*ما الفرق بين (رحمة منا) و(رحمة من عنده)؟(د.فاضل السامرائى)
في القرآن يستعمل رحمة من عندنا أخص من رحمة منا، لا يستعمل رحمة من عندنا إلا مع المؤمنين فقط أما رحمة منا فعامة يستعملها مع المؤمن والكافر.
رحمة منا:عامة مثل قوله تعالى (وَإِن نَّشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ وَلَا هُمْ يُنقَذُونَ (43) إِلَّا رَحْمَةً مِّنَّا وَمَتَاعًا إلى حِينٍ (44) يس)و(فَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِّنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ (49) الزمر)عامة،(وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِّنَّا مِن بَعْدِ ضَرَّاء مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً (50) فصلت) عامة.
(من عندنا):يستعملها خاصة قال على سيدنا نوح (وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِه (28) هود)،(فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا (65) الكهف)(وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (84) الأنبياء). حتى (نعمة منا) و (نعمة من عندنا)، يستعمل (منا) عامة و (نعمة من عندنا) خاصة.
* النبي واحد والرب واحد وأحياناً الموقف واحد ولكن قد يتغيرالسياق فلماذا هذا التغير؟(د.فاضل السامرائى)
هل حصل تناقض رحمة منا أو رحمة من عندنا؟ من أين الرحمة؟ الضمير عائد على الله سبحانه وتعالى, إذن ليس هناك تناقض لكن الاختيار بحسب السياق، اختيار المفردات بحسب السياق لا تتناقض القصتان لكن اختيار الكلمات بحسب السياق الذي ترد فيه.
* ما الفرق بين (من عندنا) و(من لدنا) في سورة الكهف ؟وما الفرق بين عباد وعبيد؟
(فوجدا عبداً من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلّمناه من لدنا علما): في الحديث الشريف أن اسمه الخِضْر. سنقف عند كلمة عبد، عباد، عبدنا، لدنا كلها فيها لمسات:
كلمة عبد في اللغة تعني إنساناً سواء كان مملوكاً أو حُرّاً.(عبداً) ما قال بشراً أو إنساناً لأنه يريد أن يربطه بالعبودية لله تعالى وهي أسمى المراتب للبشر كما قال تعالى (سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً) في أروع المواطن سمّاه عبداً. جمع عبد: عبيد وعباد. كان يمكن أن يقول عبيدنا لكن جرى استعمال الناس كلمة عبيد للمملوكين وعباد لعباد الله. والله سبحانه وتعالى يريد أن يُكرم هذا الإنسان فاستخدم له كلمة عباد (عبادنا). وهذا يعطينا اهتمام القرآن الكريم لاستعمال الناس. كلها في الأصل جمع لكلمة عبد الذي هو إنسان ويمكن أن يكون مملوكاً. كلمة عباد من الدرس الصوتي فيها ِعزة وشموخ والياء في عبيد فيها انكسار وخضوع وهبوط. كان العرب يدركون هذا لأن هذه لغتهم ولذا وقفوا عاجزين أمام القرآن الكريم.(عبداً من عبادنا) إكراماً له أنه من عبادنا.
(آتيناه) الإيتاء غير الإعطاء لأن فيها رفق وتلطف ولين. آتي وأعطى متقاربة في المعنى لكن العين أقرب من الهمزة التي آلت إلى ألف في آتى أصلها أأتى مثل أأدم صارت آدم, يقولون نقلت الحركة إلى الهمزة التي قبلها وحُذِفت أو قُلِبت ألفاً ولكنها في الحقيقة أسقطت الهمزة ومدّ الصوت بالحركة التي قبلها فصارت ألفاً.
(آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما)) كلمة عند ولدن معناهما متقارب لكن هناك فرق دقيق في اللغة: لدن أقرب من عند وفيها قرب مكاني. قد تستعمل (عند) للشيء البعيد: يقال عندي مال والمال يسرح في البرية، وتقول عندي إبل لكن لا تقول: لدني إبل.والفرق بين عند ولدن في مسافة القرب من المتكلم.عندما نتكلم عن الله سبحانه وتعالى يُنزّه في مسألة المكان لكن تكون مسألة القرب معنوية. قرب (عند) غير قرب (لدن) لذلك قال موسى (قد بلغت من لدني عذرا) أي من أعماقي. لم يقل من عندي لأن لدن أقرب. (رحمة من عندنا) الرحمة واسعة ممدودة فاستعمل لها (عند). (من لدنا علما) لأنه علم الغيب خاص بالله والغيب لدنه سبحانه وتعالى. ولا يقال عنده. في غير القرآن يمكن أن نقول (من عندنا علما). أما الرحمة شاملة واسعة ولو عكس لا يستقيم المعنى لأن الرحمة ليست خاصة بالخِضْر وإنما هي عامة: موسى يدخل فيها وغيره من البشر يدخل فيها. أما علم الغيب فخاصٌ بالخِضْر أوحاه الله سبحانه وتعالى إليه وعلّمه إياه ولم يكن يعلمه.
*ما هو العلم اللدُّنّي (فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا (65) الكهف)؟
العلم اللدني هو مصطلح للمتصوفة يستعملونه بينهم ويشيرون بذلك إلى أن هذا الصوفي أو هذا المتصوف بلغ من مراتب التقرب إلى الله سبحانه وتعالى والانصراف إليه أن الله تعالى أطلعه على علم لم يطلع عليه غيره. وهم يبنون هذا على ما جاء في سورة الكهف في قصة موسى (صلى الله عليه وسلم) مع صاحبه الرجل الصالح الذي أرسله الله تعالى إلى موسى (صلى الله عليه وسلم) والشيطان في كثير من الأحيان يدخل إلى الإنسان ويوحي له بأشياء بحيث يظن أنه وصل من أجلها إلى العلم اللدني أو العلم الذي لم يعطى إلى الآخرين حتى إلى الأنبياء وبعض الصوفية يصل بهم الحال إلى هذا الحد إذا لم يكن عارفاً بالشريعة (وهناك قسم يفرقون بين الشريعة والحقيقة) وبعضهم قد يستزله الشيطان بحيث يعطّل عباداته فيتوقف عن العبادة بحجة أنه وصل إلى درجة لا يحتاج للعبادة لأنه عنده علم لدني, هذا بالنسبة للمصطلح. وكلمة لدني (من لدن الله تعالى) أي أن هذا العلم من عند الله تعالى وليس من الكسب الشخصي ويقال لدني أي من لدن الله كلمة لدني منسوبة إلى لدن الله تعالى عز وجل (والياء ياء النسب).

اترك تعليقاً