آية (39):
س- * ما اللمسة البيانية في ورود لفظة اليم 8 مرات في قصة موسى (عليه السلام) ووردت لفظة البحر 8 مرات في القصة نفسها ووردت لفظة البحرين مرة واحدة؟
ج- (د.فاضل السامرائى): القرآن الكريم يستعمل اليم والبحر في موقفين متشابهين كما في قصة موسى (عليه السلام) مرة يستعمل اليم ومرة يستعمل البحر في القصة نفسها قال تعالى: (فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ (63) الشعراء) وقال تعالى: (فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ (40) القصص) فاليمّ كما يقول أهل اللغة المحدثون: إنها عبرانية وسريانية وأكادية, وهي في العبرانية (يمّا) وفي الأكادية (يمو) واليمّ وردت كلها في قصة موسى ولم ترد في موطن آخر, ومن التناسب اللطيف أن ترد في قصة العبرانيين وهي كلمة عبرانية. أما كلمة البحر وردت عامة, قال تعالى: (وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ (50) البقرة) وقال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ (14) النحل) عامة, لكن من الملاحظ أن القرآن لم يستعمل اليم إلا في مقام الخوف والعقوبة, أما البحر فعامة, ولم يستعمل اليم في مقام النجاة، والبحر قد يستعمله في مقام النجاة أو العقوبة. قال تعالى (فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ (7) القصص) قال تعالى: (أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ (39) طه) هذا خوف، قال تعالى: (فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ (136) الأعراف) هذه عقوبة، قال تعالى: (فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُم مِّنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ (78) طه) وقال تعالى: (فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ (40) القصص) عقوبة، أما البحر فعامة استعمالها في النِعم لبني إسرائيل وغيرهم, قال تعالى: (أَمَّن يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ (63) النمل) وقال تعالى: (وَإِذَا مَسَّكُمُ الْضُّرُّ فِي الْبَحْرِ (67) الإسراء) ففي نجاة بني إسرائيل استعمل البحر ولم يستعمل اليم. واستعمل اليم في العقوبة واستعمل البحر في النجاة والإغراق, قال تعالى: (وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ (50) البقرة) فاستعملها في الإغراق والإنجاء, قال تعالى: (وجاوزنا ببني إسرائيل البحر) أي أنجيناهم، وقال تعالى: (فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَّا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى (77) طه) (فَغَشِيَهُم مِّنَ الْيَمِّ (78) طه) لم يقل البحر، قال تعالى: (فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ (63) الشعراء). إذن يستعمل اليم في مقام الخوف والعقوبة فقط, ويستعمل البحر عامة في بني إسرائيل وغيرهم. واليم يستعمل للماء الكثير وإن كان نهراً كبيراً واسعاً. فالقرآن يستعمل اليم للنهر الكبير المتسع ويستعمل للبحر أيضاً. واللغة تفرق بين البحر والنهر واليم: النهر أصغر من البحر, والقرآن أطلق اليم على الماء الكثير, ويشتق من اليم ما لم يشتقه من البحر (ميموم) أي غريق لذلك تناسب الغرق. والعرب لا تجمع كلمة يم فهي مفردة وقالوا لم يسمع لها جمع ولا يقاس لها جمع وإنما جمعت كلمة بحر (أبحر وبحار) وهذا من خصوصية القرآن في الاستعمال. كونها خاصة بالخوف والعقوبة هذا من خصوصية الاستعمال في القرآن.
س- *حينما تكلم ربنا تبارك وتعالى على سيدنا موسى قال (وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (39) طه) ولما تكلم عن الرسول (صلى الله عليه وسلم) قال (وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48) الطور) فما الفروق الدلالية بين الآيتين؟
ج- (د.فاضل السامرائى): الصنع يكون في بداية الأمر، هو الكلام على موسى (عليه السلام) تكلم على ولادته ونشأته, قال تعالى: (إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى (38) أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (39) طه) هذا في مرحلة طفولته, قال تعالى: (إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى (40) وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (41) طه) والرسول (صلى الله عليه وسلم) بعد الأربعين يحمل همّ الرسالة كيف يقال له تصنع على عيني؟ وإنما هو يحتاج إلى رعاية الآن للتبليغ. الدلالة العامة لقوله تعالى: (وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي) أي ينشئك بالصورة التي يريدها ابتداء ويهيأ المكان الذي يريده ولما قال عن النبي (صلى الله عليه وسلم): (فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا) يعني يحفظك، كما قال تعالى: (وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ (13) تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا (14) القمر) أي السفينة, قال تجري بأعيننا يعني برعايتنا وحفظنا. قال تعالى: (وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ (67) المائدة) يعني يحفظك أنت تحت رعايتنا وحفظنا نراقب الأمر, قال تعالى: (إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى (46) طه) نحن نراك ونحفظك ونحميك ونرعاك يعني أنت تحت رعايتنا.

اترك تعليقاً