آية (114):
*ما الفرق بين (قَالَ نَعَمْ وَإَنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ {114}) الأعراف و (قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذاً لَّمِنَ الْمُقَرَّبِينَ {42}) الشعراء ؟(د.فاضل السامرائى)
الآيتين في سياق قصة موسى عليه السلام وهناك جملة اختلافات في التعبير في القصة. في سورة الأعراف تبدأ القصة بأحداث طويلة ممتدة من مجيء موسى (عليه السلام) إلى فرعون وحتى نهاية فرعون وفيها كلام طويل عن بني إسرائيل. أما في سورة الشعراء فالقصة تأخذ جانب من مقابلة موسى وفرعون وينتهي بنهاية فرعون. وفي كل قصة اختار التعبيرات المناسبة لكا منها. ونلاحظ أنه في سورة التفصيل في سرد الأحداث في سورة الشعراء أكثر والمواجهة والتحدي بين موسى وفرعون في الشعراء أكثر. وعليه فقد انطبعت كل التعبيرات بناء على هذين الأمرين.
في سورة الأعراف إذا استعرضنا الآيات (ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُواْ بِهَا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ {103} وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ {104} حَقِيقٌ عَلَى أَن لاَّ أَقُولَ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُم بِبَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ {105} قَالَ إِن كُنتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ {106} فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ {107} وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاء لِلنَّاظِرِينَ {108} قَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَـذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ {109} يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ {110} قَالُواْ أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَآئِنِ حَاشِرِينَ {111} يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ {112} وَجَاء السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالْواْ إِنَّ لَنَا لأَجْراً إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ {113} قَالَ نَعَمْ وَإَنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ {114} قَالُواْ يَا مُوسَى إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ {115} قَالَ أَلْقُوْاْ فَلَمَّا أَلْقَوْاْ سَحَرُواْ أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ {116} وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ {117} فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ {118} فَغُلِبُواْ هُنَالِكَ وَانقَلَبُواْ صَاغِرِينَ {119} وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ {120} قَالُواْ آمَنَّا بِرِبِّ الْعَالَمِينَ {121} رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ {122} قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُم بِهِ قَبْلَ أَن آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَـذَا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُواْ مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ {123} لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلاَفٍ ثُمَّ لأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ {124} قَالُواْ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ {125} وَمَا تَنقِمُ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ {126})
وإذا استعرضنا الآيات في سورة الشعراء (وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ {10} قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلَا يَتَّقُونَ {11} قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ {12} وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ {13} وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنبٌ فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ {14} قَالَ كَلَّا فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُم مُّسْتَمِعُونَ {15} فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ {16} أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ {17} قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ {18} وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ {19} قَالَ فَعَلْتُهَا إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ {20} فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ {21} وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ {22} قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ {23} قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إن كُنتُم مُّوقِنِينَ {24} قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ {25} قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ {26} قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ {27} قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ {28} قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ {29} قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُّبِينٍ {30} قَالَ فَأْتِ بِهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ {31} فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ {32} وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاء لِلنَّاظِرِينَ {33} قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ {34} يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ {35} قَالُوا أَرْجِهِ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ {36} يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ {37} فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ {38} وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنتُم مُّجْتَمِعُونَ {39} لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِن كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ {40} فَلَمَّا جَاء السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لَأَجْراً إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ {41} قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذاً لَّمِنَ الْمُقَرَّبِينَ {42} قَالَ لَهُم مُّوسَى أَلْقُوا مَا أَنتُم مُّلْقُونَ {43} فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ {44} فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ {45} فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ {46} قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ {47} رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ {48} قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ {49} قَالُوا لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ {50} إِنَّا نَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَن كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ {51})
نلاحظ أن التفصيل في سورة الشعراء أكثر وحصلت محاورة بين موسى (عليه السلام) وفرعون أما في الأعراف فلم يرد ذلك. وفي الشعراء هدد فرعون موسى (عليه السلام) بالسجن. ونلخّص الفرق بين الآيتين من الناحية التعبيرية:
سورة الأعراف سورة الشعراء
قال الملأ من قوم فرعون (قول الملأ) قال للملأ من قومه (قول فرعون)
يريد أن يخرجكم من أرضكم يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره
وأرسل في المدائن حاشرين وابعث في المدائن حاشرين
يأتوك بكل ساحر عليم يأتوك بكل سحّار عليم
قالوا قالوا لفرعون
وإنكم لمن المقربين وإنكم إذاً لمن المقربين
وألقي السحرة ساجدين فألقي السحرة ساجدين
فسوف تعلمون فلسوف تعلمون
ثم لأصلّبنّكم ولأصلبنّكم
إنا إلى ربنا منقلبون لا ضير إنا إلى ربنا لمنقلبون
ونأخذ كل فرق على حدة ونبدأ بقول الملأ في الأعراف؛ فالقائلون في الأعراف هم الملأ والقائل في الشعراء هو فرعون وعندما كانت المحاجة عند فرعون وانقطع الحجة بقول (بسحره). والفرق بين أرسل وابعث في اللغة كبير: أرسل وفعل الإرسال تردد في الأعراف أكثر مما تردد في الشعراء (ورد 30 مرة في الأعراف و17 مرة في الشعراء) هذا من الناحية اللفظية . وفعل بعث هو بمعنى أرسل أو هيّج ويقال في اللغة بعث البعير أي هيّجه وفي البعث إنهاض كما في قوله تعالى (ويوم يبعث من كل أمة شهيداً) (إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا) أي أقامه لكم وليست بنفس معنى أرسله. فلما كانت المواجهة والتحدّي في الشعراء أكثر جاء بلفظ بعث ولم يكتفي بالإرسال إنما المقصود أن ينهض من المدن من يواجه موسى ويهيجهم وهذا يناسب موقف المواجهة والتحدي والشدة. وكذلك في اختيار كلمة ساحر في الأعراف وسحّار في الشعراء لأنه عندما اشتد التحدي تطلّب المبالغة لذا يحتاج لكلّ سحّار وليس لساحر عادي فقط ونلاحظ في القرآن كله حيثما جاء فعل أرسل جاء معه ساحر وحيثما جاء فعل بعث جاء معه سحّار. وفي سورة الأعراف وردت كلمة السحر 7 مرات بينما وردت 10 مرات في سورة الشعراء مع العلم أن سورة الأعراف أطول من الشعراء.
وكذلك قوله تعالى في سورة الأعراف: (وجاء السحرة فرعون قالوا إن لنا لأجراً إن كنا نحن الغالبين) أما في سورة الشعراء فقال تعالى: (قالوا لفرعون أئن لنا لأجراً إن كنا نحن الغالبين) ففي الأعراف لم يقل (قالوا لفرعون) أما في الشعراء فقال (قالوا لفرعون) أي أصبح القول موجهاً إلى فرعون لأن التحدي أكبر في الشعراء وفيها تأكيد أيضاً بقوله (أئن لنا لأجراً)، أما في الأعراف (إن لنا لأجراً) المقام يقتضي الحذف لأن التفصيل أقلّ.
وفي الشعراء قال تعالى (قال نعم إنكم إذاً لمن المقربين) فجاء بـ (إذاً) حرف جواب وجزاء وتأتي في مقام التفصيل لأن سياق القصة كلها في الشعراء فيها كثر من التفصيل بخلاف الأعراف.
وفي الشعراء أقسموا بعزّة فرعون ولم يرد ذلك في الأعراف.
وفي الشعراء قال (فألقوا حبالهم وعصيهم) ولم يرد ذلك في الأعراف.
وفي الشعراء ولأن التحدي كبير ألقي السحرة ساجدين فوراً ولم يرد ذلك في الأعراف.
في الأعراف ورد (آمنتم به قبل أن آذن لكم ) و(فسوف تعلمون) الضمير يعود إلى الله تعالى هنا. أما في الشعراء (آمنتم به قبل أن آذن لكم) (فلسوف تعلمون) أي أنقدتم لموسى فالهاء تعود على موسى ولهذا قال تعالى هنا (إنه لكبيركم الذي علمكم السحر) واللام في (فلسوف) هي في مقام التوكيد.
وفي الأعراف قال (ثم لأصلبنّكم) وفي الشعراء (ولأصلبنكم) وهذا يدل على أنه أعطاهم مهلة في الأعراف ولم يعطهم مهلة في الشعراء.
وفي الأعراف قال: (إنا إلى ربنا منقلبون) أما في الشعراء: (لا ضير إنا إلى ربنا لمنقلبون) دلالة عدم الاكتراث بتهديد فرعون مع شدة التوعد والوعيد ثم مناسبة لمقام التفصيل.