سورة عبس
*(عبس وتولى) ما دلالة استخدام صيغة الغائب في الآية؟
ج- (د.حسام النعيمى): يسأل السائل لم قال: (عبس وتولى) ولم يقل (عبست وتوليت)؟ أولاً تفسير القرآن الكريم يكون من اللغة ويكون من المأثور مما ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم). نحن عندنا في الصحيح أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) كان يقول لابن أم مكتوم: أهلاً بمن عاتبني فيه ربي ويفرش له حتى يجلس. لكن هناك فرق بين أن يقال للإنسان عبست وتوليت ومحمد (صلى الله عليه وسلم) حبيبٌ إلى الله عز وجل هو حبيب الله فلا يواجهه ولا يفاجئه هكذا يقول له فعلت كذا. وإنما كأنه جعله غائباً (هو عبس وتولى) فقال (عبس وتولى) كأنه غائب ثم إلتفت إليه مرة أخرى فقال (وما يدريك لعلّه يزكى). والحادثة مشهورة في السيرة أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) كان يدعو رؤوس القوم وكان يرجو بإسلامهم إسلام سائر الناس وأحسّ أنه كأنما صار قريباً منهم وجاء ابن أم مكتوم وسمع صوت الرسول (صلى الله عليه وسلم) فقال له يا رسول الله علّمني مما علمك الله، علّمني مما علّمك الله، وهو (صلى الله عليه وسلم) يريد أن ينتهي من أمر هؤلاء بإسلامهم يسلم سائر قومهم فتغيّر وجهه (صلى الله عليه وسلم) قليلاً وإلتفت جانباً وأكمل حديثه معهم فجاء القرآن معاتباً له. وهذه الآيات من دلائل النبوة لأن ابن أم مكتوم كان أعمى ولم ير الرسول (صلى الله عليه وسلم). في البداية لم يواجه الرسول (صلى الله عليه وسلم) وإنما تحدّث عن غائب لأنه حبيبٌ إلى الله عز وجل. ولاحظ كلمة عبست والعبوس فلا يفاجأ بها الرسول (صلى الله عليه وسلم) فقال تعالى: (عبس وتولى أن جاءه الأعمى) ثم إلتفت إليه فقال: (وما يدريك لعلّه يزكى) رقة المعاتبة الأخيرة غير عنف المعاتبة الأولى. فالعنيفة جعلها للغائب ثم لما جاء للرّقة (لعلّه يزّكى) ولاحظ (لعلّ).
آية (1-3):
س- سورة ما دلالة تحول الخطاب في الآيات الثلاث الأولى في سورة عبس (عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَن جَاءهُ الْأَعْمَى (2) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3)) من المبني للمجهول إلى الخطاب المباشر مع الرسول ؟
ج- (د.فاضل السامرائى):هذا من باب الالتفات في البلاغة ياتفت من الغيبة للحاضر ومن الحاضر للغيبة لكن لماذا؟ إكراماً للرسول (صلى الله عليه وسلم) لم يقل له عبست وتوليت أن جاءك الأعمى فإكراماً له قال: (عبس وتولى) والتفت إليه لما كان في الخطاب خير لأنه (صلى الله عليه وسلم) كان منشغلاً في الدعوة إلى ربه يأمل إذن هو الآن في دعوة، في أمل كان يرجو خيراً ويأمل خيراً إذن لم يكن منشغلاً عنه باللهو أو أمر غير مهم وإنما بأمر من أمور الدعوة قال تعالى: (وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى (4) أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى (5) فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّى (6)) تصدى له لدعوته للإسلام. إذن هو ذكر الغيبة إكراماً للرسول (صلى الله عليه وسلم) (عَبَسَ وَتَوَلَّى) والتفت في الخطاب إكراماً له، كان منشغلاً بالدعوة فعاتبه عتاباً، (فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّى) هو (صلى الله عليه وسلم) تصدى له لدعوته للإسلام وليس لأمر من أمور الدنيا إذن هو كان منشغلاً بأمور الدعوة وحاملاً همّ الدعوة فلم يقل له عبست وتوليت ثم إشعاراً له وإن كان خلاف الأولى لكن كان منشغلاً يحمل همّ الدعوة. فإذن عاتبه ربنا وفي الحالتين كان فيه إكرام للرسول (صلى الله عليه وسلم) لم يقل له عبست وتوليت حتى لما قال تعالى: (أما من استغنى فأنت له تصدى) ليس ذماً وليس عتاباً شديد اللهجة لأنه (صلى الله عليه وسلم) كان منشغلاً بأمور الدعوة وكان يريده أن يزّكى، هذا مسلم من المسلمين مقدور عليه يمكن أن يستدعيه لاحقاً ويجيب على سؤاله أما الآن فقد حانت فرصة لدعوة هؤلاء وهذا الظرف لا يحين دائماً. واستعمل كلمة أعمى إعذار للرجل السائل أنه هذا معذور أعمى ولو كان رأى الرسول (صلى الله عليه وسلم) مشغولاً لما سأله. هو لو كان بصيراً لما سأل الرسول (صلى الله عليه وسلم) لأنه كان رآه منشغلاً ولم يسأله وجاء في وقت آخر. فالآيات فيها غاية الإكرام للرسول (صلى الله عليه وسلم) (عبس وتولى) يتكلم عن غائب وهي أكرم من (عبست وتوليت) استخدام ضمير الغائب أكرم من المخاطب إذن الإكرام في الإلتفات في الحالين إكراماً له في الغيبة (عبس وتولى) وإعذار له في قوله: (وما عليك ألا يزكى) التحول من ضمير الغيبة إلى المتكلم ومن المتكلم إلى الغيبة يسمى الإلتفات ويذكر عموماً هناك أمر عام في الالتفات أنه لإيقاظ النفس لأن تغيير الأسلوب يجدد نشاط السامع وينتبه أن الخطاب كان عن غائب ثم تحول إلى حاضر، هذا أمر عام في الالتفات أنه يثير انتباه السامع ويجعله ينتبه مثلاً (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1)) يتكلم تعالى عن نفسه ثم قال (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2)) ولم يقل فصلّ لنا إذن هذا إلتفات. كل مسألة في القرآن فيها إلتفات عدا هذا الأمر كونه لتنبيه السامع فيها أمر. لماذا التفت في (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2))؟ الصلاة للرب وليس للمعطي، لو قال فصلّ لنا أي لأننا أعطيناك صلّ حتى لا يُفهم أن الصلاة من أجل العطاء لمن يعطي لكن الصلاة للربّ سواء أعطاك أو لم يعطيك . الصلاة ليست للعطيّة وإنما من باب الشكر فالالتفات في كل مسألة في القرآن له غرض.
آية (16):
س- متى يستعمل جمع القلة وجمع الكثرة في القرآن الكريم؟
ج- (د.فاضل السامرائى): القاعدة النحوية أن يكون جمع القلة للقلة وجمع الكثرة للكثرة. مثل (دراهم معدودة) جمع قلة و(دراهم معدودات) جمع كثرة، و(أربعة أشهر) جمع قلة و(عدة الشهور) جمع كثرة، (سبعة أبحر) جمع قلة و(وإذا البحار سُجّرت) جمع كثرة، (ثلاثة آلآف) جمع قلة و(ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت) أكثر من عشرة جمع كثرة.
ويجوز أن يستعمل القلة للكثرة والكثرة للقلة أما في القرآن قد يُعطى وزن القلة للكثرة والعكس لأمر بليغ. وقد جلء في سورة البقرة (مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ {261}) سبع جمع قلة استعملت مع جمع كثرة لأنها في مقام مضاعفة الأجور والتكثير. وفي سورة يوسف قال تعالى: (وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ {43}) سبع استعملت مع جمع القلة (سنبلات) لأن الآية تتحدث عن حلم ولا مجال للتكثير فيه إنما هو مجرد حلم لذا استعملت بمعنى القلة.
وتستعمل للمقارنة بين معنيين مثل: قيام جمع كثرة وقائمون جمع قلة وكذلك أعين للبصر وعيون للماء، والأبرار جمع قلة وهي تستعمل للمؤمنين فقط (إن الأبرار لفي عليين) والبررة جمع كثرة وهي تستعمل للملائكة فقط لأنهم أكثر (كرام بررة).
وقوله تعالى (دراهم معدودة) مناسبة مع كلمة (بخس في قوله (وشروه بثمن بخس) في سورة يوسف (أكثر من عشرة فهي كثرة) لكن حتى لو دفعوا أكثر من عشرة دراهم يبقى ثمناً بخساً. وقوله (أياماً معدودات) في آية الصيام في سورة البقرة، قللّها فهي أيام معدودات ليس كثيرة وهنا تنزيل الكثير على القليل، وقد قلل أيام الصيام لكن أجرها كبير.
س- ما سبب إختلاف ترتيب الأقارب في الآيتي: (يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (11) وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (12) المعارج) (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) عبس)؟
ج- (د.حسام النعيمى): قال تعالى: (يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاء كَالْمُهْلِ (8) المعارج) الكلام على يوم القيامة (وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ (9) وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا (10) يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (11) وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (12) وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْويهِ (13) وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنجِيهِ (14) المعارج) نتوقف عند كلمة (يفتدي). إذن الكلام هنا عن الفدية، أن يفدي نفسه، لما كان الكلام على فداء النفس، أن يقدِّم فداء لنفسه بدأ ببنيه، وصاحبته وأخيه وفصيلته التي تؤويه ومن في الأرض جميعاً ثم ينجيه. يقولون الواو لا تقتضي الترتيب لكن الإيراد بهذه الصورة له دلالته. قال تعالى:(فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ (33) يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (37) عبس) إذن الكلام هنا على فرار، هناك كان الكلام عن فدية. نحن نكاد نكون قد أجبنا نصف الجواب الآن لما قلنا هناك على الفدية وهنا على الفرار.
لو تخيلنا الأمر على شكل دوائر محيطة بالإنسان: الدائرة الضيقة أقرب دائرة له هو الابن الذي هو مظنّة أن يطيع أباه، الدائرة التي بعدها الزوجة المرتبطة بالأولاد، ثم الدائرة الأخرى دائرة الفصيل. والفصيلة هي العشيرة أو الأقارب الأدنون من القبيلة. الإنسان لما يكون من قبيلة يكون عنده أقارب أدنون يعني أبناء العمومة وأبناء الخال التي ينتسب إليها في كثير من الأحيان. مثلاً عندنا نحن في العشائر أحياناً تكون العشيرة كبيرة مثل (شمّر) عشيرة كبيرة في العراق، زوبع جزء من شمر، النعيم يقولون باللهجة العامية هؤلاء البوبندر من النعيم أي آل بندر، أي فصيلة بندر، أبناء بندر. كما قال هو من تميم “أنف الناقة”، تميمي تزوج كما تزوج من قبله قبل الإسلام في مدة قصيرة وأنف الناقة طفل صغير أبوه ذبح الناقة ركض إخوته نحو الناقة يأخذون اللحم فوجد رأس الناقة كبيراً فوضع يده في أنف الناقة وبدأ يجرها فصار أنف الناقة يسخرون منه، صار كبيراً، تزوج وصار له ذرية وله أكثر من عشر زوجات في الجاهلية فصاروا بنو أنف الناقة ما كانوا يقولون التميمي وإنما يقولون بنو أنف الناقة. هؤلاء هم الفصيل أقرب شيء إليه ثم (من في الأرض جميعاً) وراء ذلك.
فالإفتداء، الإنسان لما يرى حاله يريد أن يفدي نفسه، يقدم شيئاً: خذوا هذا بدلي، أقرب شيء له هو ولده، أقرب الناس إليه الابن. فلهول المشهد في ذلك الوقت يتناول الأقرب خذوا هذا، لا ينفع يأخذ الذي بعده – الزوجة -، ثم الفصيل ثم ما في الأرض جميعاً بدلي، لاحظ الترتيب لأن فيه نوع من الفداء.
لما نأتي إلى سورة عبس، نوع من الفرار يعني الهزيمة، الإنسان لما يهرب يهرب من البُعداء أولاً، يتخلى عن من هو بعيد ثم يبدأ يتساقط شيئاً فشيئاً، لنقل كأنهم مرتبطون به فلما يركض أول من يخفف من ثقله: أخيه ثم أمه وأبيه، أيضاً يتخفف منهم. ونلاحظ هناك كان فداء لم يذكر الأم والأب لأنه لا يليق أن يفتدي الإنسان نفسه بأمه وأبيه، فلا يليق أن يذكر مع أنهم داخلون ضمن (ومن في الأرض جميعاً) لكن ما ذكر اسمهم لأن ذكر الأم والأب في الفداء مسألة كبيرة عند الناس أن يفدي نفسه بأمه وأبيه. لكن في الهرب ممكن أن يقول هم يحارون بأنفسهم، يدبرون حالهم. قال تعالى: (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36)) التساقط صار شيئاً فشيئاً، (وبنيه) آخر شيء لاصق به كأنه شيء مرتبط بهذا الإنسان وهو يركض هارباً يتساقط البعيد ثم القريب ثم الأقرب حتى تعطى الصورة لهذا المشهد في يوم القيامة. فلما نتخيل هذه الصورة ونرى الفارق في الفداء وفي الفرار عند ذلك تتضح لماذا إختلف الترتيب .
(وصاحبته) هي زوجته والزوجة الإنسان ينام في حجرته معه زوجة وأولاده في السابق فهم أقرب إليه من غيرهم، فقد لا يكون في بيته الأم والأب. الترتيب اختلف لأن الصورة اختلفت: هناك صورة فداء من يعطي وينجو بنفسه فيبدأ بأقرب شيء إليه، بينما الهارب كأنها سلسلة تتساقط يسقط البعيد منها ثم الذي يليه ثم الذي يليه ثم آخر شيء اللاصق به.
هذه الآية في سورة في مكان وهذه الآية في سورة في مكان ومحمد (صلى الله عليه وسلم) كان أمياً لا يقرأ ولا يكتب ولا يرتب هذه الأمور، ألا يكفي هذا في الدلالة على نبوة محمد (صلى الله عليه وسلم)؟ ألا يفكر الإنسان أن هذا الرجل الأمي لا يصدر منه مثل هذا التنظيم في مكانين مختلفين تنظر هنا تجد شيئاً وتنظر هنا تجد شيئاً والذي قال الشيئين كان مدركاً لما يقول هنا ولما يقول هنا في آن والمدة متباعدة بين نزول هذه السورة ونزول هذه السورة، هذا كلام ربنا سبحانه وتعالى
دأبنا أن نذكر قراءة نافع لإخواننا في المغرب العربي: (لو يفتدي من عذاب يومِئذٍ) عذاب مضاف ويومِ مضاف إليه، نافع قرأ (من عذاب يومَئذٍ) بالفتح. توجيه علماء العربية لذلك أن (يوم) ظرف والمفروض أن يكون مُعرباً لكن أضيف إلى مبني وهو (إذ) فإذا أضيف إلى مبني كثير من قبائل العرب تبنيه بسبب إضافته إلى المبني فيبنى على الفتح يقال (مبني على الفتح في محل جرّ)، تبنيه على الفتح (يومَئذ). وأكثر القراء قرأوها بالكسر (يومِئذ). نافع والكسائي فقط قرأوا بالبناء على الفتح (يومَئذ). يومِئذ مضاف إليه مجرور بالكسر فإذا فُتِح فالسرّ أنه أضيف إلى مبني. هي أصلها (يومِئذْ) والتنوين عوض عن جملة محذوفة. لأن عندنا التنوين أنواع: تنوين التمكين وتنوين العِوض. تنوين العِوض يمكن أن يكون عوضاً عن مفرد وهو اللاحق لكل عوضاً عما تضاف إليه (كلٌ يعمل على شاكلته) يعني كل إنسان فحذف كلمة إنسان وعوّض بالتنوين، هذا التنوين عوضاً عن مفرد. ويكون عوضاً عن حرف وهو اللاحق بنحو جوار وغواش وهذا فيه كلام طويل، عوض عن الياء المحذوفة لأن جوار وغواش ممنوع من الصرف لا ينوّن لأنه على صيغة منتهى الجموع فلما نوّن قالوا حذفت الياء ونون عوضاً عن الياء المحذوفة وهذا فيه كلام كثير.
وعوض عن جملة وهو اللاحق لـ (إذ) في قوله تعالى: (وأنتم حينئذ تنظرون) يعني حينئذ بلغت الروح الحلقوم. نقول قال زيد كذا وكذا وحينئذٍ رد عليه فلان بكذا يعني وحينئذ قال كذا وكذا رد عليه فلان، فهنا: (يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (11) المعارج) يبصرونهم يعني يُرى الأحمّاء أحماءهم يعني: يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذْ يبصرونهم ببنيه.
آية (33):
س- ما الفرق بين أتى وجاء ؟
ج- (د.فاضل السامرائى): القرآن الكريم يستعمل أتى لما هو أيسر من جاء، يعني المجيء فيه صعوبة بالنسبة لأتى ولذلك يكاد يكون هذا طابع عام في القرآن الكريم ولذلك لم يأت فعل جاء بالمضارع ولا فعل الأمر ولا اسم الفاعل. قال تعالى: (فَإِذَا جَاءتِ الصَّاخَّةُ (33) عبس) شديدة، (فَإِذَا جَاءتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى (34) النازعات) شديدة، (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ (1) الغاشية) لم يقل أتتك الغاشية وإنما حديث الغاشية لكن هناك الصاخة جاءت والطامة جاءت. (إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) النصر) هذا أمر عظيم هذا نصر لا يأتي بسهولة وإنما حروب ومعارك، (هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا (1) الإنسان) هذا نائم يمر عليه وهو لا يعلم، لم يكن شيئاً مذكوراً أي قبل وجوده لم يكن شيئاً مذكوراً قسم قال لم يكن شيئاً لا مذكوراً ولا غير مذكور وقسم قال كان شيئاً ولم يكن مذكوراً كان لا يزال طيناً لم تنفخ فيه الروح، ففي الحالتين لا يشعر بمرور الدهر فاستعمل أتى.هنالك فروق دلالية بين جميع كلمات العربية سوءا علمناها أو لم نعلمها. رأي الكثيرين من اللغويين قالوا ليس هناك ترادف في القرآن إلا إذا كانت أكثر من لغة (مثل مدية وسكين) ولا بد أن يكون هناك فارق.
آية (34):
س-ما دلالة اختلاف ترتيب الأقارب بين آية سورة عبس وآية سورة المعارج؟
ج- (د.فاضل السامرائى): آية سورة عبس في الفرار يوم القيامة والمشهد مشهد فِرار وأن يخلو الواحد إلى نفسه وعادة الفِرار يبدأ من الأبعد إلى الأقرب قيكون الأقرب آخر من يفرّ منه الإنسان. وأبعد المذكورين في الآية (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (37)) هو الأخ لأنه أحياناً لا يرى الإنسان أخاه أشهراً فبدأ بالفرار منه ثم قدّم الأم على الأب في الفرار لأن الأم لا تستطيع أن تدفع عنه أو تنصره لكن الأب ينصره، وقد قال أعرابي عندما بُشّر بمولودة قال “والله ما هي بنعم الولد نصرُها بُكاء وبِرّها سرقة” إذا أرادت أن تنصر تبكي وإن أرادت أن تبِرّ تسرق من زوجها لتعطي. ثم أخّر الأبناء لأنهم ألصق شيء بالإنسان.
أما في سورة المعارج فالمشهد مشهد فِداء وذَكَر القرابات (يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (11) وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (12) وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ (13) وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ (14)) وأقرب القرابة الأبناء والإنسان خلقه الله تعالى هلوعاً (إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) المعارج) إذا رأى مشهد العذاب أدركه الهلع فبدأ بالأقرب وهذا يوحي أن العذاب فوق ما يتصور الإنسان فافتدى بأعزّ ما يملك وهم أبناؤه ولم يذكر في الآية الافتداء بالأم أو الأب لأن الله تعالى أمر بالإحسان إليهما ودلّ على عظيم مكانة الأبوين فلا يمكن أن تفتدي بما يُتقرّب إليه فهل يُعقل أن يفتدي إلى الله تعالى بأبويه فهل هذا هو الإحسان إليهما أن تضعهما مكانك في جهنم؟ قد يفرّ منهما لكن لا يفتدي بهما أبدا.