آية (44-45):
* ما اللمسة البيانية في استخدام كلمة (الرحمن) في قوله تعالى في سورة مريم (يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا (45)) مع أن الأمر متعلق بالعذاب ولم يقل مثلاً الجبّار؟ (د.فاضلالسامرائى)
لو نظرنا إلى الآية التي سبقت هذه الآية نجد قوله تعالى (يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا (44)) وقد ذكر فيها الرحمن أيضاً. وللعلم نلاحظ أن لفظ الرحمن تكرر في هذه السورة 16 مرة وهي أكثر سورة تكرر فيها لفظ الرحمن في القرآن. وهذا يدل على أن جو الرحمة يشعّ في السورة .
أما السؤال نفسه فنرى أن الآية التي جاءت بعد الآية في السؤال (قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا (47)) وهنا لا يصح أن يقول سأستغفر لك الجبّار لأن المغفرة تُطلب من الرحمن وليس من الجبّار. ولعله تدركه الرحمة فيؤمن لأن إبراهيم (عليه السلام) كان حريصاً على إيمان أبيه آزر.
*(يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا (44) يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا (45) مريم) في هذه الآية ورد تهديد إبراهيم لأبيه لماذا استخدم اسم الرحمن مع العذاب مع أن اسم الرحمن اسم ينفع المؤمن؟(د.فاضلالسامرائى)
الرحمن قد يُعذِّب من رحمته حتى يرعوي من يرعوي، نحن نربي أولادنا ونصربهم حتى يرعوون. أولاً السمة التعبيرية للسورة، هذه السورة تفيض بالرحمة من أولها إلى آخرها من (ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (1)) (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا (96)) تشيع فيها الرحمة أكثر سورة في القرآن تشيع فيها الرحمة وتكرر فيها لفظ الرحمن 16 مرة ولم يرد في سورة من السور مثل هذا التكرار ففي سورة البقرة على طولها ورد ذكر الرحمن مرة واحدة (وَإِلَـهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (163))، الأنعام لم يرد فيها اسم الرحمن هذا من حيث الجو التعبيري. فإذن اختيار الرحمن هنا مناسب لجو السورة وتكرر اسم الرحمن. ثانياً نلاحظ لفظ (المسّ) مناسب لذكر الرحمة ولم يقل مثل ما قال في الأنعام (قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ (47)) أتى العذاب كاملاً بينما في سورة مريم (يَمَسَّكَ عَذَابٌ)، المسّ الخفيف بينما في الأنعام قال أتاكم وعذاب الله وهناك عذاب منه تنكير وبغتة أو جهرة وهلاك في الأنعام.
سؤال: ألا يفيد التنكير العموم والشمول وعذاب الله عُرِّف بالإضافة فصار معرفة؟
صار معرفة، عذاب منه يعني شيء من عذابه. أصلاً لم يأت في القرآن يمسككم عذاب الله أو يمسك عذاب الله لم يرد وإنما قال مس رحمة. فإذن كلمة (يمس) فيها الخفة وعذاب منه بينما أتاكم عذاب الله. عذاب منه يعني عذاب من الرحمن.

اترك تعليقاً