* ما الفرق بين الملك والملكوت؟(د.حسام النعيمى)
كلمة الملك والملكوت كلمتان من اشتقاق واحد من الميم واللام والكاف من ملك وعندنا قاعدة في اللغة كما يذكرها علماؤنا أن زيادة المبنى تؤدي إلى زيادة المعنى. فبصورة أولية كلمة الملكوت هي أوسع من كلمة الملك وبهذا المعنى استعملت في القرآن الكريم فعندما نأتي إلى قوله تعالى: (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ 185 الأعراف) عطف الخلق العام (وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ) كله داخل في ملكوته فالعطف هنا هو من عطف الخاص على العام فكل ما خلق هو داخل ضمن عموم كلمة الملكوت. والملك والملكوت كله لله سبحانه وتعالى ولذلك في الآية الكريمة (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ﴿107﴾ البقرة) له وقدم للحصر ملك السموات والأرض لله سبحانه وتعالى. الفارق أنه يمكن أن يعطي من ملكه جلت قدرته لعبيده يتصرفون فيه من سلطان أو مال فكل ما في الكون هو ملك لله سبحانه وتعالى فيعطي لهؤلاء العبيد وهو لا يخرج من ملكية الله سبحانه وتعالى بل هو باقٍ ويستعمله عبيده على سبيل العارية المردودة والمسترجعة فله ملك السموات والأرض. وعندما ننظر لاستعمال الملك والملكوت في القرآن الكريم نجد أن الملك يمكن أن يوجه إلى عبيد الله سبحانه وتعالى أي إلى البشر لكن الملكوت لم يرد في القرآن الكريم أنه أعطي من الملكوت للبشر (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴿26﴾ آل عمران) فالملك ملك الله سبحانه وتعالى ممكن أن بعضه يُعار، يملك على سبيل كما قلنا الإعارة (وَآَتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آَتَاكُم ْ(33) النور) هو مال الله (وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ (7) الحديد) هذا يكون منه.
أما الملكوت فلدينا نص من معجم الوسيط يقول: “والملكوت العز والسلطان، وملكوت الله سلطانه، والملكوت ملك الله خاصة” أي لا يعطي منه لأحد. والملك داخل في الملكوت والملكوت عام. فالله عز وجل لم يقل يؤتي الملكوت من يشاء بل يؤتي الملك، وملك الله عز وجل ما في السموات وما في الأرض ونتذكر ما نسب لابن عباس في تقريب حجم الكون عندما قال السماء الأولى وما فيها بالقياس للسماء الثانية كحلقة في فلاة ثم قال السموات السبع وما فيها لملك الرحمن هي للكرسي كحلقة في فلاة وللعرش كحلقة في فلاة كلُ كحلقة في فلاة والكرسي ليس هذا الذي نجلس عليه وإنما الكرسي هو ما يضع الإنسان قدمه عليه فالذي نجلس عليه يسمى عرشاً وعادة العرش يكون مرتفعاً وتوضع خشبة يضع عليها الشخص قدميه هذا الذي توضع عليه القدمان هو الكرسي كما في الآية (وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا (34) ص) ليس على عرشه وإنما على هذا الذي يضع قدمه عليه. فملكوت الله عز وجل ليس السموات والأرض وما بينهما لوحده فملكوت الله عز وجل لا يحيط به ذهن إنسان. فهذه السموات والأرض والكواكب السيارة والشمس الخ لو جمعت لأمكن أن تدفن في قشرة أحد النجوم التي هي تحت السماء الأولى والسماء الدنيا التي هي منتهى علمنا في النجوم والمجرات هذه كلها وبما فيها حلقة في فلاة بالقياس إلى السماء الثانية وهكذا. فملكوت الله عز وجل واسع، الله سبحانه وتعالى ذكر في القرآن أنه يعطي من ملكه أما كلمة الملكوت فهي عامة لم يرد أنه أعطى أحداً الملكوت ولذلك قال في الوسيط هو ملك الله خاصة فالملكوت لا يعطي منه شيئاً والملكوت هو هذا الملك الواسع بكل ما يمكن أن يتخيله الإنسان. هذا الملكوت والملك هو بعض هذا الملكوت والله سبحانه وتعالى ذكر في القرآن أنه أعطى من هذا الملك للبشر (تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ) ولم يقل يؤتي الملكوت لأن كلمة الملكوت كما قلنا دلالته المعنوية أوسع وأشمل فلا يعطي أحداً هذا الملكوت وفي قوله: (وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ (75) الأنعام) أي هذا الشيء الخاص بالله سبحانه وتعالى لما قال نريه الملكوت ليس كل الملكوت ولكن بعضه فقد أراه ما في السموات الدنيا أي بعض ملكوته ولكن لأن الموطن موطن تعجب وموطن عظمة فقال نريه ملكوت السماوات والأرض فبدأ يتفكر في خلق السماء والأرض والنجوم الخ حتى يراها بقلبه وببصره فيتفكر فيها. ولم يقل ملك لأن الملك مبذول لكن الملكوت هذا الشيء الذي هو خاص بالله سبحانه وتعالى فجعله يتفكر فيه. ومعنى أن الملك مبذول أي أن الله سبحانه وتعالى يعطي الملك يبذله فممكن أن يكون الإنسان مالكاً لشيء ما، مالك لأرض وهكذا وهو في الأصل ملك الله سبحانه وتعالى فإذن استعمل الملكوت في ما لا يعطى لأحد منه شيء ممكن التفكر، وقد وردت في موضعين: (وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) وفي قوله: (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ) دعوة إلى التفكر وموضعين آخرين في المؤمنون ويس فبذلك تكون وردت كلمة ملكوت أربع مرات وليس فيها إشارة إلى إعطائها لأحد. وملكوت كلمة عربية وهذه الزيادة فعلوت مثل رهبوت الرهبة عندنا والرهبوت وتعني الرهبة العظيمة والألفاظ قليلة في هذا المجال، إذن الملكوت أعم وأشمل من الملك وهو خاص لله سبحانه وتعالى.

اترك تعليقاً