آية (100):
*لماذا استعملت (من) مع الجنات في القرآن كله (جنات تجري من تحتها الأنهار) إلا في آية سورة التوبة جاءت جنات بدون (من)؟
د.حسام النعيمى :
الآية الوحيدة التي وردت فيها من دون (من) هي الآية 100 في سورة التوبة وسورة التوبة هي آخر ما نزل من القرآن الكريم. يقول الله عز وجل (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيم) (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار) هؤلاء الذين توفي عنهم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وهم أكثر من اثني عشر ألفاً (والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم) ما قال: ثم عاد فسخط عليهم. فرضي الله عنهم أكثر من اثني عشر ألفاً من أصحاب محمد (صلى الله عليه وسلم) نحن نترضى عنهم جميعاً كما رضي الله عنهم. (وأعدّ لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا) أعدّ لهم إذن علِم أنهم سيموتون على طاعته ولذلك أعدّ لهم جنات وبيّن أنهم خالدون فيها أبداً.
عندنا حرف الجرّ (من) له عدة معاني في اللغة عموماً: قد يكون للتبعيض عندما تقول: أخذت من الدراهم فأنفقتها أي بعضها. وقد يكون لابتداء الغاية: خرجت من مكان كذا، كان ابتداء غايتي من هذا المكان، من هنا ابتدأت. السياق يؤدي إلى المعنى وقد تكون زائدة: ما جاء من رجل، لا يعقل أن يكون بعض رجل فتكون هنا زائدة لغرض التوكيد. في جميع الآيات في القرآن الكريم يقول لما يتكلم على (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ) حيثما وردت تأتي (من تحتها) إلا في هذا الموضع (تجري تحتها) . لما يقول (تجري من تحتها) كأنما نبع النهر يبدأ من هناك: من تحت تلك الجنان ليس من أسفلها لكن من عندها. تجري من تحتها معناها النبع يكون في الجنة تنبع من تحتها . (تجري تحتها) ممكن أن تكون نبعت من مكان آخر وجرّت تحتها ومرّت بها. الأقوى هو الذي يجري من تحته، الذي يتفجر من تحته ويجري. هذه الآية في سورة التوبة فيها قراءة سبعية أهل مكة كانوا يقرأون: تجري من تحتها الأنهار يعني جبريل (عليه السلام) نزل (تجري تحتها الأنهار) ونزل (تجري من تحتها الأنهار) لماذا؟ بشكل خاص في هذا المكان؟ إنه نزل بلفظين
(تحتها) (ومن تحتها) معناه أن هذه الجنات لصحابة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) هذه الجنات المياه التي فيها صنفان: مياه تتفجر من داخلها ومياه تأتيها من كل مكان. فبالجمع بين القراءتين لأن أهل مكة جميعاً كانوا يقرأون: من تحتها وهذه قراءة ابن كثير. وهنا نقول العناية بالقراءات التي هي بقايا الأحرف هو عِلم الخاصّة. نحن عندنا مثلاً في الموصل الشيخ إبراهيم المشهداني أمدّ الله في عمره وولده محمد معنيٌّ بالقراءات والإقراء لكنه لا يقول اذهبوا فانشروا هذه القراءة بين الناس وإنما هو علم للخاصّة لطلاّبه نستفيد منه في هذا الموضع حتى نبيّن قيمة أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أن جبريل ينزل مرتين مرة يقرأ فيها (تحتها) ومرة يقرأ فيها (من تحتها) فيحفظ جمهور من المسلمين لهؤلاء (تحتها) وجمهور (من تحتها). فلما تجتمع القراءتان معناه الجنان التي لأصحاب محمد (صلى الله عليه وسلم) تختلف عن جنان سائر الناس. سائر الناس تجري من تحتها الأنهار، تتفجر الأنهار وتمضي لكن أن تتفجر فيها وتأتيها من كل مكان، هذه الصورة خاصة بجنان صحابة رسول الله (صلى الله عليه وسلم).

اترك تعليقاً