سورة محمد
آية (4):
*ما سبب نصب (فضربَ) في قوله تعالى: (فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ) ؟(د.فاضل السامرائى)
ضربَ الرقاب: ضربّ مفعول مطلق فاضربوا ضربَ الرقاب.
مثل صبراً جميلاً يقول النحاة إنه منصوب لأنه هذا الضرب موقوف في هذه المعركة فقط (فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) وليس كالملاقات العادية في الشارع والطرقات.
آية (5):
*ما معنى الهداية بعد القتل في قوله تعالى في سورة محمد (سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ (5) محمد) والآية وردت في حق الذين قتلوا؟(د.حسام النعيمى)
هذه الآية جاءت ضمن مجموعة من الآيات تتحدث عن نتائج غزوة أُحُد. وفي أُحُد كان عدد من الشهداء غير طبيعي بالقياس إلى بقية غزوات الرسول (صلى الله عليه وسلم). والآية في سورة محمد: (فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاء اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ (4) سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ (5) وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ (6)). قبل قليل قلنا في لدنّي ولدني أن جمهور القُرّاء قرأوا لدنّي وهنا جمهور القُرّاء قرأوا (والذين قاتلوا في سبيل الله) فيُنتفى السؤال عند ذلك. لكن يبدو أن السائل من شمال أفريقيا من أهل المغرب لأن أسئلته تشير إلى روايات في شمال أفريقيا، الذين قاتلوا في سبيل الله لن يضل الله أعمالهم، سيهديهم ويصلح بالهم الهداية للأحياء لكن السؤال الذي أثاره السائل أن حفص قرأ (قُتِلوا) معنى ذلك أن شعبة قرأ (قاتلوا) وهما راويا عاصم. قلنا أن القبائل حول الكوفة كثيرة وعاصم سمع من هؤلاء وهؤلاء فأقرأ حفصاً قُتلوا وأقرأ شعبة قاتلوا. لأن هذه القبائل نقلت هذه القراءة عن الرسول (صلى الله عليه وسلم) والتغير في الفعل لا يحتمل تغييراً كبيراً لأن الذين قاتلوا في سبيل الله سيهديهم ويصلح بالهم والذين قتلوا كانوا قد قاتلوا في سبيل الله فهؤلاء وهؤلاء سواء، فإذا كانوا قاتلوا فهذه بشارة لهم أن الله تعالى سيدخلهم الجنة، هؤلاء الذين كانوا مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، الذين أقاموا دعائم الدين. الهداية تتعلق في الحالين الذين قاتلوا والذين قتلوا: هم قاتلوا وقتلوا والمقتول كان قد قاتل فالذين قاتلوا سيهديهم لكن نوع الهداية: الهداية هنا للمقتولين للجنة ويصلح بالهم ويرتاحون عندما يدخلون الجنة (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَـذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ لَقَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (43) الأعراف) هذا في الجنة، فالهداية إلى الجنة والهداية في الجنة يتحدثون عن الهداية فالشهيد يهديه الله سبحانه وتعالى إلى الجنة ويصلح باله ويرتاح فيها، وغير الشهيد المقاتل أيضاً يهديه الله في الدنيا والآخرة لأنه قاتل في سبيل الله فكأن الله سبحانه وتعالى يبشّره بالجنة فالأمران سواء والقراءتان تؤديان إلى معنى واحد. قراءة قُتِلوا لم يتفرد بها حفص وإنما أبو عمرو يعني أهل البصرة جميعاً قرأوا (قُتِلوا) وقبائل في الكوفة قرأوا قُتِلوا وكثير من قبائل العرب وسائر السبعة كانوا يقرأون (قاتلوا) القراءة لأبي عمرو وحفص عن عاصم والنتيجة كما قلنا واحدة.
سؤال: لماذا نصب كلمة (ضرب) وما إعراب ضربَ في قوله تعالى: (فضربَ الرقاب)؟
هي منصوبة وبعض العلماء يعربه صفة لموصوف محذوف ومنهم من يعربه مفعول مطلق يعني (فاضربوا الرقاب ضرباً) هذا مفعول مطلق، أو (فعليكم ضرب الرقاب) لكن إعرابها مفعول مطلق منصوب. فضربَ الرقاب أي فاضربوا الرقاب ضرباً، الفعل محذوف كما تقول للشخص : كتابةً درسك (مفعول مطلق لفعل محذوف تقديره أُكتب) فإذا قلت: كتابةَ الدرسِ (مفعول مطلق حذفت التنوين لأنها أضيفت (عند الإضافة يحذف التنوين). (فضرب الرقاب) الرقاب في الأصل مفعول به وأضيف المصدر إلى معموله، لو نوّن في غير القرآن فقال فضرباً الرقاب إذا نوّن ينصب وإذا أضاف يحذف التنوين عند الإضافة.
ما اللمسة البيانية في قوله تعالى (فضرب الرقاب) ؟
هذه أبلغ وكأن فيه نوع من الإسراع في القتل فبدل أن يقول: فاضربوا الرقاب ضرباً هو يريد التأكيد فحذف وبدأ بها (فضربَ الرقاب). لذلك يقول القرآن (فشرّد بهم من خلفهم) المؤمنون في القتال أشداء على الكفار رحماء بينهم، في القتال شديداً لكنه يرحم الصغار والأطفال والشيوخ والرهبان في صوامعهم أما أمام المقاتل فيكونوا أشداء شدة تشرّد بها من خلفهم حتى إذا تسامع الناس كيفية قتال المسلمين يخافون، لا يكون قتالهم ضعيفاً ليّناً لذا بدأ (فضرب الرقاب) تدخل عليهم هكذا أو تدخل الرقاب. (حتى إذا أثخنتموهم) نتيجة ضرب الرقاب أثخنتموهم معناه بدأتم تأخذون أسرى (فشدوا الوثاق) ما عندنا قتال بدون أسرى، لا يجوز وما من قتال بدون أسرى لذلك خالد بن الوليد في اليرموك لما كان العدو مضاعفاً أضعاف المسلمين أضعافاً كثيرة لم يشأ خالد أن يحصر المشركين وإنما ترك لهم مجالاً للهرب طوقهم من ثلاث جهات وترك لهم جهة للفرار لأن الغرض ليس أن تقتل وإنما الغرض أن تزيح من أمامك الجيش الذي يمنع دعوة الله من الوصول إلى الناس (لا إكراه في الدين) لما يكون هناك جيش أمامك يمنعك من الوصول إلى هؤلاء عند ذلك ينبغي أن تزيحه وتصل إلى الناس ولا إكراه في الدين وكان هناك في عهد الإسلام من يعبد النار.
استخدم في بقية الآية أفعال (فشدوا، فشرّد،) إلا في (فضرب الرقاب) فما دلالة هذا الاستعمال؟
المصدر هو للتأكيد، لتأكيد فعله، فكان ممكناً في غير القرآن أن يقول: فاضربوا رقابهم ضرباً وهذا هو المعنى، وقارن أو وازن بين قولنا (فإذا لقيتم الذين كفروا فاضربوا رقابهم ضرباً) هذه نائمة فيها رخاوة لكن قوله تعالى: (فضرب الرقاب) هذا الفعل أسقطه وجاء بالمؤكد، (ضرباً) فيها توكيد فحافظ على التوكيد وفيها معنى السرعة في المجابهة (فضرب الرقاب)، أنت لقيته فينبغي أن تكون شديداً. هذه الشدة ليست مطلوبة بعد ذلك في لفظ أثخنتموهم لم يقل إثخاناً أو فإثخاناً، لكن قال: (فإذا أثخنتموهم) أي إذا وقع هذا منكم تقومون بعمل شد الوثاق للأسرى ثم بعد ذلك (فإما منّاً بعد) لاحظ الإسلام، قدّم المنّ الذي هو العفو والصفح عن الأسرى، إذن ليست المسألة مسألة حقد إنما إزاحة هذه العقدة التي تحول بيني وبين إبلاغ رسالة الله تعالى فإذا زالت هذه القوة هؤلاء الذين كانوا يقاتلونني وهم حريصون على قتلي قدّم الله عز وجل المنّ فأعفو عنهم.
(منّاً) مفعول مطلق و (إما) تفصيلية، حرف تفصيل إما كذا وإما كذا.
(بعدُ) (لله الأمر من قبلُ ومن بعدُ) ظرف زمان مبني على الضمّ وعندما تضيف يمكن أن تقول (قبلَ صلاة الظهر). الأصل أن يكون مبنياً، ما هو البناء؟ يقولون الكلمة العربية لها ثلاث مراتب: المرتبة العليا: الاسم المتمكن الأمكن يكون مُعرباً ويُجرّ بالكسرة وينوّن مثل زيدٌ. المرتبة الثانية مرتبة الفعل لا ينوّن ولا يُجرّ بالكسرة فإذا الاسم هبط من الرتبة الأولى إلى الرتبة الثانية تُسلب منه هاتان الصفتان لأن صار يشبه الفعل، لما نأتي إلى كلمة زينب مثلاً اسم علم لكن اسم علم مؤنث أشبه بالفعل في جوانب لا يجرّ بالكسرة ولا ينوّن، تقول: سلّمت على زينبَ لا ينوّن ولا يُجرّ بالكسرة. وإذا هبط الاسم إلى الدرجة الثالثة يُبنى لأن الدرجة الثالثة الحرف مثل كلمة سيبويهِ (مبني).
(قبلُ): هبطت إلى الدرجة الثالثة فبنيت لكن إذا عورضت عورض شبه الحرف بخاصة من خصائص الأسماء تنتشلها إلى الأعلى وترفعها. (من قبلُ) مبني على الضمّ. الإضافة من خصائص الأسماء ولا تكون الإضافة بين الأفعال. فهذا الاسم المبني عندما يضاف أعطيناه خاصة من خصائص الأسماء فعورض شبه الحرف – والحرف لا يضاف – فعورض شبه الحرف بخاصة من خصائص الأسماء فرجع له الكسر، (من قبلِهِم) (من قبلِ هذا) يجر الكسرة عند ذلك لأن الإضافة من خصائص الأسماء كأن الإضافة انتشلته ورفعته إلى الأعلى.
آية (15):
*ما دلالة عدم ذكر كلمة تجري للأنهار في قوله تعالى: (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاء غَيْرِ آسِنٍ…)؟ (د.فاضل السامرائى)
في قوله تعالى في سورة محمد: (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاء غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاء حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءهُمْ {15}) لم ترد كلمة تجري للأنهار لأن الماء الآسن لا يكون إلا بركود الماء فلم يتطلب السياق ذكر كلمة تجري، أما في قوله تعالى: (تجري من تحتها الأنهار) لم يكن هناك من داع لتحديد غير آسن لأنه جاء وصف الأنهار بالجريان الأمر الذي لا يؤدي إلى أن تأسن الماء.
*ما الفرق بين حميم ويحموم؟(د.فاضل السامرائى)
الحميم هو الماء الحار (وَسُقُوا مَاء حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءهُمْ (15) محمد) من حمّ والحمّى. والحميم يأتي من الشيء وضده حتى أنه يستعمل للماء البارد أيضاً (مشترك لفظي). اليحموم هو الدخان الأسود الشديد السواد (وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ (43) الواقعة).
آية (16):
*ما اللمسة البيانية في استخدام المفرد مرة والجمع مرة أخرى في الآية (ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا)؟ (د.فاضل السامرائى)
(من) لها لفظ ومعنى ويُعبّر عنها بالواحد أو الجمع، يقال جاء من حضر (اللفظ مفرد مذكر وحقيقتها مفرد أو مثنى أو جمع).
هناك قاعدة نحوية تقول: في كلام العرب يراعى المفرد أولاً ثم الجمع كما في قوله تعالى: (ومن الناس من يقول آمنا … وما هم بمؤمنين) وقوله: (ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا) وقوله: (ألا في الفتنة سقطوا) وليس غريباً هذا الاستخدام في اللغة.
(من) في اللغة تستعمل للمفرد والمثنى والجمع والمذكر والمؤنث وعادة نبدأ لفظها أولاً على حالة الإفراد والتذكير ثم نحملها على معناها وهذا هو الأفصح عند العرب. كما في قوله تعالى (يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين) (ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحاً) نأتي بالإفراد والتذكير أولاً ثم يؤتى بما يدل على المعنى من تأنيث أو جمع أو تثنية.
*متى يأتي فعل (يستمع)متعدياً في القرآن الكريم؟ (د.فاضل السامرائى)
هنالك أمر في القرآن الكريم: حيث عدّى الاستماع حيث يقول (إليك) لا بد أن يجري ذكر الرسول في سياق الآية. إذا قال إليك فلا بد أن يذكر شيئاً يتعلق بالرسول (صلى الله عليه وسلم). مثال (وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا حَتَّى إِذَا جَآؤُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَآ إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ (25) الأنعام) المخاطب هو الرسول (صلى الله عليه وسلم). لما ذكر إليك (حَتَّى إِذَا جَآؤُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَآ إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ)، (وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِندِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا أُوْلَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ (16) محمد) متعلق بالرسول (صلى الله عليه وسلم) (قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا). (وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُواْ لاَ يَعْقِلُونَ (42) يونس) المخاطب هو الرسول (صلى الله عليه وسلم). (نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُورًا (47) الإسراء) حيث يقول (يستمعون إليك) أو (يستمع إليك) يجري ذكر الرسول (صلى الله عليه وسلم) في السياق وهنا في آية الجن لم يرد ذكر الرسول مطلقاً. هو القصد ذكر القرآن وليس ذكر القارئ القرآن هو القصد وليس الرسول (صلى الله عليه وسلم). فلم يعدّي الاستماع إليه.
آية (19):
*سألناك في حلقة سابقة عن الآية التي استوقفتك طويلاً فهل حدث شيء مثل هذا أثناء كتابة كتاب معاني النحو؟ (د.فاضل السامرائى)
وأنا أؤلف معاني النحو حدثت حادثة غريبة أنا عادة كل موضوع قبل أن أشرع في الكتابة فيه أضع خطة للموضوع ما يتعلق بالمعنى يعني الفاعل، المبتدأ والخبر، أضع خطة لكل موضوع وأكتب فيه إلى أن وصلت إلى لا النافية للجنس, أيضاً وضعت الخطة ورجعت للمراجع والقرآن وبدأت أكتب وإذا واحد بالمنام يأتيني وقال: هناك مسألة في لا النافية للجنس لم تذكرها، قلت له ما هي؟ قال ما الفرق بين لا رجلَ في الدار وما من رجلٍ في الدار مع أن كليهما لنفي الجنس؟ (من) الاستغراقية لنفي الجنس (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ (19) محمد) و(وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (65) ص) كلاهما لنفي الجنس، وما كنت قد فكرت بها أصلاً ولا أدرجتها في الخطة. سألني لم تذكر الفرق بينهما في المعنى فقلت له صحيح وذكرت له الجواب في المنام واستيقظت فقال صح ثم استيقظت فتذكرت السؤال ونسيت الجواب. بدأت أبحث في الكتب ولم تذكر الكتب الفرق بينهما. لا أعلم من الهاتف الذي جاءني في المنام، بقى السؤال في ذهني ولم أذكر ماذا أجبته. رجعت إلى المراجع التي بين يدي فلم أجد، في كتب النحو التي بين يدي لم أجد هذا الجواب فبدأت من جديد أنظر في المسألة رجعت للقرآن من جديد وأفكر وبقيت أكثر من نصف شهر أفكر في المسألة وأقلب فيها ثم اهتديت إلى الجواب فتذكرت أن هذا الجواب هو الذي أجبت الهاتف به. بداية لا النافية للجنس يعني تستغرق كل الجنس المذكور يعني لما تقول لا رجلَ جميع الرجال لا واحد ولا أكثر كل هذا الجنس هو منفي، بينما لما تقول ما من رجل أيضاً تنفي استغراق الجنس (من) زائدة هذه تفيد استغراق الجنس كله، إذن ما الفرق بينهما إذا كان المعنى واحداً؟ والقرآن يستعملهما (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ (19) محمد) (وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (65) ص) ؟ لا النافية للجنس يقولون هي جواب لـ (هل من) يعني كأن سائلاً سألك هل من رجل في الدار؟ فتقول له لا رجلَ في الدار، هذه إجابة على سؤال (هل من؟) لما تقول هل رجلٌ في الدار؟ جوابه لا رجلٌ في الدار (لا هنا نافية) ولما تقول هل من رجلٍ في الدار؟ جوابه لا رجلَ في الدار (هذه لا النافية للجنس). (من) زائدة لاستغراق الجنس، هل رجل يحتمل واحداً أو أكثر أما هل من رجل ينفي الجنس لا رجل ولا اثنان ولا أكثر، هذه قاعدة مقررة. إذن لما تقول هل رجلٌ في الدار جوابه لا رجلٌ في الدار و(لا) هنا نافية، هل من رجل في الدار تجيبه لا رجلَ في الدار، هذا مقرر في اللغة وهنا (لا) نافية للجنس. فإذن لما تقول لا رجلَ هو جواب لـ(هل من)؟، هذه جواب سائل. أما ما من رجل في الدار هذا ليس جواب سائل وإنما رد على من قال لك إن في الدار رجلاً. لا النافية للجنس إجابة على سؤال وما من رجل رد على قول إن في الدار رجلاً. لا رجلَ إعلام لسائل وإخبار عن شيء لا يعلمه أو جواب عن سؤال، أما ما من رجل فهو رد على قول. مثال (لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَـهٍ إِلاَّ إِلَـهٌ وَاحِدٌ (73) المائدة) (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ (8) البقرة) (وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ (13) الأحزاب) هذه رد، (وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ (78) آل عمران) (وَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ وَمَا هُم مِّنكُمْ (56) التوبة) هذا رد. بينما (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ (256) البقرة) هذا تعليم وليس رداً على قول، (ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (2) البقرة) هذا أمر، (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ (19) محمد) هذا إخبار. الفرق الثاني أنه بـ (ما) هذه و(من) نستطيع نفي الجنس بـ(ما متصلة ومنفصلة)، بمعنى أني لا أستطيع أن أنفي بـ (لا النافية) إذا كان منفصلاً، لا أستطيع أن أقول لا في الدار رجل، يمكن أن أقول لا في الدار رجلٌ لا يمكن أن ننفي الجنس هنا وتكون (لا) هنا مهملة (لَا فِيهَا غَوْلٌ (47) الصافات). أما (ما) فيمكن أن تكون متصلة أو منفصلة (فَمَا لَنَا مِن
شَافِعِينَ (100) الشعراء) (مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ (59) الأعراف) لا يمكن أن نقول لا لكم من إله غيره. فإذن (ما) تكون أوسع في نفي الجنس. إذن هنالك أمران أن (لا) جواب عن سؤال وإخبار وإعلام و(ما) رد على قول و (ما) هي أوسع استعمالاً لنفي الجنس من (لا). إذن هنالك لا النافية للجنس و (ما من) ما تُعرب نافية لأن الجنس يأتي من (من) ولا يأتي من (ما) والتركيب (ما من) نافية للجنس، (من) تسمى من الاستغراقية ونعربها زائدة لكن معناها استغراق نفي الجنس.
آية (22):
*ما معنى عسى في القرآن؟(د.فاضل السامرائى)
عسى طمع وترجي وذكرنا (فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ (52) المائدة) يكون الإنسان راجياً يقول (قَالَ عَسَى رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاء السَّبِيلِ (22) القصص) وقد تأتي للتوقع (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) محمد) هل عسيتم أي هل توقعتم أن تفعلوا. الفيصل في تحديد المعنى هو السياق والمعجم يعطي معنى الكلمة مفردة. ولا يصح الاستناد إلى المعجم وحده للفهم حتى في كل اللغات لا يمكن ترجمة النص من مجرد المعجم وإنما السياق.
آية (24):
*ما دلالة (أم) في قوله تعالى: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24) محمد)؟ هل هي متصلة أو منقطعة؟(د.فاضل السامرائى)
العلماء يختلفون أحياناً في تفسير النص سواء كان آية أو غيرها. سيبويه ذهب إلى أنها متصلة. المتصلة يعني هي التي يُجرّ عنها بالتعيين لا يستغني ما بعدها عما قبلها مثلاً: أعندك دفتر أم قلم؟ ستجيب عندي كذا. أرأيت محمداً أم خالداً؟ يجاب عنها بالتعيين بمعنى أيّ، أيهما عندك؟ أنت تجيب بالتعيين هذا أو ذاك، أضربت خالداً أم وبّخته؟ تجيب بالتعيين. تصير متصلة وقد تكون بعد سواء (سَوَاء عَلَيْنَآ أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ (21) إبراهيم) (وَسَوَاء عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ (10) يس). المنقطعة بمعنى (بل) جملة منفصلة (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (36) أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ (37) إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا يَتَخَيَّرُونَ (38) أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ (39) القلم) بمعنى (بل)، (أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ (28) ص) بمعنى بل أنجعل؟ (أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ (39) الطور) (أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُم بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ (38) الطور) (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ (3) السجدة) بمعنى (بل)، (هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء (16) الرعد) ينتقل إلى أمر آخر وسؤال آخر (أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ) وما بعدها ليس مرتبطاً بما قبلها، هذه المنقطعة. أما المتصلة فلا يستغني ما قبلها عما بعدها: عندك فلان أم فلان؟. المنقطعة جمل منفصلة أهذا أم هذا؟ بمعنى (بل) هذا يسمى إضراب عن حُكم آخر. (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (36) أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ (37)إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ (38) أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ (39) القلم) بمعنى (بل)، (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ (21) الشورى) كلها يضرب سؤالاً ثم ينتقل إلى سؤال آخر ثم إلى سؤال آخر فهي منقطعة. بالنسبة للآية (أفلا يتدبرون القرآن) فيها احتمالان:
• يحتمل لذلك سيبويه قال أرى أنها متصلة يعني هل حصل أو هذا؟ أفلا يتدبرون القرآن الذي وصل إليهم أم على قلوب أقفالها؟ ستجيب بأحدها مثلاً على قلوب أقفالها، المنقطعة أفلا يتدبرون القرآن بل على قلوب أقفالها هذه للتوبيخ، هذا إضراب وليست مرتبطة. فالآية تحتمل إما أنها متصلة على رأي سيبويه .
• والآخر (أفلا يتدبرون القرآن) يعني هم ليسوا متدبرين بل على قلوب أقفالها. فإذن النص يحتمل ولذلك كان هنالك رأيان عند العلماء: قسم قال هي متصلة وذهب إلى معنى الاتصال وقسم قال هي منقطعة يراد بها التوبيخ. ذكرنا سابقاً أن التعبيرات في العربية على قسمين تعبيرات احتمالية تحتمل أكثر من معنى وتعبيرات قطعية ليس لها إلا معنى واحد ودلالة واحدة والاحتمالية قد يراد أكثر الاحتمالات حتى يتسع المعنى فهذه من التعبيرات الاحتمالية.
* ما دلالة تأخير (أقفالها) في قوله تعالى ((أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24) محمد))؟ (د.فاضل السامرائى)
الضمير في (أقفالها) يعود على متقدم فلو أخّرنا الضمير يصبح على متأخر لفظاً ورُتبة وهو لا يصح في الكلام فلا نقول أقفالها على قلوب
آية (30):
*ما دلالة (لو) وهل هي أداة جازمة؟ (د.فاضل السامرائى)
(لو) ليست من الأدوات الجازمة هي من أدوات الشرط غير الجازمة مثل (إذا) ولها معاني قد تكون حرف امتناع لامتناع أو حرف شرط من دون امتناع وهي لا تجزم أصلاً مثل (وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ (30) محمد) وبعدها الفعل المضارع يكون مرفوعاً.
آية (31):
*ما دلالة (نعلم) مع أن الله تعالى هو العليم الخبير(وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ (31) محمد)؟ (د.فاضل السامرائى)
لا شك هو ربنا عالم بالشيء قبل وقوعه وهو الذي كتب كل شيء لكنه هو يقصد العلم الذي يتعلق به الجزاء. ربنا يجازي الشخص على عمله لا على علمه فقط، يعلم ويعمل ويجازيه. هذا العلم الذي يتعلق به الجزاء وهو في القرآن كثير (وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ (25) الحديد) ربنا يعلم لكن يريد من ينصره ورسله في واقع الحياة، لمقصود علمه بعد عمل المرء. (إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ (143) البقرة) هو يعلم قبل ذلك لكن علم يتعلق به الجزاء، تطبيق على ما في علم الله (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ (31) محمد).
* ما الفرق بين النبأ والخبر؟ (د.فاضل السامرائى)
النبأ كما يقول أهل اللغة أهم من الخبر وأعظم منه وفيه فائدة مهمة (وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (22) النمل) وفي القرآن النبأ أهم من الخبر (قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ (67) ص) (عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (2) النبأ). والنبأ في اللغة هو الظهور وهناك فرق بين الخبر والنبأ العظيم. وفي أخبار الماضين والرسل استعمل القرآن نبأ (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ فَذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (5) التغابن).
وقد يسأل أحدهم جاء في القرآن قوله تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ (31) محمد) فلم لم يقل نبلوا أنباءكم؟
هذا يدل على عِظم النبأ لأنه إذا بلى القليل من الأخبار فقطعاً سيبلي الكثير وإذا اختبر القليل فهو بالتأكيد يختبر الكثير. وإذا قال نبلوا أنباءكم تحتمل أن تعني لا يبلوا أخباركم فهل إذا بلى ما هو قليل سيترك ما هو أعظم؟ بالطبع لا فهو سيبلو الأنباء التي هي أعظم.
والصيغة الفعلية للنبأ (أنبأ) أقوى أيضاً منها للخبر (أخبر) (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الكهف).
ملحوظة: في نشرات الأخبار التي تقدمها الإذاعات إن كان الخبر عظيماً يجب أن يقال نشرة الأنباء وإن كان خبراً عادياً يقال نشرة الأخبار.
والمُراد من هذا كله أن النبأ أعظم من الخبر.
آية (33):
*لماذا يرد في القرآن أحياناً أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأحياناً أخرى يرد وأطيعوا الله والرسول؟(د.فاضل السامرائى)
في القرآن قاعدة عامة وهي أنه إذا لم يتكرر لفظ الطاعة فالسياق يكون لله وحده في آيات السورة ولم يجري ذكر الرسول (صلى الله عليه وسلم) في السياق أو أي إشارة إليه كما جاء في سورة آل عمران (وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ {132}). والأمر الآخر أنه إذا تكرر لفظ الطاعة فيكون قطعياً قد ذُكر فيه الرسول في السياق كما في قوله تعالى (قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ {54} النور) و(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ {33} محمد) وهذا ما جرى عليه القرآن كله كقاعدة عامة.
آية (34):
*ما دلالة ذكر الفاء وحذفها في بعض الآيات؟(د.فاضل السامرائى)
هناك أمران: الأول أن الفاء تكون للسبب (سببية) ” درس فنجح” هذا المشهور في معناها (درس فنجح) فإذا كان ما قبلها سبباً لما بعدها أي الذي قبل يفضي لما بعدها يأتي بالفاء ولا يأتي بالواو لأنه لمطلق الجمع. سواء كانت عاطفة “لا تأكل كثيراً فتمرض” يُنصب بعدها المضارع. ينبغي أن نعرف الحكم النحوي حتى نعرف أن نجيب.
هذا حكم عام ثم إن الفاء يؤتى بها في التبكيت أي التهديد. لو عندنا عبارتين إحداهما فيها فاء والأخرى بغير فاء وهو من باب الجواز الذِكر وعدم الذِكر نضع الفاء مع الأشد توكيداً. (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْرًا لَّمْ يَكُنِ اللّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً (137) النساء) ليس فيها فاء. (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ (34) محمد) لأنهم لا تُرجى لهم توبة. وفي الأولى هم أحياء قد يتوبون. لما لم يذكر الموت لم يأت بالفاء ولما ذكر الموت جاء بالفاء (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْرًا لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الضَّآلُّونَ (90) آل عمران) (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ الأرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ (91) آل عمران) الآيتان فيهما نفس التعبير: النفي بـ (لن) واحدة جاءت بالفاء (وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ) انتهى عملهم. النُحاة يقولون قد تأتي الفاء للتوكيد.
لماذا لا نفهم نحن القرآن الآن كما فهموه في السابق؟
لأنهم كانوا يتكلمون اللغة على سجيتها ونحن نتعلم لا نعرف النحو ولا البلاغة. علم اللغة نفسها لا نأخذه إلى على الهامش ولا نُحسن الكلام أصلاً. علم النحو مفيد في فهم نص القرآن الكريم. والعلماء يضعون للذي يتكلم في القرآن ويفسره شروطاً أولها التبحر في علوم اللغة وليس المعرفة ولا تغني المعرفة اليسيرة في هذا الأمر. النحو والتصريف وعلوم البلاغة من التبحّر فيها يجعلك تفهم مقاصد الآية فإذا كنت لا تعرف معنى الواو والفاء ولا تعرف ما دلالة المرفوع والمنصوب لن تفهم آيات القرآن.
آية (36):
*قال تعالى (إنما الحياة الدنيا لعب ولهو) عدد أشياء كثيرة وفي غير موطن في القرآن قال (إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ (36) محمد) فقط ولم يذكر بقية الأطوار كما في آية الحديد، لماذا؟(د.فاضل السامرائى)
أحياناً يقتصر على اللعب واللهو لأن ما ذكره بعدها يندرج (الزينة وما بعدها) يندرج في اللهو فإذا أراد أن يفصّل فصّل وإذا أراد أن يُجمِل وقف عندها. الزينة قد تُلهي والتفاخر يلهي والتكاثر يلهي. الله تعالى سمّى المال والبنون زينة (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا (46) الكهف) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ (9) المنافقون) دخلت في الزينة والزينة دخلت في اللهو. ما ذُكِر في الزينة دخل هنا في اللهو. قال تعالى (ألهاكم التكاثر) دخل التكاثر في اللهو، أطلق التكاثر. لما فصّل في آية الحديد (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) فصّل وعندما أراد أن يُجمِل يقف عند الأصل والباقي يدخل فيه (وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ (32) الأنعام) وقف عندها وما مثّل (إِنَّمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِن تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ (36) محمد). يقولون البلاغة مطابقة الكلام لمقتضى الحال أراد التفصيل يفصّل، أراد الإجمال يُجمِل.
آية (37):
*ما دلالة استخدام صيغة المضارع في قوله تعالى: (إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ (37) محمد) ؟(د.فاضل السامرائى)
استخدام صيغة الماضي والمضارع في القرآن كثير مثل قوله تعالى (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (93) النساء) أي كلما سنحت له الفرصة قتل وهذا دليل التكرار لذا جاء الفعل بصيغة المضارع. وكذلك في قوله تعالى (ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه) صيغة المضارع لأن الشكر يكون في كل لحظة على كل نعم الله أما (ومن كفر) جاء بصيغة الماضي لأن الكفر يحصل مرة واحدة فقط. وقال تعالى (إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ (37) محمد) سؤال متكرر لأن سؤال الأموال متكرر فجاء الفعل بصيغة المضارع، وقال تعالى (قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا (76) الكهف) السؤال حصل مرة واحدة فجاء بصيغة الماضي.