(اهدنا الصراط المستقيم)
الفعل هدى يمكن أن يتعدى إلى مفعولين، ويمكن أن نحذف المفعول الثاني فيه، ويكتفى بالمفعول الأول: فبعض أهل اللغة يقول: هدى يتعدى لمفعولين، وقسم يقول: الثاني منصوب بنزع الخافض (أي حذف حرف الجر). فيمكن أن تقول: اللهم اهدني وارحمني، وتقول لشخص: هداك الله يا فلان (مفعول واحد)، ويمكن أن تقول: هداك الله للخير، وتستعمل اللام، ويمكن أن تقول: هداك الله إلى الخير، تستعمل إلى، ويمكن أن تقول هداك الله الخير. ففيها ثلاث صور. والصور الثلاث وردت في القرآن الكريم مع الفعل هدى (مع اللام ومع إلى وغيرهما)، والعلماء نظروا في هذا: متى يُقال هكذا؟ ومتى يقال هكذا؟ ومتى يقال هكذا؟ لا يمكن في القرآن الكريم أن نضع عبارة مكان عبارة ، فمتى يقال: اهدنا الصراط، ومتى يقال: اهدنا للصراط، ومتى يقال: اهدنا إلى الصراط؟
ومن خلال تأمل لغة العرب، ولغة العرب يستدل بها على كتاب الله، وإن كنا نؤكد أن القرآن حاكم على لغة العرب، ولغة العرب ليست حاكمة على القرآن، ولكن يُستأنس بها. قال العلماء هنا بالنظر إلى الاستعمالات : إذا قيل: اهدنا السبيل أو الصراط أو الخير، فمعنى ذلك أن الإنسان يكون في الخير، ويريد أن يعرف معالمه حتى لا يتيه، هو في الطريق لكنه يريد من يوضح له معالم الطريق، ماذا فيه؟ هل فيه محطات وقود؟ هل فيه استراحات؟ أنا في داخل الطريق لكني أحتاج إلى معرفة معالمه، هذه اهدنا الطريق.
لكن إذا قيل: اهدنا للطريق، فذلك يعني أنه يكون خارجاً عن الطريق، لكنه يكون قريباً، فاللام للقريب، هي للغاية وللقريب أيضاً.
فإن قيل: اهدنا إلى الطريق، فإنه يكون بعيداً، فيأتي به إلى الطريق.
الذي تبيّن لنا من النظر في الآيات أنه عندما يقول (اهدنا الصراط) من غير اللام وإلى، فكأنه يريد أن يقول إنك أوصلتني إلى الصراط، فوضّحه لي، إنه كان في الخارج فأوصله إلى الداخل. اهدنا الصراط: هم في داخل الصراط، ويريدون معرفة ما فيه، لكن علماءنا يقولون: إذا حذف الحرفان (اللام وإلى) يحتمل أن يكون داخل الصراط أو خارج الصراط، والذي تبين لي من خلال الآيات أنه حيثما وردت الصراط من غير حرف جر، فمعنى ذلك أنهم في داخل الصراط، وإن كانوا أُوصلوا من بعيد، أو وُعِدوا بأن يوصلوا من بعيد إلى الداخل، لكنهم سوف لا يتركون. الأمثلة :
(وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52) الشورى).
هذا الاستعمال بـ (إلى) معناه: هم بعيدون عن الصراط، فأنت تستطيع بإذن الله تعالى أن تأتي بهم إلى هذا الصراط المستقيم.
المثال الآخر: (قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إلى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إلى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (35) يونس).
الخطاب مع الشركاء (يهدي للحق) يأتي بهم قريباً، يقرّبهم ويدخلهم في الصراط (أفمن يهدي إلى الحق) وحتى يوازن استعمل إلى واستعمل اللام.
و(يَهِدِّي) تقرأ هكذا عند حفص، وللفائدة فإن أصلها يَهْتَدي: الهاء ساكنة والتاء مفتوحة، فسكنت التاء ثم أدغمت التاء في الدال، ولا يجتمع ساكنان، فكُسِرت (لا يهِدّي، أي لا يهتدي).
والعرب كانت تفهم هذا الكلام؛ لأنها لو لم تفهم ، لسألت الرسول (صلى الله عليه وسلم) ، ولاحتج عليه العرب، وقالوا أنت تتكلم لغة غير لغتنا.
الصورة الأخرى في الكلام عن موسى وهارون (فآتيناهما الكتاب المستبين)، عندهما كتاب واضح (وهديناهما الصراط المستقيم)، هما داخل الصراط، يستفيدان من الكتاب المستبين في معرفة ما يرضي الله سبحانه وتعالى وما لا يرضيه، (وهديناهما الصراط المستقيم).
وهذا يعني أن المسلم عندما يصلي أو يقرأ الفاتحة، هو ليس خارج الصراط، وإنما هو في داخل الصراط، لكنه يريد أن يتبيّن له الصالح، وأن يأخذ الله عز وجل بيديه ليريه هذه المعالم، ما يرضيه وما لا يرضيه سبحانه وتعالى، قد يكون هو في الصراط وينحرف، فهو عندما يقول: (اهدنا الصراط المستقيم) يعني: بيّن لنا هذه الأمور التي ترضيك؛ لأننا في شرع الله، الصراط هو دين الله، وفي دين الله عز وجل بيان لما يرضي الله تعالى، وما لا يرضيه سبحانه وتعالى.
*دلالة الفعل هدى، لماذا لم يستخدم أرشد أو دلّ وكلمة الصراط ولم يستخدم السبيل مثلاً:
(يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا (43) مريم) و (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ (10) البلد) هاتان الآيتان قال بسببهما بعض العلماء: إن كلمة هداه الشيء تحتمل معنيان أنه هو في داخل الشيء أو خارج الشيء.
كلام إبراهيم (عليه السلام) مع أبيه (أهدك صراطاً سويا) كلنا نعلم أن أبا إبراهيم (عليه السلام) كان خارج الصراط، فيقول له : أنا آتي بك إلى الصراط ، إذًا (هداه الصراط) أي هو في الخارج.
في سورة البلد (وهديناه النجدين) هو في الخارج، وبُين له سبيل الحق وسبيل الباطل، النجد في الأصل هو المرتفع، والمراد بهما هنا طريق الهداية وطريق الغواية، إن الله سبحانه وتعالى بين للبشر ماذا يسعدهم وماذا يشقيهم؟ بيّن لهم الخير، وبيّن لهم الشر: (وهديناه النجدين) أوضحنا له هذا الطريق وهذا الطريق، فهو في الخارج، مع أن معناه يحتمل أن يكون في الداخل أو في الخارج، وهذا رأي بعض العلماء، وأنا أميل إليه، وكتاب الله عز وجل لا تنقضي عجائبه.
كأنما يريد إبراهيم (عليه السلام) أن يقول لأبيه: إنني لن أتركك، إنني سآخذ بيدك إلى الصراط، وأكون معك، فأدلّك فيه (فاتّبعني أهدك صراطا سوياً) فلم يستخدم حرف الجر حتى يُفهم العربي أن إبراهيم لم يكن يريد فقط أن يوصل أباه إلى الصراط، ولكنه يريد أن يقول له: سأمضي معك داخل الصراط حتى أهديك أيضاً، فهو وإن كان في الخارج، لكن يحتمل أن يكون معه في الداخل.
(فاتّبعني أهدك صراطاً) يعني: آمن يالله، وآمن بي نبياً ستكون معي على الصراط، وأوجهك، يعني: سوف لا أتركك، كأن هذا نوع من التطمين، بخلاف ما لو قال: أهدك إلى صراط سوي، فليس فيه ذلك التطمين، ويمكن في غير القرآن أن يقول: أهدك إلى صراط سوي، لكن العربي إذا قرأها لا يحس بهذا التطمين، بينما أهدك صراطاً سويا يحس أنه سيوصله، ويمضي معه في هذا الصراط.
(وهديناه النجدين) الإنسان لا يكون في النجدين في آن واحد وإنما يكون في نجد من النجدين، العبد حينما بيّن الله عز وجل له هذين النجدين سيكون في واحد منهما على وجه اليقين، إما أن يكون في هذا، وإما أن يكون في هذا، فلو قال إلى النجدين لأراد أنه سيوصله إليهما، أي إلى المكانين معا، لكن هديناه النجدين تعني أنه سيختار أحدهما فسيكون فيه، وهذا الكلام لا يعني أننا نلغي الاحتمال الثاني، أي احتمال أن يكون هو داخل الشيء أو خارجه، لكن عند ذلك تفوت هذه اللمسة البيانية، ولا يحس بها الإنسان، وهذا الذي جعلنا نختار هذا الشيء.
تختلف دلالة الفعل إذًا باختلاف الحرف المصاحب له، وهدى وأخواتها من الأفعال الأخرى: بيّن ودلّ وأرشد كلها تعطي معنى واحد هو الإيضاح والتبيين.
أيضاً عندنا شيء في (اهدنا الصراط المستقيم): فعل الهداية ليس المراد به مجرد الإرشاد، وإنما الهداية فيها شيء يتعلق بالقلب أيضاً، صحيح هو هداه إلى كذا كأنه أرشده، لكن في استعمالات العرب، كأنه يمس شيئاً داخلياً فيه، ومنه الهدية حين تقدمها لإنسان، الهدية غير العطاء، حين تقول أعطاني فلان كذا ، تعني أعطاني شيئا ماديا، أما أهداني شيئاً فتعني أنه مادي، لكن في داخله نوعا من المحبة والحميمية والود، وفي الحديث الشريف “تهادوا تحابوا” فرق بين أعطيته وأهديته، وكأن هذا المعنى جعل القرآن يختار اهدنا الصراط المستقيم؛ لأنها ليس فيها فقط مجرد إرشاد أو إيضاح، وإنما فيها هذه اللمسة التي رأيناها في قوله (صلى الله عليه وسلم): “تهادوا تحابوا”.
الصراط:
لم يقل السبيل، مع أن القرآن استخدمها، واستعمل الجمع (سبل). والصراط جمعها صُرُط مثل كتاب كُتُب. وهي على صيغة فعال، ومن معانيها الملحوظة أن فيها معنى الاشتمال، فالصراط كأنه من السعة بحيث يشتمل على كل السائرين فيه، لا يضيق بهم، بينما الطريق هو المكان المطروق الذي طرقته القدم بحيث يظهر أن الناس سارت من هنا، وهذا لا يعني أنه يسع الجميع، بل يمكن أن يكون الطريق على قدر إنسان واحد، في المناطق المشوكة (التي فيها شوك) الناس تطرق مكاناً واحداً (طريق: فعيل بمعنى: مفعول يعني مطروق، مديس، داسته الأقدام).
والسبيل بمعنى الإسبال أي الامتداد، وهذا الامتداد أيضاً لا يحمل معنى السعة.
والصراط أصلها سرط بمعنى ابتلع (يقال سرط اللقمة ابتلعها)، لكن لمكان الطاء جعلت السين صاداً، لأن الصراط حين يمشي فيه الناس كأنه يسرطهم، أي يبتلعهم، يغيبون فيه شيئاً فشيئاً.
مداخلة : هل يحتمل معنى إياك نعبد وإياك نستعين أنه إضافة إلى ما ذكرتم يكون القصد من الجمع في العبادات أن كل فرد يتوجه إلى الله تعالى على أنه مجموعة من الأعضاء والجوارح، وكل منها يتوجه مع صاحبها إلى الله تعالى طائعا له (وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم)، وإياك نستعين على كل عبادة كُلّفت بها هذه الأعضاء والجوارح بدليل (إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين)؟
يجيب الدكتور حسام : هذا توجيه جيد، وتفكير سليم.
________________________________________
إهدنا الصراط المستقيم:
*الصراط هل قراءة (سراط) بالسين هي خلاف الرسم؟
القراءة المشهورة بالصاد، وأصل الفعل بالسين (سرط) ، لكن بسبب الطاء، النطق العربي حوّل السين إلى صاد، فصاروا يقولون: الصراط. وقرئت: السراط، وإن كان الذين قرؤوا السراط أقل ممن قرأ الصراط ، ولكنها قراءة سبعية أجازها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بأمر من ربه.
ومن شروط القراءة الصحيحة موافقة رسم المصحف، فحين يرى الإنسان الصاد يمكن أن يقول أن هذه خلاف الرسم، لكن بعض الأصوات تختلف في السمع، وحتى في الرسم أحياناً، وهي في حقيقتها صوت واحد. ونوضح الكلام قليلاً: حاولت أن أصطنع جملة إنجليزية سهلة ميسورة، الحرف الذي بين t و r في ألف باء الإنجليزية. S ماذا يقابله في أصوات العربية؟ حرف السين، لكن اسمع نطق هذه الجملة: as you know this is for us نجد هنا الرسم s قد لُفِظ: (as) لا هو زاي ولا هو سين ولا هو صاد، لكن رسمه بهذه الصورة المعقوفة s لكن الإنجليزي ينطقه (آز) مثل كلمة ظلم وظالم التي يعبّر عنه علماؤنا بأنها الزاي المطبقة، أو الصاد المجهورة، يهتز معها الوتران. و(this) هذه السين ورسمها هو هو لم يتغير. (is) خرجت زاياً والرسم هو هو، (us) صاد.
فأصوات الصفير يمكن أن ترسم بصورة، وتنطق بصورة أخرى متفقة مع ما جرى عليه العرف في النطق ولا يكون هذا مخالفة للرسم، بمعنى أنه عندما قرأ عبد الباسط: (لست عليهم بمسيطر) (لست عليهم بمصيطر) بالسين والصاد، وقرأها بالزاي المطبقة التي هي كالضاد العامية في مصر، وهي برسم واحد لكنه نطقه بأكثر من صورة، تماماً كما أن رسم s الإنجليزية واحد، لكن أهل لغتهم ينطقون به بأكثر من صورة فهذا لا يدخل في اختلاف الرسم.
كذلك مثلاً اللام يمكن أن تأتي مفخمة، ويمكن أن تأتي مرققة، فحين يقرأ ورش (الصلاة) مفخمة لا يقال هذا مغاير للرسم، لأن هذا الرسم ينطق بطريقتين، فلا نقول قراءة السين مخالفة للرسم لأنها رسمت هكذا، لكنها تتحمل هذا النطق، كما أن رسم s واحد وتنطق بأكثر صورة.
فالصوت يُنطق بأكثر من طريقة، والمعنى لا يتغير (مسيطر أو مصيطر) فإذا تغيّر المعنى نقول تغير الرسم؛ لأنه عند ذلك تكون كلمة أخرى مغايرة، مثل سعد وصعد، والسعادة غير الصعود تغيرت الدلالة, وتغير الدلالة يشير إلى أن هذا الصوت كما يعبر عنه الآن (فوني)، لكن حين لا تتغير الدلالة يقال له (ألافون)، والدلالة في الصراط لم تتغير، وإنما هو تنويع مثل تنويع النون: إظهار، إخفاء وغيرها.
يجوز قول السراط لأنه وردت فيه قراءة سبعية، فإذا لم ترد فيه قراءة سبعية، فالتغيرات الصوتية عند ذلك ينبغي أن نحافظ فيها على النطق السليم، وأحياناً وجود صوت الدال المجهورة وقبلها الصاد يؤدي إلى تحول الصاد إلى الضاد العامية (ظ)، فلو جئت لشخص، وقلت له اقرأ:( حتى يصدر الرعاء) يقرؤها يظدر بسبب الدال، وهذا إذا وردت به قراءة سبعية نقول به، وإذا لم ترد فيه قراءة سبعية متواترة يُمنع.
فإذا كنت أنت تقرأ برواية حفص ينبغي أن تظهر الصاد خالصة، ما دمت التزمت قراءة حفص عن عاصم. هذا فيما يتعلق بالفرق بين السراط والصراط، والقراءة المتداولة هي بالصاد (الصراط)، لكن إذا سمعنا أحداً يقرأ برواية أخرة بالسين لا نثور عليه، وإنما هي قراءة سبعية أقرها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بأمر من ربه، وليس من عند نفسه (صلى الله عليه وسلم).
المستقيم:
في الهندسة يقولون إن الخط المستقيم هو أقصر بُعد بين نقطتين، فكأن المسلم يدعو الله سبحانه وتعالى أن يجعله في أقرب الطرق (الصراط المستقيم) الذي هو أقرب الطرق، والمستقيم لا يكون متعباً معوجاً لأنه يكون طويلاً إذا لم يكن مستقيماً، وهذه الاستقامة التي يروى في الأثر عنها – ولا أعلم صحة الحديث – أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) قال: (شيبتني هود) لأن فيها (فاستقم كما أُمرت ومن تاب معك)، وهذه الاستقامة تعني أن يكون الإنسان على الطريق.
وحين قال (اهدنا الصراط المستقيم) يُفترض أن ينتهي عند هذا القول، لكن كأن الصراط المستقيم كلام عام، وأراد له أن يُبيّن ما المقصود بالصراط المستقيم، ومعلوم أن الصراط المستقيم هو دين الله تعالى، لكن كأنما أريد له أن يفصل: الصراط المستقيم: (صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضآلين)، علماؤنا هنا يقولون: إن البشر في الأصل صنفان: مُنعَم عليهم (مؤمنون)، الذين أنعمت عليهم من المؤمنين، من الصالحين من أتباع هذا الدين، غير المغضوب عليهم، وغير مؤمنين، وغير المؤمنين صنفان: علماء لم يتبعوا الدين (علموا الدين ولم يتبعوه)، وأناس لم يعلموا هذا الدين.
العالم الذي ينحرف عن دين الله يُغضِب الله سبحانه وتعالى؛ لأنه علم الحق ولم يتبعه: (وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ (206) البقرة) هو يعلم الحق كالوليد بن المغيرة حين وصف القرآن، قال إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة، وصفه حتى قيل له أصبأت؟ قال لا.
(وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآَنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ (26) فصلت) فلو فتحوا قلوبهم لآمنوا، لكنهم يعرفون وينحرفون، فهؤلاء يُغضبون الله سبحانه وتعالى، فهم مغضوب عليهم؛ لأنهم علماء انحرفوا.
والفريق الآخر: هم الضالون الذين لم يعرفوا شيئاً.
فالمسلم يدعو الله عز وجل أن يرزقه الصراط المستقيم، لا صراط هؤلاء، ولا صراط هؤلاء، فهذه قسمة حاصرة كما يقولون، هم ثلاثة أصناف، فلا مجال لرابع.
لم تكف عبارة الصراط المستقيم، ففصَّل رب العزة، وهو يعلّمنا أن نقصد بالصراط المستقيم (صراط الذين أنعمت عليهم) على مر العصور، فالمسلم ضمن قافلة طويلة ممتدة، فصراط الذين أنعمت عليهم توضيح للصراط المستقيم وبيان له، كما يقول الشاعر (أقسم بالله أبو حفص عمر) فأبو حفص معروف أنه عمر، لكنه حاول أن يبيّن لعلّ هناك أبا حفص آخر.