آية (260):
* (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (260) البقرة) ما دلالة ختام الآية (عزيز حكيم) بدل الله على كل شيء قدير؟(د. فاضل السامرائى)
أولاً سياق الآية قد يحسم الأمر لدى المتكلم، عن أي شيء يريد أن يتكلم؟ حين يذكر ربنا إحياء الأرض بعد موتها التعقيب في ختام الآية ليست واحدة، وإنما ماذا يريد (وَآيَةٌ لَّهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (33) يس) إحياء الأرض الميتة ذكر أمراً آخر، وفي آية أخرى قال (وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ (19) الروم) يستدل بها على أمر آخر غير الأكل، ماذا يريد المتكلم أن يعقب عن الأمر الواحد أي أمر؟ في حياتنا اليومية تقول سافرت إلى مدينة من المدن، فتقول سافرت إلى مدينة من أجمل المدن، أو تعقب على أهلها فتقول وجدت فيها أناسا طيبين، أو تعقب على المدة التي قضيتها فيها.
فبالنسبة لهذه الآية أولاً الآية التي قبلها مباشرة (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىَ يُحْيِـي هَـَذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (259)).
والأمر الآخر قبلها كان الكلام أيضاً عن إبراهيم (عليه السلام) والنمرود (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (258))
حين قال ربي الذي يحيي ويميت، ألا يعلم أن الله على كل شيء قدير؟ بلى يعلم. (وأعلم أن الله على كل شيء قدير)، هو يعلم أن الله على كل شيء قدير، واستدل بذلك على ما سبق من الآيات (قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ) إذًا هو يعلم، وهو الآن يريد أمراً آخر غير الأمر الذي ذكره واستدل عليه (قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) فهو يؤمن، وإنما الآن يريد شيئاً آخر غير هذا الأمر.
نلاحظ أولاً أن الآيات جاءت في سياق الحديث عن النمرود، وهو معتد معتز بحكمه، لما قال (قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ) جاء بشخصين قتل واحدا وأطلق الآخر، هو معتز بحكمه عزيز وحاكم؛ لذا قال (وَاعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) ربنا هو العزيز الحكيم، والخطاب في الآية موجه إلى إبراهيم (عليه السلام).
قبل هذه الآية (اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (257)) والطاغوت كل رأسٍ ظالم يعتز بحكمه، ويخرج الناس بالبطش والتنكيل والطغيان من النور إلى الظلمات، ، فالسياق يقتضي أن الله عزيز حكيم، لا الطاغوت المتجبر ولا الظالم، إنما الله. ثم هنالك أمر يقوله المفسرون: إن الله تعالى إذا خرق الناموس والأسباب فبعزته ولحكمة يريدها هو، الذي يفعل هكذا بالنواميس هو الحاكم والقادر والعزيز، فالله تعالى لم يرد أن يبين قدرته لأن إبراهيم يعلم قدرته، لكنه أراد أن يبين عزته وحكمته تبعاً للسياق الذي وردت فيه الآية.
الآية تحتمل عدة أمور، وختام الآية يناسب الآية، ويناسب ما يريده المتكلم من هذه المناسبة؟ وهذا لا يتتاقض مع السياق، وإنما هو على ماذا يريد أن يركز؟ ختام الآية هنا (واعلم أن الله عزيز حكيم)، وقبلها قال (إن الله على كل شيء قدير) إذًا هي متماشية مع السياق.
*(وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (260) البقرة) تكررت (ثم) مرتين فهل هي تفيد التراخي في هذه الآية؟( د.فاضل السامرائى)
(فصرهن إليك) أي أملهُنّ إليك، السؤال لم لم يقل فاجعل أو فادعهن؟ (ثم) تفيد الترتيب والتراخي، والفاء تدل على التعقيب. (ثم اجعل عل كل جبل) معناه هناك أكثر من جبل، هناك صعود جبال أربعة أولاً، حتى يجعل لإبراهيم سعة في أن يلتقط الطير، لو جاء بالفاء لم يجعل له سعة، وإنما (ثم) يجعل له متسعاً في الحركة. والأمر الآخر: أن هذا يدل على قدرة الله؛ لأنه بمرور الزمن اللحم قد يفسد، وكلما كان أقرب للذبح، يكون أسرع في الحياة، والعجينة واحدة، لكن حتى يبين أنه لو تأخر الوقت وفسد اللحم، سيحصل الأمر، لو قال (ثم) لم يفد هذا المعنى، ليجعل لإبراهيم سعة في الحركة، وينتقل من جبل إلى جبل، هذا يحتاج وقتاً، فجاء بـ (ثم) ليجعل له متسعا في الحركة، فلو جاء بالفاء لا يجعل له متسعاً في الحركة، ثم يدل على قدرة الله؛ لأنه حتى لو تأخر الوقت سيحصل الأمر، الطيور ستأتيك مسرعة حتى لو تأخر الوقت، وهذا أدل على قدرة الله، بينما لو جاء بالفاء لم يفد هذين المعنيين.
*(ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا (260) البقرة) السعي هو نوع من أنواع المشي لا من أنواع الطيران فلِمَ خصّ ربنا تعالى إجابة الطيور بالسعي لا بالطيران مع أن هذا مخالف لطبيعة الطير؟
*ما اللمسة البلاغية فى قوله تعالى (سعياً)؟(د.فاضل السامرائى)
قال تعالى (ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا (260) البقرة) أبلغ من ساعيات، لأنها أخبرت عن الذات بالحدث المجرد كأنه ليس شيئا يثقله من الذات، أصبح حدثاً مجرداً. مثل قوله تعالى (ولا تمش فى الأرض مرحاً) حال جاء بها على وزن المصدر (مرحا) هذا يفيد المبالغة، إذا أتيت بالحال مصدراً