ذكر في أولها حدّ الزاني والقاذف (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (2)) (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4)) وفي آخرها قال (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63)) ذكر في أول السورة قسماً من الذين يخالفون عن أمر الله (الزانية والزاني والقاذف) من قذف المحصنة والحد من الزاني والزانية وقال:(وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ) يعني عذاب أليم، أولئك خالفوا عن أمره فأصابهم عذاب أليم، تصيبهم فتنة وعذاب اليم وكلاهما حصل (في حديث الإفك). (أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (64)) ما فعلوا وأنكروا واحد قال لم أفعل كذا الذي يرمي الزوجة وهي تنكر أو العكس أو القاذف ربنا سيعلمهم بما عملوا (وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (64)). إذن مرتبطة بالعذاب الأليم والفتنة وإخبارهم بما فعلوا وإيضاح الأمر على حقيقته بما أضمر كل واحد منهم.
أول أمر نذكره أن أول سورة النور مرتبطة بأول سورة المؤمنون، هاتان السورتان مرتبطتان في الأوائل والأواخر. قال تعالى في أول سورة المؤمنون: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7)) وبدأ بالذين لم يحفظوا فروجهم في سورة النور (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (2)) هذه البداية. وقال في أواخر المؤمنون: (فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (116) وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (117) وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (118)) وفي أول النور قال:(سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (1))، فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو – سورة أنزلناها، مَن الذي ينزل الأحكام ويفرضها ويأمر بإقامة الحدود؟ الملك الحق. الملك الحق هو الذي يأمر ويفرض, حتى عندنا في القوانين الملك هو الذي يفرض السلطة. فإذن سورة أنزلناها وفرضناها هذه أنزلها الملك الحق (فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (116) وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (117)) هو الذي أنزل وفرض الأحكام، هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى في أواخر سورة المؤمنون ذكر عذاب الكافرين (تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ (104) أَلَمْ تَكُنْ آَيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (105)), وفي بداية النور ذكر عذاب من استحق العذاب من المسلمين في الدنيا والآخرة حينما ذكر حد الزاني والزانية (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ) ثم الإفك والقذف (إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ (11)) عذاب الكافر في الدنيا وعذاب العاصي من المسلمين في الدنيا والآخرة.
في آخر سورة النور قال:(أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (64)) وفي أوائل الفرقان: (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا (2)) ألا إن لله ما في السموات والأرض الذي له ملك السموات والأرض يعني له ملكهما وما فيهما.
سؤال: قد يقول قائل أنه ربما يكون في هذا تكرار؟ هذا ليس تكراراً أولاً ثم إن هذا أمر عقيدة يركزها ويركز ظواهرها، في أواخر النور قال:(لله ما في السموات والأرض) له ما فيهما وفي الفرقان (له ملك السموات والأرض) له ملكهما فقد تملك شيئاً لكن لا تملك ما فيه فقد تملك داراً ويستأجرها منك أحد فأنت تملك الدار لكنك لا تملك ما فيها وليس بالضرورة أن تملك داراً وتملك ما فيها كونه يملك السموات والأرض ليس بالضرورة أنه يملك ما فيهما ولذلك أكد القرآن أنه له ملك السموات والأرض وله ما فيهما ولا يكتفي بإطلاق الملك فقط بأنه يملك السموات والأرض حتى في حياتنا نملك الظرف ولا نملك المظروف ونملك المظروف ولا نملك الظرف، إذن هو ذكر أمرين: ذكر له ملك السموات والأرض وذكر لله ما في السموات والأرض الأمران مختلفان فله ملكهما وله ما فيهما.
في آخر النور قال:(فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63)) هذا إنذار وفي أول الفرقان (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1)). وفي آخر النور قال (وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (64)) وفي أول الفرقان (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا (2)) الذي يخلق كل شيء ويقدره هو بكل شيء عليم، والله بكل شيء عليم وخلق كل شيء فقدره تقديراً.