آية (133):
*ما الفرق من الناحية البيانية بين فعل حضر وجاء في القرآن الكريم؟( د.فاضل السامرائى)
الفعل حضر: الحضور في اللغة أولاً يعني الوجود، وليس معناه بالضرورة المجيء إلى الشيء (يقال كنت حاضراً إذ كلّمه فلان، بمعنى: شاهد وموجود، وهو نقيض الغياب)، ويقال: كنت حاضراً مجلسهم، وكنت حاضراً في السوق أي كنت موجوداً فيها.
أما المجيء فهو الانتقال من مكان إلى مكان، فالحضور غير المجيء ولهذا نقول الله حاضر في كل مكان.
وفي القرآن يقول تعالى (فإذا جاء وعد ربي جعله دكّاء) سورة الكهف، بمعنى لم يكن موجوداً، وإنما جاء، وكذلك قوله تعالى: (فإذا جاء أمرنا وفار التنور ) المؤمنون27) .
إذًا الحضور معناه الشهود ، والمجيء معناه الانتقال من مكان إلى مكان.
أما من الناحية البيانية، ففى قوله تعالى في سورة البقرة (أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـهَكَ وَإِلَـهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَـهاًوَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ {133}) وفي المؤمنون(حَتَّى إِذَاجَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ {99})
القرآن الكريم له خصوصيات في التعبير، وكلمة حضر وجاء لكل منها خصوصية أيضاً، حضور الموت يُستعمل في القرآن الكريم في الأحكام والوصايا كما في آية سورة البقرة، وكأن الموت هو من جملة الشهود، فالقرآن هنا لا يتحدث عن الموت نفسه، أو أحوال الناس في الموت، فالكلام هو في الأحكام والوصايا (إن ترك خيراً الوصية) (وكذلك وصية يعقوب لأبنائه بعبادة الله الواحد).
أما مجيء الموت في القرآن، فيستعمل في الكلام عن الموت نفسه، أو أحوال الناس في الموت، كما في آية سورة المؤمنون، يريد أن هذا الذي جاءه الموت يود أن يرجع ليعمل صالحاً في الدنيا، فالكلام إذًا يتعلق بالموت نفسه، وأحوال الشخص الذي يموت، ويستعمل الفعل (جاء) مع غير كلمة الموت أيضاً كالأجل (فإذا جاء أجلهم)، وسكرة الموت (وجاءت سكرة الموت)، ولا يستعمل هنا حضر الموت؛ لأن حضر الموت – كما أسلفنا – تستعمل للكلام عن أحكام ووصايا بوجود الموت حاضراً مع الشهود، أما جاء فيستعمل مع فعل الموت إذا كان المراد الكلام عن الموت، وأحوال الشخص في الموت.