تبدأ سورة الفاتحة بقوله تعالى (الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2)) وتنتهي بقوله (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ (7)) نلاحظ أنه في الخاتمة استوفى أنواع العالمين، من هم العالمون ؟ إما منعم عليهم، الذين أنعمت عليهم، أو مغضوب عليهم، الذين عرفوا الحق وحادوا عنه، أو الضالون فليس هناك صنف آخر، هؤلاء هم العالمون المكلفون، فلما قال رب العالمين، ذكر من هم العالمون في آخر السورة، فصار هناك تناسب بين مفتتح السورة وخاتمتها، (رَبِّ الْعَالَمِينَ) من هم العالمون؟ العالمون هم (الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ)، إذن هناك تناسب ظاهر بين مفتتح السورة وخاتمتها. العالمون هم العقلاء المكلفون؛ لأنه جمع مذكر سالم، وجمع المذكر السالم الأصل فيه أن يكون للعاقل، إما علم عاقل أو صفة عاقل، والعالمون ملحقة بها (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ (107) الأنبياء) (لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1) الفرقان) فالعالمون هم المكلفون العقلاء، قسَّمهم هذا التقسيم، وشمل هذا التقسيم العالمين، ويدخل فيهم الجن؛ لأنهم من المكلفين.
تنتهي سورة الفاتحة بذكر المنعَم عليهم، والمغضوب عليهم، والضالين: (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ (7)) والبقرة تبدأ بذكر هؤلاء أجمعين، تبدأ بذكر المتقين (ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (2))، وهؤلاء منعَم عليهم، ثم تقول (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ (6)) فتجمع الكافرين من المغضوب عليهم والضالين، وتذكر المنافقين (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ (8)) فاتفقت خاتمة سورة الفاتحة مع افتتاح سورة البقرة.
ذكر في خواتيم الفاتحة أصناف الخلق المكلفين: (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ (7)) وذكرهم في بداية البقرة.
المغضوب عليهم الذين عرفوا الحق وحادوا عنه، والضالون الذين لم يعلموا الحق وإنما ضلوا الطريق، ويضرب لهم مثلاً اليهود والنصارى، والمغضوب عليهم، ومنهم اليهود والنصارى، وفواتح البقرة تحدثت عن هذه الأصناف المتقين والكفار والمنافقين، وجمعت المغضوب عليهم والضالين.
*سؤال: هل هذا الأمر مقصود في حد ذاته من قِبل الله سبحانه وتعالى، يعني هذه التوأمة بين خواتيم السور وبدايات السور التي تليها؟
قسم من الباحثين في عموم المناسبات قالوا: القرآن كتاب حياة، فخذ أي يوم من أيام الحياة، هل هي مترابطة في مسألة واحدة، أو أن فيها أمورا مختلفة متعددة كلها تجمعها الحياة؟ والقرآن كتاب حياة فيه ما فيها، تقع أمور كثيرة متعددة مترابطة، ولكن لا يبدو هذا الترابط ظاهراً، مثل الكتاب تقرؤه من مقدمته إلى خاتمته: فصل أول، وفصل ثان، نلاحظ في هذا الوضع التوقيفي ارتباطا واضحا في هذه المسألة.
ولذلك قال الرازي: إن آيات القرآن كلها كأنها كلمة واحدة من حيث الترابط، نحن لا نقول إنه غير مقصود، ولكننا الآن ننظر في شيء موجود أمامنا، ونبحث فيه: هل هنالك تناسب أو لا؟ في هذا الوضع الحالي نحن الآن نرى ترابطاً واضحاً، نحن نصف في تقديرنا، وفيما يظهر لنا كعلماء هذا الأمر، والله أعلم.