آية (1-3):
س- سورة ما دلالة تحول الخطاب في الآيات الثلاث الأولى في سورة عبس (عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَن جَاءهُ الْأَعْمَى (2) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3)) من المبني للمجهول إلى الخطاب المباشر مع الرسول ؟
ج- (د.فاضل السامرائى):هذا من باب الالتفات في البلاغة ياتفت من الغيبة للحاضر ومن الحاضر للغيبة لكن لماذا؟ إكراماً للرسول (صلى الله عليه وسلم) لم يقل له عبست وتوليت أن جاءك الأعمى فإكراماً له قال: (عبس وتولى) والتفت إليه لما كان في الخطاب خير لأنه (صلى الله عليه وسلم) كان منشغلاً في الدعوة إلى ربه يأمل إذن هو الآن في دعوة، في أمل كان يرجو خيراً ويأمل خيراً إذن لم يكن منشغلاً عنه باللهو أو أمر غير مهم وإنما بأمر من أمور الدعوة قال تعالى: (وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى (4) أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى (5) فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّى (6)) تصدى له لدعوته للإسلام. إذن هو ذكر الغيبة إكراماً للرسول (صلى الله عليه وسلم) (عَبَسَ وَتَوَلَّى) والتفت في الخطاب إكراماً له، كان منشغلاً بالدعوة فعاتبه عتاباً، (فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّى) هو (صلى الله عليه وسلم) تصدى له لدعوته للإسلام وليس لأمر من أمور الدنيا إذن هو كان منشغلاً بأمور الدعوة وحاملاً همّ الدعوة فلم يقل له عبست وتوليت ثم إشعاراً له وإن كان خلاف الأولى لكن كان منشغلاً يحمل همّ الدعوة. فإذن عاتبه ربنا وفي الحالتين كان فيه إكرام للرسول (صلى الله عليه وسلم) لم يقل له عبست وتوليت حتى لما قال تعالى: (أما من استغنى فأنت له تصدى) ليس ذماً وليس عتاباً شديد اللهجة لأنه (صلى الله عليه وسلم) كان منشغلاً بأمور الدعوة وكان يريده أن يزّكى، هذا مسلم من المسلمين مقدور عليه يمكن أن يستدعيه لاحقاً ويجيب على سؤاله أما الآن فقد حانت فرصة لدعوة هؤلاء وهذا الظرف لا يحين دائماً. واستعمل كلمة أعمى إعذار للرجل السائل أنه هذا معذور أعمى ولو كان رأى الرسول (صلى الله عليه وسلم) مشغولاً لما سأله. هو لو كان بصيراً لما سأل الرسول (صلى الله عليه وسلم) لأنه كان رآه منشغلاً ولم يسأله وجاء في وقت آخر. فالآيات فيها غاية الإكرام للرسول (صلى الله عليه وسلم) (عبس وتولى) يتكلم عن غائب وهي أكرم من (عبست وتوليت) استخدام ضمير الغائب أكرم من المخاطب إذن الإكرام في الإلتفات في الحالين إكراماً له في الغيبة (عبس وتولى) وإعذار له في قوله: (وما عليك ألا يزكى) التحول من ضمير الغيبة إلى المتكلم ومن المتكلم إلى الغيبة يسمى الإلتفات ويذكر عموماً هناك أمر عام في الالتفات أنه لإيقاظ النفس لأن تغيير الأسلوب يجدد نشاط السامع وينتبه أن الخطاب كان عن غائب ثم تحول إلى حاضر، هذا أمر عام في الالتفات أنه يثير انتباه السامع ويجعله ينتبه مثلاً (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1)) يتكلم تعالى عن نفسه ثم قال (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2)) ولم يقل فصلّ لنا إذن هذا إلتفات. كل مسألة في القرآن فيها إلتفات عدا هذا الأمر كونه لتنبيه السامع فيها أمر. لماذا التفت في (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2))؟ الصلاة للرب وليس للمعطي، لو قال فصلّ لنا أي لأننا أعطيناك صلّ حتى لا يُفهم أن الصلاة من أجل العطاء لمن يعطي لكن الصلاة للربّ سواء أعطاك أو لم يعطيك . الصلاة ليست للعطيّة وإنما من باب الشكر فالالتفات في كل مسألة في القرآن له غرض.