تبدأ (مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (2) يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (3)) وفي آخرها (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا (45)) إذن هو يرحمهم ولو يؤاخذهم بما كسبوا فيها رحمة، إذن ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها. (لو) حرف امتناع لوجود امتناع نزول العذاب لوجود رحمة الله، ما ترك على ظهرها من دابة وهو الآن تارك فإذن الرحمة موجودة. هو منع الأخذ لوجود الرحمة، لو آخذهم بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة، إذن هو لم يؤاخذهم لوجود الرحمة (مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا). قال في أولها (وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (4)) وقال في أواخرها (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا (44))، وإن يكذبوك فقد كذبت رسل من قبلك أفلم ينظروا كيف كانت عاقبة الذين من قبلهم كأنما يوضح لهم كيف فعل الله بالأقوام الماضية، إن يكذبوك فلينظروا كيف فعل الله بالأقوام الماضية.
ذكر في خاتمة سبأ عاقبة الكافرين: (وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ (51) وَقَالُوا آَمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (52) وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (53)) هذا الكلام كله في الآخرة وفي أوائل فاطر قال (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (5))، لما قال (وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ (51)) ذكر عاقبتها والآن حذرنا من أن نقع في ذلك الموقع وفي أن نقف في ذلك الموقف (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (5) إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ (6) الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (7)) ذكر العذاب الشديد في خاتمة سبأ وقال (وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (7)) فالتناسب في العذاب والعقوبة في الموقفين.
قال في أواخر سورة فاطر: (وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا (42)) وفي بداية يس قال (وَالْقُرْآَنِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3) عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (4) تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (5) لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آَبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ (6)) هم أقسموا بالله لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم، والآن جاءهم النذير (لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آَبَاؤُهُمْ) كأنه تعالى أعطاهم ما يريدون (فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا (42)) وفي يس (لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (7)). قال في أواخر فاطر (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا (44)) الكلام عام وفي يس قال (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (13)) للعبرة، اضرب لهم مثلاً (إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ (29)) وكأنما ما ورد في يس يبين لهم ويضرب لهم مثلاً (إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ (29)).
سؤال: هل هذا الارتباط هو إجمال يعقبه تفصيل أو تفصيل وإجمال أو علاقة تضاد؟ وهل هذا يجعلنا نصدر حكماً أن القرآن لا يصح إلا أن يكون بهذه الشاكلة من حيث ترتيب السور؟
هي علاقة إكمال للمسألة يستكملها. قلنا في حلقة سابقة أن هذا الترتيب التوقيفي وهذا التبيان هو اجتهادي ولا شك أنه عند غيرنا أعلى من هذا الاجتهاد وأعمق من هذا الاجتهاد ولكن هذا الاجتهاد يدل على الترابط واضح، هذا يجعلنا نقطع بأنه مترابط الله أعلم وترتيب السور بهذا النسق أمر توقيفي مع أنه نزل بشكل مختلف وهنالك ترابط واضح بيّن ولا شك أن هنالك حكم أعلى مما نعلم ونحن نستطيع أن نقول كما قال الأولون أنه مترابط كالكلمة الواحدة.