سورة الرحمن
*ما العلاقة بين علم القرآن وعلم البيان (الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآَنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4))؟(د.حسام النعيمى)
السؤال عن سبب ترتيب الآيات كأن الذي يخطر في بال السائلة أن يقول في غير القرآن: الرحمن خلق الإنسان علمه البيان علمه القرآن. يبدأ بخلق الإنسان وتعليم البيان ثم تعليم القرآن. الأمر ليس أمر ترتيب تاريخي، القرآن لا يتحدث حديثاً تاريخياً وإنما هذه السورة تبدأ باسم الرحمن وأسماء الله سبحانه وتعالى كلها تتضمن معنى الصفة. لما تقول الرحمن تتخيل الرحمة إلا الاسم الأعظم الذي هو الله لفظ الجلالة عندما تقول الله يخطر ببالك ما يخطر من صفات الله: الرحمن، الرحيم، الملك، السميع، البصير كل ما يخطر في بالك : الله. هنا بدأ: الرحمن وجمهور الآيات تدل على رحمته سبحانه وتعالى وأوضحها (فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) هذه النعم التي أنعمها هي نعمة الرحمن فبدأ بالرحمن ومن رحمته أنه علّم القرآن لمحمد (صلى الله عليه وسلم) من أعظم رحمة الله عز وجل أنه علّم القرآن لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) حتى يبثه للناس. هنا انتقل إلى خلق الإنسان الذي سيُخاطب بالقرآن وإلى الميزة التي أٌعطيها وهي أنه كان مبيّناً، كان ذا لغة، فإذن من رحمة الله عز وجل الرحمن أنه علّم لرسوله (صلى الله عليه وسلم) القرآن وخلق الإنسان وعلّمه البيان حتى يفهم القرآن. فالآيات مترابطة متشابكة وهذا نظامها وليس كما يتخيل الإنسان من أول نظرة. من رحمة الله تعالى القرآن وتعليمه للرسول (صلى الله عليه وسلم) ثم خلق الإنسان وتعليمه البيان ليُدرك القرآن الذي ذكره قبل ذلك. تعلّم اللغة الآن ثبت من حيث التشريح أن خلايا الدماغ متخصصة. يقول العلماء كل خلية إذا أُتلِفت لا تُعوّض. فهناك في الفصّ الأيسر من الدماع في الطيّة الثالثة هناك منطقة متخصصة باللغة في الطيّة الثالثة من الفصّ الأيسر من الدماغ. فالإنسان خُلِق مهيأً بخلايا متخصصة لأن تجعله ذا لغة أيّ لغة لذا الطفل أينما يعيش يتعلم اللغة عنده القدرة أن يكون ذا لغة فكونه ذا لغة هذه نعمة من نعم الله تعالى وإلاّ لا تكون حضارة ولا خلافة في الأرض وباللغة تتناول المعلومات.
آية (2-4):
*ما دلالة تقديم تعليم القرآن على خلق الإنسان في آية سورة الرحمن مع أنه يتصور أن الخلق يكون أولاً (الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآَنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4))؟ (د.فاضل السامرائى)
قوله تعالى: (الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآَنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4)) خلق الإنسان لأي غرض؟ ربنا خلق الإنسان والجن للعبادة (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) الذاريات) إذن أي واحد يريد أن يصنع شيئاً لغرض يجب أن يكون الغرض مرسوماً عنده. فلما كان خلق الإنسان والجن لغرض العبادة والقرآن هو كتاب العبادة التي سيستغرق الإنس والجن إلى قيام الساعة. فهذا الكتاب هو الغرض من خلق الإنسان فهو الأسبق، الغرض أسبق من الخلق. في أي عمل الغرض أسبق من العمل. الغرض موجود ويعمل الشيء بموجب الغرض وبموجب العِلّة. خُلِق الإنسان للعبادة وكتاب العبادة قبله، هذا أمر. والأمر الآخر هو أن القرآن هو أصلاً قبل خلق الإنسان، القرآن كلام الله ومن علم الله وهو موجود قبل الإنسان. فإذن من حيث العِلّة هو أسبق من الإنسان ومن حيث الوجود هو أسبق من الإنسان. فإذن (علّم القرآن) أسبق من الإنسان لذلك ذكر العِلّة أولاً ثم ذكر ما بعدها (خلق الإنسان) ثم قال: (علّمه البيان) حتى نلاحظ ما قال علم الإنسان البيان وإنما لما ذكر الإنسان قال: (علّمه البيان) ذكرها بالإطلاق قبل خلق الإنسان هذا أصلاً. الرحمن علّم القرآن لم يقل علّم الإنسان القرآن، علّمه البيان لأن البيان يتأخر عن الإنسان أما القرآن فمتقدم. حتى لو كان التعليم متأخر لكن القرآن متقدم. يصلح أن يكون الترتيب زمنياً ومن حيث العلة يكون القرآن أسبق. نفهم قوله علّمه البيان بعد الإنسان والقرآن أسبق من الإنسان. هذا ترتيب زمني أولاً ترتيب العِلّة لأن الغرض أسبق من العمل فإذا كان الغرض العبادة فالقرآن هو كتاب العبادة أسبق ووجوداً وواقعاً هو أسبق فقدّم، وهو أفضل أيضاً. إذا كان على الفضل هو أسبق وإذا كان على الزمن هو أسبق وإذا كان على العِلّة والغرض هو أسبق. القرآن ليس بالضرورة أن يراعي الترتيب الزمني وإنما بحسب الضرورة أو حسب السياق، حسب الأسبق أو حسب الأفضل وأحياناً يقدم المتأخر.
ما دلالة الفعل (علّم) بتشديد اللام؟ هناك علِم وعلّم، هنالك من علّم الرحمن برحمته علّم القرآن أراد أن يرحم خلقه فعلّمهم القرآن. عندنا علّم أو أعلَم الفرق بينهما أن أعلم في مرة واحدة أما علّم يحتاج لوقت أطول (علّمته الحساب) للتكثير والمبالغة يقتضي وقتاً أطول وممارسة أكثر أما أعلم فيكون في لحظة واحدة تقول مثلاً أأعلمته مسألة هذا يحدث في لحظة واحدة مثل نبّأ وأنبأ، ما يقتضي ممارسة أكثر وحدث أكثر يستعمل له التضعيف (فعّل).
آية (5):
*مداخلة مع برنامج (أخر متشابهات):
يقول تعالى(وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ﴿96﴾ الأنعام) (الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ ﴿5﴾ الرحمن) الشمس والقمر حسباناً أي وسيلة لحساب الزمن، الله قال فعلاً (لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ ﴿5﴾ يونس) يدل على أن الشمس لها حسابٌ والقمر له حساب. أما الآية الثانية (الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ) أي يجريان بحسابٍ دقيق مقرر معلوم من الحق سبحانه وتعالى.
*ما الفرق بين فواكه وفاكهة؟(د.فاضل السامرائى)
فاكهة اسم جنس يعني عام يشمل المفرد والمثنى والجمع أما فواكه فهي جمع واسم الجنس يكون أعمّ من الجمع. للحبة الواحدة يقال عنها فاكهة والحبتين يقال فاكهة لكن لا يقال فواكه، لكن فواكه يقال عنها فواكه وفاكهة، فاكهة تشمل فواكه لكن فواكه لا تشمل فاكهة من حيث اللفظ لأن هذا يدل على جمع والفاكهة تدل على الجمع أيضاً وتدل على المفرد والمثنى. ليس هذا فقط لو كان عندنا أنواع من الفواكه كالرمان والبرتقال وغيرها نسميها فواكه ونسميها فاكهة أيضاً. لو كان عندنا فقط نوع واحد من الفاكهة مثل الرمان أو التفاح نسميه فاكهة ولا نسميه فواكه إذن فاكهة أعمّ لأنها للمفرد والمثنى والجمع والمتعدد وغير المتعدد المتنوع وغير المتنوع. الفواكه للجمع والمتنوع فقط إذن أيها الأعم؟ فاكهة أعمّ. لذلك تستعمل الفاكهة في القرآن لما هو أوسع من الفواكه، مثال: (وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ (10) فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ (11) الرحمن) آية أخرى (وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ (18) فَأَنشَأْنَا لَكُم بِهِ جَنَّاتٍ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَّكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (19) المؤمنون) عندنا أمران: الأرض (وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ (10) فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ (11) الرحمن) وعندنا (لَّكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ) أيها الأكثر الفواكه في الأرض كلها في عموم الأرض أو فقط في البساتين ؟ في عموم الأرض لأن البساتين هي في الأرض ومحدودة لذلك لما قال (وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ) قال (فيها فاكهة) ولما قال (فَأَنشَأْنَا لَكُم بِهِ جَنَّاتٍ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ) قال (لَّكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ)، أيها الأكثر؟ الفاكهة أكثر. إذن الفاكهة اسم جنس والفواكه جمع واسم الجنس هنا أعمّ من الجمع. حتى في الجمع لما يذكر فاكهة معناها أكثر وأشكل وأعم من فاكهة حتى في الجنة مثل في الصافات قال (فَوَاكِهُ وَهُم مُّكْرَمُونَ (42) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (43)) وفي الواقعة (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (12) ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (13) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآَخِرِينَ (14) عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ (15) مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ (16) يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ (17) بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (18) لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ (19) وَفَاكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ (20)) مع السابقون قال (وَفَاكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ) كثير ومن دونهم قال (فواكه) هذا متعلق بالدرجة أيضاً.
آية (26):
*ذكر الدكتور في حلقة سابقة في قضية عودة الضمير على غير مذكور ودلّ عليه السياق عندي مثال مطلع قصيدة: (فإن تنجو منها يا حزيم بن طارق فقد تركت ما خلف ظهرك بلقعا) ودل السياق على أنه الخيل فهل يمكن إعطاؤنا مثالاً من القرآن؟(د.فاضل السامرائى)
(كَلَّا إِذَا بَلَغَتْ التَّرَاقِيَ (26) القيامة) (فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ (32) ص) الشمس هل التي توارت بالحجاب، (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) الرحمن) الضمير يعود على غير مذكور ومعلوم من السياق.
آية (27):
*(وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (27) الرحمن) (تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (78) الرحمن)، مرة (ذو) ومرة (ذي) فما اللمسات البيانة الموجودة في الآيتين؟(د.فاضل السامرائى)
السؤال عن الوجه والوجه هو الذات يعني هذا استعمال مجاز مرسل. استعمال الأيدي في الأنفس (فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ (30) الشورى) ليست الأيدي التي كسبت وإنما الإنسان هو الذي كسب فهذا مجاز مرسل علاقته جزئية، فهذا المجاز مرسل (وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ) أي ذاته، (فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ (20) آل عمران) أسلمت فقط الوجه؟ كل الجسد بما يشتمل لكن الوجه هو أكرم شيء فإذا أسلمت وجهك فقد أسلمت نفسك، أسلمت وجهه لله أي الذات كلها. (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ (9) الإنسان) (بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ (112) البقرة) كيف يُسلِم وجهه فقط؟ يسلم الكل، الذات. هكذا قوله (وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِمْ (22) الرعد) (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ (9) الإنسان) (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ (144) البقرة) (وجه) هذا مجاز مرسل بمعنى ذات الله سبحانه وتعالى.
آية (29):
*د.أحمد الكبيسي :
الإمام أحمد كان يتكلم ويشرح قوله تعالى: (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ﴿29﴾ الرحمن) فقام رجل فسأله: ما شأن ربنا اليوم؟ فسيدنا أحمد بن حنبل سكت، سبحان الله ورجع للبيت حاول وحاول يقلب يمين يسار لم يستطع أن يجيب، في اليوم الثاني أيضاً نفس الحالة ونفس السؤال فسيدنا أحمد لم يجب فعاد للبيت حسرانا تعبا يريد أن يفهم الموضوع وهذا أمام الناس فرأى النبي صلى الله عليه وسلم في الرؤيا وحكى له القصة فقال له: يا رسول الله ما شأن ربنا اليوم؟ قال له: أمورٌ يبديها ولا يبتديها. الإمام أحمد كغيره من العلماء فهم هذه الجملة بالضبط وهي هذه من عقائد المسلمين “أمورٌ يبديها ولا يبتديها” فلما جاء اليوم الثالث وسيدنا أحمد تكلم في نفس الموضوع وهذا السائل قال له: ما شأن ربنا اليوم؟ قال له أمورٌ يبديها ولا يبتديها ماذا قال له هذا الرجل؟ قال له: يا أحمد صلِّ على من علّمك. هذه الأمة مباركة مثل كل الأمم لو تقرا ما حصل في زمن سيدنا عيسى وفي زمن سيدنا سليمان .
آية (33):
*مداخلة مع د.أحمد الكبيسي :
في سورة الملك: (وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ ﴿5﴾ الملك) وفي سورة الجن (وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا ﴿8﴾ الجن) المداخلة التي عندي يعني سبحانه وتعالى نص القرآن الكريم في سورة الملك على أنها السماء الدنيا التي ملئت حرساً شديداً يعني بالمعنى فإذاً لو كانوا رواد الفضاء قادرين على اجتياز السماء الدنيا فإنهم لن يتأثروا بوسوسة الشياطين لأن الشياطين أو الجن لن يجتازوا السماء الدنيا إلى السماء الثانية.
الإجابة: أحسنت، رب العالمين يقول: (فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ ﴿33﴾ الرحمن) الشياطين وسوسة وأوهام وإيحاءات باطلة هذا الذي طلع على القمر وطبعاً القمر ليس سماء القمر أرض لكن حتى لو وصل إلى السماء بالعلم هو السلطان (فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ) أي سلطان العلم وليس سلطان الوساوس والشياطين وكلامك صحيح ومع هذا نقول للإخوان جميعاً الذي ليده من هذه القدحات الجميلة كما تداخل معنا بعض الإخوان يبعثون لنا على الفاكس حتى نثريها ونعرضها لكي يستفيد منها الناس وحتى لا يتعطل عن البرنامج الذي وضعناه الآيات التي رتبناها وعدلناها وشاركنا اشتركنا مع المشاهدين في عرضها إن شاء الله حتى نعطيها حقها.
*ما دلالة تكرار الآية (فبأي آلآء ربكما تكذبان) في سورة الرحمن؟(د.فاضل السامرائى)
تكرار الآيات قد يكون للتوكيد ففي ذكر النار من قوله تعالى: (سنفرغ لكم أيها الثقلان) تكررت الآية 7 مرات على عدد أبواب جهنم أما في الجنة (من دونهما جنتان) تكررت الآية 8 مرات على عدد أبواب الجنة.
وفي نفس الآية لمن يوجّه الله تعالى خطابه في قوله: (فبأي آلآء ربكما تكذبان)؟
نلاحظ أول آية في سورة الرحمن ابتدأت فيها هذه الآية ويقول المفسرون أن المقصود بهما الثقلان أي الإنس والجنّ. لكن السؤال لماذا جاءت أول مرة ولمن الخطاب هنا؟ يقول عامة المفسرون أنه ليس بالضرورة عندما تخاطب واحداً أو جماعة أن يسبقه كلام فمن الممكن مخاطبة جماعة لأول مرة بدون سابق خطاب (أين أنتم ذاهبون؟) ومع ذلك فقد ورد قبلها ما يدل على المخاطبين فقد قال تعالى: (والأرض وضعها للأنام) والأنام من معانيها الثقلان أي الإنس والجنّ (وقسم من المفسرون يحصرونها بهذا المعنى) ومن معانيها البشر وقسم آخر يقول أنها تعني كل المخلوقات على الأرض لكن قطعاً من معانيها الثقلين مما يشمل الإنس والجنّ. والأمر الثاني هو أنه قبل الآية الأولى فيها خطاب المكلفين وهما الإنس والجن (أن لا تطغوا في الميزان* وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان) والمكلفين هما الإنس والجنّ. وإذا أخذنا معنى الأنام المقصور على الثقلين انتهى الأمر وإذا أخذنا المعنى أنه المخلوقات جميعاً فالآيات تفيد التخصيص. ثم قال تعالى: (الرحمن * علّم القرآن) والقرآن هو للإنس والجنّ. إذن من الممكن أن يخاطب تعالى الثقلين مباشرة دون أن يسبقه كلام وإنما في هذه الآيات سبقه كلام وأوامر ونواهي للثقلين والكتاب الذي أُنزل للإنس والجنّ إذن هو خطاب عادي للثقلين في قوله تعالى (فبأي آلآء ربكما تكذبان).
يبقى سؤال آخر: جاء الخطاب في الآية للثقلين (بالمثنّى) وقال تعالى (وأقيموا الوزن) بالجمع لماذا؟ الخطاب للثقلين بالمثنى هو للفريقين عموماً وهما فريقان اثنان (فريق الإنس وفريق الجنّ) على غرار قوله تعالى (قالوا خصمان) وقوله (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا) وصيغة الجمع تدل على أن الخطاب هو لكل فرد من أفراد هذين الفريقين.
في بداية السورة قال تعالى: (خلق الإنسان * علّمه البيان) الآية تدل على خلق الإنسان مع أن الأنام فيما بعد تدل على المخلوقات عامة وذلك لأن الإنسان هو الذي أُنزل عليه الكتاب أو القرآن وبيّنه للثقلين. وعلّمه البيان بمعنى ليبيّن عن نفسه والبيان هو القدرة على التعبير عمّا في النفس، والله أعلم.
في إجابة أخرى للدكتور فاضل :
هذا من باب التذكير بالنِعم والتقرير فيها فإذا ذكر نعمة خاطب الثقلين (فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) الآلآء هي النِعم، كل نعمة يذكرها يقول مثلاً (خَلَقَ الْإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ (14) وَخَلَقَ الْجَانَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ (15) فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (16)) ربنا يريد أن يقرر النِعم على عباده على الثقلين الجن والإنس فيكرر هذا الشيء وهذا أمر يجري في كلامنا العادي إذا أردنا أن نذكر أحدهم بالنعمة نقرره كما نقول لقد تعهدك فلان أتنكر ذاك؟ وأدخلك المدارس وأنفق عليك أتنكر ذاك؟ وأدخلك الجامعة أتنكر ذاك؟ هذا من باب التذكير بالنعم ربنا يذكرنا بالنعم ويقررنا (فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) أما العدد فهي بحسب النِعم التي ذكرها ربنا تعالى وقال القدماء لما ذكر الجنة ذكر (فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) 8 مرات بعدد أبواب الجنة في الجنتين ولما ذكر النار ذكرها سبع مرات بعدد أبواب النار .
*ما هو إعراب قوله تعالى: (فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ)؟ (د.فاضل السامرائى)
الإعراب ليس فيه إشكال: (بأي) جار ومجرور (أيّ) اسم مجرور وهو مضاف و(آلآء) مضاف إليه وهو مضاف و(رب) مضاف إليه وهو مضاف والضمير (كما) مضاف إليه و(تكذبان) فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه ثبوت النون لأنه من الأفعال الخمسة.
آية (39):
*(فَيَوْمَئِذٍ لَّا يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلَا جَانٌّ (39) الرحمن) هذا مغاير لآيات تؤكد سؤال المجرمين عما كانوا يعملون (فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (6) الأعراف) (وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ (44) الزخرف)؟ (د.فاضل السامرائى)
هذه مشاهد من يوم القيامة في مشهد لا يتكلمون ولا يُسأل أحد وإنما صمت عام يبقى الناس أربعين ألف سنة لا يتكلمون ثم بعد ذلك يكون السؤال والجواب. إذن هي مشاهد قبل الحساب في المشهد الأول لم يتكلم أحد (وَخَشَعَت الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا (108) طه) والملائكة لا يتكلمون، هذا المشهد ليس فيه كلام يبقى الناس لا يتكلمون ثم يذهبوا إلى آدم وحتى يقول البعض اللهم أرحنا من هذا ولو إلى النار.
آية (46):
*(وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46) الرحمن) (وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ (62)) هل يمكن شرح مفصل للآيتين؟(د.فاضل السامرائى)
نقرأ الآيات حتى تتضح: (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (47) ذَوَاتَا أَفْنَانٍ (48) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (49) فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ (50) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (51) فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ (52) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (53) مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ (54) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (55) فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ (56) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (57) كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ (58) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (59) هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ (60) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (61)) هذا وصف الجنتين وقال: (وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ) أي أقل منهما في الجزاء (وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ (62) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (63) مُدْهَامَّتَانِ (64) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (65) فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ (66) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (67) فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (68) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (69) فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ (70) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (71) حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ (72) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (73) لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ (74) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (75) مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ (76) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (77)). في الأولى قال: (ذَوَاتَا أَفْنَانٍ) وفي الثانية قال: (مُدْهَامَّتَانِ) الأولى أعلى لأن الأفنان تطلق على ضروب عدة والأفنان جمع فنن وهي عموم النعم هذه لا يفيد معها مدهامتان، مدهامتان أي شديدتا الخضرة تميل إلى السواد لم يذكر نِعَم وإنما ذكر الخضرة، مدهامتان كلمة عربية هذه صيغة إفعالّة وهي قليلة في اللغة مثل إحمارّ واصفارّ وهي أشد وفيها مبالغة أكثر، أدهم من مدهامتان أي يميل إلى السواد. مدهامتان أي مائلتان إلى السواد من شدة الخضرة. فهنا إذن (ذَوَاتَا أَفْنَانٍ) أعلى. (فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ) مقابل (فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ) أي فيهما ماء قليل وتجريان أقوى، وأقل من الضخ النضح. (فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ) أكثر وأقوى من (فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ). (مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ) مقابل (مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ) في الأولى ذكر البطائن ولم يذكر الظاهر، البطائن من استبرق فما بالك بالظواهر؟ ولذلك قسم قالوا الظواهر هي من النور الجامد. قال (فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ) مقابل (حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ) قاصرات لا تنظر إلى غير زوجها لا ترى أفضل منه ولا أحب منه فهي قاصرة الطرف على زوجها، أما مقصورات أي مثل المحبوسات في الخيام محددة إقامتهم. وقال (كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ) ولم يقلها في مقصورات في الخيام (كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ) ثم قال (هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ) ولم يقل مثل ذلك في الثانية. إذن في كل لفظة الأولى أعلى (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ).
سؤال: لكن ربما يظهر سؤال؛ أن الجنتان الأولى جزاء لمن خاف مقام ربه فلمن اللتان من دونهما؟
لا نعلم، ربما لمن هو دونهم. كل من يقول لا إله إلا الله موحد يدخل الجنة. الجنان هي جنان وذكر الآن جنتين، جنتان هما بستانان خارج القصر وداخله, الجنة بمعنى البستان وذكر القدامى أنه تكرر فبأي آلآء ربكما تكذبان, في كل جنة ثماني مرات على عدد أبواب الجنة وأبواب الجنة ثمانية كما في الحديث. الأبواب هي واحدة.
استطراد من المقدم: ربما يكون المكان واحد لكن الدرجة وما بها من مميزات تختلف من واحدة عن الأخرى.
بالطبع (لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ (4) الأنفال).
*(وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46) الرحمن) فما معنى جنتان؟ وهل هي جنة واحدة أم جنتان؟(د.فاضل السامرائى)
الجنة هي البستان؛ (وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ (35) الكهف) (إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ (17) القلم) داخل الجنة التي هي دار السعادة عموماً بساتين، لكل واحد عنده أكثر من جنة. الجنة معناها البستان وهي مفردة. ثم أطلقت على دار السعادة عموماً الجنة بما يقابل جهنم دار الشقاء وهي تضم ثماني درجات أما النار فسبعة. كل واحد في منزلته هو أكثر من جنة, (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ) بستانين في منزلته هو خاصة به، (وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ (62) الرحمن) أي تحتهما وأقل منهما. ليس كما يقال أن الكافر كان له جنة فكفر فأخذها المؤمن. المهم له جنتان في منزلته هو، داخل قصره بستان وخارج قصره بستان كما يقولون.
آية (54):
* ما دلالة استعمال الوصف (متكئين) لأهل الجنة خاصة؟(د.فاضل السامرائى)
الاتّكاء غاية الراحة كأن الإنسان ليس وراءه شيء لأن الإنسان لو وراءه شيء لتهيّأ له ولم يتكئ. والاتّكاء في القرآن ورد مع الطعام والشراب ومع الجلسات العائلية هذا أكثر ما ورد إلا في موطن واحد في سورة الكهف.
جاء في القرآن الكريم قوله تعالى: (هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ (56) لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ (57) يس) والاتكاء يحسُن في هذا الموضع. وقال تعالى: (مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ (51) ص) يرتبط الاتكاء مع الطعام والشراب وكذلك في سورة الرحمن: (مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ (54)) و (مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ (76)) وقوله تعالى: (مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ (16) الواقعة) و (مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (20) الطور) جاء في السياق مع هذه الآيات ذكر الطعام والشراب.
فالاتكاء غاية الراحة ولهذا وُصِف به أهل الجنة ولم يأت وصفهم بالنوم لأنه لا نوم في الجنة أصلاً. ووصِفوا في القرآن بأوصاف السعادة فقط يتحادثون فيما بينهم ويتذاكرون ما كان في الدنيا والاتكاء غاية الراحة والسعادة.
آية (56):
*في القرآن الكريم يذكر الجن قبل الإنس في مواطن كثيرة (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) الذاريات) أما في سورة الرحمن فقدم الإنس (فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ (56) الرحمن) فما دلالة التقديم والتأخير؟(د.فاضل السامرائى)
التقديم والتأخير يقتضيه المقام والسياق أحياناً يقدم الجن على الإنس (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) الذاريات) لأن الجن وجودهم أسبق من الإنس، (وَالْجَآنَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ (27) الحجر) إبليس قبل آدم. إذن قد يكون السبب هو القِدَم أن الأقدم يقدّمه مثل (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ). (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ (33) الرحمن) قدم الجن على الإنس لأن الجن أقدر على النفاذ من الإنسان وهم كانوا يستمعون، فلما تحداهم بالنفاذ بدأ بمن هو أقوى أي بالجنّ. الآية التي ذكرها في سورة الرحمن: (لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ) هنّ أهل الجنة (حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ)، (فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ)، نفسياً إذا كان أحدهم يريد أن يتزوج امرأة وعلِم أنه اتصل بها رجل سابق يحجم عن الزواج أما إذا قال جنّي اتصل بها يقول هذا كلام وخرافة. ولذلك قدم الإنس لأن النفس فوراً إذا طمثها إنسي يحجم عنها إحجاماً ولذلك قدم ما تشمئز منه النفس أولاً فبدأ بالإنس لأن هذا أدعى إلى طهارتها, ولو قال لم يطمثهن جن ولا إنس ليست بتلك المنزلة فقدم ما هو أشد. والطمث يعني الدخول بها. الآية تتكلم عن نساء الجنة، عن حور الجنة (حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ) هنّ نساء الجنة كما قال ربنا (فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا (36) الواقعة) معناها أبكاراً.
آية (68):
*ما دلالة ذكر النخل والرمان مع الفاكهة في سورة الرحمن مع أن النخل والرمان من الفاكهة ؟(د.فاضل السامرائى)
من حيث الحكم النحوي هذا ما يُسمّى عطف الخاص على العام كما في قوله تعالى: (حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ {238} سورة البقرة) والصلاة الوسطى مشمولة في الصلوات لكن لأهميتها وعظمة شأنها ذكرت وحدها، وقوله تعالى: (مَن كَانَ عَدُوّاً لِّلّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ {98} سورة البقرة) وجبريل من الملائكة وذكره يفيد رفعة منزلته عند الله، وكذلك قوله تعالى: (فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ {68} سورة الرحمن) والنخل والرمان من الفاكهة وهي فاكهة أهل الجنة.
آية (70):
*ما السر في استعمال (فيهن) في قوله تعالى: (فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ (56) فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ (70) الرحمن) مع أن باقي الآيات ورد فيها (فيهما) مثل (فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ (50) فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ (52) فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ (66) فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (68))؟ (د.فاضل السامرائى)
في سورة الرحمن: (ولمن خاف مقام ربه جنتان) يعني نوع من الإكرام لمن خاف مقام ربه، الذي يخاف مقام ربه يطبّق ما يريده ربه، (ولمن خاف مقام ربه جنتان) هذا إكرام ليس جنة واحدة وإنما يوهَب جنتين.
(من) يقول علماؤنا: لفظها لفظ مفرد، (من خاف) أي الذي خاف لكن هي ليست بلفظ (الذي) وإنما تحتمل الذي واللذان واللتان والذين واللاتي، هي عامّة لفظها لفظ مفرد، حتى أن البعض قال ما الدليل على أن لفظها لفظ مفرد؟ علماؤنا يقولون لفظها لفظ مفرد الدليل أن تأبّط شرّاً – هو شاعر جاهلي معروف – جمعها على (منون) يقول:
أتوا ناري فقلت منون أنتم؟ فقالوا الجِنّ قلت عِمّوا ظلاماً
أوقد ناراً في الليل، صار أضيافه من الجنّ. قال علماؤنا لما يقولون لفظه لفظ مفرد عندهم إسناد. أنت تستطيع أن تقول كما قال القرآن (من خاف) ولك أن تقول (من خافوا) لكن بيان القرآن وأسلوبه في استعماله لما يستعمل (من) لما يستعمله للجمع يراعي لفظه مرة ومعناه مرة، يقدّم مراعاة اللفظ على مراعاة المعنى (ومن الناس من يقول آمنا بالله واليوم الآخر) يقول مفرد، (وما هم بمؤمنين) ما قال (وما هو) هذا السياق موجود في القرآن في مواطن كثيرة. لما يكون (من) يراد به الجمع يستعمل أولاً المفرد ثم بعد ذلك يأتي إلى الجمع. عندنا آيات أخرى: (ومن يطع الله والرسول) ومن يطع مفرد (فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم) جمع، هذا السياق يراعي اللفظ ويراعي المعنى، يقدم مراعاة اللفظ على مراعاة المعنى. كان العرب يلاحظون هذا ويعجبون ويقفون إجلالاً لكلام الله سبحانه وتعالى عندما يسمعونه كهذا الذي سمع قوله تعالى (وأنذرتكم صاعقة) وضع يده على رأسه قال ستسقط على رأسي، كانوا يتحسسون هذا.
(ولمن خاف مقام ربه جنتان) الذي خاف مقام ربه من آدم (عليه السلام) إلى قيام الساعة هو جماعة وليس واحداً، الخائفون كُثُر، فإذن جنتان وجنتان وجنتان إذن تكون جنّات، لذلك نجد القرآن في موضع آخر صحيح هو قال (ذواتا أفنان، فيهما عينان تجريان) ثم قال (متكئين) لما جاء يتحدث عن الخائفين قال متكئين يعني هؤلاء الخائفون قال متكئين لم يقل متكئ، راعى المعنى هنا. فلما قال متكئين، المتكئون لا يكون لهم حوراء واحدة وإنما حور عين، لا يكون لهم قاصرة طرف وإنما قاصرات. فلما جاء لذكر النساء في يوم القيامة كان لا بد أن يجمع، لا تكون واحدة فقال: (فيهن قاصرات الطرف) كأنه يمهّد لقاصرات الطرف ما قال (فيهما) في الجنتين لأنه قال (متكئين) إذن صارت جنات، قال متكئين انتقل إلى صورة الجمع، إلى صورة جنات وجنات تقتضي (فيهن) حتى يلائم أيضاً قاصرات الطرف.
الموضع الثاني هو هو أيضاً (فيهن خيرات حسنات)، استمر يتكلم (ومن دونهما جنتان) لأن الجنة مراتب لذا الرسول (صلى الله عليه وسلم) يقول: اسألوا الله الفردوس الأعلى لأنه يدعو فيسأل الله سبحانه وتعالى أعلى شيء لأنه يدعو ويسأل كريماً لكن الناس مراتب.
(من دونهما جنتان) رجع للجنتين التي هي لكل واحد خاف مقام ربه فصارت جنات، (فيهما فاكهة ونخل ورمان) لما جاء إلى ذكر الخيرات الحسان (فيهن خيرات حسان)، الخيرات جمع خيرة التي أصلها خيّرة وخُفّفت، هي جمع الزوجات. ثم قال (حور مقصورات في الخيام) لهذا السبب جاءت (فيهن) تمهيد لذكر مجموع ما في هذه الجنات، والله أعلم.