فى سورة الكافرون، ما دلالة الزمن في الآيات؟ وما دلالة تكرار (ولا أنتم عابدون ما أعبد)؟
ج- (د.فاضل السامرائى): نقرأ السورة:(قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6)) الملاحظ أنه بالنسبة أنه نفى عبادة ما يعبدون عن نفسه بالحالتين الاسمية والفعلية فقال (لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ) أعبد فعل مضارع و (وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ) عابد اسم، وبالنسبة لهم نفى عنهم عبادة ما يعبد بالاسمية وحدها فكرر (وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ) مرتين. ونلاحظ أيضاً أنه نفى بالفعل الماضي والمضارع (لا أعبد ما تعبدون) (مضارع)، (ولا أنا عابد ما عبدتم) (ماضي)) إذن نفى عبادة ما يعبدون عن نفسه بالاسمية والفعلية والماضي والمضارع الذي هو الحال والاستقبال، ونفى عنهم بالاسمية فقط (وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ). الآن اتضحت لها صورتان ما نفاه عن نفسه الاسمية والفعلية والماضي والحال والاستقبال، ما نفاه عنهم الاسمية ونحن نعرف أن الاسمية تفيد الثبوت والفعل يفيد الحدوث والتجدد إذن هو نفى عن نفسه عبادة ما يعبدون بالحالة الثابتة والمتجددة، في الماضي (عبدتم) والحال والاستقبال (تعبدون)، ونفى عنهم عبادة ما يعبد بالجملة الاسمية أي في حالة الثبات (عابدون)، هو نفي عن نفسه الاسمية الثابت والفعلية المتجدد والماضي والحال والاستقبال نفى عن نفسه كل شيء ممكن وهم الحالة الثابتة معناها أن إصراره على عبادته ودينه أقوى من إصرارهم لأنه نفاها في كل الحالات الثابتة والمتجددة والماضي والحال المستقبل وكل الحالات فهو أقوى. قوله تعالى:(وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ) قد يقال عابدون هي أيضاً دائمة والاسم صحيح أنه يفيد الثبات والدوام وكررت لكن ليس بالضرورة أن الاسم يدل على الحال الدائمة مطلقاً، يعني لما تقول هو جواد هذا اسم يعني كريم لكن هل هو هكذا في كل الأوقات وفي كل الساعات؟ ألا ينام في الليل؟ هذا على التغليب، في غالب الأمر الحالة الثابتة. أو هو حليم أي لا يغضب؟! رحيم أي لا يعاقب؟! إذن قد تنفك عنه الحالة. لكن بالنسبة للرسول (صلى الله عليه وسلم) هو الحالة الثابتة والمتجددة لن تنفك وإذا انفكت فأيضاً إلى عدم العبادة الفعل والاسم. يعني الحالة الثابتة عدم عبادة ما يعبدون والمتجددة أيضاً عدم عبادة ما يعبدون. إذا انفكت حالتهم وقد تنفك لا يعبد ما يعبدون. أيضاً هذه مناسبة لمّا قال:(قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) الكافرون جاءها بالصفة الاسمية فنفى الوصف أيضاً بالصفة الاسمية (وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ) لم يقل الذين كفروا فلما جاء الوصف بالاسمية جاء وصف العبادة بالاسمية إذن كل تعبير له غرض.
س- قال تعالى في سورة الكافرون (لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3))لا أعبد (فعل) للرسول (صلى الله عليه وسلم) ثم ولا أنا عابد (اسم) وللكافرين (ولا أنتم عابدون ما أعبد) هل لهذا أثر في المعنى؟
ج- (د.فاضل السامرائى): قال تعالى في سورة الكافرون:(قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ {1} لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ {2} وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ {3} وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ {4} وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ {5} لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ {6}). النفي في حقّ الرسول عليه الصلاة والسلام ورد مرتين ونُفي في حالتين: الأولى نفى عن نفسه عبادة ما يعبد الكافرون بالجملة الاسمية والفعلية والفعل جاء بصيغة الماضي (ولا أنا عابد ما عبدتم) مرة والمضارع مرة أخرى(لا أعبد ما تعبدون) ) أما في حقّ الكافرين فجاء النفي في الجملة الاسمية فقط في قوله تعالى:(ولا أنتم عابدون ما أعبد) وهذا يدل على إصرار الرسول عليه الصلاة والسلام وإيمانه بعقيدته أكبر وأثبت من إصرار الكافرون. وقد نفى الله تعالى عن الكافرين العبادة بالجملة الاسمية للدلالة على الثبوت ونفاها عن الرسول بالجملة الفعلية والاسمية دليل على إصراره على عبادة ربه على وجه الدوام وبالحدوث والثبوت وفي الحال والماضي. يدخل ضمن القاعدة اللغوية (لا أعبد ما تعبدون) نفى عنه عبادة ما يعبدون بالصيغتين الاسمية والفعلية بالحالة المتجردة (لا أعبد) والثابتة (عابد) لأنه أحياناً الانسان قد يكون على حالة ثابتة لكن قد يخرج عنها أحياناً لكن تكون الصفة الغالبة عليه. إذا قلنا كريم لا يعني أنه كريم طيلة أربع وعشرين ساعة. بالنسبة للرسول (صلى الله عليه وسلم) إذا خرج من الحالة الثابتة يكون في الحالة المتجددة التي نفى تعالى عنه العبادة للأوثان فيها، لكن بالنسبة للكافرين نفى عنهم حالة الثبات واو لاحظنا الفعل (تعبدون) في الحال والمستقبل و(عبدتم) في الماضي استوفى كل الأزمنة الماضي والحال والاستقبال .
بالنسبة للرسول (صلى الله عليه وسلم) نفى عنه عبادة ما يعبدون في الماضي والحال والاستقبال الثابتة والمتجددة بينما هم نفى عنهم (ولا أنتم عابدون ما أعبد) في الحالة الاسمية فبقاؤه (صلى الله عليه وسلم) على عقيدته أقوى وأثبت وأدوم من بقائهم على عقيدتهم.
وجاءت الجملة الاسمية لأنه جاء اسمهم (قل يا أيها الكافرون) فجاء النفي بالجملة الاسمية لأنه جاء تعريفهم بالاسم (الكافرون).
ما الفرق بين (ما) و (من) في الإستخدام اللغوي؟
ج-(د.فاضل السامرائى):في اللغة تستعمل (ما) لذوات غير العاقل ولصفات العقلاء (وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ (29) طه) ماذا في يمينه؟ عصاه، (تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا) لذات غير العاقل ولصفات العقلاء. تقول من هذا؟ هذا فلان، تسأل ما هو؟ تسأل عن صفته فيقال مثلاً هو تاجر، (من هو؟) تسأل عن ذاته. (ما) هي تستعمل لأمرين: لذات غير العاقل ولصفات العقلاء (فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء (3) النساء) عاقل وربنا سبحانه وتعالى يستخدمها لنفسه كما جاء في سورة الشمس (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7)) يتكلم عن نفسه سبحانه. (ما) تقع على صفات أولي العلم جميعاً حتى قسم من النُحاة أدق لا يقولون العقل لأن الله تعالى لا يوصف بالعقل ولا يصق نفسه أنه العاقل وإنما العالِم، فيقول النحاة لذوي العلم وذوات غير العاقل. في سورة الليل قال تعالى (وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى (3)) من الخالق؟ الله سبحانه وتعالى، في سورة الكافرون:(وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3)) ما أعبد هو الله تعالى، (وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ (4)) الأصنام غير عاقلة و(ما) تستعمل لذوات غير العاقل وتستعمل لصفات العقلاء.
(من) إذا إنفردت تكون لذوات العقلاء تحديداً، قد تستعمل في مواطن تخرج عن هذا الأمر مثلاً أنت تُنزِلأ غير العاقل منزلة العاقل، تتكلم مع حصانك يقولون لك: من تُكلِّم؟ تقول: أكلِّم من يفهمني، من يحفظني، هذا تجوّز. في الأصل أن (من) لذات غير العاقل وأحياناً يشترط العاقل مع غير العاقل فتطلق عليهم (من) فيصير تفصيل (وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِن مَّاء فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاء إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (45) النور) من يمشي على بطنه غير العاقل، من يمشي على رجلين الإنسان، اجتمعت في عموم فصّل بـ (من) لها مواطن. أما إذا انفردت فلا تكون إلا للعاقل (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14) الملك) لذي العِلم.

اترك تعليقاً