آية (3)- (10):
*ما اللمسة البيانية في التقديم والتأخير في (وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ)الأنفال و (وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ )آل عمران؟ وذكر (لكم) وحذفها؟
د.فاضل السامرائى :
هاتان الآيتان إحداهما في آل عمران والأخرى في الأنفال. آية آل عمران (وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (126)) وفي الأنفال (وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (10) الأنفال). نلاحظ الكلام في آل عمران (إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ) زاد كلمة لكم في آل عمران وقال به قلوبكم في آل عمران. (به) الحديث عن الإمداد السماوي ما أخبرهم به من النصر والإمداد الذي ذكره. الكلام في آل عمران في هذه الآية في معركة بدر تمهيداً لذكر واقعة أُحُد. بدأ ببدر ثم ذكر أُحد وما أصابهم فيها من قرح وقبل هذه الآية كان هناك إشارة على أُحُد (إِذْ هَمَّت طَّآئِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلاَ وَاللّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (122)) ثم ذكر بدر ثم ذكر بعدها وقعة أُحد، هكذا هو السياق، قال (إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140)) آيات فيها مواساة وتصبير لما أصابهم من قرح. آيات تصبير لأنهم الآن في حاجة إلى مواساة وتصبير فقال (وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ) وقدم القلوب لأنهم محتاجون إلى طمأنة القلوب وإلى البشرى لأن حالتهم النفسية الآن ليست كما كانوا بعد النصر في بدر لأنهم هزموا في أُحد فاحتاجوا إلى المواساة والتصبير (وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ) فقال وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ) وقدّم القلوب. لما قال قلوبكم به أو به قلوبكم هذا الضمير في (به) يعود على الجند الإلهي ما أمدهم به في المعركة من ملائكة وجند (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ (9) وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (10) الأنفال). في آل عمران أيضاً ذكر (أَلَن يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُنزَلِينَ (124)) هذا المدد الإلهي. في الأنفال يعني في معركة بدر ذكر في هذا الإمداد الإلهي أكثر مما ذكره في آل عمران، وفصّل فيه أكثر فقال (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9) وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (10) إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ (11) إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آَمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ (12)) لم يقل هذا في آل عمران إذن هنا صار اهتمام في ذكر هذا الجانب وهذا لم يأت في آل عمران. إذن هنا ذكر وفصّل في الإمداد الإلهي وأهميته ما لم يذكر في آل عمران فقدم (وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ)، فلما فصّل قدّم ولما أراد أن يصبِّرهم قدّم القلوب (قلوبكم به). ثم نلاحظ في الأنفال تقدم ما يدل على البشرى (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9)) هذه بشرى وحصل الإمداد لما قال (فاستجاب لكم) فقال (بشرى) بدون (لكم) لأنه ذكر (لكم) سابقاً وكأنما قال البشرى بشكل آخر ولم يخصص البشرى وجعلها عامة (وما جعله الله إلا بشرى). وكذلك في قوله تعالى (ومما رزقناهم ينفقون)(3) و (وأنفقوا مما رزقكم الله)..
هنالك خلاف في السياق العام في الأنفال تحدث كثيراً عن طبيعة الإمداد وفي آل عمران يتحدث عن قلوب الناس والتصبير. التقديم والتأخير في اللغة يحدث هذا التغيير لأنه من الموضوعات التي في غاية الأهمية. لو قلنا مثلاً: أتيت بقلمي، بقلمي أتيت: أتيت بقلمي هذه عامة ولا تعني قصر الإتيان على القلم وإنما قد يكون معه أشياء أخرى أما بقلمي أتيت يعني يفيد التخصيص يعني لم آت بشيء آخر، بقلمي أتيت تخصيصاً. العرب فهموا أكثر مما نفهمه نحن في القرآن لأنها لغتهم ومع ذلك لم يؤمنوا به هذا لأنه ران على قلوبهم وفعلوه استكباراً (فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ (33) الأنعام) وهم يوقنون أن هذا الكلام من عند الله وليس من عند البشر.