*ما الفرق بين أنزل ونزل كما قال تعالى (وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ﴿65﴾ النحل) و (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا ﴿63﴾ العنكبوت))(د.أحمد الكبيسى)
الآية الأولى أنزل وبدون من والآية الثانية في العنكبوت (مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا) وهذا في الحقيقة وارد في عدة أماكن في كتاب الله بين الإنزال والتنزيل. رب العالمين يقول لبني إسرائيل (وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى ﴿57﴾ البقرة) هذا في البقرة، في طه قال (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى ﴿80﴾ طه) ولا يمكن أن يكون هذا عبثاً، في الفرقان يقول (وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا ﴿48﴾ الفرقان) في ق (وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا ﴿9﴾ ق) وعن الملائكة (وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ ﴿111﴾ الأنعام) نزلنا آية أخرى (وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا ﴿8﴾ الأنعام) وهكذا إذاً سنبحث في هاتين الآيتين في تنزيل الماء ومرة أخرى أو ثانية أو ثالثة أكرر أن هذا الموضوع المتشابه في كتاب الله يحتمل كل من ينقدح ذهنه في فرق بين الآيتين ولن تضيق هذه الآيات بتأويل حتى لو بلغ ألف تأويل. من أجل ذلك لا تتقيد بما قاله المفسرون، ربما تجد مفسراً من المفسرين قال فرقاً واحداً وقال الآخر فرقاً آخر ولكن هذا ليس اختلافاً كما قلنا وإنما هي وجوه أخرى وهذه سنة في هذا الكتاب العزيز استجابة أو استفادة من قوله عليه الصلاة والسلام (هذا الكتاب لا تنقضي عجائبه) ومن عجائبه أن الكلمة القرآنية تعطي عطاءً جديداً في كل جيل على وفق معارف ذلك الجيل وحضارتهم وعلومهم وحتى يوم القيامة عندما نطّلع على التأويل النهائي سنجد أننا كنا بعيدين عن هذا البحر المتلاطم وإنما كنا نسبح على شاطئه فقط فلا يضيقن أحدٌ بأحدٍ إذا أبدى رأياً جديداً وإنما هي آراء تتراكم وفي الغالب كلها صحيحة.
إذاً آيتان (وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا). مقدماً نقول الفرق بين أنزل ونزّل عدة علماء تكلموا فيها وربما يكون كل ما تكلموا فيه صحيحاً. نضيف إلى هذا رأياً آخر لا يتعارض مع الآراء الأخرى وهو أنزل مرة واحدة يعني دفعة واحدة أنزلت الشيء، نزّلته باستمرار يعني أنزل الله الماء دفقة مطر مطرت يوم يومين ثلاث أيام هذا أنزله، تأمل لو أن المطر بقى عشرين عاماً ينزل فرضنا هذا يعني الآن في بعض الدول الغربية على مدار السنة هذا نزّل وهكذا. أنزل القرآن ليلة القدر ويقول النبي صلى الله عليه وسلم (أنزل الله القرآن جملة واحدة إلى السماء الدنيا في ليلة القدر) الله تعالى قال (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ﴿1﴾القدر) (ثم نزِّل) انظر إلى دقة المصطفى صلى الله عليه وسلم (ثم نزِّل بعد ذلك في عشرين سنة) لم يقل أنزل لما أنزل مرة واحدة دفعة واحدة قال أنزل ولما باستمرار على مدى 23 سنة باستمرار قال نزِّل هكذا وهذا رأي آخر يضاف إلى آراء أخرى أحببت أن أختار منها هذا لأنه يخدم قضيتنا اليوم في هاتين الآيتين.
إذاً رب العالمين عز وجل يتكلم بالآية الأولى عن الأمطار التي تنبت الزرع الموت الموسمي الأرض الآن تموت بالصيف والشتاء وبالربيع تحيا وكل سنة مكان عشب ثم يموت العشب ثم تموت الأرض ثم في العام القادم وهكذا هذه كلمة أنزل يأتي مرة واحدة مرة واحدة في السنة في فصل الربيع مثلاً وهكذا كل كلمة أنزل يعني تأتي إما دفعة واحدة أو مرة واحدة على الوجه المعتاد مثل أغلق وغلّقت، أغلق الإغلاق المعتاد وغلقت اتخذت كل الوسائل والأسباب. وحينئذٍ كلمة أنزل معروف أن الأرض يأتي المطر ثم تخضر ثم ينتهي الموسم تعود ميتة مرة ثانية وانتهى الأمر وحينئذٍ الآية الأخرى (نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا) هذا يتكلم عن إحياء مطلق لموتٍ كان مطلقاً أيضاً. في هذه الآية على كثرة ما تناولها المفسرون بالتأويل وربما لم يفرقوا والغالبية العظمى لم يفرقوا بين هذه وهذه، يعني عنده (أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً) مثل (نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً) وما انتبه إلى هذا وقلنا هذا ليس عيباً فيهم لكن هذا مسألة عصر. والقليل الذي قال هناك فرق قال نزّل للتشديد والتكثير. لو تأملنا في الآيات ودائماً نحن نعرف بأن التفسير بالمأثور (أوتيت القرآن ومثله معه) والله تعالى قال (إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ﴿19﴾ القيامة) وقال (صلى الله عليه وسلم) (إن هذا القرآن لا تقضي عجائبه) وفي كل جيل تتبع كل التفاسير ترى أن كل عصر تتطور النظرة إلى الآيات أبعد قليلاً مما سبقهم في الجيل السابق وهذا كما أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم وكما أخبر القرآن بنفسه أن هذا من طبيعة هذا القرآن (سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ﴿53﴾ فصلت) يعني هذا القرآن في كل جيل فيه معجزات، كل جيل يأتي مفسرون أو مأوِّلون يجدون في هذا القرآن معجزةً جديدة تتلاءم وظروف هذا العصر يعني كم الآن في القرآن الكريم عرفنا عن قضايا الفلك وقضايا الأقمار الصناعية وما يأتي من اكتشافات وقد أسلم بعض العلماء الكبار لأنهم وجدوا أن هذا الكلام لا يمكن أن يقوله بشر وهذا سوف يجري ويتم إلى يوم القيامة. نقول في هاتين الآيتين (أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً) ونزل المطر وماتت الأرض مرة ثانية وهكذا بشكل عام. الأرض عندما خلقها الله عز وجل خلقها ميتة ما فيها لا عمران ولا شيء والآية رب العالمين يقرأها علينا كيف أن الله خلقها بسبعة أيام ولكن خلق فيها أقواتها وقدّر فيها أقواتها في أربعة أيام هذه معروفة أن الله سبحانه وتعالى خلق الأرض على هذا الأساس ثم تطور الأمر يوماً بعد يوم قال (وَبَارَكَ فِيهَا ﴿10﴾ فصلت) رب العالمين قال (وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا ﴿12﴾ فصلت) لكن كلمة وبارك فيها (وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ ﴿10﴾ فصلت) أقواتها معروفة ما هي البركة؟ البركة يحدثنا النبي صلى الله عليه وسلم عن بركتين عظيمتين هما أساس إحياء الكرة الأرضية زراعة وصناعة وحضارة وعلماً وأدياناً وفلسفات هذا الموت الحقيقي هناك (أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا) هذا موت موسمي، هنا (نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا) من بعد موتها أي من بداية الأرض كانت ميتة بلا فلسفة ولا حضارة ولا أنبياء ولا أديان ولا ولا الخ، فرب العالمين نزل ماءً مستمراً متدفقاً إلى يوم القيامة وليس هذا فقط أخبرنا النبي (صلى الله عليه وسلم) أن هذا الماء ينبت وينبع من الجنة. تأمل أن في هذه الأرض نهران أساسهما ومنبعهما من الجنة كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم والعجيب الذي وجدته أن نفس هذا الحديث موجود في الإنجيل، يقول النبي صلى الله عليه وسلم والحديث جاء في الصحيح صحيح مسلم والبخاري وهذا طبعاً متفق عليه والمتفق عليه قضية لا يناقش فيها، أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الفرات والنيل هما من أنهار الجنة وقد جاء في كتاب بدء الخلق في صحيح البخاري ومسلم في باب ذكر الملائكة (رُفِعت إلى سدرة المنتهى منتهاها في السماء السابعة نبْقُها مثل قلال هَجَر وورقها مثل آذان الفيلة فإذا نهران ظاهران ونهران باطنان فأما الظاهران فالنيل والفرات) وأحاديث كلها بهذا كما ذكرها مسلم وغيره. والأحاديث الواردة في الفرات نفسها في التوراة في المسيحية وبحسب رواية الكتاب المقدس (إن الفرات يُعدُّ أحد أنهار الجنة جنة عدن جناتٍ عدنٍ يدخلونها) أضاف الإنجيل وطبعاً العهد الجديد والقديم أضاف أنه ليس فقط في الجنة وإنما من جنة عدن لكنه تكلم عن الفرات وحده. إذاً لو رب العالمين أراد أن يحدثنا أن هذه الأرض عندما خلقها خلقها ميتة من العلوم والأديان والحضارات وما الذي أحيا هذه العلوم التي تملأ الآن الأرض؟ وهؤلاء الأنبياء الكرام الذين جاءوا بالرسالات؟ وهذه الأديان التي رشدت البشرية؟ وهذه الفلسفات والقيم والمدنيات التي نعرفها جميعاً؟ ينص الحديثان كما تشير هذه الآية إلى أن الإحياء جرى في هذين الواديين وادي الرافدين ووادي النيل. خطر ببالي خاطر قلت إذاً لماذا اليهود ادّعوا أن أرضهم الموعودة من الفرات إلى النيل وهؤلاء في كتبهم المقدسة أن الفرات من أنهار الجنة أما كيف ينبع من الجنة هذه قضية لو تأملت فيها تبدو صعبة هذه كل الكرة الأرضية لا توازي أنملة في عالم الجنة حينئذٍ ليس من الصعب ورب العالمين أنزل الكثير أنزل الحجر الأسود وأنزل العلوم وأنزل رسل وأنزل رسالات وأنزل خيرات وأنزل ملائكة إلى هذه الأرض هذه قضية تأمل فيها تراها سهلة عند الله عز وجل حينئذٍ كون اليهود يدعون أن بلادهم من الفرات إلى النيل هذا يعني أنهم يريدون أن يقولوا إننا نحن أي اليهود أو اليهودية مصدر كل الحضارات والأفكار الصحيحة وكل ما عداها باطل والجنة مخصوصة بنا والجنة يوم القيامة لنا وحدنا وأن كل الناس في النار الخ هذا معروف عنهم. في حين أن الله عز وجل يقول أنه أحيا بهذين الواديين الكرة الأرضية كلها، كل الكرة الأرضية التي كانت ميتة من أي قيمة من القيم أو دين من الأديان أو حضارة من الحضارات كلها تغرف من هذين الواديين كل حضاراتها وأديانها وفلسفاتها وقيمها وعدلها وسلامها والتاريخ كله شاهدٌ على ذلك. كل الأنبياء حركتهم ما بين وادي الرافدين وما بين وادي النيل، بداية الخلق ابتداءً من العراق وهي بابل فهذه المنطقة المأهولة كلها، جميع المنطقة المأهولة أول ما خلق الله الأرض هذه المنطقة نينوى إلى الكوفة وإلى أربيل هذا مثلث عراقي معروف هناك هبط سيدنا آدم وهناك نوح وطوفان نوح والشلالات والتنور وكل ما جاء في كتاب الله عز وجل تلك هي الحركة ثم يتحرك الرسل من هناك إلى هذا الطريق إلى مكة إلى الشام إلى فلسطين إلى النيل. إذاً هذان الرافدين أو النهرين (وادي النيل ووادي الفرات) هما أساس الحياة في هذه الكرة الأرضية كلها قرون طويلة وآلاف السنين وليس في الأرض حضارة ولا علمٌ ولا دينٌ ولا رسلٌ ولا أنبياء إلا بعد أن فعل الله ذلك كله في هذين الواديين حصراً. من أجل هذا تجد هذين الواديين بعد أن أفرغ الله فيهما علمه وخيراته ورحماته كما في الحديث كان النبي صلى الله عليه وسلم يطوف حول الكعبة وتعرفون الكعبة كانت أركاناً الركن اليماني والركن الحجازي والركن الشامي الخ ولكل ركنٍ دعاء فكان النبي صلى الله عليه وسلم يطوف في الكعبة ويدعو مع كل ركنٍ بأهله “اللهم بارك لنا في شامنا اللهم بارك لنا في يمننا” الخ فخلفه رجل يقول يا رسول الله وعراقنا النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد عليه إلى أن سأله أعراقيٍ أنت قال نعم قال: (إن إبراهيم عندما أحرقه العراقيون أراد أن يدعو الله عليهم فأرسل الله له جبريل قال يا إبراهيم ربك يقول لا تدعو على أهل العراق فقد جعلت فيهم خزائن رحمتي وخزائن علمي) خزائن رحمتي يعني الخير وفعلاً هذين الرافدين على خلاف مصر التي فيها من العلوم والفلسفات والأديان هل تعلمون أن في مصر بعض العوائل الفرعونية أول من وحّد الله عز وجل من الأمم التي لم يأتها نبي يعني وحدوا الله عز وجل اعتماداً على فكرهم وعلى التأمل في الحياة يعني أهل فلسفات وأهل حضارات. العراق جعل الله فيه كل خير الدنيا من أجل هذا وبعد أن نشأت الحضارات وامتدت في العالم كله وأصبحت هناك أمم عظيمة هذا العراق ما قويت أمة إلا وطمعت فيه من الروم والتتار والفرس وطبعاً في العصر الحديث الإنجليز والآن الأمريكان وكل العالم يطمع في هذا البلد وكل العالم عينه على هذا البلد لأن الله جعل فيه علمه ورحمته. إذاً هذان الواديان متآخيان من حيث أنهما هما قلب الكرة الأرضية وهما قلب هذه الحضارة الدنيا (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ﴿63﴾ العنكبوت) حينئذٍ هذان الواديان في العراق كان العرب أصل الحضارة وفي مصر كان الفراعنة أصل الحضارة ثم تطورت العراقيون العرب مع الفراعنة إلى أن أصبحت الأمم على ما هم عليه إلى أن دخل الإسلام وقبل الإسلام كانوا اليهود. طبعاً لا ننكر أن اليهود كانوا نصف العالم من حيث الدين الأول وحيٍ مجردٍ ينزل بكتاب هو التوراة وقبل التوراة كانت وريقات أوراق وصحف الخ. أول وحيٍ مجرد يأتي الوحي مع جبريل عليه السلام هو على بني إسرائيل. وبنو إسرائيل كما تعرفون هم الثقل الكبير في وادي النيل وفلسطين كما هو معروف كما هو في القرآن الكريم. والقرآن الكريم يتحدث عنهم من الصفحة السابعة في الأول إلى الصفحة السابعة في النهاية ولا ينكر تأثيرهم ولكن الله سبحانه وتعالى أخبر العالم كله بمن هم هؤلاء القوم والقرآن مليء بذلك وستأتي بعض الآيات التي تشير إلى هذا مما فيها متشابه. من أجل ذلك يبقى هذان الواديان مرتبكان ليس فيهما استقرار لكثرة ما فيهما من مطامع والتاريخ المعاصر شاهدٌ على ما نقول إضافةً إلى التاريخ الماضي الذي امتدت حدود المصريين إلى عدة مساحات حولهم في إفريقيا وفي سوريا وفي فلسطين، والعراق وبابل تعرفون أيضاً تاريخ العباسيين الخ. حينئذٍ نقول هذا الذي نقول به يطمئننا إلى أن الله سبحانه وتعالى له في هذين الواديين شأن وكل الأنبياء حصراً في هذين الواديين حركة وتشريعاً ودعوة وفي هذين الواديين نبتت كل حضارات الأرض وما من حضارة على وجه الأرض إلا وأصولها في هذا الوادي أو في هذا الوادي. حينئذٍ نقول أن كل هذه الحضارات والعلوم التي بدأت في هاتين الحضارتين يُعتبر هذان الواديان مبدأ تحضّر العالم ومن هنا كم هي الجريمة تتضاعف وتبدو همجية جداً عندما يأتي جيشٌ يدّعي أنه متحضر ثم يمسح هاتين الحضارتين مسحاً كما حصل في التاريخ لمصر من الفرنسيين وغيرهم وكما حصل للعراق أيضاً من الإنجليز وغيرهم الآن هذا الاحتلال الهمجي الذي نقض هذه الحضارة حجراً حجراً وشبراً شبراً. طبعاً علم الحضارة من يقرأ التاريخ ويقرأ عن عناصر الحضارة في هذا البلد في هذا الوادي وادي النيل ووادي الفرات يرى عجباً. أما إبداعاتهم الأدبية والتاريخية والفنية والعمرانية والأخلاقية والفلسفية قضية إلى الآن لم يصل العالم إلى أدنى مستوياتها ولكن القوة غلبت، قوة السلاح وقوة الجيش ثم الخلل الذي أصاب هاتين الحضارتين على امتداد التاريخ في بعض مفاصل هذه الحضارة أثر تأثيراً مؤقتاً ولكن الحضارة الأصيلة كحضارة هاذين الواديين لا يمكن أن تنقطع وإنما لله فيها شأن يمكن أن تستمر إلى يوم القيامة كما تخبرنا النصوص أنه إلى يوم القيامة هناك أثرٌ قادمٌ لهاتين الحضارتين في إصلاح الدنيا. إذاً هذا الذي جرى كلمة نزّل الاستمرار إنزال النيل والفرات بل النبي صلى الله عليه وسلم يقول لو أن أحدكم وضع إصبعيه في أذنيه لسمع هدير هذين النهرين.