابنتي فالعبد الصالح رأى أن هذا أنسب لأن الاستئجار قد يكون متعباً له فموسى هو رجل غريب وماذا يفعل له؟ كيف يدخل؟ كيف يخرج؟ موسى حدّثه وعرف منه الرجل الصالح القوة والأمانة من تصرفاته عندما لم يكثر الكلام مع ابنتيه وعندما رأى موسى (عليه السلام) الريح تلعب بثوبها قال لها امشي خلفي ثم وجهيني، عرف من تصرفاته، ثم أعانها رغم تعبه وعنائه إذن الصفات هذه واضحة أنه قوي وأمين. إذن صاحب مدين يحتاج إلى قوي وأمين وموسى يحتاج إلى مأوى وإلى أنيس وإلى أسرة فلما كان الرجل قوياً وأميناً خطبه لابنته لأن الرجل يخطب لابنته. عندها سيدنا موسى (عليه السلام) لم يكن مكلفاً بالرسالة بعد. خيّره الرجل بين امرأتين قد رآهما هناك (قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ (27) القصص) والزواج مبدأه النظر إن هذا الأمر الأول تحقق، تخيّر. ابنته لم تمانع فإذن الموافقة حاصلة من ولي الأمر ومن المرأة ومن موسى، هذه شروط. وذكر مهر المرأة أن يشتغل عنده ثماني حجج (عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ (27)) فإذن كل أركان الزواج متحققة. ثم يشتغل عنده ثماني حجج فإن أتمها عشراً فمن تفضله وإحسانه ثم ذكر أنه لا يريد أن يستغله أو يشق عليه سيجده إن شاء الله من الصالحين في كل ما ينبغي أن يكون عليه الصلاح ليس في شيء معين أطلق الصلاح (وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (27) القصص). موسى أيضاً عنده شرط قال (قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ (28) القصص) ليس عليه حرج في قضاء أيما الأجلين ووافقا على ذلك وأشهدا الله على هذا الاتفاق (وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (28) القصص).
سؤال: لِمَ قال (فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ) وقد رأى كل منهما الأمانة في صاحبه؟
لما قال (فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ) يعني ما ترغمني على غير ذلك. فهذا عموم ما ورد في قصة موسى في مدين.
*(قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (27) القصص) أليس في الثماني حجج مشقة على سيدنا موسى (عليه السلام) فكيف قال الرجل الصالح لا أريد أن أشق عليك؟(د.فاضلالسامرائى)
الآية الكريمة (قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (27)) العقد شريعة المتعاقدين وهذا عقد ولو كان موسى (عليه السلام) يرى فيه مشقة لطلب تقصير المدة أو طلب فرصة للتفكير فالأمر يعود إلى موسى وليس لسائل السؤال ليس هو صاحب الشأن فالذي يقدر الأمر ويرى إن كان فيه مشقة أو لا هو سيدنا موسى (عليه السلام) فلو كان يرى أن فيه مشقة لقال اجعلها أربع سنين أو ست أو دعني أفكر وأذكر لك الجواب بعد أيام مثلاً. ثم إن موسى (عليه السلام) فارّ خرج من قومه خائفاً يترقب لأنه قتل أحدهم (إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (20) القصص) فوجد زوجة ومسكناً وأماناً هذه نعمة من نعم الله تعالى عليه وليس من المعقول أن القاتل الفارّ يعود لمن يتقاضاه بعد مدة قصيرة ينتظر المدة أن تطول لعلها تُنسى أو يسقط الحكم في هذه المدة. ثم إن الله تعالى ذكرها من باب المنّة على موسى (عليه السلام) (وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى (37) إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى (38) أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (39) إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى (40) طه) هذه من المنة يعني أن موسى (عليه السلام) كان مقراً بهذه المنة وما كان يرى فيها غير ذلك ولم يعتبرها موسى (عليه السلام) مشقة وإنما اعتبرها مِنّة من الله تعالى ثم صار له غنم ومال. ثم الأمر الظاهر جداً هو أنه قضى أبعد الأجلين كما في الحديث فلو كان يرى فيها مشقة ما كان يقضي أبعد الأجلين (الأبعد هو عشر حجج) لو كان يرى فيها مشقة أو حيف كان يقضي الثمانية ويذهب، لماذا قضى أبعد الأجلين؟ لأن ليس فيها مشقة ووجد حسن المعاملة من هذا الرجل الصالح ومن الراحة ومن السكن ما جعله يقضي أبعد الأجلين وليس فيها مشقة كما تصور السائل. (فَلَمَّا جَاءهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25)) موسى (عليه السلام) قصّ على الرجل الظروف التي دفعته إلى الفرار فقال له لا تخف فرعون ليس له على هذه المدينة سلطة، فالرجل الصالح أمّنه وزوّجه وجعل له عملاً مقابل مدة والمدة ليست بكثيرة وإلا اعترض موسى (عليه السلام). حينما قال (وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ) يقصد بالمشقة أن يختار موسى كما يشاء ولا يريد أن يلزمه الرجل الصالح بالمدة.
*ما معنى حجج في الآية (قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ (27) القصص)؟(د.فاضلالسامرائى)
الحجج يعني سنوات وقد ذكرنا الفرق بين السنة والعام والحجة والحول وذكرنا معناها، الحجج معناها سنوات وذكرنا في حينها سبب اختيار ثماني حجج دون ثماني سنوات. قلنا أصل الحجة من الحج القصد والزيارة ومنها حج بيت الله هذا الأصل ثم صارت العبادة المعروفة. الزائر أو الذي يقصد بيت الله لا يلبث والمفروض أن يعود لأهله وبالنسبة لموسى لم تكن مدين دار إقامة، هو فرّ من مصر وفرّ إلى مدين فهي ليست مقر إقامته الدائمة ولذلك استعمل الحجة لأنه كالزائر. لما كان الحج بمعنى القصد والزيارة استعمل حجج لأنه لم يمكث فيها وإنما عاد إلى أهله (فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ (29) القصص) كما يعود الحاج الزائر لأهله. الحجة معناها السنة ولكن الأصل معناها القصد والزيارة. لو قيل سنوات ليس بالضرورة أن نفهم أن موسى (صلى الله عليه وسلم) سيعود.
العرب كانوا يفهمون هذه المعاني وكل لكمة في القرآن لها سياقها ومعناها وهذا الكلام موجود في الكتب ويذكرون الفرق بين السنة والعام ولما يذكر في معنى أصل الحجة يذكرون معنى الزيارة.
آية (29):
*ما الفروق الدلالية بين فعل سار ومشى؟(د.فاضلالسامرائى)
السير غير المشي في اللغة ويقال سار القوم إذا امتدّ بهم السير من جهة إلى جهة معينة في الخصوص. والسير في القرآن الكريم قد يكون لغرض وفي جهة وهو إما للعظة والاعتبار أو للتجارة أو غير ذلك كما في قوله تعالى (فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله) سورة القصص فالسير هنا ممتد من مدين إلى مصر وهو ليس مشياً. وقد يكون معنى السير هو السير لفترة طويلة للعبرة والاتّعاظ كما في قوله تعالى (قل سيروا في الأرض ثم انظروا) وقد ورد هذا المعنى للسير في 11 آية قرآنية (أفلم يسيروا في الأرض) (قل سيروا في الأرض فانظروا) والسير هنا هو الامتداد وكما قلنا يكون في القرآن الكريم إما لمسافة طويلة بغرض التجارة وإما لغرض العبرة والاتّعاظ.
أما المشي فهو مجرد الانتقال وليس بالضرورة توجّه إلى هدف محدد كما في قوله تعالى (وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا).
* ما الفرق بين النبأ والخبر؟(د.فاضلالسامرائى)
النبأ كما يقول أهل اللغة أهم من الخبر وأعظم منه وفيه فائدة مهمة (وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (22) النمل) وفي القرآن النبأ أهم من الخبر (قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ (67) ص) (عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (2) النبأ). والنبأ في اللغة هو الظهور وقد استعمل القرآن الكريم كلمة خبر مفردة في موطنين في قصة موسى (عليه السلام)(قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (29) القصص) (إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا سَآَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آَتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (7) النمل) وهناك فرق بين الخبر والنبأ العظيم. وفي أخبار الماضين والرسل استعمل القرآن نبأ (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ فَذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (5) التغابن) (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (9) إبراهيم) (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآَيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ (71) يونس) (وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (120) هود).
آية (30):
*ما الفرق بين قوله تعالى على سيدنا موسى (فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا ﴿8﴾ النمل) وفي القصص (فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ ﴿30﴾ القصص) وأيضاً هناك (يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ ﴿9﴾ النمل) وفي القصص قال (يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴿30﴾ القصص)؟(د.أحمد الكبيسي)
كلمة أتى تعني من بعيد وسيدنا موسى لما رأى النار وتوجه إليها ووضع قدمه على أول الوادي في جبل الطور قال تعالى: (إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى ﴿12﴾ طه) هو من بعيد كلمة أتى في اللغة الذي يأتي من بعيد إذا كنت تنتظر زائراً ولاح لك من بعيد يقال أتى، سيدنا موسى قال (فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى ﴿11﴾ إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى ﴿12﴾ طه) سيدنا موسى خلع نعليه ثم مشى مشىمشى إلى أن وصل إلى النار قال تعالى: (إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي﴿14﴾ طه).
*قصة سيدنا موسى من حيث أوجه التشابه والاختلاف كما وردت في سورتي النمل والقصص: (د.فاضلالسامرائى)
قصة موسى (عليه السلام) وردت في أكثر من موضع في القرآن الكريم وقد أثير سؤال قديماً وقد جدد هذا السؤال أنه هنالك تشابه واختلاف بين القصتين في سورتي النمل والقصص فأحبوا أن نبين اللمسات البيانية في هاتين القصتين.
ما ورد في سورة النمل قوله تعالى (وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآَنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ (6) إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا سَآَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آَتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (7) فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (8) يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9) وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآَهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (10) إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (11) وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آَيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (12) فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آَيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (13) وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (14)) هذا كل ما ورد في النمل، القصة بكاملها.
في سورة القصص قال تعالى بما يقابل هذا المشهد (فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آَنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (29) فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (30) وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآَهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآَمِنِينَ (31) اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (32) قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (33))
من هذين النصين تتبين طائفة من الاختلافات في التعبير:
النمل القصص
إني آنست نارا آنس من جانب الطورنار
امكثوا
سآتيكم منها بخبر لعلي آتيكممنها بخبر
أو آتيكم بشهاب قبس أو جذوة من النار
فلما جاءها فلماأتاها
نودي أن بورك من في النار نودي من شاطئ الوادالأيمن
وسبحان الله رب العالمين ـ
يا موسى أن ياموسى
إنه أنا الله العزيز الحكيم إني أنا الله ربالعالمين
وألق عصاك وأن ألقعصاك
يا موسى لا تخف يا موسى أقبل ولاتخف
إني لا يخاف لدي المرسلون إنك منالآمنين
إلا من ظلم ـ
وأدخل يدك في جيبك اسلكيدك
في تسعِ آيات فذانكبرهانان
ـ واضمم إليك جناحك ممنالرّهْب
إلى فرعون وقومه إلى فرعونوملئه
إن الذي أوردته من سورة النمل، هو كل ما ورد عن قصة موسى في السورة. وأما ما ذكرته من سورة القصص فهو جزء يسير من القصة، فقد وردت القصة مفصلة ابتداء من قبل أن يأتي موسى إلى الدنيا إلى ولادته، وإلقائه في اليم والتقاطه من آل فرعون، وإرضاعه ونشأته وقتله المصري وهربه من مصر إلى مدين، وزواجه وعودته بعد عشر سنين وإبلاغه بالرسالة من الله رب العالمين، وتأييده بالآيات، ودعوته فرعون إلى عبادة الله إلى غرق فرعون في اليم، وذلك من الآية الثانية إلى الآية الثالثة والأربعين. فالقصة في سورة القصص إذن مفصلة مطولة، وفي سورة النمل موجزة مجملة. ونلاحظ أن كل تعبير يتناسب مع هذا الأمر الأول وهذه سمة عموماً الإيجاز والتفصيل.
هذا أمر، والأمر الآخر أن المقام في سورة النمل، مقامُ تكريم لموسى أوضح مما هو في القصص نذكر الموطنين لأنها ستفسر الخلافات، ذلك أنه في سورة القصص كان جو القصة مطبوعا بطابع الخوف أما في النمل فليس مطبوعاً بطابع الخوف. في القصص من أولها جو القصة مطبوع الذي يسيطر على موسى عليه السلام وأم موسى بل إن جو الخوف كان مقترنا بولادة موسى عليه السلام، فقد خافت أمه فرعونَ عليه فقد قال تعالى (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي (7) القصص)، ويستبد بها الخوف أكثر حتى يصفها رب العزة بقوله (وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغاً إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا (10) القصص) ثم ينتقل الخوف إلى موسى عليه السلام، ويساوره وذلك بعد قتله المصري (فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفاً يَتَرَقَّبُ (18)) فنصحه أحدُ الناصحين بالهرب من مصر لأنه مهدد بالقتل (فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَّبُ (21))، وطلب من ربه أن ينجيه من بطش الظالمين (قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (21)) . فهرب إلى مدين وهناك اتصل برجل صالح فيها وقصّ عليه القصص فطمأنه قائلاً (لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25))
وهذا الطابع ـ أعني طابع الخوف ـ يبقى ملازماً للقصة إلى أواخرها، بل حتى إنه لما كلفه ربه بالذهاب إلى فرعون راجعه وقال له: إنه خائف على نفسه من القتل (قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (33))، وطلب أخاه ظهيراً له يعينه ويصدقه لأنه يخاف أن يكذبوه (وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (34))
إذن الأمر في القصص أمرين التفصيل والخوف وفي النمل الإيجاز والتكريم. أصلاً في قصة النمل لم يذكر الخوف إلا في مقام إلقاء العصا ألقى العصا وخاف منها ثم ولى مدبراً (وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (10)). بينما القصص من قبل أن يأتي موسى إلى تبليغه بالرسالة وهو خائف. إذن هناك أمرين في سورة القصص التفصيل والخوف.
والمُراد من هذا كله أن النبأ أعظم من الخبر.
فاقتضى أن يكون التعبير مناسبا للمقام الذي ورد فيه. وإليك إيضاح ذلك:
قال تعالى في سورة النمل: (إِنِّي آنَسْتُ نَاراً) وقال في سورة القصص: (آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَاراً)
ذكر المكان (مِنْ جَانِبِ الطُّورِ) وذلك لمقام التفصيل الذي بنيت عليه القصة في سورة القصص.
قال في سورة النمل: (إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَاراً) وقال في سورة القصص: (قَالَ لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَاراً) بزيادة “امْكُثُوا”. وهذه الزيادة نظيرة ما ذكرناه آنفا، أعني مناسبة لمقام التفصيل الذي بنيت عليه القصة بخلاف القصة في النمل المبنية على الإيجاز.
قال في النمل: (سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ). وقال في القصص (لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ) لم يقطع. فبنى الكلام في النمل على القطع والوثوق في النفس (سَآتيكُم) وفي القصص على الترجي (لعَلّي آتيكُمْ). وذلك أن مقام الخوف في القصص لم يدعه يقطع بالأمر فإن الخائف لا يستطيع القطع بما سيفعل بخلاف الآمن. ولما لم يذكر الخوف في سورة النمل بناه على الوثوق والقطع بالأمر.
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى إن ما ذكره في النمل هو المناسب لمقام التكريم لموسى بخلاف ما في القصص.
سؤال: هذه إشكالية المشكلات ماذا قال موسى (عليه السلام) هل قال (سآتيكم) أو (لعلي آتيكم)؟
قال كليهما ونحن في حياتنا اليومية تقول أنا ذاهب في أمر لعلي أستطيع أن آتيكم قبل المغرب، لا، لا، سآتيكم قبل المغرب، إذن أنت قلت الاثنين أنت قطعت وترجيت في وقت واحد، هذا يحصل. موسى (عليه السلام) قال الاثنين لكن ربنا تعالى ذكر كل موطن في مقامه.
استطراد من المقدم: إذن يجوز لمن يحكي عني أن يقول هو قال كذا وقال كذا ولا يكذبه أحد لأنه قال الاثنين.
سؤال: قال إني آنست وهناك قال امكثوا؟
ليس فيها إشكال أحياناً تختصر الأشياء تقولها على السريع وأحياناً تفصّل. لم يذكر المكان في القصص، هذا ليس مخالفاً. نحن في حياتنا اليومية أقول ذهبت أنا إلى مكان، سافرت إلى مصر أو إلى الأردن ولقيت جماعة وأتكلم عن مشهد أحياناً أفصل كل جزئياته وقد يكون كثير من الأمور التي شاهدتها في سفري لم أذكرها لأنه ليس لها علاقة وقد أذكرها في وقت آخر، فالله سبحانه وتعالى يذكر حيث يقتضي المقام الذكر وهذا شأننا في الحياة الحادثة الواحدة تذكرها في أكثر من صورة لكنك أنت لم تكذب ولم تغير لكن كل مرة تذكر أموراً ذهبنا وتكلمنا عن كذا وكذا وعن الأبناء والأولاد وماذا حصل وأحياناً لا تذكر هذا الشيء، فما الإشكال في هذا؟
سؤال: بعض المغرضين يوجه نقداً للقرآن الكريم ويقول هذا تناقض واضح لماذا قال آنست من جانب الطور وفي مكان قال امكثوا، سآتيكم، لعلي آتيكم فماذا قال تحديداً؟
قال كليهما.
إذن أيها المناسب للخوف لعلّي أو سآتيكم؟ (لعلي) أنسب فجاء بها في مقام الخوف وفي مقام الثقة والقطع قال (سآتيكم) وقد قال كليهما.
ومن ناحية أخرى، فإن كل تعبير مناسبٌ لجو السورة ليس فقط القصة ذلك أن الترجي من سمات سورة القصص، والقطع من سمات سورة النمل عموماً كسمة عامة. فقد جاء في سورة القصص قوله تعالى: (عَسى أن ينْفَعَنا أوْ نَتّخِذَهُ وَلَدا) وهو ترَجٍّ. وقال (عَسَى رَبّي أَن يَهْدِيَني سَوَاءَ السّبيلِ) وهو ترجٍّ أيضا. وقال (لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ) وقال (لَعَلّكُم تَصْطَلونَ)، وقال (لَعَلّي أَطّلِعُ إلى إِلَهِ موسَى)، وقال (لَعَلّهُمْ يَتَذكّرونَ) ثلاث مرات قالها في الآيات 43، 46، 51، وقال (فَعَسَى أَنْ يَكونَ مِنَ المُفْلِحينَ)، وقال (ولَعَلّكُم تَشكُرونَ) هذا كله ترجّ. وذلك في عشرة مواطن في سورة القصص في حين لم يرد الترجي في سورة النمل، إلا في موطنين وهما قوله (لَعَلّكُمْ تَصْطَلونَ)، وقوله (لَعَلّكُمْ تُرْحَمونَ).
ومن ناحية أخرى إضافة إلى هذا الترجي مناسب لجو سورة القصص والقطع مناسب لجو سورة النمل المبنية أصلاً على القطع من ذلك قوله تعالى على لسان الهدهد (أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَأٍ بِنَبَأٍ يَقِينٍ (22) النمل)، وقوله على لسان العفريت لسيدنا سليمان (أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (39) النمل) وقوله على لسان الذي عنده علم من الكتاب (أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ (40) النمل) من ناحية السمة إضافة إلى ما ذكرنا فانظر كيف ناسب الترجي ما ورد في القصص، وناسب القطع واليقين ما ورد في النمل.
سؤال: هذا من حيث البيان ما ذكرناه تحت ماذا يُدرس؟
مناسبة السورة لبعضها، مناسبة الآيات، سمة تعبيرية، سمة سياقية.
استطراد من المقدم: إذن كل آية في القرآن تتناسب مع السمة العامة للسورة.
استطراد من المقدم: وأنت تتحدث سرحت بذهني كم من الوقت يستغرقكم لتحضير هذه المادة د. فاضل؟
أحياناً وقت طويل جداً أيام وأسابيع للنظر في مسألة أحياناً هكذا لأنه ليس كل ما يدور في الذهن ينقدح في رأسك فوراً وإنما يحتاج لتقليب ونظر.
سؤال: عندما سألتك لم قال هنا سآتيكم ولعلي آتيكم فقلت السمة التعبيرية العامة في السورة فلا بد أن هذه الأسئلة انقدحت في ذهنك كثيراً وأنت تبحث هذه وتعيد قراءة السورة مرات ومرات؟
نعم.
نلاحظ أنه كرّر فعل الإتيان في النمل، فقال (سَآتيكُمْ مِنها بِخَبَر أوْ آتيكُمْ بِشِهابٍ)، ولم يكرره في القصص، بل قال (لَعَلّي آتيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أوْ جَذْوَةٍ) لم يقل أو آتيكم بجذوة، فأكد الإتيان في سورة النمل لقوة يقينه وثقته بنفسه، والتوكيد دلالة على الثقة بالنفس وعلى القوة، في حين لم يكرر فعل الإتيان في القصص مناسبة لجو الخوف. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى إن فعل (الإتيان) تكرر في النمل اثنتي عشرة مرة (انظر الآيات: 7 مرتين، 18، 21، 28، 37، 38، 39، 40، 54، 55، 87) وتكرر في القصص ست مرات (انظر الآيات 29، 30، 46، 49، 71، 72) فناسب السمة التعبيرية في السورة إضافة إلى موقف الثقة بالنفس وموقف القوة والتوكيد فناسب السمة التعبيرية أيضاً.
وقال في سورة النمل (أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ) وقال في القصص (نَاراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ) الشهاب هو شعلة من النار ساطعة فيها لهب والقبس يعني تؤخذ، قبس أي أخذ إذن الشهاب هو شعلة من النار ساطعة ومأخوذة. النعبير بشهاب قبس فيها أمرين.
وأما (الجذوة) فهي الجمرة أو القبسة من النار والجمرة هي عود فيه نار بلا لهب. أيُّ الأفضل المجيء بالشهاب أو المجيء بالجمرة؟ المجيء بالشهاب أحسن من المجيء بالجمرة، لأن الشهاب يدفئ أكثر من الجمرة لما فيه من اللهب الساطع، كما أنه ينفع في الاستنارة أيضا. فهو أحسن من الجذوة في الاستضاءة والدفء، الجذوة ليس فيها هذا الشيء وربما يكون فيها دفء فقط. أيُّ يدل على الثبات واليقين والقوة؟ الشهاب القبس، إذن مناسبة لسورة النمل إذن شهاب مقبوس ليس مختلساً وليس محمولاً وإنما هو يذهب فيقبس يأتي بالشهاب بعود ويذهب إلى النار ويقبس منها ويأتي أما الجذوة يمكن أن يختلسها ويعود، ما وضح طريقة أخذ الجذوة وهذا يتناسب مع السمة التعبيرية لسورة القصص أيضاً مع الثبات والقوة بينما في النمل جو الخوف قال (جذوة). هو موسى (عليه السلام) قال الاثنين والقولان ليسا مختلفين، هو يقول لهم آتيكم بشهاب، بقبس، بجذوة إذن هو قطعاً قال الاثنين.
*ورد في القرآن الكريم ذكر عصى موسى (عليه السلام) بأوصاف مختلفة مرة جان ومرة ثعبان ومرة حية فما الفرق بينها؟(د.فاضلالسامرائى)
المعنى اللغوي للكلمات: الجان هي الحية السريعة الحركة تتلوى بسرعة، الثعبان هو الحية الطويلة الضخمة الذَّكَر، الحية عامة تشمل الصغيرة والكبيرة فالثعبان حية والجان حية. الحية عامة تطلق على الجميع أما الثعبان فهو الذكر الضخم الطويل والجان هو الحية سريعة الحركة. ننظر كيف استعملها؟
كلمة ثعبان لم يستعملها إلا أمام فرعون في مكانين (فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ (107) الأعراف) (فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ (32) الشعراء) وذلك لإخافة فرعون ثعبان ضخم يُدخل الرهبة في قلبه فذكر الثعبان فقط أمام فرعون.
كلمة الجان ذكرها في موطن خوف موسى (عليه السلام) في القصص (وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ (31)) وفي النمل (وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (10)) تتلوى وهي عصا واختيار كلمة جان في مقام الخوف (يَا مُوسَى لَا تَخَفْ) في القصص (فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ) عصا يلقيها تكون جان واختيار كلمة جان والإنسان يخاف من الجان والخوف والفزع. الجان دلالة الحركة السريعة، عصاه تهتز بسرعة. الجان يخيف أكثر من الثعبان فمع الخوف استعمل كلمة جان وسمي جان لأنه يستتر بمقابل الإنس (الإنس للظهور والجن للستر) هذا من حيث اللغة.
سؤال: كيف رآها وفيها معنى الاستتار؟ قد يظهر الجان بشكل أو يتشكل بشكل كما حدث مع أبو هريرة، قد يظهر الجان بشكل من الأشكال. كلمة (فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ) إضافة إلى أنها حية صغيرة تتلوى بسرعة إضافة إلى إيحائها اللغوي يُدخل الفزع لذلك استعملها في مكان (يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ). كلمة ثعبان أو حية لا تعطي هذه الدلالة. أناس كثيرون يمسكون الحية أو الثعبان ويقتلونها وفي الهند يمسكون بالثعبان. كل كلمة جعلها تعالى في مكانها.
الحية جاءت في مكان واحد لبيان قدرة الله تعالى (فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى (20) قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى (21) طه) لم يقل أن موسى هرب أو فزع. ذكر ثعبان مع فرعون لأنه مخيف وذكر جان مع موسى لأنها تدخل الرعب على قلب موسى. ذكر ثعبان مرتين أمام فرعون وجان مرتين أمام موسى.
سؤال: لماذا لم يذكر جان مع فرعون؟ لأنه مع الملأ الموجودين إذا كانوا مئات وتأتي بجان واحد ماذا يؤثر؟ لذا اختار ثعبان لأنه يحتاج إلى ضخامة وقوة.
آية (31):
*ما الفرق بين ذلك وذلكم في الاستعمال القرآني وما دلالة استعمال (ذانك)؟ (د.فاضلالسامرائى)
في أكثر من مناسبة ذكرنا شيئاً من هذا. طبعاً الكاف في (ذلك) حرف خطاب وقلنا حرف الخطاب في ذلك وتلك وأولئك هذا قد يطابق المخاطب ذلك، ذلكما، ذلكنّ حسب المخاطبين المشار إليه. ذلكَ المشار إليه واحد والمخاطَب واحد مفرد مذكر وذلكِ المشار إليه واحد والمخاطبة امرأة وذلكما المشار إليه واحد والمخاطب اثنين وذلكم المشار إليه واحد والمخاطب جماعة ذكور وذلكنّ المشار إليه واحد والمخاطب جماعة إناث (قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ (32) يوسف) لا يدل على جمع المشار إليه وإنما أولئك، ذانك. (أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ (22) الأعراف) هي شجرة واحدة والمخاطب اثنان والكاف هو حرف خطاب ليس ضمير خطاب. حرف الخطاب في اسم الإشارة فيه لغتان لغة أنه تجعل مطابقاً للمخاطب إذا مفرد أو مفردة أو مثنى أو جمع ذكور أو إناث ولك أن تجعله بلفظ واحد وهو الإفراد والتذكير أياً كان المخاطَب مثل ذلك إذا كانوا أربعة أو خمسة، تلك شجرة ذلكم كتاب، لك أن تقول ذلكم كتاب هذا ممكن وذلك كتاب هذا من حيث اللغة. إذن فيها لغتان إما أن نجعل حرف الخطاب بصيغة التذكير أياً كان المخاطبين مفرد مذكر مؤنث جمع أو يطابق، فيها لغتين لكن يبقى كيف استعملها القرآن؟ مرة يستعملها مفرد ومرة يستعملها جمع. في اللغة لا يسأل عنها لأنه كله جائز من حيث الحكم النحوي لكن نسأل من الناحية البيانية أحياناً يطابق وأحياناً يُفرِد، لماذا؟ هذا سؤال آخر. هناك فرق بين الحكم النحوي اللغوي والاستخدام البياني لماذا استخدم هذا بيانياً؟ هنالك أسباب عدّة لهذا الأمر من جملتها أن يكون في مقام التوسع والإطالة في التعبير والمقام مقام توسع وتفصيل وإطالة فيأتي بالحرف مناسباً لأن (ذلكم) أكثر من (ذلك) من حيث الحروف إذا كان المقام كله مقام إطالة يأتي بكل ما يفيد الإطالة لغة وإذا كان في مقام الإيجاز يأتي بكل ما في الإيجاز لغة، مثال (وَهُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُّتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انظُرُواْ إِلِى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (99) الأنعام) فيها تفصيل فقال (إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)، (وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالْنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (12) النحل) لأن المقام مقام إيجاز. صار توسع في المعنى لما عدّد أشياء كثيرة إذن صار إطالة وتوسّع فجمع (ذلكم) حتى تتلاءم مع ما قبلها. وقد يكون في مقام التوكيد وما هو أقل توكيداً: في مقام التوكيد يأتي بما هو أكثر توكيداً فيجمع وإذا كان أقل توكيداً يُفرِد، مثال: (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ (232) البقرة) هذا حُكم في الطلاق قال (ذلكم)، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (12) المجادلة) قال (ذلك) الأولى قال ذلكم وهذه قال ذلك، أيُّ الحُكمين آكد وأدوم؟ الطلاق آكد وأدوم لأنه حكم عام إلى قيام الساعة يشمل جميع المسلمين أما الآية الثانية فهي للأغنياء ثم ما لبث أيام قليلة ونسخ الحكم (فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم ())، فالآية الأولى آكد والحكم فيها عام مستمر أما الثنية فالحكم متعلق بجماعة من المسلمين ثم ألغي فالآية الأولى آكد فقال (ذلكم) ومع الأقل قال (ذلك). إذا كان عندنا مجموعتان إحداهما أوسع من الأخرى يستعمل للأوسع ضمير الجمع وللأقل ضمير الإفراد، حتى لو رجعنا للآيتين (ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ) لمجموع المسلمين وهو أكثر ومع الأقل قال (ذلك). مثال آخر (قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ) المخاطَب جماعة (قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللّهِ مَن لَّعَنَهُ اللّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُوْلَـئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَاء السَّبِيلِ (60) المائدة) (قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (72) الحج) آية فيها (ذلك) والثانية (ذلكم) أي الأكثر؟ الذين كفروا أو الذين جعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت؟ الذين كفروا أكثر، فلما كانت المجموعة أكثر جمع فقال (ذلكم) ولما كانت أقل أفرد (ذلك).
القرآن استعمل (فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ (32) القصص) المخاطب واحد وبرهانين، ذانك للمشار إليه هما برهانان والمخاطَب واحد والتعبير صحيح (ذانك) ولا يمكن أن يقول ذلك. (ذانك) أصلها ذا اسم إشارة وأحياناً نلحق بها هاء التنبيه فيصير (هذا) للمذكر وأحياناً نقول ذان، نقول هذا، هذان، وللخطاب نقول ذانك. وإذا كان مؤنث (تانك) نقول هاتان، (تانك) أصلها (تا) هذه أسماء الإشارة للمؤنث (ذي وذه وتا وتي وته) (فالمذكر ذال والمؤنث كلها تان) (قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ (27) القصص) هاتان: الهاء للتنبيه وتان اسم الإشارة.
آية (34):
*القراءات القرآنية فيها اختلاف في الإعراب مثل (تلقفْ – تلقفُ) (يصدقْنى – يصدقُنى)فهل في هذا لمسة بيانية؟ (د.فاضلالسامرائى)
لا شك أن الاختلاف هذا يفضي ويؤدي إلى اختلاف في المعنى، مثل(فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي (34) القصص) و(يصدقْني). لا شك تقول (تلقفْ) بالسكون هذه مجزومة جواب الشرط أو جواب الطلب يعني إن تلق ما يمينك تلقفْ، ادعوني أستجب، فهذا الجزم سيكون جواب الطلب الذي هو مقدّر في الشرط يعني إن تلق ما في يمينك تلقفْ، هذا الجزم. أما في الرفع (تلقفُ) يتغير المعنى ويصير إما استئناف أو حال مقدّرة “وألقِ ما في يمينك هي تلقفُ ما صنعوا”، حال مقدرة يسموها مستقبلة لأن الحال أكثر ما تكون مقارِنة قد تكون مقدرة وقد تكون محكية بحسب الزمن، الحال المحكية تكون للماضي والمقدرة للمستقبل (وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَقَ نَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ (112) الصافات) هو لم يأت بعد ولكن باعتبار ما سيكون، (لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ (27) الفتح) التحليق والتقصير يكون بعد أن يتموا العمرة وليس عند الدخول. حال محكية يتكلم عن أمر قد مضى. نضرب مثالاً لو رأيت عقرب كبيرة تقول هذه العقرب تلسع صغيرة وكبيرة، صغيرة حال وهي ماضية يعني حالة كونها صغيرة.
إذن (تلقفْ) عند الجزم تكون جواب طلب وعند الرفع تكون إما استئناف أو حال مقدرة. نضرب مثالاً من لاكم العرب: دعه يضربْه ودعه يضربُه، دعه يضربْه شخص يريد أن يضرب واحداً وأنت تمسكه وتقول له لا تضربه اتركه، دعه يضربْه يعني إن تتركه يضربه. دعه يضربُه هو يضربه الآن وواحد يريد أن يمسك الضارب عن الضرب فيقول لا دعه يضربه، الفرق بين الاثنين أنه في الأولى لم يقع الضرب وفي الثانية الضرب واقع.
(فأرسله معي ردءاً يصدقْني) إن ترسله معي يصدقْني، أو أرسله هو يصدقُني. الضبط في الشكل هذا ما يؤثر في المعنى وهذا مما تمتاز به اللغة العربية بين اللغات الأخرى.
آية (37):
*ما دلالة ظاهرة تذكير الفاعل المؤنث في القرآن الكريم مثل كلمة عاقبة؟(د.فاضلالسامرائى)
تذكير الفاعل المؤنث له أكثر من سبب وأكثر من خط في القرآن الكريم. فإذا قصدنا باللفظ المؤنّث معنى المذكّر جاز تذكيره وهو ما يُعرف بالحمل على المعنى. وقد جاء في قوله تعالى عن العاقبة تأتي بالتذكير مرة وبالتأنيث مرة ، وعندما تأتي بالتذكير تكون بمعنى العذاب وقد وردت في القرآن الكريم 12 مرة بمعنى العذاب أي بالتذكير كما في قوله تعالى (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (11) الأنعام) و(وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (84) الأعراف) و(فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (73) الصافّات). وعندما تأتي بالتأنيث لا تكون إلا بمعنى الجنّة كما في قوله تعالى (وَقَالَ مُوسَى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جَاءَ بِالْهُدَى مِنْ عِنْدِهِ وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (37) القصص).
آية (43):
*(وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (53) البقرة) ما الفرق بين الكتاب والفرقان؟ في سورة القصص (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِن بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (43)) لم يذكر الفرقان في هذه الآية وذكره في آية البقرة فلماذا؟(د.فاضلالسامرائى)
الفرقان هي المعجزات بالنسبة لموسى (عليه السلام) كالعصى والفرقان بين الحق والباطل الذي يفرق بين الحق والباطل مثل العصى والمعجزات الأخرى وهي تسع آيات. الكتاب هو التوراة والفرقان هي المعجزات التي أوتيها موسى. لكن السؤال لماذا قال في الأولى الكتاب والفرقان وفي الثانية قال الكتاب فقط؟ قلنا السياق هو الذي يحدد. الأولى جاءت في سياق الكلام عن بني إسرائيل. لكنه قال (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ (40) البقرة) أما الثانية فقال (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِن بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ) من الذي شاهد الفرقان؟ شاهده بنو إسرائيل وفرعون الذين كانوا حاضرين لكن الناس الآخرين لم يشاهدوا هذا الشيء فلما قال بصائر للناس لم يقول الفرقان لأنهم لم يشاهدوا هذا الشيء لكن لما خاطبهم قال (لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) كان الخطاب لهم هم الذين شاهدوا فلما تكلم مع بني إسرائيل خصوصاً قال الكتاب والفرقان، لما قال بصائر للناس قال الكتاب، الفرقان ذهب وبقي الكتاب والكتاب بصائر للناس وكثير من الناس لم يشاهدوا هذه المعجزات الذين شاهدها هم الحاضرون والباقون لم يشاهدوها. هو يريد أن يركز لذلك يختار الكلمات بحيث المراد منها ففي قصة إبراهيم (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (24) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ (25) فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاء بِعِجْلٍ سَمِينٍ (26) الذاريات) قال مكرمين ولما قال مكرمين اقتضى أن يقول قال سلام رد التحية بخير منها وجاء بعجل سمين فقربه إليهم ولما قال (وَنَبِّئْهُمْ عَن ضَيْفِ إِبْراَهِيمَ (51) إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُواْ سَلامًا قَالَ إِنَّا مِنكُمْ وَجِلُونَ (52) الحجر) لم يذكر أنه رد التحية ولم يذكر أنه جاءهم بعجل. فالمناسب للمكرمين أن يرد التحية ويأتي بطعام. لما قال مكرمين ذكر هذا الشيء ولما لم يذكر مكرمين لم يذكر هذا الشيء وسارت القصة في مقام آخر غير مقام الإكرام. مرة يقول بعجل حنيذ ومرة سمين لأن حنيذ غير سمين وإلا لماذا قال تعالى (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ (29) ص)؟ إذا كان الكلام مجرد سرد فلماذا نتدبر آياته ومن أين يأتي التدبر ومن أين يستنبط؟! في كل قرن تأتي أمور لم يعلمها أهل القرن السابق.
آية (56):
*في القرآن آية تتكرر دائماً (اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ (56) القصص) (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴿52﴾الشورى) ما دلالتها؟(د.أحمدالكبيسى)
كلمة يهدي يدل على الطريق أنا هديتك لكن أنت لم تقتنعي ، رسول من رب العالمين رسول جاء بشرع جاء بتوراة بإنجيل بزبور بقرآن بصحف لكن قلت لا أنا أتبع فلان فيلسوف أعبد لي صنم أعبد لي حجر فرب العالمين هداك بعث لك من يدلك على الطريق فالهداية هناك دلالة وهناك إتباع الدلالة الله يقول لمحمد (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴿52﴾الشورى) ترسم الطريق الصحيح هذه هداية اهتداء، هداية طريق هذا الطريق الصحيح لكن كونك أنت تهتدين أو لا هذه ليست مسؤوليته (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ ﴿56﴾ القصص) فحينئذٍ يا ابنتي رب العالمين بعث لك شخص دلك وأنت لم تصدقيه في غيرك صدقوا هي هكذا الحكاية.
آية (56):
*ما الفرق بين قوله تعالى (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (56) القصص) و (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52) الشورى)؟(د.حسامالنعيمى)
الإشكال الذي قد يتبارد إلى ذهن بعض القراء لكتاب الله سبحانه وتعالى متأتٍ من اختلاط معنى كلمة الهداية فيقول لك: مرة يقول الله سبحانه وتعالى مخاطباً رسوله (صلى الله عليه وسلم)(إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء)وفي موضع آخر يقول (وكذلك أوحينا لك وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم). هنا (إنك لتهتدي) بالتأكيد بـ (إنّ) والتأكيد باللام (لام المزحلقة). لام المزحلقة هو مصطلح نحوي: هي لام التوكيد المفروض أن تكون في البداية لكن لما جاءت (إنّ) المفروض أن تقول: زيدٌ مجتهدٌ، لزيدٌ مجتهد هذا للتوكيد، تأتي (إنّ) لا يجتمع المؤكدان في مكان واحد، (إنّ) أقوى لأنها حرف مشبه بالفعل فتُزحلق اللام إلى الخبر فيقال: إن زيداً لمجتهدٌ. هي لام ابتداء فزُحلِقت.
هناك توكيد، هنا: (إنك لا تهدي من أحببت) لما ننظر في الآيات التي تحيط بهذه الآية: الكلام على حال الرسول (صلى الله عليه وسلم) وهو يرغب ويحرص على إسلام قومه، على إيمان قومه، وهو بذل معهم جهداً عظيماً في دعوتهم فهم قوم الإنسان حبيبون إلى قلبه فما بالك إذا كان هذا الإنسان هو رسول الله (صلى الله عليه وسلم)؟ علاقة حبٍ بينه وبين كل الكون. فلما ننظر في الآيات نجد أن الكلام على قومه. تقدّم الكلام على أهل الكتاب (وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (51) الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ (52) وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ (53) أُوْلَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُون (54)) أهل الكتاب إذا دخلوا في الإسلام يؤتون أجرهم مرتين،، (وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُون (54) وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ (55)) هنا الرسول (صلى الله عليه وسلم) يتشوق إلى إسلام قومه من غير أهل الكتاب فيقال له – وهي كأنها لمسة حنان لقلب الرسول (صلى الله عليه وسلم)- (إنك لا تهدي من أحببت) يعني ليس من شأنك أو من دأبك، أو من مهمتك أنك تهدي من تحب، أنت تحب قومك لكن فعل الهداية هذا ليس من صلاحياتك. (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (56) وَقَالُوا إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِن لَّدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (57)) إذن هذا الكلام على قومه (صلى الله عليه وسلم) الذين مكّن لهم الله سبحانه وتعالى حرماً آمناً، هم أهل مكة فهو حريص عليهم. إذن فمن أين جاء هذا التفريق لا تهدي ولتهدي بالتأكيد؟. يقول علماء اللغة أصل معنى الهدى الإرشاد والبيان والتوجيه. هذا الأصل، لذلك لما أراد أبو بكر رضي الله عنه أن يورّي، لما شوهد هو والرسول (صلى الله عليه وسلم) قال: هادٍ ليهدني الطريق، ففُهِم منه أنه مرشد للطريق هذا، يرشده للطريق. لكن الاستعمال أعطى اللفظة أكثر من معنى، يتبين هذا المعنى الخاص في كل مرة من خلال نسق العبارة، من خلال سياقها، فقالوا إذن الهدى هُديان: هدى بمعنى الإرشاد والبيان وهذا مستعمل في القرآن الكريم (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (17) فصلت) معناه هنا الهدى البيان أي بينا لهم طريق الحق، طريق الخير ومع ذلك استحبوا العمى على الهدى. الله سبحانه وتعالى إذا هدى إنساناً إلى الإيمان لا يتحوّل فإذن المراد بهديناهم هنا بيّنا لهم الطريق. هذا المعنى هو الذي استعمل في قوله (وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم) أنت تبيّن للناس طريق الشريعة وطريق الهداية، مهمتك البيان والإرشاد (وإنك لتهدي). والمعنى الثاني للهداية هو إيصال الهدى إلى القلب بمعنى إيصال الإيمان إلى القلب. وإيصال الإيمان إلى القلب لا يملكه أحد سوى الله سبحانه وتعالى بهذا المعنى جاء (إنك لا تهدي من أحببت) بمعنى أنك لا تستطيع أن توصل ثمرة الإرشاد الذي هو الإيمان إلى قلوب الناس، وإنما هذا من فعل الله سبحانه وتعالى (ولكن الله يهدي من يشاء) الإيصال لله. إذن صار للهدى معنيان: المعنى الأول هو الإرشاد، والإرشاد هو مهمة الرسول (صلى الله عليه وسلم)واستعمل بهذا المعنى في آية أخرى كما قلنا (أما ثمود فهديناهم) أي أرشدناهم، و (وهديناه النجدين) وضحنا له الطريقين، أرشدناه إلى الطريقين. (إنك لتهدي) أي إنك لترشد إلى طريق الهداية، هذا جزء من مهمته بل هو أهم مهمة من مهمات الرسول (صلى الله عليه وسلم) هو الإرشاد والبيان. المعنى الآخر هو إيصال الهداية إلى القلب بحيث ينبني عليها الإيمان، هذا لا يملكه بشر بل لا يملكه مخلوق وهذا المقصود من قوله تعالى (إنك لا تهدي من أحببت) إنك تحب أن توصل الإيمان إلى القلب لكن هذا ليس لك والذي لك هو مجرد البيان والإرشاد فليس هناك تعارض.
هناك شيء (إنك لا تهدي من أحببت) ما قال: إنك لن تهدي. لو قال إنك لن تهدي أولاً يكون المعنى للمستقبل (يمكن أن تهدي الآن أو أنك هديت) هذا أمر والأمر الآخر لما يقول (إنك لا تهدي) هذا بيان لحقيقته، لصفته، بينما لما يقول : إنك لن تهدي يدفع الفعل للاستقبال فقط. هو لا يريد أن يدفعه للاستقبال فقط وإنما يريد أن يبين حقيقة. عندما يريد أن يبين حقيقة يستعمل (لا) (إن الله لا يصلح عمل المفسدين) لا يقول لن يصلح عمل المفسدين لأنها مستقبل لكن لما يقول (لا يصلح) لأن هذا فعل الله عز وجل في الماضي والحاضر والمستقبل. هذه حقيقة يعني إذا أراد أن يعبر عن حقيقة شيء، لما نقول هذه حقيقة يعني حقيقة ثابتة تشمل الماضي والحاضر والمستقبل (إن الله لا يصلح عمل المفسدين) ما قال لن يصلح صحيح (لن) فيها معنى التأكيد لكن (لا) هنا أثمر لأنها تثمر النفي في الماضي والحاضر والمستقبل، لأنها تبين حقيقة، فكذلك هنا (إنك لا تهدي من أحببت) يعني ليس من حقيقتك، ليس من شأنك أن توصل الهداية إلى قلوب الناس فيؤمنون.
ما قال لن تهدي كما قال (فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا) لأن هذه غير. فإن لم تفعلوا هنا نفى عنهم الفعل في الماضي لأن طولبتم بهذا، كانوا مطالبين (لن تفعل) للماضي لأن (لم) حرف جزم ونفي وقلب، لما نقول لم يكتب نفيت عنه الكتابة وجزمت الفعل من حيث النحو ومن حيث المعنى هو الجزم يعني مؤكد وقلب يعني تقلب معنى الفعل الحاضر إلى الماضي. (فإن لم تفعلوا) يعني ما فعلتم (ولن تفعلوا) في المستقبل لا يكون منكم هذا الفعل لأنهم كانوا طولبوا. أما في الآية فالرسول (صلى الله عليه وسلم) ليس هناك مطالبة أنه هدى في الماضي أو ما هدى فنفاه على الحقيقة كما قال (إن الله لا يصلح عمل المفسدين) و (إن الله لا يغير ما بقوم) هذه حقيقة ليست في الماضي ولا المضارع ولا المستقبل وإنما حقيقة. دلالة (لا) مع المضارع دلالة على حقيقة الشيء ولما نقول حقيقة الشيء أي هو هكذا، وجوده هكذا، فيشمل الماضي والحاضر والمستقبل.
مجيء (لا) هنا فيها فائدتين ولم يقل (لن) مع أن (لن) فيها معنى التأكيد، والزمخشري نُقِل عنه أنه قال التأبيد.
سؤال: (ولكن الله يهدي من يشاء) المشيئة على من تعود؟
الأمر ليس بالصعوبة التي يتصورها الناس ونعيد ما قلناه قديماً: نقول الله سبحانه وتعالى مالك الملك فإذا فعل شيئاً في ملكه لا يُسأل، هو يتصرف في ملكه فلا تسأله عما يفعل في ملكه جلّت قدرته. هذا المبدأ الأول، والأمر الآخر أن الله سبحانه وتعالى قادر على أن يشاء إضلال كل من خلق ولا يُسأل وقادر على هداية كل من خلق ولا يُسأل وقادر على أن يمنح من خلق حرية الاختيار أن تكون لهم مشيئة. نحن من أين نعلم أننا من أي صنف؟ ممن شاء الله سبحانه وتعالى لنا أن نضل أو ممن شاء الله لنا أن نهتدي أو ممن شاء الله لنا أن نكون مختارين؟ لا ندري. لكن إرسال الرسل ومجيء الكتب معهم والتذكير والتنبيه والإلحاح في طلب الهداية معناه أنه أنت في الخانة التي هي ضمن مشيئة الله عز وجل في أنك ستختار. لنتصور أن هناك ثلاث خانات: خانة للمهتدين وهم الملائكة، وخانة للضالين وهم الشياطين، وخانة شاء الله سبحانه وتعالى أن يجعلهم هنا (وما تشاؤون إلا أن يشاء الله) إلا أن يشاء الله لك أن تكون ذا مشيئة، يضعك في الخانة الوسط فإذا كنت في الخانة الوسط لا تعتقد أنك تتصرف من غير إرادة الله سبحانه وتعالى إنما أنت تقدِّم. الإنسان يقدم أسباب الضلال وقد يحجبه الله سبحانه وتعالى عن الوصول إلى نهاية الضلال – له ذلك سبحانه – يقدم أسباب الهداية وقد يحجبه الله عز وجل عن الوصول إلى نهاية الهداية، لا يُسأل، فمن هنا يأتي ربط المشيئة كاملة بالله سبحانه وتعالى لكن الإنسان مطالب بأن يقدم أسباب الهداية ويتشبث بالخضوع لله سبحانه وتعالى أن يوفقه للوصول إلى آخر طريق الهداية. ولذلك (ولكن الله يهدي من يشاء) يشاء هنا تحتمل المعنيين: المعنى الأول الذي يمضي في مشيئته نحو الهداية والمعنى الآخر الذي يشاء الله سبحانه وتعالى له أن يصل إلى نهاية طريق الهداية حتى لا ننفصل عن قدرة الله عز وجل وعن الخضوع لله سبحانه وتعالى والإنسان يقول أنا اهتديت بنفسي، كلا. أنت قدمت أسباب الهداية لكن ما كان لك أن تصل لولا مشيئة الله سبحانه وتعالى لكن لا تتوقع أن تقدم أسباب الضلال وتصل إلى نهاية الهداية. الشيء الطبيعي أن الإنسان إذا اتخذ أسباب الضلال سيصل إلى نهاية الضلال وإذا اتخذ أسباب الهداية سيصل إلى نهاية الهداية بتوفيق الله سبحانه وتعالى ومن هنا نفهم (مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا (79) النساء) لأنك في الحالين قدمت الأسباب لكن ما كنت تستطيع أن تصل إلى نهاية الخير لولا مشيئة الله سبحانه وتعالى. هذه صورة موجزة مختصرة ميسّرة.
آية (59):
*قال تعالى في سورة الأنفال (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33)) وفي آية أخرى قال تعالى (وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ (59) القصص) كيف نطبق القاعدة؟(د.فاضلالسامرائى)
وجود الرسول (صلى الله عليه وسلم) بينهم مانع للعذاب لكن هذا المنع موقوت ببقاء الرسول (صلى الله عليه وسلم) فيما بينهم أما الاستغفار فقد جعله الله تعالى مانعاً ثابتاً والاستغفار يدفع العذاب (وما كان الله معذبهم) بقاء الرسول (صلى الله عليه وسلم) بينهم متغير ولو تركهم حق عليهم العذاب. ونلاحظ من كرم الله تعالى ما قال (وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون) ربنا يدفع العذاب ولو لم يكن الاستغفار صفة ثابتة فيهم لأن رحمته واسعة تسع كل شيء . وفي آية أخرى قال تعالى (وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ (59) القصص) إذا كان الظلم صفة ثابتة يفضي بهم إلى الهلاك لكن في الاستغفار حتى لو لم يكن ثابتاً يغفر الله تعالى من رحمته.
آية (71):
*ما دلالة الاختلاف في الفاصلة بين الآيتين(قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاء أَفَلَا تَسْمَعُونَ (71) القصص) والآية بعدها (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (72) القصص)؟(د.فاضلالسامرائى)
لما كان الأمر يأتي عن طريق السماع قال: (أَفَلَا يَسْمَعُونَ) ولما كان الأمر مشاهداً يأتي عن طريق المشاهدة قال أفلا يبصرون. ذكرنا سابقاً قوله تعالى (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاء أَفَلَا تَسْمَعُونَ (71) القصص) لما ذكر الليل قال أفلا تسمعون لأن الليل سرمد لا يُرى فيه والآية بعدها (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (72) القصص) لما ذكر النهار قال أفلا تبصرون وعندما ذكر الليل قال أفلا تسمعون.
*لم قدم السمع على البصر فى الآيتين (71)-(72)؟(د.فاضلالسامرائى)
في القرآن الكريم غالباً يتقدم السمع على البصرلأن من يسمعك أقرب إليك ممن يراك، أنت ترى النجوم والكواكب والشمس والقمر وترى رجلاً من بعيد ولا تسمع صوته (قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى (46) طه) يشعر بالقرب والطمأنينة وفي مجال الدعوة والتبليغ السمع أهم من البصر. كما فى الإسراء كان في الليل والليل أداته السمع وليس البصر وقال تعالى (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاء أَفَلَا تَسْمَعُونَ (71) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (72) القصص) مراعاة الحالة فناسبت الكلمة المسرح الذي تتحدث عنه. إذن تقديم السمع أولى من كل ناحية.
ذكرنا فيما ذكرنا أن القصة في سورتي النمل والقصص كل منهما له طابع فذكرنا أنه في سورة القصص مقام تبسّط وتفصيل وفي النمل الإيجاز، هذا أمر يطبعهما وفي القصص مقام الخوف كان مسيطراً على القصة في جوانب متعددة من قبل ولادة موسى إلى الآخر وأما في النمل فهي في مقام التكريم والتشريف ولم يذكر الخوف بالنسبة لموسى إلا في مقام واحد وهو إلقاء العصا. هذان الأمران طبعا القصة إلى حد كبير وذكرنا جملة من التشابه والاختلاف (سآتيكم – لعلي آتيكم/ بشهاب قبس، جذوة).
آية (80):
*(وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ (80) القصص) ويلكم ثواب الله خير لماذا لم يقل أوتوا التقوى؟ هل لأن أهل العلم الشرعي بالذات لديهم بصيرة ونور أكثر من أهل التقوى والصدق؟ أم هم الأقدر تمييزاً في هذا الاختيار المصيري بين الدنيا والآخرة؟ فهل يحق لي كطالبة علم أن أتفكر في بعض الآيات وأسأل أهل العلم؟(د.فاضلالسامرائى)
يجوز أن تفكر وتسأل.
العلم بأحوال الدنيا والآخرة. ذكر أوتوا العلم مناسب لما ادّعاه قارون (قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي (78) القصص) لأنه ادعى أن ما حصل عليه من علمه, لكن هذا العلم الذي عنده أورده موارد الهلكة,فهؤلاء الآخرون الذين أوتوا حق العلم هم الذين يعرفون ماذا كان ينبغي أن يكون وليس العلم الذي ادعاه قارون حتى أورده موارد الهلكة، فعلم هؤلاء بمقابل علم هذا الشخص الذي ادّعاه لنفسه. هذا أمر والأمر الآخر هو ذكر الذين أوتوا العلم ولم يذكر التقوى لئلا يُظن أن التقوى هي نقيض العلم, لو قال التقوى معناه العلم لا ينفع. لو لم يذكر العلم وقال التقوى ستصبح التقوى بمقابل العلم لكن التقوى ليست بمقابل العلم,العلم أيضاً يأتي بالتقوى وليس نقيضاً لها كأن معنى أن الذي أوتي العلم يريد الهلكة لكن المتقي ينجو من ذلك والأمر ليس كذلك الذي يعلم حق العلم هو الذي ينجو لأن المؤمن والمتقي قد لا يكون عالماً وإذا لم يكن عالماً قد يقع في جهله ويقع في أمور هو لا يعلمها لكن الراسخون في العلم الذين يعلمون حق العلم هم المتقون فعلاً كما قال تعالى (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء (28) فاطر) ذكر العلم لأن هؤلاء هم المتقون حقاً وكلمة أوتوا العلم لم ترد في جميع القرآن إلا في المدح والثناء. إذن هذا الذي أوتي العلم حق العلم هو متقي وهو مؤمن (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء) (إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا (107) الإسراء) إذن الذين أوتوا العلم يعني يعلمون حق العلم ماذا كان ينبغي أن يفعل، الذي ضلّ لم يؤتى حق العلم هذا ورد موارد الهلكة أنه لم يعلم حق العلم ولو علم حق العلم لخشي (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء) إذن الذين أوتوا العلم ويعلمون بأحوال الدنيا والآخرة هم الذين قالوا.
آية (82):
*(وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَن مَّنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (82) القصص) ما المعنى الدقيق لكلمة (ويكأن) وهل هي كلمتان وي وكأن؟(د.فاضلالسامرائى)
قال تعالى في خواتيم سورة القصص (وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَن مَّنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ {82}).
وي: اسم فعل مضارع بمعنى أعجب، كأن: للتشبيه. وقد وردت في سورة القصص مرتين في قصة قارون عندما خسف به الله تعالى الأرض فقال القوم هذه الكلمة وكأنهم لا يتصورون هذه الخاتمة فتعجبوا لمصير قارون فجاءت كلمة (وي) التي تدل على المبالغة في التعجب وهي من أسماء الأفعال فيها مبالغة وتعجّب إضافة إلى المبالغة، فالأمر الذي كان غائباً عن ذهنهم وجدوا أمامهم فقالوا عجباً لهذا الأمر.هم تمنوا بالأمس ما كانوا يتوقعون ما يحصل له قسم قال معناها لأنه لا يفلح الكافرون. ويكأن (وي) معناها أعجب هذا هو المشهور أنها كلمتان (وي) و(كأن) وكأنها تعمل عمل (إنّ) قسم يقول بمعنى لأن وقسم يقول على حالها لأنهم ما كانوا يتوقعونها كأن ربنا هكذا يريد ربنا هكذا يعمل.
هل تستخدم (ويكأن) في حالة معينة؟ نحن نستعملها فيما يدعو للعجب. وي نستعملها في العامية وحتى في العامية العراقية نقول وي وي يعني عجباً عجباً. ليس شرطاً أن تدخل (وي) على (كأن) وليس بنيهما ارتباط. (وي) إسم فعل مضارع بمعنى أعجب.
آية (85):
*ما اللمسة البيانية في الآية (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ (85) القصص)؟ وما دلالة كلمة معاد؟ ولماذا لم يقل ميعاد؟(د.فاضلالسامرائى)
المعاد غير الميعاد. المعاد هو بلد الرجل من العَوْد، نعاد اسم مكان بلد الرجل معاده لأنه يسافر ثم يعود. هناك فرق بين المعاد والميعاد: المعاد من عاد والميعاد من وعد (مفعال – موعاد) أصلها موعاد سكن حرف العلة وقبلها كسرة فيصير ميعاد. إذن المعاد من عاد من العوْد اسم مكان، المعاد هو البلد بلد الإنسان هو معاده، البلد الذي يعيش فيه لأنه مهما ذهب يعود إليه فهو معاده (إلى معاد) يعني لرادك إلى مكة، الآية نزلت في الجحفة هي بشارة أنه (صلى الله عليه وسلم) سيعود إلى مكة فالمعاد هو من العوْد من عاد يعود والميعاد من عاد، الميعاد هو الموعد (إِنَّ اللّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (31) الرعد) يعني لا يخلف الموعد ولا يصح أن يقال لا يخلف المعاد. (إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ (81) هود) هذا موعد من ميعاد، (حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللّهِ إِنَّ اللّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (31) الرعد) (وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ (47) الحج). قسم قال المعاد هو الحشر والجنة باعتبار الناس يعودون أو الجنة لأنه تعود إليهم حياتهم. نقول نعود إلى المعاد في الميعاد.
آية (86):
*ما دلالة كلمة يُلقى في قوله تعالى في سورة القصص(وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَالْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرًالِلْكَافِرِينَ (86))؟(د.حسامالنعيمى)
الرسول (صلى الله عليه وسلم) كان أمياً وكان (صلى الله عليه وسلم) يعلم أن اليهود عندهم كتاب والنصارى عندهم كتاب. الأمي هل يتوقع أن يكون نبياً؟ ما دام هناك كتب وهو لم يكن يقرأ فما كان يتصور أن يكون نبياً لكن هناك منفذ لم يكن يتخيله (صلى الله عليه وسلم) وهو أن يلقى القرآن إليه شفاهاً ما كان يتوقعه فإذن هنا يُلقى إليك ليس بمعنى يرمى إليك وإنما من الإلقاء. نحن إلى الآن نستعملها نقول: ألقى فلاناً قصيدة جميلة يعني قرأها على مسامعنا شفاهاً. الآية تبين أنه (صلى الله عليه وسلم) لم يكن يأمل أو يتوقع أن يكون رسولاً ينزل عليه كتاب وهو الأميّ الذي لا يقرأ ولا يكتب ولكن الله سبحانه وتعالى أكرمه بأن جعل الكتاب يُلقى إليه إلقاء فيسمعه ويبلّغه أمّته. قال تعالى (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (85) وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِلْكَافِرِينَ (86)). ما كان يرجو (صلى الله عليه وسلم) أن يكون نبياً لكن هذا المنفذ فوجئ به (صلى الله عليه وسلم) أن القرآن ألقي إليه إلقاء وهذا ينسجم مع ما ورد في الإنجيل أن أتباع النبي الخاتم أناجيلهم في صدورهم يحفظونها حفظاً. ولاحظ ليس هناك كتاب يُحفظ غير القرآن. أناجيلهم في صدورهم أي قرآئينهم في صدورهم وهذا ما لا يمحى أو يُحرّف.
*في قوله تعالى (لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ (88) القصص) أين المستثنى والمستثنى منه؟ وما إعراب كلمة (وجهه)؟ (د.فاضلالسامرائى)
في الآية (كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) الوجه هو شيء ربنا سبحانه وتعالى سمى نفسه شيئاً فقال (ليس كمثله شيء). فإذن المستثنى ظاهر (كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) يعني الوجه مستثنى من الشيء، المستثنى هنا ظاهر (شيء) والمستثنى منه (وجهه) يعرب مستثنى منه منصوب بالفتحة.