آية (282):
* ما اللمسة البيانية في الآية (وَلْيَتَّقِ اللّهَ رَبَّهُ (282) البقرة) ؟ ولماذ ذكر الله ورب في نفس الآية؟( د.فاضل السامرائى)
الله غير الرب، فالرب هو المربي والموجه والمرشد والمعلم والقيّم؛ ولذلك يصح أن تقول عن إنسان هو رب الدار، رب الشيء. لفظ الجلالة الله هو اسم العلم من العبادة هو الإله المعبود، (وَلْيَتَّقِ اللّهَ رَبَّهُ).
سبب الاختيار؟ هذه الآية جزء من آية الدين (وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللّهَ رَبَّهُ وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا (282) يتكلم عن الدائن والمدين، الدائن أحسن إلى المدين، وأجره أعلى من أجر المتصدق؛ لأن المتصدق أجره عشرة أضعاف، والدائن ثمانية عشر كما في الحديث، لأنه أخرج المحتاج من حاجته، إذًا الدائن أحسن إلى المدين فعلى المدين أن لا يبخس حق من أحسن إليه، والرب أحسن إلى العبد في تعليمه وتوجيهه، وأحسن إلى الدائن فمكنّ له. وقال في ختام الآية (وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)، والمعلم مربٍ، فناسب رب من ناحية الإحسان ومن ناحية التعليم. ولو قال (وليتق الله) فقط لما تحقق معنى الإحسان والإفادة، وأن هذا أحسن إليك، كما أحسن الله إليه، وآتاه المال، وجعل يده أعلى، ولو قال ليتق ربه فإن كلمة رب لا تعني الله بالضرورة؛ لأن الرب قد يكون رب الدَيْن. أراد أن يجرّدها لله سبحانه وتعالى؛ ولهذا قال (وَلْيَتَّقِ اللّهَ رَبَّهُ).
*ما دلالة (أن) فى الآية (فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى (282) البقرة)؟(د.فاضل السامرائى)
كراهة أن تضل إحداهما، أو لئلا تضل. كقوله : (أن تميد بكم) يقولون كراهة أن تميد بكم، أو لئلا تميد بكم (إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (46) هود) يعني لئلا تكون من الجاهلين.
* ما الفرق بين استشهدوا وأشهدوا في آية البقرة (وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ (282) وفي نفس الآية (وَأَشْهِدُوْاْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ (282) ؟( د.فاضل السامرائى)
استشهد (استفعل) يعني الاحتمال الأول أن يكون للطلب، أي اطلبوا شهيدين، أو قد يكون للمبالغة أي اطلبوا ممن تكررت منه الشهادة، وممن تعلمون قدرته وعلمه على أدائها. الهمزة والسين والتاء للطلب، يعني اطلبوا شهيدين، والثاني: أن تكون للمبالغة فالهمزة والسين والتاء تأتي لأمور منها هذه، أما أشهدوا فليس فيها هذا الأمر معنى ذلك أن استشهدوا معناها أقوى، ولو لاحظنا كيف قال استشهدوا، والموضع الذي قال أشهدوا (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللّهَ رَبَّهُ وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا (282) تقييدات في حفظ الحقوق، (فَإن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ) الذي لا يستطيع أن يحفظ حقه، قال (وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ) في هذا الموقف نطلب من يستطيع أن يتحمل الشهادة، أمينا قادرا على أن يتحمل أداءها، قال (وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى).
أما في الثانية فقال (إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوْاْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ) في البيع، ليس فيها أحد قاصر لا يستطيع أن يمل ماعليه من الحق وما إلى ذلك، وإنما حالة أكبر فقال (أشهدوا) لأن البيع لا يحتاج. إذن الحالة التي تستدعي دعوة الأمين والقوي والمقتدر والعالم بالشهادة ذكرها في موطنها، والتي لا تحتاج لم يقل اكتبوها (إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوهَا) فيما هو أهم جاء بالفعل الذي يدل على أهمية الطلب والمبالغة، والأمر الاعتيادي الذي يحصل في الأسواق قال أشهدوا، فوضع كل فعل في الموضع الذي ينبغي أن يوضع فيه.
*هل اللام هنا نافية أم ناهية(وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ (282) البقرة)؟( د.فاضل السامرائى)
فى قوله تعالى (وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ (282) البقرة) و(لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ (233) البقرة) هذا حكم شرعي. (وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ) (لا) ناهية وليست نافية، بدليل أن الراء في (يضارَّ) مفتوحة. هل هي لا يضارَر؟ أي لا يضره أحد، أو لا يضارِر، هو لا يضر أحداً، محتمل أن الكاتب والشهيد يضغط عليه ويضر عليه ويهدد، فيغير من شهادته، يحتمل هذا المعنى، أو أن الشهيد لا يريد أن يشهد لأسباب في نفسه، يغير في الشهادة. لا يضارَر أو لا يضارِر؟ لو أراد أن يقيّد لقال ولا يضارَر، فيكون قطعاً هو المقصود (نائب فاعل) لو أراد أن الكاتب هو الذي يُضرِ يقول لا يضارِر. مع أن الله سبحانه وتعالى قال في القرآن (ومن يرتدد) في مكان وقال (ومن يرتد) في مكان آخر، وقال (من يشاقق) و (من يشاق) وبدل أن يقول ولا يضارِر أو ولا يضارَر جاء بتعبير يجمعهما معاً فيريد كلاهما. إذًا لو فك الادغام لعطف، لكنه أوجز تعبيراً وجمعا المعاني، ويسمى التوسع في المعنى.
(لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ (233) البقرة) لا يوقع عليها ضرر، بحيث الأب يضرها إذا كانت مطلقة؟ أو هي لا تضر زوجها بحيث تمنع ابنها؟ ما المقصود؟ المعنيان مرادان وكلاهما منهي عنه. عندنا باب اسمه التوسع في المعنى في علم المعنى، عندنا دلالة قطعية، وعندنا دلالة احتمالية، وهذه الاحتمالية تحتمل معاني قد تراد كلها أو بعضها، فإذا أريد بعضها أو كلها يسمونه التوسع في المعنى.