آية (67):
س- (فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى (67) طه) لماذا كرر إسم موسى في الآية مع استخدام الضمير في (نفسه)؟
ج- (د.فاضل السامرائى): فيها تقديم وتأخير وليس فيها تكرار، أصل الكلام فأوجس موسى خيفة في نفسه ليس فيها تكرار، هي فيها تقديم وتأخير فصل بين الهاء والفاعل ولم يحصل تكرار. وقد أخّر موسى لأنه مدلول عليه من السياق. ثم هناك أمر آخر تقديم (في نفسه) أهم من تقديم موسى لأنه في مقام بينه وبين السحرة اختبار، هنا فأوجس في نفسه لأنه لو ظهر عليه الخوف – والخوف قد يظهر على الإنسان- فالخوف – كان في نفسه- لم يظهر على وجهه لذلك قال: (فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى) لو قال: فأوجس خيفة يعني ظهر على وجهه كما في قصة إبراهيم قال تعالى: (فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ (28) الذاريات) معناه: ظهر الخوف عليه. موسى أوجس خيفة في نفسه لم تظهر عليه لأنها لو ظهرت لكانت علامة ضعف وعدم ثقة, إذن تقديم (في نفسه) أهم من تقديم الفاعل. ربنا ذكر مع أنه قال لموسى: لا تحف ذكر هذا الأمر وهذا يعتري البشر فحدد مكان الخيفة والتوجس في نفسه (فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى) لم تظهر على وجهه. هذا التقديم إذن له دلالة. الكلام في السياق كله مع موسى (قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى (65) طه) وقبله مناظرته مع فرعون وفي الآية قال (قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى) وتقديم (في نفسه) أهم من تقديم موسى. بينما في يوسف قال تعالى: (فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ (77) يوسف) أخّر (في نفسه) لأن كلمة أسرّ يعني في نفسه لم تظهر (في نفسه) جاءت متأخرة وتضيف دلالة لأن حتى الإسرار قد يكون كلاماً مع شخص كما قال تعالى: (وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا (3) التحريم) فيقدم عندما يكون السياق محتاجاً إلى التقديم ويؤخر عندما يكون السياق محتاجاً للتأخير. قدّم (في نفسه) حتى لا تظهر عليه علامات الضعف, والآية أصلاً ليس فيها تكرار ثم إن موسى الذي خاف وليس هارون, وموسى من أولي العزم فكم كانت قوة السحر؟! (قَالَ أَلْقُوْاْ فَلَمَّا أَلْقَوْاْ سَحَرُواْ أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ (116) الأعراف).وتعرب كلمة (خيفة) تُعرّب مفعولاً به “أحس خيفة”. والفاعل (موسى).

س- ما دلالة تقديم (في نفسه) على (موسى) في قوله تعالى: (فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى (67) طه)؟
ج- (د.فاضل السامرائى): أولاً أخّر موسى وجعله في آخر الآية وهذا ليس لفواصل الآيات في سورة طه, وهي ليست لذلك فقط, وهذا أمر حتى لو لم يكن فاصل آية تقتضيها الدلالة. أولاً أخّر موسى لأن السياق معلوم أنه في موسى حتى لو لم يذكر موسى في السياق المعلوم موسى (فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى) لأنه قبلها قيل: (قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى (65)) إذن هو الكلام في موسى. إذن لو تأخر أو حُذِف فهو معلوم، هذا أمر. تقديم (في نفسه) هذا مهم جداً. خارج القرآن نقول فأوجس موسى خيفة في نفسه، هو قدّم (في نفسه) هذا التقديم مهم جداً في مثل هذا الموقف, لأن ظهور الخوف عليه يدل على عدم الثقة, فلو قال: فأوجس خيفة ولم يقل (في نفسه) إيجاس الخوف قد يظهر على المرء. أوجس أي أحسّ لأن الخوف قد يظهر على الإنسان بدليل إبراهيم لما قال (فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً (28) الذاريات) لم يقل في نفسه قالوا (قَالُوا لَا تَخَفْ) ظهرت عليه علامة الخوف. الإحساس قد يظهر على المرء أنه خائف. لو لم يقل في نفسه نفهم أنه قد يكون ظهر عليه وفي ظهور الخوف عليه دلالة ضعف وعدم ثقة. إذن (في نفسه) مهمة جداً لأنه لم يبدُ على موسى علامات الخوف مطلقاً وإن كان في نفسه خائفاً, لذلك أهم شيء أن يذكر (في نفسه) حتى لا يظهر عليه. نلاحظ في سورة يوسف قال (فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ (77) يوسف) هو أسرّها بمعنى أخفاها لأن الإسرار في حد ذاته إخفاء. هذا أمر وهنالك أمر آخر لو قال فأوجس موسى خيفة في نفسه هذا يحتمل أنه ذمّ لموسى أنه ثمة خوف كامن في أعماق نفسه في الأصل ظهر الآن. هنالك خيفة كامنة في نفسه أحسّها كما تقول أظهر موسى خوفاً في نفسه إذن نفسه منطوية في الأصل على خوف أحس به. أظهرت ودّاً لمحمد الودّ موجود أظهره. فلو قال فأوجس موسى خيفة في نفسه لكان ذمّاً لموسى لأن معناه أنه في أعماق نفسه نفسه منطوية على خوف. يحتمل أمرين: إما يكون في نفسه متعلق بأوجس, وإما هي وصف للنفس (جار ومجرور صفة للخيفة) خيفة كامنة في نفسه هذه قاعدة (بعد النكرة صفات). (في نفسه) صفة متعلقة بخيفة وسيكون ذماً لموسى. وحتى لو لم تكن هناك فاصلة قرآنية, المعنى لا يحتمل هذا التقديم والتأخير؛ فالفاصلة جاءت مكمِّلة للحسن ومكمِّلة للبيان (فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى).

اترك تعليقاً