آية (17):
*ما دلالة المثل في قوله تعالى (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ (17) البقرة) لماذا ذهب بنورهم وليس بنارهم؟ وما الفرق بين ذهب به وأذهب؟(د.حسام النعيمى)
هذه الآية الكريمة من مجموعة آيات تكلمت عن المنافقين، ومعلوم أن المنافقين إنما سُمّوا بهذه التسمية لأن ظاهرهم مع المسلمين وباطنهم في حقيقة الأمر أنهم مع الكفار، حتى قيل أن الكفار خير منهم، لأن الكافر صريح في كفره، لكن المنافق يقول لك إنه مؤمن مسلم، ولكنه يهدم ويخرّب من داخل المجتمع المسلم.
فضرب الله عز وجل لهم هذا المثل، والنار في الصحراء عند العرب مثال معروف على الظهور والانكشاف وهداية الضالّ:
الآية تتحدث عن شخص أوقد هذه النار، ولما أوقدها وتعالى لهيبها أضاءت ما حوله، وامتدت هذه الإضاءة إلى مسافات بعيدة، أي أن هؤلاء عاشوا في هذا الضوء، واستضاؤوا واستناروا به – ويمكن أن يحمل هذا المثل على أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) هو الموقِد لهذه النار الهادية – فلما جاؤوا من حولها، ورأوا هذا النور، وتذوقوا حلاوة الإيمان طمس على قلوبهم، ولم يستفيدوا منه، و نلاحظ (كمثل الذي استوقد ناراً ) هنا مفرد، (فلما أضاءت ما حوله) حوله أناس، فالعربي لا يعيش وحده، فحين يوقد النار تستضيء قبيلته حوله بهذه النار، وكذلك الأغراب البعداء يهتدون بهذه النار. (فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم) عاشوا في ضوء ولو لحقبة يسيرة، اطلعوا على الإسلام بخلاف الكافر الذي كان يضع إصبعيه في أذنيه، ويقول لا أسمع، (فلما أضاءت) لم يستفد هؤلاء من هذا النور، فذهب الله بنورهم.
والفرق بين النور والضوء أن النور لا يكون فيه حرارة، أما الضوء ففيه حرارة، ويرتبط بالنار، والإنسان يمكن أن تأتيه حرارة الضوء، فالنار المضيئة إذا خفتت وخمدت يبقى الجمرمن مخلفات النار، وهو بصيص يُرى من مسافات بعيدة. فحين يقول تعالى (ذهب الله بنورهم) يعني أن أصغر الأمور التي فيها هداية زالت عنهم. لو قال في غير القرآن: ذهب الله بضوئهم لعنى أن الضوء ذهب، لكن بقيت الجمرات، لكن القرآن يريد أن يبين أن هؤلاء بعد أن أغلقوا قلوبهم (ذهب الله بنورهم فهم لا يبصرون) لا يبصرون شيئاً حتى الجمر الصغير.
*ما الفارق بين أذهب نورهم وذهب بنورهم؟(د.حسام النعيمى )
أذهبت هذا الشيء، أي جعلته يذهب، أذهبته فذهب، فعلت فاستجاب للفعل، فلو قال أذهب الله نورهم، كأنها تعني أمر النور أن يذهب فاستجاب وذهب، لكن هذا الذي ذهب قد يعود. أما قوله (ذهب الله بنورهم) فيعني أن الله تعالى اصطحب نورهم بعيداً عنهم، وما اصطحبه الله عز وجل لا أحد يملك أن يعيده، وهذا نوع من تيئيس الرسول (صلى الله عليه وسلم) من المنافقين، لأن الجهد معهم ضائع، وتلك خصوصية للرسول (صلى الله عليه وسلم) ،فلا يقولن أحد إن هذا الشخص لا نفع من ورائه فلا داعي لوعظه وتذكيره.