سورة نوح
آية (3):
س- ما دلالة اختلاف صيغ الأفعال في الآية: (أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ (3) نوح)؟
ج- (د.فاضل السامرائى): (اعبدوا ) فعل أمر (واتقوه) فعل أمر (وأطيعون) فعل أمر, واستخدم (النون) للمتكلم, ونون الوقاية تأتي مع ياء المتكلم فقط لتقي الفعل من الكسر ولا تأتي مع فعل الأمر.
آية (4):
س- ما الفرق بين (يغفر لكم من ذنوبكم) و(يغفر لكم ذنوبكم)؟
ج- (د.فاضل السامرائى): (من) تبعيضية، للتبعيض أي بعضاً من ذنوبكم. بحسب السياق تغفر بعض الذنوب أو الذنوب جميعاً. لكن هنالك أمر وهو أنه لم يرد في القرآن (يغفر لكم ذنوبكم) إلا في أمة محمد (صلى الله عليه وسلم) في القرآن كله، أما (يغفر لكم من ذنوبكم) فعامّة لأمة محمد (صلى الله عليه وسلم) ولغيرهم. قال تعالى في سورة الصف (يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12)) أما في (سورة نوح ) فقال تعالى: (يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى (4)). إذن (من) للتبعيض وبحسب المواقف، هل لو أنفق أحدهم درهماً يكون كمن جهّز جيشاً؟
آية (22):
س- موضوع كلمة قسورة عند العرب (فرت من قسورة) وكلمة كُباراً وسمعنا أن أبو لهب وأبو جهل أنكروا على الرسول (صلى الله عليه وسلم) هذه الكلمات في القرآن أنهم لم يسمعوا بها من قبل وهم أهل اللغة ووردت قصة أن رجلاً كبيراً من المشركين أمره الرسول (صلى الله عليه وسلم) بالجلوس ثم أمره بالنهوض ثم بالجلوس فقال الرجل الكبير: (أتسخر مني يا قسورة العرب وأنا رجل كباراً) هل هذه القصة صحيحة؟ فهل كلمة قسورة (فرت من قسورة) وكباراً (ومكروا مكراً كباراً) كلمات عربية ؟
ج- (د.فاضل السامرائى): كلتاهما عربية وكبار من الصفات العربية وقسم من اللغويين يجعلونها تدرج فعيل فُعال فُعّال، كبير كُبار كُبّار طويل طوال طُوّال، حسن حُسان حُسّان يجعلها قياس تدرج، (فعيل)فإذا بلغ الزيادة في الوصف تتحول إلى فُعال وهي أبلغ من فعيل عجيب وعُجاب وإذا بلغ الزيادة اقتضى التكثير والتضعيف (فُعّال) مثل رجل قُرّاء. إذن كُبّار هي عند بعض اللغويين قياس لا سماع وقسم يقول هي سماع.
ربما نقرأ في بعض القصص (أتستهزئ بي يا ابن قسورة العرب وأنا رجل كباراً في قومي إن هذا لشيء عجاب) فهل هذه الكلمات عربية؟
قالوا هذه حبشية كبار هذه في القياس عندنا رجل قُرّاي أي رجل كثير القراءة مثل فُعّال في الجمع، مكر كباراً مكراً كبيراً محبوكاً تماماً. وحتى في العامية نقول رجل كباراً. وقسورة من (فعوَل) قسر الفريسة قسراً ونقول قسره إذن قسورة فعول موجودة في اللغة.
هل في القرآن كلمات غير عربية؟ هذا سؤال قديم هنالك كلمات دخلت العربية قبل الاسلام فلما دخلت في اللسان العربي أصبحت عربية بالاستعمال. لكن ربما يكون الأصل الذي انحدرت منه غير عربي وهذا في كل اللغات ما يسمى بتقارب اللغة وهناك بحوث كثيرة في القديم والحديث في هذا المجال. هذا لا يتعارض مع قوله سبحانه: (بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ (195) الشعراء) (بلسان عربي ) أي يتكلمون به لأن العرب كانت تستعمل هذه الألفاظ مثل أرائك وسندس في حياتها ولم تكن هذه الألفاظ جديدة عليها .
آية (23):
س- في سورة نوح في الآية (وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آَلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا (23)) لماذا ذكرت بعض أسماء الأصنام باستخدام لا وبعضها بدون لا النافية؟
ج- (د.حسام النعيمى): هي الآية 23 في سورة نوح، هو ذكر خمسة أصنام، خمسة معبودات إتصلت لا بثلاثة منها ولم تتصل باثنين لماذا؟ مسألة لافتة للنظر. لما ننظر في الكتب التي تحدثت في الأصنام نجد أنهم يقولون: وِد كان على صورة رجل وسواع كان على صورة امرأة فهو قال تعالى: (وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا) الرجل والمرأة. يغوث ويعوق ونسر على صورة حيوانات: يغوث على صورة أسد، يعوق على صورة فرس ونسر على صورة النسر. فكأنما أعطوا أهمية لما هو على صورة البشر كما في قوله تعالى: (وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا) وجمعوا الثلاثة الأخرى بنفي واحد. ما قال: لا تذرن وداً ولا تذرن سواعاً، تفيد درجة أدنى بعدم تكرار الفعل ثم جمع الثلاثة بـ (لا) واحدة كما في قوله تعالى: (وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا) لأنها حيوانات والله أعلم.
آية (27):
س- يقول النبي (صلى الله عليه وسلم) “يولد المرء على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه” وفي أواخر سورة نوح لما دعا على قومه قال (وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (26) إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا (27)) كأنه تعهد بأن هؤلاء القوم لا يلدون إلا فاجراً كفاراً؟
ج- (د.فاضل السامرائى): هذا يسمونه في البلاغة في باب المجاز المرسل يسمونه إعتبار ما سيكون. هؤلاء كيف سيكونون في المستقبل مثل قوله تعالى: (قَالَ أَحَدُهُمَآ إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا (36) يوسف) كيف يعصر الخمر؟ باعتبار ما سيكون سيعصر ما سيكون خمراً من عنب وغيره، هذا يسمونه مجاز مرسل باعتبار ما كان واعتبار ما سيكون. إذن كما في قوله تعالى: (وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا (27) نوح) باعتبار ما سيكونون، سيكون هؤلاء في المستقبل وهو إستدل بهذا على الأقوام الهالكين. إذن هم خلقوا على الفطرة ولكن هم باعتبار ما سيكونون في المستقبل سيكونون كفاراً، هذا مجاز مرسل اعتبار ما سيكون مثل قوله تعالى: (إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ (53) الحجر) كيف يكون الغلام عليماً؟ باعتبار ما سيكون. مجاز مرسل من علاقة مشابهة لأن المجاز المشهور يكون علاقة مشابهة تدخل في مجال الإستعارة. يقال هذا كلام مجازاً أي ليس حقيقة وهذا من باب التوسع في المعنى حتى سيبويه يقول باب التوسع في الكلام. سيدنا نوح قال: (وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا (27)) والله تعالى قال له: (وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ (36) هود) ثم هو استمر على ما حصل في قومه من الذرية المتواصلة وهو باعتبار ما حصل في الأقوام السابقة فقال هؤلاء مثل هؤلاء.
آية (28):
س- ياء المتكلم متى تُسَكَّن ومتى تُحرَّك مثل وجهيَ ووجهي؟
ج- (د.فاضل السامرائى): السؤال هو متى تكون الياء مفتوحة ومتى تكون ساكنة؟ ذكرنا في حينها الفتح الواجب، فتح ياء المتكلم وجوباً لها مواطن وجوب الفتح وما عدا ذلك جواز.
ذكرنا وقلنا بعد الألف المقصورة الياء يجب أن تكون مفتوحة مثل قوله تعالى: (قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) الأنعام) وقوله: (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123) طه) لا بد أن تفتح الياء.
بعد المنقوص لا بد من فتح الياء: معطي، معطيَّ، أنت معطيَّ كتاباً تحذف النون هذا إسم لا تكون فيه النون، هل أنت منجيَ من عذاب الله؟ الياء لا بد أن تُفتح بعد المنقوص.
بعد المثنى كما في قوله تعالى: (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ (28) نوح).
بعد جمع المذكر السالم كما في قوله تعالى: (وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ (22) إبراهيم) وكما في الحديث “أومخرجيَ هم؟” ما عدا هذا يجوز الفتح والكسر، هذا الفتح الواجب والباقي يجوز وجهي ووجهيَ.
س- ما الفرق بين دلالة الأبوين والوالدين؟
ج- (د.فاضل السامرائى): في القرآن عادة خط لا يتخلّف إذا ذكر الوصية بهما أو البر بهما أو الدعاء لهما يقول الوالدين ولا يقول الأبوين هذا خط لم يتخلف في القرآن كما في قوله تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا (23) الإسراء) وقوله تعالى: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً (83) البقرة) وقوله تعالى: (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ (28) نوح) لم يتخلف في القرآن ولا مرة واحدة. أما الأبوين فقد تأتي في الميراث كما في قوله تعالى: (وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ (11) النساء). لا شك أن الأبوين هو تغليب هو الأب والأم (مثنى الأب والأم) لكن تغليب الأب والوالدين هو الوالد والوالدة وأيضاً تغليب لفظ الوالد مع أنه لم يلد والولادة للأم، الولادة للأم بالفعل وللأب للنسب. إذن لما يقول الوالدين تذكير بالولادة (يعني الأم) يعني فيها إلماح إلى إحسان الصحبة إلى الأم أكثر وهذا يتطابق مع حديث النبي (صلى الله عليه وسلم) لأن الولادة منها. إذن كل القرآن فيه إلماح إلى أن الأم أولى بحسن الصحبة والإحسان إليها أكثر من الأب الإهتمام بالأم أكثر.