*ما الفرق بين (علم من الكتاب) في سورة النمل و(علم الكتاب) في سورة الرعد؟ (د.أحمد الكبيسى)
في هذه الحلقة عندنا آيتان في كلمة “علم الكتاب”. تعرفون قضية بلقيس وسيدنا سليمان والعرش (قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآَهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ ﴿40﴾ النمل) الآية الثانية (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ﴿43﴾ الرعد) آية تقول أن هؤلاء الناس عندهم علم من الكتاب وليس كل الكتاب هذه الآية تقول عنده كل علم الكتاب (كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ) آيتان لا بد من البحث والتقصي عن أسباب الاختلاف بين علم الكتاب وعلم من الكتاب ولا يمكن أن يكون هذا عبثاً وكفى بالله في هذا الكتاب العزيز حكماً. طبعاً المفسرون لو تتبعتوهم ما من رأي يشبه رأياً فالقضية من اللامعقول وكل واحد يحاول أن يستنبط وأن يضيف وأن يقيس وأن وأن, ومن فضل الله أن كل ما قالوه كان صحيحاً مع اختلافهم فيما قالوه. يعني مثلاً باختصار شديد: أولاً ما معنى الكتاب؟ ما هو الكتاب؟ الله قال (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا ﴿32﴾ الكهف) كل بناية في هذا العالم وكل مؤسسة وكل عاصمة وكل سيارة تشتريها تجد معها كتيباً يشرح لك هذه السيارة بكل تفاصيلها من ألفها إلى يائها هذا الكتاب له أسماء غربية كتالوج والخ لكن هو كتاب يشرح لك خفايا وأسرار وتفصيلات هذه السيارة أو هذه العمارة أو هذه المؤسسة أو هذه العاصمة، هذا الدليل من الناس من يعرفه كله لا يغمض عليه شيءٌ منه هو يعرف لغات وعنده خبرة هندسية فلما قرأ هذا الكتاب فهم السيارة من ألفها إلى يائها بحيث لم يعد يخفى عليه ولا جزء واحد هذا عنده علم الكتاب، كل الكتاب صار في علمه. هناك واحد مثلي أنا ومثلي كثيرون والله يمكن لا يعرف سطرين لا نعرف فقط تعرف أن تشغل السيارة وتمشي أما هذا الكلام والتفاصيل لا أفهم منها شيئاً لو أقرأها مائة سنة لا أفهم منها شيء في ناس تفهم شوي أكثر في ناس شوي أكثر نتفاوت في الفهم أما أن أفهم الكتاب كله هذا قمة. طبعاً المفسرون عندما فسروا (عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ) أي أن الله سبحانه وتعالى هذا الكتاب الذي هو دليل الكون، يا أخوان هذا الكون كما في الدنيا ما في مؤسسة إلا فيها كتاب دليل يعلمك كيف تعرف أسرار هذه البناية، هذه المؤسسة، هذه السيارة، هذه الطيارة، هكذا رب العالمين عز وجل (وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴿59﴾ الأنعام) لو تقرأ (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ﴿36﴾ التوبة) (وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴿61﴾ يونس) كل شيء في هذا الدليل (وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴿6﴾ هود) الخ (قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى ﴿52﴾ طه) (وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴿75﴾ النمل) (وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ﴿11﴾ فاطر) (قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ ﴿4﴾ ق) (إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ ﴿77﴾ فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ ﴿78﴾ الواقعة) (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ﴿22﴾ الحديد). إذاً هناك نوعين من الكتب هناك لكل شيءٍ كتاب (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا ﴿103﴾ النساء) كل ما في هذا الدين أجزاء متكاملة في كتاب (وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا ﴿145﴾ آل عمران) كتاب الموت، هذه الكتب جميعاً وهي بالمئات بل بالآلاف التي تحوي أمر الله وقدرته وعلمه المتعلق بذلك الشيء بالكامل هذه كلها مجموعة في كتاب واحد سماه الإسلام اللوح المحفوظ. هذا اللوح المحفوظ كتاب الكتب، كل الكتب فيه. كل واحد من الناس قد يعرف كتاباً من الكتب وهذا في كل البشرية سواء كانوا يهوداً أو نصارى أو مسلمين كل من له نبيٌ ورسولٌ من السماء وله كتاب من الكتب المقدسة تجد فيهم واحد اثنين ثلاثة يسمونهم الأحبار، يسمونهم الرهبان، يسمونهم العلماء، يسمونهم العارفون بالله أنواع من التسميات؛ أن هذا الإنسان له إلمام بالله عز وجل من حيث قدرته ومخلوقاته عندما يتأمل ويتفكر أصبح رجلاً يستطيع أن يشرح لك ما في كتاب هذا الكون والكون فيه كتاب كامل، دليل كامل. إذا كان دليل السيارة جزئي فاللوح المحفوظ هو الكتاب الكامل الذي فيه هذا الكون. من هو الذي يعرف بعض الكتاب والكتاب؟ آراء المفسرين كثيرة ناس قالوا هو سليمان نفسه وناس قالوا أحد وزرائه وناس قالوا لقمان الخ أشكال. وحينئذٍ كل هذا الكلام صحيح لأن كل واحد من هؤلاء الناس له علم من الكتاب سواء كان أنبياء أو رسل أو علماء صالحين أو ناس من أهل الله أو عارفون كل واحد له معرفة بالله اسمه العارف بالله، لكن الذي يعلم الكتاب كله واحد بعد الله عز وجل، بعد الله عز وجل واحد يعلم الكتاب طبعاً العلم هذا كلام أيضاً اجتهاد أنا لا أدعي أني وصلت إلى النهاية وما في غير هذا لا أنا أدلي بدلوي مع الذين أدلوا والذي اكتشفته أن كل الأسماء التي ذكروها حوالي عشرين ثلاثين اسم على أساس هؤلاء عندهم علم الكتاب كلهم صح لأن هؤلاء كثيرون والنبي صلى الله عليه وسلم يقول “إن من أمتي أناس محدثين فإن يكن فعُمَر” عمر محدَّث. كل واحد يمكن أن يكون عنده علم من الكتاب إما عن طريق صلاح رب العالمين يقذف في قلبه علماً (وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا ﴿65﴾ الكهف) (وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا ﴿113﴾ النساء) هذا عام، أشكال وألوان في المسيحية في ناس، في اليهودية في ناس، في الإسلام في ناس، على مر العصور يعني إذا كان هذا الكتاب يعني الغيب والمستقبل وتفصيلات ما فينا واحد في يوم من الأيام إلا وقد رأى رؤيا في المنام تنبؤه عما سوف يحدث في المستقبل علم الغيب هذه قضية مسلَّم فيها كرؤيا العزيز، كرؤيا ملك مصر ورؤيا إبراهيم ورؤيا يوسف وهكذا حينئذٍ لما رأى أحد عشر كوكباً وفعلاً تطبقت بالضبط ما فينا واحد إلا رأى رؤيا ثم جاءت بعد أسبوع أسبوعين مثل فلق الصبح تخبره بما سوف يحدث له. إذا كان هذا يحدث في المنام فلا أن يحدث في اليقظة أفضل وأهمّ ولهذا رب العالمين ممكن أن يضع علمه في أي عبدٍ من عباده لكن جزئي. الذي عنده علم الكتاب كاملاً طبعاً منهم من قال محمد صلى الله عليه وسلم وطبعاً المصطفى على رأسي (وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ). حينئذٍ نقول كثير من المفسرين قال فلان وفلان حقيقةً تقريباً كان كلهم يميلون إلى أنه “آصل البرقيه” أحد علماء سيدنا سليمان عليه السلام في زمانه وكأن الله سبحانه وتعالى علمه علم الكتاب فحينئذٍ هذا هو الذي في الحقيقة هو صح هذا الرجل يعلم علماً من الكتاب. وأبو بكر الصديق وعمر يعلمان علماً من الكتاب وكثير. مثلاً شخص دخل على سيدنا عثمان قال له: إني أرى في وجهك الزنا فذاك ذهل فقال له: أوحيٍ بعد رسول الله؟! هذا علم من الكتاب هذا علم الكتاب لا يتعلم هذا العلم لا يُتعلَّم وإلا العلم العام يتعلم العلم بالتعلم لكن هذا لا هذا يوهب من الله عز وجل بأنك ترى ما لا يرى غيرك هذا علمٌ من الكتاب أي شيءٌ من العلوم ليس كل الكتاب. وسيدنا الخضر أيضاً علمٌ من الكتاب لو كان الخضر يعلم كل علم الكتاب لكان النبي أولى النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بما هو كائن وما يكون إلى يوم القيامة، كل ما يجري في هذا اليوم أحاديث صحيحة تخبر عنه (لا تقوم الساعة حتى يكون الروم أشد الناس عليكم) أي الغربيون، (لا تقوم الساعة حتى لا يدخل إلى العراق قفيزٌ ولا مدٌ..) يعني حصار كامل ويذهب وراح على سوريا وراح على فارس وأنت ترى الآن كل هذا. إذاً النبي صلى الله عليه وسلم عنده علم من الكتاب واسع الذي عنده علم الكتاب كامل – حسب رأيي كما قلت لكم – الله سبحانه وتعالى هذا مفروغ منه لكن من المخلوقين جبريل فقط لماذا؟ أنا كان يسرني أن أقول النبي صلى الله عليه وسلم ولكن أنت لو تقرأ السنة كثيراً ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يستفسر من جبريل عن بعض الظواهر ما هذا يا أخي جبريل؟ يقول له كذا كذا، يعلمه والله أعلم طبعاً هذا مجرد اجتهاد ولا ألزم به أحد لكن لما تعرف أن جبريل ما سأل النبي عن شيء وجبريل كان أميناً كما قال تعالى في كتابه العزيز امتدحه مدحاً كاملاً أنه أمين والخ ومن أجل هذا الوحيد بعد الله عز وجل الذي يعلم علم الكتاب كاملاً لأنه موكل به. يقول بعض المفسرين إن لله ملكاً آخر اختصه الله، خلقه الله عز وجل للوح المحفوظ لكن ما قال اسمه ولا ما هو، على كل حال إذا صح فهذا عظيم أيضاً إذا كان خلق من أجل هذا والمفروض أن كتاب كهذا يحوي سفر الكون كله جدير بأن الله يخلق له ملكاً. لكن جبريل عليه السلام من وقائعه مع كل الأنبياء، مع سيدنا آدم والذين من بعده ومع سيدنا موسى وسيدنا عيسى ومع سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وتصرفاته كان ينهاهم ويصلحهم (أتدري يا محمد من فعل كذا من هؤلاء؟) إذاً يبدو أن هذا المخلوق العظيم إنما هو يعرف كل الكتاب بعد الله عز وجل.
سؤال: هل العلم يختاره الله لأشخاص معينين أم لجميع البشر؟ الإجابة: قطعاً لا يمكن أن يكون هذا العلم إلا باختيار الله لأن هذا العلم غير مكتسب لو كان مكتسباً لحاولنا كلنا ولكنه علمٌ موهوب.