آية (156):
* ما أصل كلمة مصيبة؟وكيف تكون المصيبة خيراً (مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ (79) النساء)؟(د.حسام النعيمى)
قال تعالى(الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ (156) البقرة، المصيبة مشتقة من جذر (ص و ب) ومنه صارت أصاب (أفعل) يصيب، وهذه النازلة مصيبة. و لها معان متعددة كلها تدور حول معنى الإنزال، ومنه الصيّب الذي هو المطر وفيه معنى النزول. والشيء الذي ينزل على الإنسان قد يكون خيراً أو شراً، مثل المطر قد يكون نافعاً أوضاراً.
لكن كلمة مصيبة صار لها خصوصية، والعربي صار لا يستعملها إلا في السوء.
مصيبة (مُفعِلة) من أصاب مثل كلمة نازلة، ما يصيبه من مصيبة في ظاهر الأمر يراه سوءاً له وفي الحديث ” عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير” وفي حديث البخاري “من يُرد الله به خيراً يُصِب منه” أي يمتحنه فيصبّره فيصبر، فترتفع درجته. ففي كل الأحوال له خير، فإذا أصابته مصيبة قال: إنا لله وإنا إليه راجعون، نحن لله سبحانه وتعالى.
المصيبة هنا بمعنى ما تراه ضرراً، والقرآن الكريم جاء على أساليب العرب، أو إذا عكسنا الأمر إن أساليب العرب ارتقت شيئاً فشيئاً إلى أن جاءت إلى لغة القرآن الكريم.
*هل هناك لمسة بيانية في طريقة إستعمال القرآن نفس الفعل مع الحسنة والسيئة (تصبك) لكن في كلمة مصيبة حدد الدلالة الخاصة بها مع الشيء السيء ؟(د.حسام النعيمى)
القرآن على لغة العرب، والعرب كانوا يستعملون المصيبة، وأصل الاستعمال في المصيبة هي الرمية الصائبة للسهم، الرجل إذا اجتهد فأصاب فهو مصيب، والمرأة يقال أصابت، حتى نتجنب القول بأنها مصيبة، وإن كان هذا يجوز من حيث اللغة، إذًا الإصابة يمكن أن تستعمل للحسنة، ما أصابك أي ما نالك ونزل بك، هذا في لغة العرب.
*كيف ننسب الحسنة إلى الله والمصيبة إلى نفسك؟(د.حسام النعيمى)
مردّ الأمور جميعاً هي إلى الله سبحانه وتعالى، وأنت تقدم أسباب الوصول إلى الحسنة، ويقدم الإنسان أسباب الوصول إلى السيئة، ولا يكون وصوله إلى الحسنة أو السيئة إلا بأمر الله سبحانه وتعالى.
قال تعالى (وهديناه النجدين)، والله لا يُسأل عما يفعل في ملكه، إذ الكون كله ملك الله سبحانه وتعالى؛ ولذلك (لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون) فهو قادر على أن يهدي الجميع، وقادر على أن يضل الجميع.
حينما يجعلك تختار طريقك، هو شاء لك أن تختار، وأنت صارت لك مشيئة من ذاتك؟ الله يشاء (وما تشاءون إلا أن يشاء الله) لكن لك مشيئة، وإلا كنت كالملائكة أو الشياطين، الشياطين لا مجال للهداية فيهم، والملائكة لا مجال للضلالة لهم، وشاء الله عز وجل لهذا الإنسان أن ينظر في الطريقين وفق ما يبيّنه الله سبحانه وتعالى من لطفه وكرمه، وإلا فالمفروض أن يوصله العقل ، مع ذلك أرسل الرسل، ومعهم الكتب، وبيّن طريق الهداية وطريق الضلال. فإذًا الإنسان فيما يسلك من طريق هو في الأصل في خانة مشيئة الله سبحانه وتعالى، التي جعلت له المشيئة أن يختار.
(ما أصابك من حسنة فمن الله) لأنك أنت سعيت وقدّمت، لكن أنت ما كنت تستطيع أن تصل للحسنة حتى يرضاها الله تعالى، فذكر تعالى الأصل لأنه مرتبط بالحسنة. أنت سعيت نحو الحسنة وشاء الله سبحانه وتعالى أن تفعلها قدّمت وشاء لك ففعلت، فالحسنة تُنسب إلى الله تعالى.
والسيئة أيضاً سعيت، وشاء الله تعالى لك أن تصل، ولو أراد الله ما وصلت، لكن يبقى منحصراً بك، لأنك سعيت، وكما قالت الجن (وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا)، الخير معقود لله تعالى دائماً، على أننا نؤمن بالقدر خيره وشره من الله سبحانه وتعالى، فنسبت الحسنة إلى الله تعالى، وحصرت السيئة بنفسك، مع أن نفسك سعت في الحسنة، وسعت في السيئة، وفي الحالين كانت بالمشيئة.
وهو تعليم للمسلم كيف يتأدب مع الله سبحانه وتعالى، وأن ينسب الخير لله، وأن ينسب السوء لنفسه، ولذلك نجد علماءنا يقولون عندما يكتبون: هذا ما وصل إليه اجتهادي، فإن كان خيراً فمن الله تعالى، وإن كان شراً فمن نفسي ومن الشيطان، وهذا من الأدب مع الله سبحانه وتعالى.