في أولها قال تعالى:(طسم (1) تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (2)) وفي آخرها (إن الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (85))المقصود بالكتاب في أول السورة هو القرآن. في أولها قال (تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ) وفي آخرها (وَلَا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (87)) تلك آيات الكتاب المبين ولا يصدنك عن آيات الله، الكتاب من آيات الله. هذه العلاقة بين الآيات تسمى تناسباً. المسألة هي هذه الآيات التي في الأواخر متناسبة مع سياقها التي ترد فيه في الأواخر وهي أيضاً متناسبة مع الأوائل فهي مترابطة في سياقها الذي وردت فيه وهي مرتبطة بمفتتح السورة.
سؤال: هذا كان يعرف في القصيدة الجاهلية بوحدة الموضوع أو وحدة القصيدة فهذا ليس غريباً عن العرب آنذاك؟
السؤال هو هل هناك وحدة فعلاً في القصيدة الجاهلية؟ هذا فيه كلام وخلاف وليس قولاً مطلقاً. على أي حال هنا بالنسبة لما نذكره في عموم التناسب هي أن ما نذكره في خواتيم السور متناسب مع سياقها التي وردت فيه ومتناسبة مع مفتتح السورة وأوائلها هذا الذي لاحظناه. في سورة العنكبوت كما ذكرنا في الحلقة الماضية 29 سورة متتابعة وجدنا فيها تناسب. والآن بعد العنكبوت نأتي إلى سورة الروم السورة الثلاثين في ترتيب المصحف متناسبة إلى الآن مع أن القرآن نزل منجماً ولم تنزل السور مكتملة وقد يفصل بين آية وآية سنوات على مدى ثلاث وعشرين عاماً، ترتيب القرآن بهذا الشكل توقيفي من الله تعالى.
قال تعالى في أواخر النمل: (وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (91) وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآَنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ (92))، (وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآَنَ) هذا قصص (تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) القصص) القرآن هو الكتاب المبين. (فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ (92)) وذكر من اهتدى ومن ضلّ وهم موسى ومن آمن به وفرعون من اتبعه.
في أواخر القصص قال تعالى:(إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (85)) هذه نزلت في الهجرة والرسول مهاجر، هو هاجر لأنه فُتِن هو وأصحابه، خرج مهاجراً من أثر الفتنة، وقال في آخرها (وَلَا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آَيَاتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (87)) وقال في أول العنكبوت (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (2)) الآن هو خرج مهاجراً من أثر الفتنة ولا يصدنك عن آيات الله من أثر الفتنة، (وَلَا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آَيَاتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ) (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (2)) كأن الخطاب كان موجهاً للنبي ثم عُمم على الجميع. في أول العنكبوت قال (وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3)) وذكر في أواخر القصص فتنة قارون إلى أن قال (فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ (81)) ذكر في القصص فتنة قارون وعاقبته وفي بداية العنكبوت قال (وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3)) كأنها إشارة إلى ما حدث قبل قليل في آخر سورة القصص.