سورة العنكبوت
آية (1):
*السور التي فيها أحرف مقطعة ولم يرد بعدها ذكر كلمة الكتاب ولا القرآن: (د.حسام النعيمى)
هذه الظاهرة موجودة في خمس سور تبدأ بالأحرف المقطعة وليس وراءها مباشرة لا ذكر قرآن ولا ذكر كتاب. لكن لما تتلو السورة كاملة ستجد في داخلها ذكراً للكتاب والقرآن أو الكتاب وحده أو القرآن وحده أو الذكر، هذه مسألة. والمسألة الثانية هي جميعاً في نهايتها كلام على القرآن فكأنها تأخذ الأول والآخر، في البداية (الم) وفي الآخر كلام على القرآن أو الذكر أو حديث عن هذا الذي أُنزل على الرسول (صلى الله عليه وسلم) فيكون جمعاً بين الاثنتين، والنقطة الثالثة لكا يكون عندنا 29 موضعاً، 24 منها بهيئة معينة، الخمسة الباقية تكون محولة على الكثير تُفهم من خلال الكثير. لما عندي مجموعة من الطلبة يقرأون القرآن تقول للأول ابدأ فيقرأ فتلتفت إلى شخص تقول له يا زيد أكمل فيُكمِل ثم تلتفت لآخر وتقول يا عمرو أكمل فيُكمِل فلو استعملت يا فلان أكمِل 24 مرة ألا يسعك بعد ذلك أن تقول يا فلان ويفهم أنه أكمِل؟! لا تقول له يا فلان أكمِل لأنك قلتها 24 مرة فتكتفي أن تقول يا فلان فيعلم من ذلك. لما يكون 24 موضعاً فيها بعد الأحرف المقطعة القرآن أو الكتاب، هذه الخمسة تابعة لها ولا سيما إذا أضفنا إلى ذلك أن القرآن أو الكتاب ذُكِر في داخل السورة وأنه جاء في الآخر.
النماذج:
سورة مريم (كهيعص (1) ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2)) قد يقول قائل أن الآية ليس فيها ذكر الكتاب وإنما ذكر الرحمة لكن لما نمضي في السورة نجد (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا (16)) ذكر الكتاب وفي نهاية السورة (فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا (97)) ما الذي يسّره بلسانه؟ واضح أنه القرآن فإذن ختمت السورة بكلام على القرآن.
سورة العنكبوت (الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (2)) لم تذكر الكتاب والقرآن مباشرة لكن لما نمضي نجد أنه يقول (وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآَيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ (47) وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ (48)) وفي نهاية السورة (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ (68)) ما الحق الذي جاء به الناس؟ القرآن إذن إشارة إلى القرآن.
سورة الروم (الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3)) لا يوجد قرآن ولا كتاب ولما نمضي نجد فيها (كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (28)) وفي الختام (وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآَنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآَيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ (58)).
سورة الشورى (حم (1) عسق (2)) بعدها مباشرة (كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3))) ماذا يوحي؟ يوحي القرآن. مع ذلك يقولون لم يذكر قرآن ولا كتاب وإذا جئنا إلى نهاية السورة (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52)) ذكر الكتاب.
سورة نون (ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ (1)) ذكر القلم مباشرة (وما يسطرون) وفي الداخل (إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آَيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (15)) وفي الآخر (وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ (51)) والذكر هو القرآن. ماذا سمعوا؟ الذكر والذكر هو القرآن.
فإذن السور الخمس جاء في داخلها القرآن وختمت بكلام على القرآن أو الكتاب إما صريح وإما بإعادة الضمير أو استعمال الذِكر فإذن ربط الأول والآخر.
القرآن مؤلف من هذه الأحرف ولا سيما في 29 موضعاً وهذا مذهبنا في ذلك اختيارنا لما قاله علماؤنا القدماء لأن القدماء عندهم أكثر من رأي وهذا رأي من آرائهم. الذي تكلمنا فيه هو مسألة ما كان آية وما لم يكن آية وهذا من جهدي، ولِمَ جاءت الكتاب هنا والقرآن هنا والعلاقة بين المقاطع هذا من الجهد الشخصي ولا يبعد أن نجد من قاله من القدماء كما قال عنترة:
هل غادر الشعراء من متردّم أم هل عرفت الدار بعد توهّم
قد تقول وصلنا إلى هذا الأمر بجهد جهيد ثم تجد في حاشية من الحواشي أن أحد العلماء نبّه إلى هذه المسألة ولكن بقدر ما اطلعت عليه ما وجدته.
آية (3):
*ما دلالة استخدام صيغة اسم الفاعل في كلمة الكاذبين والمنافقين في سورة العنكبوت؟(د.فاضل السامرائى)
قال تعالى في سورة العنكبوت: (وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ {3}) و (وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ {11}) فجاءت (الذين صدقوا) و(الذين آمنوا) بصيغة الفعل وجاءت كلمة (الكاذبين) و(المنافقين) بصيغة اسم الفاعل. هناك قاعدة في اللغة أن الاسم أقوى وأثبت وأدوم من الفعل. والآية نزلت في قوم قريبي عهد بالدين والتكاليف، (الذين صدقوا والكاذبين) الكاذبين هم الأصل أي الكفرة فهل صدقوا إيمانهم أم بقوا على حالهم؟ الكلام في عموم المنافقين الذي أحدث إيماناً.
آية (5):
*ما دلالة كلمة (لآت) في قوله تعالى في سورة العنكبوت (من كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله لآت) وهل هي جواب الشرط؟ (د.فاضل السامرائى)
قال تعالى في سورة العنكبوت: (مَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ {5}) وقال في سورة الكهف (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً {110}). كلمة (ليعمل) في آية سورة الكهف هي جواب الشرط أما في آية سورة العنكبوت فكلمة (لآت) هي إجابة عامة وليست للشرط فقط والمقصود بها إرادة العموم وهناك في القرآن أمثلة كثيرة على هذا النمط مثل قوله تعالى (مَن كَانَ عَدُوّاً لِّلّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ {98} البقرة) لا يكون الجواب منحصراً بالشخص المذكور ولكن تأتي للعموم وهي أشمل كما جاء في قوله تعالى في سورة الأعراف (وَالَّذِينَ يُمَسَّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ {170}) جاءت للعموم ولم يقل تعالى (لا نضيع أجرهم) للأفراد وكلمة أجرهم تفيد أن المذكورين دخلوا في المصلحين. إذن كلمة (لآت) في آية سورة العنكبوت تجمع بين من كان يرجو لقاء الله ومن لم يكن يرجو لقاء الله جميعهم على وجه العموم.
د.أحمد الكبيسي:
الفرق بين (وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا) والآية الأخرى (وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا) لتشرك وليس على أن تشرك وهو في سؤال في غاية الوجاهة من حيث أن هذا الأسلوب القرآني تكرر عدة مرات بل قد يكون عشر مرات في الكتاب العزيز. ولا بد أن نعرف ما الفرق (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ ﴿32﴾ التوبة) (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ ﴿8﴾ الصف)؟ وهكذا آيات كثيرة. الفرق بين هذا وذاك: عندما يأتي الفعل يريد وبعده أن وفعل آخر هذا إعلان الإرادة أريد أن أعلمك فقط أعلن نيتي أنا ما علمتك بعد، عندما أريد أن أعلمك أريد أن أعاقبك أريد أن أجزيك كل هذا إعلان للفعل أنا سأفعل هذا, هذا وعدٌ سواء كان وعداً أو تهديداً أو تكريماً أو ما شاكل ذلك أريد أن أفعل كذا. إذا أقول أريد لأفعل كذا باللام المضمرة معناها إني قد اتخذت الأسباب وباشرت الفعل لما أقول أريد أن أعلمك هذا بعد ما بدأنا وعد أريد لأعلمك يعني أنا أحضرت الدفاتر والأوراق والكتب وفرشتها تعال اجلس، قلت ماذا تريد مني؟ أريد أن أعلمك أريد لأعلمك هذا في كل الآيات (وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي) يعني يحاولون يا ابن الحلال أنت لازم ترجع من الإيمان وتعبد الأصنام كما هو أسباب النزول فقط إعلان أننا لا بد سنفعل ما نستطيع لكي ترجع من دينك إلى الشرك هذا (وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى). (وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي) خلاص جاؤوا واستعملوا كل أساليب الترهيب والترغيب إذا ترد عن الإسلام نعطيك هكذا إذا ما ترد نعذبك جدال (مَا يُجَادِلُ فِي آَيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا ﴿4﴾ غافر) حشدنا الحشود أحضرنا أقاربك اتخذنا أسباب كثيرة وهكذا (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ) هذا تهديد وعد إعلان. (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ) هذا اتخذوا الأسباب الكاملة. فكل الأفعال على هذا النسق، مثلاً الله تعالى يقول (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ ﴿27﴾ النساء) إعلان إرادة، أعلن إرادته لعبادة المؤمنين بأن إرادته سبقت أن يتوب على كل المؤمنين إذا تابوا (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ) أن يتوب، (يريد الله ليتوب) اتخذ الأسباب وتاب هذا الوعد تطبق يعني كيف رب العالمين لما أعلن هذه التوبة ثم طبقها قال من استغفر غفرت له وبين الصلاتين كفارة ورمضان لرمضان كفارة، نفائس، كظم الغيظ غفار، العفو عن الظالم كفارة، بر الوالدين كفارة كل هذه العبادات التي لا حصر لها مما جاء بها النص أنها تغفر الذنوب يعني مثلاً (ثلاثة لا يضر معها ذنب بر الوالدين) رمضان لرمضان كفارة ولا يعرف مضاعفات رمضان إلا الله هناك أعمال بمثلهما، أعمال بعشرة، أعمال بخمسة عشرة، أعمال بخمس وعشرين، أعمال بسبعمائة والصوم لا يعلم مقدار مضاعفاته إلا الله وبالتالي رب العالمين لما شرع لك عبادة بهذا الشكل تاب عليك (رغم أنف عبدٍ أدرك رمضان ولم يغفر له) إذاً الفرق بين (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ) أعلن إرادته قنن القانون شرع التشريع. (يريد الله ليتوب) اتخذ الأسباب وهذه الأسباب وما أكثرها في هذا الدين. كذلك كما قلنا يعني كثيرة حقيقة ما تحصى يعني حوالي ستة عشر أو سبعة عشر آية في القرآن وتقول الآية (وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴿72﴾ يونس) (وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ ﴿12﴾ الزمر) هذا فرق وهذا فرق يعني على هذا الأساس هناك فقط إعلان الأمر (وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ) اتخذ الأسباب كاملة وطبعاً نحن تعلمنا أنه الآن كل فعل أراد ويريد إذا جاء بالأن والفعل معناها إعلان إذا جاء باللام لام التعليل المضمرة بعدها قل ليتوب، ليعفو، ليضلوا، معناها اتخذوا الأسباب وطبقوا ما وعدوا به وما هددوا به.
الفرق بين (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا)- (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا) :
نبدأ بقوله تعالى (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا ﴿8﴾ العنكبوت) هذه كلمة (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا﴿15﴾ الأحقاف) هذه اثنتان ثم (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ ﴿14﴾ لقمان) بدون لا حسن ولا إحسان.
لاحظ قبل كل شيء الله ما قال وصينا المؤمنين بل وصينا الإنسان عموماً. يريد الله عز وجل أن يقول أن هذا علاقة الأبناء بالآباء وعلاقة الآباء بالأبناء هي من خصائص هذا الإنسان لا تجد هذه العلاقة بين كل الأحياء الأخرى، الحيوانات نعم هناك أمٌ تعرف أطفالها ولكن الأب لا يهتم من هو ابنه والابن لا يهتم من هو أبوه بل أن الابن لا يهتم من هي أمه وحينئذٍ الأم فقط في المخلوقات الحية هي التي تهتم بأطفالها إلى حين. من أجل هذا, هذا من خصائص الإنسان احترام الأبوين وتقديرهما وتقديسهما وحسن التعامل معهما هذا من خصائص الإنسان لأن الله تعالى وصاه بذلك، رب العالمين هو الذي غرس في هذا الإنسان من جملة عناصر أنسنته عندما خرج من المملكة الحيوانية فوهبه الله سبحانه وتعالى العلم (وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا﴿31﴾ البقرة) (فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا ﴿12﴾ التحريم) وحينئذٍ تأنسن الحيوان وحينئذٍ من عناصر أنسنته هذا المخلوق هو أن يكون باراً بوالديه (ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آَخَرَ ﴿14﴾ المؤمنون). (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا) أي العطاء أن تطعمه وأن تسقيه وأن تقدم حاجاته أن تقدم له حاجاته ما يحتاجه من مأكلٍ ومطعمٍ وملبس هذا الإحسان. وفي الآية (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا) هذا لا يكون بالعطاء وإنما بحسن التعامل، كيف تحترمه؟ أنت قد تعطي أباك لكنك تشتمه ولا تحترمه أو تتكلم معه بدون احترام هذا أنت أعطيته أنت بريّت به وهذا الفرق بين الحسن والبر. البِرّ أن تعطيها ما تحتاجه وأن تعطي أباك ما يحتاجه، الإحسان أن تعطيه بشكلٍ جيد هذا الفرق بين البر والإحسان. البِرّ أن توفر له حاجاته لكن قد تقدمها بشكل غير لائق فيها شيء من الغلظة أو الخشونة وقد تشتم أباك وقد تزدريه من كِبَره أو تزدري أمك لكن الإحسان أن تعطي هذين الأبوين هذا البر بشكل في غاية الدقة والأناقة والجمال من حيث أنك تكون خادماً لهما وتقريباً وبلا مبالغة ولا مباهاة 99% من هذه الأمة يتعاملون مع آبائهم وأمهاتهم عند العطاء بهذا الخضوع والذل. وهذا الذل من أعظم أنواع العز (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ ﴿24﴾ الإسراء) هذا الذل هو من أعظم أنواع العز في الأرض. ولهذا ملوك الأرض والذين فتحوا البلدان والذين قاموا بأنواع من الحضارات والتحضّر أمام والديه كالعبد هذا الذل العبقري الذي هو أعلى قيمة الإنسان العظيم العزيز. هذا الإحسان، فحينئذٍ كلمة الإحسان ما يتعلق بالعطاء توفر له حاجاته لكن ليس فقط مجرد بِرّ وإنما تقدم هذا العطاء لهما بشكل لائق يدل على احترامك لهما وعلى عدم المِنّة أن لا تمنّ عليهما كأن تقول أنا أعطيتك وجئت لك الخ لا إطلاقاً وحينئذٍ وصاك الله بهما حسناً أي كيف تتكلم معهما؟ إذا جاء أبوك أو جاءت أمك تقوم بوجههما وإذا تكلمت معهما تكون في غاية الخضوع يعني انتبه إلى الحديث المتفق على صحته عن الثلاثة الذين أغلق عليهم الغار مسافرون ثلاثة ودخلوا غاراً عندما جاءت عاصفة فالعاصفة جاءت بحجر ثقيل فأغلقت باب الغار ولم يستطع أحدٌ منهم أن يزحزح هذا الحجر ونفذ ما معهم من ماءٍ وطعام وأوشكوا على الهلاك فتح لله على أحدهم وقال يا جماعة تعالوا نتوسل إلى الله عز وجل بأحسن عملٍ عملناه في حياتنا وكل واحد جاء بعمل الثالث قال يا ربي أنت تعرف أن لي أم وأب وصارا كبيرين وأنا عندما أعود من العمل والعمل كان بين الإبل وبين الغنم يعني كان صاحب إبلٍ وغنم كنت آتي لهما باللبن لكي يتعشيا لكي يناما وكنت لا أعشي أطفالي إلا بعد أن أعشي والدي-وطبعاً نحن نتكلم بالمعنى وليس بلغة الحديث- لا يعشي أولاده إلا بعد أن تشرب الأم والأب هذا اللبن ثم يناما ثم يذهب ويوقظ أطفاله حتى يعشيهم، يوم من الأيام جاء وقد وجد أبويه نائمين وهو يحمل لهم غبوقهما يعني كأسين من اللبن فلما وجد الأبوين نائمين بقي يحمل هذين القدحين إلى أن استيقظا عند الفجر وهو يحمل هذين القدحين وهو واقف أمام رأسيهما وأولاده جائعون ولم يعشهم إلا بعد أن استيقظ الأبوان فقدم لهما هذا العشاء البسيط وهذا هو عشاؤهما كل يوم لا يشربان غيره وبكل أدب بكل خدمة سقاهما كما تسقي الأم المرضعة طفلها ثم عاد بعد أن صليا وعادا وذهب وأيقظ أطفاله لكي يعشيهم، هذا (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا) كيف تتعامل (فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ ﴿23﴾ الإسراء) ولا أفّ هذا من الحسن وليس من الإحسان. فالإحسان هو العطاء عشاء وغداء ولباس الخ هذا من الحسن (وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ﴿15﴾ لقمان) حينئذٍ كل تصرفاتك أبداً أنت عبدٌ عندهما وكلما ازدادت عبوديتك لهما ازدادت عبوديتك لله عز وجل وكنت عبداً صالحاً عند الله سبحانه وتعالى. لأن رضى الله عز وجل من رضاهما لا يرضى الله عنك إلا إذا رضي عنك أبواك. فكلما أمعنت في الخدمة والذل لهما وخفضت لهما جناح الذل إذاً هذا هو الفرق بين الإحسان العطاء سواء كان إذا كان مجرد عطاء يسمى بِرّاً إذا كان عطاء مع هذا الاحترام والإجلال والتقديس والتكريم يسمى إحساناً إذا كان بكل يومك يعني عندما تتحدث معه بأدب تجلس بين يديه بأدب عندما يقوم تقوم عندما تستقبله تنهض للقائه إذا ناداك تقول له لبيك، بهذه العبودية التي جعلها الله جائزة للأبوين أنت قدمت لهما حُسناً هذا الفرق بين (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا) وهو طعام وشراب وبين (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا) وهو تعامل رقيق وأنيق في غاية الذل لهما. الآية التي تقول (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ) وسكتت هذا يعني الاثنين، رب العالمين أجمل هذه الحالة وهذه الحالة أجملها بآية واحدة وقال: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ) لماذا؟ قال: (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ ﴿14﴾ لقمان) لم يذكر فضائل الأب لأن فضائل الأب أنت تدركها وأنت كبير أبوك يبدأ دوره معك عندما تميّز قبل هذا أنت عند أمك شقاؤها وسهرها وتعبها وحملها أنت لا تدركه لم تره ولهذا ربما تذهل عن أفضال أمك عليك وأنت لا تذهل عن أفضال أبيك ولهذا رب العالمين يقتصر على فضائل الأم على أولادها. إذاً هكذا هو الحسن والفرق بين الحُسن والجمال أن الجمال شيءٌ متميز عن غيره من حيث قيمته الجمالية، الحُسن هو الجمال إذا كثر واشتد وتعمق حتى صار مبهجاً. إذاً الإحسان جمالٌ مبهج أحياناً جمال عادي هذا كأس جميل هذا بيت جميل لكن هناك جمال عندما تراه تقف وتقول سبحان الخلاق العظيم! ما هذا الجمال! إذا انبهرت بذلك وابتهجت نفسك به يسمى حسناً. من أجل هذا التاريخ ينقل لنا عن بعض الذين عاملوا أبويهم بحسنٍ مبهج عجائب. ولهذا اقصر طريقٍ إلى الجنة هو التعامل مع الوالدين بحُسن هو البِرّ ومن رحمة الله رب العالمين قال (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ﴿78﴾ الحج ) رب العالمين تكلم عن بر الوالدين حتى لا ييأس أحد أنت ما دمت تكفي والديك أنت بخير لكن هذا الخير يتفاوت الجنة يا جماعة مائة درجة كل درجة بينها وبين الأخرى كما بين السموات والأرض وكل درجة عن درجة في النعيم كما بين الكوخ والقصر من أجل هذا قال (فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَا ﴿75﴾ طه) (وَلَلْآَخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا ﴿21﴾ الإسراء) إذا أردت أن تدخل الجنة فبالبِرّ، وإذا أحببت أن تترقى في الدرجات العلى التي هي منازل الأنبياء والصديقين والشهداء فعليك بالإحسان أولاً ثم تنتقل إلى الحُسن، تكون في غاية الذل وأن تقدم لهم ثم في غاية الجمال والحسن المبهج لنفس الأبوين. فالأبوان عندما يرونك كيف تقبل يده كيف تقوم كيف تحترمهم يشعرون ببهجة. من أجل هذا أنت أعظم أنواع الإنسان يوم القيامة إذا جئت وأبواك راضيان عنك من حيث أنك بلغت القمة في التعامل معهما لأنك قدمت لهما ما قدمت بحسنٍ وليس بمجرد إحسان بل ترقيت من البِرّ إلى الإحسان إلى الحُسن أصبحت أنت مبهجاً لهما إلى أن ماتا بين يديك وهما في غاية البهجة حينئذٍ لا عليك ما فعلت. “ثلاثةً لا ينفع معهنّ عمل عقوق الوالدين وثلاثة لا يضرّ معهن ذنب ومنها بر الوالدين” فكيف الحسن إلى الوالدين؟! هذا مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين. هذه القمم يوم القيامة معدودات، عندك أصحاب الذكر، أصحاب العلم، طبعاً دعك من الأنبياء والصديقين والشهداء هؤلاء قضية أخرى أيضاً، السخاء، الحاكم العادل، قمم يوم القيامة من ضمنهم إذا لم تكن أنت بمالٍ تنفق ولا بحاكم تحكم بالعدل ولا ولا الخ فلتكن مع أبويك مبهجاً لهما بأن تتعامل معهما بحسن.
سؤال: اقتران العبادة بالتوحيد (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ﴿36﴾ النساء) التوحيد والوالدين. ما دلالتها؟
هذا الاقتران المخيف يعني جعلهم الله عز وجل كتوحيده الشرك وعقوق الوالدين (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ﴿23﴾ الإسراء) ما قضى إلا هذا رب العالمين (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) ومن كرمه رب العالمين لم يقل حسنا قال إحساناً وهذا تقوم به بسهولة. أما الحُسن هذا درجة عالية لمن يسّره الله له ولهذا في الفقه الإسلامي لا يجوز أن تعطي أبوك زكاة لما رب العالمين قال الزكاة لمن؟ قال الصدقات (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ ﴿60﴾ التوبة) لم يقل والأبوين، الأبوان (أنت ومالك لأبيك) ما لم تقتنع بأنك عبدٌ عند أبيك وكل ما تملكه إنما هو ملكٌ لأبيك فأنت لا تصل إلى مرتبة الحُسن ونحن نتكلم الآن عن مرحلة الحسن. ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم قيل له يا رسول الله أي العمل أفضل؟ قال “الصلاة على وقتها قالوا: ثم أيّ؟ قال: بر الوالدين” البر مجرد بر الوالدين يعني العمل الثاني بعد الصلاة لأن الصلاة ليس لها بديل وإذا كان البر هكذا فما بالك بالحُسن؟! والحسن لا يعمله إلا القليل لأن هذا يحتاج إلى ثقافة، إلى معرفة بالله عز وجل، إلى أن يُعلَّم هذا الإنسان هذا الأب المسلم ما معنى أن تكون مع أبيك حسناً؟ وهكذا أما البر ما دمت إنساناً أنت بك غريزة وميل طبيعي إلى أن تبر بأبويك ولهذا الله قال (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ) لمجرد كونك إنساناً من عناصر أنسنتك بعد أن أخرجك الله من المملكة الحيوانية وأطلق يديك من الأرض فسوّاك فخلقك فعدلك أطلق يديك حينئذٍ جعل من عناصر هذه الأنسنة أن تكون باراً بوالديك تميل إليهما، تنتسب إليهما، لهما حظوة واحترامٌ عليك وإلى كل المنظومة التي هي حسنٌ أو إحسانٌ أو برٌ ولكلٍ شرحها الذي يطول.
آية (8):
*ما الفرق بين (حسناً) و (إحساناً)؟
د.فاضل السامرائى:
في آية قال تعالى (حسناً) (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (8) العنكبوت) وفي آية (إحساناً) وفي آية لم يذكرها. في العنكبوت (حسنا)، في لقمان لم ترد (إحساناً)، في الأحقاف وردت (إحساناً). أولاً المراتب: الإحسان أكرم من الحُسن، تعامل الإنسان حسناً أمر عادي لكن أن تحسن إليه هذه مرتبة أعلى من الحسن. قال (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) لقمان) قال (وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا (15) لقمان) بينما في العنكبوت قال (وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي)، (على أن) فيها تعهد. نقول مثلاً زوجتك ابنتي لتعينني، زوجتك ابنتي على أن تعينني، (على أن تعينني) شرط كما قال تعالى (قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ (27) القصص)، (على أن) اشتراط. الوالدان في آية لقمان أشد كفراً يشترطون عليه الكفر (وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي)، في العنكبوت (لتشرك بي) اللام هنا للتعليل. (على أن) أقوى للتشرط وفيها الاستعلاء. فلما كان في العنكبوت أقل المجاهدة قال (حسناً) ليست كالتي في لقمان. في لقمان قال (وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا) وكل وصية لقمان في المصاحبة مصاحبة الأب لابنه ينصحه ويعلمه ومصاحبة الابن لأبيه ومصاحبته مع الناس ليأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وأكثر وصية لقمان في المصاحبة كيف يتعامل مع الآخرين، في المصاحبة (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17) وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (19)). في العنكبوت ما دام المسألة أقل من ذلك صاحبهما. في الأحقاف لم يجاهداه على شيء (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا (15)) هذان أبوان مؤمنان. أولاً ذكر حالتهم. في لقمان قال (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ) لم يذكر الوضع وإنما ذكر الحمل فقط، في الأحقاف ذكر الحمل والوضع (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا) لأن أحياناً الإنسان شيئاً صعباً لكن يضعه بيسر لكن هنا الحالتين كره ألا يستحق الأبوين الإحسان؟ وهما مؤمنان ومستمران (وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتْ الْقُرُونُ مِن قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (17) الأحقاف) إذن هذان الأبوان مؤمنان لذا استحقا الإحسان أعلى درجة من الحسن. في العنكبوت استحقا الحسن في المعاملة، في لقمان لما جاهداه مجاهدة قوية قال صاحبهما.
ثم هناك مسألة: الله تعالى في جميع القرآن إذا أمر بالبر والدعاء يستعمل الوالدين وليس الأبوين في القرآن كله. مع العلم أن الوالدين مثنى والد ووالدة وغلّب المذكر الوالد والأبوين مثنى وغلّب المذكر الأب والأبوان أب وأم. (وبالوالدين إحساناً) هذه عامة لم يحدد ذكر صفة من كفر أو غيره. (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا (28) نوح) (رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ (41) إبراهيم) (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا (23) الإسراء) لم يذكر في القرآن موقف بر أو دعاء إلا بلفظ الوالدين. في آية المواريث (وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ (11) النساء). (وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ (80) الكهف) ليس فيها مقام ذكر البر لذا قال أبواه أما في الدعاء فقال (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ) لا يستعمل الأبوين. الأبوين يستعملها في مكان آخر.
ما الفرق بين الوالد والأب؟ التي تلد هي الأم والوالد من الولادة والولادة تقوم بها الأم وهذه إشارة أن الأم أولى بالصحبة وأولى بالبر قبل الوالد. لكن في المواريث لأن نصيب الأب أكبر من نصيب الأم استعمل الأب (وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ). في الأموال يستعمل الأبوين وفي الدعاء الوالدين.
آية (14):
*ما الفرق بين سنة وعام في قوله تعالى في قصة نوح تعالى (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ (14) العنكبوت)؟
د.فاضل السامرائى:
كلمة سنة في القرآن تدلّ عادة على الجدب والقحط ويقال أسنت الناس إذا أصابهم قحط ويقال أصابتنا سَنَة بمعنى جدب وقحط. أما كلمة عام فهي عادة تستعمل في الخير في الغالب. وفي قصة نوح (عليه السلام) يقول المفسرون أنه لبث في الدعوة 950 سنة مع قومه بشدة وصعوبة وتكذيب له واستهزاء به أما الخمسين عاماً فهي ما كان بعد الطوفان حيث قضاها مع المؤمنين في راحة وطمأنينة وهدوء بعيداً عن الكافرين من قومه الذين أغرقهم الله بالطوفان.
آية (14):د.حسام النعيمى:
العام هو لما فيه خير والسنة لما فيه شر. العلماء يقولون الغالب وليست مسألة مطلقة. لكن في الإستعمال القرآني أحياناً يستعمل (تزرعون سبع سنين دأباً) (ثم يأتي عام فيه يغاث الناس) الزرع فيه جهد في هذه السنين. في قصة نوح (فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً) كأن الخمسين عاماً هي الخمسين الأولى عام الأولى من حياته التي كان مرتاحاً فيها وبقية السنين الـ 950 كان في مشقة معهم حتى بلغ أن يقول (ولا يلدوا إلا فاجراً كفّارا) هذه تجربة. هذا الغالب ومن أراد أن يلتزم الاستعمال القرآني يحرص على استعمال السنة في جدب وقحط والعام لما فيه خير لكن إذا وجد شاعر يستعمل نصاً عن السنة مختلف لا يستغرب. الرسول (صلى الله عليه وسلم) في حديث لا ندري مداه من الصحة “اللهم اجعلها عليهم سنيناً كسنين يوسف” سنوات قحط وشر. هذا في كتب النحو والأحاديث التي في كتب النحو يستفاد منها في الشواهد النحوية واللغة وليس في تأصيل الحديث من حيث الصحة.
في سورة الكهف ذكر القرآن (ثلاثمئة سنين وازدادوا تسعا) لم يقل وازدادوا تسعة أعوام. بعض الحاسبين يقول هذه 300 سنة في الميلادي توافق 309 في الهجري. إذا جاءت موافقة فهي موافقة لكن هي لون من ألوان التعبير أن يقول ثلاثمئة وازدادوا تسعا. لما كانوا يعانون منه وقد يقول القائل لم تكن كلها سنين قحط. الأمر ليس هذا ولكنه الغالب.
آية (24):
* ما الفرق بين ( أنجى) و(نجَّى) ؟(د.فاضل السامرائى)
قال تعالى في سورة البقرة: (وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاء مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ (49)) وفي سورة إبراهيم قال تعالى (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنجَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاء مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ (6)). في البقرة جعل سوء العذاب هو تذبيح الأبناء (بَدَل)، (وإذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب)، ما هو سوء العذاب؟ (يذبحون أبناءكم)، هذه بدل من يسومونكم، هذه الجملة بدل لما قبلها فسّرتها ووضحتها، البدل يكون في الأسماء والأفعال وفي الجُمَل، إذن (يذبّحون أبناءكم) تبيين لسوء العذاب فنسميها جملة بَدَل. في سورة إبراهيم قال (يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ) إذن هنا ذكر أمران سوء العذاب بالتذبيح وبغير التذبيح، سيدنا موسى (عليه السلام) يقول لبني إسرائيل أن الله سبحانه تعالى أنجاهم من آل فرعون من أمرين: يسومونهم سوء العذاب هذا أمر والتذبيح هذا أمر آخر. كان التعذيب لهم بالتذبيح وغير التذبيح باتخاذهم عبيداً وعمالاً وخدماً فيعذبونهم بأمرين وليس فقط بالتذبيح وإنما بالإهانات الأخرى فذكر لهم أمرين. إذن يسومونكم سوء العذاب هذا أمر، ويذبحونكم أبناءكم هذا أمر آخر، إذن بالتذبيح وفي غير التذبيح، سوء العذاب هذا أمر ويعذبونهم عذاباً آخر غير التذبيح. موسى (عليه السلام) يذكِّرهم بنعم الله عليهم ( اذكروا نعمة الله عليكم) فيذكر لهم أموراً. ربنا تعالى قال في سورة البقرة (وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ) وفي إبراهيم قال على لسان سيدنا موسى (إِذْ أَنجَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ) أنجاكم ولم يقل هنا نجّاكم. هناك فرق بين فعّل وأفعل، نجّى يفيد التمهل والتلبّث والبقاء مثل علّم وأعلم، علّم تحتاج إلى وقت أما أعلم فهو إخبار، فعّل فيها تمهل وتلبّث. موسى (عليه السلام) يعدد النعم عليهم فقال (أنجاكم) فأنهى الموضوع بسرعة. كما قال (وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ (50) البقرة) لأنهم لم يمكثوا في البحر طويلاً فقال أنجيناكم. حتى في إبراهيم قال (فَأَنجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ (24) العنكبوت) لم يقل نجّاه لأنه لم يلبث كثيراً في النار.
آية (26):
*في سورة العنكبوت (فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (26) العنكبوت) لم يقل آمن به لماذا؟(د.فاضل السامرائى)
هذا سؤال نحوي: آمن له أي استجاب له وآمن له تستعمل للأشخاص. (آمنوا به) ليس للشخص وإنما لله تعالى. آمن له أي استجاب له والقرآن يستعملها في الأشخاص (وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ (17) يوسف) وفي الله والعقيدة يستعمل الباء (آمن به).
آية (27):
* لماذا لا يُذكر سيدنا إسماعيل مع إبراهيم وإسحاق ويعقوب في القرآن؟ (د.فاضل السامرائى)
أولاً هذا السؤال ليس دقيقاً لأنه توجد في القرآن مواطن ذُكر فيها إبراهيم وإسماعيل ولم يُذكر إسحاق وهناك 6 مواطن ذُكر فيها إبراهيم وإسماعيل وإسحاق وهي (133) (136) (140) البقرة (84) آل عمران (39) إبراهيم (163) النساء
وكل موطن ذُكر فيه إسحاق ذُكر فيه إسماعيل بعده بقليل أو معه مثل قوله تعالى (49) و (54)) مريم إلا في موطن واحد في سورة العنكبوت (وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآَتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (27)).
وفي قصة يوسف (عليه السلام) لا يصح أن يُذكر فيها إسماعيل لأن يوسف من ذرية إسحاق وليس من ذرية إسماعيل (6) (38)) .
وقد ذُكر إسماعيل مرتين في القرآن بدون إسحاق في البقرة (125)(127)لأن إسحاق ليس له علاقة بهذه القصة وهي رفع القواعد من البيت.
آية (29):
*في سورة العنكبوت (أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ) لماذا قال ناديكم ولم يقل شيئاً آخر؟(د.حسام النعيمى)
النادي مكان اجتماع الناس من الفعل ندا يندو. يقال ندا القوم أي دعاهم إلى الاجتماع في مكان. منه تنادوا كأن كلٌ نادى صاحبه إلى هذا المكان ومنه دار الندوة التي ينتدون فيها يعني مكان الاجتماع وهي عامة من جهة خاصة من جهة لأنها منحصرة فتكون لمن يندو بعضهم بعضاً. هذا الاجتماع هم لجمع من الناس، جمهرة من الناس فكأنما الله تعالى يريد أن يرينا كيف أن هؤلاء تمادوا في مجاهرتهم بالفاحشة، هذا الجهر في الفاحشة بحيث أنهم في هذا النادي يعملون المنكر الذي ما سبقهم به من أحد من العالمين. كأن في جمهورهم لنتخيل أن في هذا النادي مئة رجل يتعرّون ويعملون في هذا المكان المنكر هذا منتهى إشاعة الفاحشة والجرأة وسوء الخلق فقال (وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ) يعني بهذه المهاجرة ولذلك الله سبحانه وتعالى أنزل بهم عقابه. هم لا يستخفون ولا يستترون في هذا المكان لإظهار مدى مجاهرتهم بالفاحشة التي ما سبقهم بها من أحد من العالمين وهو إتيانهم الرجال أن يأتي بعضهم بعضاً.
آية (33):
*(وَلَمَّا أَن جَاءتْ رُسُلُنَا لُوطًا (33) العنكبوت) ما دلالة حرف أن في الآية؟ (د.فاضل السامرائى)
عند النحاة يسمونها زائدة هذا من حيث الإعراب مثل الباء الزائدة والـ (ما) الزائدة. أما اللمسة البيانية بالنسبة ليوسف كان أبوه يستطيل المسألة يعني صارت المسألة طويلة عليه حزن يعقوب طويل فبعد مدة طويلة قال (فَلَمَّا أَن جَاء الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ (96) يوسف) بعد هذه المدة ففصل بين لمّا والبشير إشارة إلى طول المدة. وفي قصة لوط ضاق بقومه ذرعاً (ولما أن جاءت) أيضاً استطال المسألة ولما قال (أليس الصبح بقريب) كأنه اعترض إلى الصبح؟ وكأنه استطال الوقت وهذه أيضاً (ولما أن جاءت رسلنا لوطاً) وكأنه استطال الوقت وبعد أن جاءت رسلنا الآن أيضاً فصل بينهما.
*ما دلالة كلمة ذرع في قوله تعالى (ولمّا أن جاءت رسلنا سيء بهم وضاق بهم ذرعا) في سورتي هود والعنكبوت؟ (د.فاضل السامرائى)
قال تعالى في سورة هود: (وَلَمَّا جَاءتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقَالَ هَـذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ {77}) وقال في سورة العنكبوت: (وَلَمَّا أَن جَاءتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقَالُوا لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ {33}). الذرع في اللغة هو الوسع والطاقة والخلق أي الإمكانية من حيث المعنى العام. وضاق بهم ذرعاً بمعنى لا طاقة له بهم. وأصل التعبير ضاق ذرعاً أي مدّ ذراعه ليصل إلى شيء فلم يستطع إذن ضاق ذرعاً بمعنى لم يتمكن.
*جاء في سورة هود قوله تعالى (وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ (77)) بدون (أن) بينما وردت في سورة العنكبوت (وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالُوا لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (33)) مع ذكر (أن) لماذا؟ (د.فاضل السامرائى)
هذا لأكثر من سبب أولاً لأن القصة في العنكبوت جاءت مفصلة وذكر تعالى من صفات قوم لوط السيئة (وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ (28) أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ) ما لم يذكره في سورة هود (وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ) ثم ذكر تعالى أن ضيق لوط بقومه في العنكبوت أكثر وكان ترقّبه للخلاص أكثر وكان برِماً بقومه (سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا). ثم إن قوم لوط تعجلوا العذاب في سورة العنكبوت فقالوا: (فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (29)) ثم دعا لوط ربه أن ينصره عليهم (قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ (30)) إذن برِم لوط وضيقه بقومه كان أكثر فكأنه استبطأ مجيء العذاب على هؤلاء وهو نفسياً كأنما وجد أن مجيئهم كان طويلاً وتمنى لو أن العذاب جاء عليهم قبل هذا. فهي من حيث التفصيل أنسب ومن حيث عمل السيئات إذا كانت للتوكيد أنسب وإن كانت من ناحية برم لوط فهي أنسب.
أن للإطالة ويقولون للتوكيد لكن التوكيد له مواطن عندهم والقياس أن تُزاد (أن) بعد (لمّا) إن شئت أن تأتي بها فلا حرج ويقولون إنها زائدة والزيادة للتوكيد في الغالب مع أنها ليست بالضرورة للتوكيد فالزيادة لها أغراض فقد تكون تزينية أو زيادة لازمة أو تكون لأمور أخرى منها التنصيص على معنى معين وهي كلها أمور نحوية.
آية (39):
*(وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم مِّن مَّسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ (38) وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءهُم مُّوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ (39) العنكبوت) ذكر قصة موسى في آيتين مع أنه ذكرها في عدة سور أخرى بعدة آيات؟ (د.فاضل السامرائى)
هو لم يتكلم عن قصة موسى في العنكبوت وإنما ذكر عقوبة مجموعة من الأقوام. تكلم عن شعيب ومدين في آيتين ثم ذكر عاد وثمود وقارون وفرعون وهامان وذكر عقوبتهم في آية واحدة. ننظر السياق (وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم مِّن مَّسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ (38)) لم يذكر لهم دعوة ولا شيء. (وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءهُم مُّوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ (39) فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (40)) (حاصباً) عاد و(الصيحة) ثمود و(ومنهم من خسفنا به الأرض) قارون و (منهم من أغرقنا) هذا فرعون. (وما كان الله ليظلمهم) ذكر عقوبة مجموعة من الأقوام وليس هناك قصة.
* ما اللمسة البيانية في ترتيب الأسماء في قوله تعالى (وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ (39) العنكبوت) وقوله تعالى (إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (24) غافر)؟ (د.فاضل السامرائى)
الفكرة العامة أولاً في طريقة القرآن في الآيتين أن ما أخّره لا يأتي على ذكره في السورة ففي سورة العنكبوت أخّر هامان وهامان لم يُذكر في السورة إلا في هذه الآية، وفي آية غافر أخّر قارون الذي لم يُذكر في السورة إلا في هذه الآية.
ثم إن هناك أمر آخر وهو أن في سورة العنكبوت قدّم قارون على فرعون لماذا؟ لأنه إذا لاحظنا السياق في السورة في الآية التي سبقت الآية موضع السؤال (وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمَ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ (38)) نجد أنه ورد في آخرها كلمة (مستبصرين) عن قوم عاد وثمود، وقارون كان مستبصراً فقد كان من قوم موسى فبغى عليهم أي أنه كان يعرف الحق مستبصراً به فجاء ذكره أولاً لأنه يدخل مع المستبصرين في الآية التي سبقت.
ثم إن الترتيب جاء مناسباُ لترتيب العقوبة في السورة عقاب قارون أولاً (وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ) ثم فرعون (وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا) فالعقوبات ترتبت بموجب الذِكر فالسياق إذن مناسب للعقوبات التي ذكرها ولا يصح غير هذا الترتيب من الناحية الفنية.
أما في سورة غافر فقد جاء قوله تعالى (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآَيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (23)) لمن أرسل موسى؟ لفرعون فناسب أن يكون فرعون أول المذكورين في الآية التي بعدها (إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (24)) والسياق في السورة يدور حول فرعون (وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ (26)) (وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ) (وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (36)) أما قارون فهو خارج السياق.
آية (41):
*(مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاء كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا (41) العنكبوت) هل العنكبوت مذكر؟ ولماذا (اتخذت) بتاء التأنيث؟ (د.فاضل السامرائى)
العنكبوت في اللغة يستعمل للمذكر وللمؤنث هذا عنكبوت وهذه عنكبوت. والعنكبوت اتخذت استعمل المؤنث لأن الأنثى هي التي تقوم بعمل البيت وليس الذكر حتى قالوا هذا من الإعجاز.
آية (43):
*ما الفرق بين علماء وعالمون؟(د.أحمد الكبيسي)
الفرق بين كل جمع تكسير وجمع مذكر سالم أن جمع المذكر السالم أشرف وأكرم وأعلى من جمع التكسير. يعني فرق بين طلاب وطالبون طلاب كلهم خلط زين على شين مثل خضرة آخر الليل لكن الطالبون النبهاء والله قال (وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ ﴿51﴾ الأنبياء) (وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ ﴿43﴾ العنكبوت) جمع مذكر سالم (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴿28﴾ فاطر) (أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آَيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ ﴿197﴾ الشعراء) عندنا علماء وعالمون، العلماء صغارهم وكبارهم وطلاب العلم كل من يشتغل بالعلم – كما تعرفون الآن في واقعنا الحالي – ليس العلماء على نسقٍ واحد هناك الصغير والمبتدئ والجديد هناك عاقل هناك حفاظ هناك دراخ هناك من لا يفكر وهناك من يفكر خليط فلما تقول عالمون لا، هؤلاء قمم مجتهدون أصحاب نظريات (وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ) وحينئذٍ كل ما جئت به في لغتنا وفي القرآن الكريم جمع التكسير شامل يشمل الزين والشين وبعضه يفضل بعضه، لكن لما جمع مذكر سالم لا، القمم يعني عندما تجمع أبو حنيفة والشافعي ومالك وأحمد وجعفر الصادق والباقر وابن حزم الخ وتسميهم علماء! لا، هؤلاء عالمون، هناك عموم الشيء وهناك خصوصهم.
آية (47):
*(وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَؤُلَاء مَن يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ (47) العنكبوت) ما الفرق بين يؤمنون به ويؤمن به؟ (د.فاضل السامرائى)
(فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ) الذين جمع فيقول يؤمنون به لا يصح أن يقول يؤمن به. (وَمِنْ هَؤُلَاء مَن يُؤْمِنُ بِهِ) (من) للمفرد والمثنى والجمع والأصل في (من) إذا ذكرت أن يُبدأ بدلالة لفظها ثم ينصرف إلى المعنى، دلالة اللفظ مفرد مذكر ثم يصرف إلى المعنى الذي يحدده السياق (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ (8) البقرة) هم جمع ومن يقول مفرد، يبدأ بالمفرد. (وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ (49) التوبة) من يقول مفرد، سقطوا جمع، يبدأ بالمفرد. (يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ (30) الأحزاب) من يأت مفرد، (من وما) يبدأ بلفظها تكونان للمفرد والمثنى والجمع مذكر أو مؤنث. أكثر الكلام عند العرب إذا بدأوا بـ (من) حتى لو كان جمعاً (من) لها لفظ ولها معنى، لفظها المفرد المذكر ومعناها يختلف، يبدأ بالمفرد المذكر ثم يوضح المعنى فيما بعد (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ (8) البقرة) مفرد مذكر، وما هم بمؤمنين جمع، (وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا (31) الأحزاب)، وعليها يؤمنون به ويؤمن به.
آية (52):
*ما دلالة تقديم وتأخير كلمة (شهيداً) في آية سورة العنكبوت وآية سورة الإسراء؟ (د.فاضل السامرائى)
قال تعالى في سورة العنكبوت: (قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ {52}) وقال في سورة الإسراء (قُلْ كَفَى بِاللّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً {96})
في آية سورة الإسراء ختم تعالى الآية بذكر صفاته (خبيراً بصيرا) لذا اقتضى أن يُقدّم صفته (شهيداً) على (بيني وبينكم)، أما في آية سورة العنكبوت فقد ختمت الآية بصفات البشر (أولئك هم الخاسرون) لذا اقتضى تقديم ما يتعلّق بالبشر (بيني وبينكم) على (شهيدا).
آية (56):
*ما الفرق بين كلمة (عبادي) في سورة العنكبوت وكلمة (عباد) في سورة الزمر؟ (د.فاضل السامرائى)
قال تعالى في سورة العنكبوت (يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ {55} يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ {56} كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ {57}) وقال في سورة الزمر (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ {9} قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ {10}) وإذا لاحظنا الآيات في كلتا السورتين نجد أن بينهما فروقات كثيرة ليس فقط في ذكر وحذف الياء من كلمة عبادي. والتعبير القرآني مقصود وكل حذف وإضافة مقصود أن يوضع في مكانه.
1. في سورة العنكبوت ذكر ياء المتكلم في قوله تعالى (يا عبادي الذين آمنوا) أما في آية سورة الزمر أُشير إلى ياء المتكلم بالكسرة فجاءت عباد (قل يا عباد الذين آمنوا) وفي الحالتين أضيفت ياء المتكلم ففي الأولي هي موجودة وفي الثانية محذوفة ومشار إليها بالكسرة. وكلمة عبادي تدل على أن مجموعة العباد الذين يناديهم الله تعالى ويخاطبهم أوسع والاقتطاع من الكلمة (عباد) يقتطع جزء من العباد المخاطبين. وأحياناً يُقتطع من الفعل أو يكون مكتلاً ولهما حالة إعرابية واحدة والاقتطاع جائز في اللغو ولكن له سبب يتعلق بطول الحدث أو اتساعه. وكلمة عباد هي تدل على عدد أقل من عبادي . ومن أشهر أحوال اقتطاع ياء المتكلم هي حذف للياء واستبدالها بالكسرة مثل قوله تعالى (قل يا عباد) وقوله تعالى (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {53} الزمر) بذكر الياء لأن المسرفون هم كثر لذا جاءت عبادي بياء المتكلم. وقوله تعالى (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان) جاءت عبادي بذكر ياء المتكلم لأنها تشمل كل العباد. أما قوله تعالى (فبشّر عباد) حذفت الياء لأنهم طائفة أقل فالذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه هم قليل حتى أنه لم يقل فيتبعون الحسن وإنما قال الأحسن فكان المخاطبين قلة. وفي قوله تعالى في آية سورة العنكبوت (يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ {56} العنكبوت) تدل على أن العبادة أوسع من التقوى فالكثير من الناس يقوم بالعبادة لكن القليل منهم هم المتقون.
2. قال تعالى في سورة العنكبوت (إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ) العباد عباده والأرض أرضه ولإضافة الياء إلى كلمة عبادي والأرض ناسب سعة العباد سعة الأرض فأكدها بـ (إن) أما في آية سورة الزمر (وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ) لم يقتضي التأكيد للأرض بأنها واسعة وإنما جاءت فقط (وأرض الله واسعة).
3. وجاء في سورة العنكبوت (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ {57}) وهي تشمل جميع العباد ثم قوله تعالى (ثم إلينا ترجعون) جعلها مع الطبقة الواسعة (عبادي). أما في سورة الزمر (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ {10}) الصابرون هم قلة فناسب سياق الآية كلها الطبقة القليلة مع عباد.
4. وإذا استعرضنا الآيات في السورتين لوجدنا أن ضمير المتكلم تكرر 5 مرات في سورة العنكبوت (عبادي، إياي، اعبدون، إلينا، أرضي) بينما جاء في سورة الزمر ضمير محذوف (قل يا عباد).
5. آية سورة العنكبوت مبنية على التكلّم بينما آية سورة الزمر مبنية على الغيبة أي خطاب غير مباشر وتبليغ في استخدام (قل). وسياق الآيات في سورة العنكبوت مبني على ضمير ذكر النفس (ولقد فتنا الذين من قبلكم) (لنكفّرنّ عنهم) فالله تعالى يُظهر ذاته العليّة (وإن جاهداك لتشرك بي) (إلي مرجعكم فأنبئكم) (ووهبنا له إسحاق) (يا عبادي الذين آمنوا) (لنبوئنهم في الجنة غرفا) (لنهدينهم سبلنا). أما سورة الزمر فمبنية عل ضمير الغيبة كلها (قل يا عباد) (فاعبد الله مخلصاً له الدين) (والذين اتخذوا من دونه أولياء) (ثم إلى ربكم مرجعكم) (دعا ربه منيباً إليه) (لا تقنطوا من رحمة الله) إلى آخر السورة (وسيق الذين كفروا) (وسيق الذين اتقوا ربهم).
6. وهنا يأتي سؤال آخر وهو لماذا جاءت (قل) في آية سورة الزمر ولم ترد في آية سورة العنكبوت؟ نقول أن سياق الآيات مبني على التبليغ في سورة الزمر بينما في العنكبوت السياق مبني على ذكر النفس وليس التبيغ. وفي سورة الزمر أمر بالتليغ تكرر 14 مرة (قل هل يستوي) (قل إني أمرت) (قل الله أعبد) (قل إن الخاسرين) (قل أفرأيتم) (قل لله الشفاعة) (قل اللهم فاطر السموات) (قل أفغير الله). أما في سورة العنكبوت فقد وردت ثلاث مرات فقط. لذا اقتضى السياق ذكرها في آية الزمر وعدم ذكرها في آية العنكبوت.
من حيث الإعراب (عبادي وعبادِ) واحد، (عبادي) عباد مضاف وياء المتكلم مضاف إليه وفي (عبادِ) هذه تقديراً، مضاف ومضاف إليه مركب. هذه من خصوصيات الاستعمال القرآني.
آية (58):
*ما الفرق بين (نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ) – (وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ) – (فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ)فى قوله تعالى (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُم مِّنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (58) العنكبوت) – (أُوْلَـئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (136) آل عمران) – (وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاء فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (74) الزمر)؟ (د.أحمد الكبيسى)
لماذا مرة (نعم أجر العاملين) ومرة بالواو (ونعم أجر العاملين) ومرة بالفاء (فنعم أجر العاملين)؟ عندما تكرّم الأول في الجامعة هناك أول مكرر هناك أكثر من أول فأعطيت كل واحد سيارة هذا نعم أجر العاملين، لكن أول الأوائل الذي هو أولهم أخذ سيارتين هذا ونعم أجر العاملين هذه أقوى من الأولى، أما فنعم أجر العاملين هذه عندما يستلمون الجائزة.
قال تعالى (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُم مِّنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (58) العنكبوت) غُرَف غرفات هذه كأنها درر وياقوت أعجوبة العجائب، نعم أجر العاملين على العمل الصالح يصوم ويصلي كما جميع المسلمين المؤمنين بالله إذا داوموا عليه لهم أجرهم العظيم التي هي الجنة التي فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر علة قلب بشر هذا نِعم أجر العاملين. كل مؤمن بدينه ويطبقه بالشكل الذي أمر الله عز وجل عباده والرسل على أي وجه هذا نعم أجر العاملين. لكن هناك أناس عندهم دقة (الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُوْلَـئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (136) آل عمران) شهوات قوية صبروا عليها ويندمون ويعودون قال (ونعم أجر العاملين) هذه مرتبة أعلى. عندما تأتي يوم القيامة تحاسَب أو لا تحاسب، تدخل الجنة وترى النعيم (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73) وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاء فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (74) الزمر) بالفاء أي استلمنا. (فنعم) لا تقولها إلا عندما تستلم جائزتك وأجرك. فالأجر إن وُعِدت به فهم (نعم أجر العاملين) إذا كان شيئاً متميزاً لأنك أنت متميز هذه (ونعم أجر العاملين) وإذا استلمته (فنعم أجر العاملين)، هذا هو الفرق.
*ما الفرق بين أنزل ونزل كما قال تعالى (وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ﴿65﴾ النحل) و (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا ﴿63﴾ العنكبوت))(د.أحمد الكبيسى)
الآية الأولى أنزل وبدون من والآية الثانية في العنكبوت (مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا) وهذا في الحقيقة وارد في عدة أماكن في كتاب الله بين الإنزال والتنزيل. رب العالمين يقول لبني إسرائيل (وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى ﴿57﴾ البقرة) هذا في البقرة، في طه قال (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى ﴿80﴾ طه) ولا يمكن أن يكون هذا عبثاً، في الفرقان يقول (وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا ﴿48﴾ الفرقان) في ق (وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا ﴿9﴾ ق) وعن الملائكة (وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ ﴿111﴾ الأنعام) نزلنا آية أخرى (وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا ﴿8﴾ الأنعام) وهكذا إذاً سنبحث في هاتين الآيتين في تنزيل الماء ومرة أخرى أو ثانية أو ثالثة أكرر أن هذا الموضوع المتشابه في كتاب الله يحتمل كل من ينقدح ذهنه في فرق بين الآيتين ولن تضيق هذه الآيات بتأويل حتى لو بلغ ألف تأويل. من أجل ذلك لا تتقيد بما قاله المفسرون، ربما تجد مفسراً من المفسرين قال فرقاً واحداً وقال الآخر فرقاً آخر ولكن هذا ليس اختلافاً كما قلنا وإنما هي وجوه أخرى وهذه سنة في هذا الكتاب العزيز استجابة أو استفادة من قوله عليه الصلاة والسلام (هذا الكتاب لا تنقضي عجائبه) ومن عجائبه أن الكلمة القرآنية تعطي عطاءً جديداً في كل جيل على وفق معارف ذلك الجيل وحضارتهم وعلومهم وحتى يوم القيامة عندما نطّلع على التأويل النهائي سنجد أننا كنا بعيدين عن هذا البحر المتلاطم وإنما كنا نسبح على شاطئه فقط فلا يضيقن أحدٌ بأحدٍ إذا أبدى رأياً جديداً وإنما هي آراء تتراكم وفي الغالب كلها صحيحة.
إذاً آيتان (وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا). مقدماً نقول الفرق بين أنزل ونزّل عدة علماء تكلموا فيها وربما يكون كل ما تكلموا فيه صحيحاً. نضيف إلى هذا رأياً آخر لا يتعارض مع الآراء الأخرى وهو أنزل مرة واحدة يعني دفعة واحدة أنزلت الشيء، نزّلته باستمرار يعني أنزل الله الماء دفقة مطر مطرت يوم يومين ثلاث أيام هذا أنزله، تأمل لو أن المطر بقى عشرين عاماً ينزل فرضنا هذا يعني الآن في بعض الدول الغربية على مدار السنة هذا نزّل وهكذا. أنزل القرآن ليلة القدر ويقول النبي صلى الله عليه وسلم (أنزل الله القرآن جملة واحدة إلى السماء الدنيا في ليلة القدر) الله تعالى قال (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ﴿1﴾القدر) (ثم نزِّل) انظر إلى دقة المصطفى صلى الله عليه وسلم (ثم نزِّل بعد ذلك في عشرين سنة) لم يقل أنزل لما أنزل مرة واحدة دفعة واحدة قال أنزل ولما باستمرار على مدى 23 سنة باستمرار قال نزِّل هكذا وهذا رأي آخر يضاف إلى آراء أخرى أحببت أن أختار منها هذا لأنه يخدم قضيتنا اليوم في هاتين الآيتين.
إذاً رب العالمين عز وجل يتكلم بالآية الأولى عن الأمطار التي تنبت الزرع الموت الموسمي الأرض الآن تموت بالصيف والشتاء وبالربيع تحيا وكل سنة مكان عشب ثم يموت العشب ثم تموت الأرض ثم في العام القادم وهكذا هذه كلمة أنزل يأتي مرة واحدة مرة واحدة في السنة في فصل الربيع مثلاً وهكذا كل كلمة أنزل يعني تأتي إما دفعة واحدة أو مرة واحدة على الوجه المعتاد مثل أغلق وغلّقت، أغلق الإغلاق المعتاد وغلقت اتخذت كل الوسائل والأسباب. وحينئذٍ كلمة أنزل معروف أن الأرض يأتي المطر ثم تخضر ثم ينتهي الموسم تعود ميتة مرة ثانية وانتهى الأمر وحينئذٍ الآية الأخرى (نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا) هذا يتكلم عن إحياء مطلق لموتٍ كان مطلقاً أيضاً. في هذه الآية على كثرة ما تناولها المفسرون بالتأويل وربما لم يفرقوا والغالبية العظمى لم يفرقوا بين هذه وهذه، يعني عنده (أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً) مثل (نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً) وما انتبه إلى هذا وقلنا هذا ليس عيباً فيهم لكن هذا مسألة عصر. والقليل الذي قال هناك فرق قال نزّل للتشديد والتكثير. لو تأملنا في الآيات ودائماً نحن نعرف بأن التفسير بالمأثور (أوتيت القرآن ومثله معه) والله تعالى قال (إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ﴿19﴾ القيامة) وقال (صلى الله عليه وسلم) (إن هذا القرآن لا تقضي عجائبه) وفي كل جيل تتبع كل التفاسير ترى أن كل عصر تتطور النظرة إلى الآيات أبعد قليلاً مما سبقهم في الجيل السابق وهذا كما أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم وكما أخبر القرآن بنفسه أن هذا من طبيعة هذا القرآن (سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ﴿53﴾ فصلت) يعني هذا القرآن في كل جيل فيه معجزات، كل جيل يأتي مفسرون أو مأوِّلون يجدون في هذا القرآن معجزةً جديدة تتلاءم وظروف هذا العصر يعني كم الآن في القرآن الكريم عرفنا عن قضايا الفلك وقضايا الأقمار الصناعية وما يأتي من اكتشافات وقد أسلم بعض العلماء الكبار لأنهم وجدوا أن هذا الكلام لا يمكن أن يقوله بشر وهذا سوف يجري ويتم إلى يوم القيامة. نقول في هاتين الآيتين (أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً) ونزل المطر وماتت الأرض مرة ثانية وهكذا بشكل عام. الأرض عندما خلقها الله عز وجل خلقها ميتة ما فيها لا عمران ولا شيء والآية رب العالمين يقرأها علينا كيف أن الله خلقها بسبعة أيام ولكن خلق فيها أقواتها وقدّر فيها أقواتها في أربعة أيام هذه معروفة أن الله سبحانه وتعالى خلق الأرض على هذا الأساس ثم تطور الأمر يوماً بعد يوم قال (وَبَارَكَ فِيهَا ﴿10﴾ فصلت) رب العالمين قال (وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا ﴿12﴾ فصلت) لكن كلمة وبارك فيها (وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ ﴿10﴾ فصلت) أقواتها معروفة ما هي البركة؟ البركة يحدثنا النبي صلى الله عليه وسلم عن بركتين عظيمتين هما أساس إحياء الكرة الأرضية زراعة وصناعة وحضارة وعلماً وأدياناً وفلسفات هذا الموت الحقيقي هناك (أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا) هذا موت موسمي، هنا (نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا) من بعد موتها أي من بداية الأرض كانت ميتة بلا فلسفة ولا حضارة ولا أنبياء ولا أديان ولا ولا الخ، فرب العالمين نزل ماءً مستمراً متدفقاً إلى يوم القيامة وليس هذا فقط أخبرنا النبي (صلى الله عليه وسلم) أن هذا الماء ينبت وينبع من الجنة. تأمل أن في هذه الأرض نهران أساسهما ومنبعهما من الجنة كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم والعجيب الذي وجدته أن نفس هذا الحديث موجود في الإنجيل، يقول النبي صلى الله عليه وسلم والحديث جاء في الصحيح صحيح مسلم والبخاري وهذا طبعاً متفق عليه والمتفق عليه قضية لا يناقش فيها، أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الفرات والنيل هما من أنهار الجنة وقد جاء في كتاب بدء الخلق في صحيح البخاري ومسلم في باب ذكر الملائكة (رُفِعت إلى سدرة المنتهى منتهاها في السماء السابعة نبْقُها مثل قلال هَجَر وورقها مثل آذان الفيلة فإذا نهران ظاهران ونهران باطنان فأما الظاهران فالنيل والفرات) وأحاديث كلها بهذا كما ذكرها مسلم وغيره. والأحاديث الواردة في الفرات نفسها في التوراة في المسيحية وبحسب رواية الكتاب المقدس (إن الفرات يُعدُّ أحد أنهار الجنة جنة عدن جناتٍ عدنٍ يدخلونها) أضاف الإنجيل وطبعاً العهد الجديد والقديم أضاف أنه ليس فقط في الجنة وإنما من جنة عدن لكنه تكلم عن الفرات وحده. إذاً لو رب العالمين أراد أن يحدثنا أن هذه الأرض عندما خلقها خلقها ميتة من العلوم والأديان والحضارات وما الذي أحيا هذه العلوم التي تملأ الآن الأرض؟ وهؤلاء الأنبياء الكرام الذين جاءوا بالرسالات؟ وهذه الأديان التي رشدت البشرية؟ وهذه الفلسفات والقيم والمدنيات التي نعرفها جميعاً؟ ينص الحديثان كما تشير هذه الآية إلى أن الإحياء جرى في هذين الواديين وادي الرافدين ووادي النيل. خطر ببالي خاطر قلت إذاً لماذا اليهود ادّعوا أن أرضهم الموعودة من الفرات إلى النيل وهؤلاء في كتبهم المقدسة أن الفرات من أنهار الجنة أما كيف ينبع من الجنة هذه قضية لو تأملت فيها تبدو صعبة هذه كل الكرة الأرضية لا توازي أنملة في عالم الجنة حينئذٍ ليس من الصعب ورب العالمين أنزل الكثير أنزل الحجر الأسود وأنزل العلوم وأنزل رسل وأنزل رسالات وأنزل خيرات وأنزل ملائكة إلى هذه الأرض هذه قضية تأمل فيها تراها سهلة عند الله عز وجل حينئذٍ كون اليهود يدعون أن بلادهم من الفرات إلى النيل هذا يعني أنهم يريدون أن يقولوا إننا نحن أي اليهود أو اليهودية مصدر كل الحضارات والأفكار الصحيحة وكل ما عداها باطل والجنة مخصوصة بنا والجنة يوم القيامة لنا وحدنا وأن كل الناس في النار الخ هذا معروف عنهم. في حين أن الله عز وجل يقول أنه أحيا بهذين الواديين الكرة الأرضية كلها، كل الكرة الأرضية التي كانت ميتة من أي قيمة من القيم أو دين من الأديان أو حضارة من الحضارات كلها تغرف من هذين الواديين كل حضاراتها وأديانها وفلسفاتها وقيمها وعدلها وسلامها والتاريخ كله شاهدٌ على ذلك. كل الأنبياء حركتهم ما بين وادي الرافدين وما بين وادي النيل، بداية الخلق ابتداءً من العراق وهي بابل فهذه المنطقة المأهولة كلها، جميع المنطقة المأهولة أول ما خلق الله الأرض هذه المنطقة نينوى إلى الكوفة وإلى أربيل هذا مثلث عراقي معروف هناك هبط سيدنا آدم وهناك نوح وطوفان نوح والشلالات والتنور وكل ما جاء في كتاب الله عز وجل تلك هي الحركة ثم يتحرك الرسل من هناك إلى هذا الطريق إلى مكة إلى الشام إلى فلسطين إلى النيل. إذاً هذان الرافدين أو النهرين (وادي النيل ووادي الفرات) هما أساس الحياة في هذه الكرة الأرضية كلها قرون طويلة وآلاف السنين وليس في الأرض حضارة ولا علمٌ ولا دينٌ ولا رسلٌ ولا أنبياء إلا بعد أن فعل الله ذلك كله في هذين الواديين حصراً. من أجل هذا تجد هذين الواديين بعد أن أفرغ الله فيهما علمه وخيراته ورحماته كما في الحديث كان النبي صلى الله عليه وسلم يطوف حول الكعبة وتعرفون الكعبة كانت أركاناً الركن اليماني والركن الحجازي والركن الشامي الخ ولكل ركنٍ دعاء فكان النبي صلى الله عليه وسلم يطوف في الكعبة ويدعو مع كل ركنٍ بأهله “اللهم بارك لنا في شامنا اللهم بارك لنا في يمننا” الخ فخلفه رجل يقول يا رسول الله وعراقنا النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد عليه إلى أن سأله أعراقيٍ أنت قال نعم قال: (إن إبراهيم عندما أحرقه العراقيون أراد أن يدعو الله عليهم فأرسل الله له جبريل قال يا إبراهيم ربك يقول لا تدعو على أهل العراق فقد جعلت فيهم خزائن رحمتي وخزائن علمي) خزائن رحمتي يعني الخير وفعلاً هذين الرافدين على خلاف مصر التي فيها من العلوم والفلسفات والأديان هل تعلمون أن في مصر بعض العوائل الفرعونية أول من وحّد الله عز وجل من الأمم التي لم يأتها نبي يعني وحدوا الله عز وجل اعتماداً على فكرهم وعلى التأمل في الحياة يعني أهل فلسفات وأهل حضارات. العراق جعل الله فيه كل خير الدنيا من أجل هذا وبعد أن نشأت الحضارات وامتدت في العالم كله وأصبحت هناك أمم عظيمة هذا العراق ما قويت أمة إلا وطمعت فيه من الروم والتتار والفرس وطبعاً في العصر الحديث الإنجليز والآن الأمريكان وكل العالم يطمع في هذا البلد وكل العالم عينه على هذا البلد لأن الله جعل فيه علمه ورحمته. إذاً هذان الواديان متآخيان من حيث أنهما هما قلب الكرة الأرضية وهما قلب هذه الحضارة الدنيا (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ﴿63﴾ العنكبوت) حينئذٍ هذان الواديان في العراق كان العرب أصل الحضارة وفي مصر كان الفراعنة أصل الحضارة ثم تطورت العراقيون العرب مع الفراعنة إلى أن أصبحت الأمم على ما هم عليه إلى أن دخل الإسلام وقبل الإسلام كانوا اليهود. طبعاً لا ننكر أن اليهود كانوا نصف العالم من حيث الدين الأول وحيٍ مجردٍ ينزل بكتاب هو التوراة وقبل التوراة كانت وريقات أوراق وصحف الخ. أول وحيٍ مجرد يأتي الوحي مع جبريل عليه السلام هو على بني إسرائيل. وبنو إسرائيل كما تعرفون هم الثقل الكبير في وادي النيل وفلسطين كما هو معروف كما هو في القرآن الكريم. والقرآن الكريم يتحدث عنهم من الصفحة السابعة في الأول إلى الصفحة السابعة في النهاية ولا ينكر تأثيرهم ولكن الله سبحانه وتعالى أخبر العالم كله بمن هم هؤلاء القوم والقرآن مليء بذلك وستأتي بعض الآيات التي تشير إلى هذا مما فيها متشابه. من أجل ذلك يبقى هذان الواديان مرتبكان ليس فيهما استقرار لكثرة ما فيهما من مطامع والتاريخ المعاصر شاهدٌ على ما نقول إضافةً إلى التاريخ الماضي الذي امتدت حدود المصريين إلى عدة مساحات حولهم في إفريقيا وفي سوريا وفي فلسطين، والعراق وبابل تعرفون أيضاً تاريخ العباسيين الخ. حينئذٍ نقول هذا الذي نقول به يطمئننا إلى أن الله سبحانه وتعالى له في هذين الواديين شأن وكل الأنبياء حصراً في هذين الواديين حركة وتشريعاً ودعوة وفي هذين الواديين نبتت كل حضارات الأرض وما من حضارة على وجه الأرض إلا وأصولها في هذا الوادي أو في هذا الوادي. حينئذٍ نقول أن كل هذه الحضارات والعلوم التي بدأت في هاتين الحضارتين يُعتبر هذان الواديان مبدأ تحضّر العالم ومن هنا كم هي الجريمة تتضاعف وتبدو همجية جداً عندما يأتي جيشٌ يدّعي أنه متحضر ثم يمسح هاتين الحضارتين مسحاً كما حصل في التاريخ لمصر من الفرنسيين وغيرهم وكما حصل للعراق أيضاً من الإنجليز وغيرهم الآن هذا الاحتلال الهمجي الذي نقض هذه الحضارة حجراً حجراً وشبراً شبراً. طبعاً علم الحضارة من يقرأ التاريخ ويقرأ عن عناصر الحضارة في هذا البلد في هذا الوادي وادي النيل ووادي الفرات يرى عجباً. أما إبداعاتهم الأدبية والتاريخية والفنية والعمرانية والأخلاقية والفلسفية قضية إلى الآن لم يصل العالم إلى أدنى مستوياتها ولكن القوة غلبت، قوة السلاح وقوة الجيش ثم الخلل الذي أصاب هاتين الحضارتين على امتداد التاريخ في بعض مفاصل هذه الحضارة أثر تأثيراً مؤقتاً ولكن الحضارة الأصيلة كحضارة هاذين الواديين لا يمكن أن تنقطع وإنما لله فيها شأن يمكن أن تستمر إلى يوم القيامة كما تخبرنا النصوص أنه إلى يوم القيامة هناك أثرٌ قادمٌ لهاتين الحضارتين في إصلاح الدنيا. إذاً هذا الذي جرى كلمة نزّل الاستمرار إنزال النيل والفرات بل النبي صلى الله عليه وسلم يقول لو أن أحدكم وضع إصبعيه في أذنيه لسمع هدير هذين النهرين.
آية (63):
*ما الفرق بين قوله تعالى (من بعدها) في سورة العنكبوت مع أنه ورد في القرآن كله (بعدها)؟(د.فاضل السامرائى)
قال تعالى في سورة العنكبوت (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّن نَّزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِن بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ {63}) وفي القرآن كله وردت (بعد موتها) بدون (من) كما في سورة البقرة (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ {164}) وسورة النحل (وَاللّهُ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ {65}) وسورة فاطر (وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ {9}).
وآية سورة العنكبوت هي الموطن الوحيد الذي وردت فيه (من بعد موتها) ، واستعمال (بعد موتها) فقط يحتمل البعدية القريبة والبعيدة، أما (من بعد موتها) فهي تدلّ على أنها بعد الموت مباشرة أي تحتمل البعدية القريبة فقط دون البعيدة. وإذا استعرضنا الآيات في سورة العنكبوت قبل الآية نجد أن الإحياء كلن مباشرة بعد موتها وبدون مهلة ومجرّد العقل كان سيهديهم إلى أن الله تعالى هو القادر على إحياء الأرض من بعد موتها.
آية (64):
*ما دلالة تقديم وتأخير اللهو على اللعب في آية سورة العنكبوت؟(د.فاضل السامرائى)
كل الآيات في القرآن جاء اللعب مقدّماً على اللهو إلا في هذه الآية من سورة العنكبوت: (وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ {64}). ولو لاحظنا الآية التي سبقت هذه الآية في نفس السورة (اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ {62}) فالرزق ليس مدعاة اللعب وإنما مدعاة اللهو كما في قوله تعالى في سورة المنافقون (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ {9}) ففي الآية نهي من الله تعالى للمؤمنين عن الالتهاء بجمع الأموال. والعباد عموماً يلتهون بالمال سواء كانوا ممن بسط الله تعالى لهم الرزق أو ممن قُدر عليهم رزقهم، وعليه تقدّم ذكر اللهو على اللعب في آية سورة العنكبوت دون باقي السور.
*ما دلالة كلمة (الحيوان) في التعبير عن الدار الآخرة في سورة العنكبوت؟(د.فاضل السامرائى)
قال تعالى في سورة العنكبوت (وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ {64}). الحيوان مصدر على وزن فعلان مثل غثيان وفيضان ودوران وغليان. والحيوان صيغة في المصادر تدلّ على الحركة المستمرة والحدوث وهي أعلى أنواع الحياة لأن من أهم صفات الحياة الحركة، فالحياة الدنيا عبارة عن نوم وسُبات بالنسبة للآخرة وهي ليست حياة إذا ما قورنت بالآخرة من حيث الحركة المستمرة. والآخرة كلها حركة وفيها سعي وتفكر وانتقال وليس فيها نوم. ولو استعملت كلمة الحياة لدلّت على التقلب فقط ولم تدل على الحركة والحدوث فناسب استعمال كلمة الحيوان مع الحركة والحدوث الذي يكون في الآخرة.