سورة الممتحنة
آية (1):
* ما معنى الآية (1) الممتحنة، وأين أماكن الوقف؟(د.حسام النعيمى)
هذه الآية الأولى في سورة الممتحنة التي يقول فيها الله سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (1) الممتحنة) قلنا في مرة ماضية إن العلامات التي في المصحف هي من اجتهاد اللجان التي تولت طباعته. فقد يجد المسلم إشارة بمنع الوقف. هنا عندنا إشارة عند قوله تعالى (يخرجون الرسول وإياكملا) بعد كلمة (وإياكم) هناك إشارة (لا) يعني تقترح اللجنة أنه لا يستحسن الوقف هاهنا (يخرجون الرسول وإياكم) ثم يأتي قوله تعالى (أن تؤمنوا) لأن معنى الآية هو يخرجون الرسول ويخرجونكم لأنكم تؤمنون بالله ربكم، هذا هو المعنى. لكن إذا أحس القارئ أنه لو وقف هنا يتبيّن له المعنى أكثر (وإياكم) ثم يقول: (أن تؤمنوا بالله ربكم ) معناه لأن تؤمنوا بالله ربكم أو يصِلها. نحن عندما نقول: أكرمت زيداً وأكرمت خالداً هذا فيه تكرار والتكرار لا يكون إلا لغرض بلاغي إذا أراده المتكلم أن يخصّ خالداً بإكرام منفرد به فيقول أكرمت زيداً وأكرمت خالداً. لكن عادة العرب أنها تحذف الفعل وتستغني بحرف العطف (أكرمت زيداً وخالداً) يعني وأكرمت خالداً ولذلك يأخذ الحركة الإعرابية. إذا كان خالداً مخاطباً يعني إذا قال أكرمت زيداً وأكرمت :لا يقول له خالداً ويشير إليه وإنما يستعمل الضمير فيقول له أكرمت زيداً وأكرمتكَ. فإذا حذف أكرمت سيبقى الضمير (الكاف) لوحده والضمير وحده لا يقف ولا بد من اعتماده على (إيّا) بعض العلماء يقولون هي اعتماد وقسم يقول هي والكاف بجملتها تكون ضميراً، تكوّن ضمير النصب. فهنا المعنى: يخرجون الرسول ويخرجونكم، يخرجون الرسول ويخرجونكم فيها تكرار فحذفت يخرجون وبقيت (كُم) لوحدها (يخرجون الرسول وكُم) لا يستقيم فتأتي (إيّا) فصارت (إياكم) بمعنى يخرجون الرسول ويخرجونكم.
(أن تؤمنوا بالله ربكم): هنا اللام محذوفة كأنه مفعول لأجله يعني (لأجل إيمانكم أخرجوكم). (أنّ) تحذف قبلها اللام في لغة العرب كما قال الله سبحانه وتعالى: (عبس وتولى أن جاءه الأعمى) بمعنى لئن جاءه الأعمى. اللام تحذف كثيراً لأنها تكون مفهومة والعربي إذا كان الشيء مفهوماً لا يذكره ولذلك أحياناً إذا ذكر في موطن الفهم الواضح يقولون هذا شاذّ كما قال:
لك العِزُّ إن مولاك عزّ وإن يُهِن فأنت لدى بحبوحة الهون
قالوا: فأنت لدى بحبوحة الهون كائن، قال: هو واضح كائن. زيدٌ في الدار لا نقول زيد كائن في الدار فالحذف هنا واجب.
(لا) بعد إياكم) في الآية (يخرجون الرسول وإياكم) لا نقف عند إياكم وهذا اجتهاد اللجنة ويمكن أن تستقيم العبارة (يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم) هذه ليست إياكم التحذيرية بمعنى إياك أن تفعل كذا، أحذّرك. لا تقف عند الرسول لا يجوز لأنه فصلت بين المعطوف عليه والمعطوف وسيلتبس المعنى عند ذلك تصبح كأنه ينهاهم عن الإيمان ولذلك لو وضعت (لا) بعد الرسول لعلّها تكون أوجه وأقوى (يخرجون الرسوللا وإياكم) لا بد أن تصِل. اللجنة أرادت أن تُقرأ الآية كاملة. هذه العلامات غير منضبطة في المصاحف ولكن في الغالب علامة الوقف متشابهة في المصاحف وهناك خلافات يسيرة جداً جزئية وقد رجعت إلى أكثر من مصحف ووجدت الجميع يضع (لا) على هذه الكلمة كأنه يريد أن تُقرأ الآية كاملة ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْلا أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (1) الممتحنة)). لكن الإنسان قد ينقطع نفسه فهو يحتاط لذلك ولا يكون كهذا الذي قرأ (ربنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملته) يقف هنا. لو اعتقد صحة معنى هذا الوقف قد يُخرج من المِلّة لأن الله عز وجل لا يحمل إصراً. لكنه وقف ليس لأنه يعتقد ذلك وإنما لأنه انقطع نفسه. ينبغي للإنسان أن يحسب للأمر حسابه أن نفسه قصير فيقف في المكان الصحيح. لذلك انظر إلى المجوّدين: الآن الطاغي على الإذاعات وأجهزة التلفاز هذه القراءات المرتّلة طغت وفيهم من يقف وقفات يستحق أن يُعزَّر عليها. لما تسمع قراءة المجودين لعبد الباسط، المنشاوي، الحصري، الشعشاع، محمد رفعت عندهم نفس طويل وليس كالإنسان له صوت حسم مجوداّ للقرآن وليس كل مجوّد للقرآن لديه نفس طويل. وينبغي أن تتوفر في المجود شروط منها طول النفس حتى لا ينقطع نفسه.
هذه الآية لها قصة هي بطبيعة الحال كما يقال خصوص السبب لا يمنع عموم المعنى واللفظ (العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب). نزلت هذه الآية بسبب معين فيه درس للمسلمين وفيه استفادة وفيه بيان لرحمة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الرحمة المهداة (صلى الله عليه وسلم). بعد صلح الحديبية نكثت قريش العهد وقتلت مجموعة من حلفاء الرسول (صلى الله عليه وسلم) ومزقت المعاهدة بهذا العمل وأراد (صلى الله عليه وسلم) أن يعدّ العدّة لفتح مكة وكشأنه في سائر أموره كان يستشير ويسأل. في هذه المرة استشار عدداً محدداً ولما افتضح الأمر ما غضب الآخرون لمَ لم تستشرنا لأنهم يثقون بفعل رسولهم (صلى الله عليه وسلم) وهذا ينعكس حتى على الإمام الحاكم المبسوط الطاعة ليس شرطاً أن يستشير كل الناس لأن بعض الأمور تحتاج إلى كتمان فيستشير بعض الناس. ممن استشارهم أحد المهاجرين وبدريّ من أهل بدر، ممن شهد بدراً وهو حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه استشاره وصار الرأي أن يفتح مكة وجميع المسلمين لا يعلمون. حاطب كتب رسالة إلى قريش – وهو مهاجر وقاتل في بدر لكن هذه خطرات الشيطان – كتب إلى قريش يُعلمهم فيها بعزم الرسول (صلى الله عليه وسلم). علِم (صلى الله عليه وسلم) بذلك. أرسل حاطب الرسالة مع امرأة، الذي يروي الحديث هو الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه يقول: دعاني الرسول (صلى الله عليه وسلم) وقال (في رواية البخاري): تذهب مع أبي مرثد والزبير رضي الله عنهم جميعاً، قال ستجدون امرأة في المكان الفلاني (وسمى المكان خاخ) ستجدون معها رسالة ائتوني بالرسالة. ذهبوا إليها، هم فرسان وهي تركب ظعينة على بعير فأنكرت وأقسمت وهي مشركة أنه ما معها شيء وكادوا يرجعون ثم تنبّه الإمام علي فقال: والله ما كذبنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لتخرجنّ الرسالة أو في روايتين: لأعريّنّك أو لأقطعنّ رأسك، وفي الحالين الامرأة العربية ما عندها استعداد لذلك فأخرجت الرسالة من ضفيرتها فجاءوا بها إلى الرسول (صلى الله عليه وسلم). هذا كشف سر حربي فكيف يتصرف الرحمة المهداة؟ لا ينسى ماضي الرجل، له ماضي وهو مؤمن، يرسل إليه فيقول: ما حملك على هذا؟ فيقول: يا رسول الله والله ما حملني عليه ردّة عن الإسلام أو كفرٌ بك أو كفرٌ بالله سبحانه وتعالى ولكن إخواني من المهاجرين لهم عشائر، الله سبحانه وتعالى جعلهم سبباً في حماية من هناك من ذرياتهم – هو كان لصيقاً بقريش ولم يكن عنده احد وأولاده وذريته هناك – أنا ما عندي أحد فأردت أن تكون لي يد ينفعني الله بها عندهم (نلاحظ أنه ردّ الأمر أيضاً إلى الله) وفي رواية (وقد علمت أنهم مهزومون) أي حتى إذا علموا فهم مهزومون، فقال (صلى الله عليه وسلم): صدقت. أحد الصحابة ويروى أنه عمر قال: يا رسول الله هذا نافق فلأقطع عنقه، قال: ما يدريك لعل الله عز وجل اطّلع على قلوب أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فإني قد غفرت لكم. لأن هؤلاء بنوا دعامة الإسلام فلا ينبغي أن يُنكر لذلك ولا يجوز إنكار فضل ذوي الفضل (أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم) يعني الشخص الذي له منزلة وقيمة إذا عثر أقِله واقبل منه لكي يتوب إلى الله عز وجل. والآية تخاطب المؤمنين على مر العصور صحيح أنه لهذه الواقعة لكن تذكر أن رابطة العقيدة هو الرابطة الحقيقية وليست رابطة النسب (لا يأتيني الناس بأعمالهم وتأتوني بأنسابكم) هذه الرابطة الأنساب لتتعارفوا. يروى عن عمر كان يقول: لا يكن أحدكم كعرب الأنباط إذا سُئل من أين الرجل؟ قال أنا من بلدة كذا. بلدة كذا فيها شتى العشائر فلا تقول أنا من البصرة لكن قل لي من أيّ القبائل حتى نتعارف ونتبيّن العربي من غير العربي.
(يا أيها الذين آمنوا): نداء بأحبّ صفة للمسلمين وهي الإيمان. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ) الذي كفر بهذا الدين لا مجال للمودة بيني وبينه، يمكن أن يكون عندي إشفاق عليه وأدعوه إلى طاعة الله لكن لا يكون حباً وإنما إشفاق لأن هذا قد يدخل النار فأنا حريص على دعوته لطاعة الله سبحانه وتعالى. (عدوي وعدوكم) عدو المؤمنين هو عدو الله سبحانه وتعالى لأنهم كفروا بما أنزله الله سبحانه وتعالى, من أين جاءت العداوة؟ ما نقمتهم؟ ماذا صنع أصحاب الأخدود بالملك؟ لم يعملوا انقلاباً وإنما مجرد آمنوا بالله سبحانه وتعالى (وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (8) البروج) مجرد الإيمان يوغر صدور الكافرين فلا يجوز أن تلقي إليهم بالمودة ولا يجوز أن تسمعهم المودة.
(يخرجون الرسول وإياكم) : استعمل الفعل المضارع ولم يقل أخرجوا، هم واقعاً أخرجوا الرسول (صلى الله عليه وسلم) وأخرجوكم لكن الفعل المضارع لأنه يدل على الاستمرار يعني هذا شأنهم وهذا دأبهم وهذه أخلاقهم وهم ماضون في إخراج إخوانكم الآخرين فإخراجهم إخراجٌ لكم. هم مستمرون في المضايقة. ما قال (أخرجوا) حتى لا تكون القضية تاريخية وإنما واقع حال فكيف تلقون إليهم بالمودة؟ والمشكل هو إيمانكم (أن تؤمنوا بالله ربكم) فقط.
(إن كنتم خرجتم جهاداً في سبيلي وابتغاء مرضاتي): هذا الشرط جوابه محذوف دلّ عليه ما قبله وهو (إن كنتم خرجتم جهاداً في سبيلي وابتغاء مرضاتي فلا تلقوا إليهم بالمودة ولا تسروا إليهم بالمودة) يعني دلّ عليه ما تقدّم وهذا تأكيد له (تسرون إليهم بالمودة). هذا الإسرار لا ينفع لأنه تعالى قال (وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم) (ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل) من يلقي إليهم بالمودة ويسر إليهم بالمودة فقد ضل سواء السبيل، حاد عن الطريق المستقيم السليم. وفيه لمسة رحمة بالمسلمين: قال ضلّ سواء السبيل ما يقل كفر، إنما انحرف عن الطريق وينبغي أن لا ينحرف فيُعاد إلى الطريق ولم يقل كفر.
دلالة استخدام الفعل (يُخرج) تحديداً، ما قال: يطردكم. لأن هذا بلدكم، هذا مكانكم والإنسان مرتبط بمكان نشأته لذلك المسلمون أقاموا في المدينة دولة الإسلام كما سميت باكستان الأرض الطاهرة، هذه المدينة المنورة هي الأرض الطاهرة أرض دولة الإسلام مع ذلك كان يقف بلال رضي الله عنه وينشد أبياتاً يتغنى فيها بمكة وأماكن مكة (قد يكون من شِعره أو حفظها عن غيره):
ألا ليت شعري هل أبيتنّ ليلة بوادِ وحولي إذخرٌ وجليل
وهل أرِدن يوماً مياه مجنّة وهل يبدونّ لي شامت وطفيل
(إذخر وجليل) مناطق في مكة وشامت وطفيل جبال وكل مكان له فيه ذكريات. يقول له رسول الله (صلى الله عليه وسلم): يا بلال دعِ القلوب تقِرّ. أي لا تهيّج قلوبنا إلى مكة ثم قال (صلى الله عليه وسلم): اللهم حبِّب إلينا المدينة كما حبّبت إلينا مكة.
هم أخرجوهم إخراجاً، الطرد: أنت قد تطرد شيئاً لصيقاً، لكن تخرجه يعني كأنك تقلعه من جذوره. الإخراج تقول: أخرجه من المكان الفلاني تدل على علاقة متينة بالمكان كأنه متأصّلٌ فيه (ويخرج أضغانكم) كأن الأحقاد متأصلة ولكن الله تعالى يخرجها.
(إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ (2) الممتحنة) هذه حالهم فكيف تسالمونهم؟ ثقِفَه بمعنى استولى عليه أو حصل عليه. حتى في العامية نستعمل كلمة قريبة من ثقف وهي (لقف) نقول لقفه أي حصل عليه كأنه يُمسِك به. (إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ) هذه المودة في قلوبهم، هذه الرغبة والحرص الشديد على كفر المسلمين ويريدون ـأن يعيدوكم إلى ملّتهم.
آية (2):
*ما المقصود بالبسط؟(د.فاضل السامرائى)
البسط هو المدّ، بسط يده مدّها. البسط يأتي فيما يسرّ وفيما يكره، بسط إلي يده بما أحب وبما أكره. (لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28) المائدة) هذا الضرب. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ (11) المائدة) (إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاء وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُم بِالسُّوءِ (2) الممتحنة) البسط إذن يأتي بالسوء ويأتي بالخير (بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ (64) المائدة). هو في اللغة بسط إليّ يده تحتمل أمرين الأول أحب والثاني أكره والذي يحدد هذا الأمر السياق وفي الحديث عن عائشة “يبسطني ما يبسطها ويسرني ما يسرها” ويأتي البسط بمعنى الفرح.
(لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (3) الممتحنة): لن تنفعكم يوم القيامة، يمكن أن نربطها بـ (لن تنفعكم يوم القيامة) أو بـ (يفصل بينكم). الذي ينفع أُخوّة الإيمان وليس الأرحام؟ الأرحام ليست هي الأصل مع أن هناك وصية وتشديد في صلة الرحم لكن الرحم هو رحم الإيمان. الرحم رحم جنس ورحم الإيمان فإذا فُقِد رحم الإيمان فعند ذلك لا يجوز هذا ويكونون أعداء. (يكونوا أعداء) هم ليسوا نسيجاً وحدهم في هذا لكن يذكّرهم الله تعالى بما كان من إبراهيم وقومه (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآَءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (4) الممتحنة) الرابط هو الإيمان بالله سبحانه وتعالى وتخيّل هذا في بيئة عشائرية لا يسألون أخاهم حين يندبهم في النادبات، إنما فقط يقول يا آل فلان لا يسألونه. في هذه البيئة يقول لهم إذا كان أرحام معها إيمان لا بأس أما إذا كان أرحام كفرة فهؤلاء أعداء ولا يجوز أن تلقوا إليهم المودة.
آية (7):
*ما دلالة استعمال عسى ولعل في القرآن الكريم؟ البعض يقولون أنه لا تفيد مجرد الاحتمال والتمني وإنما تفيد التوكيد (عَسَى اللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً (7) الممتحنة) (د.فاضل السامرائى)
كثير من المفسرين يقولون (عسى) من عند الله واجب، قسم يقولون (عسى) في القرآن واجب، وهذا ليس صحيحاً لأن الكفار قالوا عسى (وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (129) الشعراء) (لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44) طه) ليست واجبة وهو لم يتذكر ولم يخشى، (وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (36) غافر ) ليس واجباً. قسم قيدوها وقالوا هي من الله واجبة وليست في القرآن واجبة. عسى ولعل من أفعال الترجي ويقولون (لعل) فيها معنى الإطماع والإشفاق وخاصة في (لعل) فيها الإشفاق. فهي الترجي، فقسم قالوا هي من عند الله واجبة (فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ (52) المائدة) (قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ (129) الأعراف) (عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ (5) التحريم) وقسم قالوا ليست واجبة حتى إذا أُسند ذلك إلى الله تعالى وإنما يذكره الله تعالى ليكون الإنسان راجياً من الله (وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ (45) الأنفال) أي اذكروا الله راجين الفلاح من الله حتى يبقى الإنسان خائفاً من ربه. فقسم من أصحاب التفسير قالوا ليست هي واجبة وإنما المقصود الرجاء من الله سبحانه وتعالى وتقدّر كل حالة بقدرها وليس هناك حكم مطلق بخصوص عسى ولعل. المعنى العام واضح لكن هل هو واجب؟ هذا بحسب السياق. عسى و (لعل) من الرجاء و(لعل) قالوا فيها إشفاق (لا تتأخر لعله يؤذيك) فيها إشفاق وعسى فعل ولعلّ حرف.
آية (10):
*ذكر التأنيث والتذكير في القرآن المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات والصابرين والصابرات والمنافقين والمنافقات وذكر الكافرين ولم يذكر الكافرات وإنما ورد الكافرين فقط؟(د.فاضل السامرائى)
وردت الكوافر في القرآن (وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ (10) الممتحنة) الكوافر أشمل وأعم من الكافرات. الكوافر أكثر من الكافرات لأنه جمع تكسير والكافرات أقل لأنه جمع قلة، الكافرات دخلت في الكوافر أما المؤمنين والمؤمنات فليس هناك جمع قلة وكثرة. نحن مضطرون أن نقول المنافقين والمنافقات لكنا لسنا مضطرين لقول الكافرين والكافرات. الكوافر جمع كافرة تحديداً وهو جمع تكسير جمع كثرة. جمع منافق منافقون ومنافقة منافقات، جمع ساجد ساجدون سُجّد سجود، هذه ليس فيها اختيار وهذا ما ورد في اللغة العربية. ميّت جمعها موتى وأموات وميّتون لكن مسلم جمعها مسلمون ليس عندنا اختيار. يقول العرب إن لم يكن جمع آخر فالجمع السالم يدل على الكثرة والقلة، هذا نص.