كلتا السورتين خطاب للرسول . في ختام المزمل قال تعالى: (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ (20)) ثم خاطب الرسول في المدثر: (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2)). وتقدم في سورة المزمل الكلام على الكافرين (إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا (12)) ثم ذكر في المدثر (سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ (27) لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ (28) لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (29) عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ (30)) كلاهما مشهد من مشاهد العذاب للكافرين في المزمل والمدثر.
يقول تعالى في سورة الجن: (وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا (19)) عبدُ الله أي الرسول ، لِبداً أي تلبدوا عليه واجتمعوا، وفي المزمل قال تعالى:(إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (5)) الرسالة ليست سهلة, هذه من مظاهر اللبد التي قاموا بها، من مظاهر القول الثقيل ما فيه ما تلقى من قومك من أذى وما في طبيعته من أحكام. أليس فيه العذاب والفتنة من الثقل عليه؟!, قال في سورة الجن: (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا (18)) وفي المزمل:(رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا (9)) هي نفسها. قال في سورة الجن: (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا (23)) وفي المزمل:(وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا (11) إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا (12)) هي نفسها، كأنما هي استكمال للآية وصف لما سوف يناله في الآخرة.
في أواخر سورة المدثر تحدث عن أصحاب النار: (مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42)) وهي في القيامة أصلاً, وقال في سورة القيامة: (لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ (1)) مشهد من مشاهد يوم القيامة. سورة المدثر مشاهد من مشاهد القيامة وسورة القيامة تبدأ بالقيامة.