*ما الفرق بين اسجدوا – قعوا له ساجدين – خرّوا سجداً؟(د.أحمد الكبيسى)
رب العالمين يقول (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ ﴿34﴾ البقرة) في آية ص قال (إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ ﴿71﴾ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ ﴿72﴾ ص) وفي مريم قال (خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا ۩﴿58﴾ مريم) فما الفرق بين سجدوا، وبين قعوا له ساجدين، وبين خروا سجداً؟
كلمة (سجدوا) تدل على السجود الاعتيادي، كالسجود الذي نفعله في الصلاة، وفي يوم الجمعة من السنن أن نقرأ سورة السجدة، ويأتي الإمام إلى قوله تعالى (خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ ﴿15﴾السجدة) خروا، لماذا؟ ونحن واقفون ننزل رأساً إلى تحت، والخرّ هو الهبوط مع صوت، مأخوذة من خرير الماء، وهنالك فرق بين جريان الماء بلا صوت، وبين الخرير من شلال نازل (خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا)، أما البكاء فشخص قرأ آية مؤثرة، فبدأ بالبكاء ثم وهو يبكي نزل على الأرض بقوة لكي يسجد.
مرة قال (خَرُّوا سُجَّدًا)، ومرة قال (خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا)، وفي آية أخرى قال (خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا) من التسبيح سبحان الله وبحمده، ورب العالمين يحمل عرشه ثمانية، أما الذين حول العرش فلا يحصى عددهم! (وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ ﴿17﴾ الحاقة)، الذين يحملون العرش ومن حوله (وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴿75﴾ الزمر)، وهذه من أعظم بشائر المسلمين (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ ﴿7﴾ رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴿8﴾ وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴿9﴾ غافر)، وهذا دعاء مستجاب؛ لأن أكرم وأعظم وأقرب الملائكة إلى الله هم الذين يحملون العرش ومن حوله: الحافّين. والحافون كما يقول الإمام الرازي – ونقل هذا عن صاحب الكشاف، وأثنى عليه فقال: إن لم يكن لصاحب الكشاف إلا هذه اللطيفة لكفته – : الذين يحملون العرش ومن حوله كل واحد منهم له طريقة عبادة، بعضهم واقف عن اليمين وعن اليسار، وبعضهم يسبح فقط، وبعضهم راكع فقط، مئات الآلاف من الخطوط حول العرش .
تصور، لو أردنا أن نضع رجالا حول دولة الإمارت على جميع الحدود، كم نحتاج؟ ملايين.
هؤلاء كلهم أقرب الملائكة إلى الله (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ) (وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ) رب العالمين في هذه القضايا يخاطب أقرب وأحب الملائكة إليه، فلما خلق آدم قال لهؤلاء أو لجزء منهم (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ) أنت ألست تعبدني؟ وأنت تسبح؟ اتركوا عملكم وقعوا له ساجدين. إذاً رب العالمين يخاطب هؤلاء الملائكة المشغولين، فالذي يقع هو الذي كان مشغولاً بشيء ثم انتبه. يعني كواحد يشتغل أو يكتب فسمع ابنه وقع، فركض عليه وترك الشغل الذي بيده لأهمية الحدث الآخر، فرب العالمين قال (فَقَعُوا) بالفاء (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي) من روحي، لا يستحق أن تسجدوا له لأنه طين أو لأني سويته، ولكن لأني نفخت فيه من روحي (فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ)، ، قسمٌ منهم هو لم يخاطب كل الملائكة، ولكن مجموعة منهم أنتم عندما أنفخ فيه من روحي، فقعوا، اتركوا الذي في أيديكم (فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ)، وهذا الفرق بين (فقعوا له)، وبين (اسجدوا)، وبين (خروا).

اترك تعليقاً