آية (10):
س- قال تعالى: (وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا (10)) بناء الفعل للمجهول مع (أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الْأَرْضِ) بأهل الأرض وبناؤه للمعلوم (أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا) لماذا اختلف البناء في الآية؟
ج- قال تعالى (وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا) هذا قول الجن عندما مُنِعوا من الاستماع (فَمَن يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَّصَدًا (9)) الآن هم يجهلون الأمر لا يعلمون أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشداً.
أما بالنسبة إلى السؤال فنحن ذكرنا في أكثر من مناسبة أن هنالك في القرآن المجيد خطاً تعبيريا واضحا أن ربنا سبحانه وتعالى لا يسند العيب لنفسه وإنما ينسب له الخير, وذكرنا أمثلة كثيرة في القرآن فهنا لما ذكر الشر قال: (أَشَرٌّ أُرِيدَ) ولما ذكر الخير والرشد نسبه وأسنده للرب سبحانه وتعالى: (أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا) وذكرنا أمثلة في القرآن, قال تعالى: (وَإِذَآ أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَؤُوسًا (83) الإسراء) لم يقل مسسناه بالشر وإن كان الكل من عند الله سبحانه وتعالى لكن تأدباً (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ (14) آل عمران) لم يقل زين لهم بينما يذكر: (وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ (7) الحجرات) (إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (6) الصافات).

س- لكن في حالة بناء الفعل للمجهول ماذا يكون الفاعل؟
ج- الفعل المجهول له نائب فاعل وليس فاعلاً كتقدير للجملة (أشر أريد) نائب الفاعل الآن مستتر، الآن نائب الفاعل ضمير الشر (مستتر) أريد شراً بمن في الأرض، شر مبتدأ وأريد فعل مبني للمجهول ونائب الفاعل ضمير مستتر يعود على الشر وعلى هذا الغرار قوله تعالى (الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) الشعراء) نسب المرض إلى نفسه وهذا كثير في القرآن الكريم كما في (آتيناهم الكتاب) و(أوتوا الكتاب) إذا قال (آتيناهم الكتاب) مدح وإذا قال (أوتوا الكتاب) ذمّ. وذكرنا أكثر من مرة قد يقول زينا لهم أعمالهم لكن لم يقل مطلقاً زينا لهم سوء أعمالهم وإنما يقول (زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ (37) التوبة).
استطراد من المقدم: إذن لا بد أن يكون هناك تأدب مع الله سبحانه وتعالى ونحن نتحدث عن الله؟
الدكتور فاضل السامرائي: نعم..
س- الملاحظ في هذه الآية (أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا) قدّم إرادة الشر على إرادة الرشد فلماذا هذا النسق؟
ج- جرى في السورة ذكر ما يفعله أهل الأرض من الشرور من الجن والإنس ذكر جملة من الشرور فاستحقوا التهديد وإنزال الشر بهم، تقدم الآية قوله تعالى: (وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا (4) وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (5)) لكن تبيّن أنهم يقولون الإنس والجن تقول على الله كذباً،: (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا (6)) هذا من الشرور، (وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا (7)) هذا إنكار للحشر فاستحقوا تقديم إرادة الشرّ.
س- من خلال الآيات التي تفضلت بها الآن نلحظ لفظ الجلالة (الله) ولكن في هذه الآية (أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا) قال (ربهم) فما دلالة لفظ ربهم في الآية؟
ج- ذكرنا في أكثر من مناسبة أن الرب هو المربي والقيم على الأمر والرازق والهادي ورب الشخص عادة يريد له هدايته وصلاحه وخيره والشخص إذا أصابه سوء أو فزع فزع إلى مالك الأمر والقائم عليه إذن رب الجماعة يريد لهم الخير هذا من ناحية ناسب ذكر الربّ. لكن هنالك في الحقيقة أمر في القرآن الكريم لم يرد إسناد فعل إرادة السوء أو الضر (أراد أو أريد) إلى الرب وإنما تسند إلى الله، فعل الإرادة. مثلاً لم يرد (أراد ربهم أن يهلكهم) مثلاً يقول: (قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعًا (17) المائدة) لم يقل ربهم،: (وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ (11) الرعد) لم يقل الرب: (قُلْ مَن ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُم مِّنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا (17) الأحزاب) (أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً) الله تعالى ينسب إلى نفسه الرحمة والرشد وينسب إن أراد السوء والضر إن أراد. لكن فعل الإرادة بالذات لا يأتي إلا مع الله لا يأتي مع الرب وإذا أتى يأتي في السوء والضر. قال تعالى: (قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا (11) الفتح) (قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ (38) الزمر) إذا ذُكِر الرب لا يسند إليه إلا إرادة الخير والرشد قال تعالى: (فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ (82) الكهف) (أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا (10) الجن) يعني يسند احتمال إرادة العقوبات والسوء إلى الله كما أسند إليه إرادة الخير والرشد لكن ذكر الرب لا يسند إليه إلا إرادة الخير أقصد في فعل الإرادة خصوصاً أما في غير أفعال الإرادة قد يذكر الرب في عموم المقامات مع التفضل والعقوبات (إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (12) البروج) (وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ (82) مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (83) هود) (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) الفجر) أقصد فعل الإرادة فقط هذا الكلام على هذا وهذا من خصوصيات الاستعمال القرآني، رب الإنسان يعاقبه لكن فعل الإرادة ماذا يريد؟ في القرآن لم يرد فعل الإرادة مع الرب إلا في الخير وهذا معناه أن الله تعالى لا يريد لنا إلا الخير. يأتي في العقوبات لكن فعل الإرادة بالذات يأتي بالخير أما مع (الله) يأتي كل شيء.

اترك تعليقاً