آية (6):
س- في قوله تعالى: (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا (6)) ما معنى الرهق؟
ج- الرهق هو غشيان المحارم، إرتكاب المحرمات والمآثم وتأتي بمعنى الذِلّة وليس مجرد التعب. المعنى إذن أن الإنس استعاذتهم بالجن زادوهم كِبراً وكفراً وضلالاً. والعرب يقولون كانوا إذا أمسى المساء في وادي قفر واضطروا إلى أن يبيتوا في القفر (القفر صحراء ليس فيها زرع) خاف على نفسه فكان يقول أعوذ بسيد هذا الوادي من سفهاء قومه يقصد الجنّ كانوا يرون أن الجن منتشرون في الأرض وهو يخاف أن يمسه من الجن شيء فكان يقول أعوذ بسيد هذا الوادي من سفهاء قومه يلجأ لسيد الجن حتى يمنعه من سفهاء الجن. (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ) يعوذون بمعنى يستعينون بهه ويلجأون إليهم فهم كانوا يحتمون بهم. كيف زادوهم رهقاً؟ أولاً من الذي زاد رهقاً؟ الجن أم الإنس زادوا رهقاً؟ كانوا يستعيذون في بعض مسائلهم إذا خشوا على أنفسهم من الجن والجن إذا سمعوا ذلك استكبروا وقالوا سُدنا الجن والإنس هذا من الرهق استكبروا وعتوا، إذن الجن هم الذين زادوا رهقاً .واحتمال آخر أن الجن زادوا الإنس رهقاً بقوا يستعيذون بهم وهذا ضلال فبإغوائهم واستعاذتهم بهم زادوا إثماً وضلالاً إذن فيها احتمالين والإحتمالان قائمان ولذلك لم يذكر من الذي زاد، زاد فعل والواو فاعل والضمير (هم) يعود على الجن والإنس معاً لأن الإنس ازدادوا رهقاً بغشيانهم للمحارم واستعاذتهم بالجن وما إلى ذلك وغواية وضلالاً وأولئك زادوا كبراً وقالوا سُدنا الجن والإنس فكلاهما ولذلك لم يذكر يعود الضمير على من ليشمل كليهما الإنس والجن، الجن ازدادوا رهقاً وعتواً وتجبراً والإنس زادوا ضلالاً وغواية وهذا من قبيل التوسع في المعنى لأنه يريد المعنى إذن كلاهما وارد كون الإنس يستعيذون بالجن هذا ضلال وأولئك يزدادون كِبراً وتجبراً ويرهقونهم أيضاً.
س- الآية يستدل بها من كثير من المسليمن أن الإنس يحضر الجن والجن يطلب منه طلبات.. فما تعليقكم على هذا؟
ج- يقال: إن الجن يطلب طلبات والإنس يطلب طلبات. قال تعالى: (وَيَوْمَ يِحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُم مِّنَ الإِنسِ وَقَالَ أَوْلِيَآؤُهُم مِّنَ الإِنسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِيَ أَجَّلْتَ لَنَا (128) الأنعام) كلها غواية، الإنس يزداد غواية وضلالا, والجن يزداد غواية وضلالاً؛ ولذلك لم يقل فأرهقوهم، هو قال فزادوهم رهقاً, إذن الرهق موجود فكلما يستعيذ به يزداد والاستعاذة بحد ذاتها رهق فكلما استعاذ يزداد ضلالاً على ضلال لم يقل فأرهقوهم وإنما قال فزادوهم رهقاً.
س- (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنّ) أخّر الفعل يعوذون عن (كان) وفي آية قبلها (وأنه كان يقول سفيهنا)؟ ألصق يقول بـ (كان) فلماذا؟
ج- ذكرنا في الآية السابقة قول الله سبحانه: (وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا (4)) قلنا فيها ضميران للشأن (أنه) واحد وفي (كان) هي ضمير الشأن (كان سفيهنا يقول) وضمير الشأن يفيد التفخيم والتعظيم هذا حكم عام. إذن هناك بينا سبب الصيغة والآن نأتي إلى الآية: إذن ضمير الشأن يفيد التفخيم والتعظيم وكلما كانت ضمائر الشأن أكثر كلما كانت المسألة أهم. عندنا الآن مسألتين المسألة الأولى: (وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا) كان يقول اتخذ صاحبة وولداً: (وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا (3)) فرد عليهم: (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنّ). أيها الأكبر الشِرك أم هذه المسألة؟ الشِرك أكبر, وقولهم اتخذ الله صاحبة وولداً أكبر من هذه المسألة, إذن هما ليسا بمرتبة واحدة لو قال (وأنه كان يعوذ) سيصير مرتبة واحدة, ويصير فيها ضميران للشأن وهما ليسا بمنزلة واحدة قطعاً لأن ذاك شرك واتخذا صاحبة وولداً، الشرك أكبر من هذا, ولذلك في الميزان البياني لم يساوِ بينهما في المرتبة اللغوية من حيث الدلالة, لأن المسألة مختلفة من حيث العقيدة.
إذن القرآن لا يوظّف الكلمة إلا في مكانها الصحيح، ميزان دقيق في البيان والدلالة، ما يحتاج التأكيد يؤكد بمؤكد أو اثنين أو ثلاثة وما لا يحتاج لا يؤكده. ثم قال: (يعوذون) فجاء بالفعل المضارع الذي يفيد التجدد ولم يقل عاذوا أو استعاذوا أو كانوا قد عاذوا والمضارع فيه تجدد وخاصة لما يأتي بعد (كان)، الفعل المضارع بعد (كان) يدل على الاستمرار، (كان يفعل) يدل على الاستمرار فمعنى أنه كان يعني تجدد ازداد الرهق لأنه لما كان الاستمرار في الاستعاذة صار الزيادة في الرهق، هذا يستمر والرهق يستمر.

اترك تعليقاً