د.أحمد الكبيسى:
قال الله ( وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ﴿51﴾ البقرة) ، وفي آية أخرى قال (وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ ﴿142﴾ الأعراف) لماذا مرة أربعين ومرة ثلاثين زائد عشرة؟ ما الحكمة؟
فعلاً بحثنا عنها في كل مكان فلم نجدها. والذي حصل ما يلي: كلهم قالوا إن الله في الحقيقة قال لموسى: صم، فلا ينبغي ولا يليق بك أن تقابل الله عز وجل ، وأن تكلمه وأنت مليء بالطعام والغازات، فرب العالمين سبحانه وتعالى أراد أن يهيئ سيدنا موسى تهيئة كاملة بحيث يستطيع أن يصمد أمام تلك الحالة الوحيدة الفريدة له في التاريخ، وهو أن الله كلّمه.
في الآية الأساسية الأولى (وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً) قال الله يا موسى صم ثلاثين ليلة، وفعلاً شهر الصوم في كل الأديان شهر، ولما صام ثلاثين يوما جلس حوالي يوم كامل يفرك أسنانه وينظفها، وينظف رائحة فمه، إذ سيكلمه رب العالمين وجهاً لوجه، فهذا اختراع من سيدنا موسى هداه إليه عقله والتفكير البشري المنطقي. كلنا حين تقابل أنت وجيها، تقابل أميرا، تقابل شيخا تضع عطراً، وتنظف ملابسك حتى تليق بمقابلة الملوك، فما بالك بملك الملوك؟! سيدنا موسى فعلاً تعطر وتزين، وغير من شكله، مقابلة ملكية، يا الله !! مقابلة تاريخية لم يحظَ بها إلا موسى من جميع بني آدم إلى يوم القيامة.
ونظف موسى أسنانه بالتراب، فلما فجاء سيدنا موسى إلى رب العالمين كأنه عريس، قال الله له: ما الذي فعلته؟ – فيما معناه طبعاً، هذا كلامنا، نحن نشرح- قال أنا أتيت لأكلمك، فقال له: أنا أمرتك بالصيام لكي أشم رائحة فمك (لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من رائحة المسك)، كل عطور الدنيا لا تساوي عندي وأنا رب العالمين، نفحة من نفحات فمك التي ترونها غير لائقة، أنا أراها مسكا، أطيب عندي من رائحة المسك، لأنه ما من عبادة أحب إليَّ من عبادة الصيام (كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي) فأنا أحب أن أشم رائحته – بما يليق به سبحانه وتعالى- رائحة فم الصائم التي تضايقنا نحن هي عند الله خيرٌ من كل عطور الدنيا، فقال له اذهب فصم عشرة أيام أخرى، ولا تنظف فمك وتعال. واضح إذاً الفرق (وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ)، ثم قال الله (فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ﴿142﴾ الأعراف).

اترك تعليقاً