*ما اللمسات البيانية في آيات سورة الكهف في قصة موسى مع الرجل الصالح أو الخِضر؟(د.حسام النعيمى)
الخضر أو الرجل الصالح ورد في الحديث أن اسمه الخِضْر قال بكسر الخاء وسكون الضاد وهذا هو الأفصح. وقد وجدت بين أيدينا مجموعة من الأسئلة تتعلق بهذه القصة فرأيت أن أبدأ بها ونمر على هذا السؤال.
تبدأ الآيات بقوله تعالى (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا)
*أولاً لِمَ قال (فتاه)؟ ما المقصود بالفتى؟
أصل القصة كما تذكرها الأحاديث الصحيحة أن موسى (صلى الله عليه وسلم) سُئل عن أعلم من في الأرض أو عن العلم فقال أنا, فقيل له أنت لا تعلم كل شيء، أوحى الله سبحانه وتعالى إليه أن علمك جزء من العلم وليس كل العلم فأراد أن يربّيه التربية الإلهية بالتطبيق كي يعلم أن هناك حيّزاً من العلم لم يُمنَحه وهو علم الغيب. أنت تعلم العلم الظاهر، علم الشرع. فوعده في مكان وقال خذ معك سمكة أو حوتاً في مِكتل وتذهب به إلى مجمع البحرين وهناك سيذهب الحوت، في المكان الذي سيذهب فيه الحوت ستجد الرجل الذي وعدتك به. هذه هي القصة. (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا) كان في هذا بيان لفتاه أنه قد يمضون زمناً طويلاً في رحلتهما. الآية لا تقول لنا إن الفتى وافق لكن المفهوم ضمناً من قوله تعالى (فلما بلغا مجمع بينهما) أنه كان معه.
أولاً كلمة (فتاه) هذه لمسة من القرآن الكريم في الوقت الذي كان هناك عبودية وتبعية الإنسان يكون تابعاً لغيره. الرسول (صلى الله عليه وسلم) ينهى أن يقول المرء عبدي أو أمتي وإنما يقول فتاي وفتاتي الفتى كأنه ابن. فكأن هذه لمسة إنسانية من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الذي هو رسول البشرية ورسول الإنسانية جميعاً. لا يقال خادمتي، عبدتي، عبدي، أمتي وإنما فتاي وفتاتي حتى هو الشخص العامل يحس بقيمته الإنسانية عند ذلك. فالقرآن يذكر هذا الكلام حتى يؤدّب قُرّاء القرآن كيف يتعامل مع الناس.
(لا أبرح حتى) هذه كلمة تقال لبيان الإصرار على الشيء: لا أبرح حتى أفعل كذا أي سأستمر على جهدي إلى أن أفعل هذا الأمر.
(مجمع البحرين) هو مكان يجتمع فيه بحران مع مراعاة أن العرب تسمي النهر الكبير بحراً: النيل في لسان العرب بحر، والفرات في لسان العرب بحر ودجلة في لسان العرب بحر. لكن لما يأتي إلى الأنهار الصغيرة يقول نهر. قد يسميه نهراً أو قد يسميه اليمّ, وقد يطلق اليم على البحر أو على النهر الكبير. هناك إذن نقطة التقاء أو قد تكون نقطة افتراق؛ لأن المكان الذي يجتمع فيه فرعان. الإنسان يمكن أن يتخيل ما شاء الله مع مراعاة المكان الذي عاش فيه موسى (صلى الله عليه وسلم): هو عاش في مصر، فلسطين وسيناء. لكن ليس فيه فائدة وما عندنا دليل على وجه التحديد أنه هذا لكن هناك مؤشرات لما يقول مثلاً: السفينة وجاء عصفور فنقر نقرة في الماء معناه أن الماء حلو لأن العصفور لا ينقر من ماء مالح, فهو إذن ماء حلو أو في الأقل ماء مخلوط. لا نطيل أين هذان البحران؟ لا فائدة من ذلك.
(أو أمضي حقبا) الحقب جمع حِقبة, والحقبة هي مدة من الوقت, قسم يقول سنة وقسم يقول ليس لها وقت محدود, كأنه يقول سأمضي إلى ما لا نهاية أيأوقاتاً أو دهوراً أو زماناً مفتوح. (لابثين فيها أحقابا) أي أزمنة طويلة قد لا تكون محسوبة. هذا حتى يُعلِم الفتى بما ينتظره حتى لا يُغش أنه المكان قريب وتأتي معي. لا، وإنما هناك مرحلة طويلة سأسلكها، فيه نوع من التخيير إن شئت أن تمضي معي وإن شئت فلا. هذا الإصرار ينبغي أن يعلمه المصاحِب له. لا ينبغي أن يخدعه أو أن يغشّه، هو معه يخدمه، إذن ينبغي أن يعلم من معك أين تريد.

اترك تعليقاً